صفحة الكاتب : محمد الحمّار

يا معتصمي العرب: لا تخافوا من الإسلام، فاعتصموا بحبل الله
محمد الحمّار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 إن ثورتكم ياشعوب تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين والمغرب شبيهة بثورة سيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه الأوائل، لأنها ثورة على الطاغوت وعلى عبادة غير الله.

وحتى إن لم تكن كذلك في أذهانكم فمن واجبكم أن تواصلوا إنجازها بنفس الطريقة المحمدية البديعة. ذلك أنّ هنالك معطى أساسا تشترك فيه الدعوة المحمدية مع ثورة العرب: التقاء الإرادة الشعبية مع إرادة الله.
لقد تحققت حقا مساعيكم في تونس 14 يناير وفي مصر 11 فبراير وسيلتحق بكم الأشقاء قريبا بعون الله. وهو دليل كافٍ على استجابة الله لدعواكم السابقة. وهذا جدّ مُهم. لكن الأهم لم يتحقق بعدُ، لا في الأرض ولا في السماء.
إنّ القضية قضية منهاج أولا، و قضية رسالة ثانيا. وحديثي اليوم يرتكز على المنهاج. فهذا الأخير يقطع قطعا شبه نهائي مع الدعوة التقليدية لأن معطى إرادة الشعب لوحده يتطلب انقلابَ الكيفية التي كان يُنظر بها إلى  الدعوة وإلى كُنه الدعوة، بحسب الانقلاب السياسي. كما يتطلب معطى إرادة الشعب تبديل كل التصورات بمقتضى ذلك الانقلاب.
ماذا سيتغيّر بحول الله؟ بعد أن تخلصتم من عبادة الشخصية (الحاكمة) انظروا كيف أنكم مازلتم تحافظون في عقليتكم على بِنَى الخادم المُطيع للسيد المستبد: "تعبدون" أشباه الأصنام مثل التسوّق المرَضي والتناول المفرط للشيشة (النرجيلة) والتدخين بسائر أصنافه واحتساء الخمر والقمار والانسياق إلى الدعاية التجارية المُضللة وكرة القدم وغيرها من آليات التخدير، تخدير الوعي وتنويم ملكات التفكير.
لستُ بصدد النهي عن فعل ما تشتهون. أنتم أحرار، وكلنا حر في أذواقه واختياراته. إلاّ أني أنبهكم إلى حقيقة: عدم انسجام الإرادة الفاعلة مع الإفراط في تلكم الشهوات والأذواق. ألم ترَوا أنّ الكثير منكم قد تراجع بحُكم الإفراط في الثقة في النفس أو بحُكم أنّ بذور التواكل مازالت نافذة المفعول فيهم؟
ماهو التحدي أمام شعب تونس اليوم ومعتصمي ساحة القصبة الأبطال، وكذلك أمام ثوار مصر بالخصوص، إن لم يكن تحقيق الشرائع التي اخترتموها (بالرغم من الفوارق في الصيغة بين تونس ومصر): حل البرلمان؛ انتخاب مجلس تأسيسي؛ تحوير الدستور؛ سن قوانين لمحاسبة مجرمي العهد البائد ولمكافحة الفساد وغيرها؟
الآن وقد قررتم الاستدامة في النضال من أجل هذه الشرائع، لا بأس من أن تتخلصوا من الخوف من الإسلام ومن مغبة أن يقودكم، معاذ الله، إلى الوراء. فهذا غير صحيح. الإسلام دين تقدم لو عرفتم كيف تتناولون إرادتكم، وهي بأيديكم، وكيف تنظرون إلى شرائعكم، وهي مسجلة في وعيكم وفي الصحف وعلى اللافتات. 
أول ما ينبغي الاعتقاد به من ناحية المنهج أنكم بصدد تجريب آليات جديدة. والتجربة الميدانية فقرُ في الثقافة الإسلامية. لذا فإيمانكم بقيمتها ترسيخٌ للمنهج التجريبي الذي سيعود عليكم بالنفع في العلوم وفي المعارف. والشرط أن يكون إيمانكم بالتجربة مرتبط بإيمانكم بالله.
 ولن يكون ذلك كذلك إلا لمّا تنجزوا إعادة قراءة شرائعكم المنشودة عبر الشريعة الإسلامية السمحاء. لكن هل هذا يعني أنكم ستكونون مطالبين بالإصغاء إلى كل داعية وإلى كل إمام وإلى كل عالم دين يملي عليكم فحوى الشريعة ويحثكم على تطبيقها عوضا عن الشرائع التي تناضلون من أجلها؟ أم أنكم ستغضون الطرف عن الوعظ الديني وتكملوا نضالكم من أجل الأرض من دون استشارة بُعد السماء؟ لا يكمن الحل لا في هذا لا في ذاك.
إنما يأتيكم الحل من عند مالك بن نبي، الذي لا يشك في أنّ كل مسلم يعرف دينه وفي أنّ كل واحد يأتي للمسلمين بوسائل لاقتناعهم بدينهم إنما يضيع وقته وربما يضيع وقت المسلمين نفسهم (كتاب "رسالة المسلم المعاصر"). كما يأتيكم الحل من العلم المُعاصر، الذي يؤكد نظرية بن نبي، والذي يقول بالاندماجية وبالمشاركة وبالتواصلية وبالتداولية وبغيرها من المقاربات والتعلمات.
بفضل ذلك وبفضل العديد من التقنيات الأخرى، من الأفضل أن تمتنعوا عن الإصغاء إلى من يملي عليكم فحوى الشريعة؛ إذ إنكم تحفظونها عن ظهر قلب وأنتم أحرار في أن تنادوا بتطبيقها أم لا. لكن في رأيي من أوكد الأعمال أن تذعنوا لقوة العلم الحديث والذي ذكرتُ بعضه، لكي تتوصلوا إلى نقطة حاسمة: التيقّن من أنّ شرائعكم المنشودة متناظرة، أو متطابقة، أو متشابهة، أو متجانسة، في مجموعها وفي شكلها وفي روحها وفي مقاصدها وفي عديد الأوجه الأخرى، إلى الشريعة السمحاء.
وعنصر التوحيد مركزي في توجيه تفكيركم نحو الأفضل، نحو ذلك. أعني أنّ المطلوب بالأساس تثبتكم من أنّ شرائعكم متجانسة جوهرا مع عقيدة الله الواحد الأحد. والجهد المطلوب بذله في هذا الصدد ليس بالهيّن.  لكنه ضروري لتخلصكم من التصورات البائدة للإسلام، على أنه دين قهري لأنه شمولي، وعلى أنه دين كابح للإرادة الفردية لأنه يشيد بالأمة وبروح الأمة، وعلى أنه نقيض التقدم الاجتماعي والرقي الحضاري والليبرالية الفكرية، وعلى أنه غير ذلك من الصور الكريهة، معاذ الله.
إنّ مصيركم بأيديكم، والقرآن في صدوركم، والعلم القرآني موجود وثابت في بِنىَ الإنسان وفي بِنَى الطبيعة وفي بِنىَ المجتمع. فكل ما عليكم أن تفعلوه أن تبحثوا عن تلك الحقائق. ومعكم حق لمّا تنفروا من الإملاء الصادر عن أصحاب الإملاء. لقد حان الوقت لأن تقتدوا بأهل المنهاج؛ فتلك السبيل الآن. والله أعلم.
محمد الحمّار
الاجتهاد الثالث: منهاج حركة النهوض
 
 
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الحمّار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/02/28



كتابة تعليق لموضوع : يا معتصمي العرب: لا تخافوا من الإسلام، فاعتصموا بحبل الله
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net