صفحة الكاتب : عماد يونس فغالي

أيّها الدكتـــور... في المحبـَّــة
عماد يونس فغالي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 

لم أكن أعرفكَ لمّـا سمعتُ باسمِك. لكـنّي سمعتُ بكَ محبوبًا من الجميع: "الدكتور فرحات شو بدّك فيه"، "الدكتور فرحات بيعـقّد". لمّـا عُـيّنتَ رئيسنا في قسم اللغة العربيّة وآدابها للفرع الثاني من الجامعة اللبنانيّـة، رأيتُ الفرح على وجوه الطلاب وأحسستُ بالغبطة في قلوبهم، ولم أكن أعرفكَ بعد. لم أتساءل لماذا الإجماع على حبّ هذا الأستاذ في القسم، بل شعرتُ أنـّي أنا أيضًا سأحبّـكَ لمّـا أتعرّف إليك. وسنحت الفرصة والتقينا خارج الجامعة. وأحببتُكَ. بل أكثر بكثير: تعلّقتُ بكَ، وقلتُ في نفسي: تعلّم يا عماد كيف يكون المعلّم، واعتبرْ، هكذا يكون أصحاب المراكز الأكاديميّة.    

من يومها وأنا ألتقيكَ في الجامعـة كأنّي ألتقي أبًا لي. من وقتها وأنا أبحر في سفينة اختصاصي، موقنًا أنّـي سأصل إلى بَرّ العلى. فقائد السفينة ربّـان مميّـز، لا يدير الدفّة بتقنيّة أكاديميّة ماهرة وحسْب، بل هو واقف على خدمة كلّ مسافر في بحر الأدب العربي، يقدّم له الطعام في حينه تشجيعًا ومعلومات. ويفتح أمامه الآفـاق اللامتـناهية في فضاء الدراسات العالية والأبحاث المعمّـقة. ولا يبخـل عليه بأيّ دعمٍ يستطيع إليـه سبيـلا. وكـلّ ذلك بمحبّـة أبويّة مجانيّة، وهو لا يبغي إلاّ أن يرى طلاّبه يحلّقون في سماء الثقافة الأدبيّة العالية. فينظر إليهم بعين الرضى، فخورًا بنسورٍ يحملون رسالة الحضارة إلـى كلّ غصن يحطّون عليه، وإلى كلّ بقعةٍ من الأرض يرتاحون على ترابها.   

 

دكتور فرحات، رحلتَ بعيدًا، وقد رحلتَ باكرًا. رحلتَ مخلِّفًا وراءكَ جامعة هي بأمسّ الحاجة إلى مداميكَ حيّـة أمثالك، أبنيتُها أدمغة نابغات. رحـلتَ تاركًا بعدكَ مسؤوليّة في كليّة الآداب، جعلْتَها صعبة على من سيخلفـكَ فيها. 

غادرتـَنا رغم تشبّـثنا بك. لأنّ القوّة التي أخذتكَ منّا – آه من تلك القوّة الخبيثة – أقوى من إرادتنا في بقائك. غبتَ عنّا نعم، لكنّك لم تمُت. لن نشعر أبدًا أنّكَ بعيد. إنّكَ حيّ معنا في القيم التي عشتَ، من خلال علاقاتكَ مع زملائكَ والطلاب. في المبادئ التي بنيتَ عليها حياتك المهنيّة والاجتماعيّة. ستخلُد في أذهاننا دكتورَ البسمة الدائمة والوجه البشوش. ستبقى في قلوبنا دكتور الاستقبال الحارّ والكلمة اللطيفة. ستُحفـر صورتكَ في ذاكرتنا دكتور التواضع والبساطة. ستحيا أيّها الدكتور في كلّ صدىً يُسمع في الجامعة يردّد تشجيعًا لطالب. ستحضر فـي كلّ فرحةٍ لشهادةٍ تُعطى لمستحقّ. ستشارك روحكَ في كلّ خدمةٍ تقدَّم لصاحب حاجة. ستفرح ذكراك لكلّ انتصار أدبيّ أو تقدّم علميّ يسجّله باحث تتلمذَ عليك. 

عزاؤنا أيّها الدكتور أنّـكَ في الموت تصحو على صباحٍ أبدي، حيث تعاين نور صاحـب الحياة التي لا تنضب، يدعوكَ إليه بصوته الطيّب الكثير العذوبة: "تعال أيّها المبارك، أدخل فرح سيّدك، لأنّي كنت طالب علم بسيط، فغمرتني بآفاق المعرفة اللامحدودة. كنتُ محتاجًا لفتة إنسانيّة، فأفضتَ عليّ حبًّا خالصًا مجانيًّا. كنتُ أكتفي بأهلا وسهلا، فكرّمتـَني باستقبال حـافل. أدخل فرح سيّدك، المعدّ للعظام أمثالك. هناك تنال أضعاف ما أعطيت، وترث المحبة أضعاف ما أحببت".  

 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عماد يونس فغالي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/04/27



كتابة تعليق لموضوع : أيّها الدكتـــور... في المحبـَّــة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net