عودة سبايا أهل البيت {عليهم السلام.{ في يوم الأربعين من أرض الشام إلى أرض كربلاء،
محمد الكوفي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تجديداً للعهد مع سيد الشهداء {عليه السلام}، ثورة الإمام الحسين {ع},
صرخة في وجه الطغاة. كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء ...
************
عودة سبايا أهل البيت {عليهم السلام.{ في يوم الأربعين
6/ صفر/ سنة 61 هـــ خروج سبايا آل البيت {ع}, من الشام إلى كربلاء ،
من دمشق,
20/ صفر / سنة 61 وصول الإمام السجاد {ع}, مع عماته والسبايا إلى كربلاء المقدسة وإرجاع الرؤوس إلى مكانها. ووصول الصحابي جابر الأنصاري إلى ارض كربلاء . 23/ صفر/ سنة 61 هــــ رجوع السبايا إلى المدينة المنورة.{
************
الحلقة الثالثة : بحث وتحقيق. محمد الكوفي/ أبو جـــاسم،
************
أتقدم بأحر التعازي والمواساة إلى صاحب العصر والزمان وإلى مراجعنا العظام والأمة الإسلامية والإخوة القراء الأعزاء جميعاً وذالك بمناسبة عودة سبايا آل البيت النبي{ عليهم السلام.{ يوم الأربعين من دمشق إلى كربلاء ثمة إلى المدينة المنورة .
اطلب من الله العلي القدير أن يتقبل منا هذا القليل ولكم ولي الأجر والثواب واخص بالذكر إخوتي وأخواتي العاملين والعاملات في موقع »،
والأخ المسؤول والمشرف والكادر العام ، في هذا الموقع، وكذالك المواقع الإسلامية والعلمانية المحترمة الأخرى.
************
بسم الله الرحمن الرحيم
}} يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي {{ صدق الله العلي العظيم. أتمنى منكم دعاء بـ مغفرة ورحمه.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله المصطفى محمّد وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين المعصومين المظلومين.
************
اختلفت العلماء في ذكرهم لسبايا الحسين {عليه السلام} ؛ فبعضهم يقول : مكثوا بالشام {1} وعادوا إلى كربلاء , ومنهم من قال : رجعوا بسنتهم , والخبر الثاني أقرب للوضع , حيث إن مروان بن الحكم أشار على يزيد عليه اللعنة , أن يرجعهم إلى المدينة وأخذ يهيئ لهم يزيد كلما يحتاجون في طريقهم من المحامل والخيم.
تقدير المدة الزمنية التي يحتاجها المسافر لقطع المسافة المقدرة، على أساس ملاحظة تلك المسافة. وعلى أساسها بنوا استبعادهم.
****** « 1 » ******
1 } ــــ «- سبايا أهل البيت: { عليهم السلام }: من بعد واقعة ألطف الدامية في كربلاء ارتكب الجنات الأمويون الظلمة مجزرة رهيبة أخرى في التاريخ الإسلامي بحق الأسرة العلوية من أهل البيت: { ع }. يندى لها جبين الإنسانية ذلك الهجوم الوحشي ضد عيألات الحسين وأصحاب الحسين{ ع }. حيث عمدوا على حرق الخيام وسرق الأموال المتعلقة بهم ثم اقتيد المتبقّون من قافلة الشهداء سبايا إلى الكوفة ومنها إلى الشام وكان السبايا من آل بيت الرسول { صلى الله عليه وآله.{ والبعض الآخر منهم من أزواج وأولاد الشهداء الآخرين، أخذت نساء بني هاشم إلى الشام ومن هناك أعدن إلى كربلاء ثم إلى المدينة المنورة يثرب، أما النساء من غير بني هاشم فقد أطلق سراحهن بواسطة أقاربهن أثناء مرورهن بالكوفة والتحقن بقبائلهن، » {1}.
****** « 2 » ******
2} ــــ «- تحدثت المصادر التاريخية عن السبايا باسم "الأسرى" أيضا، ومن البديهي أنّ سبي بعض أهل البيت {ع.} منافٍ لقوانين الحرب في الإسلام ، وهو أيضا بمثابة التجريء على رسول الله محمد {ص.{ إلاّ أنّ بني أمية ارتكبوا ذلك العمل الإجرامي انطلاقا مِمّا يكنّونه لهم من حقد د فين ضد عترة النبي محمد {ص.{، وهذه الجرأة إنما برزت إرهاصاتها منذ واقعة السقيفة ذالك الانقلاب المشئوم عند تجاهلهم قول النبي محمد {ص}. كان من بين السبايا السيدة زينب الكبرى والإمام السجاد {عليهما السلام.{ اللذين كشفا في أحاديثهما وخطبهما حقيقة بني أمية، وبيّنا ماهية شهداء كربلاء. أما أسماء سبايا كربلاء من أهل البيت{ع.{، وغيرهم ـ وفقا لما جاء في منتخب التواريخ { منتخب التواريخ لمحمد هاشم الخراساني: 297}، فهي كالآتي: الإمام زين العابدين الإمام الباقر {عليهما السلام}، { أربع سنوات} ، محمد بن الحسين بن علي ، عمر بن الحسين ، الحسن بن الحسين ، زيد بن الحسن المجتبى ، عمر بن الحسن المجتبى {ع.{، { كان جريحا وأخذ إلى الكوفة}، ومحمد بن عمر بن الحسن المجتبى . أما من النساء زينب الكبرى {عليها السلام}، أم كلثوم، فاطمة، رقية، صفية، أم هانئ {هؤلاء الستة من بنات علي {عليها السلام}، فاطمة بنت الإمام الحسين، سكينة بنت الإمام الحسين التي روي أنها ماتت في خربة الشام، رباب زوجة الإمام الحسين، شاه زنان زوجة الإمام السجّاد، أقول ثبت لدي إن الإمام زين العابدين{عليه السلام}، ولد سنة 38 – في مدينة الكوفة العلوية المقدسة ومن بعد ستة أشهر استشهدت والدة الإمام المعصوم في النفاس ودفنت في الكوفة. وذكر أم محسن بن الإمام الحسين {عليها السلام}، { هذا الطفل اسقط في طريق الشام}، بنت مسلم بن عقيل، فضة جارية فاطمة{عليها السلام}، إحدى جواري الحسين، أم وهب بن عبد الله. وهنالك آراء أخرى بشأن هؤلاء الخمسة والعشرين شخصا، وهي غير متّفقة بأجمعها. » {2}.
****** « 3 » ******
3} ــــ «-. رفع الشكوك الواردة حول عودة السبايا إلى كربلاء: من الذين يظهر من عباراتهم وصول حرم الحسين{عليه السلام.{ إلى كربلاء يوم الأربعين أبو ريحان البيروني حيث ورد في الآثار الباقية ص 321 : {العشرين { من صفر.{ رد رأس الحسين إلى جثته حتى دفن مع جثته وفيه زيارة الأربعين وهم حرمه بعد انصرافهم من الشام } انظر الركب الحسيني ص 290
وقد صرح ابن طاووس في إقبال الأعمال 3/100 إن هناك من قال أنهم وصلوا كربلاء في عودتهم من الشام يوم العشرين من صفر ولعله يشير إلى البيروني أو غيره .
ودمتم في رعاية الله.{1} إن حرم الحسين وصلوا كربلاء مع مولانا علي بن الحسين {عليه السلام،{ يوم العشرين من صفر وفي غير المصباح : أنهم وصلوا كربلاء أيضا في عودتهم من الشام يوم العشرين من صفر , وكلاهما مستبعد لأن عبيد الله بن زياد {لعنه الله} كتب إلى يزيد يعرفه ما جرى ويستأذنه في حملهم , ولم يحملهم حتى عاد الجواب إليه , وهذا يحتاج إلى نحو عشرين يوماً , وأكثر منها , ولأنه لما حملهم إلى الشام روي أنهم لما أقاموا فيها شهرا في موضع لا يكنهم من حر ولا من برد وصورة الحال تقتضي أنهم تأخروا أكثر من أربعين يوماً من قتل الحسين {عليه السلام،{ إلى أن وصلوا العراق أو المدينة , وأما جوازهم في عودتهم على كربلاء فيمكن ذلك , ولكنه ما يكون وصولهم إليها يوم العشرين من صفر لأنهم اجتمعوا على ما روي مع جابر بن عبد الله الأنصاري , فإن كان جابر قد وصل زائراً من غير الحجاز فيحتاج وصول الخبر إليه ومجيئه أكثر من أربعين يوماً , وعلى أن يكون جابر وصل من غير الحجاز من الكوفة أو غيرها¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬ والطعام والقرب والأواني , ووجه معهم النعمان بن بشير الصحابي {1} ومعه ثلاثون رجلا وأمره أن يكون بأمر السجاد زين العابدين {عليه السلام،{ في حلهم وترحالهم , فخرجوا من دمشق الشام , فكان النعمان بن بشير يسايرهم بحيث يرونهم ويراهم , وإذا نزلوا نزل ناحية عنهم هو وأصحابه , وصاروا لهم كهيئة الحرس , وكان بين حين وآخر يأتي وحده ويسأله عما يحتاجونه ويلطف به , حتى إذا وصلوا إلى مفرق طريقين أحدهما ينتهي إلى المدينة والأخر إلى العراق , قالوا للدليل : مر بنا على كربلاء , فامتثل الدليل أمرهم , فوصلوا إلى كربلاء في العشرين من شهر صفر , فوجدوا بها جابر بن عبد الله الأنصاري {2} قد ورد كربلاء لزيارة قبر الحسين {عليه السلام}،» ذكرت بعض مصادر التاريخ أن سبايا آل الرسول { صلى الله عليه وآله}، طلبوا من الوفد الموكل بحراستهم أن يعرج بهم إلى كربلاء ليجددوا عهدا بقبر سيد الشهداء {عليه السلام}، فلبى الوفد طلبهم فانعطفوا بهم إلى كربلاء، ولما انتهوا إليها استقبلن العلويات مرقد أبي عبد الله الحسين {عليه السلام}، بالصراخ والعويل وسالت الدموع كل مسيل وقضين أياما ثلاثة كن من أثقل الليالي وأوجعها على أهل البيت فلم تهدأ لهم عبرة حتى بحت الأصوات وتفتت القلوب.
وتصرح بعض المصادر أن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري قد وفد إلى التشرف بزيارة قبر أبي عبد الله فالتقى الإمام علي بن الحسين زين العابدين {عليه السلام}، وأخذ يحدثه عما جرى عليهم من صنوف الرزايا والنكبات، ثم غادروا كربلاء متوجهين إلى المدينة.
منذ ورود سبايا أهل البيت إلى كربلاء المقدسة في الأربعين الأول لشهادة الإمام الحسين {عليه السلام}، ولم تنقطع إلى اليوم.{3}.
****** « 4 » ******
4} ــــ «- قال الأعمش بن عطية الكوفي : خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاري زائراً قبر الحسين {عليه السلام}، فلما ورد كربلاء دنا من شاطئ الفرات فاغتسل , ثم خرج وقد ائتزو بإزار وارتدى بآخر , ثم فتح صرة فيها سعد {3} فنثرها على بدنه , ثم مشى إلى القبر الشريف حافياً , وكان لايخطو خطوة ألا ذكر الله تعالى فيها , حتى إذا دنا من القبر الشريف , قال : المسنية يا ابن عطية . قال : فألمسته القبر , فخر على القبر{1} النعمان بن بشير الأنصاري الخزري يكنى أبا عبد الله وهو مشهور , له ولأبيه صحبة . قال الواقدي : كان أول مولود في الإسلام من الأنصار , بعد الهجرة بأربعة عشر شهراً , وعن أبي الزبير , قال : كان النعمان بن بشير أكبر مني بستة أشهر , استعمله معاوية على الكوفة فبقى حتى دخلها مسلم بن عقيل , ودخلها أيضاً عيبد الله بن زياد , قتل النعمان سنة خمس وستين .
{2} جابر بن عبد الله الأنصاري شهد النبي { صلى الله عليه واله وسلم}، وحضر جل غزواته , وكف بصره في آخر عمره , توفي في المدينة سنة أربع وستين ويقال سنة سبع وسبعين , عاش أربع وتسعين سنة . {3} السعد : طيب معروف بين الناس , ومنه الحديث : اتخذوا السعد لأسنانكم فإنه يطيب الفم . { مجمع البحرين مغشياً عليه , فرششت عليه الماء , فلما أفاق صاح : يا حسين يا حسين حتى قالها ثلاثاً , ثم قال : حبيب لا يجيب حبيبه . ثم قال : وأنى لك بالجواب وقد شخبت أوداجك على أثباجك {1}, وفرق بين رأسك وبدنك , أشهد انك ابن سيد النبيين , وابن سيد الوصيين , وابن حليف التقى وسليل الهدى , وخامس أصحاب الكساء , وابن سيد النقباء , وابن فاطمة الزهراء سيدة النساء , وكيف لا تكون هكذا وقد غذتك كف سيد المرسلين وربيت في حجور المتقين , ورضعت من ثدي الإيمان , وفطمت بالإسلام , فطبت حيّاً وطبت ميتاً , غير أن قلوب المؤمنين غير طيبة لفراقك , ولا شاكة في حياتك , فعليك سلام الله ورضوانه , اشهد انك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا .
ثم أجال ببصره نحو القبور ـ قبور الشهداء ـ وقال : { السلام عليكم،{ أيتها الأرواح التي حلت بفناء قبر الحسين {عليه السلام}: وأناخت برحله , أشهد أنكم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم الملحدين وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين , والذي بعث محمداً بالحق لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه .
قال ابن عطية : فقلت لجابر : فكيف تقول ذلك ونحن لم نهبط وادياً ولم نعل جبلاً ولم نضرب بسيف , والقوم قد فرق بين رؤوسهم وأبدانهم , واوتمت أولادهم , وأرملت أزواجهم ؟ فقال لي : يابن عطية سمعت حبيبي رسول الله يقول : من أحب قوماً حشر معهم , ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم , والذي بعث محمداً بالحق إن نيتي ونية أصحابي على مضى عليه الحسين وأصحابه ,
{1} الثبج : ما بين الكاهل إلى الظهر .
{ حذو النعل بالنعل , ثم قال : خذوني نحو أبيات كوفان .
قال ابن عطية : فلما صرنا في بعض الطريق فقال لي : يابن عطية هل أوصيك وما أظن أنني بعد هذا السفر ملاقيك , أحب محب آل محمد {صلى الله عليه واله وسلم،{ على ما أحبهم وأبغض مبغض آل محمد على ما أبغضهم , وإن كان صوّاماً قوّاماً , وأرفق بمحب آل محمد { صلى الله عليه واله وسلم}، فإنه إن تزل قدم بكثر ذنوبهم , ثبتت أخرى بمحبتهم , فأن محبهم يعود إلى الجنة ومبغضهم يعود إلى النار .
ويروى في بعض المقاتل , قال ابن عطية : بينا نحن بالكلام وإذا بسواد قد أقبل علينا ومن ناحية الشام , قفلت : يا جابر إني أرى سواداً عظيماً مقبلاً عيلنا من ناحية الشام , فالتفت جابر إلى غلامه , وقال له : انطلق وانظر ما هذا السواد , فإن كانوا من أصحاب عبيد الله بن زياد ارجع إلينا حتى نلتجأ إلى مكان , وأن كان هذا سيدي ومولاي زين العابدين أنت حر لوجه الله . فانطلق الغلام بأسرع أن رجع إلينا وهو يلطم وجهه وينادي : قم يا جابر واستقبل حرم الله وحرم رسول الله{ صلى الله عليه واله وسلم} , فهذا سيدي ومولاي علي بن الحسين {عليه السلام،{ قد أقبل بعماته وأخواته ليجددوا العهد بزيارة الحسين {عليه السلام}. فقام جابر ومن معه واستقبلوهم بصراخ وعويل , يكاد الصخر أن يتصدع منه , ولما دنى من الإمام انكب على قدميه يقبلهما وهو يقول : سيدي عظم الله لك الأجر بمصاب أبيك الحسين , وعظم الله لك الأجر بعمومتك وإخوتك . فقال الإمام {عليه السلام}: أنت جابر ؟ قال : نعم سيدي أنا جابر , فقال {عليه السلام}: يا جابر ههنا ذبحت أطفال أبي هنا رأيت أبي في التراب منعفرا وصحبه حوله صرعى على الترب. » {4}.
****** « 5 » ******
5} ــــ «- المدة الزمنية من الشام والعراق للتوضيح: وهذا يعني أنه لو وجد طريق آخر يمكن من خلاله الوصول من أرض الشام إلى أرض كربلاء، في مدة زمنية أقل، فلن يكون هناك ما يوجب الاستبعاد المذكور كما أشرنا. وقد ذكر السيد الأمين{ره} في الأعيان وجود طريقين يربطان بين الشام والعراق، ويمكن للسالك من خلالهما الانتقال من الشام إلى العراق في مدة زمنية لا تزيد على الثمانية أيام، ولا تقل عن السبعة. أما الطريق الأول: فهو ما يسلكه أعراب العقيل، وهو طريق مستقيم بين الشام والعراق، يقطع سالكه المسافة في مدة زمنية تستغرق سبعة أيام. وأما الطريق الثاني، فهو الطريق الذي يسلكه أعراب صليب، وهو من حوران الواقع في قبلة دمشق، وقد كان المدة الزمنية التي يستغرقونها في قطعهم المسافة من الشام إلى العراق تساوي ثمانية أيام. وأما ما أصرّ عليه المحدث ألنوري، ومن قبله تمسك به السيد الجليل ابن طاووس، ووافقهما المحدث ألقمي {ره}، من أن هناك رحلة مرسول من ابن زياد إلى يزيد يستأذنه في إرسال السبايا إلى الشام، ومن الطبيعي أن هذا يحتاج مدة زمنية ليست بالقليلة. فيمكن دفع الاستبعاد المذكور من خلال ذكر شواهد تؤكد إمكانية قطع المسافة المذكورة، بل أطول منها خلال مدة زمنية أقل مما قدر لها في كلمات المستبعدين: الشاهد الأول: ما ذكره الطبري من أن بسر بن أرطأة أمهل أبا بكر أن يذهب من الكوفة نحو الشام ويرجع خلال أسبوع، فصار ذهابه إلى معاوية وإيابه إلى بسر في سبعة أيام، فيعلم من ذلك أنه ذهب من الكوفة إلى الشام في ثلاثة أيام، ونصف ومثل ذلك كان الرجوع، ومن المعلوم أن مرسول ابن زياد لابد وأن يكون حاث السير حتى يوافي سيديه، سواء من كان منهما في الشام، أم من كان منهما في الكوفة، وعليه لن يكون محتاجاً إلى تلك المدة الزمنية التي تضمنتها الكلمات السابقة، بل يمكنه أن يذهب ويعود خلال هذه المدة، وربما أقل، فلاحظ. الشاهد الثاني: ما ذكر في نجاة المختار من الحبس، فقد ذهب عميرة حاملاً رسالة عبد الله بن عمر زوج أخت المختار إلى يزيد، وأخذ كتاب استخلاصه منه، وتوجه نحو الكوفة، وسار الطريق في أحد عشر يوماً إلى أن وصلها. الشاهد الثالث: وصول خبر موت معاوية إلى المدينة في مدة زمنية لا تزيد عن أسبوع، لأن المنقول تاريخياً أن موته كان في الخامس عشر من شهر رجب، وقد كان خروج الإمام الحسين{ع} من المدينة في الثامن والعشرين منه، بعد امتناعه عن بيعة يزيد، وهذا يعني أن المدة الزمنية المستغرقة كانت ثلاثة عشر يوماً، ومن الطبيعي جداً أن الإمام{ع} لم يخرج مباشرة، وإنما كان بينه وبين الوليد محادثات وفقاً ما نقل تاريخياً، وهذا يعني أن البريد وصل إلى المدينة في مدة لا تزيد على اثني عشر يوماً، بل ربما أقل، وكلنا يعلم أن المسافة من الشام إلى المدينة أطول وأكبر من المسافة بين الشام والعراق، فلاحظ. الشاهد الرابع: خروج الإمام الحسين{ع} من مكة، وقرب وصوله إلى أرض الكوفة، فإن المدة المستغرقة كانت 24 يوماً، والمسافة المقدرة بين الكوفة ومكة 380 فرسخاً، فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن سيره{ع} لو لم يكن بطيئاً، فلا ريب في أنه لم يكن سريعاً، بل ربما كان دون المعتدل، وأنه{ع} كان يتوقف في بعض المنازل، فسوف يكون مقدار ما يقطه في اليوم الواحد يعادل 15 فرسخاً، فكيف بمن يخرج حاثاً السير مسرعاً. الشاهد الخامس: ما تضمنه غير واحد من المصادر التاريخية في بيان تأريخ خروج الأسرة العلوية من أرض الكوفة، ودخولهم إلى أرض الشام، فقد ذكر أن خروجهم من الكوفة كان يوم الخامس عشر أو في العشرين من شهر محرم، وقد كان ورودهم الشام في غرة شهر صفر المظفر، وهذا يعني أنهم قطعوا المسافة بين الكوفة والشام خلال مدة زمنية مقدرة ما بين العشرة أيام، والخمسة عشر يوماً. فتحصل إلى هنا أنه لا يوجد ما يوجب استبعاد وصول العائلة العلوية إلى أرض كربلاء المقدسة يوم العشرين من شهر صفر سنة 61 من الهجرة النبوية، والتقائهم بالصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري{رض}. منه كلام المحدث ألنوري، والمحدث ألقمي{ره} من عدم ورود ذكر لمثل هذه القضية في جملة من كتب التواريخ والسير والمقاتل المعتبرة، فإن هذا يستوجب تحديد عنوان اعتبار الكتاب، لأن ما ربما يكون معتبراً عندهما لا يكون معتبراً عند غيرهما، والعكس كذلك. على أنه قد ذكر خبر اللقاء في كتاب اللهوف، وفي مقتل ابن نما، وفي توضيح المقاصد للشيخ البهائي، وجلاء العيون للسيد أبي طالب، وينابيع المودة للقندوزي. وكذا ذكر ذلك عن أبي الريحان البيروني، وكفى أنك سمعت نقل غواص بحار الأوار{ره} أنه المشهور بين أصحابنا، فلاحظ.
وأما الوجهان الآخران اللذان يذكرا لإثبات الاستبعاد المذكور أيضاً، فيجاب عن أولهما: بأن المعروف أن دخول العائلة العلوية إلى أرض الشام كان في غرة شهر صفر، وتحديد وقت خروجهم منها يستدعي تحديد مدة بقائهم فيها، وقد أختلف في ذلك، فقد ذكر الشيخ المفيد{ره} في الإرشاد أنهم قد أقاموا أياماً[7]، ومثل ذلك قال الشيخ الطبرسي{ره} في كتابه أعلام الورى[8]، وقيل أن مدة مكثهم فيها شهراً كما عن السيد ابن طاووس{ره}[9]. وذكر القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي أنهم أقاموا فيه شهراً ونصف[10]. وذكر العلامة ألمجلسي{ره} عن بعض كتب أصحابنا مرسلاً أن مدة بقائهم كانت قريب عشرة أيام[11].
ولا يخفى أن ملاحظة المذكور في المصادر التاريخية من أن يزيد لما خشي الفتنة وخاف انقلاب الأمر عليه، عجل بإخراج الإمام زين العابدين{ع}، والعيال من الشام إلى وطنهم ومقرهم، ومكنهم مما يريدون، يتنافى والقبول بما ذكره القاضي النعمان، وكذا السيد ابن طاووس، ويقوي بل يعين تحديد مدة البقاء بأيام محدودة، وهي ما أشير له في كلمات غواص بحار الأنوار بعشرة أيام. ومنه يتضح أن تحديد وقت خروجهم بيوم العشرين من صفر كما هو المذكور في هذا الوجه، وحكايته عن غير واحد من الأعلام، سوف يستدعي أن يكون دخولهم إلى الشام ليس في غرة شهر صفر، إذ قد عرفت أن يزيد خاف فعجل بخروجهم، وهذا أمر طبيعي فإن كل من قرأ الأحداث التي وقعت في أرض الشام يتجلى له ذلك واضحاً بدأ بدخول السبايا إليها، مروراً بما جرى في مجلسه، وما تابع ذلك من أحداث، خصوصاً بعدما ألقى الإمام زيني العابدين{ع} خطبته، وكيف أن يزيد كان يعلم أنه لن ينـزل إلا بفضيحته وفضيحة آل أبي سفيان. بل قد ذكر أن يزيد أظهر الندامة وبكى وعلق الأمر على ابن زياد وأنه الذي قتل الحسين وهو لم يأمره بذلك، كما أن بيت يزيد قد تفاعل كثيراَ مع القضية الحسينية، فأبرزت زوجته كثيراً من الاعتراض عليه، فلاحظ. وبالجملة، فلو سلم بأن خروجهم من الشام كان في العشرين من صفر، فيلزم من ذلك أن يكون ورودهم إليها ليس في غرته، بل في تأريخ آخر، وهذا ما لم نجد له عيناً ولا أثراً في المصادر التاريخية، فلاحظ. على أنه لا يسلم بظهور ما حكي عن شيخنا المفيد في كون رجوع حرم آل الرسول من الشام إلى المدينة في يوم العشرين من صفر يعني أن خروجهم منه كان يوم العشرين، ذلك أننا قد أشرنا في ما تقدم أن القصد إلى كربلاء المقدسة لم يكن في مخطط الأسرة العلوية، ولم يكن مقرراً لما كان مرافقاً لهم، بل كان الخروج من الشام يقصد به الوصول إلى المدينة، ولما وصلوا مفرق طريق طلب منه التعريج على كربلاء، فيكون وجود كربلاء في وسط المسيرة بمثابة القاطع للمسيرة، فيكون خروجهم منها إلى المدينة المنورة مواصلة لنفس حركة السير الأساسية المعنية في بداية الرحلة، وهذا يعني صدق عنوان خروجهم من الشام إلى المدينة في يوم العشرين، بمعنى استمرار المسير إليها منها، وليس يعني ذلك ابتداء حركة السير من الشام قاصدين المدينة، فلاحظ. ومما ذكر جواباً عن الأمر الأول يتضح الجواب عن الأمر الثاني، فلا نعيد. هذا وربما يمنع من القبول بخبر اللقاء والورود إلى أرض كربلاء يوم العشرين من صفر سنة 61 ه، تمسكاً بأمور[12]:
منها: إن الخبر الذي يرويه عطية العوفي، والذي يتضمن زيارة جابر بن عبد الله الأنصاري{رض} الأولى لقبر الإمام الحسين{ع} لم تتضمن ذكراً لخبر اللقاء أصلاً، وهذا يؤكد أن اللقاء بينه وبينهم كان في الزيارة الثانية. وجوابه واضح، فإن عدم نقل بعض المصادر التاريخية لحادثة اللقاء، لا تعني عدم وقوعها في الزيارة الأولى، بل ربما كان موجب عدم الذكر تقطيع الخبر ونقل ما يعتقد المؤرخ صحته، والاعتماد عليه، وذلك لظنه استحالة وصول القافلة العلوية إلى أرض كربلاء خلال تلك المدة الزمنية، وهذا أمر مألوف عند المحدثين، فيعمد إلى نقل ما يرتأيه ويقبل به من النص، ويرفع يده عن الباقي، فلاحظ.
الثاني: تضمنت بعض النصوص التاريخية، كخبر الطبري، والسيد ابن طاووس والخوارزمي أنه لم يكن هناك أحد غير جابر وعطية، مع أن خبر اللقاء يشتمل على وجود جماعة من بني هاشم، مضافاً للعائلة العلوية. وهذا الوجه عهدته على مدعيه، فإن كلام الطبري، وكذا السيد ابن طاووس، بل والخوارزمي، لا يظهر منهم شيء مما ذكر، فضلاً عن أن يكون مستفاداً منهما، وللقارئ العزيز المراجعة، فيلاحظ كلام الطبري في بشارة المصطفى[13]، وكذا كلام السيد ابن طاووس في مصباح الزائر[14]، وكذا الخوارزمي في مقتله.
الثالث: لقد نص العلماء على كون أول من زار الإمام الحسين{ع} هو جابر بن عبد الله الأنصاري، وهو لا يتناسب ووجود جماعة من بني هاشم عند القبر الشريف. والجواب، بأن المقصود أن أول من زاره من غير ذويه وقرابته، هو جابر بن عبد الله الأنصاري، وليس أول من زاره على الإطلاق، فتدبر. ولنختم الحديث بأن مسألة رجوع السبايا إلى أرض كربلاء، ولقائهم بجابر بن عبد الله الأنصاري تبقى مسألة تأريخيه تخضع عادة إلى مقومات البحث في المسألة التاريخية، وهذا يعني إمكانية الاختلاف فيها بين الباحثين، ولن يكون ذلك الاختلاف موجباً لخلل في المنكر، أو في المثبت، ما دام من أنكر أو من أثبت قد عمد إلى مناقشة المسألة وفقاً للأسس العلمية الصحيحة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق الجميع لما يحب ويرضاه، والله سبحانه العالم بحقائق الأمور. » {5}.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هذه الأحاديث مأخوذة من الكتب العربية و الفارسية الشيعية والسنية ومن مكاتب مواقع الانترنت:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1}ــــ « اللهوف في قتلى الطفوف:
2ـ كامل الزيارات: ـ أُنظر: اللهوف في قتلى الطفوف. »{1}.
2}ــــ «»{2}.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1}ـــ «- أبصار العين: 133. » {1}.
2}ــــ «- منتخب التواريخ لمحمد هاشم الخراساني: 297}، » {2}.
3}ــــ «- ذكر في الإقبال - السيد ابن طاووس رحمه الله, » وجدت في المصباح ـ مصباح المجتهد للطوسي رحمه الله. » {3}.
4} ــــ «- عن الأعمش بن عطية الكوفي. » {4}.
5}ــــ «- [1] الآثار الباقية ص 321.
[2] توضيح المقاصد ص 6.
[3] بحار الأنوار ج 101 ص 334.
[4] إقبال الأعمال ج 3 ص 100.
[5] بحار الأنوار ج 101 ص 334.
[6] منتهى الآمال ج 1 ص 620-721.
[7] الإرشاد ج 2 ص 112.
[8] أعلام الورى ج 1 ص 475.
[9] إقبال الأعمال ج 3 ص 101.
[10] شرح الأخبار ج 3 ص 269.
[11] بحار الأنوار ج 45 ص 196.
[12] مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة ج 6 ص 316.
[13] بشارة المصطفى ص 74.
[14] مصباح الزائر ص 286. » {5}.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
{{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فأنها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}}
وَربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا،
abo_jasim_alkufi@hotmail.com.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
محمد الكوفي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat