أطباء يتاجرون بالمهنة وآخرون يعملون في ......
سيد صباح بهباني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
المرضى يصرخون: أين الدولة؟ أين شرف المهنة؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء/1 .
نبهنا الله بعد طلب التقوى أنه الرقيب علي أعمالنا التقوى التي هي الغاية من العمل الصالح ومن كل عبادة
(مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) المائدة/117 .
تؤكد هذه الآية رقابة الله عز وجل علي بني الإنسان في كل وقت ..
(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) الملك /2
(إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا )الكهف /7
ولكن قد نستطيع أن نستغفل الرقيب في امتحانات الشهادات التعليمية ونغش ولكن فرق بين رقيب الامتحانات التعليمية والرقيب في امتحان الحياة الدنيا وهو الله عز وجل
(يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) غافر/19 .
(وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) الأنعام /59 .
إذا كان ورق الأشجار والحب في الأرض مراقب فبالأجدر ابن آدم
(وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور *أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الملك/13 ـ 14 .
(وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) طه/7 .
علمه للسر والخفاء يستوي مع علمه للجهر والعلانية
كلنا نعلم ولكن من يعمل ؟
الطب مهنة إنسانية من أرقى المهن وكثيرة هي القصص التي سمعناها عن أطباء يمارسون دور الملاذ الآمن للمريض..يقدمون أكثر مما يأخذون وشرف المهنة لديهم فوق كل اعتبار ...لكن ..؟! أن يتحول الطب عند بعض الأطباء إلى مغارة علي بابا لدر الأرباح ومزاد لإشباع أطماعهم ، وأن تتحول عباراتهم إلى مراكز تجارية فهذا أمر لا تقبل به أخلاق ولا يقبل به قانون أو مجتمع ..
فارتفاع أجور الكشف عند بعض الأطباء وخاصةً الأطباء ذوي الاختصاصات وزوار العيادات الخارجية لبعض المستشفيات ظاهرة بات يعاني منها الكثير من المرضى وخاصة ذوي الدخل المحدود ..
إحدى القريبات تروي بمرارة عن أحد المرضى الذي كان يعاني من مرض نفسي ، فبعد أن قرر أهله عرضه على أحد الأطباء في بغداد بادر الطبيب على الفور ودون الرجوع إلى أهل المريض بإجراء عملية (اللوزتين) على الرغم من أن المريض لا يعاني من أي ألم في حلقه وكل ما يعاني منه هو كما ذكرت سابقا مرض واضطراب نفسي وعصبي ليكتشف أهله بأن ذلك الطبيب يمارس أكثر من مهنة تحت مهنة واحدة وهي ممارسة التطبيب وليس الطب .
أكثر من تخصص
أم زهراء هي الأخرى تروي حكايتها مع أحد الأطباء الذي تحول عنده الطب بنظرها إلى تجارة مقياسها الأول والأخير الربح فقد كانت تعاني من ورم بسيط في قدمها يؤلمها بين الحين والآخر وعندما قررت أن تعرض حالتها على الطبيب لتدخل أحد المراكز الطبية الذي يقدم أكثر من خدمة للمرضى وبعد أن قام الطبيب بالكشف على حالتها قرر إجراء عملية لرجلها دون أن يكلف نفسه بإعطائها أدوية أو مراهم ربما قد تزيل هذا الورم وبعد أن أجرى لها تلك العملية وبمبلغ ليس بسيطا اكتشفت بأن ذلك الطبيب يقوم بأكثر من تخصص حيث يقوم بإجراء عمليات من كل شكل ولون وتخصصه الرسمي هو طبيب أطفال وليس ذلك فحسب بل أن المركز يحتوي على أكثر من عيادة منها عيادة الأنف والأذن والحنجرة وعيادة للنساء والولادة وكل تلك العيادات يقوم بمهامها هو ليصبح الغرض الأول هو الربح المادي فقط .
وتقول : عندما أجرى الطبيب تلك العملية ما هو إلا عبارة عن (حبة ) لم تكن تستدعي تلك العملية وكانت ستزول بمرهم ليس إلا واكتشفت بأن هم ذلك الطبيب هو الربح لأعود بعدها من اجل أن يقوم بفك الخيط لكنه تحجج بضرورة ضمادات والتي كانت عبارة عن وضع( شاش ومطهر) لا غير لأفاجأ بأن الممرضة تطلب (300) دولار مقابل الضماد التي لا تستحق ولا تذكر وهناك الكثير من المرضى يشكون من ارتفاع رسوم ذلك المركز وان العمليات أكثر ما يفتي به ذلك الطبيب .
مرتع سهل ومنهل المال
في المدن الصغيرة والأرياف الأطباء يجدون مرتعا سهلا لعملهم في أكثر من تخصص، فطبيب الأطفال يعالج جميع الأمراض دون رقيب والمرضى ليس أمامهم خيار آخر سوى اللجوء إلى ذلك الطبيب لعدم وجود أطباء متخصصين .
