صفحة الكاتب : جمعة الجباري

دراسة وبيبليوغرافيا القصة الكوردية 1925-1969
جمعة الجباري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 مقدمة*

الأدب ظاهرة اجتماعية وتعبير عن مجمل انفعالات الكاتب ومشاعره الوجدانية؛ لإنارة الليالي المظلمة والطويلة ومعالجة جروح المجتمع والتأثير في حركة الحياة الحادة.
وتعد القصة أحد الفروع المهمة لأدبنا، والتي يرجع ظهورها إلى عشرينات القرن العشرين، وقد التفتت الانظار اليها وشجعت على كتابتها في حدود الحرب العالمية الثانية، وتماسكت في بداية الخمسينات وتمخضت عنها عدة نتاجات عظيمة، ومنذ ذلك الحين وهي في مراجعة مستمرة مع ذاتها وتخطو خطوات متطورة وواثقة.
لذا، فأن تاريخ هذا الفن وفصل مراحله عن بعضها، ودراسة مجمل مواضيعها والكتابة عنها؛ يحتاج إلى جهود مضنية لكي نستطيع وحسب برنامج علمي تحديد بداياته ومراحله التاريخية، للوصول إلى حقيقة قاطعة للشك، لأن هذا الفرع من الأدب لم يدرس لحد الآن بالشكل المطلوب، والجهود المبذولة في هذا المجال، ليست سوى مقالات سطحية. وهذا مدعاة للاسف على أن أمةً عريقةً مثل الكورد تملك تاريخاً مليئاً بالتضحيات في جميع مجالات الحياة، الا في هذا المجال وبعض الأمور الأخرى التي ما زالت رفوف مكتبتها فارغة من مصادر تسهل عمل الباحثين والنقاد. بينما اهتمت الدول المتطورة منذ زمن بعيد بهذه المواضيع وعبر دارسوها كل من طرفه واتجاهه عنها وأغنت مكتباتها بها.
التفاتة تاريخية
لو التفتنا إلى الوراء وتمعنا بنظرة دقيقة في الصفحات والجوانب المتعددة لتاريخ امتنا، خاصة الفترة المتخلفة التي كانت ترزح تحت نير الحكم العثماني، سنلاحظ فوراً تلك الأحوال المزرية التي كانت تمر بها هذه الأمة، حالها حال باقي الأمم الأخرى التي كانت تعاني من أعباء ثقيلة في ظل تلك الإمبراطورية المهزوزة وتتجرع من جرائها سلسلة من القمع والاضطهاد، وكانت الحياة بالنسبة للمجتمع الكوردي عبارة عن جملة من الانتكاسات وعدم التفاؤل بالمستقبل، بحيث كانت الحالة المعيشية للفرد الكوردي في أدنى درجاتها ونور الثقافة منطفئة، ولكن وبسبب تغير ظروف الحياة وقصر حبل الكذب وظهور اعمالهم المشبوهة للعيان في اواخر القرن التاسع عشر آلت هذه المؤسسة المبتذلة الى الهاوية والانحدار نحو هوة الفناء.
من جهة أخرى كانت الإمبريالية الغربية تنظر إلى منطقة الشرق الأوسط بنظرة مستقبلية، كي تضع فيها بيوضها لتسيطر عليها وتخلف مكان النظام البائد، في هذه الاثناء كانت روح الانتفاضة والمشاعر القومية والوطنية واصلة إلى ذروتها. حتى عام 1908 حيث استلمت جمعية (الاتحاد والترقي) زمام الامور، ولكنها لم تقدر أن تلبي آمال الأمم التي كانت تنظر اليها وتأمل منها أن تعمل على تغيير الواقع فكرياً واقتصادياً وسياسياً.
ورغم أن حركات ثقافية ظهرت بين الكورد في كوردستان تركيا أيام الحرب العالمية الأولى وحتى انتهائها وصدر بعض المجلات والجرائد مثل (كورد، رؤذي كورد، هةتاوى كورد) والتي مهدت لبناء أساس متين لاخضرار برعم الثقة والشعور بالانتماء والحرية، وغالباً " كانت تلك الإصدارات السياسية السرية، تصل إلى مناطق من بادينان "، ولكن بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى والتغيير الشامل الذي اجرته على خارطة الحياة في المنطقة ووأد اخر اذيال الدولة العثمانية وسيطرة الإمبريالية الإنكليزية على المنطقة. والانتكاسة التي لحقت بالحركة التحررية الكوردية في كوردستان تركيا؛ انتهى الوضع إلى تثبيت الحكم الفاشي على المنطقة.. كل هذا أدت بالحركة الثقافية وصداها نحو الخفوت والسبات، فضلاً عن انه جعل الحياة وامالها كئيبة بالاخص بعد مساومات المؤتمرات الدولية مثل سيفر ولوزان.
بعد أن وضع الإنكليز اقدامهم على اراضي العراق وثبت حكم اتاتورك في 1924، دبت في اوساط كورد العراق حركة ثقافية وطنية، وانتقل هذا الإحساس الحار إلى كوردستان العراق وولد عدة جرائد ومجلات؛ خاصة في عهد حكمدارية (الشيخ محمود الحفيد) (1882- 9/10/1956) مثل: (بانطي كورد، بيشكة وتن، ئوميَدى ئيستقلال، ذيانة وة) وتشكيل جمعيات سياسية مثل: (لاوانى كورد، مدافعه ى وطن) والتي احيت في قلوب مثقفي ذلك العصر روحاً مفعماً بالامل، لان المطبوعات هي الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الآراء وتطور اللغات واداب الشعوب وتبادل المسائل الفكرية والتعبير عن خوالج النفوس والوصول من خلالها إلى الجماهير، وكان كتاب وكوادر الصحف والمجلات في ذلك العهد يلجأون مع عملهم في كتابة التاريخ والقضايا الاجتماعية إلى الأدب ويعدونه سلاحاً فعالاً، كما أن ظهور بوادر أول قصة كوردية مدونة في اواسط العشرينات من هذا القرن (أي القرن العشرين- المترجم)، هو حصيلة كفاح أصحاب المطابع في تلكم الايام، وليس هناك فرع من فروع الأدب يحتاج بقدر فرع القصة إلى أرضية مناسبة للتعريف بنفسه والانتشار بين القراء، ولهذا السبب ربطنا ظهور القصة ببداية ظهور الصحف والمجلات الكوردية والتي ادت دورها الحقيقي والفعال في تاهيل هذا الفرع الادبي المهم.
بوادر القصة الكوردية
لكل ظاهرة طبيعية بداية خاصة مرتبطة بعدة قوانين، مثل التغيير والنمو، ولايحتاج هذا الكلام إلى دليل، لانه خميرة فلسفة مجربة. وللادب بكل فروعه بداية ووقت معين. ولم يصل إلى تلك الدرجات اعتباطاً. ولكن لو اجرينا قلم التحقيق والبحث من منطلق التقييم والبحث العلمي الشامل؛ سنصل إلى نتيجة مفادها، أن مجمل نتاجنا الادبي حتى نهاية الحرب العالمية الاولى، كان عبارة عن الشعر ومواضيعه، ولم يقتصر ذلك على الأدب الكوردي، بل كان الأدب العربي هو الاخر يمتاز بذات الصفات. وفي هذا الصدد "يعتقد القاص العربي ذنون ايوب أن القصة العربية المدونة ظهرت في بداية هذا القرن -أي القرن العشرين.. المترجم- وانعكست بشكل مناسب على صفحات الجرائد والمجلات" لان القصة عكس الانواع الادبية الأخرى، اهتمت بها اكثر الشعوب التي عرفت الطريق إلى الصحف والمجلات والطبع والنشر اسرع من غيرها.
