لا نريد للعرب أن يغتالوا ثورتهم بداءٍ اسمُه الاستشراف
محمد الحمّار
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الحمّار

إنّ محمد البوعزيزي انتحر لأنه آمن بـ"مستقبل مظلم".إذن الإيمان بمستقبل مظلم يؤدي إلى الفناء. إذا اتفقنا على هذا القانون الأول لنرَ معًا ما الذي شكل مثل ذلك الإيمان عند الشباب مثل البوعزيزي. وسنلاحظ بسهولة أنّ الشباب العربي والمسلم عموما يستلهم حلمه (المزعج) من صورة الحاضر المادي الذي يشاهدونه عند الأغنياء والذي يريدون نيل بعضه أو مثله ويعلقون عليه كل آمالهم.
توصلنا الآن إلى قاعدة ثانية: الإيمان ببريق الواقع هو الذي يولد "المستقبل المظلم". هكذا يشتغل ما يسمى بـ"علم" الاستشراف. وإن كان حقا علما فما الجهل؟
إذن كل سياسة تتوخى الأرقام والإحصائيات دون سواها من الموارد تفضي حتما إلى تكرار الحاضر في المستقبل، وبالتالي أعتبرها حركة رجعية وجاهلة ومناوئة لثورة تونس ولثورة العرب أجمعين ومؤدية إلى الانتحار الجماعي.
من هنا نفهم كيف أن المدرسة في تونس وفي سائر البلاد العربية ترتدي جبة العلم والانفتاح على المحيط لكي تُكوّن جيوشا من المستشرفين يخدمون من حيث لا يشعرون مصالح أمريكا والاتحاد الأوروبي وسائر القوى العظمى، وهي بلدان لا تزال تعتبر الاستشراف قوة اقتصادية وإيديولوجية ضاربة، لا بسبب العيب الذي في الاستشراف، إنما بسبب استخدام العيب لاستنزاف الموارد الإنسانية والطبيعية للبلدان التي ما زالوا يعتبرونها متخلفة. فهل نحن مازلنا متخلفين؟
للإجابة عن السؤال لا بدّ من التأكد هل أننا ناضلنا من أجل مدرسة ومسجد وإعلام يُرَبون الشباب العربي، لا على الإيمان بحاضرٍ بناءًا على ما فيه من مظاهر خداعة أو من أرقام وإحصائيات وبطالة وأمراض وكوارث، أي لا على الحاضر كعقيدة، بل تُربّيه على الإيمان بحاضرٍ يكون مُنطلَقا لتحليل الظواهر والتجربة الميدانية والارتقاء بالعلوم والمعارف.
أعتقد أنّ هذا الصنف من النضال لم يبدأ بعدُ وأنه من التحديات الكبرى الآن. ولكي يكتمل المشهد، باعتبار الحلم الإيجابي المفترض أن يكون المحرّك الأساسي له ، والذي من المفترض أن يعوّض حلم الأرقام والمظاهر المزعج، يجدر بالشباب أن يعي أن كل حلم نافع هو ذاك الذي يؤمن أصحابُه بمستقبل زاهر، وأنّ هذا الإيمان، بالمفعول العكسي، شرط توفير آليات العمل من أجل واقع جديد وراقٍ، لا ذاك الذي ينطلق من الواقع الرديء أو المستحيل استنساخه، فيكرره ويتسبب في الإحباط والانتحار لدى مُعتنقيه المُكرهين.
ثم إنّ مقومات هذا النوع من الحلم الإيجابي والفعال تنتصب أمام الوجود المادي للإنسان؛ ليست منتصبة في داخل هذا الوجود؛ وليست منتصبة في الحاضر: الآخرة أمامنا؛ الجنة أمامنا، الثورة العربية الشاملة أمامنا، تحرير فلسطين أمامنا، استقلال العراق أمامنا، العقلانية العربية الإسلامية أمامنا، الوحدة العربية أمامنا، الوحدة الإسلامية أمامنا، توحيد العالم أمامنا، النظام العالمي الجديد أمامنا. فلنؤمن بها وبغيرها: والرسالة هي المعطى الوحيد الذي ليس أمامنا؛ إنّ رسالتنا ملء أيادينا الآن.
الاجتهاد الثالث
هدية جيل الكهول الشبان إلى جيل الشباب الثائر المنقذ نفسه من الشيخوخة المبكرة
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat