صفحة الكاتب : عدنان عبد الله عدنان

مع سماحة السيد كمال الحيدري في مشروعه ـ" من اسلام الحديث الى اسلام القرآن "ـ الحلقة الثامنة
عدنان عبد الله عدنان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إضاءة: 
[ملاحظة: تتكرر هذه "الإضاءة" في كل الحلقات، من أجل إيضاح خلفية كتابة هذه الحلقات]
في شهر رمضان المبارك لسنة 1434هـ (2013م)، أطل سماحة السيد كمال الحيدري، عبر شاشة قناة الكوثر الفضائية، في لقاءات عديدة، متحدثا عن مشروع قال عنه بانه يهدف الى تصحيح عقائد الشيعة، (أو: قراءة اخرى لها)، وقد تناول ذلك تحت عنوان: " من إسلام الحديث الى اسلام القرآن"، ولابد لي من البيان أولا، بان سماحة السيد، قد عنى بـ"الاسلام"، و "القرآن"، معناهما الاصطلاحي المعهود والمعروف لدى كافة المسلمين، وأما لفظ "الحديث"، فلم يعن به خصوص ما نقل الينا من قول المعصوم فحسب، بل عنى به ما يرادف السنة، ليشمل به كل ما نقل الينا من قول المعصوم وفعله وتقريره، وهو خلاف الاصطلاح، ولكن الامر هين، خصوصا مع احتمال ان سماحته اراد ان يحاكي جورج طرابيشي في عنوان كتابه..
ولا بد لي أيضا من التأكيد، على ان سماحته لم يقصد من مفردة السنة (أو: الحديث)؛ السنة الواقعية، وانما يقصد السنة المنقولة الينا عبر الرواة، والتي قد يعبر عنها بـ"السنة المحكية" أيضا.
وسوف احاول ان اناقش ـ بايجاز ـ بعض ما ذكره سماحته في هذه الحلقات.
 
ملخص الحلقة الثامنة
ذكر سماحة السيد الحيدري، بانه سيجيب في هذه الحلقة والحلقة القادمة على ثلاثة أسئلة:
الاول: هل ان الاسرائيليات انتقلت الى الموروث الروائي الشيعي، وخصوصا عند المفسرين والمؤرخين؟
الثاني: هل ان كتاب سليم بن قيس معتبر، أو غير معتبر؟
الثالث: هل انّ هناك ما يثبت ظلامات الزهراء عليها السلام، وتفاصيل ما جرى عليها، من غير كتاب سليم؟
وهنا، لابد من الاشارة، الى ان سماحته، لم يتطرق الى الإجابة على السؤال الثالث، الخاص بظلامات الزهراء عليها السلام، لا في الحلقة القادمة، ولا في غيرها من الحلقات المتبقية من هذه السلسلة من أحاديثه، كما وعد.
وفي إطار إجابته على السؤال الاول، والتدليل على اختراق الاسرائيليات للموروث الروائي الشيعي، نقل سماحته رواية من تفسير الطبري، رواها عن بعض أهل العلم بالكتاب الاول (التوراة)، في كيفية بدء النسل من نبي الله آدم (ع) ، وتكاثر البشرية، إذ تذكر الرواية بان الناس قد تكاثروا بزاوج أبناء آدم وحواء من أخواتهم، إذ كانت حواء تلد في كل بطن توأمين؛ ذكرا وانثى، فيتزوج الذكر منهما اخته التي هي توأم أخيه من بطن آخر. 
وقال سماحته ان نفس هذه الرواية، نقلها الشيخ الطوسي الى تفسيره "التبيان"، لتنتقل منه الى تفسير "مجمع البيان" للشيخ الطبرسي، على انها عن الامام الباقر عليه السلام، وليست عن "بعض أهل العلم بالكتاب الاول"، ثم لتنقل من "مجمع البيان" الى مصادر اخرى، كتفسير الفيض الكاشاني، وتفسير الحويزي، وغيرهما، على انها مما روي عن الامام الباقر عليه السلام.
ثم نقل سماحته من كتاب تفسير العياشي، وعلل الشرائع للشيخ الصدوق، نموذجا آخر من الروايات، ينكر ان يكون النسل البشري قد تولد من زاوج الاخوة والاخوات مع بعضهم، ويستهجن ذلك أشد استهجان.
ثم تطرق سماحته الى كيفية حل هذا التعارض بين هاتين الطائفتين من الروايات، وذكر ان هناك ثلاثة أجوبة:
الأول: ان يكون الحل، على أساس السند، فتقبل الصحيحة دون الاخرى، وقال ان هذا الاسلوب غير ناجع، لأن الوضّاعين قد وضعوا لرواياتهم أسانيد معتبرة، مستدلا على ذلك ببعض الروايات التي تناولت هذا الموضوع.
ولم يبين سماحته الحلين الآخرين هنا، ولكنه أشار اليهما في الحلقة التاسعة، وهما : التقية، والعرض على القرآن.
 
وهذا هو رابط الحلقة الثامنة من حديث سماحة السيد الحيدري
 
http://www.youtube.com/watch?v=Z7DTKnCUUQU
 
 
ولما كان سماحته قد قصر حديثه في هذه الحلقة، على ذكر مثال على اختراق الاسرائيليات للموروث الروائي الشيعي، فان مناقشتنا له ستكون في هذه النقطة تحديدا.
 
حول اختراق الاسرائيليات للموروث الروائي الشيعي
فقد قرأ سماحته رواية رواها الطبري في تفسيره، عن بعض أهل العلم بالكتاب الاول (التوراة)، تناولت موضوع تكاثر البشرية، وبدء النسل من آدم (ع) وحواء، وانه قد حصل من تزاوج الاخوة والاخوات، ثم قال سماحته ان رواية الطبري هذه نفسها نقلها الشيخ الطوسي في تفسيره (التبيان)، لتصبح في تفسير الشيخ الطبرسي (مجمع البيان)، على انها مما روي عن الامام الباقر عليه السلام وليس عن اولئك النفر من أهل الكتاب، ثم انتقلت هذه الرواية من تفسير مجمع البيان، الى كتب وتفاسير اخرى، على انها مما روي عن الامام الباقر عليه السلام، وبذلك تكون هذه الرواية الإسرائيلية قد اخترقت الموروث الروائي الشيعي. 
وهذا هو نص الرواية:
تفسير الطبري / (10/ 205): ((حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلم بالكتاب الأوَّل: أن آدم أمر ابنه قابيل أن يُنكِح أختَه تُؤْمَهُ هابيل، وأمر هابيل أن ينكح أخته تُؤْمَه قابيل، فسلم لذلك هابيل ورضي، وأبى قابيل ذلك وكره، تكرمًا عن أخت هابيل، ورغب بأخته عن هابيل، وقال: نحنَ وِلادة الجنة، وهما من ولادة الأرض، وأنا أحق بأختي! = ويقول بعض أهل العلم بالكتاب الأول: كانت أخت قابيل من أحسن الناس، فضن بها عن أخيه وأرادها لنفسه. فالله أعلم أيّ ذلك كان= فقال له أبوه: يا بني إنها لا تحلُّ لك! فأبى قابيل أن يقبل ذلك من قول أبيه، فقال له أبوه: يا بني فقرّب قربانًا، ويقرّب أخوك هابيل قربانًا، فأيُّكما قَبِل الله قربَانه فهو أحق بها. وكان قابيل على بَذْر الأرض، وكان هابيل على رِعاية الماشية، فقرب قابيل قمحًا وقرّب هابيل أبْكارًا من أبكار غنمه= وبعضهم يقول: قرب بقرة= فأرسل الله جل وعز نارًا بيضاء فأكلت قربان هابيل، وتركت قربان قابيل، وبذلك كان يُقْبَل القُربان إذا قبله.)).
 
المناقشة:
ان ما جاء به سماحة السيد في هذه الحلقة، لا ينفع سماحته في شيء مما أراد أنْ يثبته، إذ تردُ عليه عدة ملاحظات:
الملاحظة الاولى: ان ما افترضه سماحة السيد، من ان الشيخ الطوسي قد نقل نفس رواية الطبري هذه في تفسيره، ليس صحيحا، فلو راجعنا رواية الشيخ الطوسي لرأيناها تختلف تماما، في مفرداتها وبعض تفاصيلها، عن رواية الطبري هذه.
فرواية الشيخ الطوسي في التبيان ج3 ص493، هي: ((وقال أكثر المفسرين ورواه أبو جعفر وغيره من المفسرين: أنه ولد لكل واحد من قابيل وهابيل أخت توأم له فأمر آدم كل واحد بتزويج أخت الآخر. وكانت أخت قابيل أحسن من الأخرى، فأرادها ، وحسد أخاه عليها ، فقال آدم قربا قربانا، فأيكما قبل قربانه فهي له، وكان قابيل صاحب زرع فعمد إلى أخبث طعام. وعمد هابيل إلى شاة سمينة ولبن وزبد، فصعدا به الجبل فأتت النار فأكلت قربان هابيل، ولم تعرض لقربان قابيل. وكان آدم غائبا عنهما بمكة، فقال قابيل لا عشت يا هابيل في الدنيا، وقد تقبل قربانك ولم يتقبل قرباني. وتريد أن تأخذ أختي الحسناء. وآخذ أختك القبيحة، فقال له هابيل: ما حكاه الله تعالى، فشدخه بحجر فقتله، ثم حمله على عاتقه وكان يضعه على الأرض ساعة ويبكي ويعود يحمله كذلك ثلاثة أيام إلى أن رأى الغرابين.)).
فنلاحظ هنا ان رواية الشيخ الطوسي هذه، فيها بعض التفاصيل غير الموجودة في رواية الطبري السابقة، وهذا يعني بان الشيخ الطوسي لم ينقل رواية الطبري في تفسيره، كما ادعى سماحة السيد، وانما نقل مضمون عدد من الروايات الموجودة في تفسير الطبري وغيره، وربما لم تكن رواية الطبري التي يتحدث سماحة السيد عنها، واحدة منها، ومن تلك التفاصيل:
1 ـ ان آدم عليه السلام كان في مكة.
2 ـ ان هابيل قرّب شاة سمينة ولبناً وسمناً 
3 ـ ان قابيل وهابيل صعدا به الجبل
4 ـ ما فعله قابيل بعد أن قتل أخاه، من حمله على عاتقه وبكائه
5 ـ ان قابيل بقي على هذه الحال ثلاثة أيام، قبل أن يهتدي الى دفن أخيه.
فمن الملاحظ ان بعض هذه التفاصيل غير موجود في أي من روايات الطبري، التي أوردها في تفسيره، بهذا الشأن وتناولت بعض تفاصيل القصة، وهي أكثر من عشر روايات، وهذا يعني بان الشيخ الطوسي كان قد اعتمد على مصادر اخرى، غير الطبري، وأخذ منها بعض ما أورده من تفاصيل في روايته.
فالرواية التي يزعم سماحة السيد، ان الشيخ الطوسي قد نقلها من تفسير الطبري، وانها منقولة عن بعض أهل العلم بالكتاب الاول، لم تشترك مع رواية الطوسي إلاّ في مضمونها العام، وهو مضمون موجود في روايات اُخَر، ولذا فلا يسع سماحة السيد ان يقول بان المضمون الأهم في الرواية، وهو تزويج الاخوة باخواتهم، أخذه الشيخ الطوسي من رواية الطبري هذه، وذلك لأن للطبري ولغير الطبري روايات اُخَر تتحدث عن نفس المضمون، ومنها الرواية التالية، التي يرويها الطبري عن عدد من الصحابة، وليس عن أحد من أهل الكتاب، إذ يرويها عن ابن عباس وابن مسعود و "ناس من أصحاب النبي (ص)"، وهي تتفق مع رواية الشيخ الطوسي في بعض تفاصيلها أيضا، كوجود آدم (ع) في مكة. 
فقال الطبري في تفسيره (10/ 206): (( حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي فيما ذكر، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس= وعن مرة، عن ابن مسعود= وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: وكان لا يولد لآدم مولود إلا ولد معه جارية، فكان يزوّج غلام هذا البطن، جاريةَ هذا البطن الآخر، ويزوج جارية هذا البطن، غلامَ هذا البطن الآخر. حتى ولد له ابنان يقال لهما: قابيل، وهابيل. وكان قابيل صاحب زرع، هابيل صاحب ضَرْعٍ. وكان قابيل أكبرهما، وكان له أخت أحسن من أخت هابيل. وإن هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل، فأبى عليه وقال: هي أختي، ولدت معي، وهي أحسن من أختك، وأنا أحق أن أتزوَّجها! فأمره أبوه أن يزوِّجها هابيل، فأبى. وإنهما قربا قربانًا إلى الله أيُّهما أحق بالجارية، كان آدم يومئذ قد غاب عنهما إلى مكة ينظر إليها، قال الله عز ذكره لآدم: يا آدمُ، هل تعلم أن لي بيتًا في الأرض؟ قال: اللهم لا! قال: فإن لي بيتًا بمكة فأتِه. فقال آدم للسماء:"احفظي ولدي بالأمانة"، فأبت. وقال للأرض، فأبت. وقال للجبال فأبت. وقال لقابيل، فقال: نعم، تذهب وترجع وتجدُ أهلك كما يسرُّكَ. فلما انطلق آدم، قربا قربانًا، وكان قابيل يفخَر عليه فقال: أنا أحق بها منك، هي أختي، وأنا أكبر منك، وأنا وصيُّ والدي! فلما قرَّبا، قرب هابيل جَذَعة سمينة، وقرّب قابيل حُزمة سنبل، فوجد فيها سنبلةً عظيمة، ففرَكَها فأكلها. فنزلت النار فأكلت قربانَ هابيل، وتركت قربان قابيل، فغضب وقال: لأقتلنك حتى لا تنكح أختي! فقال هابيل: إنما يتقبَّل الله من المتقين.)).
ومن هنا يتضح بان ادعاء سماحة السيد، ان الشيخ الطوسي قد قام بنقل نفس الرواية التي رواها الطبري في تفسيره، عن بعض أهل العلم بالكتاب الاول، ادعاء باطل.
 