وأي شعب لم ينمُ فن الطباعة فيه ولم تقطع الثقافة فيه شوطاً جيداً؛ فذلك يوضح أن فن القصة بقي فيه مؤطراً ولم يشهد أي تطور يذكر، وهذا يعود إلى طبيعة ذلك الفن، لان القصة الفنية لا تحفظ مثل الشعر ولا يمكن التعبير بها عن خوالج النفس مباشرة، بل تحتاج إلى الكتابة والنشر، لذا فان الشعوب التي تاخرت في الاهتمام بالطباعة؛ تأخرت فيها تطور القصة.
وليس للكورد في هذا المجال تاريخ طويل وبين، ففي كوردستان العراق "كانت مجلة "بانطي كورد" هي أول اصدار كوردي ينشر أيام الحرب العالمية الأولى من قبل (جمال الدين بابان) وقد توقفت عن الصدور بعد بضعة اعداد بسبب احتدام الحرب في ذلك الوقت"، لذلك فان الأمة التي نور العلم فيها ضئيل ولا تملك تجربة طويلة في هذا المجال، فكيف للقصة اذن أن تورق وتخضر في ارضها؟ عدا أن هذا الفن يحتاج إلى ذاكرة شمولية ويحتاج الأدب إلى امكانات لقطع الاشواط وان يتمتع متعلموها بثقافة واسعة، كي تتجذر القصة فيها ولا تندثر بمجرد هبوب ريح خفيفة.
ولكن، بعد الحرب العالمية الأولى وانهيار المؤسسات العثمانية، اكتسب كتّاب الكورد خبرة قليلة في كتابة القصة، ولا شك أن عودة المثقفين من الخارج إلى ارض الوطن واشاعتهم الاحاسيس المرهفة بين اقرانهم كانتا السبب في تهيئة الارضية المناسبة للقصة ودفعها لحد ما الى الامام، وكانوا يتمنون من كل قلبهم أن يعرّفوا المثقفين بهذا الفن الغربي الرفيع.
 من جهة أخرى كانت هناك خميرة نظيفة لكتابة القصص والتي كانت عبارة عن القصص الفولكلورية والقطع النثرية والمقالات القصيرة المنشورة في تلك الفترة والتي كانت تفوح منها مشاعر وأحاسيس خاصة.. هذه كلها اسباب أرى انها كانت الكفيلة في اخذ القصة ناصية الطريق السليم للظهور، وخاصة المسابقة التي نظمها (الميجر سون) عام 1920 عن طريق جريدة (ثيشكةوتن)، والتي "شارك فيها عدة اقلام معروفة في ذلك الوقت وفازت بجوائز قيمة" وبهذه الطريقة ارتكن النثر الفني في زاوية من زوايا الأدب الكوردي بعد أن كان بمثابة تجربة اولية لظهور الولادة الأولى للقصة.
ورغم أن هذا الفن الجديد في ادبنا هو بالاصل فن أوروبي رفيع؛ الا انه اخذ طابعاً وطنياً من خلال طريقة تفكير شخصيات القصص، وملامحها وكيفية صياغتها.
من ناحية أخرى وبفعل التأثير الحضاري وملامحه الظاهرة مثل: الكهرباء والاذاعة والتلغراف؛ تعقدت ظروف المعيشة في المجتمع الكوردي. لذا، كان لزاماً أن تكون هناك وسيلة أخرى للتعبير عن همومه الداخلية، وتبحث في مشكلاته، التي لم يكن ذلك في مستطاع فن الشعر. خاصة وان التأثير الاقتصادي وتوطيد العلاقات مع الأسواق الغربية، اديا مع بقية الأسباب مجتمعة دوراً بارزاً في ظهور القصة، التي برزت في ميدان الأدب بعد الحرب العالمية الأولى بعشر سنوات. وبدأت بالنمو والترعرع في كنف الجرائد والمجلات الكوردية.
