صفحة الكاتب : عدنان عبد الله عدنان

مع سماحة السيد كمال الحيدري في مشروعه ـ" من اسلام الحديث الى اسلام القرآن "ـ الحلقة التاسعة
عدنان عبد الله عدنان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إضاءة: 
[ملاحظة: تتكرر هذه "الإضاءة" في كل الحلقات، من أجل إيضاح خلفية كتابة هذه الحلقات]
في شهر رمضان المبارك لسنة 1434هـ (2013م)، أطل سماحة السيد كمال الحيدري، عبر شاشة قناة الكوثر الفضائية، في لقاءات عديدة، متحدثا عن مشروع قال عنه بانه يهدف الى تصحيح عقائد الشيعة، (أو: قراءة اخرى لها)، وقد تناول ذلك تحت عنوان: " من إسلام الحديث الى اسلام القرآن"، ولابد لي من البيان أولا، بان سماحة السيد، قد عنى بـ"الاسلام"، و "القرآن"، معناهما الاصطلاحي المعهود والمعروف لدى كافة المسلمين، وأما لفظ "الحديث"، فلم يعنِ به خصوص ما نُقل الينا من قول المعصوم فحسب، بل عنى به ما يرادف السنة، ليشمل به كل ما نُقل الينا من قول المعصوم وفعله وتقريره، وهو خلاف الاصطلاح، ولكن الامر هين، خصوصا مع احتمال ان سماحته اراد ان يحاكي جورج طرابيشي في عنوان كتابه..
ولا بد لي أيضا من التأكيد، على ان سماحته لم يقصد من مفردة السنة (أو: الحديث)؛ السنة الواقعية، وانما يقصد السنة المنقولة الينا عبر الرواة، والتي قد يعبر عنها بـ"السنة المحكية" أيضا.
وسوف احاول ان اناقش ـ بايجاز ـ بعض ما ذكره سماحته في هذه الحلقات.
 
ملخص الحلقة التاسعة
تركز حديث سماحة السيد في هذه الحلقة على كتاب سُلَيْم بن قيس، وموقف العلماء منه، فبعد أن تحدث عن الأهمية العلمية للكتاب، وأطرى على صاحبه سُليم باعتباره من الثقات الأجلاء، ونقل بعض ما يقوله العلماء بحقه من مدح وتوثيق، ذكر سماحته، بان هناك أربعة مواقف من الكتاب:
الاول: يرى ان الكتاب موضوع لا مرية فيه. 
الثاني: يرى ان الكتاب صحيح لا مرية فيه. 
الثالث: يقول أن لسليم كتابا، ولكن لم يصح طريق اليه، ولذا فاننا لا نملك دليلا على ان الكتاب المتداول والمنسوب الى سليم، هو كتاب سليم فعلا.
الرابع: يقول لا شأن لنا بصحة أو عدم صحة الكتاب، وإنما بالمضمون، فاعتبار المضمون يكون بعدم تعارضه مع القرآن أو العقل أو المسلمات التاريخية، أو الحقائق العلمية، وذلك بحسب الموضوع الذي تتعرض له الرواية، فإن لم يعارضها أخذنا به، وإن عارضها، فلا اعتبار له، سواء كان الكتاب صحيحا أو سقيما.
ثم تعرض الى ما يؤكد عليه دائما، وهو: ضرورة مرجعية القرآن، و"التخلي"، عن مرجعية السنة المحكية، في فهم المعارف الدينية، لئلا يتمسك بعضٌ بالوثاقة والصحة، ويتمسك آخرون بالوضع والضعف وما شابههما، مشيرا الى ان مَنْ يُرجَع اليه في المعارف الدينية، يجب ان يكون فقيها قرآنيا، ومؤرخا، ومتخصصا في كل ما يرتبط بموضوع الرواية، لكي يستطيع أن يعطي رأيا فيها.
وهناك استطرادات، سنعرض الى ما يهمنا منها في المناقشة.
 
وهذا هو رابط الحلقة التاسعة من حديث سماحة السيد كمال الحيدري.
 
http://www.youtube.com/watch?v=T7gRXBINkNc
 
 
وسوف يدور نقاشنا في هذه الحلقة، حول النقاط التالية:
الاولى: حول اعتبار كتاب سليم بن قيس.
الثانية: حول مرجعية القرآن، دون الموروث الروائي، في استنباط المعارف الدينية.
الثالثة: حول ضرورة ان يكون المرجع عالما بما يرتبط بموضوع الرواية من علوم، فيكون فقيها قرآنيا، ومؤرخا وفيلسوفا وعارفاً....  
الرابعة: حول بعض استطرادات سماحته، وتعليقاته الغريبة
 
أولاً: حول اعتبار كتاب سُلَيم بن قيس:
ذكر سماحته، ان مواقف العلماء، من كتاب سُلَيم بن قيس، تمثلت في أربعة مواقف، وهي:
الاول: يرى ان الكتاب ليس لسُليم، إذ ليس لسُليم كتاب أصلا، فهو كتاب مكذوب ومختلق، وهو موضوع لا مرية فيه، وقد نقل سماحة السيد هذا القول عن ابن الغضائري
الثاني: يرى ان لسُليم كتابا، وان هذا الكتابَ المتداول هو نفس كتاب سليم بن قيس، وهو صحيح لا مرية فيه، وقد ذكر سماحته بان الشيخ محمد بن ابراهيم النعماني، ممن يرى ذلك، فنقل من كتابه "الغيبة"، قوله: (( وليس بين جميع الشيعة ممن حمل العلم ورواه عن الأئمة خلافٌ في أن كتاب سليم بن قيس الهلالي أصل من أكبر كتب الأصول التي رواها أهل العلم  من حملة حديث أهل البيت وأقدمها، لأن جميع ما اشتمل عليه هذا الأصل إنما هو عن رسول الله وأمير المؤمنين عليه السلام والمقداد وسلمان الفارسي وأبي ذر ومن جرى مجراهم ممن شهد رسول الله وأمير المؤمنين وسمع منهما، وهو من الأصول التي ترجع الشيعة إليها ويعول عليها.)).
كما ذكر سماحته بان الشيخ الحر العاملي وآخرين، يذهبون أيضا الى هذا الرأي، ويقولون بوجود طريق متواتر لديهم الى الكتاب. 
الثالث: يرى ان لسليم بن قيس كتابا، ولكنْ، ليس هناك من طريق صحيح إليه، وبالتالي فليس هناك ما يثبت بان الكتاب المتداول اليوم والمنسوب الى سليم، هو نفس كتابه. 
ونسب سماحته هذا القول الى الامام الخوئي (قده)، فنقل قوله: ((والصحيح أنه لا طريق لنا إلى كتاب سليم بن قيس))، وقوله: ((وكيفما كان فطريق الشيخ إلى كتاب سليم بن قيس ضعيف.)). 
الرابع: يرى ان الامر لا يتعلق بسند الكتاب، ولا بكونه موضوعا أو غير موضوع، ولا في وجود أو عدم وجود طريق صحيح إليه، وانما يتعلق بمتن ومضمون الرواية التي نُقلت في كتاب سُليم، وليس للسند وصحته أو عدم صحته أي أثر أو أهمية، فإذا كانت هناك شواهد وقرائن، تؤيد صحة مضمون الرواية الواردة قبلناها، وإلاّ رمينا بها عرض الجدار. وأما الشواهد، فقد تكون قرآنية أو عقلية أو تاريخية، وذلك حسب الموضوع الذي تتعرض له الرواية.
وقد نسب سماحته هذا الرأي الى الشيخ المفيد، ناقلا قوله: ((وكتاب الله تعالى مقدم على الأحاديث والروايات، وإليه يتقاضى في صحيح الأخبار وسقيمها، فما قضى به فهو الحق دون ما سواه.))، وقوله بخصوص كتاب سليم، حيث وصف الكتاب بانه: ((غير موثوق به، ولا يجوز العمل على أكثره، وقد حصل فيه تخليط وتدليس ، فينبغي للمتدين أن يجتنب العمل بكل ما فيه ، ولا يعول على جملته والتقليد لرواته، وليفزع إلى العلماء فيما تضمنه من الأحاديث ليوقفوه على الصحيح منها والفاسد.)) 
وقال سماحته بانه هو أيضا من أصحاب هذا الرأي، وقال أنا أتصور ان هذا الرأي هو الرأي السديد، وهو الذي اختاره أحد الأعلام المعاصرين وهو العلامة المحقق آية الله العظمى الشيخ محمد تقي التستري، في كتاب قاموس الرجال، ثم نقل كلام التستري، وهو: ((ثمّ الحقّ في كتابه أن أصله كان صحيحا وقد نقل عنه الأجلّة، إلّا أنّه حدث فيه تخليط وتدليس من المعاندين فالعدو لا يألوا خبالاً، كما عرفت من المفيد لا كما قال ابن الغضائري من كون الكتاب موضوعا.)).
وقال سماحته في موضع آخر: نحن لا يهمّنا أن الكتاب من سُليم أو من غيره، بل نعتقد أن كلّ رواية رواية فيه لابدّ أن تُعرض على القرآن إذا كان موضوعها قرآنيا، أو على التاريخ إذا كان موضوعها تاريخيا، أو على القواعد العقلية، إذا كان موضوعها عقليّاً، فإن وافقت القرآن أو التاريخ أو العقل قبلناها، وإلاّ فلا نقبلها، سواء كان الكتاب صحيحا أو سقيما، إذ لا قيمة للكتاب وسنده.
 
