صفحة الكاتب : احمد كاظم الاكوش

قراءة نقدية - تاريخية لكتاب (عمر والتشيع) للاستاذ حسن العلوي (6)
احمد كاظم الاكوش

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 الدرة العمرية.
يتطرق الأستاذ العلوي إلى موضوع ذا صلة بحياة الخليفة عمر, وهو من المواضيع المهمة ومن الأمور التي يجب ذكرها لكل من تطرق إلى حياة الخليفة عمر, وهو موضوع (الدرة) أو (الدرة العمرية) التي لازمت الخليفة إلى زمن وفاته فكان لا يتركها ولا يستغني عنها..
وبطبيعة الحال من يساير حياة الخليفة عمر أو من يكتب عنه وعن حياته فانه لا يستطيع أن يتعدى مسالة الدرة العمرية أو يجتازها لما لها من أهمية وخصوصية في حياة الخليفة, وهذه الخصوصية أو الأهمية لم تأتي اعتباطا, وإنما جاءت ملازمة لحياته بملازمة الخليفة لها, فتجد المؤرخون - كل المؤرخين والمحدثين بالإجماع- ينصون على أن الخليفة عمر هو أول من اتخذ الدرة للضرب.
لذا فان الأستاذ العلوي لم يستطع أن يجتاز بعض المراحل المهمة من حياة الخليفة من دون أدنى ذكر, لذا فقد  أشار إلى هذا الموضوع ولكن كعادته حينما ينسج الخيوط ويصففها لسرد حياة الخليفة عمر, ومن ثم يؤل ما لا يجد له تأويل حسب مفهومه الخاص المخلوط بشيء من الترهات, وهو الحال نفسه أن لم يجد مبرر يبرر به ما يزين له ما يراه قبيحاً.
ولكن التاريخ يحاصره والوثائق محاطة به فهو بين أمرين, إما أن يترك الحقائق ويتعمد عدم ذكرها, وهو غير ممكن. أو يذكر الحقيقة كما هي وهو مما لابد منه, وذكر الحقائق مما لا يَنصب مع ما يريد إلا أن يزين تلك الحقيقة ويبرقشها لكي تصبح في غاية الجمال أمام الناظرين, حتى وان كانت في غاية السماجة والبشاعة!!.
أن وصف الأستاذ العلوي لدرة عمر بأنها غصن البان.. غصن رمان.. عصى المايسترو.., أو غيرها من الصفات هو مما لا ينسجم مع ما يقوله التاريخ أو الحديث أو أهل اللغة.. ولم أجد على حد تتبعي معنى لما يقوله الأستاذ العلوي!!.
يقول الأستاذ العلوي في وصفها (أن درة عمر تشبه الإشارات الضوئية في أيامنا في تنبيه المارة إلى حق الحركة والتوقف).( أما أن يكون عمر إذا ضرب أوجع، فهو غير صحيح، إلا إذا كان الضرب أقامة لحد، وهو متروك لغيره عادة. أما أن تقصد الشفاء درة عمر فلم تكن توجع، ولهذا عرفت في استخدامها جملة (علاهم بالدرة) أو (خفقهم). ولم تستخدم الدرة للإيذاء والايجاع أو للعقوبات، بل كانت عصا الإشارة والتنبيه فلم يضق بها كبار الصحابة الذين علاهم بها).
ويقول العلوي في موضوع خصصه في كتابه بعنوان شطحات الدرة: (درَّة عمر ليست آلة للقمع ولا عصا للإهانة، ولاهي مما يسميه العسكريون بعصا التبختر المضغوطة تحت الإبط بين ذراع الرجل وجنبه، وإنما هي كما نكرر القول شطبة من غصن رمان على الأكثر، أخذت اسمها من وظيفتها الأولى، حينما كانت تستعمل لمداعبة فخذ الحصان لحثه على الإسراع وملامسة ضرع الناقة أو البقرة لكي تدر حليبها فسميت بالدرة. ومعنى هذا أنها لا تصلح للإيذاء والإيجاع، لكنها عندي أداة إشارة وتنبيه لغافل أو لمخالف، فكأنها تتحرك مثل عصا المايسترو على مسرح الأوبرا في توزيع هارموني، لا يعلوه صخب، ولا لغو من القول، ولا استخفاف بالآداب، ولا طفيف من الخروج على المقبول الاجتماعي، والديني. أما ما زاد على ذلك فهو من مهمة من سينفذ القصاص جلداً بالسوط أو بعصا العقاب. وإلا ما كان لعمر أن يخفق بها كبار الصحابة، ومنهم المبشرون بالجنة، ولم ير فيها المخفوق إهانة أو أذى يوجع الجسد والنفس).
ولكي نتعرف على حقيقة ما يقوله الأستاذ العلوي فلابد من الرجوع إلى التاريخ ليكون هو الفيصل بين القول والتقول.. ويكون حديثنا من جهتين:
الجهة الأولى: هل كانت الدرة هي كما يصفها العلوي (شطبة من غصن الرمان, أو غصن البان, أو...) أم هي خلاف ذالك؟!.
الجهة الثانية: إذا ثبت أنها خلاف ما قاله العلوي, فهل صحيح أن المخفوق بها لم يرى اهانة أو أذى  يوجع الجسد والنفس؟!.
جواب الجهة الأولى:
الدرة: بكسر الدال المهملة التي يضرب بها. قال المنذري: الدرة بكسر الدال المهملة وتشديد الراء المهملة وفتحها هي التي يضرب بها.. وتسمى أيضاً (الطبطبية الطبطبية الطبطبية) بفتح الطائين المهملتين بينهما باء موحدة ساكنة وبعد الثانية مثلها مكسورة ثم ياء مشددة ثم تاء التأنيث ، يحتمل وجهين أحدهما أن يكون أرادت به حكاية وقع الأقدام أي يقولون: بأرجلهم طب طب والوجه الآخر أن يكون كناية عن الدرة لأنها إذا ضرب بها حكت صوت طب طب وهي منصوبة على التحذير كقولك الأسد الأسد أي احذروا الطبطبية . كذا في المنذري والخطابي.
وهي نفسها المخفقة, قال الجواهري وابن الأثير: والمخفقة: هي الدرة التي يضرب بها. و خفقة خفقا من باب ضرب إذا ضربه بشيء عريض كالدرة.
قوله بمخففة: بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الفاء بعدها قاف هي الدرة التي يضرب بها.
قال بن كثير: وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا رأى صبيانا يلعبون في المسجد ضربهم بالمخفقة وهي الدرة...
وقال الدميري: وفي حفظي من شيخنا أنها كانت من نعل رسول الله، وأنه ما ضرب بها أحدا على ذنب وعاد إليه.
جواب الجهة الثانية:
وقال [أبو عبيد]: في حديث عمر رضي الله عنه حين أتاه سلمان بن ربيعة الباهلي يشكو إليه عاملا من عماله قال: فأخذ الدرة فضربه بها حتى أنهج. قال الكسائي: قوله: أنهج، هو النفس والبهر الذي يقع على الإنسان من الإعياء عند العدو أو معالجة الشيء حتى يبتهر.
وعن ميمون بن مهران: إن رجلا من الأنصار مر بعمر بن الخطاب وقد تعلق لحما فقال له عمر: ما هذا؟ قال: لحمة أهلي يا أمير المؤمنين! قال حسن. ثم مر به من الغد ومعه لحم فقال: ما هذا؟ قال: لحمة أهلي. قال: حسن. ثم مر به اليوم الثالث ومعه لحم فقال: ما هذا؟ قال: لحمة أهلي يا أمير المؤمنين! فعلا رأسه بالدرة ثم صعد المنبر فقال: إياكم والأحمرين: اللحم والنبيذ فإنهما مفسدة للدين متلفة للمال.
قال الأميني: هذا فقه عجيب لا نعرف مغزاه، قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، ولا يجتمع مع ما جاء عن النبي الأعظم من قوله سيد الإدام في الدنيا والآخرة اللحم، وسيد الشراب في الدنيا والآخرة الماء.
وما جاء في صحيحة عن ابن عباس من أن رجلا أتى النبي فقال: يا رسول الله إني إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء وأخذتني شهوتي فحرمت علي اللحم فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا.
وعلى تقدير الكراهة في إدمان أكل اللحم فهل أكله يومين متواليين أو ثلاثة متوالية من الادمان؟ وهل يستتبع ذلك التعزير بالدرة؟ وهل يبلغ مفسدته مفسدة النبيذ المحرم فكان لذته مفسدة للدين ومتلفة للمال؟ ولو أخذ بهذا الرأي في أجيال المسلمين لوجب أن لا تهدأ الدرة في حال من الأحوال.
قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة. قال عمر بن ميمون: شهدت عمر يوم طعن . . فكنت في الصف الذي يليه وكان عمر لا يكبر حتى يستقبل الصف المتقدم بوجهه فإن رأى رجلا متقدما من الصف أو متأخرا عنه ضربه بالدرة فذاك الذي منعني من التقدم.
عن سعيد بن أبي هلال أن كعبا مر بعمر وهو يضرب رجلا بالدرة فقال كعب على رسلك يا عمر فوالذي نفسي بيده إنه لمكتوب في التوراة ويل لسلطان الأرض من سلطان السماء ويل لحاكم الأرض من حاكم السماء فقال عمر إلا من حاسب نفسه فقال كعب والذي نفسي بيده إنها لفي كتاب الله المنزل ما بينهما حرف إلا من حاسب نفسه.
وقد استعمل عمر أبا هريرة على البحرين حوالي سنة 21 ه‍ ثم بلغه عنه أشياء تخل بأمانة الوالي العادل، فعزله، واستدعاه وقال له: هل علمت من حين أني استخلفتك على البحرين وأنت بلا نعلين، ثم بلغني أنك ابتعت أفراسا بألف دينار وستمائة دينار. فقال: كانت لنا أفراس تناتجت، وعطايا تلاحقت! قال: قد حسبت لك رزقك ومؤنتك وهذا فضل فأده. فقال له: ليس لك ذلك. فأجابه عمر: بلى والله وأوجع ظهرك، ثم قام إليه بالدرة فضربه حتى أدماه.
وهذا الامر غير خفي وقد بلغ حقد الناس وكرههم له مبلغا كبيرا، فقد ذكروا أنه وبينما هو جالس في المسجد. بعيد وفاة أبي بكر، إذا برجل أتاه فقال، يا أمير المؤمنين، أدنوا منك فإن لي حاجة ؟ قال عمر: لا قال الرجل، إذا أذهب فيغنيني الله عنك، فولى ذاهبا، فأتبعه عمر ببصره، ثم قام فأخذه بثوبه، فقال له، ما حاجتك؟ فقال الرجل: بغضك الناس، وكرهك الناس، قال عمر: ولم ويحك ؟ فقال الرجل : للسانك وعصاك.
ومن مواقف تلك الدرة القاضية على الباكيات ما أخرجه الحافظ عبد الرزاق عن عمرو بن دينار قال: لما مات خالد بن الوليد اجتمع في بيت ميمونة نساء يبكين فجاء عمر.. فكان يضربهن بالدرة فسقط خمار امرأة منهن فقالوا: يا أمير المؤمنين خمارها. فقال: دعوها فلا حرمة لها. وكان يعجب من قوله: لا حرمة لها.
ولما توفى أبو بكر أقامت عليه عائشة النوح فأقبل عمر بن الخطاب حتى قام ببابها فنهاهن عن البكاء على أبى بكر فأبين أن ينتهين فقال عمر لهشام بن الوليد ادخل فأخرج إلى ابنة أبى قحافة أخت أبى بكر فقالت عائشة لهشام حين سمعت ذلك من عمر إني أحرج عليك بيتي فقال عمر لهشام ادخل فقد أذنت لك فدخل هشام فأخرج أم فروة أخت أبى بكر إلى عمر فعلاها الدرة فضربها ضربات فتفرق النوح حين سمعوا ذلك.
وعن سعيد بن المسيب قال: خرجت جارية لسعد، وعليها قميص جديد، فكشفها الريح، فشد عمر عليها بالدرة، وجاء سعد ليمنعه فتناوله بالدرة، فذهب سعد ليدعو على عمر، فناوله الدرة وقال: اقتص، فعفا عن عمر.
وأخرج ابن سعد عن سعيد قال: دخل معاوية على عمر بن الخطاب وعليه حلة خضراء فنظر إليه الصحابة فلما رأى ذلك عمر قام ومعه الدرة فجعل ضربا بمعاوية ومعاوية يقول: الله الله يا أمير المؤمنين! فيم فيم؟ فلم يكلمه حتى رجع فجلس في مجلسه فقالوا له: لم ضربت الفتى ؟ وما في قومك مثله. فقال: ما رأيت إلا خيرا وما بلغني إلا خير ولكني رأيته وأشار بيده يعني إلى فوق فأردت أن أضع منه ما شمخ.
ومن خلال ما تقدم من الروايات والأحداث التي نقلها المؤرخون يتضح أن تلك الدرة التي يتحدث عنها الأستاذ العلوي ويقول بأنها لم تستخدم للإيذاء والايجاع أو للعقوبات، بل كانت عصا الإشارة والتنبيه.. هو كلام غير واقعي ولا اعلم لماذا يجمل الأستاذ تلك الدرة بعدما بين المؤرخون حقيقتها وحقيقة صاحبها, كيف لم تكن للإيذاء والايجاع  وقد أدمى أبي هريرة من ضربه بها, وقد انهج احدهم منها ... إلى غير ذالك.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


احمد كاظم الاكوش
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/09/27



كتابة تعليق لموضوع : قراءة نقدية - تاريخية لكتاب (عمر والتشيع) للاستاذ حسن العلوي (6)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net