صفحة الكاتب : د . علي مجيد البديري

البيان ما قبل الأخير سميح القاسم : الإنسان أولاً
د . علي مجيد البديري

    لم يكن سميح القاسم مبالغاً في جوابه عن سؤال محاوره فيما يخص هيمنة البعد الإنساني على أبعاد الخطاب الأخرى في قصائده المقاومة، حين قال أنا مؤسس نظرية أنسنة العدو في الشعر مشيراً إلى نص قديم كتبه في بداية تجربته الشعرية عن جندي عربي يقول عن عدوّه: ((بادلتُه تبغًا بماء)). 

     لقد كانت حركة الإنسان في شعر سميح القاسم دائمة ، حتى حين تخفق الأشياء في محيطه في أن تكون فاعلة  أو نابضة بالحياة ، فعبر الإنسان تمر الأمكنة وتتشكل ملامحها ، وهو من يمنح الزمن هويته ويرسم حدوده ، وتصير إرادته قطباً محركاً للحياة .. وفي بعض صور الاستلاب التي يعيشها الإنسان قسراً وظلماً تتعدى وظيفة الانسان في قصائده حدود تجسيد الألم ووحشية المحو التي يقاسيها وإبرازه لهذه المعاناة إلى فعل التغيير ، فهو الإنسان وما عداه أدنى منه وجوداً وفاعلية وحضوراً . وإن مساحة حضوره متسعة ، تبدأ من العلاقة مع الذات ، وتتوزع بين الآخرين والأشياء بلا حد أو نهاية . فالآخر متعدد ، ممتد يمتلك تاريخا ومدى يحدد هويته ، وكذلك الشيء.  وإنسان قصائد القاسم يحاور مفردات هذا المحيط ويتفاعل معها. 

    حرصت قصائد سميح القاسم على الارتقاء بصوت الإنسان وإعلائه قوةً مؤثرةً , وفي الوقت الذي يقتحم الرعب القادم بصورة قوةٍ سلطوية وجودَ الإنسان محاولة مسخه وتعطيله وتجريده من إنسانيته ، يلجأ الإنسان إلى مقاومته بالأمل والحلم الجميل كأضعف أداة يمكن أن يستعملها الأعزل المحاصر ، فيرسم الحياة البديلة لواقع يحتضر ، و طالما نجحت مهمته في ذلك ، ولم يقف عاجزاً أمام هوة التضاد ما بين صور الموت / صور الحياة ، .. صورة الوطن المستلب تحاول أن تؤكد حضورها على الرغم من فعل التشويه والتنكير الذي يمارسه العدو .. يكون الوطن لساناً ناطقاً قبالة الإسكات ، على وفق دلالة يكون فيها فم الوطن ثباتاً واستمراراً عبر اللغة / الهوية:

((فإن طريقنا الممتد / الى أروع ما في الغد / يجوبُ مفاوز الميراث من مولدنا الماضي / ويصعد.. عبر انقاضِ / يقبّل كل نصب المجد بين مقابر الاجداد / ويتركها.. بلا ميعاد!))

   كلمة الإنسان تنفتح على وجوه المقاومة ، المقاومة بما هي تأكيد لإنسانيته ، فهي لا تعترف بالطارئ من الصفات والأحوال كالقومية والعرق والطائفة : 

((في كفي دفء من كفك / في قلبي صوتك (إني في صفك)/ وهتافك (إني معكم يا إخوتي الشرفاء) / قسماً بالشمس / معاً سنفك من الأسر الدامي الشمسا)) 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . علي مجيد البديري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/08/25



كتابة تعليق لموضوع : البيان ما قبل الأخير سميح القاسم : الإنسان أولاً
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net