المذهب المحاسبي الحكومي في الاسلام أطروحة جديدة في بناء محاسبة اسلامية معاصرة
د . رزاق مخور الغراوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . رزاق مخور الغراوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى: علي ابن عمه، وصهره، والأئمة الأحد عشر من ولده، أولهم: السبط الأكبر: الحسن المجتبى، وآخرهم: الإمام الهادي المهدي:الحجة بن الحسن العسكري جعلنا الله من أعوانه، وأنصاره، والمحامين عنه.
وبعد :-
إن للمحاسبة الحكومية دور كبير في مجال تنظيم وحماية وحفظ أموال الدولة والممتلكات العامة من خلال تنظيم العمل المالي والمحاسبي للحكومة وإحكام الرقابة عليه، ولكن لغرض تحقيق ذلك بكفاءة وفاعلية فإن العمل المحاسبي الحكومي لابد أن يستند على نظام محاسبي متقن يضمن تحقيق تلك الأهداف ، والنظام المحاسبي الفعال في مجتمع ما هو النظام الذي يتكيف ويتشكل ويتوافق مع أهداف ومفاهيم ومبادئ ذلك المجتمع، لذلك يعتقد إن اعتماد المبادئ والنظم المحاسبية من مجتمعات معينة وتطبيقها في مجتمعات أخرى تختلف عنها عقائديا وثقافيا واجتماعيا وحضاريا يقلل من هذه الكفاءة والفاعلية، وقد أثبتت الدراسات المحاسبية والتي أقر بها المختصون بمهنة المحاسبة في الدول الغربية والولايات المتحدة قبل غيرها ، أقروا أن المحاسبة من النظم الاجتماعية المفتوحة التي تؤثر وتتأثر بشكل مباشر وغير مباشر بالمجتمع والبيئة اللتين تحيطان بها هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن التراث الإسلامي يزخر بالكثير والعديد من الأفكار والمفاهيم والأسس والقواعد والمعايير والأحكام التي يمكن استخدامها أو صياغتها لبناء إطار فكري محاسبي إسلامي، يمكن تطبيقه في المجتمعات الإسلامية التي تختلف عن المجتمعات الغربية والشرقية على حد سواء عقائديا وثقافيا وحضاريا.
ومن هنا فإن هاتين المشكلتين أي وجود خصوصية للنظام المحاسبي في أي مجتمع من المجتمعات ، وكذلك ابتعاد الحكومات الإسلامية عن التراث الإسلامي والجهل بالأحكام التشريعية التي جاءت بها رسالة الإسلام الخالدة التي تناولت فيها مختلف الجوانب والتنظيمات الحياتية والاجتماعية للإنسان، قد أديتا - أي المشكلتان-إلى وجود قصور كبير في النظام المحاسبي (الحكومي) في المجتمعات الإسلامية ، لكون ذلك النظام لا يتميز بخصوصية لأنه في مجتمع إسلامي له معتقدات وثقافة وتقاليد وأعراف معينة ، ولكون ذلك النظام يفتقر وقد لا يحتوي على مفاهيم وأفكار ومبادئ الإسلام الحنيف، التي يعتقد أنها منشأ ومصدر لمعظم القواعد والمعايير المحاسبية المعاصرة المعمول بها في الوقت الحاضر.
من ذلك نرى ضرورة وأهمية دراسة المعايير المحاسبية الحكومية في التشريع الإسلامي ، ولعدة أسباب أهمها : أن المحاسبة الحكومية في أي مجتمع ترتبط ارتباطاً مباشراً بالقانون والتعليمات والتشريعات الصادرة من حكومة ذلك المجتمع، ومن ثم فأن المحاسبة الحكومية في المجتمع الإسلامي منطقيا لابد أن ترتبط بالقانون الإسلامي (التشريع الإسلامي)، ولكون إن هذه المعايير إسلامية فهي تتناسب وتتوافق مع عقيدة وثقافة وتقاليد وحضارة المجتمع الإسلامي، علاوة على ذلك كله فأن مصدر تلك المعايير هو التشريع الإسلامي الذي يفترض بنا كمجتمع إسلامي أن نستند عليه في أمور حياتنا المختلفة ونطبقه بحكم اعتقادنا بالإسلام ومسؤوليتنا أمام الله تعالى ، وعملية التطبيق هذه إنما تدل على أصالة المسلمين واستقلالهم في تشريعاتهم المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
وعليه فإن الكتاب الحالي يقوم بتسليط الضوء على المحاسبة الحكومية في التشريع المالي الإسلامي ، وبخاصة فيما يتعلق بالآتي:
1.معايير المحاسبة الحكومية(المعاصرة): ويكون ذلك من خلال دراسة المحاسبة الحكومية في الإسلام تاريخيا وتشريعيا ،وبالأخص فيما يتعلق بمعايير المحاسبة الحكومية ،في محاولة لتأصيل معايير المحاسبة الحكومية المعاصرة على وفق النظام المحاسبي الإسلامي،ومن ثم بناء الأطروحة الجديدة وهي المذهب المحاسبي الحكومي الإسلامي.
2. أن النظام الإسلامي نظام واسع يحتوي على مجموعة كبيرة ومتنوعة من المفاهيم والمبادئ والأسس والأهداف والمعايير والأحكام ذات العلاقة بالعمل المحاسبي الحكومي وأنه – في الوقت ذاته- نظام مرن يستطيع أن يستوعب التغييرات والتطورات الحضارية الحالية والمستقبلية ، ويضع الحلول والمعالجات المناسبة لها لذا يمكن اعتباره مصدر علمي مهم لبناء وصياغة مذاهب محاسبية أخرى لها آصاله اسلامية مرتبطة بالمحاسبة الحكومية –حسب علمي-مثل محاسبة الزكاة والخمس ومحاسبة الخراج ومحاسبة الأوقاف ومحاسبة المواريث، الا انها تحتاج الى تطوير وصياغة جديدة بما يتوافق مع متطلبات العصر لذلك سوف نسلط الضوء على هذه المحاسبات بعتبارها جزء مهم من التشريع المالي الاسلامي ثم بناءها وفق اطروحة جديدة ومتطورة بما يتلائم مع الواقع فضلا عن ان الدولة الاسلامية لها السلطة التشريعية والتنفيذية في الاعم الاغلب عليها .
ويقع الكتاب في ثلاثة أبواب كانت على النحو التالي:
الباب الأول :"المحاسبة الحكومية في المذهب المحاسبي الاسلامي"وفيه ثلاثة مباحث
المبحث الاول:الاطار العام للمحاسبة الحكومية.
المبحث الثاني:المحاسبة الحكومية في التشريع المالي الاسلامي.
المبحث الثالث:المذهب المحاسبي الحكومي الاسلامي(الاطروحة الجديدة للبحث).
الباب الثاني:"محاسبة الميراث في المذهب المحاسبي الاسلامي"ويحتوي على مبحثين
المبحث الاول:الاطار العام لمحاسبة الميراث.
المبحث الثاني:بناء محاسبة الميراث وفق المذهب المحاسبي الاسلامي(الاطروحة الجديدة للبحث).
الباب الثالث:"محاسبة الاوقاف في المذهب المحاسبي الاسلامي".ويتفرع الى مبحثين
المبحث الاول:الاطار العام لمحاسبة الاوقاف.
المبحث الثاني:بناء محاسبة الاوقاف وفق المذهب المحاسبي الاسلامي(الاطروحة الجديدة للبحث).
لقد حاولنا من خلال مفردات هذا الكتاب الاحاطة بالشمولية اللازمة بموضوعات علم المحاسبة الحكومية وعرضها بطريقة مبسطة مشفوعة بالعمق والاتساع المعرفي المطلوب فضلا عن ذلك فاننا أضفنا الى ما هو مطروح في هذا المجال معرفة اضافية –الاطروحة الجديدة للبحث-تحت عنوان المذهب المحاسبي الاسلامي،تجعل هذا العمل في مقدمة الاعمال التي كتبت ونشرت في هذا المجال،آملين تحقيق الفائدة المرجوة من هذا الجهد الفكري المتواضع،لتوفير القناعة العلمية النسبية للمختصين وطلبة العلم.
عسى أن نكون قد وفقنا في مسعانا هذا ومن الله التوفيق
الباب الأول
المحاسبة الحكومية في المذهب المحاسبي الاسلامي
مقدمة الباب
المبحث الاول:الاطار العام للمحاسبة الحكومية
المبحث الثاني:المحاسبة الحكومية في التشريع الاقتصادي الاسلامي
المبحث الثالث:المذهب المحاسبي الحكومي الاسلامي(الاطروحة الجديدة للبحث)
مقدمة الباب:
للمحاسبة الحكومية دور مهم وبارز في حياة المجتمعات المعاصرة من حيث دورها في إدارة الأموال العامة ، وحفظها وصيانتها ، فضلا عن صياغة السياسات المالية وتنفيذها للمساهمة في تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية لتلك المجتمعات، وتمتاز المحاسبة الحكومية عن غيرها من مجالات المحاسبة في أنها محاسبة لحكومة معينة أو لدولة معينة ،فهناك ارتباط وثيق بين المحاسبة الحكومية والقوانين والتشريعات واللوائح المالية للدولة المعنية ،مما يتطلب ضرورة أن يتلاءم ويتوافق نظام المحاسبة الحكومية مع تلك القوانين والتشريعات لكي تقوم بدورها بفعالية وكفاءة،لذا فإنه يعتقد إن المجتمع الإسلامي بحاجة إلى محاسبة حكومية إسلامية تتناسب وتتوافق مع تشريعات وأحكام التشريع الإسلامي الذي يعتبر دستور المجتمع الإسلامي ،وفي هذا الباب سيتم التطرق إلى الإطار العام للمحاسبة الحكومية ،من حيث مفهوم المحاسبة الحكومية وطبيعتها وأهدافها وعلاقتها بالقانون والتشريعات الحكومية ،فضلا عن علاقتها بنظرية الأموال المخصصة، ومن ثم التطرق إلى مكانتها وطبيعتها في الاقتصاد الإسلامي تاريخيا وتشريعيا، وذلك من خلال استعراض المبادئ والمفاهيم الرئيسة للاقتصاد الإسلامي وأهم الخصائص التي يتميز بها عن النظم الوضعية، فضلا عن تناول النظام المالي في الإسلام وأهم الموارد المالية العامة الواردة إلى الحكومة الإسلامية الشرعية ،وأيضا أهم مقومات وعناصر النظام المحاسبي الإسلامي ، بخاصة النظام المحاسبي الحكومي، وعليه سيتضمن الباب المباحث الآتية:ـ
المبحث الأول: الإطار العام للمحاسبة الحكومية
المبحث الثاني : المحاسبة الحكومية في التشريع الاقتصادي الإسلامي.
المبحث الثالث: المذهب المحاسبي الحكومي الاسلامي.
المبحث الاول:الاطار العام للمحاسبة الحكومية
حتى وقت قريب لم تحظ المحاسبة الحكومية بما تستحقه من اهتمام من قبل الأوساط العلمية المهتمة بالدراسات المحاسبية ( luder:2001) حيث انصب اهتمام هذه الدراسات على فروع المحاسبة الأخرى وبخاصة على المحاسبة المالية وفروعها ومحاسبة التكاليف والمحاسبة الإدارية وفي الوحدات الاقتصادية الهادفة إلى تحقيق الربح ، وقد يعود ذلك إلى زيادة التركيز على النشاط التجاري الهادف إلى تحقيق الأرباح وتعدد مواقع هذا النشاط وتزايد الطلب على المحاسبة لاحتساب الأرباح والخسائر لذلك النشاط ، في حين نرى إن النشاط الحكومي الخدمي هو غير هادف إلى تحقيق الأرباح وهو محصور في الوحدات الحكومية الخدمية وهذه الأخيرة تخضع لجهات حكومية مركزية تنظم حساباتها والعمل بها ، مما أدى إلى حصر العمل لكافة الوحدات الحكومية في دائرة واحدة أو عدد قليل من الوحدات وهي الخزائن التابعة إلى دائرة المحاسبة في وزارة المالية(فريح،1990: 5) ، فضلا عن إن عدد الوحدات الحكومية وحجم النشاط الذي تمارسه لم يكن بالشكل الذي يتلاءم مع التطورات السياسية والاقتصادية التي انعكست على طبيعة وحجم النشاط الحكومي ، كما إن هيمنة القانون على المحاسبة الحكومية جعل عملية تطويرها والبحث فيها عملية بطيئة ذات طابع روتيني ممل ، ولعل هذه الأسباب وغيرها هي التي أدت إلى الابتعاد عن البحث في موضوع المحاسبة الحكومية، وفيه عدة مطالب:
المطلب الاول:معنى الحكومة وفروعها في الشرعة الدولية والشرعة الاسلامية[1]
1.1.معنى الحكومة في الشرعة الدولية(الوضعية):
لقد وردت الحكومة (gorernment)والدولة(state) في الماضي والحاضر بعدة معاني قد ترادف أحيانا بعضها البعض الاخر بينما تختلف احيانا اخرى، فالدولة بمعناها المعاصر مثلا تنطوي على معنى اوسع واشمل من الحكومة حيث تعرف الدولة بانها سكن جماعة من الناس في ارض معينة ولهم حكومة تنظم شؤونهم ،وبناء على هذا التعريف فان الدولة وحدة تتكون من أربعة عناصر(السكان،الارض،الحكومة،الحاكم)وعليه فالحكومة على ضوء هذا التعريف لا ترادف الدولة بل هي جزء منها،والحكومة بصفتها أحد العناصر الاربعة المؤلفة لمقولة الدولة عبارة عن مجموعة الاجهزة المرتبطة مع بعضها في أرض معينة يقطنها مجتمع يخضع لنفوذها ،وعليه فالمراد بالدولة العراقية والايرانية والامريكية والفرنسية شيء ابعد من حكومة هذه الدول ،اما ان عرفنا الدولة على انها القوة السياسية المنظمة صاحبة الامر والنهي فستكون مرادفة في هذه الحالة للحكومة.
ولا تنحصر الدولة بالاستناد الى هذا التعريف بالسلطة التنفيذية وهيئة الوزراء التي تتولى اجراء القوانيين بل ستشمل سائر السلطات من قبيل السلطة التشريعية والقضائية ،والواقع هو ان الدولة والحكومة في هذا التعريف تعني الجهاز الحاكم الذي ينظم مجموعة المؤسسات والمديريات التي تنشط في النظام السياسي الحاكم ،والمعنى الاخير هو مرادنا من الحكومة والدولة.
2.1.نشأت الحكومة:
الانسان في بادي الامر كان يعيش على الفطرة والغريزة وكان يتمتع بحرية كاملة ثم تضاربت المصالح والحريات فسادت القوة وضاعت الحقوق واصبح امر الجماعة فوضى،فتوافق عقلاء الناس واصطلحوا على وضع قونين خاصة محددة للحريات وعلى قوة منفذة لها حفظا للحقوق،فالحكومة معاقدة اجتماعية بين الحاكم وبين الرعية تحصل باختيار الطرفين.
3.1.ضرورة الحكومة:
ان الانسان مدني بالطبع لا يحصل على حاجاته وطلباته الا في ظل الاجتماع والتعاون وكثيرا ما تعرض له قضايا عامة تمس مصالح المجتمع ويطلب فيها قرار ورأي واحد يجمع القاطعية وقابلية التنفيذ والقدرة عليه،ولا يحصل ذلك الا تحت لواء حكومة قاطعة،ولأجل ذلك ترى انه لم تخل حياة الانسان في جميع مراحلها وادوارها حتى في العصور الحجرية وفي الغابات من حكومة ودويلة.
كما ان الانسان قد جبل في طبعه وكيانه على الشهوات وميول مختلفة مما يستلزم ذلك التزاحم والتضارب في الافكار والاهواء ويستعقب الجدل والصراع،فلا محالة تقع الحاجة الى قوانين ومقررات والى قوة منفذة لها مانعة من التعدي والكفاح ،ولا نعني بالحكومة الا هذه القوة المنفذة،وقد جاء عن الامام علي(ع)في رد كلام الخوارج"هؤلاء يقولون لا امرة الا لله ،وانه لابد للناس من امير بر أو فاجر يعمل في امرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر".
4.1. أنواع وأقسام الحكومات:
أ- الملكية المطلقة الاستبدادية:ان يتسلط الفرد بالقهر والغلبة وبقوة السلاح على البلاد والعباد وينزل بمعارضيه أشد العقوبات ولا يتقيد بقانون ولا ضابطة خاصة بل يجعل مال الله دولا وعباده خولا،يحكم فيهم بما يهوى ويريد ، ويتصور كون السلطة ملكا طلقا له ولوارثه نسلا بعد نسل.وهذا القسم من الحكومة من اردأ أنواعها عند العقل والفطرة السليمة.
ب- الملكية المشروطة: وتعتبر الملكية حقا ثابتا وراثيا والملك ذو سلطة محدودة ومقيدة ،ويكون تدبير الامور محولا الى السلطات الثلاث(التشريعية والتنفيذية والقضائية)والملك لا يتحمل المسؤلية في ادارة الملك كما هو الحال في انكلترا مثلا،فكأن الملك عضو زائد محترم مكرم جدا يصرف في وجوه تعيشه وترفهه وتجملاته ووسائل فسقه وفجوره ملايين الدولارات من خزينة الدولة(بيت المال)ومن حقوق المحرومين من دون ان يكون على عاتقه أية مسؤولية عامة بالنسبة الى المسائل الاساسية.
ت- الحكومة الاشرافية(ارستوقراطية):وذلك ان يتسلط فريق أو فرد من المجتمع على الاخرين لمجرد التفوق النسبي أو المالي كما هو شائع في العشائر والقبائل ولا سيما في البدويين منهم.
ث- الحكومة الانتخابية:التي تحصر حق الانتخاب بطبقة خاصة معينة ولا تعرف لها مثلا في عصرنا الا ما هو المتعارف لدى الكنيسة من انتخاب البابا من قبل البطاركة فقط على اساس أنهم أهل الحل والعقد من دون ان يطلب اصوات الناس وانظارهم.
ج- الحكومة الانتخابية الشعبية:يكون الحاكم منتخبا من قبل فئة معتقدة بفكرة خاصة فيكلف بادارة المجتمع على هذا الاساس ،ولعل روسيا واقمارها من هذا القبيل حيث يكون الانتخاب على اساس المنهج الماركسي.
ح- الحكومة الانتخابية الديموقراطية العامة:المعبر عنها بحكومة الشعب على الشعب وهو(الأخير) منشأ التشريع والتنفيذ والحاكم المنتخب يحقق أهواء الشعب وحاجته كيف ما كانت، فلا يتقيد الناخب ولا المنتخب (لا بمقررات شرعية ولا بمصالح عقلية وفضائل أخلاقية)فالمبدأ ارادة الشعب وآراؤه والغاية تأمين حاجته العامة.وهذه أحسن أنحاء الحكومات السابقة والدارجة .
خ- الحكومة الدينية:هي الحكومة التي تعتمد المرجعية المطلقة لدين معين على الصعيد السياسي وادارة شؤون المجتمع ،أي ان الدولة وكافة اجهزتها ملتزمة بمفاهيم وتعاليم دين معين وتسعى لاعتماد الدين في اسلوب ادارتها لشؤون البلاد وسن القوانيين وكييفية التعامل مع الشعب وتنظيم كافة علاقاته الاجتماعية،فهي تستلهم التعاليم الدينية في جميع انشطتها وفعالياتها.
5.1.الحكومة الاسلامية(الحكومة التئوقراطية):وهي حكومة القانون الالهي على المجتمع،والحكومة الاسلامية ايضا هي تلك الحكومة المتكيفة مع التعاليم الاسلامية ،ومرادنا من التعاليم الاسلامية تلك المضامين الدينية المستنبطة من مصادر التشريع (الكتاب، السنة)وقد اضيف اليهما دليلي (الاجماع الكاشف عن قول المعصوم والدليل العقلي)، فالحكومة داخلة في نسج الاسلام ونظامه فالإسلام بذاته دين ودولة وعبادة واقتصاد وسياسة.... الخ".
وعلى اساس المشهور من التفاسير فان تشكيل المسلمين في الصدر الاسلامي للحكومة الاسلامية انما كان يستند الى الدين وتعاليمه الواضحة بل لم يكن سوى استجابة لأوامر الدين.
وتمتاز الحكومة الاسلامية عن الحكومات الغربية الوضعية بوجوه:
منها:ان الحاكم في الحكومة الاسلامية يجب ان يكون معصوما واعلم الناس وأعدلهم وأتقاهم وأقواهم بالأمر وأبصرهم بمواقع الامور،ففي عصر النبي "صلى الله عليه وآله"كان هو بنفسه أولى بالمؤمنين من أنفسهم وكانت له الولاية عليهم من قبل الله تعالى وبعده كانت الولاية عند بعض المسلمين(الشيعة الامامية)للأئمة الأثني عشرابتداءا بأمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب(ع)وانتهاءا بالامام الحجة المهدي المنتظر(عج)،وفي عصر الغيبة للفقيه العادل العالم بزمانه البصير بالامور والحوادث الرؤوف الحافظ لحقوق الناس حتى الاقليات غير المسلمة فلا يجوز للأمة انتخاب غيره.
ومنها:ان الحكومة الاسلامية بشعبها الثلاثة من التشريع والقضاء والتنفيذ تتقيد بموازين الاسلام وقوانينه العادلة النازلة من قبل الله تعالى العالم بمصالح خلقه فلا يجوز التخلف عنها،فالحاكم في الحقيقة هو الله والوالي منفذ لاحكامه.
المطلب الثاني: معنى المحاسبة وأنواعها[2]
1.2.معنى المحاسبة هي تسجيل وتبويب المدخلات والعمليات التي تمثل الأحداث الاقتصادية وفق نظام معين، المعلومات المالية المستخدمة بشكل أساسي من المدراء والمستثمرين والجهات الضريبية ومتخذي القرارات الآخرين، بهدف توزيع الموارد ضمن المؤسسات والشركات أو المنظمات أو الحكومة. تم اشتقاق اسم المحاسبة من استخدام كلمة الحساب مالي.
وتعرف ايضا هي العلم الذي يدرس القياس والإيصال والتفسير للنشاطات المالية وذلك من خلال تسجيل وتبويب وتلخيص العمليات المالية والعرض والافصاح عن المعلومات المالية من خلال قوائم مالية تعد عن فترات زمنية محددة (غالبا ربع سنوية). كذلك تعرف المحاسبة بانها "لغة الاعمال".
2.2.نبذة تاريخية عن تطور المحاسبة
تعود أصول علم المحاسبة إلى عصر الحضارات القديمة مثل الحضارات الفرعونية، والإغريقية، والرومانية حيث كانت المحاسبة عبارة عن نشاط ينصب على "التسجيل ومسك الدفاتر " " RECORD AND BOOK-KEEPING " يطلق عليه التحاسب. ففي العصور القديمة كان الأغنياء يعطون بعض الأفراد الحق في إدارة مواردهم الزراعية والاقتصادية على أن يقوم هؤلاء الأفراد بتسجيل الوارد والمصروف من هذه الموارد مع إصدار كشف حساب "account" يوضح كيف يتم إدارة هذه الموارد. أي أن فكرة التحاسب على الموارد الاقتصادية بين من يمتلك تلك الموارد ومن يقوم بادارتها ظهرت منذ فترة طويلة. وساهم اختراع العرب للرقم صفر في تطور المحاسبة عبر العصور و كانت نقطة محورية في تطور هذا العلم وكما يذكر ملتقى المحاسبين الأردنيين و العرب www.aazs.net فان الفضل في اكتشاف نظام القيد المزدوج المستخم حاليا يعود للايطالي لوقا باشتيلو.
3.2.فروع المحاسبة وتشمل الاتي:
- المحاسبة المالية
المحاسبة المالية هي إحدى فروع المحاسبة التي تعنى بتقديم وعرض المعلومات المحاسبية التاريخية عن الوضع المالي (قائمة المركز المالي)، والأداء المالي (قائمة الدخل)، والتدفقات النقدية وفقاً لجملة من المعايير المحاسبية.
- المحاسبة الإدارية
المحاسبة الإدارية هي معلومات تستخدم داخل المؤسسات أو الشركات وتكون غير معلنة (سرية) ولا يمكن الوصول لها أو الاطلاع عليها إلا من عدد قليل من المستخدمين من متخذي وصناع القرار غالباً. وتعنى بشكل رئيسي بجزئين الأول هو تأمين التمويل اللازم للشركة بأقل تكلفة ممكنة سوءً بطرح السندات أو الأسهم (إي إما بالاقتراض أو بزيادة رأس المال) والجزء الثاني هو ضبط النفقات بما يوازن بين أهداف الشركة والموارد المالية المتاحة من خلال تطبيق الموازنات التخطيطية ودراسة الانحرافات الفعلية عنها ونتائج هذه الانحرافات على أداء الشركة المالي والتشغيلي.
- المحاسبة الضريبية
وهي المحاسبة اللازمة لتطبيق والالتزام بالتعليمات والقوانين الضريبية. أو هي مجموعة الدفاتر والأوراق ذات الطابع المالي للمؤسسات والتي تربط علاقة الشركة مع الجهات الرسمية التي تعنيها ايرادات المؤسسات وكيفية حساب دخول الأفراد والمؤسسة ومقداره.
- المحاسبة الحكومية
هي أحد فروع المحاسبة وتهتم بدراسة المبادئ التي تحكم عمليات التقدير والتسجيل والتقرير المحاسبي عن الأنشطة التي تقوم بها الحكومة. وهي أداة المديرين الحكوميين لأغراض الرقابة على الإيرادات والنفقات الخاصة بالوزارات ووحداتها المختلفة، وتعرف بالموازنة العامة للدولة. وهي الأرقام التقديرية المعتمدة لمصروفات الدولة وإيراداتها لمدة معينة قادمة تكون عادة سنة. وتشمل جميع النفقات العامة التي يسمح للحكومة بانفاقها في شتى المجالات كالخدمات العامة والأمن والدفاع والعدالة والمشروعات الإنتاجية،وسيكون هذا الفرع من المحاسبة مدار بحثنا وأهتمامنا في هذا الكتاب لكونها تتماشا مع طبيعة التعاملات المالية في الدوائر الحكومية التي تكون تخصيصاتها ضمن الموازنة العامة للدولة فضلا عن ذلك انها تنظم العمل المحاسبي للأموال العامة للدولة وتحفظه من الهدر وسوء الاستغلال ،كما انها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمفهوم العام والاسس والاعمال التي تتبناها الحكومة الاسلامية الشرعية .
المطلب الثالث:المحاسبة الحكومية : المفهوم والهدف والمجال
1.3.مفهوم المحاسبة الحكومية وطبيعتها :
إن المفاهيم عبارة عن أفكار جوهرية تسمح لنا بتحديد وتصنيف ظاهرة أو فكرة ما ، بحيث إن التحديد أو التعريف الذي يعطى لهذه الظاهرة يجعلها متميزة عن بقية الظواهر Davidson,1970:1-2) )، فهي تركيبات نظرية تمثل بناءا وإدراكا ذهنيا يحدد لنا ماهية أو جوهر الأشياء والظواهر،ويعرف المفهوم من الزاوية النظرية بأنه "النتاج الذي ينتج من عملية تعريف وتصنيف ثم تفسير الظواهر المختلفة،كما تمثل المفاهيم جزء من الفروض أو المسلمات ،وتشكل المفاهيم الإطار المفاهيمي لإعداد القوائم المالية"(مطر،2004: 51) ،وهي تعطي البنيان الفكري مضمونا علميا يتصل بواقع الحياة الاقتصادية والاجتماعية(الشيرازي، 1990: 41) ،ويفسر الصدر(قده) (1973 : 359) المفاهيم بأنها :عبارة عن كل رأي أو تصور يفسر واقعا كونيا أو اجتماعيا أو تشريعيا ،والمفاهيم لابد أن تصف وتحدد كامل الظاهرة بحيث يدرج المفهوم كل ما يمكن أن يقع في نطاق هذه الظاهرة وكل ما لا يقع ضمنها، فالغاية من تحديد المفهوم هو وضع معنى محدد لظاهرة معينة أو حدث معين من خلال استخلاص الصفات والخصائص الجوهرية للظاهرة أو الحدث وكذلك علاقتها بالظواهر الأخرى بحيث يكون مميزا لها.
وتتضمن المفاهيم الوضعية أفكارا أو آراء شخصية معينة لذلك يمكن أن تكون محل جدل وعدم اتفاق وفي الوقت نفسه انه يلزم الإشارة إليها في مواضع كثيرة من العمل المحاسبي ( الشيرازي،1990 :41) لذلك يتطلب تحديد المفاهيم خطوة أولية ،ووجوب الاتفاق على مصطلحات وتعريفات محددة وواضحة للأشياء التي تقع ضمن العمل المحاسبي ,كما يجب أن تكون هذه التعريفات جامعة مانعة بحيث تسمح بتحديد الأشياء التي تدخل في نطاقه والأشياء التي لا تدخل في نطاقه (الشيرازي،1990 :42) ، ولأهمية الدور الذي تقوم به المفاهيم في المحاسبة ،فإن البعض يعتبر المفاهيم المحاسبية المنبع الأساس الذي نشأت عنه الفروض والمبادئ المحاسبية(مطر،2004: 51).
إن مفهوم المحاسبة الحكومية ما هو إلا انعكاس للرؤى والتصورات المرتبطة بتفسير وظيفة وعمل وهدف المحاسبة الحكومية ،وهو مفهوم قديم يعود تاريخه إلى قبل أكثر من أربعة عشر قرناً وبالتحديد في زمن الدولة الإسلامية حين أسسها الرسول الأكرم (ص)،في حين نرى إن موضوع المحاسبة الحكومية لم يلق ذلك الاهتمام من قبل الأنظمة الوضعية إلا بعد تعرضها لعدة أزمات ومرورها بعدة عقبات وبالتحديد بعد الأزمة المالية العالمية الحادة التي وقعت في عام 1929 م أو ما تسمى بأزمة الكساد العالمي،وما أعقبها من حدوث تطورات كبيرة في أنظمة الدول السياسية والاقتصادية وتوسع حجم النشاط الذي تزاوله الدولة وتضاعف حجم الخدمات التي توفرها للمواطنين وتنوعها ،فادى ذلك إلى ازدياد الاهتمام بموضوع المحاسبة الحكومية وبأهمية الدور الذي تقوم به في الاقتصاد .
وقد بدء الاهتمام بوضع سياسات محاسبية للمحاسبة الحكومية منذ عهد قريب من خلال بعض المنظمات الدولية المهتمة بالمحاسبة الحكومية ،فعلى سبيل المثال إن أول بيان أصدره مجلس معايير المحاسبة الحكومية الأمريكي (GASB ) ،يعود تاريخه إلى سنة 1984 ،وكان بعنوان "الموقف الرسمي والقانوني للجنة القومية للمحاسبة الحكومية NCGA"،وتلاه بيان آخر صدر في عام 1986 بعنوان(إعداد التقارير المالية لخطط التعويضات المستحقة -وفقا لتقسيمات بند الإيرادات الداخلية) ،و أصدر المجلس بعد ذلك ولغاية عام 2012(39) بيان ، تناول فيها عدة قضايا تهم المحاسبة الحكومية، كما أصدر البنك الدولي عام 2000كتيبا حول "الموازنة العامة وأداء القطاع العام" ، تناول فيه عدة محاور تتعلق بأهمية الموازنة العامة والأبعاد الرئيسة المتعلقة بأداء القطاع العام ،وهي المتعلقة بالأداء الكلي من حيث إعداد السياسات المالية والنقدية السليمة، والأداء الاستراتيجي الذي يتعلق بتحديد الأولويات في موارد الحكومة تبعا لأهدافها ،والأداء التشغيلي الذي يتعلق بتطبيق برامج الحكومة بعد وضع الأولويات الإستراتيجية، فضلا عن تحديد ماهية الأداء الجيد ،والعلاقة بين إصلاح الموازنة والإصلاحات الأخرى في القطاع العام وغيرها من السياسات المحاسبية الحكومية.
أما أهم المنظمات المعنية بالعمل المحاسبي الحكومي فهي كما يعرضها الجدول الآتي (هلالي، 2002: 43):ــ
جدول رقم(2)
المنظمات الدولية المهتمة بالمحاسبة الحكومية
تاريخ التأسيس |
المنظمة |
المصطلح الدولي |
1934 |
اللجنة القومية لمحاسبة المحليات |
NcMA |
1970 |
مجلس معايير محاسبة التكاليف |
CASB |
1972 |
مكتب المحاسب العام |
CTAQ |
1984 |
مجلس معايير المحاسبة الحكومية |
GASB |
1986
|
اللجنة القومية للمحاسبة الحكومية |
|
ولما أصبحت الدولة الحديثة تقدم خدمات عامة متعددة ومتنوعة أخرى -فضلا عن الخدمات العامة الأساسية والتقليدية التي لابد أن توفرها كالدفاع الخارجي والأمن الداخلي والقضاء -وهي ضرورية لحياة المجتمع واستقراره الاقتصادي والاجتماعي من قبيل الصحة والتعليم والمواصلات وتوفير فرص العمل للعاطلين و إعانة العجزة والأرامل واليتامى ، فإن من الطبيعي إن هذه الخدمات تحتاج إلى موارد وإمكانيات هائلة ومتنوعة لكي يتم توفير تلك الخدمات وتقديمها للمواطنين، فانعكس ذلك بالمقابل على حجم الإنفاق العام والموارد والإمكانات اللازمة لتمويله بزيادة الإنفاق العام وموارده كماً ونوعاً (فريح، 1990: 17) ،ولذا فقد ارتبط مفهوم المحاسبة الحكومية بتطور النشاط الحكومي حيث أصبحت المحاسبة الحكومية تهتم بشكل كبير في تقديم البيانات والمعلومات المالية والمحاسبية اللازمة والضرورية إلى الجهات المعنية ، كما أنها تعتبر أداة مهمة من أدوات الإدارة المالية العامة في فرض الرقابة على تحصيل الأموال وأوجه إنفاقها ، فضلا عن كونها وسيلة مهمة لتقييم أداء الحكومات ومصدراً أساسيا لأغراض التخطيط الاقتصادي والاجتماعي والمالي(هلالي،2002: 19).وتعرف المحاسبة الحكومية بأنها كافة عمليات إثبات تحصيل وصرف الموارد الحكومية ،ثم تقديم التقارير الدورية عن تلك العمليات ونتائجها للجهات المختلفة(الحجاوي،2004: 18)ومن هنا بدأت تظهر وتتضح طبيعة المحاسبة الحكومية وأهمية الدور الذي تقوم به من خلال توفير نظام محاسبي متقن يمكن من حماية الأموال العامة للدولة والمحافظة عليها وصرفها في الأوجه المخصصة لها ، ووضع نظام رقابة دقيق يكشف ما قد يقع من أخطاء وانحرافات في الوقت المناسب ، فضلا عن ما توفره الحسابات الحكومية من معلومات مختلفة يمكن استخدامها من قبل الجهات المعنية في اتخاذ القرارات الاقتصادية والسياسية الرشيدة حفاظا على الأموال العامة من الإسراف و الهدر وخدمة للمصالح الاجتماعية العامة للمجتمع.
و تمثل المحاسبة الحكومية عنصرا أساسيا لوظيفة الإدارة المالية في الحكومة( دليل المحاسبة الحكومية ،1976 : 6)، ويطلق اصطلاح الحكومة العامة على تجمع كل الوحدات الحكومية العاملة في البلد المعين، فالحكومة هي التي تمارس وظائفها من تقديم الخدمات المختلفة والمتنوعة في صورة أنشطة وبرامج على مستوى الدولة بكل قطاعاتها المركزية فيها،والتي تشتمل على جميع الوزارات والمصالح والهيئات والمكاتب والمنشآت والأجهزة الحكومية الأخرى التي تعتبر إدارات أو وكالات للسلطة المركزية في البلد الواحد،أو القطاعات اللامركزية كحكومات الولايات أو الأقاليم أو المحافظات - كما في العراق- (سرايا ومحمد،2000: 5) ،ومن ثم فان مهمتها هي التسجيل السليم لكل المتحصلات والمصروفات الخاصة بأجهزة الحكومة والدوائر التابعة لها، مع الاحتفاظ بالسجلات التي تعكس صحة العمليات وتبين الأصول(الموجودات) والموارد الأخرى المتاحة للاستخدام إلى جانب تصنيف البيانات بطريقة تعطي معلومات ذات فائدة للرقابة وللإدارة الفعالة الكافية لعمليات الأنشطة الحكومية، وقد يختلف النظام المحاسبي في بعض الدول من وحدة حكومية إلى أخرى حسب موازناتها ومعاملاتها وقد يتبع في بعضها الآخر نظام واحد في كل الوحدات بصرف النظر عن مقدار مواردها ومصروفاتها.
وعلى الرغم من إن المحاسبة الحكومية تقوم بدور شبيه بما تقوم به المحاسبة في القطاع الخاص ،فهي تلتقي معها في كثير من الأمور المهمة وبخاصة فيما يتعلق منها بقواعد التسجيل ومراحل التنظيم الحسابي ، فكلا منها تعتمد في التسجيل على سجلات لليومية وسجلات فرعية للأستاذ ،تسجل فيها التصرفات المالية على أساس نظام القيد المزدوج ، إلا إن هناك فروقا أساسية بينهما في المفاهيم وطريقة العمل ، فالنشاط الحكومي لا يستهدف الربح بينما تهتم المشروعات الخاصة بالحصول على ربح لعدة أغراض كتحقيق عائد على الاستثمار والتوسع في أحد ميادين النشاط التي يقع عليها الاختيار ، وعلى العكس من ذلك فان الوظائف التي تقوم بها الحكومة في ميادين النشاط المتعددة ، تستهدف أغراضا أكثر اتساعا وشمولا بهدف خدمة أفراد المجتمع ،والحفاظ على الاستقرار المالي للدولة،وترويج التجارة والصناعة ،وتحفيز القطاع الخاص على ممارسة أنشطة تخدم وتنمي الاقتصاد القومي،والعمل على زيادة الرفاهية الاجتماعية (سرايا ومحمد،2000: 6) ،وإذا كانت الأرباح ليست هدفا في النشاط الحكومي الخدمي ، فان تكاليف الأداء تعتبر مقياسا لكفاءة التشغيل ومدى إمكانية تحقيق نتائج برامج الخطة في حدود الاعتمادات المتاحة (دليل المحاسبة الحكومية،1976 : 7)
وبصورة عامة ،فانه يطبق في الحسابات الحكومية القواعد المستخدمة في القطاع الخاص ، كما إنها تخضع أيضا للتدقيق من سلطة مستقلة وفي الحالتين يجب أن تثبت الحسابات بطريقة تجزم بان الاعتمادات المتاحة قد أمسكت حساباتها بطريقة سليمة وإنها استخدمت في الأغراض التي خصصت لأجلها .
ويتضح من ذلك أن المحاسبة الحكومية عبارة عن مجموعة الأنشطة المختصة بتسجيل وقياس وعرض المعلومات المحاسبية عن المعاملات والمبادلات المالية التي تقوم بها الوحدات الحكومية الخدمية بينها ،وبين الغير،وذلك يتطلب استخدام مجموعة من المعايير والقواعد والإجراءات التي تتلاءم مع طبيعة عمل الحكومة ،بخاصة فيما يتعلق بأثر وهيمنة التشريعات والتعليمات المالية على عمل المحاسبة الحكومية.
2.3. أهداف المحاسبة الحكومية
يطلق البعض على المحاسبة بأنها لغة المال أو لغة التجارة فهي اللغة التي تستخدمها وتسترشد بها أطراف عديدة مثل رجال الأعمال والمديرين والقطاع الحكومي ونقابات العمال وغيرها من الجهات المعنية بأمور الوحدة الاقتصادية ،باعتبارها وسيلة لإنجاز أهداف معينة منها تحديد السياسة المالية والتخطيط الإنتاجي وإتباع الوسائل التي تحقق الكفاية الإنتاجية والفعالية في استغلال الموارد المتاحة إلى غيرها من القرارات.
لقد نشأت المحاسبة وتطورت نتيجة لعوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية، أدت جميعها إلى إبراز أهمية ودور المحاسبة باعتبارها عاملاً رئيساً في تحديد النتائج المالية للعمليات الاقتصادية التي تقوم بها المنشاة خلال فترة معينة ( دهمش،1981: 7) ، كما عملت العوامل السابقة وساعدت على تحديد إطار عام لمهنة المحاسبة يمكن استخدامه مرشداً لوجود المهنة ويكون مصدرا للقوانين والتشريعات المحاسبية فضلا عن كونه وسيلة للقبول الاجتماعي لمهنة المحاسبة[3]IBRAHIM,2002) ) .
وتتفق المحاسبة الحكومية مع المحاسبة بشكل عام في عدة مجالات تشكل الإطار العام لأغراض المحاسبة والتي تشمل (الحجاوي،2004: 16):
- قياس نتيجة أعمال المشاريع خلال فترة معينة.
- قياس الموارد التي يمتلكها المشروع في تاريخ معين.
- قياس التدفقات النقدية للمنشآت خلال فترة معينة.
- إظهار الالتزامات المترتبة على المشروع للغير.
- قياس التغيرات في حقوق الملكية.
- تحديد حقوق الملكية لأصحاب المشروع.
- قياس التغيرات في الموجودات والمطلوبات خلال فترة معينة.
ولكن بالرغم من ذلك فان للمحاسبة الحكومية أغراضها الخاصة وملامحها المميزة التي تميزها عن المحاسبة التجارية ، ويرجع السبب في ذلك إلى أهمية الدور الذي تلعبه المعاملات المالية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية ، وهو يعكس المسؤوليات الإضافية التي يفترض أن تتحملها الحكومة لغرض دعم التنمية الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية والمحافظة على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي معا من اجل هذا أصبح من الضروري أن يكون لدى الحكومة بيانات تسهل تحليل آثار النشاط الحكومي على باقي جوانب الاقتصاد وتقدم أساسا لإصدار القرارات الخاصة بالسياسة الضريبية والاقتصادية . وقد برزت الحاجة إلى مثل هذه البيانات نتيجة للتزايد في استخدام خطط التنمية الطويلة الأجل والمتوسطة الأجل والاعتقاد بأهمية إقامة الروابط الملائمة بين مثل هذه الخطط وبين الموازنة السنوية(دليل المحاسبة الحكومية،1976 :18 ).
ويمكن تلخيص أهم أهداف المحاسبة الحكومية بالآتي (هلالي،2002: 21):-
1. إمكانية التعرف على الإيرادات الفعلية والنفقات الفعلية ومقارنة ذلك مع الإيرادات والنفقات المقدرة للوحدات الإدارية الحكومية،والتعرف على أسباب الفروق بين الفعلي والمقدر واتخاذ الإجراءات المصححة له. تحقيق الرقابة الإدارية الفعالة على إيرادات ونفقات الدولة، وإظهار سلامة عمليات التحصيل والإنفاق من حيث مطابقتها للقوانين واللوائح والتعليمات الصادرة بشأنها.
2. إحكام الرقابة على الأصول المملوكة للوحدات الإدارية الحكومية لحمايتها والحفاظ عليها من الضياع أو الاختلاس أو سوء الاستخدام.
3. توفير البيانات والمعلومات اللازمة لرسم السياسات والتخطيط واتخاذ القرارات والمتابعة لأداء الوحدات الإدارية الحكومية لتقييم أدائها.
4. الإفصاح عن النتائج المالية والاقتصادية للأنشطة والبرامج التي تنفذها الوحدات الحكومية من حيث الالتزام بنفقات هذه البرامج والأنشطة ،وكذلك إظهار حجم ما حققته من أنشطة وعمليات.
5. تزويد أجهزة الإحصاء بالبيانات التي تساعد على عمل الإحصاءات المختلفة للقطاعات المتعددة للاقتصاد القومي .
3.3.المحاسبة الحكومية والقانون
للقانون والتشريعات تأثير مهيمن على المحاسبة الحكومية ،وهنالك علاقة قوية بين المحاسبة الحكومية والتشريعات ،حيث تحدد أحكام التشريعات (الدستور والقانون والنظام) في الدول القيود التي يتوجب على المحاسبة الحكومية التقيد بها( الحجاوي،2004: 19)،بالتالي فإن جميع مراحل النشاط المالي الحكومي تكون خاضعة للسلطة التشريعية، وتنظيم التصرفات المالية والحسابية في الدوائر الحكومية تحكمها قواعد مسننة تحدد أساليب العمل الحسابي فيها ، وهذه القواعد قد تأخذ شكل قانون أو تعليمات صادرة عن جهة مخولة بموجب نص في قانون تملي على المحاسبة ما يجب أن تؤديه وتضع عليها القيود والمحددات التي تهدف إلى تحقيق المصالح العامة.
فالسلطة التشريعية تراقب وتوجه الإدارة المالية للدولة ، وهي تحدد موارد الأموال وتقرر الأغراض التي يسمح بإنفاق الأموال في سبيلها ، علاوة على ذلك فان القانون يتدخل ليحدد وسائل مراقبة المتحصلات والإبداعات ويحدد واجبات ومسؤوليات مختلف الموظفين والإداريين ويحدد طريقة تلقي مطالبات الدفع المستحقة على الحكومة وكيفية اعتمادها للصرف.
كما تتصل الأحكام التشريعية بالموازنة العامة للدولة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالحسابات الحكومية سواء أكان ما يتعلق منها بالحساب الختامي الذي يصور نتيجة تنفيذ الموازنة خلال السنة المالية والمركز المالي للدولة في نهايتها أم بتنظيم المراقبة الداخلية التي تحكم الأعمال المختلفة في الوحدة الإدارية أم بإجراءات المراقبة الخارجية التي تقوم بها جهات مركزية للمحاسبات أو دواوين للمحاسبة والمراقبة (علي الدين،1974 :10 ) .
وتضم دساتير الدول المختلفة موادً متعددة تتناول فيها الشؤون المالية من كل جوانبها ابتداء بتوحيد المصطلحات المستخدمة في الحسابات وتجانس أنواع الحسابات الحكومية ، وتحديد نماذج السجلات الحسابية من الناحية الإدارية والتدقيقية والتنظيمية ، وتوحيد نماذج المستندات ومرورا بتحديد الصلاحيات المالية وهيئات الرقابة على الأموال العامة ، وانتهاء بإعداد الموازنة العامة للدولة والخطط العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (علي الدين،1974: 11).
فقد تضمن دستور جمهورية مصر لسنة 1971 ، المبادئ الأساسية لمالية الدولة في المادتين 23و86 والمواد من 114 إلى 118 إلى جانب بعض المواد الأخرى التي تتصل نصوصها بهذه المبادئ ، كما تضمنت دساتير الدول العربية مواد عديدة في هذا الشأن لتنظيم شؤون الضرائب والموازنة العامة والحساب الختامي والرقابة الخارجية وعقد القروض والتعهدات التي ترتب التزامات على خزانة الدولة من ذلك المادتين 88و89 في دستور الجمهورية اللبنانية لسنة 1947 ، والمواد من 33 إلى 36 في دستور الجمهورية التونسية الصادر في سنة 1959 (علي الدين،1974: 11) ، والمواد من 111 إلى 119 من الفصل السابع التي تناولت التشريعات الأساسية الخاصة بالشؤون المالية في دستور المملكة الأردنية الصادر في سنة 1952(احمرو،2003: 43).
