هي رواية عراقية تدخل في ادب السجون , حيث تدور احداثها وشخوصها , في عالم السجون والمعتقلات العراقية , وما يدور داخل الاسوار والقضبان الحديدية . من انتهاكات صارخة لحقوق الانسان ومسخ المواطنة , وتمزيق كرمته وقيمته الانسانية بشكل بشع غير انساني , بسرد روائي مترابط ومتناسق في اسلوب سلس يجذب القارئ على متابعة احداثها , بتصوير سينمائي رائع , واسلوب مختصر وشيق وشاعري , ومشحون بمختلف الاحاسيس والعواطف , في عالم زاخر بالتناقض , فقد تجد الثوري والفوضوي والرومانسي الحالم والمتردد والخائف من اهوال السجون ومتاعبها . الرواية تتحدث عن شاب من كركوك , اراد ان يتمتع ويتسلى في اجازته في مدينة بغداد , وجل تفكيره الحصول على عاهرة , , تأخذه الى البيت لينام معها حتى الصباح , في قضاء ليلة سعيدة وممتعة . ولهذا ذهب الى احد المقاهي , التي يتواجد فيها ( القوادين ) على امل الاتفاق باحدهم , ولكن فجأة تداهم الشرطة المقهى , ويجد نفسه محصورا مثل الفأرة بين رجال الشرطة ( تعال ايها الفار البطل ) وقبل ان يتفوه تنهال عليه اللكمات والصفعات , ويحشرونه مع المعتقلين ( لقد عرفته انه واحد منهم ) نطقها احد افراد الشرطة وهو يدفعه بقوة داخل الشاحنة . ويبدأ يشغل ذهنه بالمصيبة التي وقعت على رأسه , وبدأ يقتله التفكير في الايام الاولى في معتقل القلعة , ويتسائل عن فحوى التهمة التي يوصم بها , كم هو معيب ان يتهم بانه ( قواد) يتاجر بالنساء , ولاسيما وان المقهى تتواجد فيه هذه الفئات , وفجأة يجرجر الى غرفة التحقيقات والضربات تنهال عليه بقسوة شديدة ( لقد افسدتم العالم , ولابد ان تدفعوا الثمن ) يصرخ به مامور السجن , ويتسائل داخل نفسه ( هل انا مسؤول حقا عن فساد العالم؟ ) ويقول
- ولكن ماذا فعلته حتى استحق الاعتقال؟
- ألا تعرف ؟ حسنا ستخبرنا بنفسك
وتهجم عليه الافكار المتعبة ( هل اني اكره السلطة ام احبها ؟ لم تكن قضيتي , وانما اعتقلت بالخطأ ) وظل منزويا تداهمه شتى الافكار المتناقضة والبائسة والتعيسة . وابتعد عن معاشرة المعتقلين . وكان يناجي نفسه كلما سمع صرير مفاتيح باب الزتزانة , ويظن ها هم ادركوا خطأهم باعتقالي , ويستيقظ من غفوته من كلام احد المعتقلين
- لسنا وحدنا هنا , ان شعبنا كله يقف الى جانبنا في الليل والنهار , وحتى داخل غرف التعذيب
- لقد جاؤوا بك مع موزعي المنشورات , هل كنت واحدا منهم؟
- كنت جالس في المقهى عندما دخلت الشرطة
وينتظر ايام على امل يوارده ويقتله في دوامة التفكير , عسى ان يصححوا الخطأ والاجحاف , واية عدالة هذه التي قذفت به الى معتقل سياسي , ولم يدر في خلده ان ناقش امورسياسية او اهتم بها , لانها امور لايستسيغها ولا يحبذها لا من قريب ولا من بعيدا , كانت السياسة بعيدة عنه وهو بعيد عنها بشكل شاسع ولايفقه منها شيئا . وبدأ يراقب عن كثب اعمال ونشاطات المعتقلين , لقد كانوا منكبئين كخلية نحل على ممارسة اعمال مختلفة , من غسل اواني الطعام ,الى تحضير سفرة الاكل , الى اعمال التنظيف , ومنهم من منهمك بالقراءة ومن من يمارس الرياضة داخل الزنزانة , ومنهم من يلعب شطرنج , ومنهم من يحاول ان يتعلم لغات اجنبية , انهم يواصلون حياتهم في السجن , برضى يحسدون عليه. انتبه الى صرير الباب
