صفحة الكاتب : علي جابر الفتلاوي

هل تؤيد حل الأحزاب السياسية الدينية ؟! ( 4 )
علي جابر الفتلاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 أنطلقت الاحزاب والحركات السياسية الأسلامية المعتدلة ، ردّا على سياسات الحكام الظالمين الذين يحكمون بالسيف والدولار ، ( من لم يأتِ بهذا يأتي بهذا ) ، وهذا شعار الدولة الأموية ، وسؤالنا هذا لا يشمل الأحزاب والحركات المتطرفة التكفيرية لأن هذه الحركات لا نتمنى بقاءها بل ندعو لموتها حتى لو بعملية جراحية ، لأن هذه الحركات المتطرفة أوجدت من قبل أعداء الاسلام لتشويه صورة الاسلام عند الشعوب غير المسلمة ، ولتمزيق وحدة المسلمين خدمة للصهيونية ، الحركات المتطرفة هذه تحالفت مع  أسرائيل بدفع من السعودية وقطر وتركيا ، وقد سمعنا بجرحى هذه الحركات في سوريا وهم يعالجون داخل أسرائيل ، وسمعنا تصريحاتهم التي نفوا فيها أن تكون أسرائيل عدوة للعرب والمسلمين .
كثير من الأحزاب الدينية أنتقلت من مرحلة المواجهة السلبية الى مرحلة العمل السياسي العلني ، بعد أحداث ما سمي ( الربيع العربي ) ، وتسلمت هذه الأحزاب السلطة في هذه البلدان ، بترتيب ودعم من محور الشر في المنطقة ( السعودية وتركيا وقطر ) ، ودعم خفي من أمريكا وأسرائيل وبقية دول المحور الامريكي الصهيوني ، فهو ربيع صهيوني وليس عربيا مثل ما يدعون ، وفي مصر أستطاع حزب ( الأخوان المسلمون ) الفوز في الأنتخابات لأنهم الأكثر تنظيما في الساحة المصرية على حد تعبير كيري وزير الخارجية الأمريكية ، يمكن أن نعطي تبرير كيري هذا نسبة من الواقعية ، لكن هناك أسباب أخرى لفوزهم في الأنتخابات ، منها أن الشعوب تحمل صورة أيجابية عن الأحزاب الدينية وهي في العهد السلبي الذي تقاوم فيه السلطان الجائر ، هذا السبب دفع الشعب المصري لأعطاء صوته للأخوان حتى أذا وصلوا الى السلطة تكشفت العيوب ، وظهرت العورات ، وعلى ضوء ذلك تغير موقف الشعب المصري ، وأتخذ قراره في التغيير بعد مرور عام على حكومتهم تقريبا ، وهناك سبب آخرساعد على فوز الاخوان ، وهو الدعم القطري التركي ومن خلفهم اسرائيل وامريكا ، اما السعودية فلها موقف آخر من الأخوان ، فهي تخشى من سيطرة الاخوان على السلطة في مصر أو غيرها من البلدان الاسلامية ، لأنها لا تقبل أن ينافسها أحد على نفوذها  في قيادة التيار الأسلامي السلفي التكفيري في المنطقة ، وبسبب هذه العقدة السعودية أعلنت موقفها المؤيد للتغيير في مصر .
أغلب البلدان العربية اليوم يحكمها ملوك أوأمراء توارثوا الحكم عن آبائهم ، ويحكمون باسم القداسة الدينية ، أو قداسة النسب العائلي ، والبقية من البلدان العربية تحكمها الاحزاب السلفية التي حملتها الى السلطة رياح ما سمي ( الربيع العربي ) ، بل هو ( الربيع السلفي ) المدعوم من المحور الأمريكي الصهيوني ، فهو ربيع بالنسبة للسلفيين ، لكنه خريف جارد للخضرة بالنسبة للشعوب ، مشكلة هذه الاحزاب السلفية أنها لا تتقبل الاخر المختلف ، وتحصر الحق بها فقط ، وهي فقط القريبة من الله تعالى ، فتقصي الاخر المختلف باسم الله ، وكأن الله تعالى أعطاها هذا التفويض ، بل أن أغلب الأحزاب الدينية تؤمن وتعمل وفق هذه الرؤية الأنحصارية .
  هذا لا يعني عدم وجود أحزاب دينية أخرى غير أنحصارية ، تحترم الاخر وتعمل وتتعايش معه ، بل من الأحزاب الدينية من يعمل وفق الرؤى العامة للاسلام ويستطيع التعايش مع أي أنسان مختلف مسلما كان أو غير مسلم ، أرى أن المشكلة الكبيرة للأحزاب الدينية تنحصر في الأحزاب المنطلقة من الفكر الوهابي ، أما الاحزاب الدينية الأخرى غير الأنحصارية ، فمشاكلها من لون آخر، لكن هذا لا يعني أن هذه المشاكل لا تسبب النفور للجماهير أو لا تجلب الأساءة للدين ، بل هي ايضا مشاكل خطيرة ، منها أن هذه الأحزاب الدينية غير الأنحصارية ، أخذت تعمل بالمصلحة الحزبية والشخصية الضيقة ، وليس بالمصلحة الأسلامية العامة ، أو مصلحة الشعب والوطن ، بل أن بعض أتباع هذه الأحزاب بدل أن يكونوا قدوة الى الاخرين في السلوك ، تحولوا باسم الدين الى تجار في السياسة ، وأخذوا يمارسون الفساد بمختلف أشكاله ، وقد تصل الحالة الى مرحلة تصفية المنافس الاخر بأي وسيلة متاحة ، كل هذا الحراك يكون باسم الدين ، وهذا ما يلحق التشويه والضرر بالدين ، وبسمعة المؤمنين المخلصين لله حقا.
أرى أن عمر الأحزاب والحركات الدينية السياسية الذهبي هي فترة النضال السلبي ، وهي مرحلة عملها الفكري والثقافي والسياسي لكسب الجماهير لصالح أطروحتها الدينية السياسية ، أما الأحزاب والمنظمات التكفيرية فهي غير معنية بمقالتنا ، فهذه الأحزاب المتطرفة ليس أمامها الا سبيلين أما أن تتخلى عن التطرف والتكفير ، وهذا أمر مستبعد ، وأما الموت لأن بقاءها على قيد الحياة فيه خطر كبير على الأسلام والمسلمين ، وفيه خدمة كبيرة لأعداء الأنسانية من الصهاينة وغيرهم ، الجماهير في  المرحلة السلبية ، وهي فترة المعارضة والمقاومة للسلطان الظالم ، تتعاطف بشكل كبير مع الاحزاب الدينية ، وكثير من الناس ينخرط للعمل مع هذه الأحزاب في هذه المرحلة ، خاصة شريحة الشباب رغم المخاطر التي تهددهم من سجن أو قتل ، لأنهم يعتبرون العمل معها وسيلة من وسائل التقرب الى الله تعالى ونيل مرضاته .
من الأحزاب التي مرّت بهذه التجربة حزب الدعوة الأسلامية في العراق ، أذ قدم الحزب آلاف الشهداء في طريق الجهاد ضد نظام البعث المقبور، وكانت قوافل الشهداء تتقدم الى الشهادة وهي راضية بهذا المصير ، لقناعتها أن هذا السبيل هو الطريق السالك الى الجنة ، متخذين من شهادة الحسين عليه السلام قدوة لهم في هذا الميدان ، علما أن حزب الدعوة الأسلامية لا يبني فكره لأجل الوصول الى السلطة ، بل يهدف الى بناء سلوك الفرد المسلم بناء أسلاميا صحيحا كي يكون قدوة للآخرين  ومن خلال بناء الفرد بناء سليما يتم بناء المجتمع ، والمجتمع أذا تغير الى مجتمع صالح حينئذ سيحصل التغيير في مفاصل الحياة المختلفة ، لأنه سيصبح مطلبا شعبيا  وتغيير الحكم الى حكم عادل هو مظهر من مظاهر التغيير الذي ينشده المجتمع المسلم ، هذه هي نظرية حزب الدعوة في العمل ، وهي من الناحية النظرية مقبولة ، وقد تبناها الحزب في مرحلة العمل السري ، ولا زال يتبناها اليوم ، وهو جزء من السلطة بعد التغيير الذي حصل في العراق عام 2003 م .
الاحزاب الدينية السياسية في العراق فوجئت بالتغيير في العراق ، واصبحت جزءا من السلطة القائمة ، بل من المشاركين الرئيسيين فيها ، وهنا حصل اللبس والتشويه والتزوير، وضاعت الأهداف التي كانت تداعب بها عواطف الجماهير وتشدها اليها،  وأصبح الهدف الرئيس لبعض الأحزاب الدينية ، كيف تصل الى السلطة ؟
ومن أجل بلوغ هذا الهدف تخلت بعض الأحزاب الدينية عن شعاراتها التي كانت تنادي بها ، وضحّت بالأهداف الاسلامية التي كانت تعمل لأجلها ، وأصبح هدفها الرئيس الوصول الى كرسي السلطة ، وبأي وسيلة متاحة ، هنا دخلت هذه الأحزاب الدينية المتهالكة على السلطة في دوامة ( الغاية تبرر الوسيلة ) ، فاستخدمت للأسف وسائل غير نظيفة لأجل الوصول الى السلطة ، وخير مثال على ذلك ما يقوم به الأخوان في مصر ، وفي بلدان أخرى .
لابد هنا من الأشارة الى أن حزب الدعوة الأسلامية في العراق هو الأقرب الى الواقعية في التعامل مع التغيير ، وأن الحزب يبذل جهودا منظورة وغير منظورة للتوفيق بين أسلاميته وأهدافه ، وبين عمله السياسي الذي دفع اليه دفعا ، وفي تقديري أن حزب الدعوة لا يسعى الى السلطة ، لأن هدفه المركزي هو بناء شخصية الفرد المسلم بناء أسلاميا سليما ، ليكون الفرد المسلم اللبنة في بناء المجتمع ، واذا تغير المجتمع ستتغير السلطة وفق أرادة المجتمع ، وقد ثبت عمليا في أيران وغيرها من البلدان ، أن الارادة الشعبية هي ألآلية الصحيحة في التغيير، أذ أستطاع الشعب ألأيراني أزاحة الشاه عن السلطة عندما أراد ذلك بقيادة السيد الخميني ( رض ) .
وأذا أقتنعنا بأن التغيير الصحيح يكون من خلال تغييرالفرد ثم المجتمع ، هذا يعني سلامة النظرية التي يؤمن بها حزب الدعوة الأسلامية ، ويعني أيضا أن الحزب لا يضع سقفا زمنيا لأستلام السلطة ، بل تأتي السلطة كنتيجة للتغير في المجتمع ، فالمجتمع هو الذي سيختار نوع الحكم الذي يرغب فيه ، ومن خلال أطلاعي على متبنيات الحزب الفكرية أرى أن حزب الدعوة الأسلامية لا يدعي أنه سيقيم حكم الله في الأرض مثل ما يدعي الكثير من الاحزاب الدينية اليوم ، لأن حكم الله في الأرض لايقيمه حزب بعينه ، أذ لكل حزب ديني فهمه ورؤاه الخاصة التي يختلف فيها عن الأحزاب الأخرى ، كما أن حكم الله في الأرض حسب قناعتي الشخصية هو من أختصاص المعصوم ، ولا يمكن أن يدعيه أي حزب من الأحزاب الدينية ، وأن عيوب وعورات أي حزب ديني ستظهر الى الجماهير عندما يتقمص دور المعصوم ويدعي أقامته لحكم الله في الارض ، هذه المسؤولية والمهمة الكبيرة لا ينهض بها الاّ الأمام المعصوم ، وهو الحجة المنتظر ( عج ) والذي ينتظر قدومه المؤمنون بصبر كبير، فهو الذي سيقيم العدل وينشره ، ويقاتل لأجل أقامة عدل الله .
أذن ما هو واجب الأحزاب الدينية ؟
أرى أن واجب الأحزاب الدينية يتحدد في المرحلة السلبية بمهمتين الأولى بناء شخصية الفرد المسلم بناء أسلاميا سليما بعيدا عن التطرف أو العنف ، بحيث يكون هذا البناء قدوة حسنة للآخرين ووسيلة جذب لهم ، وليس وسيلة للنفرة والتقزز من قبل الآخرين سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين ، أما المهمة الثانية هي تحشيد الجماهير المسلمة من خلال أستغلال العاطفة الدينية لتثويرها ضد الحكم الظالم ، وهذا ما جرى ويجري اليوم في كثير من البلدان العربية والأسلامية ، ونشاهده بشكل عملي في البحرين ، أذ أعطى شعب البحرين صورة ناصعة عن الحراك الشعبي السلمي ، عرّى فيها زيف أمريكا ومحورها الشيطاني الذين يدعون نصرة الشعوب .
 مرحلة المعارضة التي يمر بها الحزب الديني هي التي نسميها المرحلة السلبية ،  وهي الفترة الذهبية من عمر أي حزب ديني ، من حيث تعاطف الجماهير معه ، حتى اذا أنتقل الى مرحلة العمل  السياسي العلني ، تبدأ ما تسمى المرحلة الأيجابية ، فهي أيجابية بالنسبة للحزب في حصوله على الأمتيازات ، وسلبية بالنسبة للجماهير ، عندما تصطدم بالتناقض بين شعارات الحزب الدينية المثالية ، وبين سلوك أفراد الحزب في السعي للحصول على الأمتيازات بأي وسيلة متاحة ، حتى لو بالغش والكذب والخداع بعيدا عن المبادئ التي كان الحزب يدعو لها ، ويعمل تحت خيمتها في هذه المرحلة ستشخص الجماهير هذا الحزب أو ذاك وقد تخلى عن كثير من شعاراته وأهدافه المعلنة ، من هنا تبدأ مرحلة الصراع المر بين السلوك البعيد عن الأسلامية ، وبين الطموحات السياسية ، وهذه المرحلة عسيرة على كثير من الأحزاب الدينية ، ولا يستطيع الحزب أن يبقى في نفس الدرجة من اللمعان والبريق التي أكتسبها في المرحلة السلبية ، وفي مرحلة العمل الأيجابي يكون الحزب أما مشاركا في الحكم ، أو مسؤولا هو وحده في أدارة الحكومة ، أو يكون معارضا في البرلمان ، وفي كل الأحوال هو جزء من الدولة بمؤسساتها التنفيذية والتشريعية .
أغلب الأحزاب الدينية فشلت في مرحلة تسلم السلطة ، وقد شخص السيد الخميني (رض) هذه الحالة من عهد مبكر ، لذا أتخذ قرار حلّ الحزب الجمهوري الأسلامي الذي قاد حركة الثورة ضد الشاه ، وكان اجراؤه صحيحا وسليما ، أذ أخذ الثوار يعملون باسم الاسلام بعيدا عن الحزبية الضيقة ، وأسسوا حكومة أسلامية بأنتخابات شعبية تطبق مبادئ الاسلام العامة ، وتدعو لوحدة المسلمين بعيدا عن المذهبية أو الحزبية أو القومية ، حكومة تدعو الى العدالة والحرية والمساواة ، بعيدا عن التطرف أو العنف ، وهذا أقصى ما يستطيع فعله المسلمون ، قبل ظهور الحجة المنتظر (عج) أقامة حكومة تحترم مبادئ الأسلام العامة ولا تصادر حقوق الأنسان وحريته في العقيدة والفكر ، وهذه الأرادة الشعبية لا تتحقق الا في ظل نظام حكم رئاسي وليس برلماني ، كذلك أرى قرار سيد مقتدى الأعتزال عن ممارسة السياسة قرارا سليما بشرط أن يبقى على هذا الموقف ، لأننا شاهدنا سيد مقتدى في مواقف سابقة يتراجع عن بعض المواقف التي يتخذها


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي جابر الفتلاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/02/25



كتابة تعليق لموضوع : هل تؤيد حل الأحزاب السياسية الدينية ؟! ( 4 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net