صفحة الكاتب : عبد الزهره الطالقاني

باني ايران .. وباني الهند
عبد الزهره الطالقاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لاشك ان لكل من شخصية الامام الخميني رحمه الله ، والزعيم الهندي المهاتما غاندي اثرهما البالغ في بلديهما من خلال بناء كيانين قويين يمتلكان اسباب الاستمرار والديمومة .. فكانت ايران بعد ثورة 1979 دولة حديثة بدأت اولى مشاويرها في بناء بلاد متطورة وقوية على انقاض دولة الشاه ، وهكذا الهند ، فرغم انها بلد صغير في موارده المادية ، وكبير في عدد نفوسه الذي قارب المليار نسمة ، الا انه يتمتع بنظام سياسي مستقر ادى الى تطور علمي مذهل.
وفي ايران فان الاكتفاء الذاتي وعدم الاعتماد على الغير مبدأ اعتمد منذ زمن طويل ، بحيث ان الزراعة والصناعة الايرانيتين تغطيان الحاجة المحلية ويصدر الفائض الى الخارج ، لذلك فان ايران لم تتاثر بالحصار الذي فرض عليها من قبل امريكا وحلفائها. فمن زار ايران واطلع على الاوضاع الداخلية والاستقرار والتطور الواضح في المجالات كافة يشعر انه امام تجربة معاصرة جديرة بالاحترام ، ومع ان حجم العداء لايران يمتد من صحراء نجد وحتى صحراء نيفادا مرورا بالصحراء الغربية ، الا ان الحقيقة على الارض تشير الى كذب وزيف مايدعي هؤلاء واولئك ، سواء كانوا في الخليج العربي ام شمال افريقيا ، ام اولئك الذين يعانون من عقدة ايران في العراق والاردن ولبنان ومصر.
وما دمنا في مجال استعراض الجانب الاول من هذه المقارنة ، فلابد لنا من تسليط بعض الضوء على شخصية السيد روح الله الخميني ، الذي قاد الثورة دون ان يسعى الى منصب سياسي او مكسب مادي .. فلم يكن الرجل بعد بعد الثورة رئيساً للجمهورية الاسلامية ، ولم يستلم أي منصب سياسي اخر ، بل كان مرشدا ودليلا وعينا للثورة حتى لا تخرج عن مسارها الصحيح ، ولم يتقاض راتباً من الدولة ، وغادر الحياة الدنيا دون ان يمتلك بيتاً من الدولة ، وعاش طوال الفترة التي اعقبت انتصار الثورة وحتى وفاته في بيت مساحته (80 مترا فقط) وسط طهران ، وكان هذا البيت مؤجرا وتم اختياره لقربه من الحسينية التي كان يؤدي الصلاة فيها.
وقد تسنى لي زيارة هذا البيت عندما كنت ضمن وفد ثقافي زار طهران ،  فوجدت انه بيت غاية في البساطة ويحتوي غرفة واحدة وباحة ، واطلعت على الاثاث البسيط جداً ، وكان يستقبل فيه كبار الساسة والزعماء والرؤساء الذين يزورون ايران لاغراض شتى ومن مختلف انحاء العالم . كان السيد الخميني رحمه الله يعيش من وارد ارض له في المحافظة الايرانية التي ولد فيها وبقي عليه حتى وفاته ، هذا الرجل الذي خرج من الدنيا بثوبه الذي عليه بنى احدى الدول العظمى في الشرق الاوسط وشرق اسيا .. ان وجه المقارنة بين السيد الخميني (رحمه الله) وغاندي كونهما زهدا عن الدنيا ، وانهما صاحبا مبدأ ، وانهما قائدان تأريخيان ، لم يعمدا الى العنف وسيلة في الوصول الى غاياتهما واهدافهما .. وانهما تركا اثراً طيبا بين ابناء شعبيهما ، كان له السبق في تنظيم صفوف الشعبين للانتقال الى مرحلة جديدة في ايران من مرحلة الشاهنشاهية وحكم الفرد الواحد ، الى نظام ديمقراطي اسلامي يقوده اسلاميون متنورون .
 وفي الهند تم تحرير البلاد من الاستعمار البريطاني بعد ان اثبت الشعب الهندي جدارته في قيادة بلاده وابعاد الاجنبي عنها.
ولد زعيمها غاندي في ولاية بوربندر في غوجارات الهندية من عائلة محافظة لها باع طويلة في العمل السياسي ، حيث شغل جده ومن بعده والده منصب رئيس وزراء امارة بوربندر ، وامضى طفولة عادية ، ثم تزوج وهو في الثالثة عشرة من عمره بحسب التقاليد الهندية ورزق باربعة اولاد. درس القانون في لندن واكتشف المسيحية هناك ، وقرأ الانجيل بتمعن شديد مستلهماً منه دروساً ومواعظ كثيرة في الاخلاق وفي السياسة ، في عام 1893 كان غاندي في جنوب افريقيا وتعرض الى حادث تمييز عنصري دفعه الى النضال من اجل حقوق الهنود الذين كانوا كثيرين في جنوب افريقيا في ذلك الوقت ، ودعا الى النضال بالطرق السلمية واسس حزباً واصدر جريدة حملت اسم "رأي الهند" .
وتتخذ سياسة اللاعنف التي اتبعها غاندي عدة اساليب لتحقيق اغراضها ، منها الصيام والمقاطعة والاعتصام والعصيان المدني، وكان غاندي يقول "ان اللاعنف هو اعظم قوة متوفرة للبشرية .. انها اقوى من اي سلاح دمار صنعه الانسان" .
فقد تميزت مواقف غاندي من الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية بالصلابة المبدئية التي لاتلغي المرونة التكتيكية .. لقد تحدى غاندي القوانين البريطانية التي كانت تحصر استخراج الملح بالسلطات البريطانية ، ما اوقع هذه السلطات في مأزق ، وانتقل الى المعارضة المباشرة للسياسة الاستعمارية وطالب بمؤتمر دولي للاستقلال التام للهند .. هذا المؤتمر الذي اصبح فيما بعد حزبا عريقاً قاد الهند الى الاستقلال ووضع برامج واسعة للتنمية والتطوير وتخفيض نسبة الفقر.
ان كلا من السيد الخميني وغاندي بشر مثل بقية البشر لم يرقيا الى منزلة الملائكة ، لكنهما في مسيرتهما وحياتهما كانا مثالين رائعين للانسان الذي يتمسك بمبادئه ويترك كل مادون ذلك في سبيل بناء بلده .
 
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الزهره الطالقاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/11/09



كتابة تعليق لموضوع : باني ايران .. وباني الهند
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net