المناقشة:
من الواضح ان سماحة السيد، كان ميّالاً لإثبات عدم صحة سند كتاب سليم، ليستنتج ان ما فيه من روايات كلها باطلة، حسب "المنهج السندي"، ولكنّ استنتاجه هذا غير صحيح، وذلك لأن عدم صحة سند الكتاب، عند بعض الأعلام، لا يعني بالضرورة بطلان كل رواياته عندهم، وعدم صحة كل مضامينها، وهو واضح لدى الطلبة.
وليس هناك من ثمرة مهمة للحديث مع سماحته عن اعتبار أو عدم اعتبار كتاب سليم، فمن حق السيد ان يلتزم بعدم صحة سنده، حتى ولو كان هذا الرأي شاذا وضعيفا، خصوصا وان سماحته لا يعتني بالسند، ولا يعطي له أي دور في اعتبار الروايات، والمعيار عنده هو عرض الرواية على القرآن، أو العقل، أو التاريخ، أو حقائق العلوم الطبيعية، مع ملاحظة بعض القرائن.
ولذا فان النقاش معه يجب ان ينصب على أصل منهجه المفترض، وليس على هذه المفردة أو تلك، وهذا ما قمنا به في عدة مواضع من هذه الحلقات، فأوضحنا، أكثر من مرة، ان العرض على القرآن أو العقل، هو منهج كل العلماء من أصحاب ما يسميه سماحته بـ "المنهج السندي"، فهو ليس سمةً خاصةً بما يطرحه سماحة السيد، كما يحاول سماحته أن يروّج، والفرق الاساس بين منهج العلماء، و "منهجه" المقترح، هو ان العلماء يضيفون، الى عنصر العرض على القرآن، عنصر السند في اعتبار الرواية وقبولها، أما هو فلا يعطي للسند أي قيمة، ويضيف من القرائن: وجود مضمون الرواية في كتب العامة ومصادرهم !!.
هذا، ولكنّ الملفت ان سماحة السيد، كان يميل الى إبطال مضامين كل روايات كتاب سليم، أو أغلبها، باعتبار عدم وجود سند للكتاب أساساً، وهو لا ينسجم مع منهجه المقترح أبدا.
فلما كان قبول الرواية، عند سماحته، يدور مدار القرائن الدالة على صدورها من المعصوم، فانّ شهادة الكثير من الأعلام الأجلّة بوجود القرائن على الصدور، وانّ نَقْلَ أجلّةِ المحدّثين من الكتاب، يفترض ان تشكّل قرائن كافية لوثوق سماحته بالصدور ، بل هي من أقوى القرائن وأفضلها للقول بالصدور، ولذا كان من الأقرب ان لا يميل سماحته الى صحة الكتاب فحسب، بل الى صدور ما جاء فيه، عن المعصومين (ع).  
ومن اولئك الاعلام الذين شهدوا بوجود تلك القرائن؛ الشيخ النعماني حين قال ان الكتاب (( من الأصول المعتبرة، بل من أكبرها، وأن جميع ما فيه صحيح قد صدر من المعصوم عليه السلام أو ممن لابد من تصديقه وقبول روايته.)). 
ومنهم: الحر العاملي، في الفائدة الرابعة من فوائده، من الوسائل، حيث تحدث عن الكتب التي اعتمدها في تصنيف كتابه، ومنها كتاب سليم، فقال: (( قامت القرائن على ثبوتها، وتواترت عن مؤلفيها، أو علمت صحة نسبتها إليهم بحيث لم يبق فيه شك ولا ريب، كوجودها بخطوط أكابر العلماء، وتكرر ذكرها في مصنفاتهم، وشهادتهم بنسبتها.))، وقال بشأن الكتاب خاصة: ((والذي وصل إلينا من نسخة الكتاب ليس فيه شئ فاسد ولا شئ مما استدل به على الوضع، ولعل الموضوع الفاسد غيره، ولذلك لم يشتهر ولم يصل إلينا.)).
بل حتى الشيخ التستري، في قاموسه / ج 5 ص 239 / (وفي نفس الصفحة التي قرأ منها سماحة السيد)، شهد بعدم وجود كذب محقق في كتاب سليم، إلاّ خبرا واحدا، فقال:(( فالكتاب الموضوع إن اشتمل على شيء صحيح يكون في الأقلية، كما في التفسير الذي افتروه على العسكري عليه السلام، والكتاب بالعكس، بل لم نقف فيه على كذب محقق سوى خبر الوعظ.))، غير ان سماحة السيد لم يقرأ هذا المقطع من كلام الشيخ التستري، ليوهم المتلقي، بان الشيخ التستري يذهب الى ما ذهب اليه الشيخ المفيد، بشأن الكتاب، وهو ليس كذلك.
واما ما ذكره سماحة السيد عن ابن الغضائري، بخصوص كتاب سليم، فهو غير ثابت، وذلك لعدم ثبوت كتاب ابن الغضائري أساسا، فقد قال الإمام الخوئي (قده)، في ترجمة سليم، من معجمه: ((وقد تقدم غير مرة أنه لا طريق إلى إثبات صحة نسبة الكتاب المنسوب إلى ابن الغضائري.))، وقد كان على سماحة السيد ان لا يذكر قول الغضائري هذا، ما دام كتابه غير ثابت، ولكنّ اندفاع سماحة السيد باتجاه إبطال كتاب سليم سندا ومضمونا، جعله يغض الطرف عن هذه النقطة الأساسيّة. 
وعلى كل حال، فإذا كان كبار العلماء، وخصوصا القدماء منهم، يشهدون بوجود القرائن الكافية على صدور ما في كتاب سليم من روايات، عن المعصومين عليهم السلام، وهم قريبون من عصر الصدور ومن تلك القرائن، من ناحية .. واذا كانت مضامين تلك الروايات لا تخالف القرآن الكريم من ناحية اخرى، فلماذا نرى سماحته لم يلتزم بصدورها إذن، ونراه يميل الى ردّها، ولو من خلال السند، في الوقت الذي يؤكد فيه دائما، على ان منهجه لا يقيم للسند أي وزن أو اعتبار، ويرى ان الاعتبار كل الاعتبار للمضمون الذي لا يخالف القرآن الكريم، والذي له ما يكفي من القرائن المؤيدة له.
 
ثانيا: حول مرجعية القرآن 
وفي اطار تأكيده على مرجعية القرآن في التعاطي مع الروايات، تطرق سماحته الى اختلاف الروايات الواردة، بخصوص كيفية تكاثر البشرية من نسل آدم (ع)، وكيفية علاج ذلك، وقد كان سماحته قد ذكر في الحلقة السابقة (الثامنة)، ان للعلماء في هذه المسألة ثلاثة حلول، وكان قد تطرق هناك الى حل واحد فقط، وهو العلاج من خلال السند، وأما الحلان الآخران فقد أشار اليهما، في سياق جوابه على سؤال أحد المتصلين في هذه الحلقة (التاسعة)، إذ ذكر بان أحدهما يتمثل بحمل روايات زواج الاخوة والاخوات على التقية، ويتمثل الحل الآخر بالعرض على القرآن. 
فقال سماحته: الحل الثاني: ذكره المجلسي، فقال روايات زواج الأخوة والأخوات محمول على التقية، والحل الثالث: هو العرض على القرآن، وهذا ما فعله السيّد الطباطبائي (قده)، حيث انتهى (قده) الى قبول نظريّة زواج الإخوة والأخوات، فقال في الجزء الرابع من الميزان ص 137:(( ان الإزدواج في الطبقة الأولى بعد آدم وزوجته، أعني في أولادهما بلا واسطة، إنما وقع بين الاخوة والأخوات؛ إزدواج البنين بالبنات.)) وذلك اعتمادا على قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءاً } [النساء: 1]، فقال تعالى "وبثّ منهما"، ولو كان هناك جنّ أو حور عين، لكان ينبغي أن يقول "منهما ومن غيرهما"، وليس "منهما"، فقوله "منهما" يدل على عدم دخول عنصر ثالث، في عملية تكاثر النسل من آدم (ع).
 
