سبايا آل محمد { صلى الله عليه وآله}، بين فقد الأحبة وشماتة الشامتين.
محمد الكوفي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد الكوفي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
11/ محرم / سنة 61 هجري خروج سبايا آل البيت { عليهم السلام }، من كربلاء إلى الكوفة مع رؤوس الشهداء ومن الكوفة إلى الشام وبل عكس.
************
بسم الله الرحمان الرحيم
}} يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي {{ صدق الله العلي العظيم. أتمنى منكم دعاء بـ مغفرة ورحمه.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين.
************
مقال خاص: إلى الأخوة الأعزاء والمشرفين المحترمين في موقع كتابات في الميزان،
الحلقة الأولى: بحث وتحقيق. محمد الكوفي/ أبو جـــاسم،
************
أتقدم بأحر التعازي والمواساة إلى صاحب العصر والزمان وإلى مراجعنا العظام والأمة الإسلامية جمعاءً وإليكم انتم أخوتي الأفاضل في موقع الشيعة اليوم ألمحترمين والإخوة القراء الأعزاء وذالك بمناسبة واقعة عاشوراء وأيام شهر محرم الحرام الذي استشهد فيه الإمام الحسين ابن علي{عليه السلام}, وأهل بيته الطيبين الأطهار{ع}, والنخبة الطيبة المؤمنة من أصحابه النجباء الأبرار الذين استشهدوا معه في فاجعة ألطف التي وقعت في كربلاء المقدسة يوم 10 من محرم سنة 60 هـــ التي أدمعة عيوننا وأحزنت قلوبنا وقلوب المسلمين الموالين كافة لذا أرى من واجبي الشرعي و الديني أن أشارككم هذا المصاب الجلل بمناسبة خروج سبايا آل محمد { صلى الله عليه وآله.{ من كربلاء إلى الكوفة ثم إلى دمشق وبالعكس أرجو من الله الأجر والثواب وللإخوة المؤمنين وأخواتي المؤمنات القراء الكرام
واخص بالذكر إخوتي وأخواتي العاملين والعاملات الطيبين والطيبات في موقع كتابات في الميزان المحترمين والأخ المسؤول والمشرف والكادر العام ، في هذا الموقع المحترم، وكذالك المواقع الإسلامية والعلمانية المحترمة الأخرى.
************
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وإن لله وإنا إليه راجعون :
اللَّهُمَّ العَنْ أَوَّلَ ظَالمٍ ظَلَمَ حَقَّ مُحمَّد وَآلِ مُحمَّدٍ وآخِرَ تَابِعٍ لَهُ عَلَى ذَلِك..
يا موالي : أن الإنسان المنصف ليتعجب مما حدث في كربلاء من أمة السوء ، والذين ينتحلون الإسلام ، وهم يقتلون أبناء نبي دينهم ، وينقضون عهدهم مع الله ورسوله ، وتناسوا إنسانيتهم ، وفقدوا كل رحمة وعطف لأقل الحيوانات في وجودهم ، وأصبحوا كالأنعام بل أضل سبيلا ، فنصروا أئمة الكفر من بني أمية ، والحكام الطغاة من آل أبي سفيان مع جورهم عليهم وظلمهم لهم ، وقتلهم لخيرة أهل بلدهم ، وشرفاء قومهم ، ومع ذلك تراهم مطيعين للظالمين و ناصرين للطغيان .
يا موالي : هنا ترى مصيبة كبرى أخرى وهي المسير بأسرى آل محمد {عليهم السلام.{ من كربلاء إلى الكوفة ، وهي على حد المصيبة العظمى لشهادة سيد الشهداء أبا عبد الله الحسين {عليه السلام.{ بل استمرار لها وليوم الهجوم على أم العقيلة بعد وفاة رسول الله بأيام ، ولتحكيهما بأسلوب آخر فتعرف شدة قبحهما ، ولتنشر رسالتها في كل البلاد ، وتعرف أهدافها لكل العباد ، ولكي لا يجهلها أحد يمر بالتأريخ الإسلامي أو البشري .
فهذه الرحلة : لآل محمد { صل الله عليهم وسلم} ، رحلة الإيمان وتعريف هداه ، وهذا السفر لآل رسول الله هو سفر الإسلام وتعريف أسفاره ، وهذا الانتشار لآل محمد هو نشر معارف الدين وأحكامه ، وهذه الحركة مع مصابها وجلل خطبها فهي خطبة الإسلام وتعريف خطوطه وخططه ، حتى يبقى أبد الزمان يعرف هداه ناصعا لكل المنصفين ، فضلا على الطيبين من المسلمين والمؤمنين وكل المتقين والمخلصين لله الدين .
فإنها أيام الله : والهجرة إليه ووقوع أجرهم عليه ، والتي أرانا فيها وكل العباد محل هداه وأهله دائما ، وعرفنا أهل الضلال والمنحرفين عنه مادامت السموات والأرضيين.
فإنه يا طيب : السير بآل محمد أسرى وسبايا بعد قتل سيد شباب أهل الجنة وإمام الهدى وآله الكرام وصحبه الطيبين ، لهو سير بالإسلام والإيمان والهدى وتعريف مسيره ومحله ونوره ونشره في كل البقاع ، حتى لم يبقى عذر لأحد في جهله ، ولم تبقى حجة لأحد في هجره وعدم الاهتمام به ، فمن تأسف وحزن وتابع وعرف ؛ كان على صراط مستقيم ، ومن تجاهل وهجر ؛ كان في ضلال مبين إلى يوم الدين .
ويا موالي : في أخر نور من مصباح الهدى السابق مر كلام عن بعض الأحداث التي تحكي حال آل محمد بعد مقتل سيد الشهداء وصبحه وآله ، وأنهم كيف رضوا صدر سيد الشهداء بحوافر الخيل بعد قتله ، ثم أنهم عدوا عليهم يسلبوهم كل شيء مما وقع عليه نظرهم ، سواء من نفس لباس الإمام {عليه السلام.{ وسلاحه ، أو ما كان على وعند صبحه الكرام ، أو ما كان في الخيام ، وما كان ساتر لخير الخلق والأنام ، وأنهم حرقوا خيامهم ثم جمعوهم في خيمة ووضعوا حارس عليهم .
ورجع القوم الظالمين : إلى أعمال أخرى ترينا خبثهم وشدة عدائهم لآل محمد { صلى الله عليه وآله وسلم} ، فقطعوا رؤوس آل محمد { صلى الله عليه وآله وسلم} ، الحسين وآله وصحبه الكرام ، ثم بعد يوم ساروا بهم أسرى يقدموهم هدية لأظلم وأعق طاغية تحكم في دماء المسلمين وتسلط عليهم بفعل من ولاه وولى أبيه من قبل ، ومن ولي حكومة المسلمين من قبل فولاهم ، فادعوا كلهم خلافة رسول رب العالمين كذبا وزورا .
ولكي نتعرف على بعض الأحداث الأخر أو تفصيل بعض ما مر نتدبر :
****** « 1 » ******
الخروج من كربلاء:
1 } ــــ «- الخروج من كربلاء :تحرَّك موكب سبايا أهل البيت {عليهم السلام.{ من كربلاء المقدّسة نحو مدينة الكوفة العلوية المقدّسة، في الحادي عشر من المحرّم 61 هـ، مع رؤؤس الشهداء، المشهورة. وهو يقطع الصحاري، حاملاً الذكريات الموحشة والمؤلمة لليلة الفراق والوحشة، التي قضوها على مقربة من مصارع الشهداء، وهم على جمال بغير وطاء ولا غطاء.
ظهر الحادي عشر من المحرم يرحل بسبايا آل الرسول : وقال السيد بن طاووس :
وأقام : عمر بن سعد بقية يومه العاشر من المحرم . واليوم الثاني : إلى زوال الشمس .
ثم رحل : بمن تخلف من عيال الحسين {عليه السلام} . وحمل نساءه : وهن ودائع : خير الأنبياء . وساقوهن : كما يساق سبي الترك والروم في أشد المصائب،
كيفية الخروج: حمل جيش عمر بن سعد السبايا على أحلاس أقطاب ، بغير وطاء ولا غطاء. ، مكشفات الوجوه بين الأعداء .
وتتقدّمهم الرؤوس على الرماح، ولله در قائله:
يُصلّى على المبعوث من آل هاشم ** ويُغزى بنوه أن ذا لعجيب
وقال آخر: أترجو أُمّة قتلت حسيناً ** شفاعة جدّه يوم الحساب. » {1}.
****** « 2 » ******
2} ــــ «- أعداء الله يقطعون رؤوس الشهداء ويقتسموها ويرحلوا بالرؤوس إلى للكوفة: إلى ابن زياد: كانت رؤوس أهل بيت الحسين{ع}، وأصحابه { رضوان الله عليهم}. ثمّانية وسبعين رأساً، فاقتسمتها القبائل، للتقرّب بذلك إلى عبيد الله بن زياد وإلى يزيد بن معاوية { لعنهما الله}.
في تأريخ الطبري بسنده عن أبي مخنف قال : فقتل : من أصحاب الحسين {عليه السلام}، اثنان وسبعون رجلا . وقال محمد بن أبي طالب : ثم إن عمر بن سعد : سرح برأس الحسين {عليه السلام}، يوم عاشورا . مع : خولي بن يزيد الأصبحي ، وحميد بن مسلم ، إلى ابن زياد . ثم أمر : برؤوس الباقين من أهله بيته وأصحابه . فقطعت : وسرح بها مع شمر بن ذي الجو شن إلى الكوفة . وقال الطبري عن أبي مخنف قال : وقطف رؤوس الباقين فسرح باثنين وسبعين رأسا ، مع شمر بن ذي الجو شن ، وقيس بن الأشعث، وعمر بن الحجاج ، وعزرة بن قيس، فأقبلوا حتى قدموا بها على عبيد الله بن زياد.
وروي في أنساب الأشراف : أن رؤوس أصحاب الحسين وأهل بيته ، كانت ثمانية وسبعين رأسا ، واقتسمتها القبائل ، ليتقربوا بذلك إلى عبيد الله وإلى يزيد . وصاحبهم قيس بن الأشعث
قال أبو مخنف في مقتله: «فجاءت كندة إلى ابن زياد بثلاثة عشر رأساً، فجاءت كندة : بثلاثة عشر رأسا ، وصاحبهم قيس بن الأشعث . وجاءت هوازن : باثني عشر رأساً وفي رواية ابن شهر آشوب بعشرين وصاحبهم شمر لعنه الله . وجاءت تميم : بسبعة عشر رأسا ، وفي رواية ابن شهر آشوب : بتسعة عشر .
وجاءت بنو أسد : بستة عشر رأسا ، وفي رواية ابن شهر آشوب: بتسعة رؤوس. وجاءت مذحج : بسبعة رؤوس . وجاءت سائر الناس : بثلاثة عشر رأسا . وقال ابن شهر أشوب : وجاء سائر الجيش : بتسعة رؤوس ، وجاءت مذحج بسبعة رؤوس،
قال : فذلك سبعون رأساً . ثم قال محمد بن أبي طالب : وجاءوا بالحرم أُسارا ، إلا شهر بانويه ، فإنها أتلفت نفسها في الفرات. ولم أرى من غيره ما ذكر أخيرا .
وقال في مقتل الخوارزمي: وأقام عمر ابن سعد يومه ذلك إلى الغد فجمع قتلاه وصلى عليهم ، وترك أصحاب الحسين وأهل بيته وأصحابه..وكانوا اثنين وسبعين رجلا .» {2}.
****** « 3 » ******
3} ــــ «- آل محمد في مسيرهم إلى الكوفة يمرون على مصارع وجثث قتلاهم : وقال السيد بن طاووس : فخرجن : حواسر ، مسلبات ، حافيات ، باكيات . يمشين : سبايا ، في أسر الذلة .
وقلن بحق الله : إلا ما مررتم بنا على مصرع الحسين . فلما نظرت النسوة : إلى القتلى ، صحن وضربن وجوههن . قال : فوا لله لا أنسى زينب بنت علي {عليه السلام} : وهي تندب الحسين : وتنادي بصوت حزين ، وقلب كئيب : وا محمداه : صلى عليك مليك السماء .
هذا حسين : مرمل بالدماء ، مقطع الأعضاء ، وبناتك سبايا . إلى الله المشتكى :
وإلى محمد : المصطفى ، وإلى علي المرتضى ، وإلى حمزة سيد الشهداء . وا محمداه : هذا حسين بالعراء ، يسفي عليه الصبا ، قتيل أولاد البغايا. يا حزناه : يا كرباه ، اليوم مات جدي رسول الله . يا أصحاب محمداه : هؤلاء ذرية المصطفى ، يساقون سوق السبايا .
وقال أبن نما الحلي: ومررن على جسد الحسين ، وهو معفر بدمائه ، مفقود من أحبائه ، فندبت عليه زينب : بصوت مشج ، و قلب مقروح : وذكر ما مر إلا أنه قال : يا محمداه :.. ، قتيل أولاد الأدعياء . وا حزناه وا كرباه : اليوم مات جدي رسول الله . يا أصحاب محمداه : هذه ذرية المصطفى ، يساقون سوق السبايا . فأذابت : القلوب القاسية ، و هدت الجبال الراسية . وفي بعض الروايات : يا محمداه : بناتك سبايا ، وذريتك مقتلة ، تسفي عليهم ريح الصبا . وهذا حسين : مجزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والرداء . بأبي : من عسكره في يوم الاثنين نهبا . بأبي : من فسطاطه مقطع العرى . بأبي : من لا هو غائب فيرتجا ، ولا جريح فيداوى . بأبي : من نفسي له الفداء . : المهموم حتى قضى. بأبي: العطشان حتى مضى . بأبي : من شيبته تقطر بالدماء. بأبي : من جده رسول إله السماء .
بأبي : من هو سبط نبي الهدى . بأبي : محمد المصطفى . بأبي : خديجة الكبرى . بأبي : علي المرتضى . بأبي : فاطمة الزهراء سيدة النساء . بأبي : من ردت عليه الشمس حتى صلى . قال : فأبكت والله ، كل عدو وصديق . ثم إن سكينة : اعتنقت جسد الحسين عليه السلام . فاجتمع : عدة من الأعراب حتى جروها عنه.
قال في مثير الأحزان: ثم إن عمر بن سعد : أقام : بقية يوم عاشوراء ، و الثاني إلى الزوال : ثم أمر : حميد بن بكير ألأحمري ، فنادى في الناس : بالرحيل إلى الكوفة .
و حمل معه : بنات الحسين وأخواته ، ومن معه من الصبيان ، قال قرة بن قيس التميمي : نظرت إلى النسوة لما مررن بالحسين {عليه السلام}، ـ صحن : و لطمن خدودهن. فاعترضتهن : على فرس ، فما رأيت منظرا من نسوة قط أحسن منهن .
وقال الخوارزمي في المقتل : ثم أذن : عمر بن سعد الناس في الرحيل إلى الكوفة . وحمل : بنات الحسين ، وأخواته ، وعلي بن الحسين ، وذراريهم . فما مروا : بجثة الحسين ، وجثث أصحابه : صاحت : النساء ، ولطمن وجوههن . وصاحت زينب : يا محمداه : صلى عليك ملك السماء . هذا حسين : بالعراء ، مزمل بالدماء ، معفر بالتراب مقطع الأعضاء . يا محمداه : بناتك في العسكر سبايا . وذريتك قتلى : تسفى عليهم الصبا . هذا ابنك : محزوز الرأس من القفا . لا هو : غاب فيرجى ، ولا جريح فيداوى . وما زات تقول هذا القول : حتى أبكت كل صديق وعدو . حتى رأينا : دموع الخيل ، تنحدر على حوافرها . ثم قطعت : رؤوس الباقين . فسرح : باثنين وسبعين رأسا ، مع : شمر بن ذي الجوشن ، وقيس بن الأشعث ، وعمروا بن الحجاج {3}،
الأسرى من الرجال: كان مع النساء الإمام علي بن الحسين{عليهما السلام}، وقد كان مريضاً، بالدرب . والحسن بن الحسن المثنى، وقد أُثخن بالجراح، وروي أنّه قاتل بين يدي الحسين{عليه السلام}، في ذلك اليوم، وأصابه ثمّانية عشر جراحة فوقع، فأخذه خاله أسماء بن خارجة فحمله إلى الكوفة، وداواه حتّى برء، وحمله إلى المدينة. وكان معهم أيضاً زيد وعمرو ولدا الإمام الحسن{عليهما السلام}، يا موالي : هذا أصعب موقف محزن ومفجع يمر به إنسان ، فيرى آله كلهم مجزرين مقطوعي الرؤوس ، فيتركهم بدون دفن ، وهو أسير بيد أعدا الله ورسوله .
ويقولون : حين نقل كلام عقيلة بني هاشم {عليها السلام}، أبكت كل عدو وصديق ، وهل بقي صديق غير وجودهم المبارك ، وهل من يكون في جيش أعدائهم ويكثر سوادهم ، وهو يتعبد بفكرهم الشيطاني، ويدعم طغيانهم ويرضى بفعلهم ويتبع وعاظهم، ويدعم ضلالهم، وفي أي زمان ومكان كان ، يعتبر صديقا لهم ؟ إنا لله وإنا إليه راجعون. » {3}.
****** « 4 » ******
4} ــــ «- الدخول إلى الكوفة: قافلة آل الرسول تصل الكوفة: ذكر ألطريحي في كتاب {المنتخب} عن مسلم الجصاص قال:دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة، فبينما أنا أجصص الأبواب، وإذا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة.» {6}. فأقبلت على خادم كان يعمل معنا، فقلت: ما لي أرى الكوفة تضج قال: الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد بن معاوية.
فقلت: من هذا الخارجي؟
قال: الحسين بن علي!
فتركت الخادم حتى خرج، ولطمت على وجهي، حتى خشيت على عيني أن تذهبا، وغسلت يدي من الجص، وخرجت من ظهر القصر، وأتيت إلى الكناس{2}، فبينا أنا واقف، والناس يتوقعون وصول السبايا والرؤوس إذ أقبلت نحو أربعين شقة، تحمل على أربعين جملاً {3}، فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة. وإذا بعلي بن الحسين على بعير بغير وطاء {4}،
وأوداجه تشخب دماً، وهو مع ذلك يبكي ويقول يا أمة السوء لا سقياً لربعكم****** يـا أمة لـم تراع جدنـا فينا إلى آخر الأبيات.
وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز، فصاحت بهم أم كلثوم: يا أهل الكوفة! إن الصدقة علينا حرام!
وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم، وترمي به إلى الأرض.
كل ذلك والناس يبكون على ما أصابهم!!
ثم إن أم كلثوم أطلعت رأسها من المحمل وقالت: { صه يا أهل الكوفة! تقتلنا رجالكم، وتبكينا نساؤكم؟ فالحاكم بيننا وبينكم الله، يوم فصل القضاء.{
فبينما هي تخاطبهن، وإذا بضجة قد ارتفعت، وإذا هم قد أتوا بالرؤوس، يقدمهم رأس الحسين {عليه السلام.{ وهو رأس زهري، قمري {5}، أشبه الخلق برسول الله { صلى الله عليه وآله.{ ولحيته كسواد السبج {6}، ـ قد أنتصل منها الخضاب {7}، ووجهه دارة قمر طالع{8}،ـ والريح تلعب بها يميناً وشمالاً، فالتفتت زينب، فرأت رأس أخيها، فنطحت جبينها بمقدم المحمل، حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها، وأومأت إليه بخرقة، وجعلت تقول: يـا هـلالاً لمـا استتـم كمالاً ****** غالـه خسفه فأبـدى غروبا
ما توهمت يـا شقيق فـؤادي****** كـان هذا مقـدراً مكتوبـاً
يا أخي! فاطم الصغيرة كلمها ****** فقـد كـاد قلبهـا أن يذوبا
إلى آخر الأبيات {.9{«- ثانياً: لقد كانت حياة الإمام زين العابدين {عليه السلام.{ مهددة بالخطر طوال هذه الرحلة ـ وخاصة في الكوفة ـ فكم من مرة حكموا على الإمام بالقتل والإعدام، لولا أن دفع الله تعالى عنه شرهم؟!
فما ظنك لو كان الإمام{عليه السلام}. يخطب في شارع الكوفة أو في مجلس الدعي بن الدعي عبيد الله بن زياد، والحال هذه؟! هل كان يسلم من القتل؟ طبعاً: لا. إنهم أرادوا أن يقتلوه وهو ـ بعد ـ لم يخطب شيئاً، فكيف لو كان يخطب في الناس ويكشف لهم عن مساوئ بني أمية ومخازيهم، ويبين لهم أبعاد ومضاعفات جريمة مقتل الإمام الحسين {عليه السلام.{ وأصحابه وأهل بيته؟؟!. » {4}.
****** « 5 » ******
5} ــــ »- دخل الركب الحسيني الكوفة العلوية المقدسة في اليوم الثاني عشر من محرّم 61ﻫ، ففزع أهل الكوفة وخرجوا إلى الشوارع، بين مُتسائل لا يدري لمن السبايا، وبين عارف يُكفكف أدمعاً ويُضمر ندماً وفيها خطبة العقيلة السيدة زينب الكبرى{ع}.
وانبت إحدى السيّدات، فسألت إحدى العلويات، وقالت لها: من أي الأسرى أنتن؟ فأجابتها العلوية: نحن أُسارى أهل البيت وكان هذا النبأ عليها كالصاعقة، فصرخت وصرخت اللاّتي كنّ معها، ودوى صراخهنّ في أرجاء الكوفة وبادرت المرأة إلى بيتها فجمعت ما فيه من أزر ومقانع، فجعلت تناولها إلى العلويات ليتسترن بها عن أعين الناس، كما بادرت سيّدة أُخرى فجاءت بطعام وتمر، وأخذت تلقيه على الصبية التي أضناها الجوع، ونادت السيّدة أُمّ كلثوم من خلف الركب: «إنّ الصدقة حرام علينا أهل البيت».
وصارت تأخذ من أيدي الأطفال وأفواههم، وترمي به الأرض، وتقول: «يا أهل الكوفة! تقتلنا رجالكم وتبكي علينا نساؤكم، فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء،«{5}.
****** « 6 » ******
6 } ــــ «- وجاء في التاريخ: أن قافلة آل الرسول لما اقتربت من الكوفة، إجتمع أهلها للنظر إليهن، فأشرفت امرأة من الكوفيات ـ من سطح دارها ـ وقالت: من أي الأسارى أنتن؟
قلن: نحن أسارى آل محمد! فنزلت من سطحها وجمعت ملاءاً وأزراً ومقانع، فاعطتهن فتغطين. {6}.
» {6}.
****** « 7 » ******
7} ــــ «- ثمّ اتّجه موكب السبايا نحو قصر الإمارة، مُخترقاً جموع أهل الكوفة، وهم يبكون لما حلّ بالبيت النبوي الكريم، ولما اكتسبت أيديهم، وخدعت وعودهم سبط النبي{ صلى الله عليه وآله}، وإمام المسلمين الحسين بن علي{عليه السلام}، وها هم يرون أهله ونساءه أُسارى، وها هو رأس السبط الشهيد يحلِّق في سماء الكوفة على رأس رمح طويل، وقد دعوه ليكون قائداً للأُمّة الإسلامية، وهادياً لها نحو الرشاد!.
فحدّقت السيّدة زينب{عليها السلام}، بالجموع المحتشدة، ومرارة فقدان أخيها تملأ فمها، وذلّ الأَسر يحيط بموكبها، فنظرت {عليها السلام}، إلى أهل الكوفة نظرة غضب واحتقار، وخطبت بهم خطبة مقرعة ومؤنِّبة. » {7}.
****** « 8 » ******
8} ــــ «- الدخول إلى قصر الإمارة: أُدخل رأس الإمام الحسين {عليه السلام}، إلى القصر، ووضع بين يدي عبيد الله ابن زياد والي الكوفة، فأخذ يضرب الرأس الشريف بقضيب كان في يده، وعليه علامات الفرح والسرور.
وكان إلى جانبه زيد بن أرقم ـ وكان شيخاً كبيراً صحابيّاً ـ، فلمّا رآه يفعل ذلك بثنايا ابن رسول الله قال له: ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين، فو الله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله{ صلى الله عليه وآله}، عليها ما لا أُحصيه كثرة تقبّلهما. ثمّ انتحب باكياً.
فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك، أتبكي لفتح الله؟ والله لولا أنّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك، فنهض زيد بن أرقم من بين يديه وذهب إلى منزله.
ثمّ أُدخل النساء والأطفال ومعهم الإمام زين العابدين {عليه السلام}، وكانت عقيلة بني هاشم السيّدة زينب الكبرى {عليها السلام} متنكّرة، وقد انحازت إلى ناحية من القصر ومعها النسوة.
فقال ابن زياد: مَن هذه التي انحازت ومعها نساؤها؟ فسأل عنها ثانية وثالثة فلم تجبه، فقيل له: هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله.
فانبرى ابن زياد مخاطباً زينب {عليها السلام}، شامتاً بها: الحمدُ لله الذي فضحكم وقتلكم، وأكذب أُحدوثتكم.
فردّت {عليها السلام}، عليه بلسانِ المرأة الواثقة بأهدافها: «الحمدُ لله الذي أكرمَنا بنبيِّه محمّدٍل {صلى الله عليه وآله}، وطهّرَنا مِن الرجس تطهيراً، إنّما يَفتضحُ الفاسق ويكذبُ الفاجِر، وهو غيرُنا».
فقال ابن زياد: كيف رأيت فِعلَ الله بأهلِ بيتك؟ فقالت {عليها السلام}: «كتب اللهُ عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع اللهُ بينك وبينهُم، فتحاجُّون إليه وتختصمون عنده».
فغضب ابن زياد واستشاط غضباً، فقال عمرو بن حريث: إنّها امرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها. فقال لها ابن زياد: لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين، والعصاة المردة من أهل بيتك.
فقالت: «لعمري، لقد قتلت كهلي وقطعت فرعي واجتثثت أصلي، فإن كان هذا شفاك فقد اشتفيت»، فأخذ ابن زياد يفحش في كلامه.
ثمّ جاء الدور بعد ذلك للإمام زين العابدين {عليها السلام}، ليقف أمام عبيد الله بن زياد، فسأله: مَن أنت؟ فأجاب {عليه السلام}: «أنا علي بن الحسين».
فقال: ألم يقتل الله علي بن الحسين؟ قال{عليه السلام}: «كان لي أخٌ يُسمّى علياً قتله الناس».
فقال ابن زياد: بل قتله الله.
قال {عليه السلام}:{اللهُ يَتَوَفّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا. » {8}.
****** « 9 » ******
9} ــــ «- فغضب ابن زياد لردّ الإمام {عليه السلام}، فنادى جلاوزته: اِضربوا عنقه.
فتعلّقت عمّته زينب {عليها السلام}، به، وصاحت: «يابن زياد، حَسْبك مِن دمائنا، والله لا أفارقه، فإن قتلته فاقتلني معه»، فتراجع عن ذلك.
ثمّ صعد المنبر، ونال من أهل البيت وكذّبهم فافتضح نفاقه وبانت أعراقه، وكان في المجلس شيخ كبير آخر هو عبد الله بن عفيف الأردي، فانتفض في وجه ابن زياد السفّاك وخذله ونال منه.
فقال ابن زياد: عليَّ به، فأخذته جلاوزة النفاق والشقاق، فانتزعه منهم رجال من الأزد، إلاّ أنّ ابن زياد أرسل عليه ليلاً، فأُخرج من بيته وجيء به لابن زياد، فضرب عنقه، وصلبه على السبخة، فرحمة الله عليه. » {9}.
****** « 10 » ******
10} ــــ «- خطبة السيّدة زينب {عليها السلام}، نص خطبة السيدة زينب في الكوفة العلوية المقدسة.
والآن.. نذكر نص الخطبة، ثم نشرح بعض كلماتها: قال بشير بن خزيم ألأسدي {11:{ ونظرت إلى زينب بنت علي {عليهم السلام{ يومئذ فلم أر خفرةً ـ والله ـ أنطق منها {12}، كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب {عليه السلام }13{، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا.
فارتدت الأنفاس، وسكنت الأجراس، ثم قالت: «الحمد لله والصلاة على أبي: محمد وآله الطيبين الأخيار.
أما بعد: يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر!! الحمد لله والصلاة على أبي محمّد وآله الطيبين الأخيار، أمّا بعد: يا أهل الكوفة، يا أهل الختر والغدر والختل والمكر، ألا فلا رقأت العبرة ولا هدأت الزفرة، إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً، تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم، ألا وهل فيكم إلاّ الصلف والنطف، والصدر الشنف، وملق الإماء، وغمز الأعداء، أو كمرعى على دمنة، أو كفضة على ملحودة، ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم، وفي العذاب أنتم خالدون. » {10}.
****** « 11 » ******
11} ــــ «- أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنة.
إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم.
ألا وهل فيكم إلا الصلف النطف؟ والصدر الشنف؟ وملق الإماء؟ وغمز الأعداء؟
أو كمرعى على دمنة؟ أو كفضة على ملحودة؟
ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون.
أتبكون؟ وتنتحبون؟ إي والله، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً.
فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً.
وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة؟ ومعدن الرسالة، وسيد شباب أهلا الجنة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجتكم، ومدرة سنتكم؟؟ ألا ساء ما تزرون، وبعداً لكم وسحقاً، فلقد خاب السعي، وتبت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة.
وَيلكم يا أهل الكوفة! أتدرون أيّ كبدٍ لرسول الله فَرَيتُم؟! وأيّ كريمةٍ له أبرزتم؟! وأي دم له سفكتم؟!
وأيّ حرمةٍ له هتكتم؟!
لقد جئتم بها صَلعاء عَنقاء سَوداء فَقماء، خَرقاء شَوهاء، كطِلاع الأرض وملء السماء.
أفعجبتم أن مطرت السماء دماً، ولعذاب الآخرة أخزى، وأنتم لا تُنصَرون.
فلا يَستَخفّنكم المُهَل، فإنّه لا يَحفِزُه البِدار، ولا يَخافُ فَوتَ الثار، وإنّ ربّكم لبا لمرصاد».{14.{
قال الراوي: «فوا لله لقد رأيت الناس ـ يومئذ ـ حَيارى يبكون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم. ورأيت شيخاًَ واقفاً إلى جنبي يبكي حتى أخضلت لحيته، وهو يقول: «بأبي أنتم وأمي!! كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونساؤكم خير النساء، ونسلكم خير نسل لا يخزى ولا يبزى.{15.{ تعتبر خطبة السيدة زينب ـ في الكوفة وفي مجلس يزيد في الشام ـ في ذروة الفصاحة، وقمة البلاغة، وآيةً في قوة البيان، ومعجزة في قوة القلب والأعصاب، وعدم الوهن والانكسار أمام طاغية بني أمية ومن كان يحيط به من الحرس المسلحين، والجلاوزة والجلادين الذين كانوا على أهبة الإستعداد ينتظرون الأوامر كي ينفذوها بأسرع ما يمكن من الوقت.
وهنا سؤال قد يتبادر إلى الذهن وهو: إن السيدة زينب كانت سيدة المحجبات المخدرات، ولم يسبق لها أن خطبت في مجلس رجال أو معجم عام، وليس من السهل عليها أن ترفع صوتها وتخطب في تلك الاجتماعات، فلماذا قامت السيدة بإلقاء الخطب على مسامع الجماهير مع تواجد الإمام زين العابدين {عليه السلام}،؟
ومع العلم أن الإمام زين العابدين كان أقوى وأقدر منها على فنون الخطابة، وأولى من التحدث في جموع الرجال؟
لعل الجواب هو: أن الضرورة أو الحكمة إقتضت أن يسكت الإمام زين العابدين طيلة هذه المسيرة كي لا يجلب إنتباه الناس إلى قدرته على الكلام، وحتى يستطيع أن يصب جام غضبه كله على يزيد، في الجامع الأموي، بمرأى ومسمع من آلاف المصلين الذين حضروا يوم ذاك لأداء صلاة الجمعة خلف يزيد.
فلو كان الإمام زين العابدين {عليه السلام}، يخطب في أثناء هذه الرحلة.. في الكوفة وغيرها، فلعله لم وين يكن يسمح له بالخطابة في أي مكان آخر، فكانت تفوته الفرصة الثمينة القيمة، وهي فرصة التحدث في تلك الجماهير المتجمهرة في الجامع الأموي، علماً بأنه لم يبق من آل الرسول في تلك العائلة رجل سوى الإمام زين العابدين.
ولهذا السبب كانت السيدة زينب تتولى الخطابة في المواطن والأماكن التي تراها مناسبة.
ومع العلم أن الإمام زين العابدين كان أقوى وأقدر منها على فنون الخطابة، وأولى من التحدث في جموع الرجال؟. » {11}.
****** « 12 » ******
12} ــــ «- خطبة الإمام زين العابدين{عليه السلام}، ثمّ ارتقى الإمام زين العابدين{عليه السلام}، المنبر، فأومأ للناس بالسكوت، وكان معتل الحال، فأثنى على الله وحمده، وذكر النبي { صلى الله عليه وآله ثمّ صلّى عليه}، ثمّ قال: «أيّها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب {عليه السلام}، أنا ابن من انتُهكت حرمته، وسُلبت نعمته، وانتُهب ماله، وسُبي عياله، أنا ابن المذبوح بشطّ الفرات «أيّها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب{عليه السلام}، أنا ابن من انتُهكت حرمته، وسُلبت نعمته، وانتُهب ماله، وسُبي عياله، أنا ابن المذبوح بشطّ الفرات من غير ذحلٍ ولا تَرات، أنا ابن من قُتل صبراً، وكفى بذلك فخراً. أيّها الناس فأنشدكم الله، هل تعلمون أنّكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه، فتبّاً لما قدّمتم لأنفسكم، وسوأة لرأيكم، بأيّة عين تنظرون إلى رسول الله{ صلى الله عليه وآله} إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي، فلستم من أُمّتي». قال الراوي: «فارتفعت الأصوات من كل ناحية، ويقول بعضهم لبعض: هلكتم وما تعلمون، فقال{عليه السلام}: رحم الله امرأ قبل نصيحتي، وحفظ وصيّتي في الله، وفي رسوله، وأهل بيته، فإنّ لنا في رسول الله{ صلى الله عليه وآله} أُسوة حسنة. » {12}.
****** « 13 » ******
13} ــــ «- واستمر الإمام{عليه السلام}، في الخطبة، فعرّى الأُمويين وأتباعهم الخونة الظالمين، ونصح المسلمين. خطبة السيّدة فاطمة الصغرى{عليها السلام}،
خطبت السيّدة فاطمة الصغرى{عليه السلام} بعد أن وردت من كربلاء، فقالت: «الحمد لله عدد الرمل والحصى، وزنة العرش إلى الثرى، أحمده وأؤمن به، وأتوكّل عليه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله{ صلى الله عليه وآله}، وأنّ أولاده ذُبحوا بشطّ الفرات بغير ذحلٍ ولا تَرات.
اللهمّ إنّي أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب، أو أن أقول عليك خلاف ما أنزلت عليه، من أخذ العهود لوصيّه علي بن أبي طالب {عليه السلام}، المسلوب حقّه، المقتول من غير ذنب، كما قتل ولده بالأمس في بيت من بيوت الله، فيه معشر مسلمة بألسنتهم، تعساً لرؤوسهم، ما دفعت عنه ضيماً في حياته ولا عند مماته، حتّى قبضته إليك محمود النقيبة، طيّب العريكة، معروف المناقب، مشهور المذاهب، لم تأخذه اللهمّ فيك لومة لائم، ولا عذل عاذل، هديته اللهمّ للإسلام صغيراً، وحمدت مناقبه كبيراً، ولم يزل ناصحاً لك ولرسولك، حتّى قبضته إليك، زاهداً في الدنيا غير حريص عليها، راغباً في الآخرة، مجاهداً لك في سبيلك، رضيته فاخترته فهديته إلى صراطٍ مستقيم.
أمّا بعد يا أهل الكوفة، يا أهل المكر والغدر والخيلاء، فإنّا أهل بيتٍ ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا، فجعل بلاءنا حسناً، وجعل علمه عندنا، وفهمه لدينا، فنحن عيبة علمه، ووعاء فهمه وحكمته، وحجّته على الأرض في بلاده لعباده، أكرمنا الله بكرامته، وفضّلنا بنبيّه محمّد{ صلى الله عليه وآله}، على كثيرٍ ممّن خلق تفضيلاً بيّناً، فكذّبتمونا وكفّرتمونا، ورأيتم قتالنا حلالاً، وأموالنا نهباً، كأنّنا أولاد ترك وكابل، كما قتلتم جدّنا بالأمس، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت؛ لحقدٍ متقدّم قرّت لذلك عيونكم، وفرحت قلوبكم، افتراءً على الله، ومكراً مكرتم، والله خير الماكرين.
فلا تدعونّكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا، ونالت أيديكم من أموالنا، فإنّ ما أصابنا من المصائب الجليلة، والرزايا العظيمة { فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}. تبّاً لكم، فانتظروا اللعنة والعذاب، فكأنّ قد حلّ بكم، وتواترت من السماء نقمات، فيسحتكم بعذابٍ، ويذيق بعضكم بأس بعض، ثمّ تُخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا، ألا لعنة الله على الظالمين. ويلكم! أتدرون أيّة يدٍ طاعنتنا منكم، وأيّة نفس نزعت إلى قتالنا؟ أم بأيّة رجل مشيتم إلينا، تبغون محاربتنا؟ والله قست قلوبكم، وغلظت أكبادكم، وطُبع على أفئدتكم، وخُتم على سمعكم وبصركم، وسَوّل لكم الشيطان وأملى لكم، وجعل على بصركم غشاوة، فأنتم لا تهتدون. فتبّاً لكم يا أهل الكوفة، أيّ تَرات لرسول الله { صلى الله عليه وآله} قبلكم، وذحول له لديكم بما عندتم بأخيه علي بن أبي طالب جدّي، وبنيه وعترته الطيّبين الأخيار، فافتخر بذلك مفتخر وقال: نحن قتلنا علياً وبني علي ** بسيوفٍ هندية ورماح وسبينا نساءهم سبي ترك ** ونطحناهم فأيّ نطاح بفيك أيّها القائل الكثكث والأثلب، افتخرت بقتل قومٍ زكّاهم الله، وطهّرهم الله، وأذهب عنهم الرجس، فأكظم وأقعِ كما أقعى أبوك، فإنّما لكلّ امرئ ما كسب، وما قدّمت يداه. أحسدتمونا ويلاً لكم على ما فضّلنا الله؟ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور». قال الراوي: «فارتفعت الأصوات بالبكاء والنحيب، وقالوا: حسبك يا ابنة الطيّبين، فقد أحرقت قلوبنا، وأنضجت نحورنا، وأضرمت أجوافنا، فسكتت{عليها السلام}،. » {13}.
****** « 14 » ******
14} ــــ «- خطبة السيّدة أُم كلثوم{عليه السلام} خطبت السيّدة أُم كلثوم بنت الإمام علي {عليها السلام} في ذلك اليوم من وراء كلّتها، رافعة صوتها بالبكاء، فقالت: «يا أهل الكوفة، سوأة لكم، ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه، وانتهبتم أمواله وورثتموه، وسبيتم نساءه ونكبتموه، فتبّاً لكم وسحقاً، ويلكم! أتدرون أيّ دواة دهتكم؟ وأيّ وزرٍ على ظهوركم حملتم؟ وأيّ دماء سفكتموها؟ وأيّ كريمة أصبتموها؟ وأيّ صبية سلبتموها؟ وأيّ أموال انتهبتموها؟
قتلتم خير رجالات بعد النبي{ صلى الله عليه وآله}، ونزعت الرحمة من قلوبكم، ألا إنّ حزب الله هم الفائزون، وحزب الشيطان هم الخاسرون» ثمّ قالت:
قتلتم أخي صبراً فويل لأُمّكم ************ ستجزون ناراً حرّها يتوقّد
سفكتم دماءً حرم الله سفكها ************** وحرّمها القرآن ثمّ محمّد
ألا فأبشروا بالنار أنّكم غداً ************ لفي سقر حقّاً يقيناً تخلدوا
وأنّي لأبكي في حياتي على أخي ************ على خير من بعد النبي سيولد
بدمعٍ غزيرٍ مستهلّ مكفكف على ************ الخدّ منّي دائماً ليس يجمد
قال الراوي: فضجّ الناس بالبكاء والنوح، فلم يُرَ باكية وباكٍ أكثر من ذلك اليوم. » {14}.
****** « 15 » ******
15} ــــ «- رأس الحسين{عليه السلام} في شوارع الكوفة: ولم يقف حقد ابن زياد وقساوته وأُسلوبه الوحشي إلى حَدٍّ، بل راح يطوف في اليوم الثاني برأس الحسين {عليه السلام} في شوارع الكوفة، يُرهب أهلها، ويتحدّى روح المعارضة والمقاومة فيها.
وقال زيد بن أرقم: مرّ به عليّ وهو على رمح، وأنا في غرفةٍ لي، فلمّا حاذاني سمعته يقرأ: {أم حَسِبْتَ إن أصحاب الْكَهْفِ وَالرّقيمِ كانوا مِنْ آياتنا عَجَباً}، وقف والله شعري وناديت: رأسك والله يا بن رسول الله أعجب وأعجب{8}, التوجّه إلى الشام.
وفي اليوم التالي أمر ابن زياد جنده بالتوجّه بسبايا آل البيت{عليه السلام} إلى الشام، إلى الطاغية يزيد بن معاوية، وأمر أن يكبّل الإمام زين العابدين {عليه السلام}، بالقيود، وأركب بنات الرسالة الإبل الهزّل؛ تنكيلاً بهنّ، وليحظى عند سيّده يزيد بالمنزلة الأرفع، والمكان الأقرب» تقدَّم رأسُ الحسين {عليه السلام{ رؤوس الكوكبة التي خلَّفت أجسادها في صحراء ألطف، وراحت القافلة تخترق الصحاري متوجهة إلى دمشق.
وسارت خلف الرأس الشريف زينب {عليها السلام) بطلة كربلاء، وقد تسلَّمت مَهامَّ الثورة الحسينية ضِدَّ الطُغاة، وهي مِهمَّة الجهاد بالكلمة لا بالسيف.
فالتحق ركب النساء والأطفال برفقة الإمام السجاد{عليه السلام{،الذي وضعت بِيَدِه السلاسل، وجُمِعت إلى عنقه، وحملوا جميعاً على اقتاب الإبل التي كانت بغير وطاء، وكان ذلك في التاسع عشر من شهر المحرم، في سنة 61 هـ.
فالتحقوا بموكب الرؤوس الذي سَبَقهم في المسير، وراحوا يسيرون سواءً إلى جَنب رأس الحسين {عليه السلام.{ نحو الشام، بناءً على الأوامر التي صدرت من يزيد بن معاوية إلى ابن زياد.
حَيثُ كَتب إليه رسالة جاء فيها: سَرِّح الأسرى إليَّ.
لأنَّه هذه المرة أراد أن ينُفِّس عن حِقْده، برؤية عائلة رسول الله { صلى الله عليه وآله {، تقِفُ أمامه، وهي في القيود والسلاسل. . » {15}.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هذه الأحاديث مأخوذة من الكتب العربية و الفارسية الشيعية والسنية ومن مكاتب مواقع الانترنت:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1}ــــ «1}ــــ « خادم علوم آل محمد {ع.{ الشيخ حسن حردان الأنبا ري موسوعة صحف الطيبين.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1}ـــ «- مقتل الحسين: 232 , اللهوف ص143م3 ، بحار الأنوار ج44ب39ص107ح1. » {1}.
2}ــــ «- اللهوف في قتلى الطفوف: 84. {2 أنساب الأشراف ج1ص424 .اللهوف ص144م3 ، المناقب ج3ص112 تاريخ الطبري ج4ص348 ، الكامل في التاريخ ج2ص178 . مقتل الخوارزمي ج2ص44 , بحار الأنوار ج45ب37ص62ح2. وقد عرفت يا موالي : في أغلب الروايات أنها اثنان وسبعون رأسا ، ويؤيد تقسيمها رواية الطبري ، لأن هؤلاء رؤساء قبائلهم فضلا عن كونهم قادة للجيش, بحار الأنوار ج45ب37ص62ح2.»{2}.
3}ــــ «-ينابيع المودّة 3/87. مثير الأحزان ص84 . وروى الرواية من غير ذكر الشعر في تاريخ الطبري ج4ص348 . وفيه الرواية أخرها رأيته منهن ذلك، والله لهن أحسن من مهى يبرين ، قال فما نسيت من الأشياء لا أنسى قول زينب ابنة فاطمة ، حين مرت بأخيها الحسين صريعا ، وهى تقول : يا محمداه يا محمداه صلى عليك ملائكة السماء ، هذا الحسين بالعرا مرمل بالدما ، مقطع الاعضا ، يا محمداه : وبناتك سبايا ، وذريتك مقتلة تسفى عليها الصبا ، قال : فأبكت والله كل عدو وصديق .
ومهى يبرين : بلور رقيق وخزف يحمل من يبرين ورمله صافي .الوطْفاء الدِّيمة السَّحُّ الحَثيثة ، و سحابة وطفاء: كأنما بوجهها حمل ثقيل ولها مطر كثير. العويل : هو البكاء والصياح ، أعولت المرأة إعوالا، و هو شدة صياحها عند بكاء أو مكروه نزل بها ، المنية : الموت . والشجو : الهم ،نكباء : ريح بين ريحين تتنكب عن ريح القوم ، والمور: التموج والسرعة ، أي الرياح البعيدة والقريبة والسريعة.
كتاب الملهوف ص 112 - 121 ، مثير الأحزان ص78 ، بحار الأنوار ج45ب37ص58ـ59ح2 .سفي: الريح تسفي التراب و الورق و اليبيس أي تحمله وتجرفه معها ، و الصبا : ريح تهب من مطلع الشمس . مقتل الحسين للخوارزمي ج2ص45 . »{3}.
ـــــــــــــــــ
4} ــــ «- الزعقات ـ جمع زعقة ـ: الصيحة. الزعق: الصباح، كما في كتاب «لسان العرب» لابن منظور، و «الصحاح» للجوهري.
{2}- الكناس والكناسة: محلة بالكوفة. كما في «معجم البلدان» للحموي.
{3}- شقة: المحمل والهودج.
{4}- وطاء: القماش وشبهه الذي يوضع على ظهر الجمل، لراحة الراكب.
{5}- زهري: أي مشرق اللون.. رغم إنفصاله عن الجسد. وزهري: تشبيه بنجم «الزهرة» المشهورة بالإشراقة والإضاءة المميزة في نورها. والتي هي عبارة عن اللون الأبيض المشرق المزيج مع لون الورد المحمدي، أي: اللون الأحمر الفاتح. قمري: أي: أن وجهه مستدير الشكل.. وليس مستطيلاً.
{6}- السبج: معرب شبه ـ: وهو حجر أسود، يضرب به المثل في شدة السواد.
{7}- أنتصل منها الخضاب: أي بدأ اللون الأسود يذهب من أصول الشعر.
{8}- دارة قمر طالع: أي مستدير وجميل، كالقمر ليلة البدر، حيث يكون متكامل القرص وشديد الإنارة. {6}- كتاب «المنتخب» للطريحي، ج 2، ص 464، المجلس العاشر. وبحار الأنوار للشيخ ألمجلسي ج 45، ص 114 ـ 115.»{5}.
ـــــــــــــــــ
5}ــــ «- كتاب (بحار الأنوار) ج 45، ص 108، نقلاً عن السيد ابن طاووس ,» {5}.
6} ـــــ «- ينابيع المودّة 3/87. »{6}.
7} ــــ «- الزمر: 42»{7}.
8} ــــ «- الزمر42: » {8}.
9} ـــــ «- الإرشاد 2/116.»{9}.
10} ــــ «- {11} المصادر التي تذكر خطبة السيدة زينب في الكوفة كثيرة، ونحن اعتمدنا على كتاب «الملهوف» للسيد ابن طاووس} رضوان الله عليه{.
{12} خفرةً: المرأة الشديدة الحياء.
{13} تفرغ: تصب، الإفراغ «الصب، قال تعالى: «أفرغ علينا صبراً». الاحتجاج 2/29. » {10}.
11} ــــ«- الاحتجاج 2/29 .»{11}.
12} ــــ «- {14} كتاب «الملهوف» للسيد ابن طاووس، المتوفّى سنة 664 هـ، ص 192 ـ 193. {15} كتاب «الملهوف» للسيد ابن طاووس، ص 193 ـ 194. وسوف نذكر نص الخطبة على رواية كتاب «الإحتجاج» للشيخ الطبرسي، وذلك لوجود بعض الفروق وزيادة بعض الإضافات، ـ بعد الفراغ من شرح هذه الخطبة ـ إن شاء الله تعالى. بقلم: العلامة السيد محمد كاظم القز ويني. المصدر السابق.»{12}.
13}ـــــ«- المصدر السابق 2/27. »{13}.
14}ــــ «- اللهوف في قتلى الطفوف: 91. »{14}.
15} ــــ «- إعلام الورى بأعلام الهدى 1/473.»{ 15}.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فأنها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}}
وَربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا،
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat