صفحة الكاتب : علي بدوان

ما بعد التحولات الإقليمية الأخيرة: ما الذي ينتظر اللاجئين الفلسطينيين في مصر؟
علي بدوان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مجلة العودة، مجلة فلسطينية شهرية - العدد الثاني والأربعون - السنة الرابعة – آذار (مارس) 2011 م– ربيع الأول 1432

أحدثت المتغيرات والوقائع الأخيرة في المنطقة، تحولات عميقة ستترك آثارها في القريب العاجل على المسار المستقبلي لمنطقة الشرق الأوسط، وعلى القضية الفلسطينية خصوصاً. فقد انهار بسرعة البرق، وتحت ضغط المواطنين وانتفاضتهم أعتى نظامين عربيين، عرف عنهما ما عرف من البطش الداخلي تجاه المواطنين في كلٍّ من مصر وتونس، وعُرف عنهما كذلك ماعُرف من الفساد الذي تجاوز ما كان متوقعاً في الأصل، إضافة إلى سلوكهما السياسي السلبي الخارجي تجاه قضايا المنطقة.

ومن نافل القول إنّ عاصفة التحولات التي انطلقت نذرها وشراراتها خلال الأيام الأولى من العام الجديد، كانت بمثابة الضربة الكبيرة التي هبطت على رأس ودماغ صناع القرار السياسي والأمني والعسكري داخل كيان دولة الاحتلال الصهيوني، وأحدثت داخله ارتجاجاً هائلاً، يتوقع له أن يعيد رفع مستوى القلق والهلع داخل كيان مصطنع.

إن الهزات العنيفة التي أحدثتها ثورة الشعبين الشقيقين في مصر وتونس، تمثّل الآن صحوة في المنطقة بأسرها، بعدما راح البعض ينظّر لمقولاته الانهزامية تحت عنوان «إن شعوب المنطقة قد استكانت، وإنها قبلت بالأمر الواقع المفروض عليها»، فجاءت ثورتا مصر وتونس لتكسرا تلك المقولات، وتقذفا بها إلى سلة المهملات. فالشعوب حية، بالرغم من الطواغيت الجاثمة على صدورها منذ سنوات وعقود.

ومن الطبيعي القول إن الشعب الفلسطيني ينظر إلى الأحداث والتحولات الأخيرة التي وقعت في المنطقة بتفاؤل كبير، نظراً لما تمثله مصر العربية ومعها تونس من حضور وفعل وثقل وتأثير في المنطقة. فمصر الآن على أبواب العودة إلى مربع دورها الحقيقي الأصيل الذي سُلب منها على يد نظام كامب ديفيد.

وينظر الشعب الفلسطيني كذلك إلى تلك الأحداث والتحولات بمنظار الإعجاب والتقدير للناس الذين خرجت إلى الشوارع غير آبهين بالبطش والوعيد، مصممين على نيل واستعادة حقوقهم وكرامتهم، واستعادة العدالة، واستعادة مصر وتونس إلى موقعهما الطبيعي في إطار الصراع مع المشروع الصهيوني، وعلى طريق تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في التحرير والعودة.

عود على بدء

من المعلوم أن جمهورية مصر العربية هي من الدول العربية الخمس المضيفة للاجئين الفلسطينيين، إلى جانب كل من الأردن وسوريا ولبنان والعراق. حيث تشير أغلب المعطيات المتوافرة إلى أن أعداد اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في مصر لا تتعدى الآن بأفضل الحالات رقماً يقارب الـ (84) ألف فلسطيني، قدمت غالبيتهم الساحقة إلى مصر عام النكبة من مناطق مدينة يافا والساحل الجنوبي لفلسطين.

وتشير معظم الدراسات الموثقة إلى أن مصر استقبلت عام النكبة نحو ثمانية آلاف وخمسمائة لاجئ فلسطيني، قدموا إليها من مناطق يافا واللد والرملة وقراها، فمع قيام العصابات الصهيونية بحصار مدينة يافا ومناطقها، ومعها مدن الرملة واللد، أخذت جموع أهالي يافا تتدافع إلى شاطئ البحر، الذي تركته العصابات الصهيونية ومعها بقايا قوات الانتداب من دون أن تغلقه، مكتفية بمحاصرة المدينة على شكل حدوة حصان. واستخدمت هذه الجموع القوارب واللنشات، ونزلت بها إلى ماء البحر، متجهة إلى الجنوب في اتجاه قطاع غزة ومصر، يدفعها إلى ذلك الساحل الآمن، وقصر المسافة، نسبياً، فضلاً عن تحدر نسبة غير قليلة من أهالي يافا من مصر. ولعل في هذا كله ما يفسر وصول نسبة كبيرة من أهالي يافا إلى هاتين الجهتين، فيما نجح الباقون في الوصول إلى سوريا ولبنان، والضفة الغربية، وتبقى بضعة مئات في يافا نفسها.

لقد كانت مدينة بورسعيد أول موطئ قدم للاجئين الفلسطينيين صباح الأيام الأولى من النكبة، حيث وضعتهم السلطات المصرية في تجمع خاص بهم يدعى (المزاريطة)، ووضعت آخرين منهم في تجمع (العباسية) الواقع في ضواحي القاهرة، إلى حين منح غالبيتهم حق الإقامة في مصر. ثم سرعان ما قامت الحكومة المصرية مع بداية عام 1949 بنقل جزء كبير منهم إلى قطاع غزة، والى مخيم المغازي تحديداً، حيث بقي القطاع تحت الإدارة المصرية.

والآن، تقدر أعداد اللاجئين الفلسطينيين في مصر مع بداية عام 2011 بحدود (84) ألف مواطن فلسطيني، منهم عدة آلاف يقيمون في مصر بقصد الدراسة وهم من أبناء قطاع غزة على وجه التحديد، وبعضهم القليل من الضفة الغربية، حيث إن مصر منطقة استقطاب للعناصر الفلسطينية الشابة القادمة من قطاع غزة بغية التعليم. كذلك يحظى بالإقامة في مصر، وتحديداً في مدينتي القاهرة والإسكندرية عدة آلاف من أبناء حملة جوازات السفر المتنوعة الألوان والعناوين من «الارستقراطية الفلسطينية الجديدة» من رحم بعض الفصائل والقوى الفلسطينية.

يتركز وجود اللاجئين الفلسطينيين في محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية بنسب تقارب (76%) من إجمالي الفلسطينيين في جمهورية مصر العربية، بينهم (52%) في المائة في مدينة القاهرة، و(7%) في الجيزة، و(17%) في الإسكندرية، وبالتالي يقطن (94%) منهم في المناطق الحضرية، و(6%) منهم في المائة فقط في المناطق الريفية. وفي ما يأتي جدول يوضح أعداد اللاجئين الفلسطينيين في مصر خلال سنوات مختارة منذ عام النكبة:

عدد اللاجئين الفلسطينيين في مصر

العام

8500

1948

17000

1955

37200

1970

49559

1993

60000

1999

64000

2000

84000

2011

 

وبالنسبة إلى المعطيات الديموغرافية، فإن المعلومات الفلسطينية الصادرة قبل سنوات عن المكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني بدمشق، تشير إلى أن المجتمع الفلسطيني في مصر هو مجتمع فتي، تبلغ فيه نسبة الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر (41%) من إجمالي الفلسطينيين هناك، حيث تتسع قاعدة الهرم السكاني للفلسطينيين في مصر وتضيق قمته، في إشارة إلى أنه مجتمع فتي، بيد أنه أقل فتوة من التجمعات الفلسطينية الأخرى التي يقيم فيها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان وسوريا وقطاع غزة والضفة الغربية والقدس.

اللاجئون الفلسطينيون في مصر والتدهور الكبير في أوضاعهم

إن الشعب الفلسطيني، الذي اهتزت جوارحه وأحاسيسه، وتدفقت الدماء بحرارة في عروقه مع الوقائع اليومية التي سجلها الشعب التونسي، والتي سجلها أيضاً الشعب المصري في ميدان التحرير وعموم مصر، ينظر الآن متفائلاً تجاه الجديد القادم في الدور المصري المنشود تجاه القضية الفلسطينية، بمختلف عناوينها. كذلك ينظر متفائلاً من أجل حل بعض القضايا العالقة والمستعجلة والمتعلقة بفك الحصار عن قطاع غزة، وحل بعض الاستعصاءات المتعلقة بـ(اللاجئين الفلسطينيين في مصر)، التي كانت مصدر توتر وقلق وإرهاق لبعض القطاعات من أبناء شعبنا الفلسطيني من الذين أقاموا في مصر أو حملوا وثائق السفر المصرية منذ النكبة، ومنهم من أبناء قطاع غزة المشتتين على قوس واسعة من المعمورة وما زالوا يحملون وثيقة السفر المصرية.

فأوضاع الفلسطينيين في مصر تدهورت خلال العقود الثلاثة الماضية إلى حد بعيد، بعد أن تأثرت تأثراً شديداً، بالشأن السياسي. وكلما توترت العلاقة بين قيادة منظمة التحرير والحكم المصري، انعكس ذلك، سلباً، على أوضاع الفلسطينيين في البلاد. وحتى حين كانت المياه تعود إلى مجاريها بين الطرفين، فإن ما كان يصدر من تشريعات جائرة إبان فترة التوتر، يظل سارياً، وخصوصاً القرار الرئاسي الذي صدر في تموز/ يوليو 1978 من رئيس الجمهورية أنور السادات، تحت الرقم (47 و48) لسنة 1978، وفيه إلغاء القرارات التي كانت تُعامل الفلسطينيين معاملة المصريين، وحظرت وزارة القوى العاملة عمل اللاجئين الفلسطينيين في مصر في الأعمال التجارية، والاستيراد والتصدير إلا لمن كان متزوجاً بمصرية منذ أكثر من خمس سنوات.

وفي الجانب المتعلق بالعمل الوظيفي بشقيه الخاص والعام، تُلحظ صعوبة كبيرة في الموافقات الضرورية التي تسهل سبل العمل للمواطن الفلسطيني من المقيمين في مصر منذ عام 1948، وقد بان الأمر في الفترة التالية التي أعقبت توقيع ما سُمي في حينه اتفاقية (الكيلومتر 101) بين أنور السادات و«إسرائيل» عام 1975، حيث نستطيع القول بأنه من العام المذكور سادت وما زالت حالة من غياب التسهيلات الملموسة تجاه الفلسطينيين المقيمين في مصر منذ عام النكبة، حيث عادت أمورهم للوراء قياساً بالفترة الناصرية، ولم ترتق أحوالهم إلى المساواة القانونية في حقوق العمل للاجئ الفلسطيني المقيم في مصر منذ عام النكبة، وذلك خلافاً لقرارات الجامعة العربية التي دعت إلى المساواة بين اللاجئ الفلسطيني ومواطني بلد اللجوء الذي لجأ إليه عام 1948.

واللافت للنظر أن قيادة منظمة التحرير كانت تؤثر ألا توظف تحسن علاقتها بالحكم المصري، في محاولة إلغاء ما ترتب على التوتر السابق من تشريعات، ربما خشية أن تسبب هذه المطالبة توتراً جديداً في العلاقات، وهو تخوف ليس له ما يبرره، بينما كان يقتضي الأمر وقوف منظمة التحرير أمام مسؤولياتها، ومواجهة هذه العوائق، وفتح حوار جاد ومستمر مع الجهات المصرية المعنية من أجل إزالة هذه العوائق.

ويذكر في هذا الصدد أن مصر وقعت بروتوكول معاملة اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية معاملة المواطن في بلد اللجوء، وصدّقت على قرار مجلس جامعة الدول العربية رقم (462 تاريخ 23/9/1952)، الذي سمح للفلسطينيين بحق العمل والاستخدام في الأقطار العربية أسوة بمواطني هذه الأقطار، وتعزز الأمر من خلال إصدار الجهات الرسمية المصرية سلسلة من القوانين التي سمحت للفلسطينيين بممارسة المهن وفقاً للمقاييس والأنظمة السارية على المصريين أنفسهم، ومنها القانون المصري رقم (66) لسنة 1962 الذي (صدر في 10 آذار/مارس 1962) القاضي بتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في مصر في وظائف الدولة والمؤسسات العامة. وتبع القرار المشار إليه، قرار لوزير العمل المصري في (10أيار/ مايو 1963) ، أُعفي بموجبه الفلسطيني من الحصول على ترخيص عمل. ونتيجةً لهذه التشريعات، اندفع الطلبة الفلسطينيون للدراسة في الجامعات المصرية، التي خرجت الآلاف منهم في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وغالباً بالنسبة إلى اختصاصات الطب والهندسة، وقد بلغ متوسط أعدادهم في الجامعات المصرية ما بين أعوام (1955 - 1975) عشرين ألف طالب جامعي فلسطيني سنوياً في مختلف الجامعات المصرية، التي لم تعد تقتصر على أبناء قطاع غزة من الفلسطينيين أو من أبناء اللاجئين الفلسطينيين من المقيمين في مصر، بل التحقت بهم أعداد من الطلبة من أبناء فلسطين من الضفة الغربية ومن أبناء اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في سوريا- وبنسبة أقل- من اللاجئين المقيمين في لبنان.

وبهذا الزخم الطلابي الفلسطيني على وجه الخصوص، مثّلت مصر مركزاً هاماً استقطابياً للعمل الوطني الفلسطيني من خلال الحضور الطلابي الفلسطيني في جامعاتها في السنوات التي تلت النكبة، حيث ترأس طالب الطب اللاجئ الفلسطيني من مدينة صفد نديم نحوي إيقاد شعلة الحراك السياسي الفلسطيني في مصر، وترافق هذا الحراك مع انتشار تنظيم حركة القوميين العرب بين أبناء فلسطين في الجامعات المصرية، فيما تضافر شباب تنظيم قطاع غزة من الإخوان المسلمين للعمل في الوسط الطلابي الفلسطيني. إلا أن أُنشئت «رابطة الطلبة الفلسطينيين» في مصر، التي كانت بمثابة البذرة التي أنجبت الاتحاد العام لطلبة فلسطين، وغدت بمثابة مدرسة كادر لتخريج القيادات السياسية اللاحقة. فكان ياسر عرفات، أول رئيس لهذه الرابطة (1950-1956)، وأيضاً صلاح خلف (أبو إياد)، الذي كان نائباً لعرفات.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي بدوان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/03/12



كتابة تعليق لموضوع : ما بعد التحولات الإقليمية الأخيرة: ما الذي ينتظر اللاجئين الفلسطينيين في مصر؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net