المناقشة: 
لم ينقل سماحة السيد الحيدري رأي السيد الطباطبائي (قده)، بوضوح كاف، وبسبب أهمية ذلك، رأيت ان أنقل شيئا مما ذكره السيد الطباطبائي (قده)، بهذا الشأن، في تفسير الآية الاولى من سورة النساء، وهي: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً } [النساء: 1]، فقال (قده) في الميزان ج4 ص137: (( وظاهر الآية أن النسل الموجود من الانسان ينتهى إلى آدم وزوجته من غير أن يشاركهما فيه غيرهما، حيث قال: "وبثّ منهما رجالا كثيرا ونساءاً" ولم يقل: "منهما ومن غيرهما"، ويتفرع عليه أمران: أحدهما أن المراد بقوله "رجالا كثيرا ونساءاً": أفراد البشر من ذريتهما بلا واسطة أو مع واسطة، فكأنه قيل "وبثكم منهما أيها الناس". وثانيهما: أن الإزدواج في الطبقة الأولى بعد آدم وزوجته، أعني في أولادهما بلا واسطة، إنما وقع بين الاخوة والأخوات، (إزدواج البنين بالبنات)، إذ الذكور والإناث كانا منحصرين فيهم يومئذ، ولا ضير فيه، فإنه حكم تشريعي راجع إلى الله سبحانه، فله أن يبيحه يوما ويحرمه آخر.)).
وهنا أرى ان سماحة السيد الحيدري، قد وجّه ضربة قاضية الى مشروعه، من خلال الرواية التي جاء بها كمثال على اختراق الاسرائيليات وغيرها للموروث الروائي الشيعي، (وهي الرواية التي تتحدث عن زواج أبناء آدم من أخواتهم)، وذلك لأنه عندما يعترف بان السيد الطباطبائي (قده)، وهو الفقيه والمفسر والفيلسوف والعارف بحق، قد خلص الى تبني الروايات القائلة بزواج الاخوة من أخواتهم، وهي الروايات التي يزعم السيد الحيدري بانها من الاسرائيليات، فهذا يعني:
1 ـ انهيار كل الجهود التي بذلها سماحته، من أجل اثبات ان رواية زواج الاخوة من الاخوات، هي رواية اسرائيلية، رُويت عن بعض أهل العلم بالكتاب الاول، وقد اخترقت الموروث الشيعي وساهمت في تكوين العقل الشيعي، بسبب منهج العلماء المتبع في التعاطي مع الروايات.
2 ـ انهيار كل الجهود المضنية التي بذلها، من أجل اقناع المتلقي، بانّ أهم أسباب المشاكل المعقدة القائمة بين المسلمين اليوم، هو "المنهج السندي" في التعاطي مع الروايات، ولو تخلينا عن هذا المنهج، وأبدلناه بمنهج "العرض على القرآن"، فاننا سنقضي على اهم تلك الخلافات، من تكفير وغيره. 
وهنا لابد من التأكيد أوّلاً على ان "العرض على القرآن" لم يختص بسماحة السيد، وانما هو منهج كل العلماء الاصوليين، بل الاخباريين أيضا، بعد ان يَطمَئِنّوا الى مُراد القرآن. 
ثم نسأل، ثانيا: إذا كان العرض على القرآن، لم يحسم الرأي في مسألة بسيطة، تتعلق بنسل آدم، فهل يمكن ان يحسمه في قضايا شائكة وخطيرة لا يمكن التسامح بشأنها أو بشأن الموقف منها، كالحكم بالكفر والشرك وهدر الدم وغيرها، مما تناولته الكثير من الآيات، مع ما يدور حولها من نقاش يرتبط بفهم المعنى أوّلاً وبالناسخ والمنسوخ ثانيا، وبالمصاديق ثالثا. 
وإذا ما تذكّرنا، كلام سماحة السيد عن السبب الذي دفعه الى الحديث عن هذه المواضيع، حيث ذكر بان السبب هو ما وجده من "اختطاف" المتطرفين (التكفيريين) للرأي والموقف الأزهري السني المعتدل، وللرأي والموقف المعروف للحوزات العلمية الشيعية، الرافض لهذا النهج، يمكننا ان ندرك مدى الفشل الذي انتهى اليه سماحته، بعد ان ثبت للمتلقي بان العرض على القرآن، سوف لا ينهي الاجتهادات المتعددة والقراءات المختلفة للمسألة، ولذا فان سماحته اضطر الى القول: نعم، انّ فهْمَ القرآن لا يكون باجتهاد واحد أو فهْمٍ واحد، ولكنّ المرجعية تبقى واحدة، وهي: القرآن، فلا نجد ـ حينئذ ـ من يقول ان كتاب سليم ـ مثلا ـ  مكذوب وموضوع، وآخر يقول انه أصح كتاب، فالفرق بين المنهجين ـ كما يقول سماحته ـ هو أنّه إذا جعلنا المرجعية للقرآن، فلا يستطيع أحد أن يقول انه موضوع، وأمّا إذا جعلنا المرجع هو كتب الحديث فسنجد من يقول ان هذا كتاب موضوع، وآخر يقول انه أصح الكتب، ففي مثل هذه الحالة لا نصل الى نتيجة، فذاك يعتمد على كتاب موضوع وأنت تعتمد على كتاب غير موضوع. هذا هو الفارق الأساس بين إسلام الحديث وإسلام القرآن، وهو: "وحدة المرجعية". 
ويضيف سماحته: فأنا لست بصدد التقريب بين السنة والشيعة، كما يدعي، بعض العوام، وانما أتكلم في "المرجعية" لفهم المعارف الدينيّة، فهل هي صحيح البخاري أو تفسير صحيح القمّي أم هي القرآن، فأنا أقول: القرآن.. القرآن.. القرآن .. فعليكم بكتاب الله فإنّه حبل ممدود ما بينكم والسماء.
ولكنّ كلام سماحته هذا، على طوله، لا يسمن ولا يغني من جوع، إذ لا أدري ما الذي تنفعه وحدة المرجعية في الاستنباط، إذا كانت غير قادرة على توحيد (أو: تقريب) ما يستنبط منها، في قضايا يمكن تجاوزها والتسامح فيها، كقضية نسل آدم (ع)، فضلا عن القضايا الكبرى، كالتكفير والشرك وهدر الدم، خصوصا وانها هي التي دفعت سماحة السيد الى تناول هذا الموضوع، واقتراح "منهج" آخر، في التعاطي مع الموروث الروائي، كما يقول.
وحينما يقول سماحته، ان الاعتماد على الموروث الروائي لا يوصلنا الى نتيجة، لأن البعض يصفه بانه موضوع، ويصفه آخرون بانه أصح حديث، نتساءل: وهل ان الرجوع الى القرآن الكريم سوف يوصلنا الى نتيجة؟ فها نحن نرى ان سماحة السيد يختلف مع السيد الطباطبائي (قده)، في رأيه في مسألة تكاثر نسل آدم، مع ان القرآن الكريم هو المرجع لهما فيها، فقد تبنى السيد الطباطبائي (قده)، (وهو الفقيه والمفسر والفيلسوف والمتكلم والعارف بحق)، مضمون الروايات التي يزعم سماحة السيد بانها من الاسرائيليات، ولم يسعفه عرضها على القرآن على ردها، أو حتى التوقف بشأنها.
فصحيح انّ القرآن الكريم محل وفاق الجميع، ولكنْ هناك معضلتان لا يمكن تجاوزهما، أو حلهما: 
الاولى: انّ القرآن الكريم حمّال ذو وجوه، ولكل من العلماء فهمه الخاص، الى الحد الذي قد يؤدي الى التناقض والقتال، فقد جاء في نهج البلاغة / باب الكتب والرسائل ـ 77 /، بانّ الإمام علي (ع) قد أوصى عبد الله بن عباس لمّا بعثه للاحتجاج على الخوارج، قائلاً: (( لا تخاصمهم بالقرآن فان القران حمّالٌ ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكنْ حاججهم بالسنة، فإنهم لن يجدوا عنها محيصا.)).
وللمثال فقط، أود انّ أنقل ما يقوله السيد الطباطبائي (قده)، بشأن اختلاف المفسرين في تفسير الآية 102 من سورة البقرة، حيث ذكر بانها تحتمل ما يقرب من مليون ومائتين وستين ألف وجه من التفسير. ففي تفسيره  لقوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } [البقرة: 102]، قال (قده): (( قد اختلف المفسرون في تفسير الآية اختلافا عجيبا لا يكاد يوجد نظيره في آية من آيات القرآن المجيد .... وإذا ضربت بعض الأرقام التي ذكرناها من الاحتمالات في البعض الآخر، ارتقى الاحتمالات إلى كمية عجيبة وهي ما يقرب من الف الف ومائتين وستين الف احتمال.))
ومن الغريب، ان سماحة السيد يحاول ان يتجاهل هذه النقطة المركزية، وكأنه يرى انّ اختلافات العلماء في الدلالة ليست ذات أثر كبير، أو كأنّه يرى ان الخلافات الفقهية وغيرها لدى علماء "المنهج السندي" على حد تعبيره، ترجع كلها الى السند فقط، ولذلك فهو يتصور بان تجاوز إشكالية السند، سوف تجعلنا في مأمن من الخلافات الحادة والخطيرة.  
ولكنّ الامر ليس كذلك، فأصحاب المنهج السندي، قد يتفقون في اعتبار الكثير من الروايات، ولكنهم يختلفون في دلالتها، اختلافا كبيرا، كما ان المفسرين يختلفون في فهم الآيات اختلافا كبيرا، دون ان يكون للسند أي دخل في ذلك، فالمشكلة ـ إذن ـ لا تكمن في السند وحده، وانما تكمن في الدلالة أيضا، والاختلاف بسببها لا يقتصر على القضايا الثانوية، وانما يشمل القضايا الكبرى والخطيرة والمصيرية أيضا، وهي التي يسعى سماحة السيد الى علاج الاختلاف فيها، كما يقول. 
والثانية: صحيح ان الكلام عن "الوضع" لم ولن يشمل القرآن الكريم، ولن يتظرق اليه مثل هذا الاحتمال أبدا، ولكنْ، ما الذي يمكن ان نفعله بالكلام عن الناسخ والمنسوخ، وهو لا يختلف من حيث النتيجة عن الكلام عن "الوضع"؟!، فهناك من يقبل دلالة آية، لأنه لا يرى بانها منسوخة، وهناك من يرفض دلالتها لأنه يرى بانها منسوخة، وهي معضلة واضحة لكل من اطلع على كتب التفسير، خصوصا في ما يرتبط بالكفر والشرك والجهاد، وهي المواضيع التي انطلق منها سماحة السيد في "مشروعه الاصلاحي أو التصحيحي"، كما يقول.
علما، بان ما يقوله سماحته، من أن عقدة الخلافات، ومشكلة المشكلات، تكمن في منهج العلماء في التعاطي مع الموروث الروائي، ليس صحيحا، فالمشكلة لا تكمن في منهج العلماء هذا، وانما في ما فَهمَهُ سماحتُه من منهجهم، وفي ما صوّرَهُ هو من مواقفهم، وقد تناولنا ذلك في حلقات سابقة. 
 
ثالثا: حول العلوم الضرورية للمرجع:
وفي أثناء حديثه عن كتاب سليم، تناول سماحة السيد، العلوم التي يراها ضرورية للمرجع، ويرى بانه لا يمكن ان يسمى المرجع مرجعا، بل لا يمكن ان يسمى مجتهدا، ما لم يتقن كل تلك العلوم ويتخصص في كل تلك الفنون.
فقال: ان أهم ما موجود في كتاب قيس، إما قضايا عقائدية وإما قرآنية، وإما تاريخية، إذن أنت إذا تريد أن ترجع إلى مرجعك، وتسأله: هل ان هذه الرواية الموجودة في كتاب سليم صحيحة أم لا؟ فلابد له من أن يكون فقيها قرآنيا، وإلا فانه لا يستطيع أن يقول الرواية صحيحة أو ليست بصحيحة، ولابد أن يكون مؤرخا يعرف المسلمات التاريخية، يعني: يعرف ما كان في صدر الإسلام كما يعرف كتاب الطهارة والنجاسة.
وقال في موضع آخر من حديثه: على أي أساس نرجع إلى الفقيه المرجع في شأن كتاب سليم، ما لم يكن مجتهدا ومحققا في التفسير والتاريخ والعقائد، حتى يعرف أن هذه الرواية صحيحة أو مخالفة للموازين، فالشخص الذي يريد أن يتكلم في روايات سليم، لابد وان يكون مفسرا ومؤرخا ومتكلما وفيلسوفا..لابد أن يعرف المباني العقلية، وإلا كيف يقول عن شيء بانه مخالف للعقل إذا كان يُحرّم الفلسفة.
وفي سياق اجابته على سؤال أحد المتصلين، عما إذا كان المفضل بن عمر وزرارة بن أعين وهشام بن الحكم وأبوذر وسلمان، قد استعانوا بأشياء مثل علم الأصول والمنطق والفلسفة والعرفان لتقييم الروايات؟، قال سماحته: انهم ما كانوا يحتاجون لا علم الفقه ولا علم الأصول، ولكن للزمن حسابه الخاصّ، فكلّما ابتعدنا عن عصر صدور الروايات تعقدت عملية الاستنباط، وإلّا فان الذي كان جالسا بجنب رسول الله، لا يحتاج إلى علم الرجال، لا يحتاج علم السند، ومن كان بجانب الإمام الصادق والرضا وعلي، فلا يحتاج علم الفلسفة ولا العقائد ولا علم النحو ولا الصرف إلّا بالمقدار الذي يفهم كلامه، ولكن الآن كما أننا، في الفقه الأصغر، نحتاج إلى الفقه والأصول والرجال والسند، فاننا، في الفقه الأكبر، نحتاج إلى الكلام والفلسفة والعرفان والتفسير كأدوات لفهم العقائد.
 
المناقشة:
لا يكاد سماحة السيد، يفوّت فرصة، دون ان يشير الى ما يراه من علوم لابد منها للمرجع، وقد تحدث عنها في حلقات سابقة، وقد سجلنا ملاحظاتنا هناك، أما هنا فنريد ان نشير الى بعض النقاط، منها:
1 ـ يقول سماحة السيد، اننا نحتاج الى علم الكلام والفلسفة والعرفان، كأدوات لفهم العقائد. 
فإن كان يعني بهذا ضرورة معرفة القواعد العقلية أو المستقلات العقلية، في فهم العقائد، فلا خلاف في هذا، ولكنّ معرفتها لا تتطلب الخوض في الفلسفة والعرفان، فضلا عن أن تتطلب التخصص فيهما ليصبح فيلسوفا وعارفا، أما بالنسبة لعلم الكلام، فلا أظن أنّ احدا من الطلبة، لم يدرس ذلك.
2 ـ أما علم التفسير، فليس هناك من المراجع مَنْ يعسر عليه ذلك، فالعلوم الضرورية للمفسر، يتقنها الكثير من فضلاء الطلبة، فضلا عن المراجع، وقد ذكرنا في الحلقة الرابعة، ما ذكره الشيخ الطوسي في الجزء الاول من تفسيره / ص 5 ، بهذا الشأن، وما دام المرجع يتقن تلك العلوم، ويمتلك القدرة العالية في التعاطي مع كتب التفسير، دون ريب، فلا إشكال إذن، فالاجتهاد ملكة، ولا يشترط في المجتهد حضور مطالب العلوم المختلفة في ذهنه حضورا دائميا، ولا أن تكون له دروس أو مؤلفات في التفسير.
وإذا أصر معاند على عدم قدرة بعض "مراجع الحلال والحرام"، على التعاطي مع التفسير، فلا يمكنه الإصرار على عدم فهمهم لآيات الأحكام، وقد أشبعوها بحثا، وحينئذ، لا مناص من الرجوع اليهم في العبادات والمعاملات على الاقل، بناءا على اشتراط الاعلمية، وثبوتها بحقهم. 
3 ـ وكذا الامر، بالنسبة للمسائل التاريخية، فهل يظن سماحة السيد، بان المرجع عاجز عن تحقيق قضية تاريخية معينة، وقد صقل علمُ اصولِ الفقهِ عقلَه صقلاً؟! فمن المعروف انّ تحقيق مثل هذه المسائل والخروج منها برأي، لا يعجز عنه أي باحث حقيقي، وقد يقوم به بعض طلبة سماحة السيد، فكيف بالعلماء والمراجع، وهم من أكثر الناس تمرسا في البحث والتنقيب والتدقيق، وهذا لا يستلزم ان يكون مستحضرا للمسألة التاريخية، ولا يتطلب ان تكون له دروس أو مؤلفات في التاريخ.
4 ـ كثيرا ما يكرر سماحة السيد قوله: مالم يكن العالم بالحلال والحرام، متكلما وفيلسوفا ومؤرخا ومفسرا أيضا، فهو ليس بمجتهد، ولا يصح تقليده.
ونتساءل هنا، اذا كان مدار التقليد على الأعلمية، وكان العالم بمسائل الحلال والحرام، أعلم من غيره في هذه المسائل، فكيف يمكن ان يقول سماحته بعدم جواز تقليده، فهل هذا الا خرق لحكم العقل؟
فمع افتراض ان العالم بمسائل الحلال والحلال كان هو الأعلم في هذه المسائل، وهناك من هو أعلم منه في مسائل التاريخ والعقيدة، مثلا، وافترضنا ـ تمشيا مع رأي سماحة السيد ـ إمكان التقليد في المسائل العقدية الفرعية، (وهو غير ممكن كما أوضحنا ذلك في الحلقة الرابعة)، فمن الواجب إذن أن يرجع الناس في كل أعمالهم وسلوكياتهم، الى الأعلم في مسائل الحلال والحرام، ويرجعوا الى غيره في الامور الاخرى، غير ان مثل هذه النتيجة لا ترضي سماحة السيد، لانها سوف تُبقي  الناس مقلدين لمراجع الحلال والحرام، في مقام العمل، وتُبقي كل مواقف الناس مرتبطة بفتاواهم، وخاضعة لاجتهاداتهم، باعتبار ان دائرة الحلال والحرام تشمل كل دوائر حركة الانسان وميادين نشاطاته، وبذلك لا يكون هناك أي تأثير عملي لمراجع العقيدة أو التاريخ، على سلوك الناس، إذ لا يتمكن المرجع من التأثير على حركة الواقع والمجتمع ما لم يقلده الناس في عباداتهم ومعاملاتهم، لأنها مدار الحركة والفعل !!. وسينحصر تأثير العالم بالقضايا العقدية والفلسفية والتاريخية، في دائرة العقيدة (الفكر) والثقافه، فلا يكون له دور كبير في التأثير على واقع الناس وأفعالهم، ولكنّ هذا المآل غير سائغ لدى سماحة السيد، فلا يريده ولا يرتضيه، ولذا فهو يحاول ان يلغي اجتهاد "علماء الحلال والحرام" رأسا، في "فتوى" إقصائية واضحة !!، وهو الاسلوب الذي ينتقده سماحته بشدة ويهاجمه بعنف، دوما !!
 
رابعا: حول بعض استطرادات سماحة السيد، وتعليقاته الغريبة:
ففي طيات حديثه، ذكر سماحته عدة امور، سأكتفي بالتعليق على بعضها، منها:
1 ـ قوله: أنا أتكلم مع بعض الخطباء الذين يدّعون العلم ويدّعون أنهم من أهل المعرفة، فهؤلاء عندما يتناولون المصيبة أو المصائب التي جرت في صدر الإسلام، لا يمكنهم أن يتناولوها كما وردت في كتاب سليم، ما لم يكن لها مصدر آخر، فإذا كانت تلك الحقائق التاريخية أو تلك الأحداث، لها مصادر أخرى، يقول: أنا أستند إلى المصادر الأخرى، وليس الى كتاب سليم، على الرغم من انها قد وردت فيه، وأما إذا كان الحدث قد ورد في كتاب سليم فقط، فأنا لا أستند إليه، فإذا كان الأمر كذلك، فصحيح. 
ثم قال سماحته، ولذا فانني أطلب من المتلقين ومن الناس عندما يسمعون الخطيب ينقل شيئا فليسألوه من أين نقلت هذه الرواية، فإذا كان ينقلها من كتاب سليم بن قيس الهلالي، فليسألوه: هل ان مبناك هو نفس مبنى السيد الخوئي أم لا؟ فإذا قال نعم، فليقولوا له لا يحق لك أن تنقل هذه الرواية إذا كانت مختصة بكتاب سليم.
أقول: يحرص سماحة السيد، على مخاطبة خطباء المنبر وغيرهم من غير المجتهدين، على الرغم من ان أصل كلامه انما هو مع المجتهدين الذين يتعاطون مع الموروث الروائي، على أساس "المنهج السندي"، مما يوحي للسامع بان ما يفعله هؤلاء الخطباء من نقل لمختلف الروايات، ما هو الا نتيجة للمنهج السندي الخاطئ. 
ولكن الامر ليس كذلك.
كما ان الطلب الذي وجهه سماحته الى من يلتزم بمبنى الامام الخوئي (قده)، بعدم الأخذ بأي شيء من كتاب سليم، طلب في غير محله، وذلك لأن عدم وجود سند صحيح للكتاب، لا يعني عدم صحة مضامينه كلها، فحتى الشيخ المفيد يعترف بصحة الكثير من مضامينه.
 
2 ـ وقوله: (( أنا عندما أقول في موروثنا المنقول إلينا، لا في ما قاله الإمام الصادق، ما قاله الإمام الصادق على رأسي وعيني أنا معتقد أن الإمام الصادق من مصاديق الإنسان الكامل، أنا لا أعتقد لا بسهو الأئمة ولا بنومهم عن صلاة الصبح ولا بعصمتهم بعد البلوغ والإمامة بل أعتقد بعصمتهم المطلقة، يقول قائل إذن لماذا تناقش في رواياتهم؟ بيني وبين الله أنا أناقش في ما نقله إلي زرارة، أخلص تراث أهل البيت من الدخيل عليها، بتعبير العلّامة التستري، بتعبير العلّامة التستري أنقي تراث أهل البيت، أنا في نظري أن هذا الموروث إلينا فيه دخيل وموضوع ومكذوب ومختلق وضعيف ومدسوس دخل إلينا من الآخر لابدّ أن ننقيه وإذا استطعنا أن ننقي تراث أهل البيت أكثر خدمة نقدمها لمعارف أهل البيت.)).
أقول: انّ هذا الكلام بلا مضمون، وذلك لان الطريق الوحيد الى السنة الواقعية هو السنة المنقولة، وان ما ينقله زرارة وغيره، فيه من السنة الواقعية ما لا نعلمه، وليس من البعيد أن يحصل ردٌ لبعض السنة الواقعية، وقبولٌ لبعضِ ما هو ليس من السنة أصلا، فهذا هو مؤدى الاجتهاد، وهذا هو شأن الأحكام الظاهرية، ومن هنا يتضح بان السنة الواقعية، تكون مجهولة إلا ما ندر، وبالتالي فانّ الامر قد ينتهي بالباحث عن السنة الواقعية فقط الى ما انتهى بأبي حنيفة، إذ لم تصح عنده الا بضعة أحاديث !! وسيضرب بالباقي عرض الجدار، باعتباره ليس من السنة الواقعية.
نعم، لو قال سماحته بانه يريد التفريق بين ما هو حجة، وما هو ليس بحجة، فسيكون كلامه وجيهاً وصحيحاً، وسيجد الدليل على الكثير جدا من الروايات الحجة. 
 
3 ـ نقل سماحة السيد رواية من تفسير السيد عبد الأعلى السبزواري (قده)، وقد كان سماحته يعلق ببعض التعلقات بين فقراتها المختلفة، ولكي يتضح الامر، فسأنقل الرواية أوّلاً، ثم أذكر بعض تعليقات سماحة السيد.
فالرواية، هي: ((عن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر الباقر إن آدم ولد له أربعة ذكور فأهبط الله إليهم أربعاً من الحور العين، فتزوج كلّ واحد منهم فتوالدوا، ثمّ إن الله رفعهن، وزوج هؤلاء الأربعة أربعاً من الجن، فصار النسل فيهم، فما كان من حلم فمن آدم (ع)، وما كان جمال فمن قبل الحور العين وما كان من قبح أو من سوء خلق فهو من الجن ))
وقد كان في تعليقات السيد الحيدري، التي بثها بين الفقرات المختلفة لهذه الرواية، الكثير من السخرية والاستهجان، ما كان ينبغي لمثله أن يفعل أقل منها، فشاهدها عند الدقيقة 39 وما بعدها، من الرابط المذكور في أعلاه، لو أحببت:  
ـ فعند تعليقه على فقرة رفع الحور وتزويجهم بالجن، قال السيد:(( تبيّنَ الله قائل بتعدّد الزوجات ... الآن لماذا؟ لا أعلم، بيني وبين الله، فلا أدري لماذا أخذ الحور وأتى بالجنيات !! هذا اشلون كان ينام مع الجنية، ما أدري !!.)).
أقول: لاحظ قوله:"تَبيّنَ الله قائل بتعدد الزوجات"!!، فهل هي هفوة أو جرأة، أو هي إحدى ثمرات العرفان اليانعة؟؟!!، فكأنّ الله تعالى ـ في نظر السيد ـ أحد أصحاب الرأي، أو أحد فقهاء "المنهج السندي"، فيقول كما يقولون، ويرى كما يرون !!! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ونعوذ بالله تعالى من هذا الكلام.
ثم لاحظ جملته اللاحقة، فكأنّه يرى بان أفعال الله يجب أن تدور مدار علمنا وتفسيراتنا، ولأن سماحته لا يدري، لماذا رفع الله الحور وزوجهم من الجن، أصبحت الرواية عنده محل ردّ وسخرية.
أما الجملة الاخيرة من تعليق سماحته، وهي: "هذا اشلون....الخ"، فأتركها دون تعليق.
ـ وحول العبارة الاخيرة من الرواية، علق قائلا: "الآن هؤلاء الذين عندهم وجوه قبيحة أو ألوان، لا يعترضون [فيقولون:] إلهي نحن ما ذنبنا جعلتنا من الجن؟.. هذه تنسجم مع المباني القرآنيّة ؟"
أقول: كأنّ سماحة السيد يرى وجاهة مثل هذا الاعتراض!! وحينئذ نتساءل: لماذا يصح هذا الاعتراض عندما يكون الجن منشأ القبح، ولا يصح الاعتراض عندما يكون منشأ القبح غير الجن؟ 
فمع صحة الاعتراض على القبح أو العيب مثلا، فانه يصح بقطع النظر عن منشأ ذلك العيب وسببه !!! وبالتالي، فان قبول أو ردّ هذه الرواية، ليس له أي علاقة بمثل هذا "الاعتراض"، لكي يدّعي سماحة السيد، ضمناً، أن رد هذه الرواية سوف يجنبنا مثل هذا الاعتراض، وان السبيل الوحيد لردها هو التخلي عن "المنهج السندي"، والالتزام بـ "المنهج القرآني".
وأخيرا نتساءل، أليس السيد السبزواري (قده)، برأي سماحة السيد، من فقهاء القرآن، وله تفسير كبير، وهو من علماء الكلام وأهل العرفان، فلماذا لم ينفعه ذلك في ردّ الرواية، التي يردّها السيد الحيدري بقوة، ويسخر منها؟!!
وإذا كان سماحته قد برّر موقفا سابقا له من رواية اخرى، بالقول: انه لم يكن يسخر من الرواية، وانما كان يسخر من تفسيرها، فما عساه يقول في موقفه من هذه الرواية؟
وبقطع النظر عن قبول هذه الرواية وعدم قبولها، أقول: إذا كان هذا هو "المنهج الجديد" الذي يبشر به سماحة السيد ويروّج له باعتباره المنهج الصحيح في التعاطي مع المروث الروائي، وكانت هذه هي الطريقة العلمية التي ينادي بها في القبول والرد، وكانت هذه هي تطبيقات سماحته لمنهجه، فعلى الإسلام السلام.
 
4 ـ اعترض أحد المتصلين، في هذه الحلقة، بكل أدب واحترام، على ما اعتبره سخرية من قبل السيد من رواية "حب علي حسنة لا تضر معها سيئة"، التي كان سماحته قد ذكرها في الحلقة الثانية من أحاديثة، وعندما حاول هذا المتصل، (ويبدو انه كان من أهل الفضل)، ان يوضح رأيه ويناقشه في ما ذكره حول الرواية، تعامل سماحته معه باستخفاف، وتدخّل بطريقة غير لائقة لدى مقدم البرنامج ـ كعادته في مثل هذه الحالات ـ ليقطعوا عليه الاتصال، باعتبارها "محاضرة"، وهو في غنى عنها طبعا، ثم ردّ سماحته على المتصل بكلام أكثر سلبية، حيث ذكر بانه لم يكن يسخر من الرواية، وانما من تفسيرها، وأضاف " أنا كنت أتصور ان فهمكم أفضل من هذا" !!!، فبهذه العبارات وامثالها، وبما هو أكثر منها قسوة، يواجه سماحته مَنْ يريد مناقشته أو محاورته، بل يواجه مَنْ يختلف معهم في الرأي من العلماء، ومع ذلك نراه يتحدث بلسان التحدي، ويدعو الآخرين، باستمرار، الى محاورته ومناقشته مناقشة علمية، فلا أدري عن أي نقاش يتحدث والى أي علمية يدعو !!!.
ومن أجل معرفة ما إذا كان سماحته قد سخر من الرواية أو من تفسيرها، كما يقول، يمكن الرجوع الى الدقيقة التاسعة عشرة تقريبا وما بعدها، من الحلقة الثانية من حديث سماحته، فالحكم متروك للمشاهد.
هذا، وقد ناقشنا كلام سماحته حول الرواية في الحلقة الثانية من هذه المقالات.
 
adnan8581@yahoo.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عدنان عبد الله عدنان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/11/01



كتابة تعليق لموضوع : مع سماحة السيد كمال الحيدري في مشروعه ـ" من اسلام الحديث الى اسلام القرآن "ـ الحلقة التاسعة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net