صفحة الكاتب : معمر حبار

الإبداع عبر السجون
معمر حبار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
دخل إحدى الإدارات العمومية، وفي انتظار أن تقضى حوائجه، التفت عن يمينه، إذ بـقصيدة للشاعر مفدي زكريا، رحمة الله عليه، مكتوبة بخط كبير، قد زيّنت الجدران، جاء في مطلعها:
قسما بالنازلات الماحقات .. والدماء الزاكيات الطاهرات
 
وبعد أن ينتهي المرء من التمتّع من قراءة القصيدة، يقرأ القارئ العاشق، أن القصيدة كتبت بسجن برباروس سنة 1955. وهذه الملاحظة العابرة، هي التي كانت من وراء هذه الأسطر، ومفادها..
 
أن "قصيدة قسما بالنازلات الماحقات .. والدماء الزاكيات الطاهرات"، كتبت بالسجن. ولابد من التذكير والتركيز، أنه سجن تابع للاستدمار الفرنسي، ويكفيه من البشاعة هذا الوصف. 
 
ورغم ذلك فقد شهدت الجدر المحروسة، والقضبان الشائكة، وسياسة التجويع، والتهديد، والقتل، قصيدة ..  قسما بالنازلات الماحقات .. والدماء الزاكيات الطاهرات".
فتعمّ أرجاء المكان، وتدوي عنان السماء، وتتجاوز البحار والمحيطات، ويبكي السامع، ويحن لها الكبير والصغير، وتحوّل إلى نشيد وطني، يعتز به الراعي والرعية، ويُفتخر به بين الشعوب والأمم، فيمسي احترامه من السيادة، فيتعلّمه الصغار والكبار، ويُنقل عبر الأجداد والأحفاد، ويُطبع وينشر كل عام جديد، ويعاد على المسامع كل حين.
 
والسؤال المطروح، لماذا لم تنجب الجزائر لحد الآن، مثل هذه القطعة الذهبية، التي كتب لها البقاء والدوام؟.
 
إن الجزائر، أنفقت عمرا مديدا، وبنت لأبناءها المعاهد والجامعات والمدارس، عبر كامل التراب الوطني، وأنفقت الأموال التي يحلم بها الكبار. ورغم ذلك لم تنجب ماأنجبه السجين مفدي زكريا، الذي خطّ، "قصيدة قسما بالنازلات الماحقات .. والدماء الزاكيات الطاهرات"، وهو مشتاق لشربة ماء، ويحلم بقطعة خبز، ويرجو ساعة نوم، ناهيك عن مطاردة القتل له في كل حين، وتربص السّجان.
 
إن الإبداع يتجاوز السجن، ويتعدى السّجان. والسجين من توفرت له كل السّبل، ومُنحت له كل الفرص، ثم تكاسل عن أداء حقّها، ورفض أن يبدع من خلالها وبواسطتها. فأمسى وهو الذي يملك ويتمتّع، أسير الذي يحلم بما يملك، لأنه استطاع أن يجعل من الصفر الذي بين يديه، أرقاما عن اليمين، فأصبح من أصحاب اليمين.  

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


معمر حبار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/02/21



كتابة تعليق لموضوع : الإبداع عبر السجون
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net