ولكن كحقيقة تاريخية، يجب أن نذكر أن هذا الفن كان له وجود قبل هذا التاريخ ولكن بشكل بسيط وعلى هيئة: الاقوال المأثورة، الخرافات، حكايات الليالي الطويلة قرب الموقد، والمواضيع الفولكلورية. وترتبط بداياته ببداية تاريخ هذه الامة ويرمز اليه كأدب وفولكلور غير مدون وتنظر اليه الشعوب العالمية نظرة احترام وتقدير ويؤشرون اليه ضمن الارشيف الخاص، بفخر واهتمام ويعدونه المصدر الأول للادب. يقول (مكسيم غورغي) بهذا الصدد: " من ناحية الإنتاج، فان الشعب هو الفيلسوف والشاعر الأول وهو المولد والمبدع لكل تلك القصائد والملاحم الموجودة في تراث العالم". وهذا التشبث بالفولكلور، حث الشعب اكثر على التفكير بشكل اعمق واثقف من ذي قبل. لجمعه والكتابة عنه والاستفادة منه لاغناء النتاج الادبي.
لاجرم؛ الكورد أصحاب ثروة كبيرة من الفولكلور، ورغم ان الكتاب لم يتفرغوا له كلياً ولم تمد اليه اليد لجمعه وتصنيفه وتقييمه بالشكل المطلوب، الا انه في المقدور الإشارة إلى بعض القصص الفولكلورية التي نظمت على أساس الشجاعة والنبل وصفاء النية والوصول إلى الغايات، مثل (بةختيار و بةدبةخت) و(بةركةرد و فةركةرد) و(كضى شاى ثةرييان) و(مةمى وئايشى) واخرى كثيرة، دونت جميعها كتراث شعبي و وصل المثقفون إلى قناعة مفادها أن هذه النتاجات هي انعكاس الحياة الاجتماعية وحصيلة تجارب العهود الغابرة.
وكانت أهميته هي التي دفعت بالكتاب والمستشرقين العالميين للدراسة والتحقيق عن هذه الثروة الكوردية. يقول مينورسكي: "عند آثوريي الجبل، فان انشاد الاغاني الكوردية ورواية القصص الكوردية اصبحا عادة لدى الجميع"ومن جهة أخرى يعتقد نيكتين: "الأدب الكوردي بالدرجة الاولى، هو فولكلور كوردي، ولا يبصر في هذا الفولكلور مخلفات وموروثات الأجيال السابقة فقط، بل ان هذا الفولكلور دليل اليوم للاقدام على الحياة، وازدهار قوة الإنتاج".
لذلك؛ فان كتاب الكورد حين فكروا في كتابة القصة، لم يعتمدوا فقط على الأسباب سالفة الذكر كاساس ومادة، بل كانت ثروتنا القومية ومجمل الفولكلور بجميع اصنافه عاملاً مساعدا كمصدر نير لبداية معروفة بالنسبة للقصة الكوردية، وقد تطورت شيئاً فشيئاً نحو الامام، وخلال فترة ظهوره (أي اول قصة كوردية فنية مدونة) اجتازت عدة مراحل رئيسة، وكل مرحلة مرآة للاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السائدة فيها، ولها طبيعتها وشكلها ومضمونها الخاص بها، وبالامكان تصنيفها من الناحية الفنية بسهولة وتحديد مديات تطورها.
*هذا قسم من مقدمة لكتاب (تاريخ وبيبليوغرافيا القصة الكوردية ) لمؤلفه الأستاذ عمر معروف برزنجي المطبوع سنة 1970 ترجمناها من اللغة الكوردية إلى اللغة العربية لاهميتها وهو مشروع ترجمة كاملة للكتاب من قبل المترجم. 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


جمعة الجباري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/11/08



كتابة تعليق لموضوع : دراسة وبيبليوغرافيا القصة الكوردية 1925-1969
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : هیوا حسین امین ، في 2013/12/13 .

مقال جيد جدا وهذا النوع من المواضيع قلما يكتبون عنهم ومحاولة الاخ جمعة جبارى محاولة رائعة وعرض رائع للموضيع، واستفد كثيرا من هذة المقالة.




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net