- هل انت عزيز محمود؟
- نعم
- اذن اسمع, لقد احلنا عريضتك الى الجهات المختصة , ولكن لا تكرر ذلك مرة اخرى
ها هو الامل يوقد داخل نفسه , عسى ان يخرج من هذا المعتقل . يظل ينتظر شهور والامل بدأ يتقلص في تفكيره , في الخروج من السجن , واكتشف بان العدالة قد لا تكون دائما الى جانب البراءة . همس في اذنه احد السجناء
- ان الافراج عن اي واحد من المعتقلين يعتبر قضية سياسية , وهذا يشملك انت ايضا
- ولكن لست سياسيا
- لايهم ما تعتقد انت , المهم ما يعتقدون هم
بدأ بالتقرب الى السجناء في زنزانته ويسمع احاديثهم في السياسة والتنظير في شؤون الثورة القادمة
- ان جريمة واحدة ترتكب , يمكن ان تشوه كل جمال الثورة , اننا نحلم بثورة جميلة . . قالها منعم اقرب صديق سجين له ويثق به ومعجب بثوريته واخلاقه
- بعد قليل سوف اعرفك على والدتي وشقيقتي سلوى
راح يغص في التفكير ويردف داخل نفسه , لابد ان سلوى جميلة , فهي طالبة كلية , ترى ماذا لو كسب ودها ؟ لااعتقد سيعترض منعم شقيقها على ذلك , انه شاب رائع , طالما حدثه عن الثورة والسياسية , وماهية الثورة الشاملة التي ينبغي ان تشق طريقها الى السعادة , عبر صحراء من النار
- تعال , لا تكون خجولا . . وينظر الى شقيقته سلوى ويطرب نفسه , كم هي جميلة
- انها سلوى التي حدثتك عنها
هزت رأسها وقالت بود
- لابد انك عزيز , اشعر انني اعرفك تماما , فقد حدثني منعم كثيرا في رسائله
- هل تشعر بالاسى؟
- في البداية كنت حزينا , اما الان فلم اكترث , لقد اعتدت على الحياة الجديدة
- ينبغي ان تقاوم هذا الشعور
- ولكن العالم تخلى عنا
قالت سلوى
- انك مخطئ تماما , فنحن معكم , نحملكم في قلوبنا , مثلما نحمل العذاب
وعند انتهى وقت الزيارة همست سلوى في اذنه ( انني معك ) امتلئت اعماقه ببهجة ونور ساطع يدخل قلبه , وراح يناشد روحه ( هل اجد نفسي قريبا من امرأة جميلة , بعد ما اجتزت كل صحاري العالم ) وانزوى في ركن زنزانته , معزولا عن الاخرين , كأنه يعيش في حلم , قد توقدت شموعه , وتكررت الزيارات واللقاءات المنفردة مع سلوى , وتعززت العلاقة
- اني احبك , لماذا ترفضين حبي؟
- انت تحبني اعرف ذلك , الحب اعمى والمحبون لايطالبون ثمنا لحبهم
- هل تعرفين , كم انت رائعة؟
- مثل قلب غادره الامل , والاحلام والخيالات ,
انتبه من دوامة احلامه
- اين انت ؟ انهم يريدونك في الادارة
توقدت اوداجه بالامال والبهجة , هل اقتربت ساعة اللقاء بسلوى ؟ وهل انا استعد للخروج من المعتقل
- هل انت عزيز محمود؟
قالها مامور السجن بلهجة مليئة بالاحتقار , واردف قائلا
- لقد ذكرت في عريضتك عند دخولك المعتقل , انك شخص غير سياسي , وقد اعتقلت خطأ , إلا ان التقارير التي وصلتنا تؤكد عكس ذلك , فانت لست مجرد سياسي اعتيادي , وانما من المتطرفين جدا
- هذا مجرد كذب , انهم يكذبون عليك
- اخرس ايها الكلب , انكم لا تعرفون اي معنى للرحمة
وتهالت عليه الركلات والصفعات والضربات التي بدأت تنغرس باوجاعها في انحاء جسمه
- حسنا . نريد منك ان تتعاون معنا , وسوف نطلق سراحك من السجن
- لكني بريء قبل ان ادخل المعتقل
جره الشرطي مثل كلب حقير
- ادخل ايها النذل
ثم التفت الشرطي الى المعتقلين وقال بلهجة مصنعة بالرقة
- احذره فقد وشى بكم , ولسوف ينادون على بعضكم للتحقيق معهم
- انه يكذب . انه يكذب
وتعالت عليه الصرخات الغاضبة , ورفسات والضربات الموجعة وقبل ان يفقد وعيه تناهى الى سمعه
- هذا كلب مدسوس . الموت للخونة
عاد الى وعيه ورشده , ليجد نفسه مربوطا على سرير المستشفى وكأن كل اعضاءه انتزعت عنه , وبدأ يفكر وهو في صرعات الموت ( لقد كنت دائما بدون قضية , اما الان فقد اصبحت لي قضية , ينبغي ان ادافع عنها لانها الامتحان الوحيد لتبرير وجودي , لقد اصبحت عندي قضية منذ اللحظة التي حاصروني بها , وكنت اشعر انني سمكة يابسة فوق مسطح رملي ) فتح عينه الى المضمد واقفا امامه وقال
- لقد اوشكت على الموت . ينبغي ان تفكر في نفسك وفي المستقبل
اخذوه عنوة الى غرفة التحقيق وبدأت دورة التعذيب تنهش روحه من جديد
- لقد ضربوك , أليس كذلك؟ من هم؟
- لااعرف احد
- انهم يتهمونك بانك فوضوي , لماذا اردت ان تحرض المعتقلين على الاضراب
- لم احرض احدا . اني بريء
ابتسم المحقق وقال بخبث
- حسنا , هل تؤيدنا؟
- وهل ينبغي ان اويكم حتى اكون بريئا؟
- بالطبع
لاذ بالصمت , ولكنهم تدافعوا عليه لنهش جسمه المريض , حتى شعر ان الغرفة تدور والضياء يختفي ويحل الظلام
- سنعيدك مرة اخرى اليهم , لايوجد عقاب افضل من ذلك
وبدأت المساومات بالتعاون معهم مع وعد باطلاق سراحه , كان يلوذ بالصمت المقهور
- انه رجل خطير , لقد قلت لكم قبل ذلك
- انه يستحق حتى الموت
- قل شيئا . اعترف . ستموت
وحين ربطوه من كتفيه بالمروحة اوشك ان يغيب عن الوعي
- ها لنداعب جسده بجمرة سكائرنا
- ألا تخشى النار ايها البطل؟
عندما استيقظ وعاد له وعيه , وجد نفسه ممددا على الفراش وتحيط به وجوه كثيرة , انها تبتسم له . نفس الوجوه الغاضبة التي كانت تقف عند رأسه لتسحقه بالاحذية , احس برغبة جامحة في البكاء
- لقد ارتكبنا معك خطأ فضيع . لقد كذب علينا الشرطي
وبدأ مع الايام والشهور تعود له عافيته وصحته , وبدأت العلاقات الحميمة والودودة تنهال عليه , بعدما ازال سؤ الفهم والظن , وفي يوم من الايام سأل عن سلوى , بعدما اخذ من جديد تعود الى فكره وعقله , اين هي ؟ لماذا اختفت فجأة ؟ وقد كفت عن المجيء وانقطعت عن كتابة الرسائل
- لماذا انقطعت سلوى عن زيارتنا؟
ويتلقف الرد الصاعق , بانها خطبت وتستعد قريبا على الزواج , وتمر الايام والشهور والاحلام تتقلص وتنتفي , وينطفيء الامل في الخروج من المعتقل , ويتعود على حياة السجن
- لقد قررنا ان نسلمك قيادة المعتقل , فانت مناضل حقيقي . ارجو ان لا ترفض
تردد قليلا ثم اردف قائلا
- حسنا , ساحاول لقد تعلمت الكثير منكم , أليس كذلك؟
ومرة وقف في وجه مامور السجن وقال بلهجة افتخار
- اجل لقد حاولت ان اخدعكم , ولكن لابد من نهاية من اعلن هويتي . انني منهم
يرد عليه مامور السجن
- هذا افضل , افضل بكثير , فنحن لا نحب من لاهوية له , لاننا لا نعرف كيف نتعامل معه