سندس، كانت تعاني من ظهور بعض الحبوب في وجهها فقامت بعرض حالتها على أحد الأطباء في تلك المحافظة الذي قام بفتح مركز خاص به يعالج فيه هو وزوجته جميع المرضى .
سندس التي اطلعت الطبيب على حالتها والتي لم تكن تستدعي تلك الأدوية التي هي عبارة عن حبوب وأخرى شراب لعلاج حالتها، هذه الأدوية للأسف سببت لها أمراضاً أخرى وعندما عرضت حالتها على طبيب متخصص أكد لها بأن الأمر لم يكن يستدعي كل تلك الأدوية التي ليس لها علاقة بالألم الذي كانت تعاني منه .
أطباء الأسنان هم أيضاً أصبحوا يحترفون المهن الطبية المختلفة والمتعددة فالكثير من لوحات عيادات الأسنان مكتوب عليها طبيب تقويم وحشو وتركيب أسنان وغيرها من اختصاصات طب الأسنان الذي يقوم به طبيب واحد على الرغم أن كل تخصص منفصل عن الآخر والمريض عندما يلجأ لطبيب الأسنان لا يفرق بين ذلك التخصص أو ذاك المهم انه طبيب أسنان يسلمه فمه ليجري عليه تجاربه .
مرضى يصرخون
زيدان مكي، كان يشتكي من ألم متقطع في أضراسه الأمامية في الفك العلوي حتى فاض به الكيل وذهب إلى أحد أطباء الأسنان ليخلصه من ذلك الألم، الطبيب ما كان منه إلا أن قام بسحب عصب من تلك الضروس ليخلصه من الألم نهائيا، كما يدعي وهو بفعله هذا لم يخلصه من الألم فحسب بل أنهى عمل تلك الضروس نهائيا شكلا ومضمونا ..
يقول حسين :للأسف أصبحت حقل تجارب لأطباء الأسنان الذين يمارسون أكثر من تخصص فعندما ذهبت لأكثر من طبيب أسنان وكان كل واحد منهم يذكر سببا لألم أسناني مختلفا عن الآخر وليس ذلك فحسب بل إن كل واحد منهم يعطني أدوية من كل صنف ولون لينتهي بي المطاف عند أحدهم الذي أعطى لنفسه صلاحيات العمل تحت جميع تخصصات طب الأسنان من تقويم وحشو وتركيب إلى آخره من التخصصات، والمرضى ليسوا إلا ضحية لغياب القانون عن مثل هؤلاء، المهم أن هذا الطبيب قام بسحب العصب عن أسناني بحجة أن هذا هو الحل الوحيد ليخلصني من الألم وبالطبع لم أعد أشعر بأي ألم لأنه قضى على عمل تلك الضروس نهائيا وشوه منظرها حيث أصبحت سوداء ولم تعد تقوم بعملها وعندما ذهبت لطبيب آخر من نفس العينة قال لي بأنني لم أكن احتاج إلى سحب العصب وانه مستعد أن يقلع تلك الضروس ويقوم بتركيب ضروس أخرى لكنني رفضت ذلك لأنه يكفيني التجربة السابقة، والمهم عند هؤلاء الأطباء هو كيف يحصلون على المال بأي طرق وتحت أي مسمى .
استغلال
أحد الأطباء حدثنا عن ظاهرة استغلال بعض الأطباء للمرضى وممارستهم لأكثر من تخصص لغرض كسب المال يقول: هذه الظاهرة لا يمكن نكرانها وللأسف هناك بعض الأطباء حوّلوا مهنتهم النبيلة إلى تجارة قائمة على الربح والخسارة نظرا للرواتب المتدنية للأطباء التي يتحججون بها ليقوموا بفتح عيادات ومراكز طبية بتخصصات مختلفة والطبيب واحد وهدفهم هو اللهف وراء الكسب السريع، ويؤكد أن كثرة تلك المراكز والعيادات سببها ضعف الرقابة الصحية وأيضا عدم وجود لوائح واضحة ومحددة ومطبقة على هذه المراكز وليس ذلك فحسب فهؤلاء الأطباء يرفعون تسعيرة المعاينة حسب هواهم وكما يحلو لهم .
وقد نستغرب وجود الكم الكبير من المستشفيات والمراكز والعيادات الخاصة ذات المعايير غير المؤهلة لتكون في العاصمة بغداد فما بالك ببقية المحافظات وهي ولا تملك ما يؤهلها إن تقوم أبسط الخدمات الطبية وتجري فيها عمليات (مجازر) وتفتقر إلى أقسام العناية المركزة وهناك مئات المراكز تفتح أبوابها لاستقبال الحالات الطارئة 24 ساعة وليس لديهم إمكانات استقبال حالة واحدة ..
ولعل من أكبر المفاسد والتي تتم في هذا القطاع أن هناك مستشفيات خاصة تستقدم عمالة أجنبية ويتضح بعد برهة من الزمن أن كثيراً منهم يمارس الطب فيما تخصصه بعيداً عن هذا المجال وان هناك بعضاً ممن استقدموا يحملون شهادات في التمريض ويمارسون عمليات كبرى وربما ما خفي كان أعظم .