الملاحظة الثانية: ان تسلل هذه الرواية الى بعض الكتب الشيعية، على افتراض انها كانت من الاسرائيليات، لم يكن بسبب السند، وانما كان بسبب الخطأ، الذي وقع إما من قبل المصنف أو من قبل النسّاخ أو المحققين، أو حتى بسبب من قام بطبع الكتاب، ولهذا فان الإتيان بها كمثال، لا يصب في خدمة الهدف الذي يبتغيه سماحة السيد في حلقات حديثه هذه، وهو عدم فعالية المنهج السندي المتبع من قبل العلماء للتعاطي مع الموروث الروائي، وتنقيته، فمثل هذه الاخطاء تقع باستمرار، دون أن يكون للمنهج المتبع في اعتبار الروايات أي دور في ذلك، إذ ليس هناك أي علاقة بين القضيتين، ولذا فان علاج مثل هذه الأخطاء لا يكون من خلال مهاجمة منهج العلماء في التعاطي مع الموروث، وانما من خلال الدعوة الى بذل المزيد من الجهود في تحقيق الكتب، ولذا فإن هذا المثال، لو صح، لا يدل على أكثر من ان هناك اسرائيليات وموضوعات في الموروث الروائي الشيعي، وهذا موضع اتفاق الجميع، أما كونه صالحا للاستدلال على عدم فاعلية منهج العلماء، فلا. 
بل، لما كانت الرواية بلا سند، فهي إذن ليست معتبرة عند العلماء من هذه الجهة، فلا يعتمدون عليها في علم أو عمل، ولذا فلا يكون لسندها أي أثر في "تكوين العقل الشيعي"، على حد تعبير سماحته، ولا علاقة لها أبدا بصلاحية أو عدم صلاحية منهج العلماء في التعاطي مع الموروث، فهي كالرواية التي ساقها كمثال تطبيقي لمنهجه، في الحلقة الخامسة، من حيث عدم الأهمية، وقد كان عليه أن يأتي بأمثلة قد اخترقت الموروث الروائي الشيعي وساهمت في تكوين العقل الشيعي، فقها أو اصولا، بسبب منهج العلماء في التعاطي مع الموروث، بدلاً من أن يجهد نفسه في ما لا فائدة فيه ولا أثر، من الأمثلة، غير ان الذي يبدو لي هو ان سماحته لم يتمكن من العثور على ذلك، فلجأ الى ايراد هذه الامثلة السقيمة اضظرارا، وقد تحدثنا عن ذلك بما يكفي، في الحلقة الخامسة، والكلام هنا كالكلام هناك.
الملاحظة الثالثة: إذا كانت رواية الطبرسي هذه، قد نُسِبت الى الامام الباقر (ع)، دون سند، فان ما نقله سماحته من قرب الاسناد والإحتجاج، من روايات عن الإمام السجاد والإمام الرضا عليهما السلام، كانت مسندة، وهي بنفس المضمون، ولا عذر لسماحته في ردها، لمجرد كونها تتفق في المضمون مع رواية الطبري، خصوصا مع عدم تعارضها مع القرآن الكريم، ومع تأكيدها على ان ذلك الزواج لم يكن محرما وقتذاك، فمجرد اشتراك المضمون بين بعض الروايات المروية عن بعض أهل الكتاب، وبعض الروايات المروية عن النبي (ص)، أو عن الأئمة (ع)، أو عن الصحابة، لا يثبت أن الاصل فيها هو الروايات الموضوعة، بل انّ انفراد اهل الكتاب برواية شيء، لا يعني بالضرورة أنْ يكون ذلك الشيء موضوعا.
الملاحظة الرابعة: ان مضمون هذه الرواية لا يتنافى مع القرآن الكريم، وبالتالي فان عرضها عليه لا يكون نافعا في ردها والتخلص منها فيما لو كانت من الموضوعات أو الاسرائيليات، كما يفترض سماحته في منهجه المقترح، ولذا فان السيد الطباطبائي (قده) قال في ميزانه: ((الإزدواج في الطبقة الأولى بعد آدم وزوجته، أعني في أولادهما، إنّما وقع بين الإخوة والأخوات))، وهو لم يذهب الى هذا الرأي بسبب عدم التعارض بين هذه الروايات وبين القرآن الكريم فحسب، وإنما بسبب ان القرآن يدل على ذلك !!!، وسيأتي الحديث عن ذلك في الحلقة التاسعة، إن شاء الله تعالى، حيث يتطرق سماحة السيد الحيدري الى ذلك.
وإذا كان الامر كذلك، فهل يصلح هذا المثال لإبطال منهج العلماء في التعاطي مع الموروث الشيعي، وتشييد منهج جديد على أنقاضه؟؟!!
وإذا كانت هذه الرواية من الاسرائيليات، وقد أخذ بمضمونها العلامة الطباطبائي (قده)، وهو هو، فهل يصلح العرض على القرآن، لتنقية الموروث من الاسرائيليات والموضوعات، إذن؟!
بل، إذا كانت هذه الرواية من الإسرائيليات، وكان مضمونها موجودا في الموروث السني والشيعي، فكيف يستطيع سماحة السيد أن يتخلص منها، وفق منهجه المقترح، وهو يرى انّ وجود مضمون رواية ما في كتب العامة ومصادرهم، (وبقطع النظر عن السند طبعا)، يُعتبر من القرائن الأساسية للحكم على الرواية الموجودة في كتبنا ومصادرنا، بالصحة والقبول، كما ذكر ذلك في "مفاتيح عملية الاستنباط" / 218.
إنه لأمر محرج حقا، ان لا يجد سماحة السيد غير هذه الأمثلة الضعيفة جدا، للترويج لحركته التصحيحية المفترضة، وهي أمثلة تنسفُ منهجه المقترح، قبل أن يضع له أيَّ أساسٍ يذكر، وتدعمُ بقوة منهج العلماء الذي يسعى سماحته الى إبطاله. 
 
حول الطائفة الاخرى من الروايات التي تناولت نفس الموضوع
أما بالنسبة للطائفة الاخرى من الروايات التي تناولت هذا الموضوع، فقد أشار سماحته الى روايتين إحداهما في "تفسير العياشي"، والاخرى في "علل الشرائع".
وهذه هي رواية العياشي بأكملها:
((عن سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك ان الناس يزعمون أن آدم زوج ابنته من ابنه ؟ فقال : أبو عبد الله : قد قال : الناس في ذلك ولكن يا سليمان أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : لو علمت أن آدم زوج ابنته من ابنه لزوجت زينب من القاسم وما كنت لأرغب عن دين آدم ، فقلت : جعلت فداك انهم يزعمون أن قابيل إنما قتل هابيل لأنهما تغايرا على أختهما ؟ فقال له : يا سليمان تقول هذا ؟ أما تستحيي ان تروى هذا على نبي الله آدم ؟ فقلت : جعلت فداك ففيم قتل قابيل هابيل ؟ فقال : في الوصية ثم قال لي : يا سليمان ان الله تبارك وتعالى أوحى إلى آدم أن يدفع الوصية واسم الله الأعظم إلى هابيل ، وكان قابيل أكبر منه ، فبلغ ذلك قابيل فغضب فقال : انا أولى بالكرامة والوصية فأمرهما أن يقربا قربانا بوحي من الله إليه ففعلا ، فقبل الله قربان هابيل فحسده قابيل فقتله ، فقلت : جعلت فداك فممن تناسل ولد آدم هل كانت أنثى غير حواء وهل كان ذكر غير آدم ؟ فقال : يا سليمان ان الله تبارك وتعالى رزق آدم من حواء قابيل وكان ذكر ولده من بعده هابيل، فلما أدرك قابيل ما يدرك الرجال أظهر الله له جنية وأوحى إلى آدم ان يزوجها قابيل ففعل ذلك آدم ورضى بها قابيل وقنع ، فلما أدرك هابيل ما يدرك الرجال اظهر الله له حوراء و أوحى الله إلى آدم أن يزوجها من هابيل ، ففعل ذلك فقتل هابيل والحوراء حامل، فولدت الحوراء غلاما فسماه آدم هبة الله ، فأوحى الله إلى آدم ان ادفع إليه الوصية واسم الله الأعظم ، وولدت حواء غلاما فسماه آدم شيث بن آدم ، فلما أدرك ما يدرك الرجال أهبط الله له حوراء وأوحى إلى آدم ان يزوجها من شيث ابن آدم ، ففعل فولدت الحوراء جارية فسماها آدم حورة ، فلما أدركت الجارية زوج آدم حورة بنت شيث من هبة الله بن هابيل فنسل آدم منهما فمات هبة الله بن هابيل فأوحى الله إلى آدم ان ادفع الوصية واسم الله الأعظم وما أظهرتك عليه من علم النبوة ، وما علمتك من الأسماء إلى شيث بن آدم فهذا حديثهم يا سليمان.)).
ونلاحظ هنا، ان سماحة السيد لم يقرأ كل رواية العياشي هذه، ولا بأس في عدم قراءته لها كلها، لو لم يكن ما بقي من الرواية ذا علاقة بالموضوع، ولكنّ ما بقي منها ذو علاقة مهمة به، إذ انه يبين بان زواج قابيل كان من الجن، وهنا تكمن المشكلة لدى سماحته، فهو لا يقبل هذا، بل انه سخر منه في الحلقة التاسعة، ولذا حاول أن يفرّ من قراءة كل الرواية، وبذلك وقع في مشكلة قبول شطرٍ من الرواية، وردّ الشطر الآخر منها، دون تفسير علمي رصين، بل ان منهجه المقترح لا يسعفه في ردّ الشطر الآخر منها، لا بسبب مخافتها للقرآن الكريم، ولا بسبب مخالفتها للعقل الصحيح، ولا بسبب تعارضها مع حقائق العلوم الطبيعية.
ولا نرى أيّ مشكلة في قبول سماحته لرواية العياشي، وردّه لرواية الشيخ الطوسي والطبرسي، إذا استطاع ترجيحها عليها وعلى غيرها من روايات الطائفة السابقة، ترجيحا علميا، ولكنّ المشكلة تكمن في أمرين: الأول: في اعتباره رواية الطبرسي من الاسرائيليات، والثاني: في تفسيره لتسربها الى الموروث الشيعي، بمنهج العلماء المتبع في التعاطي مع الروايات، وهو مخطئ في كلا الامرين.
بل، ان ردّ سماحته لرواية الشيخ الطبرسي، ربما يسبب له مشكلة منهجية، فسماحته يعتبر ان ما موجود في الموروث السني، معين جيد ومنبع جيد لجمع القرائن المرجحة للروايات الواردة في الموروث الشيعي، ولذا فانّ ورود مضمون رواية الطوسي في كثير من مرويات أهل السنة، سيجعل من ردّه لها نقضا لمنهجه "العلمي"، فقد قال سماحته في مفاتيح عملية الاستنباط 218: " أننا بعد أن أسقطنا مسألة المنهج السندي [يعني: منهج العلماء في اعتبار الروايات] وأننا لا نقبله بالضرورة أن يكون منهج سندي حرفي، ينفتح لنا الباب لجمع القرائن لا على مستوى الروايات الواردة عن طرقنا في كتبنا وإنما نتحول إلى مصادر الآخرين وإلى الكتب الحديثية التي وردت عن الآخرين, هذه المصادر أيضاً معينٌ جيد ومنبعٌ جيد لجمع القرائن".  
وأما رواية علل الشرايع، فهي:
((عن زرارة قال سئل أبو عبد الله عليه السلام كيف بدؤ النسل من ذرية آدم عليه السلام فإن عندنا أناس يقولون : إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى آدم عليه السلام أن يزوج بناته من بنيه ، وان هذا الخلق كله أصله من الأخوة والأخوات . قال أبو عبد الله عليه السلام : سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، يقول من يقول هذا إن الله عز وجل جعل أصل صفوة خلقه وأحبائه وأنبيائه ورسله والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال وقد أخذ ميثاقهم على الحلال والطهر الطاهر الطيب...)).
والنقطة الرئيسية في هذه الرواية، هي بناء الموقف من زواج الاخوة من اخواتهم، على أساس حرمته، ولكنْ، مع قبول الروايات التي تقول ان الحرمة لم تكن قد شُرّعت وقتذاك، فان هذا السبب لا يكون مانعا من قبول الروايات التي تقول بان بدء النسل من آدم قد حصل من خلال التزاوج بين الاخوة والاخوات. 
 
 
adnan5851@yahoo.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عدنان عبد الله عدنان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/10/24



كتابة تعليق لموضوع : مع سماحة السيد كمال الحيدري في مشروعه ـ" من اسلام الحديث الى اسلام القرآن "ـ الحلقة الثامنة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : ج رسول ، في 2013/12/07 .

في الحقيقة لقد برهن الكاتب هنا وفيما سبق من الردود على مقدرة علمية وإسلوب برهاني رائع بعيد عن التعصب وكان هادفا في طرحه الجميل. لقد أعجبني أسلوبه البياني كثيرا لرصانته وعلميته وهو اسلوب يكشف في طرفه الآخر عن تهافت اطروحة ومشروع السيد كمال الحيدري كما يكشف عن إما عن ضعف علمي لدى السيد كمال وهذا يمكنه تداركه بالجد والمثابرة من قبله وإما أن للسيد كمال أهداف ما ورائية لا يحبذ أبدا ذكرها تبعث على القارئ الموضوعي لما يتم طرحه وتداوله أن يفكر أسبابه ونتائجه. وعلى كل فإن كلا الأمرين يضعان السيد كمال موضعا غير محمود، وعند حسن ظنا به فسيكون الخيار الأول وهو صعب لا أظن السيد يجد طريقه فيه حيث كانت نبرات صوته عالية كصراخ المحتضرين.
تحياتي الجزيلة للكاتب المحترم وأرجو أن يستمر في رودوده وطرحه العلمي الجميل والهادف لكشف الحق ،الحقيقة
ز- الحق والمعرفة




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net