صفحة الكاتب : السيد علوي البلادي البحراني

الحلقة الرابعة من سلسلة شواهد تحقيق الفقهاء والمحدثين للروايات والأحاديث
السيد علوي البلادي البحراني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
متابعة سرد الشواهد:-
تمهيد
التصحيف او الأخطاء المطبعية حسب ما يقال في زماننا كان ولا زال امرا شائعا ، علما ان تراكم التصحيفات والتحريفات يؤدي لمعاني مقلوبة ودلائل معكوسة ، ومن التصحيف الطريف ما في كتاب مجمع الامثال وهو انه أمر ابن حزم عامله أن أحص لي مخنثى المدينة فتشظى قلم الكاتب فوقعت نقطة على ذروة الحاء فصيرتها خاء فلما ورد الكتاب المدينة ناوله ابن حزم كاتبه فقرأ عليه أخص
 
المخنثين فقال له الأمير لعله حصى بالحاء فقال الكاتب ان على الحاء نقطة مثل تمرة ويروى مثل سهيل فتقدم الأمير في احضارهم ثم خصاهم.
الجزء الأول من مجمع الأمثال لأبي الفضل أحمد بن محمد النيسابوري المعروف بالميداني المتوفى سنة 518 هـ.
فكيف حفظ تراثنا الروائي من التصحيف والتحريف والاغلاط؟
الشاهد العاشر:
طريقة نقل الروايات وتداولها
من البديهي ان آلات الطباعة ووسائل النشر لم تكن موجودة في القرون السالفة ، فكيف كانت طريقة نقل الروايات وتداول الاحاديث؟
الجواب: هناك ثمان طرق ووسائل لتحمل الرواية ونقلها وهي:- السماع ، القراءة ، الإجارة ، المناولة ، الكتابة ، الإعلام ، الوصية ، الوجادة.
وتفصيل ذلك كما يلي:-
الطريقة الأولى:- السماع ، وهي ان يسمع الحديث من الشيخ مباشرة ، واذا وصل الخبر للراوي عن هذا الطريق فقد يروي الخبر مستعملا تعبير (حدثني فلان) او (انبأني) او (سمعت فلانا) او (قال فلان) او (اخبرني) ولذلك تجد مثل هذه التعابير في كتب الحديث ، فالراوي المباشر قد ينقل ما سمعه من الامام عليه السلام لغيره فيقول: سمعت الامام عليه السلام يقول كذا ، ثم السامع ينقله لثالث بنفس الطريقة فيقول مثلا: قال شيخي فلان انه سمع من الامام ع كذا.
وتعد هذه الطريقة الأفضل والاعلى واوثق الطرق.
الطريقة الثانية:- القراءة وهي ان يقرأ التلميذ الرواية على شيخه من الكتاب ، فيقوم الأستاذ بالتصحيح لالفاظ الرواية او الإقرار بصحتها ، وقد يطلق عليها اسم (العرض) ، أي يعرض الكتاب على الأستاذ حتى يقرر صحته ، بان يكون الكتاب للمؤلف نفسه ووصلت نسخته للطالب فيأخذها ويعرضها على الأستاذ ويقرؤها عليه بنفسه ، فيقول: قرأت هذا الكتاب على شيخنا ، او ان يقرأ الأستاذ نفس النسخة بمحضر التلميذ مستمعا ، فيقول مثلا: سمعت من شيخنا فلان كتابه قراءة ،وكمثال على ذلك ما ورد في كتاب رجال النجاشي (متوفى 350 هجرية): حميد بن زياد بن حماد بن حماد بن زياد هوار الدهقان أبو القاسم، كوفي سكن سورا، وانتقل إلى نينوى قرية على العلقمي إلى جنب الحائر على صاحبه السلام، كان ثقة واقفا، وجها فيهم. سمع الكتب وصنف كتاب الجامع في أنواع الشرائع، كتاب الخمس، كتاب الدعاء، كتاب الرجال، كتاب من روى عن الصادق ]عليه السلام[، كتاب الفرائض، كتاب الدلائل، كتاب ذم من خالف الحق وأهله، كتاب فضل العلم والعلماء، كتاب الثلاث والأربع، كتاب النوادر وهو كتاب كبير. أخبرنا أحمد بن علي بن نوح قال حدثنا الحسين بن علي بن سفيان قال قرأت على حميد بن زياد كتابه كتاب الدعاء. وأخبرنا الحسين بن عبيد الله قال حدثنا أحمد بن جعفر بن سفيان عن حميد بكتبه. قال أبو المفضل الشيباني أجازنا سنة عشر وثلاثمائة. وقال أبو الحسن علي بن حاتم لقيته سنة ست وثلاثمائة وسمعت منه كتابه )كتاب( الرجال قراءة، وأجاز لنا كتبه. ومات حميد سنة عشر وثلاثمائة.
رجال النجاشي ص : 132، باب الحاء.
والمثال الثاني من نفس المصدر: حريز بن عبد الله السجستاني أبو محمد الأزدي من أهل الكوفة، ... له كتاب الصلاة كبير، وآخر ألطف منه، وله كتاب نوادر، فأما الكبير فقرأناه على القاضي أبي الحسين محمد بن عثمان قال قرأته على أبي القاسم جعفر بن محمد بن عبيد الله الموسوي قال قرأت على مؤدبي أبي العباس عبيد الله بن أحمد بن نهيك، قال قرأت على ابن أبي عمير قال قرأت على حماد بن عيسى، قال قرأت على حريز. وأخبرنا الحسين بن عبيد الله قال حدثنا أبو الحسين محمد بن الفضل بن تمام من كتابه وأصله، قال حدثنا محمد بن علي بن يحيى الأنصاري المعروف بابن أخي رواد من كتابه في جمادى الأولى، سنة تسع وثلاثمائة، قال حدثنا علي بن مهزيار أبو الحسن في المحرم، سنة تسع وعشرين ومائتين، وكان نازلا في خان عمرو، عن حماد، عن حريز بالنوادر.
رجال النجاشي ص : 144.
الطريقة الثالثة:- الاجازة وهي عبارة عن تسليم نسخة من كتاب الشيخ للتمليذ او المتلقي والاذن له في نسبة الكتاب للأستاذ ، فتكون الاجازة بمثابة التصديق على صحة النسخة من الكتاب وشهادة المؤلف بخلوها من التصحيف ، فيعبر الرواي بعبارة (أخبرنا إجازة) او (رويت او أروي عن فلان إجازة).
وهذه الطرق الثلاث سليمة ولا اشكال فيها.
الطريقة الرابعة:- المناولة وهي ان يعطي الشيخ تلميذه كتابا او مجموعة من الروايات ، ولا يصرح له بالاجازة بل يقول له: هذا كتابي رويته عن شيخي فلان مثلا ، فتكون هذه الطريقة اضعف من السابقة لعدم التصريح بصحة النسخة وخلوها من التصحيف ، وربما لم يكن الأستاذ راجع النسخة بنفسه فهل تعد هذه الطريقة تصديقا لصحة النسخة ام لا ؟
وهل يجوز للطالب ان يروي الكتاب او الروايات التي وصلت له عن طريق المناولة ؟ نسب للفقهاء وأصحاب الأصول عدم الجواز.
الطريقة الخامسة:- الكتابة وهي أن يكتب الشيخ لتلميذه أو لغائب مروية بخطه أو يأمر ثقة يعرف خطه فيكتب للطالب او يامر بالكتابة ، أو يأذن لمجهول ويكتب الشيخ بعده ما يدل على أمره بكتابته.
والكتابة التي لا تقترن بالاجازة يجري فيها ما جرى بالنسبة للمناولة ، وقيل فيها بعدم جواز الراوية وعدم اعتبارها.
الطريقة السادسة:- الاعلام وهي ان يخبر الشيخ تلميذه بان هذا الكتاب المعين هو كتابي او هذه الروايات رواياتي عن شيخي من دون اجازته بالرواية.
وقد وقع الخلاف في جواز الرواية الواصلة بهذا الطريق.
الطريقة السابعة:- الوصية وهي أن يوصي عند موته أو عند سفره بكتاب يرويه فلان بعد موته ، وهذه الطريقة اختلف في جواز الرواية الواصلة عن طريقها أيضا.
الطريقة الثامنة:- الوجادة وهي ان يجد الانسان كتابا او حديثا ويعلم انه لمؤلفه فلان ، من دون سماع او إجازة ، فيقول الراوي وجدت أو قرأت بخط فلان أو في كتاب أخبرني فلان أنه خط فلان ، واتفقوا على انه لا يجوز للواجد ان يقول: (حدثني فلان) او ( اخبرني فلان) ( او قال فلان) لتضمن هذه العبارات الكذب او التدليس.
وقد نسب لعدة من الاعلام عدم جواز الرواية بهذه الطريقة مع عدم الاجازة وقد يظهر تفسير ذلك من كلام الشيخ إبراهيم القطيفي في اجازته للخليفة شاه محمود ، والشيخ شمس الدين محمد بن تركي فقد قال في الاجازة الاولى: لا يقال : إذا صح الكتاب ، وتواتر واشتهر مصنفه ، جاز نسبته إليه ، فما فائدة الإجازة ؟
فنقول : الإجازة تفيد كون المجاز له يروي عنه الكتاب ، وبين إسناده إليه وروايته عنه فرق ، فإن ما شرطه الرواية لا يكفي فيه الإسناد ، ومن شروط الاجتهاد إسناد الرواية.
وقال في إجازته الكبيرة للشيخ شمس الدين محمد بن تركي :
فلقائل أن يقول : لا فائدة في الإجازة من حيث هي ، لأن الغالب عدم إجازة كتاب معين مشار إليه بالهاذية (مصدر صناعي من اسم الإشارة [هذا] مصطلح لأهل الحديث مأخوذ من قولهم : أجزت هذا الكتاب  ) ، بل هو موصوف ، وشرط صحة روايته صحته ، وكونه مصححا تصحيحا يؤمن معه الغلط ، حسب إمكان القوة البشرية.... ان إسناد ذلك إلى مصنفه مما لا يشك فيه عاقل ، ولا يلزم منه أن يكون المسند إليه راويا له عنه ، فيقول : رويت عن فلان أنه قال في كتابه كذا . وشرط الاجتهاد اتصال الرواية ، لأن النقل من الكتب من أعمال الصحفيين.
خاتمة مستدرك الوسائل المحدث الجليل الميرزا الشيخ حسين النوري الطبرسي المتوفى سنة 1320 ه‍ - الجزء الثاني- ص5 وما بعدها.
وقد تبين من هذا العرض مدى الاهتمام والتدقيق في امر الروايات والاحاديث وانهم يمنحون الاذن والاجازة في الرواية مع التأكد من صحة النسخة وخلوها من التصحيف والاغلاط.
وستاتي حلقات أخرى بإذن الله تعالى والحمد لله اولا وآخرا وباطنا وظاهرا.
http://beladey.blogspot.com.au/2013/08/blog-post_23.html
 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد علوي البلادي البحراني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/09/03



كتابة تعليق لموضوع : الحلقة الرابعة من سلسلة شواهد تحقيق الفقهاء والمحدثين للروايات والأحاديث
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net