صفحة الكاتب : علي جابر الفتلاوي

على خلفية تسليم الموصل إلى داعش ( 3 ) لماذا سقطت الموصل ؟!
علي جابر الفتلاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الموصل سقطت !هذا هو الواقع ، لكن العراقي الغيور الشريف المحب لوطنه العراق سواء كان مسؤولا في الدولة أم لا ، لا يريد أن يقر بسقوط الموصل ، والنتيجة واحدة سواء سقطت أو سُلمت هي الآن بيد داعش والبعثيين ، المواطن المحب للعراق الذي صدم بسقوط الموصل يريد أنْ يقول ، إنّ سقوط  مدينة أو بلد إنما يكون بعد قتال ودفاع ، ومثل هذا القتال لم يجرِ في الموصل ، كلام صحيح فالموصل سُلّمت خلال ساعات قليلة إلى داعش ولم تجرِ أية عمليات قتالية ، ولو كان قد جرت عمليات مواجهة حقيقية بين المكلفين  بالدفاع عن الموصل وبين داعش ومن معها من الإرهابيين الآخرين ، لما سقطت الموصل ، لكن هؤلاء المكلفين بواجب الدفاع عن الموصل ، خانوا شرفهم العسكري وخانوا وطنهم وشعبهم ولم يدافعوا عن الموصل  وبذلك أصبحوا جزءا من مؤامرة تسليم الموصل إلى داعش .

  المكلفون بالدفاع عن الموصل من جيش وشرطة وقوى أمنية أخرى لم يخوضوا قتالا ، ولن يخوضوا هذا القتال لأنهم غير مستعدين نفسيا له لأسباب كثيرة ، منها الخيانة والتآمر والأختراق للجيش والشرطة من قبل عناصر لا تدين بالولاء للعملية السياسية ، ومنها فقدان عقيدة القتال من أجل  الوطن والشرف ، إضافة إلى وجود الفساد وشيوع ظاهرة الرشوة بين صفوف بعض الضباط  من الجيش والشرطة ، هذه كلها أسباب داخلية ، وبعض هذه الأسباب مرتبط بتأثيرات خارجية ، لأنّ مؤامرة تسليم الموصل لها وجه خارجي وآخر داخلي ، أرى لو كان المدافعون عن الموصل مستعدين للقتال ضد داعش والبعثيين لن تسقط الموصل ، وعلى أقل تقدير يبقى القتال سجالا حتى تصل قوة أضافية للإسناد ، لكن كل هذا لم يحصل ، إننا الآن نقر أنّ الموصل سقطت ، مع تقديري واحترامي لمن لا يتحمل سماع هذه النتيجة المؤلمة لكن : لماذا سقطت الموصل ؟

منذ تولي أثيل النجيفي منصب محافظ الموصل بدأ العمل لتسليم الموصل إلى داعش والمنظمات الإرهابية البعثية الأخرى ، علما إنّ داعش هي الوجه الآخر لحزب البعث ، وأغلب قيادات داعش من ضباط صدام سواء في سوريا أوالعراق ، وقد ازداد نشاط داعش والدواعش لاستلام الموصل بعد أنْ تولى أسامة النجيفي رئاسة البرلمان في الدورة السابقة ، فالتخطيط لأسقاط الموصل بدأ منذ فترة طويلة ولم يكن وليد الساعة ، إنما تحديد ساعة الصفر جاء في وقت إعلان نتائج الإنتخابات الأخيرة من أجل تحقيق عدة أهداف ، منها إفشال ترشيح المالكي لولاية ثالثة بالقوة من خلال فرض سياسة الأمر الواقع ، وتغيير الخارطة على الأرض بالتعاون مع البارزاني الذي تحركت قواته مع حركة داعش وكأنهما متفقان على توقيت واحد ، فاحتل كركوك ومناطق أخرى ، فأعلن البارزاني في توقيت واحد أيضا مع إسرائيل إن كردستان دولة لا علاقة لها بالعراق ، وأنزل العلم العراقي من المناطق التي احتلها ورفع علم كردستان ، تقسيم العراق هو ما تسعى إليه إسرائيل وحلفاؤها من دول الشر في المنطقة ، ونفس هذه الدول هي من يدعم الإرهاب في العراق وسوريا .

ظهرت على مدى فترة تولي أثيل النجيفي مسؤولية محافظ الموصل مؤشرات كلها تشير إلى أن الإرهابيين والمعادين للعملية السياسية الآخرين يتحركون ويعملون في الموصل بحرية ، فيجمعون الأتاوات من الناس تحت سمع ونظر الحكومة المحلية  الأمر الذي جعل الموصل من أكبر الممولين للأرهاب في العراق ، إذ يصل الإيراد الشهري إلى ملايين الدولارات ، وقد نبّه إلى هذه الظاهرة بعض الغيارى من أبناء الموصل ، لكن لم يُتخذ أي إجراء لمنعها ، بل كان المحافظ دائما ما يكّذب مثل هذه الأخبار ويصفها بالشائعات ، فالمحافظ في مناسبات كثيرة يقف بوجه أي إجراء يدعو إلى ضبط الأمن وفرض القانون ، وطالب مرات عديدة بسحب الجيش من الموصل رغم أن الكثير من الضباط العاملين في الموصل إما مؤدلجين ضد العملية السياسية  أو باعوا شرفهم العسكري بدولارات النفط الخليجي ، وإلّا فلن يقبل للعمل في الموصل ، وفي حالة فرض الضابط الوطني الذي يدين بولائه للعراق فإنه إما أنْ يقتل من قبل المنظمات الإرهابية ، أو تُخلق له المشاكل من أجل نقله على أقل تقدير . 

  كان النجيفي لا يعترض على وجود الضباط الأكراد لأنه كان على تنسيق مع مسعود البارزاني برعاية الحكومة التركية ، وهما متفقان على إضعاف سلطة الحكومة المركزية في الموصل وإقليم كردستان ، وذكرت التقارير إنّ أكثر من ستين ضابطا كرديا خانوا شرفهم العسكري أثناء عملية تسليم الموصل إلى داعش فتركوا واجبهم والتحقوا بإقليم كردستان فاستقبلتهم سلطة الإقليم لتضمّهم إلى البيشمركة  والملفت للانتباه إنّ مسعود البارزاني تبرأ من قائد الفرقة الذهبية ( برواري ) لأنه يدافع عن العراق ويقاتل ضد داعش .

بدأ أثيل النجيفي في الأشهر التي سبقت تسليم الموصل  المطالبة بأنشاء فيدرالية المحافظات الغربية التي أطلقوا عليها إسم (المحافظات المنتفضة) ، فحركة داعش وعمليات القتل والتدمير في عرف أثيل النجيفي ومجموعته إنتفاضة ، ولا زال النجيفي حتى بعد إحتلال الموصل يسمي ما جرى (ثورة عشائرية) ، ورافق دعوة النجيفي للفيدرالية دعوة البارازاني للكونفدرالية التي لا وجود لها في الدستور العراقي ، وحسب معلوماتنا إنّ الكونفدرالية تتشكل بين دول ذات سيادة وليس بين أقاليم ، حركة النجيفي هذه مع حركة البارزاني محسوبة ومتفق عليها ولم تأت من فراغ ، فهي تمهيد لتسليم الموصل إلى داعش .

هناك عوامل موضوعية سهلت تسليم الموصل إلى داعش وحلفائها ، منها شيوع ظاهرة الفساد المالي بين عدد من الضباط من دون أن تلتفت الجهات المختصة لمعالجة هذا الداء الموروث من النظام السابق ، وهناك من الضباط من امتهن الفساد فأشاعوا ظاهرة ما يسمى ( الفضائي ) ، والجندي أو الشرطي ( الفضائي ) يتمتع بإجازة مفتوحة مقابل أنْ يدفع نسبة من راتبه ، ومثل هذا المنتسب لن يقاتل لأنه فاقد لعزيمة وإرادة القتال ، إضافة إلى أنه غير متواجد وقت الحاجة ، وظاهرة (الفضائي) لا تقتصر على الموصل فحسب بل هي مرض مستشرٍ في جميع الوحدات العسكرية من جيش وشرطة على مستوى المحافظات ، والخلل ليس في الجندي أو الشرطي بل في الضابط الذي يتعاطى الرشوة ، والرشوة الأخطر هي التي يتعاطاها بعض الضباط  من الإرهابيين مقابل غض النظر عن تحركاتهم ، أو مقابل إطلاق سراحهم عند إعتقالهم .

هناك ظاهرة موضوعية أخرى فرضت نفسها وكان لها دور في التمهيد لنكبة الموصل ، هي ضعف القضاء في الموصل ، فالقاضي هناك لا يأخذ دوره كاملا في فرض هيبة القانون ، فهو مهدد في حياته أو مشترى من جهات تخدم الأرهاب ، إنْ لم يكن بالمباشر فأن قراره القضائي مضلل من خلال أدوات التحقيق التي تسبق قرار القاضي ، تزوّر وتحرّف لصالح الجاني أو الإرهابي وهذا مما يؤدي إلى ضياع مبدأ العدالة وإفلات المجرمين من قبضة القانون ، فالقضاء مسلوب الإرادة في الموصل  والحكومة المحلية تغض النظر عن التجاوزات التي تخص المجموعات المسلحة ، بل تتعاون معها في بعض المحطات ، لذلك نسمع أصوات الأبواق المشبوهة في كثير من المرات عندما يعتقل أحد المطلوبين في الموصل أو الانبار تطالب بنقل المحاكمة الى تلك المحافظات الخارجة عن القانون ، كما حصل في قضية طارق الهاشمي وأحمد العلواني وغيرهم من المجرمين والمطلوبين .

هذان العاملان الموضوعيان ، شيوع ظاهرة الفساد المالي والإداري ، وفقدان مبدأ العدالة وغياب قوة القانون ، كان لهما الدور الكبير في التمهيد لتسليم الموصل إلى داعش ، أضافة ألى وجود بعض الضباط الخونة ممن يحملون أيدلوجية العداء للعراق ، وللعملية السياسية الجديدة .

 تشجيع حالة الفساد ، وشيوع ظاهرة التهديد للقضاة النزيهين ، وتجميع الضباط الخونة في الموصل ، كلها عوامل محسوبة ومخطط لها من قبل أطراف المؤامرة   تسليم الموصل إلى داعش وإخراجها عن سلطة الدولة يخدم أهداف المخطط الصهيوني الذي يتبناه دعاة تقسيم العراق ، والذي يدعو إليه الآن في العلن مسعود البارزاني ، إسرائيل رحبت بدعوته ، فاستقبلتها بحماس كبير ، وافصحت عن دعمها للبرزاني في إعلان دولته الكردية ، وصرح بذلك الرئيس الإسرائيلي من واشنطن  والبارزاني بدوره لم يتردد في بيع النفط العراقي المسروق إلى إسرائيل علنا ، خيوط اللعبة باتت مكشوفة والبارزاني طرف فيها ، لذا أمر ميلشياته باستغلال الظرف لاحتلال كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها ، وصرح على الفور إنّ عراق ما قبل احتلال الموصل هو غير ما بعد الإحتلال ، وأعلن كردستان دولة وأيدته على الفور إسرائيل ومعها الدول الصامتة التي تدعم الإرهاب .

سقوط الموصل مؤامرة اشترك فيها أطراف عديدة داخلية وخارجية ، وهي نكسة كبيرة أصابت الشعب العراقي ، لكن شعب العراق هو شعب الأصالة والحضارة العريقة ، ولا يمكن أن تحبط هذه النكسة آمال وتطلعات الشعب العراقي ، فالشعوب والأمم العريقة تجعل من النكسة عاملا لتحدي الظروف الصعبة وتجاوزآثارها ،وهذا نسق سايكولوجي وسيسيولوجي تخضع له جميع الأمم والشعوب العريقة ، وقد تعرض الشعب العراقي إلى نكسات في تأريخه الحضاري الطويل ، وقد تمكن من  تجاوزها وتحويلها إلى تحدٍ ومواصلة في الحياة الحرّة الكريمة ، وكان دخول المرجعية الرشيدة على الخط  لتجاوز ظروف النكبة عاملا مهما أضاف زخما جديدا  إلى عزيمة وإصرار الشعب العراقي في تصديه لأوباش داعش ومن يقف معها من الخونة والمتآمرين في الداخل والخارج  .

ويؤكد ظاهرة التحدي هذه عند الشعوب العريقة كنسق ثابت المفكر والفيلسوف العراقي الدكتورعلي حسين الجابري في كتابه ( العقل العربي ) ص 141 : 

(( منطق التحدي والإستجابة كما يقول ( توينبي ) يرى إنّ المجتمع العظيم يرد على كل التحديات الكبيرة باستجابة أكبر ، تقلب الظروف الصعبة وتحولها إلى فرصة للإبداع والنهوض والتخطي ، وهو ما أكده الإنسان العراقي في هذه الربوع ، طوال الحقب المتقدمة إلى الدولة الحديثة عام 1921 م )) . 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي جابر الفتلاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/07/14



كتابة تعليق لموضوع : على خلفية تسليم الموصل إلى داعش ( 3 ) لماذا سقطت الموصل ؟!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net