وما يزيد الأمر سوءا غياب مبدأ الثواب والعقاب وغياب الدور الرقابي لوزارة الصحة وأتضح أن شعار الصحة للجميع بحلول عام 0000م لم يتحقق في ظل الانتهازية التي تتخذ من المواقع القيادية مجرد وسيلة للثراء أنعكس ذلك في ظهور بعض الأمراض المعدية من أمراض الطفولة الستة القاتلة كالحصبة وشلل الأطفال وحمى الضنك رغم الدعم الدولي الضخم في قطاع التحصين .
وللفساد الذي استشرى في بلادنا نصيب فقد ساهم في طمس كثير من حالات الأخطاء الطبية والعمل في أكثر من اتجاه بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال تمكين أطباء غير أكفاء يمارسون هذه المهنة ويرتكبون أخطاء قد تكون فادحة بحق الكثير من المرضى .
وبكل تأكيد فإن مهنة الطب هي مهنة إنسانية و ذات رسالة عظيمة ولا يمكن قبول أو تبرير حالة اللامبالاة في الممارسة الطبية تحت إي حجة أو ذريعة بل وجب التعامل بشكل جاد وصارم تجاه هذه الظاهرة وتطبيق الإجراءات الرادعة وما تنص عليه قوانين مزاولة المهنة ووضع مصلحة المريض فوق كل الاعتبارات، وعدم الاستهانة بالواجب المهني والأخلاقي للطبيب . ولا تنسى أنك سوف تكون يوم مسؤول أمام الله كما قال الشاعر ونعم ما قال :
يا غارقاً في المعاصي * عد إلى الرشد قبل المشيب
ولا تحسبن الأمر سهل * واستيغظ واتبع الرأي المصيب
وراقب سلوكك يا صاح * واعلم بأن الله هو الرقيب
واحفظ جوارحك من الزلات * فكل عضو غدا ناطق لخالقه مجيب
وطهر البواطن والظواهر * فسرها على خالقها لا يغيب
والناس لا تلتمس عيوبهم * فكل إنسان لديه ما يعيب
وأسمع وأنصح وشاور * ولا تذمن أمراً من غير تجريب
وعامل الكل بإحسان ولطف * وقابل النصح بصدر رحيب
وجاهد النفس بجد وداوي * داءها بالبعد عن كل أمر مريب
وبقرآن في الدجى ترنم يشرح * لك الصدر ويجلو الفؤاد الكئيب
وبالصلاة على الهادي توسل * تحظى من المولى اعلي نصيب
فهو النبي وهو الصفي وهو * الشفيع فمن تعلق به لا يخيب
فذكرك المختار شرفٌ ورفعةٌ * وهي النجاة في اليوم المهيب
واذكر وقوفك يوم حشر * والكل في هم وكرب عصيب
فما قدمت من خير يكن أنيسك * في قبر فيه أنت الوحيد والغريب .
انك يا عزيزي الطبيب والمهندس والحرفي وكل من هو مسؤول عن سير الحياة يجب أن لا تنسى أن الله هو رقيب ؛راقب الله وأعلم أنه هو الرقيب ..
يا كل من تسول له نفسه أن يرتكب محرما يا من تغشون في تجارتكم وفي عيادتكم يا من تتغافلون أصحاب الأعمال فنحن لو تربينا على هذا المعنى لا بد أن تتغير أحوالنا ومجتمعاتنا. ويكون اسم الرقيب أفضل وأقوى للمجتمع من ألف شرطي يراقب الناس، من ألف كاميرا تراقب الناس في المصانع والطرق وغيره. فيا آباء وأمهات لو أننا حرصنا على أن نربي أولادنا في مدارسنا وفي بيوتنا على اسم الله الرقيب، وكذلك لو أن حكامنا، والمسئولين في بلادنا، والمدرسين ..
هل نتفق على أن نربي أنفسنا على اسم الله الرقيب؟ يا أطباء، يا مهندسون،يا موظفين يا نواب يا وزراء يا سفراء يا عمال يا طلاب، يا حرفيون، ماذا سيحدث في مجتمعاتنا إن نحن عشنا مع الرقيب؟ يا إعلام، يا شباب فلننوي أن نحيا بهذا الاسم: سأعيش بهذا الاسم.. لن أغش لن أخدع........ ( أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى )..ويداً بيد لتعاون والتآخي ورفع المعانات على المحتاجين والفقراء والمتعففين يجب أن نكون كالجسد الواحد كما أراد النبي صلى الله عليه وآله حينما قال :
"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى" (صحيح البخاري 4/93 رقم 6011 ). من هنا نحن في لجنة امتحان الحياة الدنيا والله هو الرقيب ولا تنسوا روح الإنسانية وأنتم يا أطباء أن مهنتكم هب من أشرف وأنبل المهن. واكرر أن نكون رقباء على أنفسنا ونحاسبها قبل أن تحاسب وأهدي لمن مات على افيمان ثواب سورة المباركة الفاتحة تسبقها الصلوات على محمد وآله ولروح أمي وأبي والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين .
المحب المربي
behbahani@t-online.de
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
سيد صباح بهباني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat