صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تاملات في القران الكريم ح183 سورة النحل الشريفة
حيدر الحد راوي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{74} 

تنهي الاية الكريمة ان يجعل لله تعالى ذكره اشباه ( امثال – شركاء ) , فأن الامثال تضرب لتشبيه حال بحال ( فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ ) , انه جل وعلا يعلم جواهر الاشياء وبواطنها , سرها وظاهرها ( إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ) , بينما انتم لا تعلمون ذلك ( وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) .         

 

ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ{75} 

ضربت الاية الكريمة مثلا ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً ) , ولهذا المثل تطبيقات وتشبيهات كثيرة لعل ابرزها :  

1- المؤمن والكافر . 

2- العالم والجاهل . 

3- الشخصان الواردان في المثل لم يستويا رغم اشتراكهما في الجنس والخلق , فحري بالاصنام التي هي جمادات , عاجزة عن الكلام والفعل , لا تضر ولا تنفع , بل لا تملك الدفاع عن النفس , فحري بها ان لا تشابه وتماثل الباري جل وعلا القادر المقتدر على كل شيء .  

وجهت الاية الكريمة سؤالا مباشرا بعد ان ضرب المثال ( هَلْ يَسْتَوُونَ ) , كلا لا يتساوون , ينبغي لقاريء القرآن الكريم والمستمع اليه ان يجيب على مثل هذه التساؤلات , لان القران الكريم موجه للجميع في كل زمان ومكان , ( الْحَمْدُ لِلّهِ ) , الحمد والشكر والثناء له وحده جل وعلا , لا يستحقه غيره , ( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) , لا يعلمون تلك الحقائق , فينسبونها الى سواه جل وعلا . 

 

وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{76}

تضرب الاية الكريمة مثلا اخر يوازي المثل السابق في المعنى والمضمون , ( وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ ) , ولد اخرس , لا يفهم ما يقال له ولا يستطيع ان يفهّم غيره , ( لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ ) , كالعمل والحرفة والصنائع وسائر التدابير الاخرى , ( وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ ) , عبأ ثقيل على ولي امره , ( أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ ) , لا ينجح بالقيام باي مهمة مهما كانت صغيرة , ( هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ) , فهل يتساوى ولد بهذا الحال مع اخر في كامل الخلقة , سليم العقل والجسم , ينطق ويفهم , كافيا نافعا , يأمر بالعدل والاحسان والخير , ( وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) , ذو دين وسيرة صالحة .         

 

وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{77}

نستقرأ الاية الكريمة في ثلاثة موارد : 

1- ( وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) : كل ما غاب وخفي علمه واضمرت اسراره عن العباد . 

2- ( وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ) : يدل النص المبارك ان قيام الساعة امرا هينا عليه عز وجل ( إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ )  كسرعة رجوع الطرف من اعلى الحدقة الى اسفلها او هو اقرب او اسرع من ذلك , فأنه يتبع الامر الالهي ( كن فيكون ) .  

3- ( إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) : هو القادر على كل شيء سبحانه وتعالى , ( فيقدر على أن يحيي الخلايق دفعة كما قدر أن أحياهم متدرجا ) ." تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .   

 

وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{78} 

تبين الاية الكريمة ان الله تعالى بقدرته وحكمته اخرج الانسان جنينا صغيرا من بطن امه بعد انقضاء مدة الحمل , في ذلك الحين لم يكن يدرك ويعي ما حوله , بقدرته ولطفه عز وجل ركب فيه الحواس او وسائل الادراك والعلم والمعرفة ( الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ ) , فبدأ يكتسب المعرفة تدريجيا بمرور الزمن , ( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) , تدركوا وتستيقنوا وتعوا نعمته , فتشكروه عليها .     

 

أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ{79} 

تضرب الاية الكريمة مثلا اخر , ( أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء ) , الا تروا ان الطيور مذللات مسخرات مهيئات للطيران , بما وهبن وهيأ لهن الباري جل علا اسباب التحليق في الافاق من اجنحة وريش وذيل , ( مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ ) , ما يمسكهن و يمنعهن من الوقوع الا الله تعالى بما هيأ لهن من الاسباب ( فإن ثقل جسدها يقتضي سقوطها ولا علاقة فوقها ولا دعامة تحتها تمسكها  ) " تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" , ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) , ذكر المؤمنون هنا لانهم الاكثر انتفاعا بذلك , ففيه الدلالات على قدرته جل وعلا .          

 

وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ{80}

تبين الاية الكريمة ( وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً ) , موضعا للسكن والراحة والاستقرار , ( وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً ) , ما يصنع منه الخيام والمضارب والقباب , ( تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ ) , سهلة يسيرة الحمل في السفر والاقامة ( الحل والترحال ) , هينة في نصبها واقامتها , ( وَمِنْ أَصْوَافِهَا ) , الغنم , ( وَأَوْبَارِهَا ) , الابل , ( وَأَشْعَارِهَا ) , الماعز , ( أَثَاثاً ) , يلبس او يفرش , ( وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ ) , ينتفع فيه مدة من الزمان , او الى حين تعرضه للتلف بسبب حرق وما شابه , او فقدانه وضياعه او ان يسرق او يسلب بحرب وغيرها .                  

 

وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ{81} 

تستمر الاية الكريمة في البيان , ونستقرأها في ستة موارد : 

1- ( وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً ) : كل ما يستظل به من حر الشمس كالشجر والبناء والغمام ... الخ . 

2- ( وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً ) : ما يسكن فيه كالمغارات والكهوف . 

3- ( وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ ) : ثياب تقيكم الحر والبرد , وذكر الحر هنا بالخصوص لانه جل ما كان يهم الناس في ذلك المكان . 

4- ( وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ ) : كل ما يلبس في الحروب كالدرع او الجوشن وغيره . 

5- ( كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ) : ان كل ما تقدم في الايات الكريمة السابقة وما جاء في الاية الكريمة الحالية هو من تمام نعمته جل وعلا .  

6- ( لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ) : لعلكم تسلمون له جل وعلا بالتوحيد والطاعة وتنقادون لاحكامه .      

 

فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ{82}

تبين الاية الكريمة للنبي الكريم محمد (ص واله) ( فَإِن تَوَلَّوْاْ ) , اعرضوا عما جئتهم به , ولم يقبلوه , ( فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ) , فأنك قد بلغت عن الله تعالى ما ارسلت وكلفت به .   

 

يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ{83 }

تكشف الاية الكريمة ( يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ) , انهم كانوا يعرفون ويدركون نعمته جل وعلا , ( ثُمَّ يُنكِرُونَهَا ) , يجحدونها اما : 

1- عزة بالاثم . 

2- حفاظا على وتمسكا بتراث الاباء . 

3- حقدا وغيظا على ان يلي امور الناس بيت بني هاشم او واحدا منهم , لان الاسلام يستلزم طاعة الرسول الاكرم محمد (ص واله) ويقرنها بطاعة الله تعالى , ما يدعو الى ان تكون الزعامة والرياسة بيده (ص واله) , وهذا ما كان يرفضه الكثير من بيوتات قريش .       


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/01/30



كتابة تعليق لموضوع : تاملات في القران الكريم ح183 سورة النحل الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net