صفحة الكاتب : منشد الاسدي

أم البنات (شايلة الهم للممات)!!.. المرأة تهز المهد وتحرك العالم باليد
منشد الاسدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

منذ الصغر وأنا أستمع لكلمات أمي وقصتها مع (البنات) فقد رزقت (قبل ولادتي طبعا) بثلاث إناث في مجتمع جنوبي كانت ومازالت فيه قضية انجاب الذكور من المفاخر الاجتماعية ومصدر الاعجاب ورفعة الرأس بين الأعمام والعشيرة والمجتمع، وبما ان أجهزة (السونار) الكاشفة لم تكن قد اخترعت بعد، فقد كان والدي يراهن في كل مرة على (ولد يحمل اسمه) وسيطلق خمسين إطلاقة من بندقيته التي ادخرها لهذا اليوم، لكن في كل مرة كان يصاب بخيبة الأمل! لان الزائر الجديد (أنثى) ولم يكن يدر بخلد والدي ان هذه الأنثى ستكون في يوم ما أفضل بكثير من ذلك الذكر الذي يرجوه من الدنيا لدرجة أنه يتفاخر بين الحين والآخر أنه والد الدكتورة الفلانية، وزوجة السفير الفلاني
 لم يبق من الوقت الا أربعة أسابيع ويكون والدي على موعد مع القدر الذي تمناه بالفعل، فالمرأة التي كنت أنا في أحشائها ستحقق له حلمه أخيرا، والحق ان والدتي كانت كلما تحدثت عن هذا الأمر وقساوته كنت أشعر برغبة شديدة بالبكاء إذ كانت تتنهد ثم تبكي وتتهم (زوج العمر) بالجحود والنكران والأنانية لأنه هددها في المرة الرابعة (بالطلاق) ان لم تنجب له ذكرا هذه المرة، آه كم كنت أزدري أبي وأنا أستمع لتلك القصة كل مرة، وكم كنت أتمنى أن (أخيب) ظنه في ان أكون امتدادا لشهوته وجبروته! كان هو في قوات الجيش العراقي الخاصة (الصاعقة سابقا) ولقد نصحه أحد اصدقائه الضباط أن يعود من أربيل الى ميسان لانتظار المولود الجديد ومع يأس أبي من تغير القدر واستجابته لدعواته، والحاح صديقه وافق والدي على العودة بعد ان أخذ صديقه منه وعدا أنه لو رزق بمولود فأنه سيسميه على اسمه).
وعاد الأب بخطى متثاقلة الى ميسان، قالت أمي أنه كان ينظر اليها نظرات غريبة مع أنه كان دائم الدعوات والصلاة، وحانت اللحظة المرتقبة والقدر الموعود في ليلة شتائية قارسة البرودة، صراخ امرأة يقطع سكون الليل وصمته، ودموع تلك المرأة وترقبها للحظة الانذار بالطرد والطلاق والهجران في حالة مجيء مولود أنثى! وأي مصير كان سيكون لتلك الأنثى (الرابعة) لو انها بالفعل كانت أنثى؟ لم أشك للحظة في ان الكثير من الذين هم على هذه الشاكلة من العقلية القبلية لم يكن لديهم أدنى رادع من العودة (لوأد) البنت الرابعة أو الخامسة بعد أربعة عشر قرنا على انذار القرآن الكريم وتحذير السماء من كارثة وعقاب ما يقترفون، دوت في أرجاء البيوت وعلى امتداد الشارع الترابي (هلاهل) امرأة كانت من دون شك (جدتي لأمي) فهي دائما المرأة الأشد حزنا ربما أكثر حتى من ابنتها لتكرار انجاب البنات!
وغالبا ما كان المجتمع يلقي باللوم على المرأة لكثرة انجابها البنات، ولابد ان تكون لأمها حصة من هذا اللوم لأنها (طالعة عليها)!!
ولنا ان نتخيل شدة فرحة (الجدة) بالمولود الذكر، وبلا شعور (تصف أمي) حال والدتها بأنها كانت تطرق الأبواب وتصرخ ببكاء تبحث عن الوالد الذي كان يعيش حالة من (اليأس) وتنادي (جابت ولد، جابت ولد، قولوا له جابت ولد)!!
لقد حضر بالفعل ذلك الوالد مهرولا، والغريب انه لم يبادر الى ولده الرضيع الجديد ليقبله او يراه، بل أخرج الخمسين اطلاقة التي كانت أشبه بالاعلان ان من حق الأب الآن ان يقول بأنه (غير أبتر)!
هذه القصة التي رويتها دفعتني مرارا للبحث والتقصي عن الموضوع ولقد كنت أرى ذلك الأمر الذي حدثتني عنه أمي في الكثير من البيوت العراقية بمعنى أنه ظاهرة اجتماعية.
توقفت في محطات لبحث موضوع انجاب المرأة للبنات فقط، وقد وجدت الرد الشافي في أكثر من اجابة لعل أروعها كتاب الله العزيز الذي يقول (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) وقصد بالبنين هنا الذكور والاناث على حد سواء دون تمييز وذلك واضح أيضا في عشرات الآيات الأخرى، كذلك قول الرسول (ص) في أكثر من مورد فالنبي الآتي الى مجتمع كان يدس المرأة في التراب وهي طفلة في أيامها الأولى حاول أن يبين أهمية هذا المخلوق الذي لا تستقيم الحياة ولا تكتمل الا به فقال صلى الله عليه وآله وسلم (البنت في البيت وجودها رحمة)، وفي حديث آخر يقول «من قبل ابنته كانما أعتق رقبة من ولد اسماعيل».

البنات ضحايا الأمهات
الدكتورة شيماء عبد العزيز، أخصائية نفسية، طرحت عليها تساؤلا عن مدى تأثير الأمثال الشعبية التي تضرب عن المرأة التي لا تنجب ذكوراً من قبيل (مكروهه وجابت بنت) و(يا أم البنات، يا شايلة الهم للممات) في نفسية المرأة؟
أجابت الدكتورة شيماء: الأمثلة طبعا تضرب ولا تقاس، لكن المرأة تبقى تعيش وسط هذه الأجواء وفي دوامة صراع داخلي، وأحيانا لا تبوح لأقرب الناس لها بما تعانيه من صراعات داخلية تؤثر في تكوينها وشخصيتها وسلوكها وتصرفاتها مع الآخرين وهذا ينعكس على تصرفاتها مع الزوج او داخل الأسرة، وهي تلاحظ ان نظرة الزوج لها تتغير، خاصة عندما يقارنها بالأخريات اللاتي ينجبن الأولاد.
وتضيف د. شيماء: الذي يزيد الطين بلة ان المرأة التي تنجب بنات ينعكس هذا على (بناتها) فيصبحن غير مرغوبات بالزواج للاعتقاد السائد ان البنت تكون كأمها!! وفي غالب الاحيان نجد الزوج هو من (يجرح) زوجته بهذا الأمر بكل صراحة ووقاحة فيعيرها دائما بقوله (أنت طالعة على أمك)!! لأن والدتها لا تنجب سوى الاناث، بل الطامة الكبرى ان بعض (المثقفين) هم الذين يعيرون زوجاتهم بهذا الأمر.
وللدكتورة ايمان عطرة (أخصائية نسائية وتوليد) رأي آخر فهي تقول: ان وجود البنت يساهم في التوازن النفسي للعائلة والأسرة بل ويضفي الكثير من المودة والحياة عليها فأنا أرى العوائل التي ليس لديها بنت (تحن) الى وجود البنت، صحيح أنهم لا يفرحون بها كالمولود الذكر، لكن ليس كلهم وهؤلاء ليسوا قاعدة، بعض الأحيان تأتيني نساء يطلبن مني تحديد الجنس (أنثى) لاسيما اذا كان لديها ثلاثة أو أربعة ذكور فتراها تقول أنا اكتفيت من الذكور وأريد أنثى!! (لكن (والحديث للدكتورة ايمان) هنالك نقطة مهمة جدا لها علاقة بالصحة النفسية ففي بعض العوائل عندما يكثر عدد الاناث في العائلة فانهم يبدأون بمعاملة واحدة منهن على انها (ذكر)!! يحلقون لها شعرها ويلقبونها باسم (ذكر) ويتعاملون معها على انها ليست أنثى وهذه حالة خطيرة جدا لأن هذه الطفلة ستتغير لديها الكثير من الظواهر بل أنها ستميل للخشونة، وطريقة تعاملها أيضا تكون ميالة للأسلوب الذكوري وطريقة كلامها وأحيانا (يحدث العكس) تكون هنالك عوائل لديها أبناء فيعمدون بتطويل شعر الطفل ويلبسونه ملابس (أنثى) وهذه من الأشياء الخطيرة جدا التي يجب الانتباه اليها لأنها سترتب مضاعفات اجتماعية خطيرة على هذين النوعين من رغبة الاهل التي تأتي من غياب أحد طرفي المعادلة الإلهية في الخلق.

أمومة الذكورة.. أمومة الأنوثة..
هناك سؤال يطرح نفسه عند تتبع هذا الموضوع وهو هل الأم الحقيقية هي أم للذكور فقط ام للأناث، الدكتورة روناك توفيق (ناشطة في مجال المرأة والطفل) أجابت عن التساؤل فقالت: الأمومة هي غريزة تولد مع الأنثى، منذ ان تكون طفلة نراها تميل الى الألعاب الأنثوية، فلا تميل مثلا الى الألعاب الخشنة التي يمارسها الذكر مثل كرة القدم او الأسلحة او ماشابه ذلك، إذن هي غريزة تولد مع الانسان ذكرا كان أم أنثى، هذه لا تحدد كونها منجبة للانثى أم الذكر، بل الام أم للذكر وأم للأنثى، المرأة التي حملت تسعة أشهر وتحملت آلام الولادة ورضاعة أطفالها، هذه العوامل لا تحدد بنوعية الجنس، لا، هي تمنح هذه المشاعر للطفل ذكرا أو أنثى، ولا أعتقد ان هنالك ما يمكن أن يدفعها للتخلي عن طفلها لأنه ذكر او لانه أنثى وانما هناك عوامل تؤثر عليها نتيجة معاملة الاخرين لها تجعلها تهمل هذا الطفل وتقصر عنه من دون الباقين، لكن كغريزة أمومة لا تختلف، هي ذاتها واحدة.
السيدة ميسون علي (موظفة)، أفاضت على هذا الموضوع بل أنها هي من استوقفنا عندما كنا نتحدث من بعيد عنه فقالت، تعالوا لي! واسألوني أنا عن هذا (الهم) الذي تتحدثون عنه، أنا أم (لخمس بنات) بالفعل تمنيت أن أرزق بطفل ومازلت، المسألة لا تتعلق بزوجي تأكدوا من ذلك فهو رجل (مؤمن) ويدرك بأن الأمر (رزق) من الله لكن أنا أشعر (بالذنب) تجاهه وهذه حقيقة تدركها كل امرأة مثلي فالرجل من حقه ان يكون له ولد يحمل اسمه، أنا ألح عليه بالزواج دائما، ودائما تأتي إجابته، ومن قال ان التي أتزوجها ستنجب لي ذكرا (العلم عند الله سبحانه) تضيف السيدة ميسون: نفتقد للمولود الذكر دائما فلوجوده في البيت طعم خاص، البنات ستذهب يوما ما سيتزوجن تباعا ولن يبقى غيرنا نحن الاثنين في البيت، بل لن يكون لنا أحفاد حتى!
هذه النظرة التشاؤمية لم ترق للسيد سعد كريم، رئيس قسم التمريض في مستشفى الكاظمية التعليمي الذي قال:
ان المرأة هي أم الأنبياء هي أم عيسى (ع) وأم رسولنا العظيم (ص) والأئمة الأطهار وهذا الكلام لا ينطبق على مجتمعاتنا الاسلامية وان القرآن الكريم يمقت بشدة هذه النظرة التي تتعارض مع نظرة السماء للمرأة، المرأة هي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين، المرأة هي نسيبة الأنصارية التي أينما كان يلتفت الرسول (ص) يجدها خلفه في حروبه وغزواته، المرأة هي التي تهز المهد بيد، وتهز العالم باليد الأخرى، ثم من قال ان جنس الجنين تحدده الوراثة.. هناك عوامل عدة تشترك في هذا الأمر وأهمها قدرة الله ومشيئته سبحانه ولابد من الايمان بهذا القدر.
ويضيف: المولد الذكر مرغوب وفي بعض الأحيان مطلوب وهذه سنة الحياة، لكن اذا لم يشاء الله ذلك فلا اعتراض عليه، أحيانا يرزق الانسان بذكر يكون (سبة) له في الدنيا ومصدر شقاء وعذاب ولعنةَ! لقد ورد ذلك في القرآن الكريم حينما قام (الخضر) بقتل طفل ذكر ما تسبب في استغراب نبي الله موسى (ع) وعندما قال له لقد قتلت نفساً بغير حق أجابه الخضر ان له ابوين صالحين وخشينا ان يرهقهما طغيانا وكفرا وإلا ماذا كان سيقدر لهذا المولود لو لم يقتله الخضر بأمر الله؟
ان هذه النظرة (للمرأة) التي تنجب اناثا ستظل هي هي في كل المجتمعات! هذا ما توصلنا اليه، لكنها (قد) تتفاوت من عصر لآخر ومن مجتمع لآخر ومن أسرة لأخرى، وهنا يؤدي الدين ورجل الدين دورا فاعلا في هذه القضية، لقد أطلق أحد الذين تحدثنا معهم عبارة (المجتمع الاسلامي محصن) ضد هذه الظاهرة، ومع ان الجملة ليست واقعية دائما، لكن على العموم هنالك احترام للمرأة سواء أنجبت ذكرا أم أنثى وتأكيد القرآن الكريم دائما على الايمان بما يرزق الله سبحانه وتعالى وهذا يعمل أيضا على التقليل من معاناة المرأة التي ليس لديها ولد، ومع انني أعرف شدة ايمان (والدي) كغيره من المسلمين المؤمنين لكني طالما سمعت منه تعليقا لا أحبه عن كثرة الاناث عند بعض العوائل! بل حتى والدتي التي طالما (تذمرت) من القضية، ما ان سمعت ببنت (جيراننا) التي رزقت بطفل صباح أحد الأيام حتى سمعتها تقول: خطية جابت بنية.

منشد الاسدي

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


منشد الاسدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/04/14



كتابة تعليق لموضوع : أم البنات (شايلة الهم للممات)!!.. المرأة تهز المهد وتحرك العالم باليد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net