وقد تضمن الدستور العراقي المؤقت مواد تنص على وجوب إعداد موازنة الدولة والميزانيات الملحقة بها وفقا لأحكام الدستور ، وقد وردت في قانون أصول المحاسبات العامة (رقم 28 لسنة 1940) بعض المواد التي تتعلق بتنظيم المعاملات المالية الحكومية، فقد بينت المادة 16 من هذا القانون أهم وظائف وأغراض نظام المحاسبة الحكومي ، حيث نصت هذه المادة على( إن لوزير المالية أمر تنظيم الحسابات وتنسيقها على أن تحتوي في جهة الإيرادات مقدار الواردات المخمنة والمتحققة ثم غير المستحصلة ، أما في جهة المصروفات فتحتوي على مقدار الاعتمادات المخصصة والمصروفة ثم العجز أو الوفر)، وفي المادة 17 من نفس القانون ورد فيها ( على وزير المالية اتخاذ التدابير اللازمة لطبع حسابات الموازنة السنوية وتقديمها إلى مجلس الوزراء خلال شهر تشرين الأول من كل سنة وتحتوي على جميع المصروفات التي دفعت وقبضت خلال السنة المالية المختصة ، وعلى مجلس الوزراء أن يتخذ ما يلزم لتصديقها) ، كما ورد في فقرات أخرى إيضاح بعض الأمور المتعلقة بمالية وحسابات الحكومة وخاصة الموازنة وكيفية فرض الرقابة والسيطرة المالية على تنفيذها وذلك كما جاء في الفقرات من 24-38 منه ( قانون أصول المحاسبات العامة رقم 28 لسنة 1940،وزارة المالية).
كما ورد في دستور العراق الجديد[4] مواد تتعلق بتنظيم الأمور المالية للدولة،ورسم السياسات المالية ووضع الميزانية العامة للدولة،فقد ورد في الباب الرابع الذي يتعلق باختصاصات السلطات الاتحادية ،في المادة(107)/ثالثا:"رسم السياسة المالية،والكمر كية،وإصدار العملة،وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الأقاليم والمحافظات في العراق،ووضع الميزانية العامة للدولة،ورسم السياسة النقدية ،وإنشاء البنك المركزي وإدارته"،وفي نفس المادة/رابعا:" تنظيم أمور المقاييس والمكاييل والأوزان"، وفي /سابعا من نفس المادة:"وضع مشروع الموازنة العامة والاستثمارية"،ونصت المادة (77) في الباب الثالث على أن من صلاحيات مجلس الوزراء:"إعداد مشروع الموازنة العامة والحساب الختامي وخطط التنمية".
وقد لاحظنا إن المحاسبة الحكومية تتميز بشمولية واتساع الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها ، لذلك قد يكون من الصعب وضع تعريف محدد لها إلا أنها في إطارها العام يقصد بها: المجال المحاسبي المتخصص بعملية تقدير وقياس وتسجيل وتبويب العمليات المالية ،في وحدات الجهاز الحكومي، ثم إنتاج المعلومات التي تفيد في اتخاذ القرارات وتوصيلها إلى الجهات ذوات العلاقة، وفق التشريعات الرسمية والمبادئ والقواعد الخاصة بذلك(احمرو،2003: 35).
4.3.مجال تطبيق المحاسبة الحكومية
تقسم الدوائر الحكومية من الناحية الحسابية على مجموعتين(رشيد،1975 :6-7):-
1. الدوائر الحكومية الرسمية وهي الدوائر التي تدخل حساباتها في موازنة الدولة الاعتيادية وتكون مصروفاتها وإيراداتها جزءا من مصروفات وإيرادات الميزانية العامة وترتبط من الناحية الحسابية بفروع الخزينة العامة وتخضع للنظام الحكومي.
2. الدوائر الحكومية شبه الرسمية وهي الدوائر التي لا تدخل حساباتها في موازنة الدولة الاعتيادية وتكون لكل منها موازنة مستقلة خاصة بها كالبنوك الحكومية والمصالح الحكومية وغيرها من المشاريع الحكومية ذات الصبغة التجارية أو الصناعية.
وتطبق المحاسبة الحكومية في المجموعة الأولى من الدوائر الحكومية وهي الدوائر الحكومية الرسمية التي تسمى أيضا بالدوائر الحكومية الخدمية غير الهادفة إلى تحقيق الربح وتدخل حساباتها ضمن الموازنة العامة للدولة.
إن هذه الدوائر تخضع في تحديد قدرتها على الصرف للموازنة العامة للدولة أي للاعتمادات المخصصة لها في قانون الموازنة العامة ، لان مثل هذه الدوائر ليس لها رأس مال كما إن اغلبها ليس لها موارد ذاتية ،وحتى تلك التي قد تحصل من خلال نشاطها على موارد مالية فإن هذه الموارد هي للدولة وليس لهذه الدوائر الحق في التصرف بها ، إلا أنها تخضع لنظرية الأموال المخصصة في تحديد قدرتها الاتفاقية –سيتم التحدث عن ذلك لاحقا-.
وفي العراق تخصصت بالنشاط الحكومي الخدمي دواوين ودوائر الوزارات كافة ودوائر الدولة الأخرى التي تدخل موازناتها ضمن موازنة الدولة العامة ووحدات الحكم المحلي وأمانة بغداد والبلديات ويطبق في هذه الوحدات النظام المحاسبي الحكومي الذي يحكمه قانون أصول المحاسبات العامة رقم 28 لسنة 1940المعدل وتعليماته الحسابية الملحقة وهذا النظام يعكس طبيعة نشاط الوحدات الحكومية والذي تم التأكيد عليه في قانون الموازنة العامة للدولة رقم 107 لسنة 1985،الذي قد عدل أخيرا بقانون الإدارة المالية ،إلا انه لم ير التطبيق لحد الآن.
5.3. نظرية الأموال المخصصة وعلاقتها بالمحاسبة الحكومية
لقد ذكرنا سابقا إن الوحدات الحكومية الخدمية غير الهادفة إلى تحقق الربح تخضع لقانون الموازنة العامة للدولة وتكون إيراداتها ومصروفاتها جزءا من إيرادات ومصروفات الموازنة ، أي إن هذه الوحدات تخضع في تحديد قدرتها على الصرف للموازنة العامة للدولة وحسب المبالغ التي تخصص لها في قانون الموازنة ، فهذه الوحدات ليس لها رأس مال تستطيع من خلاله مزاولة نشاطها وليس لها القدرة على المحافظة على رأس المال لان نشاطها خدمي وليس لها أرباح ،فضلا عن أن هذه الوحدات ليس لها موارد ذاتية ناتجة عن نشاطها وحتى إذا حققت إيرادات فهي ليست للوحدة و إنما للحكومة وليس لها حق التصرف بها ، ونتيجة لذلك فان القدرة الإنفاقية للوحدات الحكومية الخدمية غير الهادفة للربح تحدد كما ونوعا بالمبالغ التي توضع تحت تصرفها خلال فترة زمنية محددة ،وتخصص لها ضمن خطة موضوعة سلفا وهذه الوحدات ملزمة بالتقيد بالمبالغ المخصصة لها من حيث حجم المبلغ ونوع النشاط،وهذا ما يسمى بنظرية الأموال المخصصة ، حيث تدعو هذه النظرية إلى التركيز على مسألة الأموال في المنشأة بدلا من التركيز على الوحدة المحاسبية أو على ملاكها،وبهذا تعتبر المنشأة بمثابة صندوق أموال له أغراض محدودة،ولتحقيق هذه الأغراض لابد من مصدر لتمويل أصول الصندوق، وقد نشأت هذه النظرية للرد على كل من نظرية الملكية المشتركة ونظرية الشخصية المعنوية[5] (مطر،2004: 90)، لذلك فإن هذه النظرية تعتمد على الفرضيات الأساسية الآتية(الحجاوي،2004: 28):ـ
· اعتبار الوحدة الإدارية أساساً للمحاسبة.
· التركيز على الأموال بدلا من التركيز على صاحب المشروع أو المشروع نفسه.
· مفهوم (الأموال) يشمل مجموعة الموجودات والموارد النقدية التي تخصص لأداء غرض معين على شكل أنشطة ووظائف اقتصادية ، والتزامات في القيود على استخدام الموجودات والموارد، وتمثل المعادلة التالية هذه النظرية:
الأصول(الموجودات) والموارد المخصصة = القيود على استخدام الموجودات والموارد
وتعكس مجموعة الحسابات المستخدمة في نظرية الأموال المخصصة جوهر وطبيعة الأموال المخصصة التي تتميز بها الوحدات الحكومية الخدمية غير الهادفة إلى الربح ، وتشمل هذه المجموعة المفهوم التشغيلي للأصول والموارد والقيود المرتبطة بهذه الأصول والموارد وكذلك النفقات والواردات وفائض الأموال ومن ثم فان استخدام وحدة الأموال المخصصة أساساً في المحاسبة الحكومية ، يتماشى بشكل كبير مع مفهوم البناء النظري والعلمي لهذه النظرية(دهمش،1981: 89) ، وبسبب اهتمام المحاسبة الحكومية وتركيزها على التخصيصات المعتمدة أو كما يسميها البعض "الاعتمادات " فانه يطلق عليها أحيانا ب"محاسبة التخصيصات المعتمدة " أو " محاسبة الاعتمادات" صفة مميزة لها (دهمش،1981: 90).
ويمكن القول إن نظرية الأموال المخصصة هي انسب النظريات المحاسبية التي تفسر الأساس العلمي للمحاسبة في الوحدات الحكومية ، حيث ترتبط عملية الإنفاق بالتخصيصات المعتمدة في الموازنة للفصول والمواد المختلفة للوحدات الحكومية واعتبار عملية الصرف محددة ومقيدة بالأهداف المراد تحقيقها أو الأغراض المحددة من اجلها.
المطلب الرابع:معايير المحاسبة الحكومية
1.4.مفهوم المعايير المحاسبية وأهميتها ودورها في تطوير المهنة
تمثل المعايير أدوات التطبيق العملي للنظرية ، أي المستوى الأخير للإطار الفكري لها[6] ، وتتضمن هذه الأدوات أنظمة وقواعد وطرق وأساليب فنية وإجراءات تطبيقية والتي يمكن من خلالها وضع المبادئ العلمية موضع التنفيذ والتطبيق وترتكز هذه الأدوات على المستويات السابقة حيث تتضمن المعايير قيوداً تطبيقية ومبادئ محاسبية وافتراضات ومفاهيم محاسبية .
ويعتبر هذا الجانب ذو أهمية خاصة في النظرية المحاسبية وذلك لما توفره من إرشادات للمحاسب تؤدي إلى الوصول إلى ممارسات عملية (تطبيقية)سليمة للمهنة لذلك يمكن اعتبار المعايير حلقة الوصل بين النظرية والتطبيق .إن المعايير ليست للاسترشاد العام فحسب و إنما هي تعبر عن موقف مهني رسمي لتطبيق مبدأ محاسبي معين ، لذلك يمكن اعتبار المعايير ترجمة أمينة وواعية لمستوى الفكر المتاح بجميع عناصره من الأهداف والمفاهيم والفروض والمبادئ العلمية (الشيرازي، 1990: 123).
إن العلاقة التفاعلية فيما بين الإطار الفكري للنظرية والمعايير المحاسبية يعطي للأخيرة بعض الخصائص المميزة لها والتي من أهمها ــ
- خاصية الاتساق المنطقي مع عناصر البناء الفكري (الأهداف والمفاهيم والفروض والمبادئ) فهناك إمكانية لحل المشاكل التطبيقية من خلال الاستعانة بالنظرية المحاسبية .
- خاصية الملائمة للواقع العملي وما يتعلق به من اعتبارات اقتصادية وسياسية واجتماعية وقانونية وهذه الخاصية أي الملائمة طبعت المعايير بصفة التغير وهو ما يميزها عن المبادئ التي تعتبر أكثر ثباتا على الرغم من البعض يستخدم مصطلح المبدأ والمعيار بشكل مترادف وإنهما يمثلان وجهان لعملة واحدة (السعبري ، 2000: 53 )
- خاصية التأثر بالعرف المحاسبي : والعرف هو ممارسة أو تقليد يتضمن قواعد معينة جرت العادة أو التقاليد الموروثة في بلد ما على إتباعها وتطبيقها من قبل المهتمين بمجال معين ،والأعراف المحاسبية أو ما يسمى بالقواعد الاصطلاحية هي أيضاً ممارسات معينة جرت العادة على إتباعها وتطبيقها من قبل المحاسبين عند إعدادهم وإصدارهم للقوائم المالية ، مثل طرق الاندثار وطرق تسعير المخزون السلعي ، وهذه الأعراف لا تعتمد في اغلب الأحيان على التبرير المنطقي وإنما هو اختيار جماعي بطريقة تحكمية يهدف إلى ضبط وتوحيد التطبيق العملي (الشيرازي،1990 : 38) ، وفي هذا الصدد يلاحظ أن المعايير المحاسبية التي هي عبارة عن إجراءات وقواعد للتطبيق العملي هي تتأثر أيضا بتلك الأعراف والممارسات المحاسبية المتوارثة .
ويمكن القول إن المعايير هي الوجه التطبيقي للإطار الفكري للمحاسبة ، ومن خلالها تصبح الأهداف والمبادئ والمفاهيم موضع التطبيق والتنفيذ ومن ثم معرفة مدى ملائمتها ومواكبتها لمتطلبات التطبيق العملي ، فهي تعتبر حلقة الربط بين النظرية والتطبيق.، لذلك فانه من وجهة نظر المحاسب لا تعتبر النظرية مجرد ترف علمي وإنما هي وسيلة للوصول إلى ممارسات علمية سليمة (الشيرازي،1990: 47) .
ويمكن استخدام المعايير تغذية عكسية تمدنا بالمعلومات والأفكار اللازمة لتطوير وتحديث الإطار الفكري للمحاسبة من خلال كونها في مستوى التطبيق في الواقع العملي ،حيث تكون أكثر احتكاكا بالمشاكل والعوائق التي تعترض التطبيق.
ونظرا لتأثر المعايير بالعرف والبيئة المحيطة فضلا عن تأثرها بالأهداف والمفاهيم النظرية ، لذا فان عملية وضع المعايير وإصدارها هي عملية مستمرة ومتغيرة تبعا للعوامل المؤثرة ، وهي في مرحلة تحديث وتطوير مستمرين، وقد أورد الشيرازي ثلاثة أبعاد رئيسة ينبغي دراستها خلال هذه العملية وهي (الشيرازي،1990 :128):-
- كيفية تشكيل اللجنة المسئولة عن بناء المعايير وإصدارها
- طريقة العمل والمراحل التي يمر بها كل معيار قبل أن يأخذ الصفة الرسمية
- المنهج المتبع في بناء المعايير .
فضلا عن ذلك فإن العوامل البيئية المختلفة تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على عملية وضع المعايير المحاسبية، فالمعروف إن الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والقانونية والدينية والسياسية لكل بلد لها تأثير كبير على الفرضيات والمفاهيم والقواعد المحاسبية المختارة لذلك البلد، وإن تغيير هذه الأنظمة سيؤدي بالضرورة إلى تغيير هذه الفرضيات والمفاهيم والقواعد المحاسبية لتلاءم المحيط الجديد.
ولذلك فمن الخطأ الاعتقاد بأن نجاح نظام محاسبي في بلد متقدم سيؤدي تطبيقه بالنجاح بنفس الكفاءة في بلد نامي، لاختلاف الظروف الاقتصادية والسياسية والقانونية والاجتماعية والدينية لكل منها، ، وهذا يمثل أحد المشاكل التي تعانيها الدول النامية، حيث أنه ورغبة بالتقدم السريع للوصول إلى ما توصلت إليه الدول المتقدمة، نرى المسئولين في الدول النامية يطبقون أنظمة الدول المتقدمة بدون تكييفها وتغييرها بشكل يلاءم المحيط المحلي لتلك البلدان، وهذا ما يؤدي إلى فشل هذه الأنظمة في الدول النامية(آل هاشم وأبو غزالة، 1992: 10). ولقد حاولت عدة منظمات دولية إيجاد وسيلة لتوحيد الأسس والقواعد المحاسبية في الدول المختلفة كمنظمات الأمم المتحدة وشركات التدقيق الدولية ومنظمات عديدة أخرى، لكن هذه الجهود لم تحظ بالنجاح الكامل للأسباب المذكورة سابقا التي أهمها اختلاف العوامل البيئية بين الدول،لذا فإن معرفة الأنظمة المحاسبية المطبقة في الدول المختلفة ودراسة أسباب اختلافها تساعد الباحث في معرفة مدى صلاحية نظام محاسبي معين لبلده، حيث إن اختلاف الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والقانونية والسياسية والدينية بين البلدان يتطلب ضرورة استعمال أنظمة محاسبية مختلفة كل منها يلاءم محيطا معينا ، ومن ثم يمكن تقييم الأسس والقواعد المحاسبية المحلية لمعرفة مدى صلاحيتها للمحيط المحلي وبالتالي اختيار ذلك النظام المحاسبي النابع من بيئة ومحيط كل بلد معين(آل هاشم وأبو غزالة، 1992: 16).
وبناءاً على الأبعاد السابقة يتضح انه ليس هناك نموذج واحد للمعايير المحاسبية يمكن أن يطبق في كافة دول العالم المختلفة ، حيث وبسبب تغير المتطلبات من دولة إلى أخرى فأن ذلك يؤدي إلى إتباع مناهج وأساليب وقواعد مختلفة على الرغم من المفاهيم والمبادئ العامة للمحاسبة تكاد تكون واحدة في كل أنحاء العالم إلا إن المشكلة الأساسية تنحصر في كيفية استخدام الأساليب الفنية المعتمدة بأحسن الطرق الممكنة لتلبية المتطلبات الخاصة القائمة في كل دولة (دليل المحاسبة الحكومية ،1976 : 55)
وعلى الرغم من وجود عدة جهات دولية ومحلية وإقليمية تقوم بعملية تنظيم وإصدار المعايير المحاسبية الحكومية على سبيل المثال مجلس معايير المحاسبة الحكومية GASB ولجنة المعايير المحاسبية الدولية INTOSAIcas ، ومجلس المعايير المحاسبية والرقابية في العراق، إلا إننا وللأسف الشديد لا نجد جهة تقوم بتنظيم وإصدار معايير المحاسبة الحكومية الإسلامية.
إن الجهات والمنظمات المهنية أعلاه تصدر وتتبنى معايير بالرجوع إلى مبادئ وأسس ومفاهيم مأخوذة من الإطار الفكري الوضعي ،فضلا عن المصادر المذكورة سابقا ، ولكن دون الرجوع إلى مبادئ وأسس الاقتصاد الإسلامي، الذي نعتقد أنه يحتوي على قاعدة واسعة من تلك المبادئ والأسس الصالحة لبناء ووضع معايير محاسبية حكومية ،ومن خلال هذا البحث سنحاول أن نثبت أن أحد مصادر بناء هذه المعايير ينبغي أن تكون هذه المبادئ وعلى الأخص في الدول الإسلامية،مع محاولة لاستنباط عدداً من المعايير المحاسبية الحكومية الإسلامية .
وعلى الرغم من اتفاق المحاسبة الحكومية والمحاسبة عامة في الهدف وهو تقديم المعلومات المفيدة في اتخاذ القرارات المختلفة ، إلا إن هنالك بعض الاختلافات في كيفية تحقيق تلك الأهداف ،أي ما هي نوعية المعلومات المقدمة ؟ولمن يتم تقديمها؟وكيف يتم تقديمها؟.
ويتعلق هذا الأمر بالسياسات المحاسبية التي تستخدمها الوحدة أو القطاع ،التي هي عبارة عن مجموعة أدوات التطبيق التي تستخدمها الوحدة في إنتاج وتوصيل المعلومات ،وأدوات التطبيق العملي هي القواعد والمعايير والإجراءات التي يستخدمها المحاسب لتطبيق المبادئ المحاسبية وأسلوب معالجة مختلف البنود والعمليات والأحداث في مجال محدد(السعبري،2000: 51) ،وتشكل هذه المجموعة الإطار الفلسفي العام للنظام المحاسبي عامة،ومصدر الأحكام فيه وهي التي تحدد مساراته وتوجه أعماله وتحكم إجراءاته ،وتهدف إلى ضمان النوعية في أداء العمل(الحسون،1991: 47) .
وقد ذكرنا سابقا إن للمحاسبة الحكومية بعض الملامح المميزة التي تجعلها فرعا مستقلا ومميزا عن الفروع الأخرى للمحاسبة ،فالسياسة المحاسبية في الوحدات الحكومية الخدمية غير الهادفة للربح تختلف عن السياسة المحاسبية للوحدات الهادفة للربح ،فعلى سبيل المثال ؛إن إثبات المصروفات والإيرادات في الوحدات الحكومية لا يكون بهدف تحديد الأرباح(الدخل) ،و إنما بهدف الرقابة واثبات التطابق مع الموازنة التقديرية ،حيث إن الهدف منها في النظام المحاسبي الحكومي هو لمراقبة عدم تجاوز اعتمادات الصرف المخصصة لها والالتزام والتقيد بالقوانين والتعليمات الحكومية والتي أهمها قانون الموازنة،وبالنسبة لأسس القياس المحاسبي المستخدمة في الحسابات الحكومية، فانه يتبع الأساس النقدي أو النقدي المعدل في إثبات الإيرادات والمصروفات ،ولا تتم التفرقة بين المصروفات الإيرادية والرأسمالية ،كما لا يتم احتساب الاندثار للأصول (الموجودات) الثابتة.
علاوة على ذلك فان للنظام الاقتصادي المعمول به في الدولة والتقاليد والأعراف والبيئة اثر كبير على صياغة السياسة المحاسبية ،وخصوصا السياسة المحاسبية الحكومية التي تخضع كما هو معروف إلى التشريعات والقوانين والتعليمات الصادرة من حكومة الدولة المعنية.
إن كل تلك الاختلافات نراها واضحة على مستوى التطبيق الفعلي والواقع التفصيلي للسياسة المحاسبية ،وخاصة على صياغة وتنظيم وإصدار المعايير المحاسبية الحكومية التي هي أحد مظاهر تلك السياسة،من هنا نستطيع أن نفهم معنى وطبيعة المعايير المحاسبية الحكومية.
إذن، فالمعايير المحاسبية الحكومية ما هي إلا مجموعة من القواعد والأساليب الفنية التقنية والإجراءات التطبيقية التي من خلالها يتم وضع الأهداف والمبادئ والأسس العلمية والسياسات المحاسبية للنظام المحاسبي الحكومي موضع التنفيذ والتطبيق الفعلي.
2.4. الجهات المصدرة للمعايير المحاسبية الحكومية
إن التاريخ الفعلي لعملية صياغة وتنظيم وإصدار المعايير المحاسبية الحكومية ،هو تاريخ حديث نسبيا ،فإلى وقت قريب من القرن الماضي لم يكن هنالك ذلك الاهتمام والانتباه لهذه العملية خصوصا ، وبالدور الذي تقوم به المحاسبة الحكومية في مجال حفظ الأموال العامة وصيانتها وتنظيمها ومن ثم تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للدولة عموما.
ولكن وبسبب ظهور الأزمات الاقتصادية في العالم وتكرارها واشتدادها وما ترتب عليها من تردي في المستوى المعيشي للأفراد وسوء حالة العمال وانتشار البطالة ،وخاصة بعد الأزمة العالمية (أزمة الكساد العالمي)التي وقعت في الفترة 1929-1932 ،فان ذلك أدى إلى تدخل الدول في الحياة الاقتصادية ،من خلال وضع السياسات الاقتصادية والمالية والمحاسبية التي تراها –وفقا لرأيها وظروفها- ملائمة لحل تلك الأزمات وتخطيها،وتبعا لذلك اختلفت السياسات الاقتصادية والمالية والمحاسبية للدولة تبعا للمذهب الاجتماعي الذي يحكمها، وما يعنينا في هذا الأمر هو انه في هذه الفترة وفي خضم هذه الأحداث بدأ يظهر دور المحاسبة الحكومية في هذا المجال ومن ثم بداية العمل بوضع معايير محاسبية حكومية مبنية ومصاغة على أسس علمية وعملية، أصدرتها بعض الجهات المعنية بهذا الأمر منها:
أ )المعايير المحاسبية الحكومية الدولية
من أهم المنظمات الدولية التي تصدت لمسألة إصدار المعايير المحاسبية الحكومية ،هي المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة (لجنة المعايير المحاسبية)INTOSAICSA،والاتحاد الدولي للمحاسبين (لجنة القطاع العام)IFACPSC،حيث قاما بإصدار مجموعة من المعايير المحاسبية الحكومية.
المعايير المحاسبية الحكومية الصادرة من INTOSAICSA
تم تأسيس لجنة المعايير المحاسبية التابعة للمنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة عام 1984 لتقوم بالمهام الآتية (lntosal,accounting standarads framework,1995) :
1. تحديد المسائل الرئيسة الواجب معالجتها ،ورفع تقارير في ذلك الشأن إلى مجلس المنظمة التنفيذي لبلورة معايير وإجراءات وأساليب عمل دولية للمحاسبة ،وتطوير و إعداد التقارير المالية الحكومية.
2. إعداد وثائق فحص النظرية المحاسبية ،وتطبيقاتها فيما يخص التقارير المالية الحكومية.
3. إنشاء فرق عمل للدراسات الخاصة حول مواضيع للاستعمال الداخلي للجنة النشر.
4. إجراء اتصالات بصورة مستمرة مع لجان المعايير الدولية المحلية للمحاسبة الحكومية
وقد أجرت اللجنة دراسات واستبيانات عديدة كان من نتيجتها إصدار إطار المعايير المحاسبية الذي تم إقراره عام 1995 ،وجاء هذا الإطار بأربعة بيانات مهمة هي[7]:
- مستعملو التقارير المالية الحكومية
- أهداف التقارير المالية الحكومية
- الخصائص النوعية للتقارير المالية الحكومية
- تحقيق أهداف التقارير المالية الحكومية .
المعايير المحاسبية الحكومية الصادرة من IFACPSC
تعد تجربة الاتحاد الدولي للمحاسبين في إصدار المعايير المحاسبية الحكومية حديثة نسبيا ،حيث قام بإعادة صياغة المعايير الصادرة من لجنة المعايير الدولية IASC لكي تتلاءم مع القطاع العام من خلال خطة لإنجاز معايير محاسبية حكومية ،وذلك من خلال لجنة القطاع العام التابعة للاتحاد ،حيث إن الأخيرة لها سلطة إصدار المعايير المحاسبية نيابة عن الاتحاد ،وهي تهدف إلى:
- تطوير معايير المحاسبة والتدقيق وتشجيع قبولها.
- تطوير وتنسيق برامج التثقيف والبحث.
- ربط وتسهيل عمليات التبادل بالمعلومات من خلال الهيئات والأعضاء في اللجنة والجهات المستفيدة.
وعموما ،فان اللجنة تهدف إلى تقديم المشورة المفيدة والمناسبة بشان أفضل الممارسات في المحاسبة الحكومية ،وبإتباع هذه المشورة تستطيع الوحدات الحكومية على المستويات كافة أن تكون أكثر شفافية بشان أنشطتها ،وأكثر مسؤولية تجاه مواطنيها كما يؤدي هذا إلى إدارة مالية أفضل يمكن ربطها مباشرة مع الأداء الاقتصادي الأفضل.
وقد سعت اللجنة إلى إجراء التوفيق كلما أمكن ذلك بين شكل ومضمون المعايير الصادرة في معظم الدول وبالتالي إصدار معايير ذات قبول عام لدى أعضائها الذين هم أعضاء في أل IFAC أيضا،وقد وضعت مسودة عرض للمعايير المحاسبية الحكومية في الفترة من 1998- 2000 ،حيث تم إنجازها في عام 2001 .
وفيما يلي عرض سريع لتلك المعايير(المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة INTOSAI، لجنة معايير المحاسبة،إطار المعايير المحاسبية، 1995 )
· عرض القوائم المالية ، يهدف هذا المعيار إلى تحديد المبادئ العامة لتقديم القوائم المالية وهيكل محتوى القوائم المالية ،وجاء المعيار ب (130 )فقرة وأنموذجا لقائمة المركز المالي ،وقائمة تقويم الأداء المالي ،وقائمة التغيرات في صافي الأصول المالية (أو صافي الالتزامات المالية) وقائمة المكاسب والخسائر ،حيث يتم إعداد كل هذه القوائم باستخدام أساس الاستحقاق والاستحقاق المعدل.
· قائمة التدفق النقدي ،يهدف هذا المعيار إلى تقديم قائمة التدفق النقدي التي تحدد مصادر واستخدامات الموارد النقدية خلال فترة التقرير ورصيد النقد في ذلك التاريخ وتصنيف التدفق النقدي في القائمة إلى تدفق نقدي من العمليات والاستثمار والتمويل،واحتوى المعيار على 63 فقرة مع ملحق بقائمة تدفق نقدي نموذجية باستعمال الأسس المحاسبية الأربعة(النقدي،والنقدي المعدل،والاستحقاق، والاستحقاق المعدل) ،وركز المعيار على الإفصاح عن المعلومات حول اقتناء أو بيع الوحدات التابعة وباقي الوحدات التشغيلية في ظل استخدام تلك الأسس.
· صافي الفائض والعجز للفترة والأخطاء الأساسية والتغيير في السياسات المحاسبية ،ويهدف هذا المعيار إلى بيان متطلبات التبويب ،والمعالجة والإفصاح عن :الفقرات غير العادية ،والتغيرات في التقديرات المحاسبية ،والتغييرات في السياسات المحاسبية وتصحيح الأخطاء الأساسية ،وجاء المعيار ب 83 فقرة مع ملاحق تبين أمثلة للفقرات غير الاعتيادية ،والأخطاء الأساسية مع الملاحظات التي يجب ذكرها في نهاية القائمة التي ترد فيها وبموجب الأسس المحاسبية الأربعة،كما وضح المعيار في جدول خاص الحالات التي يظهر فيها صافي الفائض والعجز خلال الفترة والفقرات غير الاعتيادية والأخطاء المحاسبية والتغيير بالسياسات المحاسبية.
· آثار التغير بأسعار العملة الأجنبية ،والغرض من هذا المعيار هو بيان متطلبات الاعتراف بمعاملات العملة الأجنبية ،ومعاملة الأرصدة النقدية وغير النقدية بالعملة الأجنبية في التواريخ اللاحقة للتقرير ،ومعالجة المكاسب والخسائر عن المبادلة بالعملة الأجنبية ،واحتوى المعيار على 75 فقرة ،واهم ماورد فيه هو انه يعتمد على الاعتراف المباشر بالمكاسب والخسائر الناجمة عن المبادلة كمعالجة أساسية ،ويسمح بالمعالجة البديلة للاعتراف بفروق التبادل المرتبطة بشراء أصول في ظروف معينة مع بيان سبب المعالجة البديلة.
· كلف الاقتراض ،ويهدف هذا المعيار إلى بيان متطلبات الإفصاح عن إجمالي كلف الاقتراض ,والاعتراف بكلف الاقتراض عندما يستخدم الأساس النقدي أو النقدي المعدل بتاريخ الدفع والاعتراف بتكاليف الاقتراض عندما يستعمل أساس الاستحقاق أو الاستحقاق المعدل عند تحقق المصروف أو النفقة ورسملة كلف الاقتراض عند استعمال المعالجة البديلة مع استعمال أساس الاستحقاق أو الاستحقاق المعدل ،وشراء موجودات محددة ،وتضمن المعيار43 فقرة.
· القوائم المالية الموحدة ومحاسبة الوحدات التابعة ،يوضح المعيار متطلبات إعداد القوائم المالية الموحدة والمحاسبة عن الوحدات التابعة في قوائم مالية خاصة مستقلة عن الوحدة الرئيسية(المسيطرة)، وتضمن المعيار 73 فقرة .
· المحاسبة عن الاستثمارات ،يوضح المعيار متطلبات المحاسبة عن الاستثمارات باستعمال طريقة الملكية ،ويكون تطبيقه إذا كانت وحدة القطاع العام مستثمرة في شركة أخرى،وإذا كانت هذه الاستثمارات تعود إلى سيطرة وحدة القطاع على تلك الشركة المستثمر فيها بتأثير هام.
· التقارير المالية عن المصالح في المشاريع المشتركة ، يوضح المعيار متطلبات إعداد التقارير المالية عن المصالح في المشاريع المشتركة ،حيث تم تحديد ثلاثة أشكال من المشاريع المشتركة هي :عمليات تخضع للسيطرة المشتركة ،وموجودات تخضع للسيطرة المشتركة ،ومنشآت تخضع للسيطرة المشتركة وذلك باستخدام الأسس المحاسبية الأربعة ،والتعليقات والمصطلحات الضرورية الملائمة للقطاع الحكومي ،كما حدد المعيار متطلبات الإفصاح في العلاقة بالمطلوبات المحتملة والموجودات المحتملة.
ب)المعايير المحاسبية الحكومية الأمريكية
لم يلق التأصيل العلمي للقواعد والمعايير المحاسبية الحكومية في أمريكا الاهتمام الكافي من الهيئات العلمية والمهنية المعنية إلا في وقت متأخر ،وكما أشير إلى ذلك في الفقرات السابقة بعد انهيار سوق الأوراق المالية الأمريكي عام 1929 م ،وكان الاتجاه يتركز أساسا نحو حل مشاكل آنية معينة ومحددة أكثر من كونه يسير نحو تطوير جذري لمبادئ محاسبية عامة،وقد مرت عملية إصدار المعايير بعدة تغييرات وتعديلات ودمج وإلغاء..الخ بدءا من أول محاولة لوضع تلك المعايير التي كانت في عام 1934 من قبل اللجنة القومية لمحاسبة البلديات ،ولغاية عام 1984 حيث تم إنشاء مجلس المعايير المحاسبية الحكومية الأمريكي ( GASB) ،فأصدر هذا المجلس اثني عشر مبدأُ ورأياً وقاعدة ،نشير إليها بصورة موجزة وكالآتي* :
أولا:إمكانيات المحاسبة و إعداد التقارير
ينص هذا المبدأ على إن النظام المحاسبي الحكومي لابد أن يكون قادرا على تحقيق هدفين :
1. العرض بصورة عادلة وإفصاح كامل المركز المالي ونتائج العمليات المالية للأموال ومجموعات حسابات الوحدة الحكومية وذلك وفق المبادئ المحاسبية المتعارف عليها.
2. تحديد وتوضيح مدى التزام الوحدات الإدارية الحكومية بالقواعد القانونية والنظم المالية.
ثانيا: نظم محاسبة الأموال
يبين هذا المبدأ إن النظم المحاسبية الحكومية لابد أن تنظم وتدار على أساس الأموال المخصصة باعتبارها وحدة محاسبية(fund basis ) ، ويعرف المال المخصص بأنه مال يهدف إلى تحقيق غرض معين،فهو عبارة عن وحدة مالية محاسبية ذات مجموعة من الحسابات المتوازنة ذاتيا لتسجيل النقدية والموارد المالية الأخرى ،والالتزامات المرتبطة بها والرصيد المتبقي وما يطرأ عليها من تغييرات، حيث إن هذه الأموال مخصصة لغرض تنفيذ أنشطة محددة أو تحقيق أهداف تتوافق مع تشريعات أو قيود خاصة. ويقع على النظام المحاسبي إظهار موقف الإنفاق من المال المخصص وإظهار مدى تحقق هذا المال للهدف المحدد له(هلالي،2002: 35)
ثالثا: أنواع (نظم) الأموال
إن نوعية الأموال التي لابد أن تستخدمها الدولة والوحدات الحكومية هي كالآتي:
أ) الأموال الحكومية
وهي على خمسة أقسام:
1. المال العام ،وهو يخصص للمحاسبة عن كل الموارد المالية ،باستثناء بعض الموارد التي يتطلب المحاسبة عنها ضمن أموال أخرى.
2. أموال إيرادات خاصة ، وهي تستخدم للمحاسبة عن مصادر إيراد معينة تكون مخصصة قانونا للصرف على أغراض خاصة.
3. أموال مشاريع رأسمالية ، وهي تستخدم للمحاسبة عن الموارد المالية التي تستخدم لاقتناء أو إنشاء المشاريع الرأسمالية ،باستثناء المشاريع الممولة بأموال الملكية و الأمانة والمساعدة الخاصة.
4. أموال خدمة الدين العام ،وهي للمحاسبة عن الموارد والمدفوعات المتراكمة لأصل وفائدة الديون طويلة الأجل.
5. أموال التحسينات الخاصة ،وهي تستخدم للمحاسبة عن تمويل التحسينات أو الخدمات العامة المطلوبة لمنفعة الملكية العامة .
ب) أموال الملكية العامة
وهي أموال تساهم بها الحكومة كليا أو جزئيا ويتم التحاسب عنها بصورة مشابهة للمحاسبة في القطاع الخاص من حيث النشاط وهدف الربح ،وهي على نوعين أموال المشاريع العامة :التي تهدف إلى توفير السلع والخدمات للمواطنين بمقابل لتغطية تكاليفها على الأقل مثل مشاريع الماء والكهرباء،و أموال الخدمة الداخلية :والتي تستخدم للمحاسبة عن تمويل السلع والخدمات التي يوفرها قسم أو إدارة حكومية إلى قسم أو إدارة حكومية أخرى.
ج) أموال الأمانة
وهي تستخدم للمحاسبة عن الأصول التي تحتفظ بها الوحدة الحكومية بصفة الأمانة، أو الوكالة عن أفراد أو منظمات خاصة أو وحدات حكومية أخرى أو أموال أخرى، وتتضمن أموال الأمانة القابلة للإنفاق ،و أموال الأمانة(الوقف) غير القابلة للإنفاق ،و أموال وقف التقاعد و أموال الوكالة .
رابعا:عدد وحدات الأموال
إن الوحدة الحكومية عليها أن تُنْشِأْ أو تتحفظ بإنشاء العدد الملائم من الأموال المطلوبة قانونا ،وعليه لابد من الاحتفاظ بأقل عدد ممكن من الأموال والتي تكون من ضمن المتطلبات القانونية والإدارية، كما يجب أن يكون عدد الأموال غير مبالغ فيه وأن يكون في حده الأدنى، الذي يسمح به القانون والتعليمات المالية، فضلا عن إن الإسراف في عدد الأموال يؤدي إلى عدم المرونة وبالتالي تقل كفاءة الإدارة المالية.
خامسا:محاسبة الأصول الثابتة والالتزامات طويلة الأجل
وينص هذا المبدأ على انه لابد أن يكون هناك تمييز واضح بين مجموعات الحسابات الآتية:
1. أموال الأصول الثابتة والأصول الثابتة العامة و
2. أموال الالتزامات طويلة الأجل والديون طويلة الأجل العامة
سادسا: تقويم الأصول الثابتة
تسجل الأصول الثابتة بكلفة اقتنائها ،أو في حالة عدم إمكانية تحديد الكلفة عمليا فيمكن تسجيل الأصول الثابتة بكلفة تقديرية،أما الأصول الثابتة الممنوحة للوحدة لابد من تسجيلها بقيمتها المقدرة في تاريخ الاستلام.
سابعا:استهلاك الأصول الثابتة
يتم احتساب الاستهلاك على الأصول الثابتة كالآتي:
1. لا يسجل استهلاك الأصول الثابتة العامة في حسابات الأموال الحكومية ،ولكنه قد يسجل في نظم الحسابات الكلفوية أو يتم احتسابه لغرض تحليل التكاليف،أما الاستهلاك المتراكم فانه قد يسجل في مجموعة حساب الأصول الثابتة العامة .
2. يتم تسجيل استهلاك الأصول الثابتة التي يتم المحاسبة عنها ضمن مال الملكية في حسابات ذلك المال ،ويتم تسجيل الاستهلاك أيضا في أموال الأمانة(الوقف)،حيث يتم قياس المصاريف وصافي الدخل و(أو) رأس المال.
ثامنا:استخدام أساس الاستحقاق في المحاسبة الحكومية يجب استخدام أساس الاستحقاق المعدل أو أساس الاستحقاق الكامل المحاسبي في قياس المركز المالي ونتائج العمليات،وكالآتي:
1. يتم تسجيل إيرادات ومصروفات المال الحكومي على أساس الاستحقاق المعدل.
2. يتم تسجيل إيرادات ومصروفات مال الملكية على أيساس الاستحقاق الكامل.
3. يتم تسجيل إيرادات ومصروفات مال الأمانة(الوقف) على أسس تتناسب(تتوافق) مع هدف قياس محاسبة الأموال.
4. يتم تسجيل التحويلات في الفترة المحاسبية التي تم فيها دفع واستلام الأموال المحولة داخليا.
تاسعا :محاسبة الموازنة
يتضمن هذا المعيار الأمور الآتية:
1. ينبغي على كل وحدة حكومية أن تعد موازنة أو موازنات سنوية.
2. لابد أن يوفر النظام المحاسبي الحكومي الأساس لتنفيذ رقابة ملائمة للموازنة.
3. يجب أن تتضمن القوائم والجداول المالية بيانات مقارنة عن الموازنات للسنوات السابقة.
عاشرا: تبويب حسابات التحويلات،والإيرادات، والنفقات، والمصروفات
يتضمن هذا المعيار الإجراءات الآتية :
1. إن التحويلات الداخلية والمتحصلات من الالتزامات طويلة الأجل ، ينبغي تصنيفها بصورة منفصلة عن إيرادات ونفقات أو مصروفات الأموال.
2. ينبغي تصنيف إيرادات الأموال الحكومية وفق نوع المال والمصدر،أما النفقات فتصنف وفقا لكل من: نوع المال،وظيفة(برنامج)الوحدة الحكومية ، النشاط،، طبيعة ونوع النفقة.
3. تصنف إيرادات ومصروفات أموال الملكية بصورة مشابهة لتصنيف إيرادات ومصروفات الوحدات الاقتصادية في قطاع الأعمال الخاص.
أحد عشر: المصطلحات والتصنيفات(التبويبات) العامة ينبغي استخدام مصطلحات وتبويبات بصورة ثابتة ومتناسقة في الموازنة والحسابات والتقارير المالية لكل نوع من أنواع الأموال.
ثاني عشر: التقارير المالية المؤقتة والسنوية
على الوحدة الحكومية أن تقوم بإعداد التقارير المالية الآتية:
1. قوائم وتقارير مالية مؤقتة مناسبة للمركز المالي ،ونتائج العمليات ،كما انه يجب إعداد معلومات أخرى ذات علاقة لتسهيل الرقابة الإدارية والإشراف القانوني على العمليات المالية،إضافة لأغراض إعداد التقارير الخارجية.
2. تقرير مالي سنوي شامل يغطي كل الأموال ومجموعات حسابات الوحدة الحكومية ،ويتضمن؛ قوائم للمال فردية وموحدة ،وملاحظات القوائم المالية ،و تفسيرات معيارية، وجداول إحصائية .
3. قوائم مالية ذات الغرض العام وهي تصدر بصورة منفصلة عن التقرير المالي السنوي الشامل،ومثل هذه القوائم لابد إن تتضمن القوائم المالية الأساسية وملاحظات عن القوائم المالية تكون ضرورية للعرض العادل للمركز المالي ونتائج العمليات (فضلا عن التغيرات في المركز المالي لأموال الملكية و أموال الأمانة المشابهة لها.
ج) المعايير المحاسبية الحكومية المحلية
تم تأسيس مجلس المعايير المحاسبية والرقابية في العراق في عام 1988، وأعيد تشكيله في عام 1995 ،ليضم في عضويته أعضاء مجلس الرقابة وممثلي الوزارات والنقابات وأساتذة الجامعات، ومنذ تأسيسه ولغاية عام(2013) تم إصدار أربعة عشر معيارا في مجالي المحاسبة والرقابة ،وعلى الرغم من عدم تخصص المجلس بالوحدات الهادفة للربح ،إلا إن المعايير التي أصدرها لا تنطبق إلا على تلك الوحدات، وعليه فانه لا توجد هيئة أو جهة معينة بذاتها ولغاية الآن تتولى مسؤولية تنظيم وإصدار المعايير المحاسبية الحكومية في العراق.
إلا إن ذلك لا يعني عدم وجود معايير وقواعد للمحاسبة الحكومية في العراق ،بل إن العمل المحاسبي والتدقيقي يعتمد على ماورد في القوانين والأنظمة والتعليمات الصادرة عن وزارة المالية ،وخاصة دائرة المحاسبة وهي الدائرة المسئولة عن تطبيق النظام المحاسبي الحكومي حاليا ،وقانون أصول المحاسبات العامة رقم 28 لسنة 1940 وتعديلاته، وكافة التعليمات المفسرة واللاحقة له ،وقانون الموازنة العامة الموحد للدولة رقم 107 لسنة 1985 وتعديله ،فضلا عن قوانين الموازنة التي تصدر سنويا وما تحويه من تعليمات تنفيذية وتطبيقية .
ومن أهم المعايير والقواعد المحاسبية الحكومية العراقية المستخلصة من المصادر السابقة الذكر هي:ـ
1) قاعدة التخصيصات المعتمدة كماً ونوعاً : بما أن الموازنة العامة للدولة خطة للمستقبل فهي تتضمن ثلاث جوانب رئيسة : الجانب الكمي والجانب النوعي والجانب الزمني (فريح، 1990: 52)، فبالنسبة للجانب الكمي فقد وردت القاعدة المتعلقة به في المادة الخامسة من قانون أصول المحاسبات رقم 28 لسنة 1940 المعدل ،حيث نصت هذه المادة على انه"ليس للوزارات والدوائر أن تتجاوز الاعتمادات المخصصة لها في الموازنة (الميزانية العامة) ولا أن تزيد اعتماداتها بأي نوع من الواردات الخصوصية أو التبرعات ،وليس لها أن تدخل في تعهدات من شانها تجاوز الاعتمادات" ،أما بالنسبة للجانب النوعي فقد نصت المادة السابعة - من القانون ذاته- على أنه :"للوزير المختص إجراء المناقلة بين مواد الفصل الواحد لتوفير إمكانيات الصرف بالنسبة للمصروفات المقننة (المستحقة الأداء) أما المناقلة بين اعتمادات الفصول ضمن القسم الواحد فتكون من اختصاص وزير المالية"،وجاءت المادة 31 من نفس القانون لتؤكد على الالتزام النوعي بالتخصيصات المعتمدة "إن المبالغ التي تصرف فعلا في سنة مالية يتم تبويبها على المادة والفصل الصحيحين في حسابات تلك السنة" ،، أما بالنسبة للجانب الزمني فهو يعني تحديد الفترة الزمنية التي يحق للدائرة أن تتصرف بالمبالغ المخصصة لها للأغراض المحددة وهذه الفترة هي سنة تبدأ من 1/1 وتنتهي في 31/12 من نفس السنة وتنتهي الموازنة بانتهاء هذه الفترة،وتأتي بعهدها موازنة السنة اللاحقة (فريح،1990: 52) .
2) قاعدة الأسس المحاسبية: بالرجوع إلى بعض المواد الواردة في القوانين والتعليمات المالية ،يتبين إن قاعدة اعتماد الأساس النقدي هي السائدة في التطبيق،حيث نصت المادة/ 11 من القانون رقم/ 28 لسنة 1940وتعديلاته على:"الإيرادات المختصة بسنة مالية وجرى قبضها في سنة مالية لاحقة تقيد إيرادات في حسابات السنة المالية التي تم القبض فيها"، أما المادة /12 من نفس القانون فقد نصت على:"المبالغ التي استحق صرفها لقاء خدمات و أعمال كملت في سنة مالية ،إلا إن صرفها لم يتم خلال تلك السنة ،لأسباب جوهرية غير أسباب نفاذ الاعتماد تقيد مصرفا في حسابات السنة المالية التي تم الدفع فيها فعلا مع مراعاة الفقرة الثانية من هذه المادة وهي تخص الرواتب فقط، أما المادة/31 فهي:"لا يجوز قيد المبالغ التي صدر الأمر بصرفها ،ولم يراجع أصحاب الاستحقاق لقبضها مصرفا في الحسابات وإيرادا لحساب الأمانات ، بل تصرف عند مراجعة أصحاب الاستحقاق وتقيد مصرفا في حسابات السنة التي تم فيها الصرف فعلا" وهذا الأساس هو المطبق في النظام المحاسبي الحكومي بشكل عام. أما أساس الاستحقاق فقد ورد كاستثناء للفقرة الأولى من المادة/12 حيث جاء في الفقرة الثانية من هذه المادة:"لوزير المالية أن يستثني من أحكام الفقرة الأولى من هذه المادة الإيرادات المتحققة ولم تقبض خلال السنة المالية التي استحقت فيها " ،وفيما يخص المصاريف فان أساس الاستحقاق يطبق فقط على مصروفات الرواتب كما جاء في الفقرة نفسها.
3) قاعدة الصلاحيات المالية: وردت هذه القاعدة في قانون أصول المحاسبات رقم 28 لسنة 1940وتعديلاته بموجب المواد 10،26، 44 إذ نصت على الآتي:
· م/10:"لا يجوز الدخول بتعهدات أو عقود مالية عن الاعتمادات المصادق عليها في الموازنة بمبالغ تزيد على الخمسة آلاف دينار إلا بعد اخذ موافقة وزير المالية" وقد تغيرت هذه الحدود لتصل في عام 1993 إلى 10000000 دينار.
· م/26:".. لا يجوز قبول الصرف استنادا إلى شهادات شخصية إلا بموافقة الوزير المختص الذي له إن يأمر بقبول الشهادات الشخصية في الأحوال الضرورية لتعزيز المصروفات التي لا تزيد عن (100)دينار في كل قضية أما الشهادات الشخصية التي يتجاوز مبلغها (100) لغاية (200) دينار فيجب إن تقترن بموافقة وزير المالية وتعرض الحالات التي تتجاوز المبلغ المذكور على مجلس الوزراء" وقد تغيرت هذه المبالغ لتصل إلى 10000 و20000 دينار على التوالي في التعديل رقم 25 لسنة 1998.
· م/44 "1- للوزير المختص إن يشطب أو يفقد أو يتلف من أموال الدولة وممتلكاتها إذا كانت قيمتها عند الشراء لا تزيد على (300) دينار في كل قضية ،ولوزير المالية إن يشطب على ما يفقد أو يتلف من الأموال والممتلكات إذا كانت قيمتها عند الشراء لا تزيد على (1000) دينار في كل قضية أما الأموال والممتلكات التي تتجاوز قيمتها المبلغ المذكور فلا يجوز شطبها إلا بقانون"،ثم عُدلت هذه المبالغ إلى أن وصلت عام 1998 إلى (5000000)و(10000000)دينار على التوالي.
· 2-"لوزير المالية شطب الديون التي تثبت استحالة تحصيلها بعد استنفاذ الطرق القانونية بحدود300 دينار في كل قضية وله أن يخول صلاحيته إلى الوزراء المختصين كلا أو جزءا أما الديون التي تزيد عن المبلغ المذكور فلا تشطب إلا بقانون" وقد تغير المبلغ بموجب التعديلات اللاحقة إلى أن وصل في سنة 1998 إلى 1000000 دينار.
4) قاعدة التقيد بقانون الموازنة : تشرع موازنة الدولة بقانون سنوي موحد يسمى قانون موازنة الدولة السنوية ،ويتضمن تفاصيل تخمينات نفقات الدولة وإيراداتها الجارية والاستثمارية ومجاميع موازنات المؤسسات والمصالح الاقتصادية مع بعض الأحكام القانونية الخاصة بزيادة أو تخفيض صلاحيات الوزارات المختصة في تنفيذ المصروفات (العبيدي،1985: 43)وتعتبر هذه من أهم القواعد التي يقوم عليها العمل المحاسبي الحكومي في العراق ،و جاء تحديد هذه القاعدة في عدة مواد من قانون أصول المحاسبات العامة رقم 28 لسنة 1940 ،حيث ورد في هذا القانون"من مسؤولية الوزراء تهيئة تخمينات الإيرادات والمصروفات السنوية للوزارات والدوائر التي تخصها وإيداعها عرفت المادة الثانية من قانون الموازنة العامة للدولة بأنها عبارة عن :" الجداول المتضمنة تخمين الواردات والمصروفات لسنة مالية واحدة تعين في قانون الميزانية"،كما ورد في المادة الخامسة منه وجوب الالتزام بتنفيذ الموازنة حيث جاء فيها:" ليس للوزارات أو الدوائر أن تتجاوز الاعتمادات المخصصة لها في الميزانية العامة ولا أن تزيد اعتماداتها بأي نوع من الواردات الخصوصية أو التبرعات ،كما ليس لها أن تدخل في تعهدات من شانها تجاوز الاعتماد " .
كما صدر قانون خاص بالموازنة العامة للدولة ،هو قانون الموازنة العامة الموحدة للدولة رقم 107 لسنة 1985،الذي تناول جوانب رئيسة مهمة في الموازنة من حيث مكوناتها وطبيعتها و إعدادها وتنفيذها .
5) القواعد الرقابية : تضمنت القوانين والتعليمات المالية العراقية عدد من المواد تناولت مهمة الرقابة وكيفية تطبيقها في النظام المحاسبي الحكومي ،حيث يمكن استخلاص عدد من القواعد الرقابية منها:
الأمر بالصرف، وفق التعليمات الصادرة، حيث نصت المادة (29) من قانون أصول المحاسبات العامة رقم 28 لسنة 1940 المعدل :" على مديري الحسابات ورؤساء ملاحظي الحسابات والمحاسبين ومديري الخزائن، أن يمتنعوا عن قبول صرف المبالغ متى كانت شروط الصرف المعينة في القوانين والأنظمة والتعليمات غير مستكملة ويجب أن يؤشروا على أوراق الصرف أسباب الامتناع عن الصرف[8] ".
المستندات المحاسبية و الثبوتية ،ورد التأكيد عليها في المواد (25، 26، 28 ، 29 ،35 ،36 )من القانون رقم 28 لسنة 1940 المعدل.
- إجراءات الضبط الداخلي على أموال الدولة،حيث حددت القوانين المسؤولية على الموظفين المكلفين بحفظ النقود عند فقدانها سواء أكان بتعمد أم إهمال ،وذلك في المادة 47 من القانون رقم 28 لسنة 1940 المعدل،كما حددت أسلوب حماية هذه الأموال بالمواد (46، 48، 49) من القانون نفسه.
- قيام دوائر الخزينة بالرقابة على تنفيذ موازنة الدولة قبل الصرف، على وفق أحكام قانون أصول المحاسبات العامة ،ولها صلاحية الامتناع عن تنفيذ صرف المستندات غير الأصولية حتى استيفائها لتلك الشروط(العبيدي،1985: 162).
- مسؤولية الرقابة ،وقد حددت في المادة 38 من القانون السابق ،بان يتولاها وزير المالية أو من يخوله ديوان الرقابة المالية،وحددت هذه المسؤولية حصرا بديوان الرقابة المالية دون غيره ،وذلك كما جاء في المادة(17 ) الفقرة الرابعة من القانون رقم 107 لسنة 1985.
6) قاعدة إصدار التقارير المالية : وردت هذه القاعدة في القانون رقم 28 لسنة 1940 المعدل ،وذلك في المادة الثانية منه الفقرة الرابعة التي تضمنت عرض حساب(قياس النتيجة) ،وجاءت التعليمات اللاحقة للقانون حول هذه القائمة تحديدا،كما جاءت المادة 50 /2 من التعديل 25 للقانون السابق ،لتمنح وزير المالية صلاحية إصدار التعليمات التي يتطلبها تنفيذ هذا القانون ،وله أن يعين أشكال ونماذج المستندات المحاسبية والسجلات التي يجب أن تمسك في جميع دوائر الدولة لضبط المعاملات القيدية والحسابية للمصروفات والإيرادات ،وبالرجوع إلى التعليمات المتعلقة بتنفيذ القانون ،يتضح إن القوائم الختامية للدوائر الحكومية هي مجرد جداول للمصروفات النهائية على حسابات الميزانية العامة وجداول الإيرادات النهائية(السعبري،2000: 95).
تمثل القواعد المذكورة سابقا أهم القواعد التي جاءت بها القوانين والتعليمات المالية ولكنها لا تمثل كل القواعد ،لان هناك تعليمات صادرة أو ستصدر من وزارة المالية و دائرة المحاسبة ،وهي تعتبر قواعد تطبيقية أيضا،فضلا عن قواعد وردت في قوانين أخرى بشكل مكرر.
وقد اقترح الباحثان في هذه الدراسه[9] عدة معايير محاسبية حكومية ليتم تطبيقها في الدوائر الحكومية الخدمية العراقية ،والمعايير المقترحة هي:
أ- المعايير والقواعد الخاصة بالمفاهيم العامة ،والمصطلحات والتعاريف الخاصة بالنشاط الحكومي الخدمي غير الهادف للربح ونوعية المحاسبة والتقارير المطلوبة،وتتضمن هذه المعايير الآتي:
· المفاهيم والمصطلحات العامة: وتتضمن نطاق تطبيق المعايير المحاسبية الحكومية ، الوحدة الحكومية،السياسات المحاسبية، التقارير المالية الحكومية ذات الغرض العام،التحقق.
· المفاهيم والمصطلحات الخاصة بالمركز المالي : وتتضمن الأصول ،الخصوم.
· المفاهيم والمصطلحات الخاصة بنتائج العمليات وتقويم الأداء : وتتضمن النفقات ، النفقات النقدية المصروفات ، الفائض/العجز، الفائض/العجز المتراكم ، صافي الأصول، صافي الأصول المالية، المدفوعات، المقبوضات ، الإيرادات ، الفقرات غير الاعتيادية.
ب- معيار الأسس المحاسبية وهو يتضمن: الأساس النقدي، الأساس النقدي المعدل ،أساس الاستحقاق المعدل ،أساس الاستحقاق الكامل.
ج- معيار كشف التدفق النقدي.
د- معايير التقارير المالية: ويتضمن التقارير الخاصة بالوحدة الحكومية ، والتقارير الحكومية العامة.
3.4.أهمية دراسة المعايير المحاسبية الحكومية الإسلامية
يتسم النظام المالي والمحاسبي لأي مجتمع بكونه نظام يتكيف وفقا لملامح ومقتضيات المذهب الاقتصادي ،حيث يتكون الأخير من مجموعة واسعة من الأفكار والمعتقدات والمفاهيم الخاصة بالمجتمع الذي يمثله، ومن ثم فإن قواعد العمل المحاسبي ستختلف باختلاف الجانب الأخلاقي والسياسي والاجتماعي للمجتمع الذي يقوم فيه ذلك النظام ،فما يصلح لمجتمع ما لا يصلح لمجتمع آخر يختلف عنه في المعتقدات والمفاهيم والأخلاق ،فالنظام المحاسبي عامة له هدف معين يتفق مع البيئة التي يعمل بها وينسجم مع طبيعة النشاط الذي تمارسه الوحدة ، ولغرض تحقيق هذا الهدف أو الأهداف يستلزم استخدام مجموعة من القواعد والأسس المقبولة والملائمة لتلك البيئة ، وبما أن النظام المحاسبي الحكومي يعمل في نشاط الوحدات غير الهادفة إلى الربح والممولة مركزيا من قبل الدولة ، الأمر الذي يحدد على هذا النظام أن يتطابق مع دستور وقوانين الدولة التي يعمل بها( سلوم، 2004: 51).
كما إن نجاح نظام أو منهجا ما – محاسبي على سبيل المثال- لا يتم بمجرد وضعه بإطار تنظيم اجتماعي تتبناه الدولة وتلتزم به فقط ،وإنما لا يتم تحقيق أهداف هذا النظام وإحراز نجاحه إلا إذا اندمجت الأمة والشعب مع هذا النظام وتفاعلت معه ،ويعلق الصدر (1973 :المقدمة )على ذلك بقوله:" ... حركة الأمة كلها شرط أساسي لإنجاح أي تنمية ،وأي معركة شاملة ضد التخلف ،لأن حركتها تعبير عن نموها ونمو إرادتها وانطلاق مواهبها الداخلية ،وحيث لا تنمو الأمة لا يمكن أن تمارس عملية تنمية ،فالتنمية للثروة الخارجية والنمو الداخلي للأمة يجب أن يسيرا في خط واحد " ،وإننا عندما نستقري التاريخ نجد هذه الأطروحة حقيقة واضحة تمثلت بتجربة الدول الإسلامية التي أرادت – بعد أن تخلصت من الاستعمار – أن تلحق به مرة أخرى فقامت مؤسساتها وخططها وبرامجها ومرافقها المتنوعة وفق المنهج الأوربي(الغربي) الذي يختلف عنها فكرا وعقيدة وعرفا وتقاليد وثقافة ودينا،وعبثا حاولت السير على نهجه فقد فشلت فشلا ذريعا ولم تجني من وراء الجري وراء الغرب والتقليد الأعمى لأفكاره ومعتقداته سوى الخيبة والخذلان،ولم يكن نجاح المناهج الأوربية (الغربية) في الدول الغربية) إلا بسبب كون هذه المناهج تتلاءم ومعتقدات وثقافات تلك الشعوب ،كما إن تفاعل الشعوب الأوربية وارتباطها مع تلك المناهج وتأييدها لها الأثر الملموس في نجاح تلك المناهج هناك،في حين إن ذات المناهج التي طبقت في الدول الإسلامية فشلت ولم تلق ذاك النجاح الذي شهدته في دولها،وللسبب ذاته وهو عدم تفاعل الشعوب المسلمة مع هذه المناهج ،فضلا عن كونها لا تتلاءم ولا تتناسب مع فكر وعقيدة وتقاليد المسلمين، وفي السياق ذاته تشير [10]:( Rahman , 2002) إلى أن الاقتصاد الإسلامي والمجتمع الإسلامي برمته يستند على أحكام الشريعة المقدسة أي القانون الإسلامي، والهدف الأساس للشريعة يتمثل في ضمان العيش الكريم لعموم أفراد المجتمع فهي تسير باتجاه تحقيق العدالة الاجتماعية وهذا هو الفرق الأساس بين الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد الغربي ،فضلا عن اختلافات أخرى، لذلك لا يمكن تطبيق تقنيات المحاسبة الأنجلو- أمريكية في اقتصاديات إسلامية ، لأنها عندئذ تسبب صعوبات وعراقيل شرعية أحيانا كثيرة للمسلمين حول العالم ، لهذا فإنه من المهم واللازم على المحاسبين المسلمين أن يطوروا معايير محاسبية خاصة بتلبية الاحتياجات الإسلامية.، ويبين لنا الشكل رقم(2) أهمية التناسق والتوافق بين النظام الاجتما اقتصادي والنظام المحاسبي[11] :
الشكل رقم(2)
أهمية التناسق والتوافق بين النظام الاجتما اقتصادي والنظام المحاسبي
سلوك غير متوافق مع المستخدمين المسلمين
من جانب آخر أصبح من الأسباب الأساسية لدراسة المعايير المحاسبية الحكومية الإسلامية حاليا هي الظروف التي يمر بها النظام المحاسبي الحكومي في العراق في ضوء المتغيرات التي حصلت بالانتقال من المركزية إلى اللامركزية[12] وبيان مدى الحاجة إلى أساليب متطورة في النظام المحاسبي والانتقال إلى اللامركزية لتحقيق الأهداف المطلوبة وتقديم اقتراحات محددة في هذا المجال لما يوفر حلول للمشاكل والمعوقات التي تعاني منها الوحدات والجهاز المركزي للحسابات في الدولة(سلوم، 2004: 52).
إن افتراض تقدم البشرية على وفق نموذج (منهج) وحيد هو النموذج الغربي يعد افتراضا خطئا ووهما خطيرا ،إذ يعني تخلي الشعوب عن تراثها الحضاري وقدراتها الإبداعية (العيساوي، 2003: 146) ،وعلى الرغم من إن المناهج الأوربية قد وصلت إلى مرحلة متقدمة من التطور العلمي والتقني والتي من ضمنها العلوم المحاسبية ،إلا أن ذلك كان على حساب الجانب الآخر من التطور وهو الجانب الروحي والمعنوي والأخلاقي الذي تفتقر إليه تلك المناهج وتلك الشعوب إن لم نقل إنه معدوم فيها[13]، وبالتالي فإن تلك المناهج لا تتناسب مع المجتمع الإسلامي والثقافة الإسلامية والمعتقدات الإسلامية ،وهي غير قادرة - المحاسبة الغربية أو الوضعية – على تنظيم شؤونه المالية والمحاسبية بصورة عادلة و كفوءة ، فاختلاف الأفكار والمعتقدات والمفاهيم والثقافات والتقاليد بين المجتمع الغربي والمجتمع الإسلامي يؤدي إلى تباين النظم بين المجتمعين ، واختلاف المحاسبة ونظمها وقواعدها ومعاييرها باختلاف المتغيرات البيئية (كالثقافة والاقتصاد والدين والسياسة وغيرها) هي حقيقة معروفة أقرت بها النظم الوضعية واعترفت بها ،بحيث أورد كتاب المحاسبة العديد من التصنيفات لهذه المتغيرات ،ووصلت في بعض الحالات إلى سبعة عشر متغير(سبب) يؤدي إلى اختلافات في المحاسبة منها الدين وطبيعة الملكية والأنظمة المالية ((العيساوي، 2003: 147) ،فقد ذكر Bloom & Nasiri(1989:70) : أن عملية صياغة المعايير المحاسبية تتأثر إلى حد كبير بالثقافة السائدة في بلد ما ،ووجدا في دراسة لهما على عينة شملت تسعة دول، أن هناك اختلافات واضحة في عملية صياغة المعايير المحاسبية في تلك الدول، ولم تكن تلك الاختلافات مستغربة أو غير متوقعة في وجود الاختلافات والتباينات الثقافية والحضارية بين هذه البلدان –على الرغم من وجود عناصر مشتركة أخرى بينها- كما ذكر Perera(1989:47) في دراسة له عن أثر الثقافة على المحاسبة: أن هناك عدة عناصر (عوامل) ثقافية تؤثر على أوجه معينة من التطبيق المحاسبي، خاصة فيما يتعلق بصلاحية وسلطة النظم المحاسبية ومدى هيمنتها على التطبيق العملي للمهنة، وكذلك على تطبيقات القياس المحاسبي المستخدمة ، ونطاق المعلومات المفصح عنها.وفي نفس السياق ذكرت [14]) (Sulaiman,2004: إن النظام المحاسبي لدولة ما يتأثر بصورة ملموسة بعدة عوامل بيئية ،وهذه العوامل تتضمن الإطار القانوني والسياسي وطبيعة الملكية ودرجة تعقيد الأعمال والمستوى الثقافي والتخصصي لمدراء الإعمال ودرجة التدخل القانوني والتشريعي في الأعمال ووجود هيئات تشريعية محاسبية وسرعة الإبداعات والتحديث في مجال الأعمال ومستوى التطور الاقتصادي ونموذج النمو الاقتصادي ومستوى التعليم المهني والتنظيمي والمناخ الاجتماعي والديني ،وعليه فإن طريقة وأسلوب العمل والنظام المحاسبي سيختلف باختلاف العوامل المذكورة أعلاه، وما يصلح لمجتمع ما لا يصلح لمجتمع آخر يختلف عنه في المعتقدات والمفاهيم والثقافات والأخلاق ونحوها، ويبين لنا الشكل الآتي أهم العناصر الثقافية التي لها آثار ونتائج كبيرة على المحاسبة[15]:
الشكل رقم (3)
أهم العناصر الثقافية المؤثرة على المحاسبة
نظم محاسبية
السلطة، التطبيق، القياس، الإفصاح.
قيم محاسبية
المهنية، التوجيه، التحفظ، الكتمان والسرية.
قيم اجتماعية
قيم متعلقة بالإدارة والعمل، فردية، تجنب عدم التأكد، الرجولة.
تعزيز القوة
إن هذه الحقيقة التي اعترفت بها مؤخرا النظم الوضعية الحديثة والمعاصرة ،قد أقرها القرآن الكريم قبل هذا الوقت بعدة قرون ،حيث يقول الله تبارك وتعالى في محكم كتابه المجيد:" لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة" (المائدة، 48)،أي أن كل ملة قد أفردت لها شرعة ومنهاج ونظام للحياة يهديها إلى السبيل الواضح ،وكلمة شرع أو الشريعة تعني الطريق الذي يؤدي إلى الماء وينتهي به ،أما كلمة النهج أو المنهاج فهما تطلقان على الطريق الواضح،وتطلق كلمة الشريعة على الدين لأن الدين ينتهي بحقائق وتعاليم هدفها تطهير النفس الإنسانية وضمان الحياة السليمة للبشرية.
يبين لنا القرآن الكريم في هذه الآية المباركة حقيقة تكوينية هي أن لكل مجتمع من المجتمعات الإنسانية معتقداته وأفكاره الخاصة به وثقافته وتراثه وتقاليده التي يتميز بها وطريقته وأسلوبه في إدارة شؤون الحياة التي ينفرد بها ، فقد جعل الله لكل أمة ولكل مجتمع شريعة واضحة لا التباس فيها ولا غموض ،كما تنص هذه الآية على إن اختلاف المجتمعات في معتقداتها وأفكارها وتقاليدها وأعرافها لم يكن يختص بعصر دون آخر ولا ملة دون أخرى ،وإنما لم تكن شريعة الله واحدة لكل الناس في كل العصور وأنها كانت فيما مضى مؤقتة بأمد محدود ،وأن الأديان تتفق وتتحد في أصول العقيدة فقط لا في الشريعة .
وخلاصة القول أن المجتمع الإسلامي له معتقداته ومفاهيمه ومبادئه وأهدافه الخاصة به التي يستقيها من الشريعة الإسلامية،وبالتالي فإن أي نظام حياتي واجتماعي يمارسه الفرد المسلم أو يتأثر به(سواء أكان بطريق مباشر أم غير مباشر) فإنه لابد أن يصمم ويطبق وفق أحكام الشريعة المقدسة أيضا ،والسير على هذه الشريعة وهذا المنهاج(الإسلامي) يضمن لنا عدة أمور:
· التوافق و التلاؤم بين معتقدات ومفاهيم ومبادئ المجتمع الإسلامي والنظم الاجتماعية والحياتية المختلفة له ،الذي يؤدي إلى تفاعل الشعب المسلم مع هذه النظم ،ومن ثم نجاح الأخيرة وفعاليتها في تحقيق أهدافها ووظيفتها في المجتمع الإسلامي.
· إن الأخذ بأحكام الدين الإسلامي وتشريعاته المختلفة في جميع مجالات الحياة التي من ضمنها مجال بحثنا ، يجعل النظام الاقتصادي الإسلامي والنظام المحاسبي (الحكومي) الإسلامي متميزا ومتفوقا على جميع الأنظمة الوضعية ،وهذه الحقيقة ليست بشهادة المفكرين الإسلاميين فحسب، بل حتى أولئك الذين يعارضون الاقتصاد الإسلامي فإنهم يقرون بأن المعايير والقيم الاقتصادية (بما فيها المحاسبية) الإسلامية تؤدي إلى رفع الكفاءة الاقتصادية (خرابشة، 1990: 1325).
· إن الإسلام دين البشرية جمعاء لا المسلمين فحسب حيث يقول الله تعالى:" وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون" (سبأ، 28)، كما يقول تعالى:" وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" (الأنبياء،107)، وهو الدين الأوحد والخالد " إن الدين عند الله الإسلام" (آل عمران، 19) الصالح لكل زمان ومكان ،فهو يحتوي على قواعد ثابتة محال أن تتغير بتغير الأزمان والأموال لأنها تلاءم الإنسان من حيث هو إنسان لا من حيث إنه قديم أو حديث ،من ذلك على سبيل المثال : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، كل إنسان بريء حتى تثبت إدانته ، الصلح خير ،إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، الناس عند شروطهم ، لا ضرر ولا ضرار ، الحدود تدرأ بالشبهات ، الضرورات تبيح المحظورات،فهذه المبادئ محال أن تتغير إلا إذا تغيرت طبيعة الإنسان(مغنية،1981م،سورة الأنبياء:الآية 107).
والجدير بالذكر القول بأن الأنشطة الاقتصادية الإسلامية في ضمنها الأنشطة المحاسبية الحكومية تقع تحت باب المعاملات في الفقه الإسلامي ، وفي هذا السياق يرى الشيخ الفياض: " أن دراسة الأنشطة الاقتصادية في الإسلام بصورة معمقة وموسعة في الحوزات العلمية الكبيرة التي تطورت وتعمقت وتوسعت عصرا بعد عصر تؤكد أصالة المسلمين في التشريع والتفكير واستقلالهم في النظام الاقتصادي"[16].
إن عملية تطبيق الأحكام والمعايير الإسلامية وفي جميع مجالات الحياة بما فيها المحاسبة وظيفة المسلمين ككل بحكم اعتقادهم بالإسلام ومسئوليتهم أمام الله تعالى ،وعملية التطبيق هذه تدل على أصالة المسلمين واستقلالهم في تشريعاتهم المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
نستخلص مما سبق أن المحاسبة الحكومية تقوم بدور مهم وبارز في مجال حماية أموال الدولة والممتلكات العامة من خلال تنظيم العمل المالي والمحاسبي الحكومي للأموال العامة وإحكام الرقابة عليها ، ولكي تؤدي دورها المنشود فإنها تحتاج إلى قاعدة متينة من الأهداف والمفاهيم والمبادئ والمعايير التطبيقية المتقنة اللازمة لذلك، وتمثل المعايير أدوات التطبيق العلمي للمحاسبة ، وتتضمن هذه الأدوات أنظمة وقواعد وطرق وأساليب فنية وإجراءات تطبيقية يمكن من خلالها وضع المبادئ الاقتصادية والمحاسبية موضع التنفيذ والتطبيق،وهي تتضمن قيودا تطبيقية ومبادئ محاسبية وافتراضات ومفاهيم محاسبية.
والمحاسبة الحكومية خصوصا والمحاسبة عموما من النظم المفتوحة التي تؤثر وتتأثر بالبيئة المحيطة بها، وهي تتكيف وفق المذهب الاقتصادي للدولة المعنية،فللنظام الاقتصادي المعمول به في الدولة والتقاليد والأعراف البيئية أثر كبير على صياغة السياسة المحاسبية وبخاصة السياسة المحاسبية الحكومية التي تخضع بصورة كاملة – في أغلب الأحيان – إلى التشريعات القانونية والتعليمات الصادرة من الحكومة المعنية. وبالنسبة للمجتمع الإسلامي فإن المحاسبة الحكومية التي تتلاءم وتتكيف معه هي تلك المحاسبة التي تستند في مبادئها وقواعدها ومعاييرها على أسس وأحكام ومفاهيم إسلامية.
والشريعة الإسلامية زاخرة بالقواعد والمعايير التي تتعامل مع الإنسان من حيث كونه إنسان لا من حيث كونه قديم أو حديث، وبالتالي فإن من واجباتنا الأساسية نحن المسلمين تطبيق أحكام شريعتنا المقدسة في جميع مجالات الحياة ،لأن ديننا المقدس دين شامل يحتوي على أحكام وقواعد ومعايير تضم كل نواحي وجوانب الحياة الإنسانية المادية منها والمعنوية على حد سواء ،فيقول الله تعالى:" ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين" (النحل، 89)،والمحاسبة الحكومية ليست استثناء من ذلك ، من جانب آخر فقد حذرنا الله تعالى من تجزئة القرآن ،أي أخذ بعض أحكامه وترك البعض الآخر فيقول سبحانه :" الذين جعلوا القرآن عضين" (الحجر،91)،أي الذين قسموا الآيات القرآنية أصنافا فما كان ينفعهم أخذوه وما كان لا ينسجم ومشتهياتهم تركوه ،فبدل أن يكون كتاب الله هاديا وقائدا جعلوه آلة بأيديهم ووسيلة للوصول لأهدافهم الشريرة ، فلو وجدوا فيه كلمة واحدة تنفعهم لتمسكوا به ولو وجدوا ألف كلمة لا تنسجم مع منافعهم الدينية لتركوها بأجمعها.
وتحقيقا لأهداف البحث المتمثلة أساسا بإثبات أصالة معايير المحاسبة الحكومية في الإسلام ،وإثبات أن لها جذورا إسلامية ،فضلافإن ذلك يستدعي التعرف أولا على ماهية الاقتصاد الإسلامي ومبادئه وخصائصه وأهدافه وأدواته التي من ضمنها النظام المالي والمحاسبي الإسلامي، فضلا عن التعرف على الجذور التاريخية للمحاسبة الحكومية في الإسلام.
المبحث الثاني
المحاسبة الحكومية في التشريع الاقتصادي الإسلامي
يعتبر الجانب الاقتصادي أكثر الجوانب الحياتية تأثيرا في الحياة الاجتماعية للشعوب،وهو يمثل أحد العناصر المهمة المكونة للنظام الاجتماعي العام ومنذ أمد بعيد والمشكلة الاقتصادية تمثل إحدى القضايا المهمة التي تصدى لها الإنسان وسعى بكل جهد وطاقة لحلها والتغلب على أسبابها في سبيل تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي له وتحقيق النظام الاجتماعي الأمثل.
وقد استخدم الإنسان وبما يملك من قوة العقل والتفكير والخبرات المكتسبة والتجارب التي مر بها مجموعة من القوانين والطرق البسيطة والأقل تعقيدا في تنظيم العلاقات الاقتصادية والمالية والتجارية، إلا انه لم يصل إلى هدفه المنشود إلا من خلال تعاليم السماء الخالدة والوحي الإلهي الذي نقله لنا الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ليضيئوا بها طريق البشرية،والإسلام الحنيف باعتباره رسالة إلهية قائمة على إيجاد أساس التكامل المعنوي والروحي للإنسان ،لذلك فانه قد أولى موضوع الاقتصاد والمال وكيفية تنظيمهما عناية فائقة وأهمية قصوى ،وذلك لما يمثله هذا الموضوع من دور مهم في سبيل إيجاد هذا التكامل المعنوي والروحي ،وكما يقول الصدر(قده)(1973: المقدمة):" إن الأخذ بالإسلام أساسا للتنظيم العام يتيح لنا إن نقيم حياتنا كلها بجانبيها الروحي والاجتماعي على أساس واحد لان الإسلام يمتد إلى كلا الجانبين بينما تقتصر كثير من المناهج الاجتماعية الأخرى غير الإسلام على جانب العلاقات الاجتماعية والاقتصادية من حياة الإنسان ... إن كل من الجانبين الروحي والاجتماعي ليسا منعزلين أحدهما عن الآخر بل هما متفاعلان إلى درجة كبيرة وهذا التفاعل يجعل إقامتهما على أساس واحد اسلم وأكثر انسجاما مع التشابك الأكيد بين النشاطات الروحية والاجتماعية في حياة الإنسان"لقد وضع الإسلام نظاما اقتصاديا خاصا يتميز بالمرونة والاتساع بحيث يجعله نظام اقتصادي متكامل صالح للتطبيق في كل زمان ومكان ،وفي هذا المبحث سيتم توضيح أهم المرتكزات والأسس التي يقوم عليها الاقتصاد الإسلامي وكذلك توضيح مفهوم وأهداف النظام المالي والنظام المحاسبي الحكومي في الإسلام والتطرق إلى الجذور التاريخية لأسس الاقتصاد والمال والمحاسبة في الدولة الإسلامية.
المطلب الاول:الاقتصاد الإسلامي
يتميز الاقتصاد الإسلامي بأنه اقتصاد عقائدي ،فالدين يشكل الإطار الشامل له ، وهذا الإطار هو الذي يجعل النظام الإسلامي قادرا على النجاح وضمان تحقيق المصالح الاجتماعية العامة للإنسان ،لان هذه المصالح الاجتماعية لا يمكن أن يضمن تحقيقها ألا عن طريق الدين (الصدر،1973: 278)، وفي هذا المبحث سيتم التعرف على الأبعاد الرئيسة للاقتصاد الإسلامي وخصائصه وواجبات الدولة في الاقتصاد الإسلامي ومسؤولياتها ،ولكن قبل ذلك كله سنوضح طبيعة المشكلة الاقتصادية و أسبابها من وجهة نظر الإسلام الحنيف .
1.1.ما هي المشكلة الاقتصادية في الإسلام؟
نتيجة التطور الاجتماعي والاقتصادي الذي شهدته البشرية وبعد تعدد السلع المنتجة وبعد النمو السكاني الكبير وتعدد رغبات واحتياجات الفرد في ظل هذا التطور الاجتماعي والاقتصادي الكبير، تزايدت الحاجة لأسلوب ما لتنظيم وتوجيه الحياة الاقتصادية ، وظهرت المشكلة الاقتصادية التي اتفقت جميع الاتجاهات والتيارات الفكرية الاقتصادية على وجودها وعلى ضرورة معالجتها إلا إنها لم تتفق على تحديد طبيعة هذه المشكلة وأسلوب حلها والتخلص منها .
فالرأسمالية تعتبر إن المشكلة الاقتصادية هي قلة الموارد الطبيعية نسبيا، وهذه الموارد غير كافية لإشباع الرغبات والحاجات المادية الحياتية للإنسان والمتزايدة مع مرور الزمن،فتكون المشكلة الاقتصادية هي في كيفية التوزيع الأمثل للموارد الاقتصادية النادرة بحيث تحقق أعلى إشباع ممكن للحاجات الإنسانية المتزايدة وما هو النظام الذي يكفل هذا التوزيع، في حين إن الماركسية تؤمن بان المشكلة الاقتصادية تتمثل بالتناقض المستمر بين الشكل والنظام الذي يتم بها الإنتاج في المجتمع وبين نظام التوزيع الذي هو النظام الاجتماعي والذي بواسطته يتم تقسيم وتوزيع الثروات المنتجة، في حين إن المفروض أن يتطور النظام الاجتماعي (نظام التوزيع) مع كل تطور يحصل في نظام الإنتاج ومن هنا تطرح الماركسية الحل بإلغاء التناقض بين الشكلين و إحلال التوافق بينهما فتزول المشكلة(المعارف الإسلامية،بدون تاريخ:8 ).
أما الإسلام فهو لا يعتقد مع الرأسمالية إن المشكلة مشكلة الطبيعة وقلة مواردها لأنه يرى إن الطبيعة قادرة على ضمان كل حاجات الحياة التي يؤدي عدم إشباعها إلى مشكلة حقيقية في حياة الإنسان، كما لا يرى الإسلام إن المشكلة هي التناقض بين شكل الإنتاج وعلاقات التوزيع كما تقرر الماركسية و إنما المشكلة هي في الإنسان نفسه لا الطبيعة ولا أشكال الإنتاج (الصدر،1973 :307 )، وهذه الحقيقة يكشفها القران الكريم في الآيات المباركة من قوله تعالى:"الله الذي خلق السماوات والأرض وانزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار واتاكم من كل ما سألتموه وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار"(إبراهيم،32-35 )،فهذه الآيات المباركة تبين إن الله تعالى قد سخر للإنسان في هذا الكون الفسيح كل مصالحه ومنافعه ووفر له الموارد الكافية لاحتياجاته المادية، ولكن الإنسان هو الذي ضيع على نفسه هذه الفرصة التي منحها الله له ،بظلمه وكفرانه للنعمة ويذكر المفسرون إن المقصود بالظلم هنا هو منع الحق والإسراف والتبذير وما شابه، أما الكفر فيتمثل في ترك الشكر على هذه النعم(المعارف الإسلامية،بدون تاريخ:8)، وهذا الظلم وكفران النعمة هو سبب المشكلة الاقتصادية في حياة الإنسان . ويتجسد ظلم الإنسان على الصعيد الاقتصادي في سوء التوزيع ويتجسد كفرانه للنعمة في إهماله لاستثمار الطبيعة وموقفه السلبي منها(الصدر،1973: 308).
ولم يكتف الشرع المقدس بتحديد أسباب المشكلة الاقتصادية من وجهة نظره فحسب و إنما وضع الحلول المناسبة والسبل الكفيلة للتغلب على تلك الأسباب والقضاء عليها ، فقد وضع الحلول الكفيلة بمحو الظلم من العلاقات الاجتماعية للتوزيع من خلال وضع حلول مناسبة لمسائل التوزيع والتداول أما كفران الإنسان للنعمة فقد عالجه بتجنيد طاقات الإنسان واستغلال موارد الطبيعة الاستغلال الأمثل واستثمارها وذلك من خلال وضع مفاهيم و أحكام ملائمة للإنتاج وطرقه، فالإسلام يؤكد بالدرجة الأولى على أهمية الدور الذي يلعبه الإنسان بحاجاته ورغباته وسلوكه ومدى التأثير الذي يمكن أن يحدثه هذا الدور في تحجيم كل جانب من جوانب المشكلة الاقتصادية ، فالإنسان المسلم حقا يمكن بسلوكه البعيد عن الترف والإسراف ،والمتسم بالعدالة والنزاهة وعدم الاستغلال وبمقدرته على كبح رغباته ونزعاته الاستهلاكية أن يخفف إلى حد كبير من الوزن النسبي الذي أعطته النظم الاقتصادية المعاصرة لكل جانب من الجوانب المعروفة للمشكلة الاقتصادية ، وقد أكد القران الكريم على ضرورة عدم التطرف في السلوك الإنساني بقوله تعالى:" والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما"(الفرقان، 67) أما المفاهيم والأحكام التي جاء بها الإسلام الحنيف لحل المشكلة الاقتصادية فسنتعرف عليها بعد قليل من خلال التعرف على ماهية الاقتصاد الإسلامي وأركانه وخصائصه.
2.1.المذهب الاقتصادي الإسلامي
قبل الخوض في رحاب الاقتصاد الإسلامي وتفاصيله، يجدر بنا أن نتوقف قليلا عند ملاحظة مهمة ،تتعلق بالتمييز بين كلمتي المذهب الاقتصادي وعلم الاقتصاد ولأي منهما تدرج كلمة الاقتصاد الإسلامي،حتى تتضح لنا المعالم والأهداف والأبعاد الرئيسة والجوهرية للاقتصاد الإسلامي ، وفي هذا الصدد يقدم لنا الشهيد الصدر(قده) "( 1973: 341) تمييزا واضحا وبينا للكلمتين ، فهو يعرف المذهب الاقتصادي للمجتمع بأنه"عبارة عن الطريقة التي يفضل المجتمع إتباعها في حياته الاقتصادية وحل مشاكلها العملية ، وعلم الاقتصاد هو العلم الذي يتناول تفسير الحياة الاقتصادية وأحداثها وظواهرها،وربط تلك الأحداث والظواهر بالأسباب والعوامل العامة التي تتحكم فيها "، أما الفنجري (1980: 80-81) فيرى أن المذهب الاقتصادي في الإسلام يتضمن المبادئ والأصول الاقتصادية التي جاء بها الإسلام منذ أربعة عشر قرنا ،وكذلك يتضمن السياسة الاقتصادية في الإسلام.
فالمذهب الاقتصادي هو الذي يقدم الطريقة المثلى لتنظيم الحياة الاقتصادية على ضوء مجموعة من المفاهيم العامة والتشريعات للوصول إلى العدالة المنشودة ،وبذلك فان وظيفة المذهب تتمثل بتقييم وتغيير الواقع، أما علم الاقتصاد فهو يبحث في الواقع الاقتصادي القائم ليكشف عما يجري فيه فيحدد قوانينه والعلاقات الاقتصادية القائمة والظواهر و أسبابها سواء أكانت طبيعية كظاهرة تناقص الغلة أم اجتماعية كظاهرة انخفاض الأسعار(المعارف الإسلامية: 9).
ويمكن القول إن المذهب الاقتصادي يشمل كل قاعدة تتصل بفكرة مسبقة ،وعادة ما تكون مرتبطة بفكرة العدالة الاجتماعية ، وعلم الاقتصاد يشتمل كل نظرية تفسر واقعا في الحياة الاقتصادية دون أن يكون هنا مثلاً أعلى يستند إليه(تسخيري،2003 :193)، ففكرة العدالة هي الحد الفاصل بين المذهب والعلم، والعلامة الفارقة التي تميز بها الأفكار المذهبية عن النظريات العلمية ،لان فكرة العدالة نفسها ليست علمية ولا أمرا حسيا قابلا للقياس والملاحظة أو خاضعا للتجربة بالوسائل العلمية و إنما العدالة تقدير وتقويم خلقي خارج عن حدود القياس المادي(الصدر،1973 :345) .
وعلى هذا الأساس يتبين إن المقصود بالاقتصاد الإسلامي هو المذهب الاقتصادي للإسلام الذي تتجسد فيه الطريقة الإسلامية في تنظيم الحياة الاقتصادية ،بما يحتوي عليه هذا المذهب من أفكار ومفاهيم الإسلام الأخلاقية وكذلك المفاهيم العلمية الاقتصادية والتاريخية (الصدر،1973 :9).
من جهة أخرى فإن معرفتنا بالمذهب الاقتصادي الإسلامي من حيث الأصول والمبادئ والمعايير التي يحتويها ، يمكننا من خلالها أن نحدد حكم أو موقف الإسلام بالنسبة للمذاهب والأنظمة الاقتصادية الوضعية المعاصرة ،وعلى ضوء هذه الأصول والمبادئ نستطيع أيضا أن نحكم على أي نظام في العالم الإسلامي – أيا كان وصفه- بأنه يبتعد أو يقترب من التطبيق الإسلامي الصحيح (الفنجري، 1980: 81)،وبعد أن عرفنا معنى الاقتصاد الإسلامي ، ننتقل إلى توضيح هيكله العام وخصائصه.
3.1.الأركان الأساسية للاقتصاد الإسلامي
يتشكل الاقتصاد الإسلامي من ثلاثة أركان أساسية تميزه عن بقية الأنظمة وتحدد هويته الإسلامية و هي (الصدر،1973: 257):-
أ- مبدأ الملكية المزدوجة .
ب- مبدأ الحرية الاقتصادية المحدودة.
ت- مبدأ العدالة الاجتماعية.
وفيما يلي، سنتحدث عن هذه الأركان بشيء من التفصيل :-
أ)مبدأ الملكية المزدوجة
تؤمن اقتصاديات السوق بالملكية الخاصة (الفردية)وتعتبرها من الأسس الفلسفية لنظام السوق ،فهي تسمح للأفراد (مستهلكين ومنتجين) بتملك مختلف أنواع الثروة في البلاد واستخدامها لإنتاج مختلف السلع والخدمات ، وهي-الرأسمالية- لا تعترف بالملكية العامة إلا في حالات استثنائية جدا وعندما تفرضها الحاجة الملحة لتجربة أو ظرف اجتماعي معين،أما الاقتصاديات المخططة مركزيا(الاقتصاديات الاشتراكية) فهي على العكس تماما إذ تتخذ من الملكية العامة مبدأً أساسيا لها ،وهذه الملكية العامة تطبق على جميع عناصر الإنتاج(الثروة) في البلاد أي إن العوامل المادية للإنتاج كالأرض ورأس المال هي مملوكة للسلطة المركزية(الدولة)،أما الملكية الخاصة فهي حالة شاذة أو استثنائية نتيجة لظرف اجتماعي قاهر. وقد أثبتت التجربة وبين لنا تاريخ هذه النظم فشلهما تماما في تنظيم الحياة الاقتصادية ومن ثم الاجتماعية لمجتمعاتهما وظهرت الانتقادات تلو الانتقادات لكليهما نتيجة للأفكار الخاطئة التي تقوم عليها فلسفتيهما ومنها ما يتعلق بطبيعة الملكية ونوعيتها،حيث برهن الواقع على خطا الفكرة القائلة بالشكل الواحد للملكية، فاضطرت الرأسمالية للتأميم (الملكية العامة) وهو اعتراف ضمني بعدم جدارة المبدأ الرأسمالي في الملكية ، كما إن الاشتراكية اعترفت بالملكية الخاصة قانونا مرة وبشكل غير قانوني مرة أخرى، وظهر فيما بعد ما يسمى بالاقتصاديات المختلطة أي إنها خليط من النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي ولكن بنسب متفاوتة فنجد اقتصادا يغلب عليه الطابع الرأسمالي ،كالاقتصاد الأمريكي واقتصاديات أوروبا الغربية فيسود فيها بشكل واضح أسس ومبادئ اقتصاديات السوق الحر مع وجود عناصر قوية تعكس سيطرة الدولة أو تدخلها كما في مجالات الدفاع والتعليم والطرق، ومن جانب آخر فإننا نجد دولا كروسيا والصين يغلب على اقتصادياتها طابع التوجيه والتخطيط وتدخل السلطة المركزية ، ألا أنها تسمح أيضا بوجود أشكال من الملكية الخاصة البسيطة كامتلاك منزل سيارة ,أو حتى مؤسسة صغيرة.
أما الاقتصاد الإسلامي فلا تنطبق عليه الصفة الأساسية لأي من الاقتصاديات السابقة، فلا هو رأسمالي المذهب لأنه لا يتفق مع الرأسمالية في القول بان الملكية الخاصة هي المبدأ ولا هو اشتراكي المذهب لأنه لا يتفق مع الاشتراكية في اعتبار الملكية العامة قاعدة أساسية لها، و لا هو اقتصاد خليط فيما بينهما .
بل إن الاقتصاد الإسلامي هو اقتصاد أصيل يقوم على أسس فكرية معينة ضمن إطار من المفاهيم والقيم تختلف اختلافا جوهريا عن معتقدات الاقتصاديات السابقة . فالإسلام يعترف بالأشكال المتنوعة للملكية في وقت واحد ، فهو يؤمن بالملكية الخاصة والعامة وملكية الدولة ، و لا يعتبر شيئا منها استثناءً أو علاجا مؤقتا(تسخيري،2003 :140)،فالإسلام يقرر حرية الأفراد في ممارسة نشاطهم الاقتصادي وإنه يعترف لهم بالملكية الخاصة بكافة صورها الاستهلاكية والإنتاجية، بما في ذلك العقارات والمصانع والأراضي الزراعية وذلك في غير حدود ،إذ أن القيود التي يقررها الإسلام على الملكية الخاصة لا تتعلق بتحديدها أو وضع حدا أعلى لها ،وإنما تتعلق بكيفية استعمالها(الفنجري، 1980: 107)، بل إن الإسلام يتشدد في حماية الملكية الخاصة حيث يقول النبي (ص):" كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" (رواه البخاري ومسلم) ويقول (ص) :"من قتل دون ماله فهو شهيد" (رواه النسائي).وهنا يعقب الصدر (1973: 258-259) على ذلك بقوله:"ولهذا كان من الخطأ أن يسمى المجتمع الإسلامي : مجتمعا رأسماليا وان سمح بالملكية الخاصة ،لعدة من رؤوس الأموال ووسائل الإنتاج لان الملكية الخاصة عنده ليست هي القاعدة العامة. كما إن من الخطأ أن نطلق على المجتمع الإسلامي اسم المجتمع الاشتراكي، وان اخذ بمبدأ الملكية العامة وملكية الدولة في بعض الثروات ورؤوس الأموال لان الشكل الاشتراكي للملكية ليس هو القاعدة العامة في رأيه.وكذلك من الخطأ أيضا إن يعتبر مزاجا مركبا من هذا وذاك، لان تنوع الأشكال الرئيسية للملكية في المجتمع الإسلامي ،لا يعني إن الإسلام مزج بين المذهبين :الرأسمالي والاشتراكي،واخذ من كل منهما جانبا..وإنما يعبر ذلك التنوع في أشكال الملكية عن :تصميم مذهبي أصيل قائم على أسس وقواعد فكرية معينة ،وموضوع ضمن إطار خاص من القيم والمفاهيم ، تناقض الأسس والقواعد والقيم والمفاهيم التي قامت عليها الرأسمالية الحرة ،والاشتراكية الماركسية".
ب)مبدأ الحرية الاقتصادية المحدودة
يطلق المذهب الرأسمالي حريات الأفراد في المجال الاقتصادي على أوسع مدى وبدون تقييد،فللمنتج الحرية في إقرار طبيعة السلعة التي سيقوم بإنتاجها والكيفية التي سينفذ بها ذلك،كما انه له الحرية في إقرار نوع العمل الذي سيقوم به واختيار نوع السلع التي سينفق عليها دخله، أما المستهلك فهو الآخر له الحرية المطلقة في تحديد رغباته وذوقه ومقدرته في اقتناء السلع والخدمات التي يريدها . أما الاقتصاد المخطط مركزيا فانه يقيد حرية الفرد منتجا كان أم عاملا أم مستهلكا ويصادرها إلى حد الإلغاء.
أما الاقتصاد الإسلامي فانه يختلف عنهما اختلافا بارزا، ويقف موقفه الذي يتفق مع طبيعته العامة المؤطرة بالقيم المعنوية والخلقية للإسلام الحنيف ، فهو قد أعطى للأفراد حرية العمل الاقتصادي ولكن بحدود القيم والضوابط الشرعية التي يدعو إليها انسجاما مع الأهداف الإلهية في حياة الناس(المعارف الإسلامية:20) فهو يسمح للأفراد بممارسة حرياتهم ضمن نطاق هذه القيم والضوابط التي تهذب الحرية وتصقلها وتجعل منها أداة خير للإنسانية كلها،وجاء التحديد الإسلامي للحرية الاجتماعية في الحقل الاقتصادي على قسمين (الصدر،1973: 260):-
- التحديد الذاتي للنفس الذي يستمد أفكاره من المحتوى الروحي والفكري للشخصية الإسلامية، ويتكون طبيعيا في ظل التربية الخاصة التي ينشا الإسلام عليها الفرد في المجتمع الذي يتحكم الإسلام في كل مرافق حياته،فيكون تحديد الحرية من الفرد نفسه ودون أن يشعر بسلب شيء من حريته لأنه نابع من إيمانه وتربيته، فهو في الواقع عملية إنشاء للمحتوى الداخلي إنشاءً معنويا صالحا لتؤدي الحرية في ظله رسالتها الصالحة.
- التحديد الموضوعي الخارج عن النفس وهو الذي يحدد السلوك الاجتماعي ويضبطه،وهذا التحديد يفرض على المسلم بقوة الشرع ،وهو يقوم على المبدأ القائل: انه لا حرية للشخص في ما نصت الشريعة على تحريمه من النشاطات المتعارضة مع المثل التي يؤمن الإسلام بضرورتها، وقد تم تنفيذ هذا المبدأ بأسلوبين هما :-
1. إصدار النصوص الشرعية التي تمنع مجموعة من النشاطات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيق تحقيق القيم و المثل الإسلامية كالربا والاحتكار.
2. إشراف الدولة على النشاط العام وتدخلها لحماية المصالح العامة من خلال وضع مبدأ إشراف ولي الأمر،وذلك ضمانا لتحقيق مثل الإسلام ومفاهيمه في العدالة الاجتماعية على مر الزمن ،ولاختلاف متطلبات العدالة باختلاف الظروف فلا يمكن تفصيلها في صيغ دستورية ثابتة بل يوكل ذلك إلى ولي الأمر باعتباره سلطة مراقبة موجهة ومحددة لحريات الأفراد وفقا للمثل الإسلامية (التسخيري، 2003 : 142)، وهذا المبدأ يؤكد عليه القران الكريم في الآية 59 من سورة النساء حيث يقول الله عز شانه:"...أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" فهذه الآية المباركة تدل على وجوب إطاعة أولي الأمر، ولا خلاف بين المسلمين في أن (أولي الآمر ) هم أصحاب السلطة الشرعية في المجتمع الإسلامي، فللسلطة الإسلامية العليا حق الطاعة والتدخل لحماية المجتمع وتحقيق التوازن الإسلامي فيه ،على أن يكون هذا التدخل ضمن دائرة الشريعة المقدسة، فلا يجوز للدولة تحليل الربا أو الغش أو تعطيل قانون الإرث أو إلغاء ملكية ثابتة في المجتمع على أساس إسلامي، و إنما يسمح لها التصرف في الأمور والأعمال المباحة كإحياء الأرض واستخراج المعادن وشق الأنهار وغيرها من ألوان النشاط والتجارة فله إن يأمر بها أو ينهى عنها وفقا لمتطلبات المصلحة(الصدر،1973: 263).، وسنتحدث عن مبدأ تدخل الدولة وإشرافها بتفاصيل أكثر لاحقا.
ج)مبدأ العدالة الاجتماعية
يتجسد هذا المبدأ في نظام توزيع الثروة باحتوائه على عناصر وضمانات تكفل تحقيق العدالة الإسلامية للتوزيع ، وبهذا فان الإسلام لم يناد بالعدالة الاجتماعية قولا فقط أو بشكل قد يقبل تفسيرات متباينة وإنما حدده أيضا ووضع صيغه وأساليبه في مخطط اجتماعي معين وجسد هذا المخطط في واقع اجتماعي حي وملموس(تسخيري،2003: 143)، وتتحقق العدالة الاجتماعية (الإسلامية) من خلال فكرتين أساسيتين هما :-التكافل الاجتماعي(الضمان الاجتماعي) والتوازن الاجتماعي الذي يعني نفي الطبقية في المجتمع على صعيد المعيشة مع بقاء باب الإثراء مفتوحا ضمن الحرية الاقتصادية المحدودة كما أوضحنا سلفا. وقد انعكس اهتمام الإسلام بهذا الركن الرئيسي من اقتصاده في أول خطاب ألقاه النبي(صلى الله عليه وآله) وفي أول عمل سياسي باشره في دولته الجديدة ، فقد حث المسلمين على الإنفاق ولو بشق تمرة ومن لم يجد فبكلمة طيبة ، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار فطبق مبدأ التكافل العام تحقيقا للعدالة الإسلامية المتوخاة(تسخيري،2003: 143)، وقد شن القرآن الكريم حربا شعواء ضد الترف واكتناز الأموال وما جاء في الأحاديث الشريفة من ذم لهاتين الظاهرتين القبيحتين وذلك كله لأجل فسح المجال أمام العدالة لكي تجد طريقها إلى حيز التطبيق وتسير البشرية نحو بناء المجتمع القائم بالقسط، وقد تنبهت الدول في العصر الحديث إلى الآثار غير الاقتصادية للفقر بينما المعروف أن الإسلام نبه من البداية إلى الآثار المشئومة الناجمة عن الفقر(حكيمي، 1423هـ: 318) .
4.1.خصائص الاقتصاد الإسلامي
يتصف الاقتصاد الإسلامي بثلاثة خصائص أساسية تشع في مختلف الخطوط و يمكن ملاحظتها من خلال الكثير من التفاصيل والغايات والوسائل التي في سياق منهجه لمعالجة الموضوع الاقتصادي وهي (المعارف الإسلامية:13):-
أ)الواقعية
يتصف الاقتصاد الإسلامي بأنه اقتصاد واقعي في الغاية والوسيلة،على العكس من العديد من المذاهب الاقتصادية التي تنزع نحو المثالية التي تصل أحيانا إلى حد الخيال في أهدافها كمحاولة الشيوعية إلغاء غريزة الأنانية المتركزة في فطرة الإنسان لإقامة مجتمع إنساني جديد لا مكان فيه للتملك ، فالاقتصاد الإسلامي اقتصاد واقعي في غاياته التي تنسجم مع واقع الإنسانية ،بطبيعتها ونوازعها وخصائصها العامة، فلا يشق عليها ،ولا يحلق بها في أجواء خيالية عالية فوق طاقاتها وإمكاناتها ،...وإنما يقيم مخططاته الاقتصادية دائما على أساس النظرة الواقعية للإنسان ويتوخى الغايات الواقعية التي تتفق مع تلك النظرة(الصدر،1973: 266).
كما إن الاقتصاد الإسلامي واقعي في الطريقة والمنهج الذي يتخذه وسيلة لتحقيق غاياته ، فهو يضمن تحقيق غاياته ضمانا واقعيا ماديا ، ولا يكتفي بضمانات النصح والتوجيه ،بل يسندها بضمانات تشريعية تجعل هذه الغايات ضرورية التحقيق على كل حال، فعلى سبيل المثال فانه عندما يريد تحقيق العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة بين أفراد المجتمع الإسلامي فان ذلك لا يكون على حساب حرمان الأغنياء من ملكياتهم ومصادرتها (التأميم) ،وإنما يقدم التشريعات المالية التي تساهم بمجموعها في تحقيق هذه الغاية ، كتحريم الربا وفرض الزكاة والخمس والكفارات المالية المختلفة ويحث على الإنفاق في وجوه الخير في السر والعلن ،ويربط ذلك بالثواب الأخروي ، ثم يحرم تملك الأرض بدون أحياء ويمنع الاحتكار ، فضلا عن ذلك فانه أعطى للدولة حق التدخل والإشراف إذا لزم الأمر.
ب)الأخلاقية
الخاصية الأخرى المميزة للاقتصاد الإسلامي هي الأخلاقية في الغاية والطريقة ، فهو أخلاقي في غاياته وأهدافه لأنه لا يستمدها من ظروف مادية مستقلة عن الإنسان كالشيوعية التي تستوحي غاياتها من وضع القوى المنتجة ، بل إن غاياته وأهدافه تعبر عن قيم عملية ضرورية التحقيق من ناحية خلقية (تسخيري ،2003: 144)، أما أخلاقياته في الوسيلة أو الطريقة ، فهي تعني إن الإسلام يهتم بالجانب الروحي والنفسي للإنسان إلى جانب اهتمامه بالجانب الموضوعي ،فالإسلام لا يريد مجرد تحقيق الغايات وإنما يريد تحقيق تلك الغايات بمزجها بالقيم الروحية والأخلاقية في نفس الوقت ، وكما في المثال السابق فعندما يريد الإسلام التوزيع العادل للثروة فانه يسعى ليكون ذلك عن طريق الدافع الذاتي لدى الإنسان الطالب لرضا الله عز وجل، لا بالقوة والإكراه إلا في الحدود الضرورية التي لابد منها لان الهدف ليس مجرد تحقيق حاجة معينة كيفما اتفق و إنما لابد أن يكون ذلك ضمن إطار القيم الأخلاقية والتوجهات النبيلة في المجتمع ، إن مبدأ التكافل الذي اقره الإسلام قد يحقق إشباعا للفقير والمحتاج إلا أن ذلك ليس هو كل المسالة في حساب الإسلام بل ما هي الطريقة التي تم بها تحقيق التكافل العام؟،ويجيب الصدر(قده) عن هذا التساؤل بقوله(1973: 268):"...وهذا وان كفى في تحقيق الجانب الموضوعي من المسالة ، أي إشباع الفقير ..ولكن الإسلام لا يقر بذلك ، ما دامت طريقة تحقيق التكافل مجردة عن الدافع الخلقي والعامل الخير في نفس الغني، ولأجل ذلك تدخل الإسلام،وجعل من الفرائض المالية –التي استهدف منها إيجاد التكافل- عبادات شرعية ،يجب إن تنبع عن دافع نفسي نيّر ،يدفع الإنسان إلى المساهمة في تحقيق غايات الاقتصاد الإسلامي بشكل واع مقصود طالبا بذلك رضا الله تعالى والقرب منه".
وقد تنبه عدة كتاب معاصرين إلى أهمية وجود هذه الخاصية في الاقتصاد والمحاسبة ،فيرى Iwan & Gaffikin(2002) : أن المحاسبة التي هي جزء من النظام الاقتصادي يمكن أن ينظر لها على أنها أحد الوسائل المهمة لإظهار –عكس- الحقيقة أو الواقعية في المجتمع، وبما أن الواقعية تؤسس وتبنى اعتمادا على القيم الأخلاقية فإن المحاسبة لابد أن تستند كذلك على الأخلاق ، وإلا فإن الواقعية سوف تظهر بصورة مغلوطة ، وبالتالي ستضلل من له مصلحة بها، ويعلل الكاتبان قولهما بأن الأخلاق تظهر وتميز بصورة واضحة بين الخطأ والصواب ، وبين الجيد والسيئ، وبين العدل والظلم ، لذا أصبح من الأهمية بمكان وجود الأخلاق في المحاسبة لما لها من آثار مهمة وفعلية على حياة الأفراد في المجتمع، وبالتالي فإن الأخلاق لابد أن تؤطر بصورة تامة التطبيقات المحاسبية، وهذا ما تطالب به الشريعة المقدسة وتشدد عليه.
ج)ربط المصالح الاجتماعية بالدوافع الذاتية
إن طريقة أو أسلوب التوفيق بين المصلحة الاجتماعية الناشئة من علاقة الإنسان بالآخرين وبين دوافعه الذاتية لتحقيقها من أهم المشكلات التي تواجه النظم الاقتصادية على اختلاف اتجاهاتها، وذلك لوجود التعارض أو التناقض بينهما في اغلب الأحيان .حيث نادرا ما نرى الإنسان يفضل المصلحة الاجتماعية العامة على مصلحته الفردية الشخصية.
ويظهر الاقتصاد الإسلامي مرة أخرى مذهباً فريداً ومتميزاً في قيمه ومبادئه وخصائصه، بوصفه جزءا من رؤى سماوية كاملة للحياة وهي وجوده ضمن إطار ديني عام يدخر له عوامل التأثير الإيجابي لتحقيق التوافق بين المصالح الاجتماعية والدوافع الذاتية للإنسان(المعارف الإسلامية:14).
ومن أهم هذه العوامل :-
· عقيدة التوحيد وهي القاعدة المركزية في التفكير الإسلامي والتي تحدد نظرة المسلم الرئيسة في الكون بصورة عامة.
· المفاهيم الإسلامية العامة وهي تعكس وجهة نظر الإسلام حول الكون والحياة وطريقته الخاصة في تفسير الأشياء وفق العقيدة التوحيدية.
· العواطف والأحاسيس وليدة المفاهيم الإسلامية والتي تزخر بها البيئة الإسلامية وتقوم ببثها وتنميتها ،كعاطفة الأخوة العامة التي تفجر في قلب كل مسلم ينبوعا من الحب للآخرين والمشاركة لهم في آلامهم وأفراحهم .فهذه العواطف والمشاعر تلعب دورا خطيرا في تكييف الحياة الاقتصادية وتساند المذهب فيما يستهدف من غايات(الصدر،1973: 273).
· الأحكام والتشريعات الدينية للمجالات المالية والاجتماعية والسياسية والجزائية ونحوها.
إن كل ذلك يوفر للاقتصاد الإسلامي مجالا اجتماعيا حيا ومتفاعلا مع القيم التي ينشدها والأهداف التي يسعى إليها، وهذا يعني بالضرورة الربط بين المصالح الاجتماعية والدوافع الذاتية للإنسان بأروع صورة حيث تدخل كل مصلحة اجتماعية في مصلحته الدينية ليضيفها إلى رصيده الدنيوي أو الأخروي(المعارف الإسلامية:15)،وقد وردت عدة آيات من القرآن الكريم تؤكد وتحث على هذا الربط مثل قوله تعالى "ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع اجر المحسنين ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون"(التوبة،120-121).
5.1. مرونة النظام الاقتصادي الإسلامي
إن من المزايا المهمة التي امتاز بها المذهب الاقتصادي الإسلامي هو احتوائه على نوعين من الأحكام :
الأولى :ثابتة لا تقبل التغيير، ،قد ملأت من قبل الإسلام بصورة منجزة لا تقبل التغيير والتبديل.
الثانية : متغيرة ومتحركة تتحدد وفقا لمتطلبات الأهداف العامة وبملاحظة الزمان والمكان ، وهي ما اصطلح عليه ب(منطقة الفراغ ) في المذهب، قد ترك الإسلام مهمة ملئها إلى الدولة (ولي الأمر) تملئها وفقا لمتطلبات الأهداف العامة للاقتصاد الإسلامي ومقتضياتها في كل زمان ، ومنطقة الفراغ هذه هي بالنسبة إلى الشريعة الإسلامية ونصوصها التشريعية لا بالنسبة إلى الواقع التطبيقي للإسلام الذي عاشته الأمة في عهد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) الذي قد ملأ ذلك الفراغ بما كانت تتطلبه أهداف الشريعة في المجال الاقتصادي في الظروف التي كانت سائدة آنذاك وذلك ليس بوصفه نبيا مبلغا للشريعة الثابتة في كل زمان ومكان ، وإنما ملأه بوصفه ولي الأمر المكلف من قبل الشريعة بملأ منطقة الفراغ وفقا للظرف(الصدر، 1973 :362) .
وقد أراد الإسلام من جعل بناء المذهب الاقتصادي بهذه الصيغة أن يجعل الأخير مرنا ومستوعبا لكل المتغيرات والمستجدات الحياتية التي تظهر و تطرأ في كل زمان ومكان .والمتغيرات الحيوية في المجال الاقتصادي كثيرة وسريعة لأنه مجال يرتبط بتعقيدات الحياة الاجتماعية للإنسان كما يرتبط بقدرة الطبيعة على العطاء والظروف البيئية المناسبة وغير ذلك(تسخيري، 2003: 159) .
ولهذا فان منطقة الفراغ لاتعني حرفيا وجود فراغ في التشريع الاقتصادي الاسلامي ،كما لاتعني وجود نقص في التشريع الإسلامي ولا إهمال منه ،وانما هو اصطلاح يعبر عن استيعاب تشريعي ثابت للمتغيرات والتطورات الحتمية مع مرور الزمن في المجتمعات الانسانية، كما ان هذا المصطلح يمثل تشريعا مهما في المذهب الاقتصادي الاسلامي،ويشتمل هذا التشريع(أي منطقة الفراغ) على عدد من العناصر التي تجعل الاقتصاد الاسلامي مرنا ومستوعبا لكل المتغيرات والمستجدات الحياتية التي توجد في كل زمان ومكان،لذلك لم ترد في الشرع نصوص تشريعية بشأن الوضع والشكل التنظيمي للإدارة باعتبار أن الإدارة واقع متحرك في حياة المجتمع المتغيرة والمتحولة فليس من الحكمة تقييدها بتشريع خاص ، وانما تركت منطقة فراغ تشريعي تتعامل معها القيادة الإسلامية بما يناسب كل مرحلة تاريخية وظروفها من تنظيمات على أساس القواعد العامة للشريعة في البناء السياسي والتنظيمي للدولة ( شمس الدين، 1423هـ: 353), ومن عناصر المرونة التي نراها واضحة في المذهب الاقتصادي الاسلامي هي:-
أ- الاجتهاد [17]:لقد أوجد الإسلام باب الاجتهاد وفتحه بصورة مستمرة حيث يمثل ذلك عنصرا من عناصر المرونة لا يمكن الاستغناء عنه لمعرفة اثر التطورات على نوعية الحكم المستنبط من النصوص التشريعية وهي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
ب- العرف السائد والبيئة: فقد طرح الإسلام بعض القواعد الاقتصادية الواسعة وربطها بالمفهوم العرفي السائد والبيئة، على سبيل المثال مفاهيم ( الإسراف والتبذير) و(الفقر والغنى) و( النفقة المتعارفة)و (المنفعة المحللة) و (التجارة عن تراض) و ( العدالة والظلم والتعدي واكل المال بالباطل) وغيرها ،فان كل تلك المفاهيم يتدخل العرف والبيئة في تغييرها في كثير من الأحيان لتغير الظروف ومن ثم يتغير الحكم بتغير النظرة العرفية للموضوع (تسخيري، 2003 :160).
ج- إشراف الحكومة الشرعية، وتدخلها لحماية المصالح العامة للمسلمين :أو ما يسمى بمبدأ إشراف ولي الأمر وتدخله في الحياة الاقتصادية ،وكما تقدم فان للدولة الحق في التدخل في الحياة الاقتصادية استنادا إلى القاعدة الشرعية من قوله تعالى " أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم" (النساء، 59)، ويعتبر إشراف ولي الأمر أهم عنصر يركز عليه النظام الإسلامي وهذا التدخل له ضوابطه وقواعده وله أيضا وكما يسميها الشهيد الصدر(قده) الأضوية الكاشفة التي توضح اتجاهات الإسلام وتعطيه روح النظام وأهدافه المنظورة (تسخيري، 2003: 160)، ولا يقتصر تدخل الدولة على مجرد تطبيق الأحكام الثابتة في الشريعة بل يمتد إلى ملء منطقة الفراغ من التشريع فهي تحرص من ناحية على تطبيق العناصر الثابتة من التشريع وتضع من ناحية أخرى العناصر المتحركة وفقا للظروف(الصدر ،1973 :637)، وفي الواقع إن الإشراف والتوجيه للحياة الاقتصادية في المجتمع الإسلامي وتقنين مختلف الأنشطة فيه من المهام الرئيسية لولي الأمر الفقيه وفق أصول الاجتهاد المقررة التي تعطي للمباح صفة ثانوية بحسب الظروف والمصالح ،يقضي الولي على ضوئها بالوجوب أو الحرمة(المعارف الإسلامية: 42)، أما أهم وظائف ولي الأمر في المجال الاقتصادي فهي(تسخيري، 2003: 160):-
1) ملاحظة أفضل السبل وخير الإجراءات التنفيذية لتطبيق أحكام الله الثابتة ، على سبيل المثال دراسة أفضل السبل لنفي الربا من المجتمع مع الاحتفاظ بالأنشطة الإيجابية التي تقوم بها المصارف.
2) ملاحظة مدى انسجام الظروف مع إمكان تطبيق الأحكام والأنظمة الإسلامية ومراعاة تطبيق مبدأ التزاحم[18].
3) ملء منطقة المباحات بالقوانين التي تحقق المصلحة الإسلامية العليا مع الاحتفاظ ما أمكن بالحكم الأولي للموارد المتنوعة.
ومن صلاحياته أيضا:
· منع الاحتكار الذي لا مانع منه بصورة عامة ، فقد جاء في عهد الإمام علي(ع) لمالك الاشتر(رض):"... واعلم –مع ذلك- إن في كثير منهم ضيقا فاحشا وشحا قبيحا واحتكارا للمنافع وتحكما في البياعات وذلك باب مضرة للعامة وعيب على الولاة ،فامنع من الاحتكار فان رسول الله (ص) منع منه،وليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل ،وأسعار لا تجحف بالفريقين في البائع والمبتاع".(نهج البلاغة،ج3: 100).
· السماح أو المنع من إحياء الأرض الموات-سيأتي شرحها إن شاء الله.
· توجيه الإنتاج لتامين السلع الضرورية والحيوية بما يتلاءم مع خطط التنمية والتطوير.
· الأحكام المساهمة في إنماء الثروة الزراعية والحيوانية،فعن الإمام الصادق(ع) انه قال:"قضى رسول الله(ص) بين أهل المدينة في مشارب النخل انه لا يمنع فضل ماء وكلأ".
· توزيع الثروات الطبيعية الخام وتوجيه استثماراتها.
· التدخل في الأسواق لمنع الصراعات الخطرة.
فضلا عن الصلاحيات والمهام السابقة، يضيف الشيخ الفياض مهمة إنشاء وتنظيم النظام المحاسبي الإسلامي الذي يعتبره ضمن الوظيفة الشرعية للسلطة الحاكمة في الحكومة الإسلامية، فيقول في هذا الصدد" لا يجوز وضع خطة أو مشروع عفويا لأنه قد يؤدي إلى إتلاف الأموال من بيت مال المسلمين، وهذه جريمة لا تغتفر ولا يمكن لولي الأمر أن يقدم على مثل هذا العمل لأن عدالته وأمانته و وثاقته تمنع عن ذلك ، ويظهر من ذلك أن نظام المحاسبة يسري في تمام مكونات الحكومة وشرائحها لأن وضع مكوناتها لابد أن يكون بعد دراستها بجميع جهاتها وجوانبها وظروفها ، كما يتبين لنا أن نظام المحاسبة في الإسلام لا يمكن أن يكون نظاما ثابتا بل هو متغير بتغير الحكومات ومتطور بتطورها سعة ودقة عصرا بعد عصر طول التاريخ ولهذا يكون أمره بيد السلطة الحاكمة في كل عصر"[19].
وهكذا نلاحظ الهدف الأساس من جعل الاقتصاد الإسلامي اقتصادا مرنا ومن ثم احتوائه على منطقة الفراغ ، فالإسلام لا يريد أن تكون تشريعاته الاقتصادية مجرد وصفات لعلاج مؤقت أو نظام خاص بمرحلة معينة يجتازها التاريخ وتنتهي، و إنما يريد أن تكون هذه التشريعات الصورة النظرية الصالحة لجميع العصور وبالشكل الذي يضمن الأهداف العامة للاقتصاد الإسلامي ويحقق الصورة الإسلامية للعدالة الاجتماعية.
6.1. واجبات الدولة في الاقتصاد الإسلامي ومسؤولياتها
إن مبدأ إشراف ولى الأمر( أو الدولة الممثلة بالحكومة الشرعية) وتدخله في النشاط الاقتصادي لحماية المصالح العامة –السابق ذكره - ، قد فرض على الحكومة الإسلامية مجموعة من الواجبات وحمّلها مجموعة من المسؤوليات يمكن توضيحها كما يلي:-
أ ) واجبات الدولة في الاقتصاد الإسلامي
كما تقدم ، فان الدولة الإسلامية (أو المجتمع الإسلامي ) تتميز بخصائص وصفات تجعلها نظاما ذو شكل جديد يختلف عن بقية النظم الوضعية الأخرى ، وبالتالي فان تلك الخصائص والصفات المميزة للدولة الإسلامية تفرض عليها واجبات أساسية تتناسب مع التصورات والمفاهيم الإسلامية الأصيلة ، وبشكل عام تتركز واجبات الدولة الإسلامية في:
· تطبيق التعاليم الإسلامية في المجتمع.
· ملْ منطقة الفراغ التشريعي ،أي قيادة الحياة العامة وفقا لمصلحة المجتمع وإصدار القوانين التنظيمية.
وفي المجال الاقتصادي تتركز تلك الواجبات(الأهداف) في(تسخيري، 2003 : 247):
- وضع الصيغ الخاصة التي تكفل إجراء الأحكام الإسلامية الإلزامية بالعنوان الأولي ،كتحريم الربا والقمار وتطبيقها.
- وضع الخطط اللازمة لملْ منطقة الفراغ التشريعي وتطبيقها وتحقيق مصالح الأمة التي تتغير باختلاف الظروف مع ملاحظة الأضوية الكاشفة والهادية التي وضعتها الشريعة لصياغة ميول الحاكم الإسلامي في المجال الاقتصادي.
تحاول النظم الاقتصادية بشتى اتجاهاتها وضع الحلول المناسبة للتغلب على المشكلة الاقتصادية التي تصغها كل منها وفق معتقداتها وتصوراتها حول الإنسان والحياة بشكل عام ، و قد حدد الإسلام المشكلة الحقيقية للحياة الاجتماعية ومنها الحياة الاقتصادية بمشكلة الظلم و الكفر الذي يمارسه الإنسان ضد نفسه وضد الآخرين ،والمراد من الظلم هو كل أنواع الظلم ،وهو يقال في مجاوزة الحق الذي يجري مجرى نقطة الدائرة(الأصفهاني ،1425هـ :537) و يتلخص في تعدي حدود الله تعالى" ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه"(الطلاق،1).
ويظهر الظلم في المجال الاقتصادي من خلال التعدي على التشريعات السماوية المعينة في مجالي الإنتاج والتوزيع وان كان الأخير أكثر عرضة لظلم الإنسان وتعديه على الحقوق..أما الكفر فهو لغة يعني ستر الشيء، وكفر النعمة و كفرانها يعني سترها بترك أداء شكرها ،يقول الله تعالى "فلا كفران لسعيه"(الأنبياء، 94)،وأعظم الكفر :جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة والكفران في جحود النعمة أكثر استعمالا(الأصفهاني،1425هـ :714) ،أي إن الكفر في الجانب الاقتصادي هو ستر النعمة الإلهية وعدم القيام بمستلزماتها وتسخيرها لصالح البشرية وإضاعتها ويتجلى الكفر في الاقتصاد بصورة اكبر في مجال الإنتاج.
وبالتالي فان الإطار العام لواجبات الدولة في المجال الاقتصادي تتمثل بنفي هذين العنصرين من خلال إقامة العدل والشكر على النعم، وذلك بما تمتلكه من قدرات وإمكانيات وسلطات ومسؤوليات حددها الشارع أيضا.
فهي تعمل على تحقيق القدر الأكبر من شكر النعم الإلهية التي لا تعد ولا تحصى من خلال توجيهها الناس وتحقيق السياسات الاقتصادية التي تقررها الشريعة الإسلامية المقدسة،وذلك بالاستفادة القصوى من الإمكانات المادية والبشرية المتوافرة وتوجيه كل الطاقات الفعالة لغرض توفير كل ما يحتاجه المجتمع ليحيا حياة إنسانية كريمة ويقوم بواجباته الحضارية الإنسانية ويؤدي دورا طليعيا في مختلف المجالات ومنها المجالات العلمية والمادية(تسخيري، 2003: 249)، وتتركز واجبات الدولة في هذه المرحلة بالآتي:-
1. التأكيد على أهمية الإنتاج ووجوب تنميته ،وتوعية الأمة بهذا الموضوع ثقافيا وفكريا وعمليا.
2. التركيز على توجيه الإنتاج نحو إشباع الحاجات الضرورية الحقيقية والابتعاد عن الأمور الكمالية البحتة.
3. الاهتمام بالتجارة وجعلها جزءا لا يتجزأ من العملية التنموية للإنتاج،حيث أكد الإمام علي(ع) على هذا المجال الحيوي في عهده إلى مالك الاشتر بقوله:"ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات ،و أوص بهم خيرا المقيم منهم والمضطرب بماله والمترفق ببدنه فأنهم مواد المنافع وأسباب المرافق و جلابها من المباعد والمطارح في برّك و بحرك و سهلك وجبلك ، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها ،و لا يجترئون عليها، فإنهم سلم لا تخاف بائقته،وصلح لا تخشى غائلته وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك "(نهج البلاغة،ج3 : 99).
4. الاهتمام بالعمران والتخطيط المستقبلي،بحيث ينسجم الإنتاج مع التوزيع العادل والعمران العام ،وفي هذا الصدد يقول الإمام علي (ع) في عهده إلى مالك الاشتر:"وليكن نظرك في عمارة الأرض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج لان ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد واهلك العباد ولم يسقم أمره إلا قليلا..."( نهج البلاغة،ج3 : 96).
كما تعمل الدولة الإسلامية على تحقيق العدالة الاجتماعية في مجال التوزيع،و بالشكل الذي رسمته الشريعة أيضا "كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور"(سبأ،15 ) ،وفي مجال التوزيع تتحمل الدولة الإسلامية مجموعة من الواجبات- تحقيقا للعدالة الاجتماعية – تقوم بها في مجالين أساسيين هما:مجال الدخل الفردي ،ومجال مستوى المعيشة .
الدخل الفردي
وتتمثل أهم واجبات الدولة في مجال الدخل الفردي في (تسخيري،2003: 252):-
1. حماية الملكية الخاصة والدفاع ومجابهة الاعتداءات على هذا القطاع كالسرقة وأمثالها .
2. مراقبة قيامها بواجبها الاجتماعي من حيث اعتبارها حقا معه مسؤولية لا حقاً مطلقا ،فإذا ما انجرت الملكية الخاصة إلى اتجاه تؤدي إلى تضييع أو الإضرار بحقوق المجتمع ،فان من صلاحية ولي الأمر (الدولة) عندئذ إيقاف هذا الأمر،وهذا ما تدل عليه نصوص وأحكام شرعية كثيرة ،مثل قوله تعالى :"ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"(النساء، 5)،وأحاديث "لا ضرر ولا ضرار".
3. منع الاستهلاك أو التبادل اللامعقول ، عن طريق الحجر على السفيه والمريض مرض الموت والمدين وغير ذلك.
4. منع التبادل غير المشروع للملكية بما لا ينسجم مع القيم الأخلاقية والاقتصادية التي يؤمن بها الإسلام كالتجارة المحرمة.
5. منع الاعتداء على حقوق الأفراد الآخرين وحقوق المجتمع العليا عبر أحاديث منع الضرر.
6. التأكد من أداء بعض الفرائض المالية والاجتماعية الأساسية كالزكاة والضرائب المالية الأخرى.
مستوى المعيشة
أما أهم واجبات الدولة في مجال مستوى المعيشة فهي تقوم بها من خلال أمرين أساسيين أيضاَ هما: التكافل والتعادل(تسخيري، 2003: 255).
والتكافل يكون في مجالين هما التكافل الفردي والتكافل الاجتماعي ، حيث يعني الأول : أن يكون كل فرد في المجتمع الإسلامي ضامنا لأمرين ضمانا واجبا لا تخلف فيه ، وهما:
أ) الحاجات الأساس الضرورية الفورية لكل فرد في المجتمع الإسلامي.
ب) الحاجات الأساس الضرورية لمجمل المجتمع الإسلامي.
أما التكافل الاجتماعي فيعني: أن تكون الدولة ضامنة (نيابة عن المجتمع) لتحقيق أمرين هما:-
أ) توفير الحاجات العرفية للأفراد حتى يصلوا إلى مستوى الغنى.
ب) تأمين أفضل الحالات الممكنة للحياة الاجتماعية.
ويلاحظ إن العدالة الاجتماعية في مجال توزيع الثروة لا يوجد لها حلا صحيحا في غير المجتمع الإسلامي القائم على الحق سواء أكان ا التوزيع عن طريق الزكاة أم عن طريق الضرائب المالية الأخرى ،فكان أهم ما استهدفته هو ضمان حد أدنى من المعيشة لكل فرد بمعنى كفاية الاحتياجات الضرورية لمعيشة الفرد من مأكل وملبس ومسكن في حالة عجزه عن تحقيق هذه الكفاية لظروف خاصة خارجة عن إرادته ،كحالات العجز والمرض والشيخوخة(عفيفي،1980: 43).
وهذا الأمر قد أشارت إليه النظم الاجتماعية والاقتصادية ولكن بشكل متأخر ومن دون تطبيق فعلي لها، حيث أشارت وثيقة (حقوق الإنسان )الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1948 ، إلى جملة أمور تتعلق بحقوق الإنسان حيث تذكر: ( إن لكل فرد الحق في إن يعيش في مستوى معقول من المعيشة ، بحيث يتوفر له ولأسرته الصحة والمعيشة الطيبة بما يضمن له الغذاء والكساء والمسكن والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية اللازمة ، وكذلك حق الضمان في حالة التعطل والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من أسباب العجز عن التكسب لأسباب لا يستطيع التحكم فيها)، إن ذلك يؤكد ويثبت بالدليل القاطع أسبقية الإسلام في وضع حقوق الإنسان وقبل النظم الوضعية بأكثر من أربعة عشر قرنا ويبين أصالة هذه الحقوق في النظام الإسلامي الخالد.
أما الأساس الثاني الذي تقوم عليه واجبات الدولة في مجال مستوى المعيشة فهو أساس التعادل الذي به تتكامل السياسة الاقتصادية للدولة وبدونه لن تتحقق هذه السياسة.
والتعادل الإسلامي لا يعني التعادل الحدي والتساوي بين مستويات المعيشة و إنما هو التقارب الطبيعي بين هذه المستويات (تسخيري، 2003: 257) ،فهناك حدين مسلم بهما فقهيا لمستويات المعيشة الفردية لا يمكن تجاوزهما وهما الإسراف حد أعلى ،والغنى حد أدنى ،ويقصد بالإسراف هو تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان وهو في الإنفاق أشهر(الأصفهاني،1425هـ :407)، أي انه تجاوز الحد الطبيعي المعقول لمستوى المعيشة، ويقصد بالغنى هو امتلاك الحد الطبيعي الذي يمكن الفرد من معيشة متوسطة عرفاً ،وفي هذا المجال فان على الدولة إن تبذل كل مواردها المادية والبشرية وبما تمتلكه من نفوذ وسلطة في سبيل الارتقاء بالطبقات المحرومة في المجتمع وتوفير المعيشة الملائمة بتحقيق حد الغنى المطلوب ،وفي نفس الوقت على الدولة أن تبذل كل إمكاناتها للضغط على الطبقة المترفة المتجاوزة للحد الطبيعي حتى تصل إلى الحد الملائم عرفا، وبذلك يتحقق التعادل الإسلامي في المجتمع (تسخيري، 2003 :258)، إلا إن هنالك ملاحظة مهمة يجب الانتباه إليها وهي ،إن الإسلام عندما يدعو إلى إلغاء الطبقية والتفاوت في مستوى المعيشة لا يعني ذلك إلغائها بشكل تام ومن دون وجود أي فارق بينها، بل وكما يعبر الشهيد الصدر(قده) "هو الاحتفاظ بدرجات داخل مستوى المعيشة الواحد تتفاوت بموجبها المعيشة ، ولكنه تفاوت درجة و ليس تناقضا كليا في المستوى كالتناقضات الصارخة بين مستويات المعيشة في المجتمع الرأسمالي(الصدر، 1973: 626)وليس هذا التفاوت عيبا بل يمثل-قطعا- نقطة قوة،لأنه يتناسب مع طبيعة الإنسان التي فطر عليها ، وتوافقا مع بعض الحقائق والتشريعات الإسلامية ،فهنالك التفاوت في الإمكانات الذهنية والعضلية للأفراد وبالتالي تفاوت الأعمال من حيث القدرة على الإنتاج الجيد(تسخيري،2003: 258) ،وهنالك أيضا قبول الإسلام بمبدأ الملكية ، الذي يؤدي إلى التفاوت في ملكيات الأفراد وقدراتهم على تحقيق مستويات أفضل والنتيجة الحتمية لذلك هو وجود الفوارق ،ولكن كما تقدم هي على مستوى فوارق الدرجة لا على مستوى الطبقة.
مما سبق يتضح إن هنالك واجبات عدة تقع على كاهل الدولة الإسلامية في المجال الاقتصادي ، وذلك الأمر يقابله - حتما – تحمل الدولة مسؤوليات عدة في الاقتصاد الإسلامي.
ب)مسؤولية الدولة في الاقتصاد الإسلامي
إن العائق الأول الذي يحول دون الرقي الروحي بما يمثله من منطلق أساسي للتكامل الإنساني هو انعدام عنصر الإيمان (الكفر) ،ويأتي من بعده الجور(الظلم) – كما أشرنا إلى ذلك سابقا- ومن هنا فقد ركزت مبادئ الدين على هذين الأمرين معتبرة إياهما من أركان الهداية (حكيمي، 1423هـ: 314).
وبالتالي أصبح على عاتق الدولة في الاقتصاد الإسلامي جملة من المسؤوليات التي من خلالها تتغلب على تلك العوائق ولتحمي المصالح العامة للأمة وتحقق العدالة الاجتماعية ،وقد أعطى الإسلام للدولة وسائل عديدة لتحقيق توزيع للدخل أكثر عدالة وتنقسم هذه الوسائل إلى نوعين (صقر، 1980: 63):
1. وسائل ضمنية في صميم النظام وأبرزها الزكاة ونظام الإرث ،والإنفاق بأنواعه والكفارات والأوقاف .
2. وسائل تخضع للقرار السياسي وتقدر حسب حاجة المجتمع وهي تشمل فرض الضرائب وتطبيق نظام الضمان الاجتماعي وتحديد الملكية الزراعية والعقارية أو التجارية.
وعليه فإن من المسؤوليات الأساسية التي تتحملها الدولة لحماية المصالح العامة للأمة ،ولتحقيق العدالة الاجتماعية التي يدعو إليها الإسلام هي:
أ- التدخل والإشراف .
ب- الضمان الاجتماعي.
ج- التوازن الاجتماعي.
فيما يتعلق بالمهمة الأولى من مهام الدولة وهي التدخل والإشراف فهذه المسؤولية تستند إلى القاعدة الشرعية في قوله تعالى "... أطيعوا الله وأطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم"(النساء،59)، وقد سبق شرحه .
الضمان الاجتماعي
إن من المهام الرئيسة التي تضطلع بها الدول هي ضمان معيشة أفراد المجتمع بصورة كافية، وقد أكد الإسلام الحنيف على هذا الأمر فحمل الدولة مسؤولية ضمان معيشة أفراد المجتمع الإسلامي ضمانا كاملا،فتلتزم الدولة بتقديم المساعدة للمحتاجين في الحالات الموجبة لتقديمها متى لم يكن لهم دخل أو مورد للرزق( الفنجري، 1980: 101)، وترتكز مسؤولية الدولة في الضمان الاجتماعي في الاقتصاد الإسلامي على أساسيين ،تستمد منهما مبرراته المذهبية وهما:
1.التكافل العام وهو واجب يفرض فيه الإسلام على المسلمين كفاية كفالة بعضهم البعض ، وهو واجب شرعي كسائر الواجبات الشرعية الأخرى التي يحرم مخالفتها ،ويجب على المسلم أداء هذه الفريضة في حدود ظروفه وإمكاناته كما يؤدي سائر فرائضه،ويكون للدولة الإسلامية حق إلزام المسلمين وحملهم على القيام بها بمقتضى الصلاحيات المخولة، ، ويلاحظ إن الإجراءات التي تقوم بها الدولة لمراقبة ومتابعة قيام المسلمين بهذه الفريضة، هي تدخل ضمن نظام الحسبة السابق شرحه، أما حدود هذا التكافل فمن خلال ملاحظة النصوص الشرعية فانه يكون في حدود الحاجات الحياتية الشديدة التي يعسر على الفرد الحياة بدون إشباعها كالطعام والشراب واللباس ، وقد ربط الإسلام بين هذه الكفالة ومبدأ الأخوة العامة بين المسلمين ليدلل على أنها ليست ضريبة التفوق في الدخل فقط، بل هي تعبير عملي عن الأخوة العامة وذلك تماشيا مع منهجه في تأطير الأحكام بالقيم والمثل الخلقية التي تتفق مع مفاهيمه ومبادئه وقيمه.
2.الحق العام في موارد الدولة ،وهو في اصطلاحنا الحاضر يعني مبدأ الضمان الاجتماعي أي كفالة المستوى اللائق لمعيشة كل فرد ،وفقهيا يعبر عنه باصطلاح الكفاية تمييزا له عن حد الكفاف (( الفنجري، 1980: 100)، وعلى أساس هذا الحق تكون الدولة مسئولة بشكل مباشر عن ضمان مستوى الكفاية من المعيشة لكل فرد مسلم، بصرف النظر عن الكفالة الواجبة على أفراد المسلمين أنفسهم، أما حدود هذه المسؤولية فهي تتجاوز مجرد ضمان الحاجات الحياتية الشديدة إلى ضمان مستوى الكفاية من المعيشة للفرد الذي يحياه أفراد المجتمع الإسلامي ،لان ضمان الدولة هنا كما يقول الشهيد الصدر هو:"ضمان إعالة ،و إعالة الفرد هي القيام بمعيشته و إمداده بكفايته،والكفاية من المفاهيم المرنة التي يتسع مضمونها كلما ازدادت الحياة العامة في المجتمع الإسلامي يسرا ورخاء"( الصدر،1973: 618)، وتؤكد النصوص التشريعية على هذه المسؤولية وتبينها بشكل واضح بين لا يقبل الخلاف أو الجدل، فعن الإمام جعفر الصادق(ع):" إن رسول الله(ص) كان يقول في خطبته: من ترك ضياعه فعليّ ضياعه ومن ترك َدينا فعليّ َدينه ..."، وجاء في كتاب الإمام علي(ع) إلى واليه على مصر :"..ثم الله الله في الطبقة السفلى في الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين و أهل الزمني فان في هذه الطبقة قانعا ومعتر وأحفظ الله ما استحفظك من حقه فيهم واجعل لهم قسما من بيت مالك ،...، وتعهد أهل اليتم وذوي الرقة في السن ممن لا حيلة له و لا ينصب للمسألة نفسه"(نهج البلاغة،ج3: 100 )، فهذه النصوص تقرر بوضوح مبدأ الضمان الاجتماعي وتشرح المسؤولية المباشرة للدولة في إعالة الفرد وتوفير حد الكفاية له. أما الأساس النظري لهذا الضمان هو كون الموارد كلها للجماعة لا لفئة دون فئة"خلق لكم ما في الأرض جميعاً"(البقرة، 29) ، فهذا الحق يعني إن كل فرد من الجماعة له حق الانتفاع بثروات الطبيعة والعيش الكريم منها. وتشكل قطاعات الدولة بمواردها العامة و ملكياتها مضافا إلى فريضتي الخمس والزكاة المصدر الأساسي لهذا الإنفاق . وقد حدد القرآن الكريم وظيفة الفيء ودوره الاقتصادي في المجتمع في قوله تعالى:"... كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم" (الحشر، 7) فهذا النص القرآني يحدد وظيفة الفيء ودوره في المجتمع بوصفه قطاعا عاما وطريقة لضمان حق الجماعة كلها في الثروة ، والمنع عن احتكار بعض أفراد الجماعة للثروة وتأكيدا على وجوب تسخير القطاع العام لمصلحة اليتامى والمساكين وابن السبيل ليظفر جميع أفراد الجماعة بحقهم في الانتفاع بالطبيعة التي خلقها الله لخدمة الإنسان (الصدر،1973: 622)، وقد أفتى بعض الفقهاء كالشيخ الحر العاملي (قده) بشمول ضمان الدولة لغير المسلمين الذين يعيشون في كنف الدولة الإسلامية.
التوازن الاجتماعي
إن نظرة الإسلام منذ إشراقه على المجتمعات البشرية ومطالعته للدنيا والى قيام الساعة ،تقوم على التوازن والتوسط في جميع نواحي الحياة وجميع مجالاتها سواء كانت الروحية منها أم المادية، ففي مجال العبادات من صلاة وصيام ..يرى خير الأمور الوسط ، وفي مجال المال والاقتصاد يرى نفس النظرة ، يقول الله تعالى :"وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً "(البقرة، 143).
إن الصورة المثالية التي يريدها الله سبحانه وتعالى لعباده هي الصورة التي يتكامل فيها الجانب الروحي مع الجانب المادي ،والجانب القوي مع الجانب الضعيف والجانب الغني مع الجانب الفقير ،فالإسلام يقيم للإنسان تشريعا تنسجم فيه مصلحة الفرد مع مصلحة الجماعة ومصلحة الجماعة مع مصلحة الدولة،ويؤسس نظامه الاقتصادي على العدالة من جهة وعلى المحبة من جهة أخرى(عفيفي،1982 :31).
وقد عالج الإسلام قضية التوازن الاجتماعي ،باعتباره أحد المبادئ المهمة لنظامه الاقتصادي والاجتماعي في ذات الوقت ،حيث انه يرتبط بقضية حساسة وحيوية هي قضية الأمن الاجتماعي في الدولة والقاضي بمكافحة الفوارق والتناقضات الاجتماعية الفادحة التي تقود المجتمع نحو الصراعات والانقسام .
إن التوازن الاجتماعي في الإسلام لا يعني توازنا في مستوى دخول الأفراد وثرواتهم ، بل هو توازنا في مستوى المعيشة الذي يقضي على التناقضات الفادحة التي نراها في النظم الوضعية كالرأسمالية.وهذا التوازن الإسلامي يعني تداول المال بين أفراد المجتمع بشكل يتيح لكل فرد العيش في المستوى العام وإن اختلفت الدرجات فيه فالاختلاف اختلاف درجة لا اختلاف صارخ وتناقض كلي(تسخيري، 2003: 261).
والإسلام لا يفرض إيجاد حالة التوازن الاجتماعي في لحظة ما وإنما يجعله في مستوى المعيشة وهدفا تسعى الدولة في حدود صلاحيتها إلى تحقيقه والوصول إليه بمختلف الطرق والأساليب المشروعة التي تدخل ضمن صلاحياتها .ولتحقيق هذا الهدف قام الإسلام بضغط مستوى المعيشة من أعلى بتحريم الإسراف وبضغط المستوى من أسفل بالارتفاع بالأفراد الذين يحيون مستوى منخفضا من المعيشة إلى مستوى ارفع وبذلك تتقارب المستويات حتى تندمج أخيرا في مستوى واحد قد يضم درجات ولكنه لا يحتوي على التناقضات الرأسمالية الصارخة في مستويات المعيشة(الصدر،1973: 626).
أما الوسائل التي تعتمد عليها الدولة لتحقيق هذا التوازن فهي:
1. الضرائب الثابتة في التشريع وهي "الخمس والزكاة "بأصنافها ، فيرتفع بالفقير إلى مستوى المعيشة في عصره، كما عند سائر الناس وبما يتناسب مع الحجم العام للثروة ومستوى الرقي والرفاهية المتعارفة.
2. إيجاد القطاعات الإنتاجية والخدماتية العامة التي تؤمن إنفاقاً وتقديمات مناسبة، فالإسلام لم يكتف بالضرائب الثابتة التي شرعها لأجل التوازن بل حمل الدولة مسؤولية الإنفاق في القطاع العام لهذا الغرض،فعن الإمام موسى بن جعفر(ع):"إن على الوالي في حالة عدم كفاية الزكاة أن يمون الفقراء من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا"وتدل كلمة (من عنده) على إن غير الزكاة من موارد بيت المال يتسع لاستخدامه في سبيل إيجاد التوازن بإغناء الفقراء ورفع مستوى معيشتهم(الصدر،1973 :633).
3. التشريعات الإسلامية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية التي تساهم في إيجاد التوازن وحمايته ، فعلى سبيل المثال إن تحريم اكتناز النقود وإلغاء الفائدة والاستثمارات الرأسمالية للثروات الطبيعية ،فان هذه الإجراءات تؤدي إلى القضاء على الاحتكار والإخلال بالتوازن الاجتماعي، كما أن إجراءات من قبيل أحكام الإرث تمنع من تكديس الثروة وتعيد توزيعها وتداولها على الأقرباء ومن ثم على الشرائح الاجتماعية المختلفة، كما إن الصلاحيات الممنوحة للدولة لملء منطقة الفراغ لها اثر كبير في حماية التوازن كما مر سابقا.
نستخلص مما سبق إن الإنسان ومنذ أمد بعيد سعى إلى تحديد النظام الاجتماعي الأمثل الذي يصل بواسطته إلى الطمأنينة والسعادة الحقيقية ، ويرتقي من خلاله نحو الأفضل ،وقد بذل في سبيل ذلك كل جهد وطاقة وبما يملك من العقل والتفكير لإقامة هذا النظام ،إلا انه لم يصل إلى غايته المنشودة إلا من خلال استعانته بهدي ونور التعاليم السماوية التي نقلها الأنبياء والرسل والأوصياء (ع) إلى البشر.
وكانت المشكلة الاقتصادية ولازالت تشكل جزءا مهما من حياة الإنسان ،حيث إن الاقتصاد والمال هما من العناصر المهمة لاستقرار النظام الاجتماعي للإنسان، ولا يمكن للجماعة أن تتكامل وتنمو وتواجه مختلف المشاكل والصعاب والضغوط السياسية والاجتماعية بدون هذين العنصرين.
وقد اهتم الإسلام بهذه المسالة اهتماما بالغا- إلى جانب اهتماماته العقائدية والفكرية والروحية والأخلاقية – لما لها من دور كبير ومهم في تنظيم الحياة الإنسانية ،وتحديد النظام الاجتماعي المتكامل معنويا وروحيا.
ولهذا فقد ولد المذهب الاقتصادي الإسلامي الذي يعبر عن طريقة الإسلام في حل المشاكل الاقتصادية ،وهو يستند في مبادئه وخصائصه تلك إلى مفاهيم الإسلام وقيمه ومثله عن الدين والحياة.
ومن ثم فان الاقتصاد الإسلامي يمثل جزءا من تنظيم اجتماعي شامل للحياة وهو الدين، حيث يمثل الدين الإطار العام للاقتصاد الإسلامي، ووظيفة الدين بوصفه إطاراً للتنظيم الاجتماعي والاقتصادي في الإسلام – أن يوفق بين الدوافع الذاتية والمصالح الخاصة من ناحية والمصالح الحقيقية العامة للمجتمع الإنساني – من وجهة رأي الإسلام- من ناحية أخرى(الصدر، 1973: 289).
المطلب الثاني:النظام المالي والمحاسبي الإسلامي
يمثل النظام المالي والمحاسبي أحد الركائز المهمة للمذهب الاقتصادي التي تبين ملامحه وخصائصه وتتكيف وفق مبادئه وقواعده ،وفي هذه الفقرة سنحاول إن شاء الله تعالى ،توضيح أهم الأسس والقواعد التي تقوم عليها السياسة المالية في الإسلام واهم مواردها المالية و طبيعة النظام المحاسبي الإسلامي ومقوماته وعناصره.
2-1. النظام المالي الإسلامي
يعتبر المال وكيفية تنظيمه واستخدامه من الأمور الحيوية المهمة في حياة الأفراد واللازمة لاستقرارهم الاقتصادي والاجتماعي ،وتحقيق العدالة الاجتماعية ،ونجد إن الخالق عز شانه قد عنى بهذه القضية وأهميتها في حياة البشر حيث صاحبت هذه العناية منذ وجود الإنسان على الأرض واستخلافه عليها وعمارته لها،فهو تقدست أسماؤه لم يختص بها رسالة دون أخرى وهنالك شواهد عديدة على ذلك ذكرها الله تعالى في كتابه المجيد،حيث يقول مخاطبا الأنبياء السابقين :"وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة"(البينة،5)، كما يقول: "وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا و أوحينا إليهم فعل الخيرات و أقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين"(الأنبياء، 73).
وفي الإسلام الحنيف تتضح عناية الباري بهذه المسالة أيضا ،والتي جاءت بصورة شاملة ومكتملة الجوانب فهو لم يغادر صغيرة ولا كبيرة تتعلق بشؤون المال والاقتصاد إلا تطرق لها وبينها سواء أكان بصورة مباشرة أم غير مباشرة.وذلك للدور العظيم الذي تقوم به في التكامل المعنوي والروحي للإنسان(الحكيم، 2003 :371).
والنظام المالي بوصفه أحد العناصر المهمة المكونة للمذهب الاقتصادي ، فانه يعكس فلسفة وأفكار المذهب ،ومن ثم فإن المالية العامة للمجتمع تتكيف تبعا لقاعدته المذهبية ،وكما يتكيف القانون المدني، فمن مظاهر الصلة بين المذهب والمالية العامة كما يقول الشهيد الصدر:"إن إيرادات الدولة اختلفت وظيفتها تبعا لنوع الأفكار الاقتصادية المذهبية التي تأثرت بها ففي الفترة التي ساد فيها المذهب الرأسمالي بأفكاره عن الحرية ، كانت الوظيفة الأساسية للإيرادات هي تغطية نفقات الدولة ،بوصفها جهازا لحماية الأمن في البلاد والدفاع عنها ،وعندما بدأت الأفكار الاشتراكية تغزو الصعيد المذهبي أصبح للإيرادات مهمة أخرى أضخم وهي علاج سوء التوزيع والتقريب بين الطبقات وإقامة العدالة الاجتماعية وفقا للأفكار المذهبية الجديدة ولم تعد الدولة تكتفي من الإيرادات أو الضرائب بالقدر الذي يغطي نفقاتها جهازاً بل توسعت في ذلك بقدر ما تفرضه المهمة الجديدة"( الصدر،1973: 356).
وكذلك نرى النظام المالي الإسلامي يتكيف هو الآخر وفقا للمذهب الاقتصادي الإسلامي ،وتبعا لمفاهيم وقيم الإسلام حول هذا الموضوع، الذي جاء بالكثير من الأحكام في مجال المعاملات والحقوق التي تنظم العلاقات المالية بين الأفراد والأحكام التشريعية المنظمة للعلاقات المالية بين الدولة والأمة وتحديد موارد الدولة وسياستها العامة في إنفاق تلك الإيرادات .
أ)مفهوم المال ووظيفته في الإسلام
تعريف المال في اللغة هو كل مايقتنى ويحوزه الانسان بالفعل سواء كان عينا او منفعة،وعرفه الفقهاء هو ما يرغب فيه العقلاء ويبذلون بإزائه شيئا[20] .
ويعتبر المال وتنمية الثروة وتحقيق الأرباح من الأهداف الأصيلة والمفاهيم الأساسية في المجتمع الرأسمالي، فالمادة هي المقياس الأساسي الذي يسير عليه الأفراد في هذا المجتمع ،وهي غاية ما بعدها غاية ،فهم يسعون إلى تنمية ثرواتهم لأجل الثروة نفسها وتحقيقا لأكبر قدر ممكن من الرفاهية المادية،بغض النظر عن مدى انتشار هذه الرفاهية وتداول الثروة في عموم المجتمع، فالمهم هو زيادة المجموع الكلي للثروة في المجتمع.
ولكن الأمر مختلف تماما في الإسلام،لان المال والثروة لهما مفاهيم متفردة في التشريع الإسلامي، وقد أوضحنا هذا الأمر سابقا عندما تحدثنا عن المبادئ الأساسية للاقتصاد الإسلامي ، التي تتمثل بالإقرار بمبدأ الملكية المزدوجة والحرية الاقتصادية المحدودة التي ربطها الإسلام بمبدأ ثالث مهم وهو تحقيق العدالة الاجتماعية ،ومن ثم نستطيع أن نستخلص مفهوم المال والثروة في الإسلام فالمال وجميع الثروات في هذا الكون هي ملك لله سبحانه وتعالى "ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما"(المائدة ،17) ،فالله هو المالك الحقيقي للمال وهو صاحبه يتصرف فيه كيف يشاء إيجاباً وإعداماً وتغييرًا وإعطاءً ومنعاً وغير ذلك من وجوه التصرف ، وما دور الإنسان وعلاقته بالمال في هذه المرحلة ،سوى انه وصي على هذه الوديعة والأمانة بحكم استخلافه على الأرض من قبل الخالق عز شانه،"آمنوا بالله ورسوله و أنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه"(طه،6) وبحكم استعماره عليها "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها"(هود، 61)، وان الله هو الذي آتاه للإنسان"ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها"(هود،61) وأمره بالانتفاع به
"وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه"(الحديد، 7)، فالملكية الحقيقية للمال هي لله سبحانه وتعالى أما ملكية الإنسان بهذا المال فهي ملكية اعتبارية وملكية انتفاع ،وليس للإنسان سوى التصرف فيه في الوجه الذي يرضي الله تعالى، فعن رسول الله(ص)انه قال:"نعم العون على تقوى الله الغنى",وعنه أيضا:"اللهم بارك لنا في الخبز ولا تفرق بيننا وبينه ولولا الخبز ما صلينا ،ولا صمنا ولا أدينا فرائض ربنا"،وعن الإمام الصادق(ع):" إن نعم العون على الآخرة الدنيا "، وعنه أيضا:" لا خير فيمن لا يحب جمع المال من حلال يكف به وجهه ويقضي به دينه ويصل به رحمه"، ولكن لننتبه إلى النصوص الآتية : عن الرسول (ص):"من أحب دنياه اضر بآخرته"،وعن الإمام علي(ع):" إن من أعون الأخلاق على الدين الزهد في الدنيا"،وعن الإمام الصادق(ع):"ابعد ما يكون العبد من الله إذا لم يهمه إلا بطنه وفرجه"،وعنه (ع):"رأس كل خطيئة حب الدنيا".
من ذلك نلاحظ إن تجميع المال وتضخيم الثروة ليست من الأهداف الأساسية للإسلام الحنيف ، و إنما يكون المال في الإسلام وسيلة لتحقيق غاية ، فهو أداة أو وسيلة يستخدمها الإنسان لإعمار الأرض ،المتمثلة في تحقيق الحق والعدالة الاجتماعية الإسلامية، فكما رأينا من النصوص السابقة إن المال سلاح ذو حدين والوسيلة أو الهدف الذي يوجه إليه هذا السلاح هو الذي يظهر هذا الحد أو ذاك، وكما يقول الشهيد الصدر(قده) (1973: 592):" الثروة في رأي الإسلام وتنميتها هدف من الأهداف المهمة ،ولكنه هدف طريق لا هدف غاية ،فليست الثروة هي الهدف الأصيل الذي تضعه السماء للإنسان الإسلامي على وجه الأرض و إنما هي وسيلة يؤدي بها الإنسان الإسلامي دور الخلافة ويستخدمها في سبيل تنمية جميع الطاقات البشرية والتسامي بإنسانية الإنسان في مجالاتها المعنوية والمادية ،...وهي نعم العون على الآخرة ، ولا خير فيمن لا يسعى إليها ، أما تنمية الثروة لأجل الثروة بذاتها وبوصفها المجال الأساسي الذي يمارس الإنسان فيه حياته ويغرق فيه فهي رأس كل خطيئة وهي التي تبعد الإنسان عن ربه " .
ب)السياسة المالية الإسلامية
بعدما حدد الإسلام مفهومه ونظرته للمال، كان الإجراء اللاحق هو رسم السياسة المالية للمجتمع الإسلامي ،والسياسة المالية كما يعرفها الاقتصاديون: هي سياسة الحكومة في تحديد المصادر المختلفة للإيرادات العامة للدولة وتحديد الأهمية النسبية لكل من هذه المصادر من جانب ،ومن جانب آخر تحديد الكيفية التي ستستخدم بها هذه الإيرادات لتمويل الإنفاق الحكومي(الإنفاق العام) بحيث تتحقق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للدولة (الأمين،1986 :135)، وبما إن النظام المالي والسياسة المالية لمجتمع ما هي تتكيف وفقا لمذهب ذلك المجتمع ، فان السياسة المالية الإسلامية هي الأخرى تخضع لأسس وقواعد ومعايير المذهب الاقتصادي الإسلامي التي حددتها الشريعة المقدسة ،واهم هذه الأسس والقواعد هي:
أ- إن الملكية الحقيقية لله تعالى ،وقد سبق توضيح هذه النقطة قبل قليل ،وهذه القاعدة تمثل أهم الحقائق التي تصوغ التصور الإنساني وتترك أثرها البارز على السلوك والتخطيط الاقتصادي سواء أكان هذا التخطيط على مستوى الفرد أم الجماعة أم الدولة.
ب- إن هدف ومسؤولية الإنسان تتمثل بإعمار الأرض والاستفادة الكبرى منها لصالح مجموع المسيرة والقيام بحقوق المسؤولية المشتركة وأي تخلف عن ذلك يعني التخلف عن الهدف(تسخيري، 2003: 154)
ج- الاستعانة بالمفاهيم الخلقية الإسلامية التي تصب في خدمة النظام المالي وتحقيق سياسته، وهنالك العديد من الروايات التي تربي في الإنسان روح التعاون وروح الإحساس بالمسؤولية ،وروح الأخوة الإنسانية ومعنى الإيثار والتضحية والزهد والإحساس بآلام الآخرين وآمالهم وتنفي عنه صفات البخل والطمع والاستئثار والتعدي على حقوق الآخرين والنفعية والحرص والحسد (تسخيري، 2003 :155)، ونلاحظ إن هذه المفاهيم الخلقية تساهم بشكل مباشر وغير مباشر في تنفيذ السياسة المالية للدولة ،فهي تساعدها على جباية الإيرادات من زكاة وخمس وصدقات وغيرها ، إن ما يدفع الإنسان المسلم إلى الإيفاء بهذه الضرائب ليس القانون بالدرجة الأولى وإنما تنفيذ أوامر الله وأداء هذه العبادات المالية بما يرضي الله تعالى وكذلك حبه ورغبته في مساعدة إخوانه التي تتحقق بالتزامه الكامل بهذه الفرائض ،وهذا بالطبع نتيجة التربية الروحية والخلقية التي ربى الإسلام عليها الفرد المسلم.
د- التشجيع على الإنفاق المستحب ،ففضلا عن وجود النصوص الكثيرة الواردة بشان الإنفاق الواجب ، كالزكاة والخمس ، فان الإسلام الحنيف قد شجع أيضا وحث على الإنفاق المستحب، الذي يعتبر أسلوبا رائعا لا مثيل له لحل مشكلة التناقض بين الدوافع الذاتية لحب الذات الشخصية والدوافع ذاتها لخدمة المجتمع.فينطلق الإنسان من مبدأ امتداد حياته الذاتية إلى مستوى الخلود في الآخرة ،ليرى إن المصالح الذاتية والاجتماعية قد توحدت مما يدفعه للإنفاق المستمر الذي لا تنضب دوافعه ولا ينتهي أثره بمقتضى "من سنّ سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها إلى يوم القيامة...".
هـ- إن مشكلة الفقر هي من المشاكل المالية التي عالجها الإسلام منذ اللحظة الأولى لنزوله علاجا جذريا ،وجعلها شاملة لحق الفقير في الطعام واللباس والمسكن ورعاية حاجياته ، وبدأ هذا العلاج بالحض على رعاية الفقراء والمحتاجين والترغيب بالإنفاق و تحبيبه للأغنياء والمقتدرين وربط ذلك بالأجر والثواب الأخروي ، كما حذر من الإمساك والحيلولة دون وصول الحقوق إلى أهلها كيلا يكون المال دولة بين قلة من الأغنياء وتكون الأكثرية من الفقراء المحرومين من حق الحياة الكريمة(عفيفي، 1980: 116). وقد امتلأ القران الكريم بآيات الحث على الإنفاق للفقراء والمساكين ،وفي سبيل الله وقد وجهت العناية الكبرى في ذلك إلى قضاء الحاجات الشخصية التي تطرأ على الأفراد فتوهن من قوتهم وتضعف من روحهم ، يقول الله تعالى :"وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم" كما يقول عز شانه:"أنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين" وأيضا " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم يوم يحمى عليهم في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم فذوقوا ما كنتم تكنزون"، كما إن الأحاديث النبوية الشريفة وأحاديث الأئمة عليهم السلام زاخرة بالحث على الإنفاق والتصدق على الفقراء مع التأكيد على ربط هذا الإنفاق بالأجر الأخروي، والفقر هو عبارة عن فقد الإنسان ما هو محتاج إليه أما فقد ما لا تدعو إليه الحاجة والضرورة فليس بفقر ،يقول النبي(ص) "من أصبح منكم معافى في جسمه آمنا في بيته عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها"(الفكيكي، 2003، 259)،وقال أيضا"إذا بغض الناس فقرائهم واظهروا عمارة الدنيا وتكالبوا على جمع الدراهم رماهم الله بأربع خصال بالقحط من الزمان والجور من السلطان والخيانة من ولاة الأحكام والشوكة من الأعداء"،كما مر بنا قبل قليل قول الإمام علي بحق المساكين والمحتاجين في عهده إلى مالك الاشتر(رض).
و- شكر النعمة وهي من القواعد الأساسية والمهمة في السياسة المالية الإسلامية ،والتي تعني –كما تقدم- الاستفادة القصوى من جميع الثروات التي سخرها الله تعالى للإنسان وكذلك من جميع الإمكانيات المادية والبشرية ،واستغلالها الاستغلال الأمثل وعدم إهدارها،وذلك يعني التخطيط السليم والمنظم والمتقن لهذه السياسات ووفق أسس وإجراءات علمية ومذهبية صحيحة"وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفارُ"(إبراهيم،34).
ي- العلاقة بين المعنويات والماديات على المستوى الحضاري، إن القرآن يؤكد إن الظلم يؤدي إلى الهلاك "فبظلمهم أهلكناهم"، وان العدل والشكر والدعاء والاستغفار تؤدي طبيعيا إلى الرخاء"استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا"(نوح،10-12).
وقد جاء الإسلام الحنيف بمجموعة من الأحكام والقواعد الشرعية التي تهتم بمسالة تنظيم عملية جباية الأموال من حيث تحديد مواردها و مقدارها وأنواعها وكيفية صرفها ، فضلا عن مجموعة القوانين الخاصة بالتكافل المعاشي والفئات المستحقة له
ج)الموارد المالية في الإسلام ومواضع صرفها
تعمل السياسة المالية لكل دولة على تحقيق التوازن بين مواردها ومصارفها ، وقد انتهجت الدولة الإسلامية هذه السياسة منذ نشأتها التي ارتبطت في تشريعها بالقواعد الكلية التي اقرها القران وقام الرسول (صلى الله عليه وآله) بتبيانها وتطبيقها، وقد علمنا سابقا إن بيت المال قد انشأ لغرض صيانة المال وحفظه والتصرف فيه للمصالح العامة للمسلمين،وهو بهذا يشبه وزارة المالية في العصر الحاضر،وصاحبه يقوم بمهمة وزير المالية. وهنالك أنواعا كثيرة من الموارد المالية في الإسلام ،ولكن في حدود البحث الحالي فأننا سنقتصر على توضيح الموارد المالية التي تقوم الدولة بجبايتها للإنفاق منها لصالح المجتمع وأفراده وهي تسمى تحديدا موارد النظام المالي في الإسلام(سليمان، 1990: 1016).
1: موارد النظام المالي في الإسلام
يعتبر تحديد أوجه الإيرادات والنفقات العامة وطرق تقديرها ،من المقومات الأساسية لإعداد الموازنة العامة للدولة ،وقد اهتم التشريع الإسلامي بهذه المسالة اهتماما بالغا للدور الكبير الذي تحققه الموارد المالية المختلفة في الاستقرار الاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية للمجتمع الإسلامي،لذلك نلاحظ ورود نصوص كثيرة في هذا المجال توضح أنواع هذه الموارد وكيفية جبايتها وتقديرها وتعيينها ومن ثم صرفها في مواضعها المخصصة لها أيضا، ويلاحظ أن مصادر الأموال العامة في الشريعة الإسلامية تكون على قسمين : قسم مسمى بعناوينه الخاصة وهو صنفان أحدهما الحقوق الشرعية المسماة ( الزكاة والخمس) ، وارث من لا وارث له، ومجهول المالك والجزية، ثانيهما : ما يسمى بلغة العصر بأملاك الدولة العامة وهي في الشرع الإسلامي ( الأراضي الخراجية والأنفال)، والقسم غير المسمى بعنوان خاص هو ما يؤخذ في حالة الضرورات الحاكمة بأدلتها على قاعدة السلطنة على قاعدة أن لإطلاق الملكية الخاصة حدودا منها حاجة الأمة وسلامتها(شمس الدين، 1423هـ: 364) ، أما أهم هذه الموارد ( الحكيم ، 2003: 377):-
· الزكاة
· الأراضي الموات
· الأراضي الخراجية
· الأوقاف العامة
· الخمس
· التكافل الاجتماعي الخاص
الزكاة
الزكاة من الواجبات التي اهتم الشارع المقدس بها ، وقد قرنها الله تبارك وتعالى بالصلاة في عدة مواضع من القران الكريم، وهي إحدى الأركان الخمسة التي بُني عليها الإسلام،وقد ورد إن الصلاة لا تقبل من مانعها .
وهي علاوة على ذلك من العبادات والتشريعات المالية المهمة التي أكدها القران الكريم وسنة الرسول العظيم(صلى الله عليه وآله) ، فقد شخص الإسلام مواردها تشخيصا دقيقا ،وجعل الولاية عليها للحاكم الإسلامي الذي يقوم بتخمينها وتقديرها أو إحصائها وجمعها من أصحاب الأموال ، كما حدد القران مواضع صرفها.و يقول الشهيد الحكيم(قده)، إن للزكاة أربعة أبعاد رئيسة هي:
1. أصل وجوب الزكاة وأهميتها.
2. الأموال التي تتعلق بها الزكاة.
3. مصرف الزكاة.
4. الوالي على الزكاة.
1.أصل تشريع الزكاة وأهميتها
أصل الزكاة هو النمو الحاصل عن بركة الله تعالى ويعتبر ذلك بالأمور الدنيوية والأخروية ،ومن الزكاة ما يخرجه الإنسان من حق الله تعالى إلى الفقراء وسمي بذلك رجاء البركة أو لتزكية النفس أي تطهيرها وتنميتها بالخيرات والبركات أو كل ذلك(الأصفهاني،1425هـ:380).
وزكت النفس طهرت ومنه قوله تعالى :"خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها"(التوبة،103)، أي تطهرهم من البخل والسحت وحب المال ،وتزكيهم بنماء أموالهم وحسناتهم وتهذيب نفوسهم وبذلك يرتفعون إلى منازل المخلصين الطيبين ، وقال ابن العربي تطلق الزكاة على الصدقة أيضا وعلى الحق والنفقة والعفو عند اللغويين[21].
أما الزكاة في المصطلح الشرعي فهي: اسم لحق يجب فيه المال يعتبر فيه وجود النصاب (بحر العلوم، 1989: 27)، وهي فرض على كل مسلم عاقل بالغ فالشرط في وجوب الزكاة العقل والبلوغ ، فلا تجب في مال الصبي والمجنون لحديث عائشة(رض) عن النبي (ص) أنه قال: ( رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق( الخراساني، 1413: 415).
وتتضح أهمية الزكاة من استعراض النصوص التي وردت بشأنها، فقد قرنها الله تعالى بالصلاة في أكثر من موضع في القران الكريم ،يقول عز شانه:"وأقيموا الصلاة و آتوا الزكاة"(البقرة،110)، "قد افلح من تزكّى وذكر اسم ربه فصلّى"(الأعلى، 14-15)،"وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة"(البينة،5) ،كما إن الأحاديث الواردة بشأنها من أهل البيت (ع) كثيرة ،فعن الرسول(ص):"أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم"(وسائل الشيعة،6/3)،وعن ابن عباس قال : إن النبي (ص) بعث معاذ إلى اليمن فقال:" ادعهم إلى شهادة إن لا اله إلا الله و أني رسول الله ، فان هم أطاعوا لذلك فأعلمهم إن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فان هم أطاعوا لذلك فأعلمهم إن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم" (صحيح البخاري،1981ج2: 108) ،أما أهمية هذا الارتباط على الصعيد الاجتماعي ،فان الله تعالى يريد بهذين الواجبين على نحو الارتباط ولو تنزيلا أن يجعل المكلف إنساناً مهذباً كاملاً،فبصلاته ينشد إلى خالقه يسبحه ويحمده و يعترف بالعبودية له ،وبذلك تصفو نفسه شفافة تنطبع فيها كل سمات الخير والرحمة ،وبزكاته ينشد الفرد إلى المجتمع ليتحسس بأحاسيس أفراده من الضعفاء والمعوزين ،فيمد لهم يد المساعدة ويبعد عنهم شبح الفقر وآلام الجوع(بحر العلوم،1989 :30)، ومن هنا فإن الأهمية الكبرى للزكاة تتمثل أساسا بكونها تهدف إلى إعادة توزيع الثروة من خلال منع التراكم اللامعقول للثروة في فئات معدودة في المجتمع وتسمح للثروة بالانتشار والتداول بصورة أوسع في المجتمع، فهي عبارة عن جزء مكمل وإلزامي ومتلازم لطريقة الإسلام في الحياة ،فالزكاة تشمل الجوانب الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية للنظام المالي الإسلامي وعدم ملاحظة ذلك يكون مساويا لإنكار الدين نفسه[22] (SULAIMAN,2004).
2.الأموال التي تتعلق بها الزكاة
تجب الزكاة في أربعة أشياء(المرجع السيستاني، 2003 :227) هي:
1. في الأنعام الثلاثة :الغنم بقسميها المعز والضان ،والإبل والبقر ومنه الجاموس.
2. في النقدين :الذهب والفضة.
3. في الغلات الاربع: الحنطة والشعير والتمر والزبيب.
4. في مال التجارة"بالاحتياط الوجوبي"
ويعتبر في وجوبها أمران :
(الأول):الملكية الشخصية ،فلا تجب في الأوقاف العامة .
(الثاني): أن لا يكون محبوسا عن مالكه شرعا،برهن أو وقف أو نذر وما شابه.
وفي هذا الأمر وردت أحاديث عديدة عن أهل العصمة نكتفي بالحديث الآتي:
قال أبو عبدالله الصادق(ع): لما نزلت آية الزكاة "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" في شهر رمضان ،فأمر رسول الله(ص) مناديه فنادى في الناس : إن الله تبارك وتعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ، ففرض الله عليكم من الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم ومن الحنطة والشعير والتمر والزبيب ،ونادى فيهم بذلك في شهر رمضان ،وعفا لهم عما سوى ذلك..."(وسائل الشيعة ،م/32/ح1)،وفيما يتعلق بأموال التجارة يقول الشهيد الحكيم(قده):"...فان الرأي الفقهي العام المعروف لدى أتباع أهل البيت(ع) هو عدم تعلق الزكاة بها ،بخلاف الرأي الفقهي العام لدى المذاهب الإسلامية الأخرى التي ترى وجوب الزكاة فيها ،وان كانت توجد نصوص متعددة وردت عن أهل البيت(ع) يفهم منها وجوب الزكاة في هذه الأموال وذهب إلى ذلك بعض علماء أتباع أهل البيت"(الحكيم، 2003: 383)،ونرى الرأي الأخير واضحا عند معظم العلماء المعاصرين كالسيد الخوئي(قده)والسيد السيستاني.
3.مصرف الزكاة
إن إنفاق الصدقات قيدته وحددت أبوابه الشريعة السمحاء في القرآن الكريم، ويبقى لولي الأمر التنظيم المالي في هذا الصدد(الخطيب، 1980: 335)،فقد خصصت الآية الستون من سورة التوبة مصارف الزكاة ،وحددتها بثمانية موارد وهي في قوله تعالى:"إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل"،وفي ذلك تحديد قاطع لأوجه صرف الزكاة بما يضع لكل ذي حق حقه ،ويروى عن زياد بن الحارث قال:"أتيت رسول الله (ص)، فاتاه رجل فقال: أعطني من الصدقة ،فقال (ص): إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقة حتى حكم هو فيها فجزأها ثمانية أجزاء،فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك"(مختصر سنن أبى داود2/230) ،إن كثرة هذه الموارد وتنوعها يتطلب إعداد موازنة مستقلة للزكاة وهو ما اتفق عليه معظم المعاصرين(الأبجي،1990: 1141)، ويمكن الاقتصار في الصرف على واحد أو أكثر من الموارد المذكورة أي لا يجب البسط فيها كلها ، ويترك هذا الأمر للحاكم الشرعي الذي يتولى مصرف الزكاة وهو أمر يكاد يتفق عليه المسلمون عامة ، وهو يخضع لتشخيصه لطبيعة الحاجات والضرورات التي تفرضها الأوضاع الاقتصادية والسياسية المحيطة بالمجتمع الإسلامي(الحكيم،2003: 388)،ويرى عبد السلام(1980: 336): إن الفكر المالي الإسلامي في هذا الجانب يتسم بالمرونة وتقدير مصلحة الأمة وعلى الوالي أن يضع الأولويات والمقادير ويحدد المتاح والممكن من أبواب الإنفاقات التي عينتها الشريعة ،وذلك بناء على معايير يراها تشبع حاجة المجتمع وأفراده من أصحاب الحقوق في الزكاة، مستأنسا برأي ذوي الفكر والتخصص الفني في هذه الأمور المالية.
ويمكن بذلك توجيه موارد الزكاة لصرفها على المواضع الملحة والضرورية حيث تخضع الأخيرة للسياسة المالية للدولة الإسلامية وخدمة لتحقيق أهدافها المتمثلة أساساً بإحقاق الحق وتحقيق العدالة الاجتماعية الإسلامية.
4.الوالي على الزكاة
إن حق الإمام (الحكومة الشرعية) ثابت في جباية الزكاة قال الله تعالى مخاطبا نبيه(ص) :" خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" (التوبة، 103)، وجاءت الأحاديث الشريفة تحض على إخراج الزكاة ودفعها إلى الإمام ، فعن ابن عباس قال: قال رسول الله (ص) لمعاذ حين بعثه إلى اليمن " إني أبعثك إلى أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله ... فإن أجابوك إلى ذلك فأعلمهم أن عليهم صدقة أموالهم فإن أقروا بذلك فخذ منهم واتق كرائم أموالهم وإياك ودعوة المظلوم فإنه ليس لها دون الله حجاب"[23] ، فالأصل إن الدولة هي التي تتولى جمع الزكاة و إنفاقها على مستحقيها(الخياط، 1990: 932)،وبحسب الممارسات الخارجية للدولة الإسلامية فان الولاية على الزكاة كانت للحاكم الإسلامي وهذا الأمر له أصوله التشريعية ،ويفسر السيد الحكيم هذا الأمر بقوله(2003: 391):"..فالزكاة وان كانت تمثل شِركة للفقراء في أموال الأغنياء كما جاء ذلك في عدة نصوص إلا إن ولاية هذا المال من اجل إيصاله إلى أصحابه الشركاء أو صرفه في مصارفه المحددة شرعا إنما هي للحاكم الإسلامي الذي يجبي الزكاة،كما كان النبي(ص) يقوم في زمنه بجبايتها ،وكذلك الخلفاء من بعده".
ويظهر ذلك عموم ولاية الإمام في التحصيل ، وقد كان الأمر كذلك في عهد الرسول(ص) فقد كان النبي(ص) يرسل الجباة والعمال والمصدقين والسعاة لجمع الزكاة ،كما كتب إلى الولاة والعمال بفعل ذلك ،وكان (ص) كلما أسلمت قبيلة بعث العامل لجمع زكاة مالها ، وهو (ص) أول من انشأ لها ديوان خاص في مركز الدولة ،وكان كاتبه على الصدقات الزبير بن العوام وجهم بن الصلت أما كاتبه على خرص النخل فهو حذيفة ابن اليمان،وكان له كاتبان آخران على المداينات والمعاملات، وهذا يبين إن الدواوين قد وضعت في زمن النبي(ص) ،كما يبين إن أمر الزكاة كان من شؤون الدولة واختصاصها فالزكاة ليست إحساناً فردياً و إنما هي تنظيم اجتماعي تتولاه الدولة(الحاكم الشرعي)(الخياط، 1990: 932) .
وهذا الرأي اتفق عليه عموم فقهاء المسلمين بخصوص الولاية على الزكاة،حيث يتضمن وجوب تولي الدولة (الحاكم الشرعي) جباية الزكاة وتولي صرفها في مصارفها المحددة، ويترتب عليه وجوب دفع زكاة الأموال[24] إلى السعاة الذين يبعثهم الإمام(الدولة) وعلى الناس أن يعطوهم الأموال بنفس راضية.
ويمكن القول إن هذا الأمر في جانب منه يخضع لمنطقة الفراغ في الاقتصاد الإسلامي ،حيث عرفنا إن ذلك معناه تدخل ولي الأمر في هذا الشأن وإشرافه عليه وذلك لحماية مصالح المسلمين عامة، وهذا التدخل يكون في حدود إصدار التوجيهات والتعليمات لتنظيم جباية هذه الفريضة وباستخدام الأساليب العصرية لتقدير وتحديد كميتها ونوعيتها وتقنين إجراءاتها و أحكامها مع الأخذ بالاعتبار والتأكيد على القيم الخلقية الإسلامية عند جمع الزكاة من الأفراد المكلفين والترفق بهم ،فوظيفة النظام المحاسبي والمالي هنا تدور حول محورين أساسيين( عبد السلام، 1980: 331- 335):
1. التنظيم العلمي الأمثل للزكاة عند تطبيقها استنادا إلى الأفكار المالية والمحاسبية ، فنحن مسئولون عن تنظيم التطبيق الحسن بعد الفهم الحسن للتشريع، ويتعلق ذلك بوسائل جباية الأموال المتعلقة بالزكاة وطرق تنظيمها، من حيث تحديد الأساليب الفنية للإقرار بالمال الخاضع للزكاة وطرق التحصيل سواء أكان بطريق مباشر أم بطريق الحجز عند المنبع،ونوعية السداد إن كان نقدا أو عينا ،والتقديم أو التأخير في أدائها وما يترتب على ذلك.
2. إلقاء الضوء عند تحليل الألوان المستحدثة في صور المال لاستنباط حكم الشريعة في مدى خضوعها للزكاة من عدمه وكيفية ذلك .
ويمكن أن نلاحظ هذه الأفكار والأساليب الجليلة والعادلة التي انتهجها الإسلام في هذا الميدان من خلال إحدى الوصايا التي وجهها الإمام علي(ع) إلى من يستعمله على جمع الزكاة والصدقات ،بوصفه خليفة المؤمنين وولي أمرهم حيث يقول(ع):" انطلق على تقوى الله وحده لا شريك له ولا ترو عن مسلما ولاتجتازن عليه كارها ولا تأخذن منه أكثر من حق الله في ماله ،فإذا قدمت على الحي فانزل بمائهم من غير إن تخالط أبياتهم ثم امض إليهم بالسكينة والوقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم ولا تخدج بالتحية لهم ، ثم تقول :عباد الله أرسلني إليكم ولي الله وخليفته لآخذ منكم حق الله في أموالكم فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليه؟ فان قال قائل لا، فلا تراجعه، وان انعم لك منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو توعده أو تعسفه أو ترهقه "، ثم بين له الإمام أسلوب جمع الأموال التي تستحق الزكاة الذي يتم على مراحل أولها الاستئذان من الفرد المكلف فيقول له (ع):"فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضة فان كان له ماشية أو ابل فلا تدخلها إلا بإذنه فان أكثرها له "، إن عظمة الإسلام ورحمته ورفقه لم تقتصر على البشر وإنما حتى على الحيوانات ،ونلاحظ ذلك في قول الإمام في نفس هذه الوصية:" ولا تنفرن بهيمة ولا تفزعنها و لا تسوئن صاحبها فيها "، ثم يبين له المواصفات والشروط المطلوبة في الأنعام المزكي عنها فيقول(ع):" ولا تأخذن عودا و لا هرمة ولا مكسورة ولا مهلوسة ولا ذات عوار ولا تأمنن عليها إلا من تثق بدينه رافقا بمال المسلمين حتى يوصله إلى وليهم فيقسمه بينهم و لا توكل بها إلا ناصحا شفيقا وأمينا حفيظا غير معنف ولا مجحف ولا مغلب ولا متعب ثم احدر إلينا ما اجتمع عندك نصيره حيث أمر الله به"، وذكر القاضي أبو يوسف في نصيحته لهارون الرشيد الآتي:" ومر باختيار رجل أمين ثقة عفيف ناصح مأمون عليك وعلى رعيتك فوله جميع الصدقات في البلدان ومره فليوجه فيها أقواما يرتضيهم .... ولا تولها عمال الخراج فإن مال الصدقة لا ينبغي أن يدخل في مال الخراج"[25] ،ونلاحظ في كلام أبو يوسف إشارة إلى التمييز بين أنواع الأموال الواردة إلى بيت المال وضرورة إعداد قوائم وميزانية مستقلة للزكاة – سنتكلم عن ذلك بشيء من التفصيل لاحقا، وفي هذا الصدد نلاحظ إن كثير من البلدان الإسلامية في عصرنا الحاضر قد أصدرت قوانين لصناديق الزكاة ومؤسساتها وذلك لتطبيق هذه الفريضة العبادية المالية المهمة وذات الأثر الكبير في تحقيق التوازن الاجتماعي والعدالة الاجتماعية في المجتمع الإسلامي ،ومن هذه الدول على سبيل المثال، بيت الزكاة الذي أنشئ في الكويت عام 1982،وصندوق الزكاة في السودان الذي أنشئ عام 1980,وفي باكستان صدر قانون الزكاة و العشور عام 1980 ،وفي البحرين أنشئ صندوق الزكاة عام 1979 ،وفي العربية السعودية صدر أمر جمع الزكاة وتحصيلها بواسطة الدولة عام 1950.
الأراضي الموات
وهي الأرض المعطلة عن الزراعة والسكن التي لا ينتفع بها ،إما لانقطاع الماء عنها أو لاستيلائه عليها أو لملوحتها أو استيجامها أو غير ذلك من موانع الانتفاع التي تتعلق بالأرض وظروفها الطبيعية(الحكيم، 2003: 394).
والرأي الفقهي لدى جمهور فقهاء العامة من المسلمين في ملكية هذه الأرض فهو إن الأرض الموات تعتبر من المباحات العامة، شانها شان مياه الأنهار والبحار والأسماك والطيور أو الرمال وغيرها من المباحات، التي يمكن تملكها عن طريق الحيازة والاستيلاء عليها .
أما علماء الإمامية فإنهم يَرون إن هذه الأرض تعود ملكيتها شرعاً للإمام ،وهي ما يصطلح عليه باسم ملكية الدولة(الصدر،1973: 413)،وبالتالي فهي لا تدخل في نطاق الملكية الخاصة، والدليل التشريعي على ملكية الدولة للأرض الميتة حين الفتح هو أنها من الأنفال،والأنفال كما يقول الشهيد الصدر(قده): هي مجموعة من الثروات التي حكمت الشريعة بملكية الدولة لها(الصدر،1973: 413)،وذلك في قوله تعالى:"يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم و أطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين"(الأنفال،1)،والإمام (الحاكم الشرعي) هو في موقع الرسول في الولاية والحكم بعده(الحكيم،2003: 394)،وقد روى الشيخ الطوسي في التهذيب بشان نزول هذه الآية :إن بعض الأفراد سألوا رسول الله(صلى الله عليه وآله) إن يعطيهم شيئا من الأنفال ،فنزلت الآية تؤكد مبدأ ملكية الدولة ،وترفض تقسيم الأنفال بين الأفراد على أساس الملكية الخاصة.
وقد سمحت الشريعة لأفراد المسلمين إحياء هذه الأرض و إعمارها واستثمارها ،وقد صدر الإذن العام للمسلمين بالإحياء من قبل النبي(ص) و الأئمة(ع) من بعده، وهو إذن وَلائي انطلاقاً من فكرة ملك الإمام للأراضي الموات(الحكيم،2003 :395) كما منحتهم حقًا خاصاً فيها، على أساس ما يبذلون من جهد في سبيل إحياء الأرض وعمارتها،فقد جاء في الروايات المنقولة عن أهل البيت(ع):"من أحيا أرضاً فهي له وهو أحق بها"،ولكن السؤال هنا هو :ما طبيعة الحق المكتسب نتيجة الإحياء وما هي حدوده؟ اختلف الفقهاء في طبيعة هذا الحق بين قائل بالملكية الخاصة وبين قائل بثبوت حق التصرف دون أن يمتلك المحي رقبة الأرض كما عن الشيخ الطوسي(قده) حيث يقول: " فأما الموات فإنها لا تغنم وهي للإمام خاصة ،فان أحياها أحد من المسلمين كان أولى بالتصرف بها ويكون للإمام طسقها"،و الطسق هو أجرة الأرض،وهذا الرأي الفقهي لم يأخذ به فقهاء الإمامية فحسب بل أخذت به مختلف المذاهب الفقهية الأخرى للمسلمين ولكن بصيغ متنوعة ،وينقل الشهيد الصدر في هذا الشأن ما ذكره الماوردي عن أبي حنيفة وأبي يوسف :"إن الفرد إذا أحيى أرضاً من الموات وساق إليها ماء الخراج كانت ارض خراج، وكان للدولة فرض الخراج عليها،ويريدان بماء الخراج الأنهار التي فتحت عنوة كدجلة والفرات والنيل(الصدر،1973: 418).
نستخلص مما سبق إن الأراضي الموات تعتبر شرعا ملكا للدولة وانه يمكن للفرد إحياؤها و إعمارها واستثمارها ومن ثم تكون له الأولوية في الانتفاع بها من دون مزاحمة الآخرين له فيها،إلا إن هذا الحق يقتصر على الانتفاع بالأرض دون أن تصبح ملكا خاصا له، وللدولة -بوصفها مالكة لرقبة هذه الأراضي -إن تتقاضى أجوراً من الأفراد الذين يقومون بإحيائها ،وهذه الأجور(الخراج) تفرض وفقا للمصلحة العامة والتوازن الاجتماعي ،ولنفس الأسباب ولظروف استثنائية يمكن للدولة أن تتنازل عن هذه الأجور.
الأراضي الخراجية
الخراج هو ما يفرضه الإمام من مبلغ أو قدر معين على الأرض العامرة المستولى عليها من الكفار(أي الأرض التي فتحها المسلمون عنوة تحت رآية المعصوم أو اجازته)،والأراضي الخراجية هي الأراضي المعمورة التي كانت بيد المشركين أو أهل الكتاب وتمكن المسلمون من الاستيلاء عليها عنوة من خلال عمليات الفتح الإسلامي أو الأراضي التي تم إحياؤها أو وقفها من قبل الدولة الإسلامية لصالح جماعة المسلمين(الحكيم،2003: 398).
وقد أثيرت مشكلة في زمن عمر بن الخطاب بشأن الموقف تجاه الأراضي ،و هل تكون من الغنيمة التي تقسّم على المقاتلين ومن ثم تدخل ضمن الملكية الخاصة أم لها حكم آخر؟ فاستشار عمر الصحابة ،فأشار عليه علي (ع) بعدم التقسيم،كما كان ذلك رأي معاذ بن جبل ،فقرر أن تكون لجميع المسلمين أي بتطبيق مبدأ الملكية العامة ، إن هذا النوع من الأراضي يدخل في نطاق الملكية العامة ،فهي ملك عام للمسلمين جميعا ،من وجد منهم ومن يوجد،وكما يقول الشهيد الصدر(1973: 401):" إن الأمة الإسلامية بامتدادها التاريخي هي التي تملك هذه الأرض دون امتياز لمسلم على آخر في هذه الملكية العامة ،ولا يسمح للفرد بتملك رقبة الأرض ملكية خاصة" ، ويجمع فقهاء الإمامية على هذا الحكم كما يتفق عليه فقهاء المذاهب الأخرى ،حيث نقل الماوردي عن الإمام مالك قوله:"إن الأرض المفتوحة تكون وقفاً على المسلمين منذ فتحها ،بدون حاجة إلى إنشاء صيغة الوقف عليها من ولي الأمر "،وهذا يعبر عن الملكية العامة للأمة(الصدر،1973: 401).
أما النصوص الشرعية الدالة على الملكية العامة لهذا النوع من الأراضي،فهي كثيرة منها على سبيل المثال :سئل الإمام الصادق(ع) عن ارض السواد ما منزلته؟ فأجاب الإمام :"هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ،ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ،ولمن لم يخلق بعد"،وقوله(ع):"لا تشتروا ارض السواد فإنها فيء للمسلمين"،والمعروف إن ارض السواد كلمة كانت تطلق على الجزء العامر من أراضى العراق التي فتحها المسلمون في حرب جهادية ،وفي خبرٍ عن الإمام الصادق(ع) أيضاً قوله:" إن الأرض التي أخذت عنوة ،موقوفة متروكة بيد من عمرها ويحييها ويقوم عليها على قدر طاقتهم من الخراج"،ويعني الإمام بذلك ،إن ولي الأمر يدع الأراضي المفتوحة عنوة إلى القادرين على استثمارها من أفراد المجتمع الإسلامي ،ويتقاضى منهم أجرة على الأرض لأنها ملك مجموع الأمة ،فعندما يستفيد المزارعون من هذه الأرض بفلاحتها وزراعتها ،فان عليهم دفع ثمن هذه الاستفادة إلى الأمة،وهذا الثمن أو الأجرة يطلق عليه كلمة الخراج ،كما إن قيام النبي(ص) بإعطاء خيبر ليهود لغرض إعمارها وزراعتها ،ولهم شطر ما يخرج منها مع احتفاظ الدولة الإسلامية برقبة هذه الأرض ما هو إلا تطبيق لمبدأ الملكية العامة،فيقول الشهيد الصدر(1973 :405):" ..إن الأرض المفتوحة لم تشرع فيها الملكية الخاصة ،وتقسيم الفيء(الغنيمة) مبدأ وضعه الشارع في الغنائم المنقولة فقط ،فالملكية العامة للأرض المفتوحة إذن طابع أصيل لها في التشريع الإسلامي ،وليست تأميماً وتشريعاً ثانوياً بعد تقرير مبدأ الملكية الخاصة".
وكان الخلفاء يعينون عمالا مستقلين عن الولاة والقواد لجباية الخراج فيدفعون منه أرزاق الجند وما تحتاج إليه المصالح العامة ،ويرسلون الباقي إلى بيت المال ليصرف فيما خصص له ،و فيمن يتولى جباية الخراج فلابد إن تتوافر فيه مجموعة من الصفات ذكرها أبو يوسف في كتابه الخراج وهي:أن يكون فقيها عالماً مشاورًا لأهل الرأي عفيفا لا يخاف في الله لومة لائم ولا يخاف منه جور في حكم إن حكم(حسن، 1939: 268) .
أما نظام الخراج وهو النظام الضريبي المتبع في استيفاء حقوق بيت المال والذي يرجع إليه في تحديد الضريبة (مقدار الخراج) ومن ثم اعتماد عملية جباية الأموال عليه،ففي تاريخ الدولة الإسلامية طبق أكثر من نظام للخراج مثل نظام الوظيفة في الخراج أو ما اصطلح عليه ب(الطسوق) وهو أول نظام سار عليه نظام الجباية منذ الصدر الأول للإسلام والى أواخر عصر المنصور العباسي (السامرائي، 1990: 789)،و الطسوق هي الأخرى لم تسير على وفق ثابت و إنما كانت هناك"الطسوق المختلفة" كما أشار إليها البلاذري ، كما كان هناك نظام المقاسمة أو ما يسمى ب( الأستان) حيث جرت عادة الخلفاء في هذا النظام أن يشرفوا بأنفسهم على جباية الخراج ليتمكنوا-عند الشك- من محاسبة الولاة وعمال الخراج (تسخيري،2003: 278) ،وكان الهدف من تطبيق هذا النظام هو التخفيف عن دافعي الضريبة في الوقت الذي يحافظ فيه أيضا على المصلحة العامة وحقوق بيت المال،فتم إدخال بعض العوامل بالاعتبار عند احتساب مقدار الضريبة مثل اختلاف جودة الأرض وخصوبتها وقربها من الأسواق والجهد المبذول في زراعتها و إروائها ونوعية المحاصيل الزراعية التي أنتجت منها ( السامرائي،1990: 790).
أما مقدار هذا الخراج فهو على الظاهر أمر متروك لولي المسلمين (تسخيري،2003: 278)، ففي بداية الأمر كان يجبى على أساس المساحة الكلية للأرض الصالحة للزراعة ،ثم أدخلت تعديلات وإجراءات جديدة على هذا النظام في عهد الإمام علي(ع) ،مثل درجة خصوبة الأرض وجودتها ومدى قرب الأراضي الزراعية من الأسواق وتكاليف النقل ونوع المحصول ،وقد أدى ذلك إلى إن تضع الإدارة الحكومية الإسلامية ما يسمى ب"العبرة" وهي قاعدة أو معيار معين لتحديد معدلات جباية الخراج،وقد تعرض هذا المعيار لكثير من التبدل والتطوير خلال فترة الدولة الإسلامية وذلك بسبب تغير وتطور العوامل والظروف الأخرى ذات العلاقة بعملية تحديده كالأسعار والعوامل البيئية المؤثرة على الإنتاج الزراعي وغيرها (السامرائي،1990: 791).
وفيما يتعلق بموعد جباية الخراج،فان هنالك اعتبارات عدة تتحكم في تحديد نمط الفترة ،كأن تكون الفترة دورية ومن ثم تجبى بشكل منتظم كل فترة محددة عادة حولا كاملا(سنة)، أو تكون الفترة موسمية تتناسب مع فترات حصاد الزروع والأثمار(الأبجي، 1990:1133)، واختيار السنة هذه، تارة يكون بالتقويم الهجري القمري إذا كان الخراج يجبى على أساس مساحة الأرض ،وتارة يكون بالسنة الهجرية الشمسية إذا كان يجبى على أساس مساحة الزرع (السامرائي،1990: 793).وقد استعملت عدة مصطلحات لاستيفاء الضرائب المفروضة على الأراضي الخراجية من قبيل الطبول ،وطبول السلطان ،وطبول المسلمين،والنجوم ،والأقساط،وهي كلها تشير إلى أسلوب دفع الضريبة، أي الدفعات أو الأقساط التي يتم بواسطتها تسديد الإنسان لما بذمته من ضريبة الخراج(السامرائي،1990 :803).
وفي عصرنا الحاضر لكي يتم تحصيل هذا الإيراد المهم للدولة الإسلامية فإننا في حاجة إلى تعيين الأراضي الخراجية وحدودها التابعة للدولة الإسلامية ،إذ يقول الصدر(قده):"..نصبح اليوم في مجال التطبيق بحاجة إلى معلومات تاريخية واسعة عن الأراضي الإسلامية ومدى عمرانها ،لنستطيع أن نميز في ضوئها المواضع التي كانت عامرة وقت الفتح من غيرها من المواضع المغمورة "إلا إنه يرى من الصعوبة الحصول على تلك المعلومات لذلك تبقى العملية متوقفة على الظن الذي اكتفى به أكثر الفقهاء،فكل ارض يغلب على الظن إنها كانت معمورة حال الفتح الإسلامي تعتبر ملكا للمسلمين(الصدر، 1973 :411).
نستخلص مما سبق إن الخراج هو مبلغ من المال تقتطعه الدولة من مالك منفعة الأرض من غير المسلمين وهذه الأرض إما تكون تابعة لملكية الدولة الإسلامية، أو تابعة للملكية العامة للمسلمين،والخراج يسري على الأراضي التي فتحها المسلمون عنوة ،وفرضه بهذا الشكل وجبايته من موارده التي عرفناها إنما يكون لأجل المساهمة في تحقيق التوازن الاجتماعي في المجتمع الإسلامي ،بين من يملكون ومن لا يملكون في الزمان الواحد ،وكذلك تحقيقاً للتوازن بين الأجيال المتعاقبة من المسلمين ،جيل ينعم بفتوحات وما ينتج عنها من غنائم، وأجيال لاحقة تنعم باستقرار وانتشار الإسلام [26].
الأوقاف
تمثل الأوقاف أحد مصادر الإنفاق العام للدولة الإسلامية ،وهي تعتبر أحد الدعائم الاقتصادية المهمة في الاقتصاد الإسلامي والتي تساهم بصورة فعالة في إعادة توزيع الثروة وعدم تراكمها ،وكذلك في تنظيم صرف الأموال وتوجيهها نحو خدمة المصالح العامة للمجتمع ،وبالأخص فيما يتعلق برعاية الفقراء والمحتاجين والعاجزين والضعفاء(الحكيم،2003: 400) .
والوقف هو "تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة" ،وإذا تم بشروطه الشرعية خرج المال الموقوف عن ملك الواقف وأصبح مما لا يوهب ولا يورث ولا يباع إلا في موارد معينة يجوز فيها البيع(السيستاني، 2003 :455).
وهذه العملية يلتزم بها المسلمون والدولة الإسلامية حيث تتم وفق أحكام الشريعة الإسلامية وتمنح فيه الصلاحيات للواقف أن يضع شروطه الخاصة ويوجه الصرف فيه بالطريقة المناسبة التي يراها (الحكيم،2003: 400)، فقد يوقف المسلم جزءا من ممتلكاته المالية أو العينية أو كلاهما للأنفاق على الفقراء والمساكين أو إنفاقها على وجوه البر المختلفة كبناء المساجد والمدارس والحسينيات والمستشفيات، وهذا الإجراء يوفر للدولة الإسلامية تامين بعض الحاجات المالية لأفراد المجتمع ،وقد شجع الإسلام الحنيف على هذا العمل الصالح وحث عليه لما يترتب عليه من ثواب عظيم في الآخرة ،فضلا عن أثره الفعال في تحسين الأوضاع الاقتصادية للمجتمع الإسلامي مما جعل من عملية وقف الأموال تتم بصورة واسعة ،وقد جاء عن الإمام جعفر الصادق(ع) قوله:"ستة تلحق المؤمن بعد وفاته ،ولد يستغفر له ومصحف يخلفه وغرس يغرسه وبئر يحفرها وصدقة يجريها وسنة يؤخذ بها من بعده(من لا يحضره الفقيه،ج4،باب الوقف والصدقة) ، ،كما قام النبي(ص)بوقف الحيطان السبعة وهي :"الدلال"و"العواف"و"الحسنى"و"الصافية"و"ما ل أُم إبراهيم"و"المنبت"و"برقة"، كما قام الأئمة (ع) من بعده بذلك،فقد روي إن الإمام علي(ع) قد وقف ماله بعد انصرافه من صفين، و جاء في وصية كتبها(ع) بهذا الشأن"هذا ما أمر به عبدالله علي بن أبى طالب في ماله ابتغاء وجه الله ليولِجَه به الجَنَّة ويُعطِيَهُ بِِِِِهِ الأمَنَة،...ويشترط على الذي يجعلُهُ إليه أنْ يترك المال على أُصوله ويُنفق من ثمره حيث أُمِرَ به وهُدِيَ لَهُ ،وانْ لا يَبيع من أولاد نَخْلِ هذه القرى وَدِيَّةً حتى تُشكِلَ أرضُها غِراساً..." (نهج البلاغة،ج3 :22)،كما قامت السيدة فاطمة الزهراء (ع) بوقف أموالها وجعلت الإمام علي عليه السلام ولياً عليها .
والوقف في الشريعة الإسلامية يكون على قسمين(الحكيم،2003: 402):-
1- الأوقاف العامة :وهي الأوقاف التي يكون هدفها خدمة المصالح العامة للمجتمع الإسلامي ككل ،كالمساجد والمدارس والحسينيات والمكتبات والأراضي والقناطر ونحوها.
2- الأوقاف الخاصة:وهي الوقف المعروف بالوقف(الذري) أي الوقف على الذرية أو العائلة بحيث تختص هذه العائلة بالاستفادة منه،ويصرف في شؤونها الخاصة من سكن أو طعام أو زواج أو تعليم... الخ.
ويمكن أن نلاحظ إن الأوقاف تتميز عن الموارد المالية السابقة إنها تخضع لشروط الواقف نفسه،ومن ثم يقوم بصرف أمواله بالطريقة التي يراها مناسبة ،فهنالك مرونة بالصرف وخصوصية في الفائدة،وهذا الأمر قد ساعد وبشكل كبير على دعم الإمكانيات المالية والاقتصادية للدولة الإسلامية وتحسين أوضاعها (الحكيم،2003 : 403) ، ويمكن أن نرى مدى استجابة الأفراد لهذه العملية الإنسانية الإسلامية من خلال العدد الكبير من الأوقاف العامة والخاصة وانتشارها في عموم الدول الإسلامية كالمساجد والمدارس والحسينيات والمكتبات العامة والطرق العامة وغيرها،وسوف نبين محاسبة الاوقاف بشيء من التفصيل في الباب الثالث ان شاء الله تعالى.
الخُمُــــسْ
الخمس – بضمتين- أو إسكان الثاني- اسم لحق يجب في المال يستحقه من تضمنته الآية الكريمة رقم(41) من سورة الأنفال( السبزواري، 2003: 17) فهو من الفرائض المالية المؤكدة المنصوص عليها في القرآن الكريم،إضافة إلى الكثير من الأحاديث والروايات المروية عن النبي(ص)وأهل البيت عليهم السلام التي تؤكد على أهميته ودوره الكبير في تحسين الأوضاع الاقتصادية للمجتمع الإسلامي،كما تبين بعض هذه الأحاديث اللعن على من يمتنع عن أدائه وعلى من يأكله بغير استحقاق.
إن الخمس من أهم التشريعات الإسلامية الاقتصادية في النظرية الإسلامية،وذلك لسعة دائرة الأموال المتعلقة به وأهميتها بحيث يجعله ذلك من أهم موارد الدولة الإسلامية (الحكيم، 2003: 408)، ولسعة الأموال المتعلق بها الخمس وتنوعها،فضلا عن ارتفاع النسبة المئوية التي يستقطع منها الخمس وهي 20% ، فان ذلك يوفر للدولة الإسلامية مبالغ مالية ضخمة تستطيع من خلالها الإنفاق على الفئات المستحقة للخمس ،ومن ثم تحقيق الاستقرار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية في المجتمع الإسلامي، وهو بذلك يعد أحد أهم روافد النظام الضريبي[27] في الإسلام فيجب الاهتمام به قولا وعملا ، وجلب رضا الله تعالى في تطبيقه وجني ثمراته الطيبة(السبزواري، 2003: 17).
فالخمس حق مالي فرضه الله عز وجل على عباده في موارد مخصوصة ،فكلفهم بإخراج سهم واحد من كل خمسة أسهم مما يحصلون عليه من تلك الموارد أي ما يساوي 20% من الأصل(بحر العلوم،1989: 34).
أصل تشريع الخمس
إن أصل تشريع الخمس في القرآن الكريم هو بنص آية الخمس من قوله تعالى:"واعلموا إنما غنمتم من شيء فان لله خُمسَهُ و لِلِرسول ولِذي القُربى واليتامى والمساكين وابن السبيل "(الأنفال،41)،فهذه الآية وطبقا لرأي فقهاء أهل البيت(ع) وان وردت لسبب خاص إلا إن حكمها عام ،فهم يعتبرون نصفه للإمام ونصفه لذوي القربى من الرسول(ص) ،فضلا عن أن لفظ الخمس في القرآن الكريم لم يرد إلا في ها الموضع فكان مختصا به من غير منازع ،وقد تضمن مجموعة من الأحكام الشرعية التي أهمها وجوب الخمس ،وعموم متعلقه فيشمل مطلق ما يغنم والفائدة ،علاوة على كون الخمي من العبادات (السبزواري،2003: 22)، كما إن هناك آيات أخرى يمكن الاستدلال بها لإثبات وجوب الخمس و الحث على التصدق على ذي القربى وإيتاء حقوقهم منها قوله تعالى:" ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب"(الحشر،7) و قوله تعالى:" وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل"(الإسراء،26)أما روايات أهل البيت (ع) بخصوصه فهي عديدة منها ،كتاب النبي (ص) لعبد القيس عندما وفدوا عليه سنة تسع من الهجرة ،فكتب(ص):" بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لعبد القيس وحاشيتها من البحرين وما حولها آمركم بأربع: آمركم بالإيمان بالله،وهل تدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا اله إلا الله،وان محمد رسول الله،و إقام الصلاة ،وإيتاء الزكاة ،وتعطوا الخمس من المغنم"(صحيح البخاري،ج1 :22-23،ج2 :131،ج4 :250،ج5 :213)(صحيح مسلمج1 :36) ،ويحمل (المغنم) أو (ما غنم) على مطلق الغنيمة ،إ ذ لم يعرف من هذه القبيلة حرب وهم على ضعف من حيث العدد والعدة السبزواري،2003 : 45)، ومنه أيضا كتابه(ص) إلى أهل اليمن لما قدم وفدهم إليه(ص) ،فكتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن:" بسم الله الرحمن الرحيم هذا بيان من الله ورسوله (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعهود) عهد من محمد النبي رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن :أمره بتقوى الله في أمره كله، وأن يأخذ من المغانم خمس الله ، وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقي البعل وسقت السماء، ونصف العشر مما سقى الغرب"(الترمذي ج3 :17)، وعن الإمام أبي جعفر(ع):"كل شيء قوتل عليه على شهادة إن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله فان لنا خمسه ولا يحق، لأحدٍ أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقنا"(الكافي،1365هـ .ش[28]،ج1، باب الخمس:545)، كما إن هناك روايات من أهل السنة تؤكد على إن الرسول (ص)اخذ الخمس من غير غنائم الحرب كالركاز (الكنز) أو (الذهب والفضة) أو (المعدن) ،وهذا ما أكده القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج حيث ذكر ذلك و أضاف (الغوص)،وروي عن ابن عباس قوله:كان الخمس يقسم على ستة ،لله وللرسول سهمان ،وسهم لأقاربه حتى قبض ،وكان الخمس لذوي القربى تعويضا عن الصدقة كما جاء في روايات قوية عن الفريقين(تسخيري،2003: 277) ، والمراد من الخمس هنا هو الخمس العام الشامل لجميع المغنم والفوز بالشيء كما يدل على ذلك قول النبي (ص):" وفي الركاز الخمس" ( المغني ، ج2: 616- 622).
الأموال التي يتعلق بها الخمس
يتفق اغلب المسلمون على تعلق الخمس بغنائم الحرب و الركاز(الكنز)، أما المعادن فقد اختلف جمهور المسلمين في تعيين المقصود بالمعادن والتي تفرض عليها الضريبة كما اختلفوا في تحديد نسبة الضريبة المفروضة عليها وهل تكون الخمس أو العشر(السامرائي، 1990: 806)ومع ذلك يرى اغلبهم وجوب الزكاة فيها ولكن بتفصيل فيما بينهم(الحكيم، 2003: 408).
ولكن إذا رجعنا إلى القران الكريم والسنة النبوية –وطبقا لرأي أهل البيت عليهم السلام- فان الأموال التي يتعلق بها الخمس سبعة أصناف هي(السيستاني، 2003: 253) :-
1. غنائم الحرب.
2. المعادن.
3. الكنز(الركاز في مصطلح الجمهور).
4. الغوص(وهو ما يستخرج من البحر من الأموال الثمينة كاللؤلؤ والمرجان ).
5. المال الحلال المختلط بالحرام.
6. الأرض التي اشتراها الذمي(غير المسلم) من المسلم.
7. أرباح المكاسب.
قال الشيخ الطوسي(رحمه الله) :"والخمس واجب ٌ في كل مغنم ...والغنائم كل ما استفيد بالحرب من الأموال والسلاح والأثواب والرقيق وما استفيد من المعادن والغوص والكنوز والعنبر وكل ما فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات من المئونة والكفاية في طول السنة على الاقتصاد"(تهذيب الأحكام،1365هـ. ش ،ج4 :121).
مستحق الخمس
يقسم الخمس بنص آية الخمس على ستة أقسام،يقول الله تعالى :"واعلموا إنما غنمتم فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل"(الأنفال،41)،و توضح هذه الآية المباركة إن هذه الأقسام الستة تنقسم على قسمين هما :الأول،يتمثل في ما أفادته الآية "فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ".والثاني، وهو ما بقي من الأقسام "اليتامى والمساكين وابن السبيل"،ويقول فقهاء الإمامية: إن الأقسام الثلاثة الأولى هي بيد النبي(ص) أو الإمام من بعده ،أما الأقسام الثلاثة الثانية فهي لليتامى والمساكين وابن السبيل من بني هاشم "وقيل بني فاطمة-ع-"اعتمادا على ماورد في هذا التخصيص من الأخبار التي أفادت بان الله حرم على بني هاشم الصدقة فأبدلهم بالخمس(بحر العلوم ،1989: 35) ،فعن ابن معاذ قال : قال النبي(ص) :" إنا لا نأكل الصدقة" ( صحيح مسلم، ج3: 117)، كما ورد عن بهزين حكيم عن أبيه عن جده قال : (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أتي بشيء سأل أصدقة هي أم هدية ؟ فإن قالوا صدقة لم يأكل وإن قالوا هدية أكل) ( سنن الترمذي، ج2: 83)،و قال الإمام الصادق(ع):"إن الله لا إله إلا هو لما حرَّم علينا الصدقة انزل لنا الخمس فالصدقة علينا حرام والخُمس لنا فريضة والكرامة لنا حلال"(الفقيه،ج2،باب الخمس،39 )،وقد سُئل الإمام الصادق (ع) عن قوله تعالى "واعلموا إنما غنمتم..." فقال:"خمس الله للإمام وخمس الرسول للإمام وخمس ذوي القربى لقرابة الرسول الإمام واليتامى يتامى آل الرسول والمساكين منهم و أبناء السبيل منهم فلا يخرج منهم إلى غيرهم"(وسائل الشيعة ،ج9: 510).
أهمية الخمس في النظام المالي الإسلامي
إن كثرة الأموال التي يتعلق بها الخمس وتنوعها واتساع دائرتها-وهو ما أشرنا إليه قبل قليل- يبين أهمية الخمس و الدور الذي يقوم به في تحسين الأوضاع الاقتصادية للجماعة المؤمنة وتحقيقا للعدالة الاجتماعية في المجتمع الإسلامي،فقد كان ولازال الخمس يمثل أهم مصدر من المصادر المالية في النظام المالي للجماعة الصالحة المؤمنة –على حد تعبير السيد الحكيم(2003: 421)- فهو يعتمد عليه بشكل أساسي في مختلف النفقات العامة والخاصة للجماعة ، وخاصة فيما يتعلق بالشؤون العامة منها،من جهة أخرى فان الخمس يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية فهو عبارة عن صورة من صور التكافل الاجتماعي والذي يريده الإسلام ويحرص على تطبيقه حيث يجعل من الغني والفقير مجموعة واحدة يتحسس البعض منها بما يحيط بالآخر من العوز والحاجة،فالفقير يشعر بهذا العطف من الغني ولابد له يوما ما من أن يقدر له هذه العواطف ليقف إلى جانبه فيما يبتلي به من القضايا التي يحتاج فيها إلى ما يساعده عليها ،وبذلك يكون المجتمع يدا واحدة بغض النظر عن الأفراد والقوميات(بحر العلوم ،1989: 36)، وللخمس أبعادا اقتصادية لا يمكن تجاهلها ، وهي بذلك تشكل دليلا آخر على أهمية الخمس وتزيد من مستوى الاهتمام الإسلامي بأدلته والمحافظة عليه(السبزواري، 2003: 108)، ويذكر لنا السيد الحكيم (قده) عدة أبعاد اقتصادية مهمة تتعلق بالخمس منها (الحكيم، 2003: 421):-
1. الإمكانيات المالية الواسعة التي يوفرها ،حيث انه يشكل نسبة مئوية عالية من مجمل الثروة العامة للمجتمع الإنساني ،مما يجعل تحت يد الإمام –صاحب الخمس- إمكانيات مالية كبيرة جدا يقدم من خلالها خدمة عظيمة للإسلام والمسلمين والأهداف المقدسة ،وبذلك يكون الخمس أكثر أهمية من الصدقات (الزكاة) لارتفاع النسبة المئوية فيه.
2. المرونة في الخمس ،حيث انه ملكا للإمام (ع) ويختص به فان ذلك يعطيه صلاحيات واسعة في التصرف به ،وسعة في دائرة مصرفه،ومن ثم فان الإمام يتحمل النقص في نفقات السادة من بني هاشم –فالخمس حقا للسادة من ذرية الرسول عوضا عن الزكاة-،كما انه ينفقه في الشؤون العامة عند الزيادة منه،فهذه الصلاحيات تعطي المرونة وفرصة للاستفادة من هذا المال وتوجيهه في مختلف المجالات والمصالح العامة التي يشخصها الإمام أو المرجع الديني النائب عن الإمام.
3. الأبعاد العقائدية والروحية للخمس، فالخمس هو حق أهل البيت(ع) ومن ثم فان دفعه لهم يعني التعبير عن الاعتقاد بأحقيتهم و مظلوميتهم كما يعبر عن الولاء والوفاء بالعهد والنصرة لهم بالمال.
4. البعد التنظيمي للخمس ،من حيث انه يعبر عن مدى ارتباط المسلمين بالولاية والمرجعية من خلال المشاركة المالية في إدارة شؤون الجماعة الصالحة المؤمنة وتغطيتها لمصاريفها العامة ،وفي هذا تعبير عن مدى الانتماء والعضوية للجماعة.
5. البعد التطبيقي العملي للخمس، فمن خلال دراسة الواقع التاريخي للائمة عليهم السلام وللجماعة الصالحة ،يتبين إن الخمس كان يمثل ولازال المحور الأهم في الموارد المالية التي يعتمد عليها في تغطية المشاريع المختلفة من قبيل؛ إقامة الحوزات العلمية والمدارس الثقافية في مختلف البلاد حيث يكون التدريس فيها مجانا ،دفع نفقات العلماء والمبلغين والإرساليات التعليمية والإرشادية ،دفع نفقات طبع ونشر الكتب الدينية ،وبناء و إدارة المساجد والحسينيات والمراقد للائمة (ع)،أعمال الإغاثة في الحوادث الاستثنائية كالزلازل والسيول والفيضانات وغيرها من الكوارث ،وتقديم بعض الخدمات العامة مثل بناء القناطر وبيوت الضيافة العامة للزوار وغيرها،تغطية نفقات الفقراء والضعفاء والمحتاجين المضطرين سواء أكانوا من بني هاشم عامة أم من أبناء الرسول(ص) خاصة من سهم السادة أم كانوا من عامة الفقراء والضعفاء والمحتاجين من أبناء الجماعة الصالحة ،وهذا كله يكون بإذن وإشراف المرجع الديني العام.
التكافل الاجتماعي
لقد ذكرنا سابقا إن التكافل الاجتماعي هو واجب يفرض فيه الإسلام على المسلم أن يتحمل مسؤولية خاصة تجاه بقية المسلمين الذين عليهم كفالة بعضهم البعض ، فهو واجب شرعي كسائر الواجبات الشرعية الأخرى التي يحرم مخالفتها ،ويجب على المسلم أداء هذه الفريضة في حدود ظروفه وإمكاناته كما يؤدي سائر فرائضه، ، ويكون للدولة الإسلامية حق إلزام المسلمين وحملهم على القيام بهذا الأمر بمقتضى الصلاحيات المخولة لها،أما المجالات التي يمكن من خلالها تحقيق التكافل الاجتماعي فهي تدور في مجالين رئيسيين(الحكيم، 2003: 437)هما:
1) الصدقات العامة
لقد حث القرآن في آيات عديدة وموارد كثيرة على البذل والإنفاق إلى الطبقات الضعيفة لإنعاشهم و إبعاد شبح الفقر عنهم كما وقد تعددت الأسباب التي عرض بها هذه الفكرة والطرق التي سلكها لتحبيبها إلى النفوس، فمرة يحث على الإنفاق عن طريق الترغيب والتشويق إليه ومرة ثانية من خلال التأنيب على عدم القيام به ومرة ثالثة من خلال الترهيب والتخويف على عدم الإنفاق(بحر العلوم ، 1989: 40-41)، وقد ورد في مجال الصدقات العامة عدة نصوص تبين أهميتها والآثار المترتبة عليها ،منها قوله تعالى :" وآتوا حقه يوم حصاده" وقد ورد في تفسير هذه الآية إنه يجب دفع مقدار من أموال الغلات عند حصادها قبل خرصها غير النسبة المئوية المرتبطة بالزكاة،وفي قوله تعالى :" وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم" تأكيد على إن هذا الحق واجب مالي غير الزكاة ولكن تُرك تعيينه إلى صاحب المال يخرجه حسب وقت ومقدار معلومين يشخصه صاحب المال نفسه(الحكيم، 2003: 428)،كذلك قوله تعالى:"إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم"،"والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم يوم يحمى عليهم في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم فذوقوا ما كنتم تكنزون"، وعن النبي(ص) قال:" على كل مسلم صدقة قيل أرأيت إن لم يجد قال يعتمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق قال قيل أرأيت إن لم يستطع قال يعين ذا الحاجة الملهوف قال أرأيت إن لم يستطع قال يأمر بالمعروف أو الخير قال أرأيت إن لم يفعل قال يمسك عن الشر فإنه صدقة"( صحيح مسلم، ج3: 83)وعن الصادق(ع)انه قال: قال رسول الله(ص):" الصدقة تدفع ميتة السوء"، وعن الصادق(ع) أيضا قال:" ما أحسن عبد الصدقة في الدنيا إلا أحسن الله الخلافة على ولده من بعده" (وسائل الشيعة ،ج9،أبواب الصدقة،367) فالقيام بحقوق المحتاجين يعد مبدأً مهما في فلسفة الإسلام المالية حتى اعتبره بعض الفقهاء حق لازم كالأجر الذي يتقاضاه الأجير في نهاية عمله ،فهو واجب في عنق الدولة وفي عنق الأغنياء على حد سواء،كما جاء أيضا في قوله تعالى:"وآتِ ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا"(الإسراء،26) وبهذا غرس القران الكريم في روع المسلم وفي وجدانه وفي ضمائر القادة والحكام إن للفقير حقه المحتوم في مال الغني وفي مال الدولة ويجب عليهما أداؤه (عفيفي،1980: 119).
إن التأكيد على أهمية الصدقات العامة ووجوبها في رأي بعض الفقهاء ما هو إلا تأكيد على الدور الذي تقوم به في إرساء جانب التكافل والتضامن الاجتماعي بين عموم أفراد المجتمع الإسلامي ، من جهة أخرى فان وجوب هذا النوع من النفقات هو وجوب يضعه ولي الأمر(الحاكم الشرعي) ضمن الصلاحيات والمسؤوليات العامة التي يتحملها تجاه المجتمع والمصالح التي يشخصها لتحقيق الضمان الاجتماعي للفقراء(الحكيم، 2003: 429) ،وهو يدخل كما أشرنا من قبل في منطقة الفراغ في الاقتصاد الإسلامي التي تخضع لإشراف ولي الأمر وتدخله لحماية المصالح العامة للمجتمع الإسلامي.
2) حقوق المؤمنين
أما المجال الثاني الذي يقع فيه التكافل أو التضامن الاجتماعي فهو من خلال مساعدة المؤمن لإخوانه المؤمنين وتحمله مجموعة من الواجبات والمسؤوليات تجاههم باعتباره أحد أعضاء الجماعة المؤمنة الصالحة،ومن أنواع المساعدة التي يمكن أن يقدمها المؤمن لأخيه المؤمن هي المساعدة المالية فمن واجب المؤمن الإنفاق على أخيه المؤمن وسد حاجاته ،وقد اعتبر الإسلام هذا العمل من الواجبات الحقيقية الواقعية التي يجب أن يتحملها الإنسان المؤمن ضمن الواجبات والحقوق الأخرى ، فعن الإمام الصادق(ع) انه قال:"المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يخونه ويحق على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاقد على التعاطف والمواساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض حتى تكونوا كما أمركم الله عز وجل رحماء بينكم متراحمين مغتمين لما غاب عنكم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول الله(ص)"(وسائل الشيعة ،ج2 :542 )،ويجوز للمؤمن أن يشكي حاجته إلى أخيه المؤمن خاصة وإعلام إخوانه المؤمنين بالضيق عند الضرورة ،فعن الصادق(ع) انه قال:"إذا ضاق احكم فليعلم أخاه ولا يُعين على نفسه"، وعن أمير المؤمنين(ع) قال:"من شكا الحاجة إلى مؤمن فكأنما شكاها إلى الله ومن شكاها إلى كافر فكأنما شكا الله" (وسائل الشيعة ،ج2 :447)،وفي هذا تأكيد على واجب المؤمن ومسئوليته تجاه أخيه المؤمن.
من جانب آخر ،فضلا عن كون مساعدة الأخوان يمثل صفة أخلاقية تكاملية في شخصية الإنسان المؤمن، فانه يعتبر أيضا من الواجبات الخاصة التي يجب الالتزام بها لإحكام النظام التنظيمي للجماعة المؤمنة وتقوية العلاقات العامة بينها(الحكيم، 2003: 431) .
الواردات المالية الأخرى
فضلا عن ما سبق فان هنالك واردات مالية أخرى تدخل الخزينة العامة للدولة منها :-
1. الضرائب المالية التي يفرضها ولي الأمر على مختلف المرافق الحياتية مثل؛العشور والمكوس التي تتقاضاها الدولة على السلع الواردة والضرائب المفروضة على الصناعات والزراعة والضرائب التي تتقاضاها الدولة نتيجة المخالفات (الغرامات).
2. واردات الهبات الشعبية للدولة أو الوصايا لها .
3. الأموال التي ليس لها مستحق (لم يتعين مالكها) ،والأموال التي ليس لها وارث.
4. الواردات المالية للأنشطة الاقتصادية التي تقوم بها الدولة نفسها في السوق بعنوان القطاع العام، فيمكن للدولة أن تتملك بعض وسائل الإنتاج تبعا لمصلحة المجتمع الإسلامي، أو أن تقوم بإحياء الأراضي واستغلالها لحساب بيت المال مباشرة.
5. بعض الواجبات المالية المفروضة على الأفراد كالكفارات ،فهي تشكل موردا ماليا لا يستهان به إن طبقت أحكام الشريعة بحق .
مواضع صرف الواردات المالية
تمثل النفقات الجانب الآخر للموازنة العامة للدولة ، وكما أشرنا سابقا فان القران الكريم والسنة النبوية المطهرة قد حددا اغلب مواضع الأنفاق وبصورة قاطعة،كمواضع صرف الزكاة والخمس والخراج والأوقاف...الخ، أما المواضع الأخرى التي لم يتم تحديدها فقد تركت لولي الأمر ينظر فيها طبقا لصلاحيته والمصلحة العامة للمسلمين،أما أنواع النفقات التي كانت سائدة في الدولة الإسلامية فهي تنحصر بالآتي:
1. مخصصات رئيس الدولة
2. رواتب وعطاءات العمال
3. عطاء الجند
4. شراء المعدات الحربية
5. النفقة على المسجونين وأسرى المشركين من مأكل ومشرب وملبس ودفن من يموت منهم.
6. العطايا والمنح للأدباء والعلماء
7. حفر الترع للزراعة وغيرها،وكري الأنهار وإصلاح مجاريها
8. الأعطيات ،وهي بمصطلحنا الحالي الرعاية الاجتماعية أو الضمان الاجتماعي
9. نفقات عامة أخرى تصلح شؤون الناس وتقوم بتنمية الموارد الاقتصادية وتسد احتياجاتهم في قطاعات مختلفة كالصناعة والنقل والمواصلات والخدمات الصحية والتعليم والإرشاد والثقافة والدفاع والأمن والعدالة والإنشاء والتشييد والخدمات الاجتماعية.
يتضح مما سبق إن النظام المالي الإسلامي بقسميه-الواردات والنفقات- يمثل جانب مهم في الاقتصاد الإسلامي ويؤدي دورا أساسيا في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية ،والقيام بهذا الدور الحيوي والأساسي في المجتمع يتطلب وجود نظام محاسبي متقن يضمن حماية هذه المبالغ المالية الضخمة وصيانتها وكذلك يضمن صرفها في المواضع المخصصة لها ويكون ذلك بتنظيم تسجيل جباية الواردات وصرف النفقات و إعداد الموازنات العامة الخاصة بالدولة الإسلامية وطبقا للمبادئ والأسس والمعايير التي يقوم عليها الإسلام المتمثلة بالمذهب الاقتصادي الإسلامي الذي يتفرع عنه النظام المالي والمحاسبي الإسلامي ،وبالتالي نضمن تحقيق الأهداف والمصالح العليا للمجتمع الإسلامي وبالصورة التي يريدها الإسلام الحنيف ويسعى إليها.
2-2.النظام المحاسبي الحكومي الإسلامي
إن الإسلام دين سماوي خالد وهو خاتم الديانات السماوية وذلك يعني بالضرورة انه دين شامل لكل أنظمة الحياة الإنسانية وصالح لحل كل مشاكل الحياة الإنسانية في كل زمان ومكان، لذلك فان الأخذ بالإسلام أساسا للتنظيم العام يتيح لنا أن ننظم حياتنا كلها بجانبيها الروحي والاجتماعي معا دون فصل أو تعارض بينهما بل بانسجام وتناسق وتوافق فالإسلام يضم بتشريعاته الخالدة كلا الجانبين.
لذلك ومن اجل تحقيق تلك الأهداف ،فقد وضع الإسلام للمجتمع الإسلامي مجموعة من الأنظمة والخطوط العملية العامة والتفصيلية الثابتة والمتحركة من اجل المحافظة على الهوية الإسلامية للمجتمع المسلم و القيام بتلبية احتياجاته و أداء واجباته ومسؤولياته فضلا عن تحديد العلاقات الإنسانية المختلفة سواء أكانت علاقة الإنسان بخالقه أم علاقته بأخيه الإنسان أم علاقته بالطبيعة ،ومن ثم توجيه تلك العلاقات نحو طريق التكامل والسعادة الأخروية،فالإسلام قد وضع أنظمة تفصيلية لكل المجالات الحياتية المختلفة ،وبالطبع من ضمنها النظام المحاسبي.
أ) مفهوم النظام المحاسبي الحكومي الإسلامي
إن مفهوم النظام ليس بمصطلح جديد ،بل إن وجوده قديم جدا ،فقد أدرك الإنسان ومنذ وجوده على الأرض إنه يعيش ضمن نظام واسع كبير هو الكون وما يتضمنه من مجرات وكواكب ونجوم لكل منها حجمه وموقعه واتجاهه ووظيفته ،وان حياته وأيامه عبارة عن تعاقب لنظام الليل والنهار كما إن الإنسان نفسه يحتوي في داخله على مجموعة أنظمة ،تقوم كل منها بوظيفة أو عمل معين كالتنفس والهضم والنمو ..الخ،وقد أوضح القرآن الكريم إن هذه الأنظمة مرتبطة مع بعضها البعض،يقول الله تعالى: "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون"(يس، 40).و النظام بشكل عام عبارة عن "مجموعة من الأجزاء أو الأنظمة الفرعية التي تتداخل العلاقات بين بعضها وبينها وبين النظام الذي يضمها والتي يعتمد كل جزء منها على الآخر في تحقيق الأهداف التي يسعى إليها هذا النظام الكلي"(الحسون،1991: 19).
وقد عرفنا مفهوم المحاسبة وما تمثله من دور في الحياة الاقتصادية من خلال تأديتها لوظائف أساسية ومهمة لتطور وتقدم الاقتصاد في المجتمعات وهذه الوظائف تتمثل بتحديد المعاملات الاقتصادية والمالية وقياسها وعرض المعلومات وتوصيلها إلى الجهات المستفيدة منها ،والمحاسبة باعتبارها نظاماً للمعلومات عبارة عن مجموعة من النظم والطرق والإجراءات المحكومة بمبادئ وقواعد سليمة تتبع من أجل تشغيل البيانات عن العمليات المالية التي تحدث في المنشأة ،بهدف إنتاج معلومات مالية (مطر،2004: 23)،وعليه فالنظام المحاسبي يعرف على انه" مجموعة متناسقة ومتكاملة من الوسائل والإجراءات والأساليب مصممة لغرض معالجة الأحداث والوقائع الاقتصادية التي تؤثر أو يفترض إنها ستؤثر على عمليات المنشاة أو مركزها المالي بطريقة ملائمة لطبيعة عمل المنشاة وبشكل اقتصادي يساهم في حماية موجودات المنظمة ووفقا للقواعد والمعايير المحاسبية القانونية والعرفية وتقديم المعلومات والتقارير المطلوبة إلى الإدارة والجهات الخارجية في التوقيتات المناسبة"(الحسون،1991: 42)،أما النظام المحاسبي الحكومي فهو عبارة عن مجموعة المستندات والسجلات والآلات الحاسبة وأجهزة المكننة المستخدمة في الوحدات الحكومية ،فضلا عن الطرق والإجراءات والتعليمات الخاصة بتنظيم وتسجيل العمليات المالية،وإعداد التقارير المالية التي تهدف إلى تقييم الأداء والتخطيط والرقابة على الأموال العامة وتنفيذ السياسات المالية الحكومية(الحجاوي،2004: 53).
إن المحاسبة هي وليدة بيئتها والنظام المحاسبي في مجتمع أو دولة ما يتأثر بصورة ملموسة بمجموعة من العوامل البيئية كالإطار العام التشريعي والسياسي وطبيعة الملكية في الاقتصاد ونوعيتها وحجم ودرجة تعقيد الأعمال ومستوى التدخل التشريعي في التجارة والأعمال ومدى وجود هيئات تشريعية محاسبية...الخ [29](Sulaiman:2004) .
التعريف السابق يبين إن النظام المحاسبي تتحكم به مجموعة من العوامل وتأثر في بناء هيكله العام ،واهم هذه العوامل الأهداف المطلوب تحقيقها من النظام وطبيعة البيئة أو المجتمع الذي يعمل به،والأفكار والمعتقدات والأعراف المتبعة في ذلك المجتمع،فضلا عن المبادئ والأسس والمعايير المحاسبية ،ومن ثم فان النظام المحاسبي سيتكيف ويتشكل وفق هذه العوامل المتعددة.
وبالنتيجة فان النظام المحاسبي الإسلامي هو نتيجة لتفاعل العوامل السابقة ولكن تحديدا في بيئة المجتمع الإسلامي وفي ظل تعاليم الشريعة الإسلامية المقدسة،وقد ظهرت عدة تعريفات لمعنى المحاسبة الإسلامية ،فالبعض يعرفها على إنها "العلم الذي يبحث في محاسبة الحقوق والالتزامات في ضوء الشريعة الإسلامية بما تحويه من قواعد في العبادات والمعاملات"(طرابزوني،1984: 112)،والبعض الآخر يرى أنها "محاسبة النفس أولا تجاه الله والمسؤولية الذاتية للتصرف تجاه مواقف معينة طبقا للأعراف والقيم الخلقية الإسلامية IBRAHIM:2002)[30]) ، والأخير يصفها في موضع آخر بأنها عبارة عن" عملية محاسبية توفر معلومات ملائمة ( ليس بالضرورة أن تكون محددة بمعلومات مالية ) إلى ذوي العلاقة بالمنشاة ، بحيث تمكنهم هذه المعلومات من التأكد إن الوحدة تعمل باستمرار في حدود الشريعة الإسلامية وتحقيقا للأهداف الاجتما-اقتصادية الإسلامية [31](IBRAHIM:2004)، أما مطر(2004: 468) فيعرفها على أنها:"مجموعة المفاهيم والمبادئ والأساليب المحاسبية التي تهدف إلى تكييف النظام المحاسبي ،بالشكل المتعارف عليه ليصبح مناسبا لمعالجة المعاملات المالية في المنشآت التي تمارس أنشطتها وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية".
وبما إن المحاسبة وليدة بيئتها ،فهي إذن تعبر عن قاعدة من الأفكار والفلسفة والمفاهيم المذهبية للبيئة عموما والاقتصاد خصوصا الذي تعمل فيه ،ومن ثم تتكيف وتتشكل أهدافها ونظمها وفق هذه القاعدة المذهبية،فالمحاسبة الغربية (التقليدية) التي تعمل في ظل الاقتصاد الليبرالي الحر والذي تقوم فلسفته ومعتقداته –كما أسلفنا- على تقديس مبدأ الملكية الخاصة (الفردية)بدافع أساس هو تجميع الثروة وتضخيم الأرباح الفردية إلى أقصى حد ممكن وباستخدام كافة الوسائل،فان هذه المحاسبة تتبع هذه الفلسفة وتحقق أغراضها وتعمل وفقها ،لذلك فالمحاسبة الغربية عبارة عن مجموعة أنشطة تقوم بتحديد وقياس وتوصيل المعلومات عن الوحدات الاقتصادية والاجتماعية إلى عدة فئات تستخدم هذه المعلومات لغرض اتخاذ القرارات الاقتصادية العقلانية التي تؤدي إلى الاستغلال الأمثل للموارد النادرة-حسب اعتقاد النظام الرأسمالي-ومن ثم تحقيق أعلى أرباح ممكنة، والمحاسبة الاشتراكية التي تعمل في ظل الاقتصاد المخطط مركزيا فهي أداة لتحقيق أهداف هذا النظام ومن ثم فهي تقوم بتحديد وتسجيل المعلومات عن الوحدات الاقتصادية لغرض اتخاذ قرارات حول جدولة الإنتاج وتحديد المنفعة المتوقعة من المعدات والقوى العاملة ومن ثم تعظيم الإنتاج إلى أعلى حد ممكن.
وهذا نفسه يكون بالنسبة للمحاسبة الإسلامية، التي تعمل وفق المذهب الاقتصادي الإسلامي وتتكيف تبعا لمبادئه و أسسه وقواعده ومعاييره المذهبية،وهذا الاقتصاد الذي يتميز عن غيره من النظم الاقتصادية الوضعية بأنه نظام سماوي عبادي قبل كل شيء يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية الإسلامية،وقد تقدم إن العدالة الاجتماعية تتحقق بالتوزيع الأمثل للثروة وانتشارها وتداولها في المجتمع الإسلامي وعدم تراكمها أو احتكارها من قبل فئة دون أخرى،"لكيلا تكون دولة بين الأغنياء" والمحاسبة الإسلامية هي أحد أدوات الاقتصاد الإسلامي لتحقيق هذا الهدف السامي.
فالمحاسبة الإسلامية ليست مجرد نظام لتسجيل الأموال وقياسها وتقييمها ..الخ و إنما هي قبل ذلك نظام يعمل على أداء عبادات وفرائض مالية معينة يكلف بها الفرد المسلم كالزكاة والخمس واللذان كما أسلفنا من أهم المصادر المالية للدولة الإسلامية ولهما دور كبير أساس في إعادة توزيع الثروة وتحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع الإسلامي.
وتعتبر المحاسبة من المهن التي يجب شرعا توافرها والاهتمام بها باعتبارها من فروض الكفاية ،فهي فضلا عن تعريفها الفني- وسيلة لتحقيق واجب شرعي وهو إثبات وقياس وتوزيع الحقوق بين أصحابها بالعدل( جمعة، 2000: 377).أما فيما يتعلق بتشكيل النظام المحاسبي في الدولة والإشراف عليه ومتابعته فإن الشيخ الفياض يعتبر هذا الأمر شرعا من وظيفة ومسؤولية السلطة الحاكمة -الحكومة الشرعية[32].
إذن فالمحاسبة الإسلامية هي مجموعة أنشطة تعمل على تحديد وقياس وتوصيل معلومات متنوعة عن المسئولين في الوحدات الاقتصادية - "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" – توضح مدى التزامهم وكفاءتهم باستخدام الموارد المالية في حدود الشريعة الإسلامية وتوصيلها إلى جميع أفراد المجتمع الإسلامي لغرض تحقيق العدالة الاجتماعية الإسلامية.
وعلى أساس ذلك يمكن القول إن المحاسبة الحكومية الإسلامية هي مجموعة أنشطة تقوم بها الدوائر الحكومية المختصة بتحديد وقياس وتنظيم جباية الأموال من مصادرها المعينة ،وضمان صرفها في المواضع المخصصة لها وفق مفاهيم ومبادئ وأسس وقواعد ومعايير الشريعة الإسلامية لغرض تحقيق العدالة الاجتماعية والتوازن بين طبقات الأمة والحفاظ على حقوقها في المجتمع الإسلامي.
ويظهر من ذلك أن النظام المحاسبي الإسلامي يتميز بعدة خصائص أهمها[33]:ـ
· إن نظام المحاسبة لا يمكن أن يكون نظاما ثابتا مستقرا وغير متحرك طول التاريخ بل هو نظام متحرك ومتغير بتغير الزمان ومتطور بتطور الحكومة عصرا بعد عصر قرنا بعد آخر .
· إن نظام المحاسبة لا يختص بالأنشطة الاقتصادية فحسب بل يشمل كافة أنشطة الدولة بتمام مكوناتها وشرائحها وأعضائها على أساس أن السلطة الحاكمة في الحكومة الشرعية مأمورة بتطبيق نظام المحاسبة بشكل مدروس ودقيق على كافة أعضاء الحكومة وشرائحها ومكوناتها ومشروعاتها العامة والخاصة، باعتبار أن الهدف الأصلي من وراء الحكومة الشرعية تحقيق الأهداف الإسلامية النبيلة وهي العدالة الاجتماعية والمحافظة على التوازن والاعتدال بين طبقات الأمة والأمن والاستقرار ، ولا يمكن تحقيق هذا الهدف والوصول إليه إلا بتطبيق نظام المحاسبة على جميع شرايين الحكومة بشكل دقيق وموضوعي.
· إن نظام المحاسبة في الإسلام يختلف عن نظام المحاسبة الوضعية في نقطة واحدة جوهرية وهي إن نظام المحاسبة في الإسلام محدود بالحدود المسموح بها شرعا ولهذا لا يمكن تطبيق هذا النظام على الأنشطة الاقتصادية المحظورة شرعا كإنشاء مصنع للخمر مثلا والأنشطة الربوية ونحوها بينما لا يكون نظام المحاسبة الوضعية محدودا بالحدود المذكورة.
وحيث أن نظام المحاسبة في الإسلام يتطور وقتا بعد وقت وعصرا بعد عصر فمن الطبيعي خضوعه للدراسة الأكاديمية.
ب) أهداف النظام المحاسبي الحكومي الإسلامي
إن كل نظام فرعي له أهدافه الخاصة التي تصب في النهاية لخدمة النظام الكلي ،وكذلك بالنسبة لأهداف النظام المحاسبي الحكومي الإسلامي التي لا تخرج عن الإطار العام لأهداف المذهب الاقتصادي الإسلامي ،ويمكن أن نلاحظ ذلك في كل النظم التي يطرحها الإسلام فنرى إنها جميعا تكون مقدمة ضمن تخطيط جامع لمجمل الحياة ،ولذا نجدها مترابطة ترابطا وثيقا بحيث لا يمكن لأي منها تحقيق غرضه المنشود دون تطبيق النظم الأخرى(تسخيري، 2003: 156).
وبما إن النظام الاقتصادي الإسلامي يسعى إلى تحقيق عدة أهداف أهمها تحقيق العدالة الاجتماعية ،لذلك فان النظام المحاسبي الحكومي الإسلامي قد صمم ووجه لتحقيق عناصر التكافل والتوازن والملكية المزدوجة ،مؤكدا على عنصر العمل و مانعا الربا واكل المال بالباطل والحرام واللهو و إهدار الثروة ، وهو قبل ذلك نظام عبادي ،حيث تتقارن الصلاة والزكاة في مواضع كثيرة من القران الكريم إضافةً إلى الأحاديث النبوية المطهرة،فالزكاة والخمس ليست مجرد ضرائب مالية تفرض على الفرد المكلف ،و إنما هما عبادتان ماليتان كما إن الصدقات والوقف و الكفارات المالية التي هي عبادات مستحبة –وقد تكون واجبة أحيانا- إنما في الواقع تحقق موارد مالية ضخمة و تساهم مساهمة اقتصادية كبيرة في تحسين الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية للمجتمع الإسلامي ،ومن ثم فان النظام المحاسبي الحكومي الإسلامي عموما يهتم بمجال ضبط إيرادات الخزينة العامة للدولة ونفقاتها(بيت المال) والرقابة عليها،بشكل يضمن تحقيق الأهداف السابقة المشار إليها،وعلى أساس ذلك تكون أهم أهداف النظام المحاسبي الحكومي الإسلامي :-
1. تنظيم عملية جباية الأموال الداخلة إلى بيت المال(خزينة الدولة الوطنية)وتصنيفها.
2. حصر ما يستحق على الأفراد المكلفين للدولة من أنواع الأموال التي تتعلق بها العبادات المالية كالزكاة والخمس واحتسابها وتقديرها بصورة صحيحة.
3. تحديد نوعية الملكية للأموال الموجودة في الخزينة الوطنية وموارد تحصيلها ،كأن تكون أموال تتعلق بها الملكية العامة أو تتعلق بها ملكية الدولة ، وما يترتب على ذلك من استحقاقات والتزامات.
4. تحديد الفترات الزمنية التي يتم على أساسها جباية كل نوع من أنواع الأموال المختلفة الواردة إلى بيت المال ،وتحديد معدلات تقدير وتقييم هذه الأموال وأساليب تحصيلها وجمعها ،ومواضع صرفها.
5. قياس المصروفات وتوفير المعلومات حول أساليب ومواضع صرف الأموال.
6. تحقيق مفهوم إمكانية المحاسبة الاجتماعية أو ما يمكن تسميته بالمساءلة المحاسبية التي تبدأ من الرقابة الذاتية للنفس والشعور بالمسؤولية تجاه الله أولا ثم تجاه الناس.
7. المراقبة المستمرة لإيرادات بيت المال ونفقاته وضبطها والتصرف بها وفقا للشريعة الإسلامية،وكذلك محاسبة القائمين على أمور هذه الأموال.
8. توفير الإفصاح الكامل لجميع أنشطة الوحدات الحكومية التي لابد أن تتم وفق الشريعة الإسلامية ،بمعنى إن الأهداف السابقة تتعلق جميعها بقياس الأنشطة المشروعة من وجهة النظر الإسلامية،ومن ثم فان الأنشطة المحرمة (غير المشروعة) إسلاميا كاحتساب الفوائد على القروض(الربا) والإضرار بالبيئة والمجتمع لابد من الكشف عنها لغرض استبعادها وإلغائها.
ج)مقومات وعناصر النظام المحاسبي الحكومي الإسلامي
يتكون النظام المحاسبي الحكومي الإسلامي –كغيره من النظم- من عناصر أساسية لوجوده وتنظيمه ،ويعتمد على مجموعة من المرتكزات الأساسية التي تضمن له القدرة على تحقيق الأهداف المطلوبة منه ،وتتميز هذه العناصر والمقومات (المرتكزات) بالطابع الإسلامي في كل خصائصها ومفرداتها ،وذلك يثبت- كما سنرى إن شاء الله- إن اغلب المقومات والعناصر التي يتكون منها النظام المحاسبي عموما والنظام المحاسبي الحكومي خصوصا والمعمول بها في وقتنا الحاضر تعود أصولها وجذورها إلى النظام الإسلامي،الذي أرسى الخطوط العامة والتفصيلية لكل أنظمة الحياة البشرية وذلك قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة مضت ،ويمكن توضيح أهم عناصر ومقومات النظام المحاسبي الحكومي الإسلامي كما يأتي:-
1) المعايير والقواعد
تشكل هذه المجموعة الإطار الفلسفي العام للنظام المحاسبي ومصدر الأحكام فيه وهي التي تحدد مساراته وتوجه أعماله وتحكم إجراءاته(الحسون، 1991 :47) ،وذلك بدءا من عملية التسجيل مرورا بالتصنيف والتلخيص والتحليل وانتهاءً بتوصيل المعلومات وعرضها.
وفيما يتعلق بالنظام المحاسبي الحكومي خصوصا ،فان للتشريع وقوانين الدولة دور كبير في صياغة ووضع قواعد ومعايير وإجراءات المحاسبة الحكومية، حيث إن دستور الدولة والقوانين الصادرة على مستوى رئيس الدولة هي التي تنظم تلك المعايير والقواعد والإجراءات ،وذلك لأهمية الوظيفة التي تقوم بها المحاسبة الحكومية في مجال حفظ وصيانة الأموال العامة وتنميتها وتحقيق الأهداف العليا للدولة .
ويعتمد النظام المحاسبي الحكومي الإسلامي في عمله على مجموعة من المعايير والقواعد التي يكون مصدرها الشريعة الإسلامية المقدسة، ويتميز النظام المحاسبي الحكومي الإسلامي-الذي يمثل جزءا من النظام الاقتصادي الإسلامي-عن غيره من النظم المحاسبية الوضعية بأنه يحتوي على مجموعتين من المعايير المحاسبية ،الأولى: معايير تتعلق بتطبيق أحكام ثابتة في الشريعة لا تتغير ولا تتبدل، مثل أداء الزكاة والخمس،حيث إن هاتين الضريبتين هما في الأساس عبادتين ماليتين قد حددتا في القران الكريم والسنة النبوية المطهرة، من حيث وجوبها ،وموارد تحصيلها،ومستحقيها(مواضع صرفها)،وهنالك معايير محاسبية ثابتة تتعلق بمنع الربا أو السيطرة على الأرض بدون إحياء وغيرها ، والمجموعة الثانية تتعلق بتطبيق أحكام متغيرة تدور في مجال منطقة الفراغ في الاقتصاد الإسلامي وهي تعبر عن استيعاب التغير والتطور في الظروف والملابسات المحيطة بعمل المحاسبة،كما تبين أيضا قدرة الشريعة على مواكبة العصور المختلفة،وهذه المعايير قد تُرك أمر تحديدها إلى إشراف ولي الأمر(الحاكم الشرعي) وتدخله لحماية المصالح العامة للدولة وهي موكولة إلى اجتهاده ،أما مصدر الأحكام والقواعد الشرعية لهذه المعايير في النظام الإسلامي ، فهو لا يستند إلى لجان خاصة من رجال القانون والمهنة كما هو الحال في كثير من الدول السائدة في هذه العصور ،فالحكومات قد عهدت إليها أن تضع الأحكام وتشرع الأنظمة والقوانين التي قد تكون متفقة مع سياستها ورغبات حكامها ، وهذه الكيفية لا يقرها الإسلام ، فإن الحكم عنده بيد الله تعالى ويجب أن يقتبس من ينابيعه الخاصة ،وليس لأي أحد الحق في التشريع وسن القوانين ،وعلى ضوء ما سنه الإسلام وشرعه يجب أن تستند الدولة وتعالج مشاكل رعاياها وفي جميع مرافقها (القرشي، 1966: 168)، أما مصادر التشريع الإسلامي فهي :
الكتاب العزيز:
والمراد بالكتاب هنا هو كتاب الله عز وجل الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ألفاظا ومعاني وأسلوبا،واعتبره قرآن دون أن يكون للنبي(ص) دخل في انتقاء ألفاظه أو صياغته، فليس منه ما أنزله الله تعالى على نبيه من الأحكام وأداها بأسلوبه الخاص، كما ليس منه ما ثبت من الحديث القدسي،وهو ما أثر نزوله على النبي(ص) ولم يثبت نظمه من قبله في سلك القرآن ،وكذلك ما نزل من الكتب السماوية على الأنبياء السابقين كالتوراة والإنجيل و الزبور ، لعد اعتبارها قرآن،وتفسير القرآن وترجمته ليسا من القرآن في شيء، فلا تجري عليهما أحكام القرآن خاصة( الحكيم ،2001 : 93).
يمثل القرآن الكريم أول مدرك للأحكام الإسلامية ،وأغدقها فيضا " الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه" ، فهو المصدر الأول لكل ينبوع تشريعي(القرشي، 1966: 169)،والقرآن هو خصوص ما بين الدفتين دون أن يزاد فيه حرف أو ينقص، ولقد أحصيت آياته فبلغت (ستة آلاف وثلاثمائة وأربعين آية، منها خمسمائة آية فقط تتعلق بالأحكام (الحكيم، 2001: 94)،وقد انتظمت هذه الآيات في سور بلغ مجموعها مائة وأربع عشرة سورة ،أولها الحمد(الفاتحة) وآخرها (الناس).
السُنة :
و تمثل السنة المدرك الثاني لمطلق الأحكام الإسلامية ،فمنها تستنبط الأحكام الشرعية وتؤخذ معالم الشريعة ،ويعرف بها الناسخ من المنسوخ،و السنة – لغة- تعني السيرة والطريقة المعتادة سواء كانت حسنة أو سيئة كما في الحديث الصحيح :" من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة الحكيم ،2001 : 115) .
أما المصطلح الفقهي للسنة فهي تطلق في ما يقابل البدعة ،ويراد بها كل حكم يستند إلى أصول الشريعة في مقابل البدعة فإنها تطلق على ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة،والمصطلح الفقهي المتفق عليه عند عامة المسلمين للجمهور، فهي ما صدر عن النبي (ص)من قول أو فعل أو تقرير (القرشي، 1966: 172)،أما المدرسة الامامية فيعرفون السنة هو ما صدر عن المعصوم من قول أو فعل أو تقرير،ويمكن توضيح ذلك كالآتي:
قول النبي(ص[34]):
أقوال النبي(ص) هي أحاديثه التي قالها في مختلف الأغراض والمناسبات، يقول الغزالي:" وقول رسول الله (ص) حجة لدلالة المعجزة على صدقه ،ولأمر الله تعالى إيانا بإتباعه ولأنه " لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" (النجم،3-4 )، ولكن بعض ما يتلى فيسمى كتابا وبعضه لا يتلى وهو السنة.
أفعاله:
وأفعال النبي (ص) حجة كأقواله ، وهي على ثلاثة أنواع :
1. أفعاله الجبلية التي يشترك بها مع سائر الناس كالأكل والشرب والنوم ونحو ذلك ،وهذه لا إشكال في إباحتها اتفاقا.
2. أعماله العبادية وهي التي تحتاج إلى نية القربة ولا تصح بغيرها كالصلاة والصوم والحج وغيرها من سائر الأعمال القربية التي لم ترد فيها إلا آيات مجملة ولا شك في أن أعماله (ص) كأقواله توضح مجملات الكتاب.
3. تقريره: وتقرير النبي(ص) حجة كأقواله وأفعاله والمراد به أن يرى فعلا ما يرتكبه المسلمون فلم ينكره وهو دليل على إباحته إذ لو كان غير مشروع للزم عليه بيانه وإيضاحه، وتتحقق السنة بإجماع المسلمين بإحدى هذه الأمور الثلاثة.
واتفق المسلمون على أن سنة رسول الله (ص) بأقسامها حجة في شؤون الدين ،وأنها من أدلة الأحكام التي يجب الرجوع إليها وقد دل على حجيتها كتاب الله تعالى:" وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"(الحشر،7) ،وقال تعالى:" وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون الخيرة من أمرهم" (الأحزاب، 36)،وقال تعالى :" أطيعوا الله وأطيعوا الرسول" (النساء، 58)،وهذه الآيات تدل بوضوح على حجية السنة وأنها أصل من أصول التشريع،وقد انعقد إجماع المسلمين على ذلك.
الإجماع:
وهو ثالث الأدلة التي يقتبس منها الحكم الإسلامي ،والإجماع في اللغة هو الاتفاق ،أما الإجماع في الفقه فيعني كما عرفه الشيخ المفيد في كتابه تهذيب الوسائل بأنه عبارة عن "اتفاق أهل الحل والعقد من أمة محمد (ص) "، كما قيل إنه عبارة عن اتفاق المجتهدين من هذه الأمة في عصر على حكم شرعي(القرشي، 1966: 186)،واتفق المشهور على حجية الإجماع ،وانه من الأدلة الشرعية التي يستنبط منها الحكم الشرعي،وقد ذكر علماء الأصول أنواعا للإجماع هي:
1. الإجماع المحصل، أي أن يستقري المجتهد أقوال المعاصرين له بلا واسطة في النقل حسب ما جاء في حجيته ، ولا إشكال في حجيته على تقدير حصوله.
2. الإجماع المنقول، وهو على نحوين، الأول: أن يكون منقولا بخبر الواحد وهو من الأدلة الظنية ،وقد ألحق بخبر الواحد لأنه من مصاديقه،والثاني: المنقول بالخبر المتواتر(الإجماع المتواتر) ،وهو من الأدلة القطعية شأنه شأن الخبر المتواتر في إفادة العلم والحجية.
دليل العقل:
ويعتبر حكم دليل العقل وسائر إدراكا ته من الحجج الشرعية التي لها دخل في استنباط الأحكام ،و دليل العقل كما عرفه القمي " هو حكم عقلي يتوصل به إلى الحكم الشرعي، وينتقل من العلم بالحكم العقلي إلى العلم بالحكم الشرعي"، ويعني ذلك إن ما يدركه العقل وما يستقل به كوجوب قضاء الدين ورد الوديعة وحرمة الظلم وأمثال ذلك من أحكامه الاستقلالية يتوصل به إلى الحكم الشرعي مباشرة، كما يكون القطع به قطعا بالحكم الشرعي(القرشي، 1966: 191).
إن القران الكريم والسنة المطهرة يتضمنان الكثير من الأحكام الشرعية المتعلقة بالمعايير والقواعد التي تنظم عمل المحاسبة الحكومية، وبالأخص فيما يتعلق بالإيرادات المالية للدولة من حيث توضيح طرق تحديد الإيرادات وجبايتها وتوزيعها وصرفها في المواضع المخصصة لها ،ويلاحظ إن تطبيق بعض هذه القواعد والمعايير يكون بأسس إجبارية (إلزامية) ، مثلا فرض الزكاة ووجوب أدائها وتحصيلها ،أو تكون اختيارية كالصدقات التطوعية .
وفضلا عن القران الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ،فان الإجماع والدليل العقلي- المصدران الثالث والرابع للتشريع الإسلامي- يوفران ويقدمان مجموعة أخرى من المعايير والقواعد المحاسبية الإسلامية المستجدة والمستحدثة على الساحة،فالاجتهاد وكما تقدم يمثل أحد عناصر المرونة والتي لا يمكن الاستغناء عنه في النظام الإسلامي لمعرفة اثر التطورات والتغيرات الزمانية والمكانية على نوعية الحكم المستنبط من النصوص الشرعية لجميع مجالات الحياة والتي من ضمنها موضوع بحثنا الحالي ،وفي هذا الصدد يقول الشيخ الفياض:" إن الحركة الاجتهادية التي هي ذات طابع إسلامي على طول التاريخ تفتح الآفاق الذهنية وتحمل مشعل الكتاب والسنة في كل عصر ،ولولا هذه الحركة الفكرية الاجتهادية في الإسلام التي تطورت وتعمقت عصرا بعد عصر بتطور الحياة العامة واتساعها وتعمقها في مختلف مجالاتها الاجتماعية والفردية والمادية والمعنوية لم تتبلور أصالة المسلمين في التفكير والتشريع المتميز المستمد من الكتاب والسنة على طول الخط ولولا استمرار هذه الحركة الاجتهادية لظلت المشاكل الحياتية المتجددة في كل عصر بدون حل حاسم"[35].
فمبدأ الإشراف وتدخل ولي الأمر المجتهد العادل(الحاكم الشرعي) في الحياة الاقتصادية وما يتشعب منها هو مصدر أساسي ومهم للمعايير والقواعد المحاسبية الإسلامية المستجدة والمستحدثة ،وقد ذكرنا سابقا أهم الوظائف التي يقوم بها ولي الأمر(الحاكم الشرعي) في هذا المجال والتي منها اختيار أفضل السبل والإجراءات والمعايير لتطبيق أحكام الله الثابتة، مثل دراسة أفضل السبل لمنع الربا من المجتمع مع الأخذ بنظر الاعتبار عدم الإضرار بالأنشطة الإيجابية للمصارف،كذلك من وظائفه إصدار القوانين التي تحقق المصلحة الإسلامية العليا مع الاحتفاظ قدر الإمكان بالأحكام الأولية للموارد المتنوعة ،وتوفير أفضل الحلول والإجراءات التي تهيئ الانسجام بين تطبيق الأحكام والقوانين الإسلامية والظروف المستجدة والتطورات الحاصلة في المجتمع.
ويلاحظ انه من خلال الاجتهاد و آراء المجتهدين الأعلام ،فان التشريع الإسلامي قد اخذ بنظر الاعتبار اثر العوامل البيئية المختلفة والتغيرات التي تطرأ عليها ،والتي هي بالمقابل تؤثر على عمل المحاسبة الحكومية،ومثال على ذلك العرف السائد ، فقد ربط الإسلام بعض المعايير والقواعد الاقتصادية والتي منها المعايير المحاسبة ببعض المفاهيم العرفية السائدة مثل مفهوم (عدم الإسراف والتبذير) و(لا ضرر ولا ضرار) و ( الفقر والغنى) ونحوها فهي كلها مفاهيم تخضع للعرف والظرف المعيشي السائد في زمان ومكان ما، ومن ثم فان المعايير المحاسبية المرتبطة بها ستخضع لذلك أيضا.
ولابد من القول إن المعايير المحاسبية الحكومية الإسلامية هي معايير ذات طبيعة سماوية وان التزام الفرد المكلف (المعني) بها يعني حصوله على مكافئة الله بالثواب الأخروي ،أما مخالفته لها فيعني ذلك العقوبة الأخروية ،نستعيذ بالله منها.
2) المجموعة المستندية
تمثل المستندات المصدر الرئيس للقيد في الدفاتر وهي دليل الإثبات على صحة القيد، فعبر وجود المستندات تتم عملية تحويل البيانات (المدخلات) الواردة على النظام المحاسبي إلى لغة النظام ،وهي بذلك تعتبر بوابة النظام المحاسبي(الحسون، 1991: 51)،وتستمر مهمة المستندات بتتبع المعاملات والعمليات خلال عمل النظام من تحليل وتصنيف للمعلومات ولغاية الحصول على الخدمة أو السلعة .وتتطلب العمليات المحاسبية المختلفة في النظام وجود أنواع عدة من المستندات ،فهناك مستندات خارجية (واردة من الخارج) و داخلية (واردة من الداخل)، ومستندات أساسية للقيد الأصلي ويقيد منها مباشرة في دفاتر اليومية ، ومستندات غير أساسية ترفق مع المستندات الأصلية لتعزيز العمليات الواردة بها ، كما تتعدد أنواع المستندات باختلاف تصميمها والهدف منها(طرابزوني، 1994: 18).
وللمستندات مكانة هامة في الإسلام باعتبارها دليلا ثبوتيا لما يمكن أن يجري بين طرفين وخاصة دورها في حفظ الأموال عن الضياع والاهتمام بحقوق الناس، وقد ربط الله سبحانه وتعالى هذا الأمر بالتقوى فبين سبحانه إن العمل الصحيح في حفظ الأموال وحقوق الناس يكون من خلال التقوى، وقد وردت نصوص كثيرة توضح وتبين كيفية توثيق الحقوق وخاصة الحقوق المالية وكتابتها وشروطها ،وجاءت الآية 282 من سورة البقرة بأروع بيان وابلغ تفصيل حول هذا الأمر وقد ورد في تفسير القرطبي إن هذه الآية تتناول جميع المداينات فقد تضمنت أكثر من عشرين حكما ، وقد استدل بها بعض العلماء على جواز التأجيل في القروض على ما قال مالك ، كما قال الشافعية إن فيها الأمر بالإشهاد إذا كان دينا مؤجلا (القرطبي،ج ,سورة البقرة:الآية282 3)، وقد ذكر السبزواري (قده) في تفسيره "إن هذه الآية الشريفة قد احتوت -وحدها- على ما يقارب من عشرين حكما حول أصول المعاملات والمعاوضات كالبيع والدين والرهن ونحوها ،وهي قواعد نظامية ثابتة في فطرة العقلاء قررها سيد الأنبياء (ص) بوحي من السماء ،وبمراعاتها تحفظ المال عن الضياع ويرفع التنازع والاختلاف بين أفراد الإنسان ويصل كل ذي حقٍ إلى حقه والعمل بها يوصل الناس إلى أغراضهم ويحتفظون على مالية أموالهم ،وأكد سبحانه وتعالى على كثرة الاعتناء والاهتمام بحقوق الناس وبين عز وجل إن العمل طريق التقوى بل هي والعمل الصحيح متلازمان ، فالتقوى من موجبات رحمة الله تعالى بالعبد وإنها بمنزلة روح العمل"( السبزواري،1404هـ ,سورة البقرة:الآية282) ،يقول الله تعالى في هذه الآية المباركة"يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا .....ولا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى اجله ذلكم اقسط عند الله و أقوم للشهادة و أدنى ألا ترتابوا ..." ،ويستفاد من هذه الآية الشريفة عدة أمور(السبزواري،1404هـ،سورة البقرة:الآية282 ):
الأول:تدل الآية على أهمية حقوق الناس ووجوب مراعاتها والتحفظ عليها ،وقد ذكر سبحانه ثلاثة أمور لازمة لتثبيتها هي الكتابة والشهادة والرهن.
الثاني: ذكر سبحانه وتعالى قواعد نظامية لا تختص بعصر دون آخر ولا ملة دون أخرى فهي صالحة في جميع الأعصار والشعوب ،يحفظ بها الأموال عن الضياع ويسلم الإنسان عن التشاجر والتنازع ويرتضيها العقل السليم ويوافق عليها الطبع المستقيم ،وقد نبه إليها القران الكريم قبل أن يصل الإنسان إلى المدنية الحاضرة ويقنن قوانين لتنظيم المعاملات وحفظ الأموال وتحسين النظام الاجتماعي الاقتصادي.
الثالث: أمر سبحانه وتعالى في الآيات المباركة –فضلا عن ما ورد من لزوم التحفظ على أموال الناس – تنزيه النفس في ما بينها وبين الله تعالى عن الخيانة في الأمانة ،وهي التقوى التي حرض القران عليها بأساليب مختلفة.
وقد حذر رسول الله (ص) من التهاون في مسالة توثيق الحقوق و إثباتها بقوله:"أصناف لا يستجاب لهم منهم ،من أدان رجلا دينا إلى اجل فلم يكتب عليه كتابا ولم يشهد عليه شهودا"، وعن أبي عبد الله الصادق(ع) انه قال:" من الله على الناس برهم وفاجرهم بالكتاب والحساب ولولا ذلك لتغالطوا"(وسائل الشيعة،ج17: 404)، كما روي عن أمير المؤمنين علي(ع) انه كتب إلى عماله "ادقوا أقلامكم واقصدوا قصد المعاني وإياكم والإكثار فان أموال المسلمين لا تحتمل الإضرار"( وسائل الشيعة،ج17: 404).
والكتابة هي الفرض والثبوت أي الكتابة التحريرية ،والكتاب في الأصل يطلق على المكتوب ،وقد أمر الله سبحانه وتعالى بكتابة الحقوق المالية بطرفيها(المدين والدائن) كالدين والبيع ونحوها،دفعا للضرر وحفظا للحقوق كما بين الله تعالى كيفية الكتابة وشروطها ومن يتولاها،فبين سبحانه انه يشترط في الكاتب أمران ،الأول: العدالة وهي بمعنى الاستقامة والاستواء في الدين للدين،والثاني: العلم بالأحكام "و لا يأب كاتب أن يكتب كما علمه " أي العلم بالأحكام وشؤون المعاملة وما يعتبر فيها لتخلو الكتابة عن الوهم والتقصير لأنها حجة معتبرة ،وهي سند بينهما لحفظ حقوقهما ،وهنا تشديد وتأكيد على تثبيت الدين وان صنعة الكتابة من الواجبات الكفائية التي يتقوم نظام العالم بها.
وقد استخدم النظام المحاسبي في الدولة الإسلامية نوعين رئيسين من المستندات هما (يحيى،2004: 132):
1. مستند داخلي ،يستخدم للأغراض الداخلية أطلق عليه مصطلح "الشاهد"ويتم تحريره من قبل كاتب الحسابات وهو يتعلق بالإيرادات المحصلة من الغير ،وهذا المستند صمم بحيث يحتوي على بيانات أساسية مثل تاريخ ومكان الإصدار،المبلغ ،شاهد المعاملة ،التوقيع أسباب الدفع ،وهو يتكون من عدة نسخ ، وبعد المصادقة على الشاهد من قبل رئيس الديوان أو الوزير أو نائبه يتم استخدامه أساساً للقيد في الدفاتر.
2. مستند خارجي ، يستخدم للأغراض الخارجية أطلق عليه "البراءة" ويتم تحريره من قبل الجهبذ أو الخازن بما يؤديه إليه وهو يمثل وصل السداد عن الضرائب المفروضة كالخراج والصدقة والجزية.
وفي وقتنا الحاضر زمن الحاسب والانترنيت فقد تطورت أساليب توثيق المعاملات والحقوق المالية وتعددت نوعية المستندات المستخدمة في ذلك ، ألا إن القواعد العامة لها وهي الكتابة التحريرية والإشهاد عليها واخذ الضمان المناسب لها هي ثابتة على مرور الأزمنة واختلاف الأمكنة،وهذه القواعد هي نفسها التي اقرها التشريع الإسلامي قبل وقتنا الحاضر بأكثر من ألف وأربعمائة سنة.
3) المجموعة الدفترية:
تعتبر المجموعة الدفترية من الدعائم الأساسية التي يرتكز عليها النظام المحاسبي ،فهي أداة للتسجيل والتحليل والعرض المستمر وفي نفس الوقت هي وسيلة لإعداد القوائم المالية والتقارير المختلفة التي تخدم أهداف متعددة(الحسون،1991 :54) .
وتنقسم المجموعة الدفترية إلى مجموعتين هما :
أ- سجلات محاسبية ، وهي السجلات التي تسجل فيها القيود المحاسبية الأصلية التي تعد استنادا إلى نظرية القيد المزدوج ،وتتكون السجلات المحاسبية الحكومية من :
- دفاتر اليومية لتسجيل العمليات تاريخيا.
- دفاتر الأستاذ لتبويب العمليات وتحتوي على حسابات إجمالية وفرعية.
- دفاتر ا لضبط والرقابة الداخلية على الصرف وعدم تجاوز اعتمادات الموازنة باستخدام موازين المراجعة اليومية.
ب- سجلات إحصائية أو بيانية ،وتسجل فيها جميع البيانات الإضافية التي تعتبر لازمة لتكوين قاعدة بيانات ، حيث تساعد هذه السجلات على اتخاذ القرارات الإدارية المختلفة ،كما أنها توفر معلومات إضافية تفيد مستخدميها ، مثل دفتر قيد الحجوزات والتنازلات والتوكيلات ،ودفتر حصر المبالغ المتأخر تحصيلها من ديوان ورسوم ومستحقات ، ودفتر قيد العقود التي تبرمها الدائرة مع المقاولين ..الخ.
وقد عرفت الدفاتر المحاسبية في النظام المحاسبي الإسلامي منذ الصدر الأول للإسلام ،حيث إن نظام الدواوين التي تعني السجلات أو الدفاتر كانت ضمن عناصر التنظيم الإداري والمالي للدولة الإسلامية، وقد تقدم ذكر ما تعنيه كلمة ديوان فهي وكما عرفها الماوردي عبارة عن "موضع لحفظ ما يتعلق بحقوق السلطنة من الأعمال والأموال ومن يقوم بها من الجيوش والعمال" ، وقد كان هناك اهتماما بالأسعار العالمية للورق والبردي التي كانت الحاجة إليهما كبيرة ومستمرة لكونهما مواد أساسية في ضبط أعمال الديوان حيث تستعمل على شكل سجلات و أوراق العرائض والمؤامرات وختمات لتسجيل مبالغ الاستخراج وتفريقه وكتابة البراءات سواء أكان ذلك في ديوان الخراج المركزي أم في الدواوين الفرعية في الأقاليم أم من قبل الجباة خلال موسم الجباية(السامرائي، 1990: 824).
وقد عرف دفتر القيد الأولي في الدولة الإسلامية باسم "جريدة" في حوالي عام 132 هـ(حوالي 749 م) أي قبل ظهور كتاب باسيليو- في عام 1494م - بأكثر من سبعة قرون، مما يعني إن باسيليو قد اعتمد على المصطلح العربي المستعمل "الجريدة" و أطلقه على دفتر اليومية المسمى journal بالإنجليزية أو zornal بالإيطالية والتي هي ترجمة حرفية للكلمة العربية "الجريدة" (يحيى، 2004 :134).
ومن أهم الدفاتر المحاسبية التي كانت تستعمل في الدولة الإسلامية من حيث طبيعتها والوظائف المرتبطة بها كآلاتي(يحيى، 2004 :134)،(الزهراني،1986: 459-464):
1. الجريدة ،وهو دفتر يستخدم لقيد الإيرادات والمصاريف ، وكان هناك جريدة خاصة بالإيرادات وأخرى بالنفقات ،وبهذا فالجريدة تتولى المحاسبة على كافة الأموال الواردة إلى بيت المال والمنصرفة منه.
2. تعليق اليومية ،أي دفتر اليومية وهو يستعمل لقيد كافة المعاملات اليومية الأخرى غير الإيرادات والمصروفات.
3. المخزومية وهو يشبه الملفات حاليا (البوكس فايل) ويختص بنوع من الحسابات مثل النقدية أو الغلال.
4. الاورج، وهو يشبه دفتر أستاذ المدينين حاليا ،فهو يستعمل لتثبيت الحقوق المالية للغير.
5. الرزنامج(كتاب اليوم) وهو يختص بتسجيل مبالغ الخراج على الأراضي الزراعية .
6. دفتر النفقات وهو يختص بتسجيل نفقات الخليفة الذي يمثل نفقات الدولة.
7. دفتر الأموال المصادرة ، وهو دفتر يختص بإدارة الأموال المصادرة من الوزراء وكبار رجالات الدولة آنذاك.
8. الجريدة السوداء(الجيشية) ،وهو دفتر يختص بتسجيل كل ما يتعلق بالجيش من رواتب و أرزاق ومكافئات ..الخ.
9. الفهرست،وهو سجل تثبت فيه أسماء الدفاتر ونوعية الأعمال التي تم القيام بها.
4) دليل الحسابات:
يمثل الدليل لغة النظام التي يتداولها مشغلوه ومستعملو مخرجاته (الحسون،1991: 59)، فهو طريقة للتبويب المحاسبي تتضمن عملية اختيار أسماء الحسابات وتجميعها في مجموعات رئيسية وفرعية متجانسة ومتشابهة ثم وضعها في قالب دليل حسابات وتعطى رموزا أو أرقاما مميزة(رضوان،1977 :21)مع إمكانية استعمال الوسائل الآلية والإلكترونية وذلك لتسهيل عملية استخدام الدليل. إن الغرض الرئيس من إنشاء الدليل واستخدامه يتمثل في تسهيل عمل النظام المحاسبي عموما وإظهار عناصره الرئيسية بسرعة ووضوح ،إضافة إلى إعطاء تفاصيل حول جزئيات وفروع النظام .
ويتضمن الدليل على عدة عناصر أساسية أهمها(الحسون ،1991 : 60):
أ- تبويب وترتيب الحسابات المختلفة وتجميعها في مجموعات نوعية متجانسة.
ب- ترميز هذه الحسابات بطريقة معينة .
ت- تحديد مدلول أسماء الحسابات والمصطلحات المستخدمة في النظام.
ويمكن أن نلاحظ إن دليل الحسابات يمثل أحد المقومات المهمة للنظام المحاسبي الحكومي الإسلامي، حيث تشير المصادر إلى انه كان مطبقا بصيغة أو بأخرى في زمن الدولة الإسلامية ،حيث تم استخدام مجوعة من المفاهيم والمصطلحات والأسماء في النظام المحاسبي الإسلامي من قبل العاملين في بيت المال ضمن الوظائف المحاسبية والمالية المختلفة، فكان العمل المحاسبي يسير وفق أسلوب علمي متقن وباستخدام قواعد ومعايير مقننة وملزمة للكتابة والتوثيق في السجلات المحاسبية ،وقد مر بنا ،إن بعض من هذه الأحكام والقواعد قد ذكرها القران الكريم في عدة آيات شريفة وبالأخص في الآية( 282 )من سورة البقرة المباركة ، حيث ذكرت الشروط التي يجب توافرها في الكتابة والكاتب حيث يقول جل شانه :"و لا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله".
ومن المصطلحات والأسماء التي تعارف عليها المحاسبون في الدولة الإسلامية الآتي:-
· السلف والمقاصة،أما السلف فهو ما يعطى من الأموال لمستحقيها قبل استحقاقها لهم ،و أما المقاصة فهو ما يتم استرجاعه (خصمه) من الأموال المستحقة للأشخاص الذين بذمتهم سلفا(يحيى،2004: 136).
· الحاصل والجمع الواصل و حواصل معدومة ،فأما الحاصل فهو الرصيد المتبقي آخر المدة السابقة ،وأما الجمع الواصل فهو صافي إجمالي الأموال التي وصلت إلى بيت المال (أي بعد طرح قيمة التلف أو المسموحات) ، وأما حواصل معدومة فهي تعني الأموال المسروقة من الديوان التي لا تثبت إلا بعد إصدار مرسوم بها)( يحيى،2004: 136) .
· الطبول وطبول السلطان ،وهي تعني الدفعات أو الأقساط التي يتم بواسطتها تسديد الإنسان لما بذمته من ضريبة الخراج(السامرائي،1990: 803).
· النجوم والأنجم ومنجمة ،وهي تعني نهايات الفترات الزمنية من السنة الخراجية الواحدة المحصورة بين دفعة مالية من أصل الضريبة والدفعة التي تليها(السامرائي،1990: 803).
· الرائج من المال والمنكسر من المال والمتعذر والمتحير والمتعقد من المال ،فأما الأول فيعني الديون القابلة للتحصيل ،و أما الثاني فهو الديون المعدومة التي يستحيل تحصيلها ،و أما الأخير فهو الديون المشكوك في تحصيلها(يحيى،2004: 136).
5) الموارد البشرية للنظام
يعتبر توفير كادر من الموظفين على درجة من الكفاءة والأمانة والخبرة العصب الأساسي في بناء النظام المحاسبي ،إذ تتوقف عليهم مجمل حركة النظام(الحسون ،1991: 66)فمن خلال مؤهلات الموظفين الشخصية والعلمية يتمكن النظام من أداء واجباته بالشكل المطلوب .
وقد شدد النظام الإسلامي على ضرورة اختيار الموظفين الأكفاء والأمناء والمؤهلين علميا وعمليا لتولي الوظائف المختلفة وخصوصا موظفي بيت المال ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال قوله تعالى :" إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"( النساء، 58) فالآية المباركة تشير إلى أن الكفاءة صفة لابد من مراعاتها في الموظف وفي كل من يتحمل مسؤولية ،وتمثل قواعد اختيار الموظفين في النظام الإداري الإسلامي التي يجب على الرؤساء الإداريين الالتزام بها عند اختيارهم لمرءوسيهم إحدى المظاهر الأساسية للرقابة في النظام الرقابي والمحاسبي الإسلامي –سنتكلم عن ذلك لاحقا بشيء من التفصيل- ،وقد اعتبر اختيار الموظفين والعمال منذ نشأة الدولة الإسلامية من باب أداء الأمانات ،بحيث يجب على ولي الأمر إن يولي على كل عمل أصلح من يجده فان عدل عن الأصلح إلى غيره مع عدم وجود ما يبرر ذلك يكون قد خان الله ورسوله والمؤمنين (عبد الوهاب، 1984: 295)،قال الله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وانتم تعلمون" (الأنفال، 27)وقال النبي(ص):" من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى أتحد عليهم محاباة فعليه اللعنة إلى يوم الدين"( المستدرك،ج4: 93)ويمكن أن نلاحظ ذلك أيضا من وصية الإمام علي (ع) إلى مالك الأشتر حيث يقول(ع) فيها:"ثم انظر في أمور عمالك ،فاستعملهم اختبارا ولا تولهم محاباة وأثرة فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة ،وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة ،والقدم في الإسلام المتقدمة ،فإنهم أكرم أخلاقا واصح إعراضا واقل في المطامع إشرافا وابلغ في عواقب الأمور نظرا (نهج البلاغة،ج3: 95 ).
إن طبقة العمال التي يعنيها الإمام في كتابه هذه هم عمال السواد والصدقات والأوقاف والمصالح وغيرها حسب توزيع الوظائف وتشكيلات الحكومة الإسلامية في ذلك العصر ،فبعد أن لفت نظر مالك الأشتر (رض) إلى كيفية انتخابهم ،أرشده إلى الطبقات التي ينتقي أشخاصهم من صفوتها ويرشحهم للمناصب اللائقة بهم بعد اختبارهم وان لا يوليهم محاباة لهم ولمن يشفع فيهم ولا أثرة ولا إنعاما عليهم ،واختبار الموظف لابد منه قبل تعيينه- كما أشار الإمام(ع)- والاختبار مطلق يشمل جميع ما له علاقة بأهلية المرشح لتولي وظيفة منن الوظائف، فيشمل كفاءتهم المهنية وعلاقاتهم الاجتماعية وحالاتهم الحزبية وعلاقاتهم في هذا الشأن ومدى إمكانية تأثيرها على الوظيفة التي يراد إسنادها إليهم ( شمس الدين، 1421 هـ: 358) ، ثم اشترط أن يختارهم من المجربين لان التجربة هي الأصل الأكبر لكفاءة الموظف في إتقان العمل و أداء الواجب الذي يعهد إليه وهي دليل علمه بالأعمال والولايات التي يتولاها ومقياس اطلاعه ومعرفته بقواعدها وشؤونها، وإضافة لذلك، فان الموظف المختار لابد إن يتصف بالحياء لان الحياء أساس المروءة ،كما قال رسول الله(ص):" لا يأتي الحياء إلا بخير",وقال أيضا:"من لم يكن له حياء فلا دين له ومن لم يكن له حياء في الدنيا لم يدخل الجنة"(الفكيكي،2003: 135-136).ومن الصفات الأخرى الواجب توفرها في موظف الدولة في نظر الإمام علي(ع) أن يكون من أهل البيوتات الصالحة والقدم السابقة في الإسلام لان ذلك يفيد في المحافظة على الأعراض والأموال والغض عن التطلع إلى المطامع الدنيئة(الفكيكي،2003 :136).
ويلاحظ إن التشريعات والقوانين الحديثة المتعلقة باختيار الموظفين للوظائف المختلفة وخاصة الحساسة منها لأجل إصلاح نفسية الموظف وضمان سير العمل بإتقان وكفاءة وفاعلية ، قد اقرها الإسلام و أشار إليها الإمام (ع) وشدد على ضرورة تطبيقها في عهده لإصلاح النظام المحاسبي الحكومي خصوصا و الدولة الإسلامية عموما وذلك قبل تلك القوانين الحديثة و العصرية بعدة قرون.
وقد ذكرنا سابقا ،أهم مسميات الوظائف للأفراد العاملين في بيت المال ضمن الاختصاصات والوظائف المحاسبية والمالية المختلفة ،كصاحب بيت المال،والكاتب،والناظر،والشاهد،والمستوفي،والعامل،،والصيرفي،والخارص،وغيرها.
6) الموارد المادية للنظام:
وتتمثل بالمستلزمات المادية اللازمة لقيام النظام المحاسبي بإجراءاته المختلفة في سبيل تحقيق هدفه المتمثل بقياس الأموال من إيرادات ومصاريف والرقابة عليها . ويمثل بيت المال في الدولة الإسلامية أهم المكونات المادية للنظام المحاسبي الحكومي الإسلامي ،حيث يتم في هذا المكان ممارسة العمل المحاسبي ،بدءا من صورته البسيطة في صدر الإسلام وحتى تكامله بصورة تدريجية في العهود المختلفة للدولة الإسلامية (يحيى، 2004: 129). و أعمال ديوان بيت المال ،تشبه أعمال وزارة المالية والخزينة العامة للدولة في عصرنا الحاضر في الإشراف على الموازنة العامة وعناصرها الرئيسية المتمثلة بجباية وتنظيم أنواع الإيرادات ومن ثم إنفاقها في مواردها المخصصة. فبيت المال هو المكان الذي تنظم فيه العلاقات المالية بين الدولة ورعاياها وضمن فروعه وأقسامه المختلفة ،مثل ديوان الزكاة والصدقات ،وديوان الخراج والجزية، وديوان الغنائم والركاز ونحوها.
7) الرقابة الداخلية:
تعتبر الرقابة الداخلية أحد العناصر الرئيسة للنظام المحاسبي ،وهي عبارة عن مجموعة التنظيمات والقرارات الإدارية والتعليمات المالية ووسائل الرقابة التي يتضمنها النظام المحاسبي وهي تستخدم لضمان السيطرة على المعاملات المالية والمحاسبية .
وتعتمد الرقابة في تنفيذ مهامها تلك على مجموعة من القواعد والمعايير المتفق عليها والملزمة قانونا للأطراف المسئولة عن الحسابات وتكون مسطرة على شكل هيكل معين (فريح،1990: 115).
ويعتمد نظام الرقابة السليم على القواعد والمعايير الأساسية الآتية(الحسون، 1991: 72):
· تحديد خطوط السلطة والمسؤولية والصلاحيات الممنوحة للمسئولين على اختلاف مستوياتهم .
· الفصل المناسب بين الوظائف المتعارضة
· توزيع العمليات المرتبطة بعضها ببعض على عدة أشخاص لتجنب حالات التلاعب والاختلاس.
· العمل في إطار الصلاحيات الممنوحة لكل شخص
· استخدام مجموعة مستندية ودفترية متكاملة ولكل العمليات المالية والمحاسبية.
· وضع دليل متقن للحسابات يبسط ويسهل إجراءات العمل المحاسبي
· المطابقات الدورية للحسابات واستخراج الأرصدة وموازين المراجعة
· كشف الانحرافات وحصرها بصورة تلقائية وتصحيحها
· استخدام كادر وظيفي مؤهل كفوء وأمين
وفي النظام الرقابي الإسلامي فان هنالك الكثير من الروايات والنصوص التي تؤكد اهتمام الشارع المقدس بهذا المجال وحرصه على وجود نظام رقابي فعال وعادل في نفس الوقت ،كما تدلنا تلك الروايات على أنواع وأساليب الرقابة التي استعملها النبي(ص) والخلفاء[36] من بعده ،من حيث(الجوهر،1999: 10):
أ- وضع قواعد خاصة لعملية جباية الأموال وكيفية التصرف بها ومحاسبة المسئولين في ضوء هده القواعد.
ب- إنشاء أجهزة متخصصة تتولى عملية الرقابة.
ت- التأكيد على السمات الشخصية للأشخاص المسئولين في أعمال الرقابة ووضع نظام لمحاسبتهم بعد أن يتم عزلهم.
لقد وضع الرسول (ص) القواعد التي تقوم عليها الرقابة ،فعدد إيرادات الدولة ووضع مقادير الزكاة والجزية وكيفية تحصيلها ،كما بين طرق الأنفاق العام و أحكامه (الجوهر،1999: 10)،هذا من جانب ومن جانب آخر فقد كان(ص) يتابع عمل عماله على الصدقات ويحاسبهم ويعزل من يراه غير أهلاً لذلك، وسار الخلفاء من بعده على نهجه القويم، فنرى إن الإمام علي(ع) قد أولى عناية فائقة لجهاز جباية الأموال في عهده لا من اجل أن يجمع أكبر نصيب من المال ،و إنما من اجل إن ينخرط ذلك الجهاز في مسيرة العدالة الإسلامية المثلى التي جسدها الإمام(ع) في حياة الناس ،فقد كان الإمام حريصا على أن يلتزم موظفو ذلك الجهاز بأقصى درجات العدل والفضيلة والنبل والشعور بالمسؤولية ،فليست مهمتهم في نظر الإمام (ع) إن يجمعوا المال من اجل المال ، و إنما ينبغي عليهم إن يلتزموا الحق في تعاملهم مع الناس ،وان يعكسوا عدالة الإسلام لمن يلتقون بهم من الناس ،فلا ينبغي أن يغضبوا أحداً من الناس ،ولا يسيئوا معاملة أحد ولا يضربوا إنساناً من اجل درهم مثلا ولا يجوز أن يعتدوا على مال امرئ من المسلمين أو من غيرهم ممن يتمتع بحق التابعية للدولة الإسلامية(مؤسسة البلاغ، 2000: 539)، ويلاحظ أن الإمام علي(ع) قد اعتمد على مبدأ الاختصاص وتوزيع الأعمال في الإدارة الحكومية لضمان سير أعمال الدولة على مستوى عال في الدقة والإتقان واليسر وحسن التدبير،ويكون ذلك من خلال ثلاثة قواعد هي(شمس الدين، 1421: 360):
· دفع رواتب ومخصصات كافية للموظف لتجنبيه اللجوء إلى الخيانة بالرشوة ونحوها، حيث يقول (ع):" ثم أسبغ عليهم الأرزاق فان ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك ".
· وضع نظام وإنشاء جهاز للتفتيش الإداري يراقب أعمال الموظفين ،ومدى تطابقها مع الأحكام الشرعية ، ومدى تقيدهم بالتعليمات والتوجيهات المعطاة لهم ، حيث يقول(ع):" ثم تفقد أعمالهم، وابعث العيون من أهل الصدق والأمانة عليهم".
· إنزال العقوبات المناسبة بالموظف الذي يسيء استعمال سلطته، وأهم هذه العقوبات : العقوبة البدنية ، ومصادرة الأموال المختلسة والتغريم ، والعقوبة المعنوية بالتشهير، حيث يقول(ع):" وتحفظ من الأعوان ، فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبة في بدنه ،وأخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته بمقام المذلة ،ووسمته بالخيانة ،وقلدته عار التهمة".
إن ذلك يعني إن نظام الرقابة الداخلية الإسلامي يعتمد على مجموعة من المقومات التي تشمل كلا من الخطة التنظيمية الجيدة ،والنظام المحاسبي المحكم، ومجموعة الأفراد المؤهلة (يحيى، 2004: 138)،ويلاحظ إن تلك المقومات هي من الأركان الأساسية لنظم الرقابة الداخلية الحديثة و العصرية(الجوهر، 1999: 29).
8) التقارير والقوائم المالية
يتضمن نظام المحاسبة الحكومية إعداد مجموعة من التقارير والقوائم المالية الدورية، التي لابد أن توفر معلومات حول مدى مطابقة الأحداث الاقتصادية و العمليات المحاسبية المسجلة للقوانين والتعليمات الصادرة بهذا الشأن،وخاصة قانون الموازنة العامة للدولة،وكذلك توفير معلومات عن الأداء المالي وغير المالي للوحدة الحكومية ،ومن ثم فان هذه التقارير تسعى إلى تحقيق الأهداف الآتية (لجنة المعايير المحاسبية،الانتوساي،23:1998):
· تفسير نطاق نشاطات الوحدة الحكومية.
· تفسير طبيعة نشاطات الوحدة الحكومية.
· الإبلاغ عن نتائج نشاطات الوحدة الحكومية .
ويلاحظ إن المحاسبة السائدة في زمن الدولة الإسلامية ،هي المحاسبة الحكومية ،وذلك بسبب عدم وجود المشاريع الاستثمارية الضخمة ومن ثم عدم وجود الشركات المساهمة الكبيرة كما في عصرنا الحالي. لذلك اهتمت المحاسبة في زمن الدولة الإسلامية-المحاسبة الحكومية- بكيفية الحصول على الأموال العامة ،وتحديد أوجه التصرف بها لعامة الشعب (يحيى،2004: 136)، وذلك يبين مرة أخرى-وكما سبق إن أوضحنا- إن جذور المحاسبة الحكومية تمتد إلى الصدر الأول من ظهور الدولة الإسلامية ومنذ عهد النبي الأكرم(ص) ،حيث كان (ص) يقوم ببعض أعمالها و يباشرها بنفسه كتحديد نوعية الواردات المالية ومقدارها وكيفية جبايتها ومن ثم توزيعها وصرفها على مستحقيها،ومع اتساع الدولة الإسلامية وكثرة وتعدد الأموال الواردة إليها كان يتم إعداد ميزانية عن الأنواع الرئيسة للموارد المالية فقد كانت هناك موازنة للزكاة ،وأخرى للخراج ،وثالثة للفيء وهكذا(الأبجي،1990 : 1135) .
أما أهم التقارير والقوائم المالية التي كان يتم إعدادها آنذاك فهي(يحيى،2004: 137)،(الزهراني،1986: 459-464):
· الختمة، وهي عبارة عن تقرير مالي شهري يتم إعداده نهاية كل شهر ويحتوي على الإيرادات والمصروفات مبوبة وفق أنواعها مع الرصيد المتبقي في نهاية كل شهر،ويشبه هذا التقرير قائمة مصادر واستخدامات الأموال في وقتنا الحاضر.
· الختمة الجامعة ،وهي تقرير يعده المحاسب ويقدمه إلى المسئول الأعلى منه .
· التوالي، وهو تقرير يعد عن كمية الغلات،أي المحاصيل الزراعية في كل موسم ،يبين فيه الوارد والصادر والرصيد حسب أنواعها عن كل فترة زراعية.
· عمل المبيع، وهو تقرير المبيعات ،يبين فيه كميتها وسعرها وقيمتها والرصيد بالكمية والقيمة في نهاية كل فترة محددة.
· عمل المبتاع،وهو تقرير المشتريات ،يبين فيه كميتها وسعرها وقيمتها والمصاريف الخاصة بها في نهاية كل فترة محددة.
· الارتفاع، وهي عبارة عن الموازنة العامة (المركز المالي المتوقع) لسنة هجرية قمرية مقبلة،يبين فيها الموجودات والمطلوبات والفرق بين الإيرادات والمصروفات معدة على أساس تقديري تخميني ،ثم يظهر في القسم الثاني منها النتائج الفعلية بعد انتهاء السنة وتفسير الفروق في الحسابات الختامية.
2-3.المحاسبة الحكومية في التاريخ الإسلامي
إن وضع (الصحيفة) الذي قام به النبي(ص) في المدينة هو أول تنظيم إداري له صفة الشمولية ، والتي عبرت عن نشوء المجتمع السياسي الإسلامي في المدينة بقيادة النبي (ص) ، فقضت الضرورة بتنظيم العلاقات بين سكان المدينة ،وتحديد الواجبات والحقوق للجماعات المتعايشة في المدينة ،وتحديد مرجع أعلى للحكم فيما يقع من اختلافات وحاكم في الوقت نفسه وهو النبي (ص)ووضعت التقسيمات الإدارية بحيث لا تؤدي إلى الإخلال بالتلاحم الاجتماعي ولا يجوز أن تتم بصورة كيفية ، ويلاحظ في الصحيفة إنها لا تجيز التنوع في القضايا ذات الطابع الشمولي الذي يستوعب الأمة كلها (الحرب والسلم والجيش والقضاء والأمن العام والاقتصاد والمرافق الكبرى كالسوق والنقد ) أما القضايا الخاصة داخل التكوينات الاجتماعية فان الصحيفة تشير إلى السماح بالتنوع فيها (التنظيم البلدي الخاص، تنظيم الموارد المحلية غير الإستراتيجية وما شابه ذلك)(شمس الدين،1423هـ :351-352).
ويمكن تتبع نشاط المحاسبة الحكومية في التاريخ الإسلامي(في الدولة الإسلامية ) من خلال استعراض المقومات التالية باعتبارها الدعائم الأساسية المكونة لنشاط المحاسبة الحكومية في الدولة الإسلامية وهي :
1) بيت المال.
2) ديوان بيت المال.
3) نظام الحسبة.
1) بيت المال
عد بيت المال من أهم المؤسسات الحكومية في الدولة(المدينة)الإسلامية ،وبيت المال هو المكان الذي توضع فيه واردات الدولة(أو المدينة)من حصتها من الغنائم والجزية والخراج والصدقات وغيرها،وتعتبر هذه الواردات ملكا مشتركا للمسلمين تسجل بسجلات خاصة،و يشرف على بيت المال موظف مسئول سمي صاحب بيت المال يشرف على ما يرد بيت المال من الأموال أو يخرج منه ويوقع الموظف على جميع الصكوك التي تدخل أو تخرج من بيت المال لتكون نافذة المفعول(الزبيدي، 1970: 245).
يمكن القول إن المحاسبة الإسلامية قد أسست منذ زمن النبي (ص) ، حيث نزلت نصوص قرآنية تبين أحكام مفصلة بشأنها أحيانا، وأحيانا أخرى تكون على شكل قواعد نظامية مجملة ، ،فكان النبي (ص) أول من فصل وبين هذه القواعد المحاسبية ، فعدد إيرادات الدولة ووضع مقادير الزكاة والجزية وكيفية تحصيلها ،كما بين طرق الإنفاق العام و أحكامه وكان يبعث إلى الأقاليم بأمرائه وعماله على الصدقات ويوضح لهم طرق هذه القواعد والأحكام ،كما كان (ص) يحاسبهم على المستخرج(الإيرادات) والمنصرف منها وكيفية ذلك(الجوهر،1999: 10) وكان (ص) كلما أسلمت قبيلة بعث العامل لجمع زكاة مالها ، وهو (ص) أول من انشأ لها ديوان خاص في مركز الدولة ،وكان كاتبه على الصدقات الزبير بن العوام وجهم بن الصلت أما كاتبه على خرص النخل فهو حذيفة ابن اليمان،وكان له كاتبان آخران على المداينات والمعاملات، وهذا يبين إن الدواوين قد وضعت في زمن النبي(ص)( الخياط، 1990: 932).
وحيث إن المسجد كان يمثل مركز الدولة الفتية ،والمكان الذي كان النبي (ص) يقوم فيه بالحكم وإدارة شؤون الدولة ،فإن بيت المال في عهد النبي (ص) كان يقع في المسجد أيضا، فكان النبي (ص) يتولى عملية تنظيم واستلام وتوزيع الأموال بنفسه فكانت الأموال التي تجمع من الغنائم أو نحوها تقسم على أصحابها ومستحقيها أولاً بأول ، وبحسب حاجة كل فرد فإذا زادت الأعطيات وبقي منها شيء أعيد توزيعها ثانية بين المسلمين ، لذلك لم تكن هنالك حاجة لوجود هيئة محددة تتولى الشؤون المالية والمحاسبية في حينه. وبدأت حركة التحرر الإسلامية منذ عهد النبي الأكرم(ص) حيث وجه الجيوش الإسلامية في بادئ الأمر إلى الشام، و قبيل وفاته كانت الجيوش قد وصلت إلى مؤتة حيث دارت المعركة الشهيرة هناك، وبعد وفاته(ص) استمرت عملية فتح الأراضي سواء أكان ذلك عنوة أم صلحا ،فحررت الأراضي الواقعة غرب الفرات وفتحت الشام عام 13هـ،وحررت فلسطين عام 15هـ/666م، وحرر العراق في السنة ذاتها ،واستمرت حروب التحرر فحررت مصر ثم أفريقيا ،ثم حررت الجزيرة والجبل وأرمينية والري وأذربيجان واصبهان، وكان من النتائج الأساسية، لحروب التحرر تلك تدفق الأموال على المسلمين بشكل وفير ومستمر وازدياد عدد الجند ونفقاتهم فأصبح من الصعب ضبط تلك الأموال دون تدوين، مما استدعى ذلك وجوب وجود نظام يتحكم في تلك الأموال وينظم توزيعها ويحفظ ما زاد منها (اليوزبكي،1988: 132)،لذلك بدأت التنظيمات الإسلامية بالتشكل والظهور نتيجة الحاجة إليها،فاتخذت نظما تنسجم مع واقع الشريعة الإسلامية فاستحدث ديوان بيت المال(الدجيلي،1976 :26)، ولدراسة بيت المال لابد من تحليل أبعاده الثلاثة(سند، 2003: 115) وهي:
أ- ما المقصود ببيت مال المسلمين وما هو موضوعه؟
ب- ما هي مصادر تمويل هذا البيت؟
ج- ما هو النظام المتبع في جباية الأموال واستلامها ، ثم صرفها وتوزيعها؟
أ)ماهية بيت مال المسلمين:
إن بيت المال هو اصطلاح أطلق على المؤسسة التي قامت بالإشراف على ما يرد من الأموال وما يخرج منها في أوجه النفقات المختلفة ، ويسمى أيضا بيت مال المسلمين حيث تبين هذه العبارة الاتجاه الديني للأموال ، أما تسمية (بيت مال العامة ) فقد جاءت في العصور المتأخرة حيث استحدث بيت المال الخاص ، وقد استخدم هذا التعبير للتفريق بين بيت المال وبيت المال الخاص(الدجيلي،1976 :14). وكان كل مال لا وارث له أو لا مالك له يضم إلى بيت مال المسلمين فيصبح من المال العام ، ثم تعددت بيوت المال في العواصم والمدن باتساع الدولة الإسلامية وتعدد أقاليمها .
وفي عهد الدولة الأموية كانت تخصص للخليفة مخصصات من بيت مال المسلمين, حيث تنفق هذه المخصصات على بيت الخليفة وسرادقه وستوره وغير ذلك ،فلما تولى عمر بن عبدالعزيز الخلافة أقاموا له في اليوم الأول لخلافته هذه السرادق والستور وقدموا إليه الثياب والفرش حسب العادة ،اعرض عن هذا كله،وأبطل العمل به وقال لتابعه مزاحم:يا مزاحم ضم هذا إلى بيت مال المسلمين وقدموا إليه قوارير العطور والطيب التي كانت تخصص للخليفة ، فرفضها أيضا و أبطلها وقال لتابعه:ضمها إلى بيت مال المسلمين(الشرباصي،1977 :193)،وكان بيت المال يمثل أحد الدواوين ذات الأهمية العظيمة في الدولة الإسلامية حتى انه كان يسمى ب(الديوان السامي)لأنه أصل الدواوين ومرجعها إليه(اليوزبكي،1988 :132 ).
ويمثل بيت المال بمصطلح عصرنا الحاضر الخزينة العامة أو وزارة المالية ،وهو عنوان اعتبره الشارع مالكا ولا ينحصر عنوان بيت المال في نطاق ملكية الدولة العامة بل يعمم ملكيتها الخاصة(سند، 2003 :115) ومن ثم فان جميع الأنشطة الاقتصادية والمالية والتجارية ...الخ التي تقوم بها الدولة والتي تدر أموالا وأرباحا ، فإنما تتملكها الدولة باعتبار إنها لبيت مال المسلمين ،وكذلك جميع مصادر الدخل للدولة فانه يدخل ضمن بيت مال المسلمين، وتصرف الدولة بهذه الأموال يكون نيابة عن المسلمين كافة وليس لفرد دون آخر ، والشارع المقدس اقر ذلك القصد و أمضاه(سند، 2003 :111 )، ويترتب على ذلك وجوب احترام الخزانة المالية للدولة الوضعية وان مال الدولة هو مال غير مباح ولا يجوز أخذه - بدون وجه حق- كما لا يجوز التلاعب به لوجوب حفظ النظام .لذلك يكون بيت المال عبارة عن الجهة التي يسند إليها العناية بأمر المال الذي يستحقه المسلمون – دون تعيين مالك منهم – سواء أكان داخلا إلى حرزه(خزانته) أم لم يدخل ، لان بيت المال عبارة عن الجهة لاعن المكان وكل حق وجب صرفه في مصالح المسلمين فهو حق على بيت المال(عفيفي، 1980 :138)، ويعتقد أن المحاسبة نظاما قد ابتدأت مع إنشاء الدواوين ، لغرض تسجيل إيرادات ونفقات بيت المال [37](ZAID,2003).
ب)مصادر تمويل بيت المال:
تتكون مصادر بيت المال من كل مال استحقه المسلمون ولم يتعين مالكه منهم حقا من حقوق بيت المال، وفي هذا السياق يعرف الماوردي إيرادات بيت المال بأنها "كل مال استحقه المسلمون ولم يتعين مالكه منهم فهو من حقوق بيت المال فإذا قبض صار بالقبض مضافا إلى حقوق بيت المال سواء أكان داخلا الحرز(الخزانة) أم لم يدخل لأن بيت المال عبارة عن الجهة لا عن المكان"[38]، وتتكون مصادر تمويل بيت المال عادة من(السند،2003، 115-116 ) :
1. الزكاة
2. الأراضي المفتوحة عنوة.
3. ما هو عنوان ملك الإمام(ع)(أو الحكومة الشرعية) وهو الأنفال: التي تتضمن بدورها :ـ
· تركة من لا وارث له.
· أراضي البوار العامة والتي استولي عليها بغير قتال والتي لا رب لها.
· غنائم دار الكفر المفتوحة من دون إذن.
· المعادن إجمالا.
· صفو غنائم دار الكفر المفتوحة بالقوة العسكرية و قطايع الملوك و مختصاتهم وغير ذلك مما أدرج في هذا العنوان.
4. المعادن التي تستخرج من اجل الشعب المسلم ،وكل الثروات الطبيعية التي تستثمرها الدولة.
5. أموال المعاهدات ،كالجزية والهدنة والصلح.
6. أرباح التجارة الخارجية.
7. عائدات الخدمات العامة داخلية وخارجية،ويدخل في نطاقها مشتريات الدولة من المواطنين ،والى غير ذلك من المنابع .
ويتعلق عمل المحاسبة الحكومية بهذه المصادر في تنظيم جبايتها واستلامها وتسجيلها وتقديرها ، أما نفقات بيت المال فيعرفها الماوردي بأنها " كل حق وجب صرفه في مصالح المسلمين فان تم صرفه في جهته صار مضافا إلى النفقات من بيت المال سواء أكان خرج من الحرز(الخزانة) أم لم يخرج لأن ما صار إلى عمال المسلمين أو خرج من أيديهم فحكم بيت المال جار عليه في دخله وخرجه"[39].
ج)الحركة المالية لأموال بيت مال المسلمين:
ترتبط الحركة المالية لأموال بيت المال والنظام المتبع في ذلك بكيفية تصرف الدولة على بيت المال وما يرتبط بهذا الأمر من مسك للدواوين والسجلات اللازمة لتدوين واردات ونفقات بيت المال وأسلوب أو طريقة تقدير واردات بيت المال وجبايتها وتنظيمها وتصنيفها ثم تحديد طريقة إنفاقها وصرفها وتوزيعها على المواضع المخصصة لها شرعا.
وفي بداية الدولة الإسلامية كانت الحركة المالية للأموال محدودة وكان النبي (ص)يتولى الإشراف عليها بنفسه ،وكان (ص) ينفق على المسلمين كل ما يتجمع في بيت المال ولا يبقي منها شيئا ، ولكن وبعد وفاته(ص) وبسبب الفتوحات الإسلامية ، ازدادت كمية الأموال الواردة إلى بيت المال وتعددت مصادرها وأنواعها ،فاستلزم الأمر وجود نظام مالي ومحاسبي يضمن تدوين هذه الأموال وصرفها في مواضعها ، فكانت أولى الخطوات هي إنشاء الديوان لضبط المال وتوزيعه بطريقة عادلة فوضع ديوانا للخراج لضبط أمره وتحديد مقاديره ،وكان ذلك بداية لضبط الأموال و أساس توزيع الأعمال المالية وتفرعها إلى عدة دواوين فيما بعد(النواوي،1973: 17)، ثم تبعتها خطوات متلاحقة تتمثل في تقنين النظم وتحديد الاعطيات، وهذا بدوره تطلب اتخاذ عددا من الإجراءات المهمة منها إجراء الإحصاء السكاني ، فقام كل من عقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل و جبير ابن مطعم بإجراء إحصاء للناس لكي يحسن توزيع ما يأخذون ، كما تم إجراء تصنيف عام للمسلمين لتحديد مستحقاتهم و مقدراتهم من بيت المال وتبع ذلك القيام بأعمال المتابعة والمراقبة للقائمين على بيت المال للتأكد من قيامهم بواجباتهم (عفيفي، 1980: 138)، فقد كتب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) إلى مالك الاشتر عندما ولاه على مصر و أعمالها يقوله : (...وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله، فان في إصلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم ولا صلاح لمن سواهم إلا به لان الناس كلهم عيال على الخراج و أهله، وليكن نظرك في عمارة الأرض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج لان ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ومن طلب الخراج من غير عمارة أخرب البلاد واهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلا... و إنما يؤتى خراب الأرض من اعواز أهلها و إنما يعوز أهلها لأشراف الولاة على الجمع وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبرة)(نهج البلاغة،ج3: 96- 97)ويتضح من كلام أمير المؤمنين(ع) إن الدولة تعتمد في تلافي الأموال اللازمة لنفقاتها المبرمة على الضرائب التي تجبيها من الشعب ،وان الرقي الاقتصادي للأمة يتناسب مع إنتاجها أي كلما زاد الإنتاج الزراعي والصناعي والفكري ...الخ كلما زادت الثروة الشعبية وتجلت المنافع الوطنية لذلك فليس من الحزم إن تكون الضرائب حائلا دون الرقي الشعبي وذلك عندما تكون ثقيلة الوطء على كاهل المكلف ،لان التكاليف الثقيلة تستدعي إرهاق الناس و إحداث أضرار اقتصادية واجتماعية وأخلاقية هي أعظم من المنافع التي ترجوها الحكومة من فرض تلك الضرائب(الفكيكي،2003 :204-205)، إن كتاب أمير المؤمنين إلى عامله ينطوي على أسس ومبادئ سامية في أساس فرض الضرائب وتنظيمها ،ويدعم النظام المالي والمحاسبي للدولة بقواعد متينة تزيد من عمرانها وحفظ أموالها ويحول دون خرابها وإفلاسها.(النواوي،1973: 23)، وهكذا بدا العمل في وضع أولى القواعد العلمية والعملية للنظام المالي والمحاسبي الإسلامي وطبقا للشريعة الإسلامية ،ويمكن القول إن ذلك يظهر وبوضوح مدى أهمية المحاسبة الحكومية في تدوين نشاطات الدولة الإسلامية وملازمتها لمراحل نشأتها وتطورها على مر العصور.
2)ديوان بيت المال
أ) الديوان
كانت العادة المتبعة في توزيع الأموال بين المسلمين في عهد النبي (ص) ،هي أن يقوم النبي (ص) بتقسيمها بنفسه بين المسلمين ، وإذا ما غزوا بلدا من البلدان يقوم النبي (ص) بتوزيع نصيب كل واحد بحسب ما قررته الشريعة، و كان لديه عدد من الكتاب كل واحد منهم يمسك سجلا خاصا بنوع معين من الأموال التي كان يستلمها ،ولكن لما توالت الفتوحات الإسلامية وكثرت الأموال ،تطلب الأمر وضع نظام معين لتنظيم وتسجيل أنواع الأموال المجباة ،وتحديد طرق توزيعها وصرفها في مواضعها المحددة فتم إدخال نظام الدواوين الذي سار عليه الفرس لضبط دخل الدولة وخراجها ، فتمت استعارة هذا النظام بشكله الإداري منهم في عهد الخليفة عمر بن الخطاب،أي فيما بين 15هـ و أوائل سنة 20هـ(اليوزبكي،1988 :115 ) وكان أول ديوان استحدث في ذلك الزمن هو ديوان الجند ولم ينشا بعد ديوان الخراج وغيره من الدواوين(الحسب،1984 :57).
فالديوان لفظ فارسي معناها سجل أو دفتر ،و أطلق اسم الديوان من باب المجاز على المكان الذي يحفظ فيه الديوان(حسن، 1939: 215)، ويصف الماوردي الديوان بقوله"الديوان موضع لحفظ ما يتعلق بحقوق السلطنة من الأعمال والأموال ومن يقوم بها من الجيوش والعمال"[40]، فهو يشمل بمصطلحاتنا المعاصرة أعمال وزارة المالية في الإشراف على الموازنة العامة ،الإيرادات والمصروفات و أعمالها وممثليها في استيفاء أنواع الضرائب والمكوس إضافة لأعمال دوائر" الميرة" أي التموين والحسابات بوزارة الدفاع،ونرى إن من أهداف نظام الدواوين مراقبة إيرادات الدولة الإسلامية ونفقاتها وضبطها والتصرف بها وفقا للسياسة المالية في الإسلام(خرا بشة، 1990: 1314) وبذلك فان الديوان يقسم على أربعة أقسام هي (الحسب،1984: 56-57 ):
1. ما يختص بالجيش من إثبات(إحصاء وتسجيل) وعطاء.
2. ما يختص بالأعمال من رسوم وحقوق.
3. ما يختص بالعمال من تعيين وعزل .
4. ما يختص ببيت المال (الموازنة ) من إيرادات ونفقات.
وكانت أهم الدواوين في عصر الدولة العباسية هي: ديوان الخراج ،وديوان الدية،وديوان الزمام(قلم مراقبة الحسابات)،وديوان الجند،وديوان الموالي والغلمان ،وديوان البحرية ،وديوان زمام النفقات ،وديوان الرسائل وديوان النظر في المظالم ،وديوان الأحداث والشرطة وديوان العطاء ،فضلا عن دواوين أخرى تتصل بالإدارة والسياسة والقضاء ،وتنظم هذه الدواوين بطريقة توضح مدى المراقبة الداخلية لأنشطة الدولة،فضلا عن الرقابة المالية التي يقوم بها ديوان الزمام على جميع دواوين الدولة،والذي يشبه ديوان المحاسبة في وقتنا الحاضر(خرابشة،1990 : 1314) .
وبذلك فان ديوان بيت المال كان يمثل الجهة التي تنظم فيها العلاقات المالية بين الدولة ورعاياها (عبد الوهاب، 1984 :255) ، فهو يهدف إلى ضبط إيرادات بيت المال ونفقاته ومحاسبة القائمين على أمور هذه الأموال ،وباستخدام وسائل عدة للرقابة المالية فيه متمثلة بآلاتي(خرابشة،1990 :1315):-
يجب أن تمر به جميع أوامر الصرف الصادرة من ولي الأمر لتقيد إرسالها إلى الديوان المختص بالصرف وكذلك أوامر تحصيل الإيرادات لتقيد فيه قبل نفاذها.
وضع علامة صاحب الديوان على هذه المستندات بعد قيدها في السجلات.
تحرير مستندات معتمدة من ذوي الشأن عند القيام بالصرف وتحفظ هذه المستندات في الديوان دليلا على صحة الصرف.
مراقبة الإيرادات وضبطها.
مراقبة المصروفات وضبطها.
مراقبة مخازن الغلال وضبطها.
رفع ما يلزم به الكاتب من الحسابات يوميا وسنويا ،كالموازنة التقديرية.
يتوجب على الكاتب أن يرفع كل ثلاث سنين كشوفا تفصيلية يذكر فيها أسماء النواحي العامرة والفدن الكادية الضعيفة ،والعاطلة ،والبذار والرجع ،ونحو ذلك من الأمور الإجمالية والتفصيلية،وهذه الكشوف تمكن متولي بيت المال من المراجعة والتحليل وهذا ما تتطلبه النظم المالية المحاسبية في وقتنا الحاضر.
وكان يقسم ديوان بيت المال على عدة دواوين منها(يحيى،2004: 130):-
بيت المال الخاص بالصدقات و عشور الأراضي وما يأخذه الوالي من تجار المسلمين.
بيت المال الخاص بالجزية والخراج(خراج الرأس).
بيت المال الخاص بالغنائم والركاز(الكنوز).
بيت المال الخاص بالضوائع (الأموال التي لا يعرف مالكها).
ب)كاتب الديوان واختصاصاته:
يستعمل لفظ "الكاتب" ليتضمن أي شخص يتحمل مسؤولية كتابة وتسجيل المعلومات سواء أكانت معلومات ذات طبيعة مالية أم غير مالية، وهذا المصطلح يعادل كلمة(accountant) في اللغة الإنجليزية، وكان الخوارزمي أول من استخدم كلمة محاسبة التي تقابل الكلمة الإنجليزية (Accountancy) ،للتعبير عن وظيفة المحاسبة ،وكلمة "محاسب" للتعبير عن الشخص المسئول عن هذه الوظيفة[41] (ZAID,2003)، ويستلزم فيمن يشغل وظيفة كاتب الديوان توافر شرطان هما العدالة والكفاية ، فأما العدالة فلأنه مؤتمن على حق بيت المال والرعية، وأما الكفاية فلأنه يجب أن يكون مؤهلا للقيام بعمل يتطلب الدراية الفنية والأهلية في ممارسة الإجراءات الإدارية وبخاصة في تلك التي لا يمكنه فيها الرجوع إلى سلطة إدارية أعلى لبعد المسافة مثلا(الحسب،1984: 63) .
أما اختصاصات كاتب الديوان فهي (الموسوي،1998: 159-162) , (الحسب،1984: 63-64) ،(حسن وحسن،1939: 215-223):
1. حفظ القوانين والتعليمات ،وبخاصة المتعلقة بنسب ومقادير الرسوم المطلوب استيفاؤها، وهي إما إن تكون قد قدرت وقررت لبلاد تم افتتاحها توا ، أو لموات ابتدئ في إحيائها حالا، فتثبت في ديوان الناحية المعنية والديوان العام بنفس الوقت، وأما إن تكون تلك الرسوم مقررة من السابق فعلى كاتب الديوان أن يرجع إليها في ما أثبته كتاب الديوان قبله على شرط أن تكون سجلاتها مختومة ومصدقة بأختامهم.
2. استيفاء حقوق بيت المال من العاملين ، أي من سعاة الخراج ومن العمال القابضين لها ، وينظم الديوان مستندات الجباية والقبض وكذلك الإجراءات الإدارية لمعالجة سوء التصرف والغش والتدليس عند عدم مطابقة المستندات مع واقع الحال أو حدوث تزوير فيها .
3. إثبات المعاملات المقدمة (إثبات الرفوع) وهي أما معاملات ذات ارتباط بمساحات وعمل، فيصار في تثبيتها إلى مطابقتها مع الأصل في الديوان وان لم يكن لها أصل سابق فتثبت على أساس إقرار رافعها ، أو إنها معاملات قبض واستيفاء فيجري تثبيتها على أساس قول رافعها لأنه يقر بها على نفسه. أما إذا كانت معاملات صرف ونفقات فلا بد من التحقق من صحتها و إلزام رافعها في تقديم الحجج قبل تثبيتها.
4. محاسبة العمال مع ملاحظة اختلاف ذلك في حالة عمال الخراج عن عمال العشر، ففي حالة الخراج يلتزم العمال برفع الحساب ويمكن لكاتب الديوان إن يحاسبهم لان الخراج محدد في المبالغ والمساحات، أما في حالة عمال العشر فلا يملك كاتب الديوان محاسبة عماله لان العشر تابع لكمية الإنتاج الذي يعتمد تحديده على صاحبه.
5. تثبيت الكشوفات بأموال الديوان ، ويعتبر ذلك إقرارا من صاحب الديوان على ما ثبت فيه من قوانين وحقوق.
6. النظر في المظالم المرفوعة إليه ، فان كان المتظلم من الرعية ضد أحد عمال الديوان صار كاتب الديوان حاكما بينه وبين العامل وان كانت القضية تخص عاملا من عمال الديوان لتقصير أو مخالفة في عمله صار كاتب الديوان خصما له وصار رئيسه التالي حاكما بينه وبين العامل.
وكان يحتل صاحب ديوان بيت المال موقعا مهما في الدولة الإسلامية ،حيث كان هناك ارتباطا مباشرا بين صاحب ديوان بيت المال و الخليفة أو الوزير ،ويبين لنا الشكل رقم (4)أدناه التنظيم الإداري لبيت المال وموقعه من الإدارة الحكومية في زمن الدولة العباسية[42]،مما يبين أهمية بيت المال ومكانته ودوره المهم في الدولة الإسلامية،فهناك اهتمام واضح بمكوناته ومقوماته الأساسية.
الشكل رقم (4)
التنظيم الإداري لبيت المال في زمن الدولة العباسية
الخليفة أو الوزير
صاحب الديوان
مجلس مجلس ديوان ديوان ديوان خزانة ديوان
الإنشاء النسخ الإهراء الخزانة السلاح الجهبذة
والتحرير
ج)مسميات الوظائف المحاسبية والمالية للأفراد العاملين في بيت المال:
إن مسميات مثل العامل ، والمباشر، والكاتب، وكاتب المال هي عناوين متعارف عليها في الدولة الإسلامية ،وهي تعبر عن المحاسب أو كاتب الحسابات - بمصطلحاتنا الحاضرة- وكانت هذه المسميات تستخدم بصورة متبادلة في أجزاء مختلفة من الدولة الإسلامية [43](ZAID,2003)، أما أهم المسميات التي كانت تطلق على الأفراد العاملين في بيت المال فهي(يحيى،2004: 130-131)،(الزهراني،1986: 459-464)،(الدجيلي،1976: 64-67):
· صاحب بيت المال: وهو يمثل أعلى سلطة مالية ، وبما إن ديوان بيت المال يمثل في وقتنا الحاضر وزارة المالية ، فان صاحب بيت المال في الدولة الإسلامية يقابل وزير المالية في وقتنا الحاضر ويمكن أن يمارس هذه الوظيفة أشخاص مخولون عن صاحب بيت المال فقد يكون هناك صاحب بيت المال للنقدية ، وصاحب بيت المال للأنعام ، وصاحب بيت المال للثمار...الخ.
· مباشر بيت المال:مهمته ضبط أمور الدخل والخرج،وذلك بتنظيم سجل خاص لكل عمل من الأعمال يوضح فيه اسم العمل والجهة ووجوه الأموال.
· الناظر: وهو الشخص المؤتمن على الأموال واليه ترفع الحسابات الخاصة بها وهو يقابل المدير المالي أو مدير الحسابات في الوقت الحاضر.
· المشارف: عمله شبيه بعمل الناظر،لكنه يزيد عليه بأن يكون الحاصل من المستخرج في مدفوعه وتحت حوطته ، بعد أن يكون مختوما عليه.
· الشاهد: وهو الشخص الذي يقوم بتدقيق ومراجعة أعمال الديوان وهو يقابل المدقق حاليا.
· المستوفي : وهو الشخص الذي يقوم بإرسال الكشوفات المالية للمقبوضات الخاصة بالأقاليم الأخرى وما يصدر من تعليمات ويلفت النظر إلى الكشوفات التي ترد إليه والتي تكون مخالفة للقوانين، وكان يقوم بفحص الحسابات وتحقيقها، وهو يقابل مراقب الحسابات (أو ديوان الرقابة المالية) حاليا.
· المعين: مساعد للمستوفي، يساعده في أعماله.
· العامل : وهو الشخص الذي يقوم بكتابة الحسابات وتنظيمها ،وهو يقابل المحاسب أو كاتب الحسابات حاليا، وهناك عامل على الزكاة وعامل على الصدقات...الخ،وأول ما أطلقت هذه التسمية على الأمير المتولي للعمل ثم نقلت التسمية إليه وخصت به دون غيره.
· الكاتب: عمله شبيه بعمل العامل تماما.
· الصيرفي: وهو الشخص الذي يقوم باستلام الأموال أو صرفها وفق التعليمات الصادرة إليه، وهو يقابل أمين الصندوق في وقتنا الحاضر.
· الخارص: وهو الشخص الذي يقوم بتقدير المال بين طرفين ، وهو يقابل المخمن في الوقت الحاضر.
· الناسخ: عمله نسخ التوقيعات والكتب الصادرة والواردة.
· متولي الديوان:وهو الذي يشرف على أصول المعاملات ويضبطها بخطه.
3) نظام الحسبة
أ) مفهوم الحسبة
تمثل الحسبة أحد معالم الحضارة الإسلامية المتميزة بروح الإنسانية والحس بالمسؤولية الحكومية التي تهدف إلى تحقيق الطمأنينة في التعايش وتبادل المنافع المشتركة بين طبقات الرعية بالعدل وطيبة النفس،وليس معروفا إن العرب قبل الإسلام ولا أية أمة أخرى كان لها ما يماثل نظام الحسبة في الإسلام(السامرائي،1988: 17).
وللحسبة معنيان،أولهما: أن يقصد بالأمور الحسبية شؤون الرقابة الاجتماعية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،وهذا هو المقصود من الولاية الحسبية في التاريخ الإسلامي،وثانيهما :يقصد به كل ما يطلبه الشارع المقدس على نحو الكفاية مما تقوم به حياة المجتمع،ويختل من دونه المجتمع ،ويدخل في قوله تعالى:" وتعاونوا على البر والتقوى"(المائدة،2)(داود،1425هـ: 59)،والمعنى الأخير ورد في تعريف السيد الخوئي (1411هـ،ج4: 290)للحسبة بأنها:" إتيان الأمر من باب كونه أمرا قربياً ، بحيث إن الشارع يرضى بذلك ولا يرض بحيفه ، فيؤتي ذلك حسبة أو قربة إلى الله ، ومن باب كونه مطلوبا للشارع ، ويكون حفظه محبوبا ".
ويرى السيد الجزائري( مخطوطة بدون تاريخ : 198) أنها- أي الحسبة-:" اسم ما يحتسب من القربات التي تعم مصالحها ،ويقوم بها نظام المسلمين،وأظهرها ثمانية أبواب هي :باب الجهاد،وباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وباب إقامة الحدود،وباب الفتيا،وباب القضاء،وباب الشهادة،وباب أخذ اللقيط،وباب الحجر".
أما معنى الحسبة اصطلاحا فقد وردت فيها عدة تعار يف منها تعريف الماوردي، حيث يصفها بأنها أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله(الماوردي،الأحكام، 240)،وتبعه على هذا التعريف أبو يعلي الفراء ، أما الكتاب المحدثين فعلى سبيل المثال عرفها محمد المبارك بأنها(رقابة إدارية تقوم بها الدولة عن طريق موظفين خاصين ،على نشاط الأفراد في مجال الأخلاق والدين والاقتصاد ، أي في المجال الاجتماعي بوجه عام تحقيقا للعدل والفضيلة وفقا للمبادئ المقررة في الشرع الإسلامي )(مرشد،1992: 14)، أما ابن خلدون فانه يعرف الحسبة إجمالا بأنها (وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي أنها عبارة عن رقابة إدارية تقوم بها الدولة عن طريق وال مختص على أفعال الأفراد وتصرفاتهم لصبغها بالصبغة الإسلامية أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر وفقا لأحكام الشرع وقواعده(مرشد،1992 :16 ).
ويمكن تعريف الحسبة إجمالا بأنها:وظيفة الحاكم المسلم حين فقد الحاكم الشرعي المخول أو من ينوب مقامه لحفظ نظام المجتمع بما فيه من جلب المصالح ودفع المفاسد من دون تعارض مع الشارع المقدس ، وبتتبع موارد الاستعمال للحسبة في فتاوى الفقهاء نجد نظام الحسبة يشمل المراقبة والشهادة الطوعية بلا ادعاء (شهادة الحسبة) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإشراف والتصرف والجباية والتسليم والولاية على أموال المحجور عليهم والقاصرين والمال الذي لا مالك له ، وحضانة الأطفال وحضانة اللقيط ، والتصرف باللقطات والودائع وحفظها من التلف، فهي نظام يتضمن مجموعة ضوابط وإجراءات تنظيمية وإصلاحية تقوم بها الحكومة الإسلامية في مختلف نواحي الحياة المالية والمحاسبية والاقتصادية والدينية والثقافية...الخ ، وذلك لغرض صبغها بالصبغة الإسلامية وصيانة الأمن والاستقرار التام وتحقيق الدولة الإسلامية . وهذا يعني إن بيت المال وديوان بيت المال يخضعان لإشراف ومراقبة جهاز الحسبة أيضا ،ويكون الاحتساب اصطلاحا القيام بتنفيذ تلك الضوابط والإجراءات بتكليف من الدولة أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر وفقا لأحكام الشرع وقواعده.
ب)نشأة الحسبة :
تشير الكتب والدراسات التاريخية إلى إن الحسبة نشأت منذ عهد الرسول(ص) (اليوزبكي،1984 :187)،فقد مارسها (ص) بنفسه، وفوضها أحيانا لغيره ،وهناك عدة روايات تبين تولي الرسول(ص) للحسبة بنفسه ،فعن أبي هريرة" إن رسول الله(ص) مر على صبرة طعام فادخل يده فيها فنالت أصابعه بللا فقال :"ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال:أصابته السماء يا رسول الله، قال :أفلا جعلته فوق كي يراه الناس؟من غش فليس مني"،كما كان يبعث أصحابه ويأمرهم بالقيام بها وتبعه من بعده الخلفاء ،فلقد كانوا يتولونها بأنفسهم ويطوفون في الأسواق والطرقات ،يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ،فإذا اشتغلوا عنها بتصريف أمور المسلمين وتجهيز الجيوش الغازية في الفتوحات الإسلامية ،أسندوها إلى من يثقون به من المسلمين(مرشد،1992: 17) ، ويمكن أن نرى ذلك بوضوح في عهد الإمام علي(ع) إلى عامله على مصر مالك الاشتر عندما كتب إليه(ع)يقول:"...ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارا ،ولا تولهم محاباة و أثرة، فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام المتقدمة ،فإنهم أكرم أخلاقا ،واصح إعراضا ،واقل في المطامع إشرافا وابلغ في عواقب الأمور نظرا،...،ثم تفقد أعمالهم ، وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم فان تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية .وتحفظ من الأعوان ،فان أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا ،فبسطت عليه العقوبة في بدنه و أخذته بما أصاب من عمله ، ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة ،وقلدته عار التهمة"(نهج البلاغة،ج3: 96)،فمن هذا الكلام يبين الإمام (ع) انه لابد أن تتوافر مجموعة من الخصائص في موظفي الدولة والعاملين عليها منها الإيمان والتقوى ، ومن الأمور المهمة هو ضرورة وجود المراقبة والمتابعة المستمرة لهم سواء أكانت بصورة مباشرة أم غير مباشرة للتأكد من قيامهم بأعمالهم كما يجب وضرورة محاسبة ومعاقبة المخطئ منهم،وهذه من القواعد الأساسية في علم الرقابة الإدارية المعاصرة.
ج)المحتسب:
وهو موظف مختص معين من قبل الدولة ، ،ووظيفته مزيجا من سلطات رجال الدين والشرطة والقانون والتموين ورجال الصحة والشؤون البلدية والمقاييس والمكاييل ،و المحتسب لابد أن تتوافر فيه مجموعة من الشروط والمؤهلات منها أن يكون مسلما بالغا عاقلا،ويتسم بالعدالة والتقوى والعفة عن أموال الناس وان يكون ذو أخلاق حميدة و أدب عال،فضلا عن كونه على علم واطلاع واسع بأحكام الشريعة و بالمنكرات وطرق التدليس والغش قادرا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بيده ولسانه(خرابشة 1990: 1312)(مرشد،1992: 61 ).
وكان المحتسب يراقب المرافق العامة للدولة ويعمل على صيانتها وتوفير الموارد المالية لها ،كما يراقب تحصيل أموال الدولة ويجبر من يتهرب من دفع زكاة أمواله على الدفع ،كما انه يمنع إنفاق الأموال العامة إلا في الوجوه المخصصة لها ،وفضلا عن الرقابة المالية فانه كان يتدخل في الشؤون الاقتصادية إذا أدت الحرية الاقتصادية إلى الإخلال بمصالح المجتمع كمنع الاحتكار والتسعير(خرابشة، 1990: 1312 ).
د)كيفية الاحتساب
لقد وضع العلماء قواعد وضوابط وصفات للاحتساب على سائر الناس وباختلاف طرق كسبهم للمعيشة سواء أكان ذلك في موظفي الدولة أم أصحاب المهن الحرة ،وضمنوا هذه القواعد أساليب الغش والخداع التي يلجا إليها بعض ضعاف النفوس في معاملاتهم مع الآخرين، وبسبب اختلاف وتعدد المهن والحرف والوظائف التي يمارسها مختلف الناس فان هنالك قواعد وضوابط تخص كل فئة منهم وكل مهنة أو عمل أو فعل ومكانها مثل:-
· أرباب الحرف والصنائع والتجار والزراع.
· عمال الدولة وموظفيها.
· أعيان الناس وأوساطهم وأراذلهم.
· منكرات الأسواق والطرقات والمرافق العامة.
· أهل الذمة.
يتضح مما سبق إن نظام الحسبة هو تشريع يهدف إلى مراقبة سلوك وتصرفات الأفراد في المجتمع الإسلامي على جميع فئاته وطبقاته في القول والفعل لصبغها بالصبغة الإسلامية وكذلك تعديل ومنع ما قد يقع من تصرفاتهم المضرة بالفرد والمجتمع، والحسبة تتسم بكونها نظام رقابي انضباطي أكثر من كونها نظام قضائي ، والرقابة على الأموال العامة تعتبر حاليا أحد الوظائف الرئيسة للمحاسبة الحكومية.
نستخلص أن للمحاسبة الحكومية جذورا تمتد إلى بداية نشأة الدولة الإسلامية حيث كانت تستند في مبادئها و تطبيقاتها إلى نصوص القران الكريم والسنة النبوية المطهرة،فقد كانت تقوم على أساس من القيم الإنسانية التي كانت تسود المجتمع الإسلامي في صدر الإسلام وعلى الممارسات الفعلية للعملية المالية والمحاسبية من تسجيل وقبض وصرف للأموال، فقد كان هناك تحديد وتنظيم وتوصيف للعمل المحاسبي من خلال تقسيمه على مجموعة من العاملين في بيت المال ،و كان النبي الأكرم(ص) يمارس جزءا من العمل المالي والمحاسبي بنفسه وذلك لمحدودية الموارد المالية وقلة عدد المسلمين آنذاك، ومع تطور الدولة الإسلامية واتساع الأراضي المفتوحة من قبل المسلمين وكثرة وتنوع الأموال الواردة إليهم تطورت النظم المالية والمحاسبية المعنية بشؤون المال وكيفية تنظيمها والمحاسبة عليها ،فشملت نظاما متكاملا لبيت المال وسجلاته الحسابية وقواعد المراقبة والمتابعة على ما يرد إليه وما يخرج منه من أموال،فنرى إنشاء بيت المال ووضع الدواوين المختلفة ذات العلاقة بتسجيل وتدوين وتنظيم الأموال والمحاسبة عليها والتخطيط لها لفترات زمنية مستقبلية كما في قوائم الخراج ووضع نظام الحسبة لتكمل عملية المحاسبة على الأموال بخطوة مراقبة ومتابعة عملية الجباية والصرف للتأكد من سيرها في المسار المرسوم والمحدد لها شرعا،، مما يعكس مدى اهتمام الإسلام بقضية المال والاقتصاد وأهميتهما في تنظيم واستقرار الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الإسلامي،فضلا عن ذلك فانه يثبت أسبقية الاقتصاد الإسلامي- عن بقية النظم الوضعية الآخر - في وضع أصول وقواعد ومعايير المحاسبة الحكومية.
وختاما نقول ،إن الشريعة الإسلامية المقدسة لم تترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها وذكرتها وبينتها،يقول الله تعالى في محكم كتابه المجيد:" ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء .."(النحل، 89)، وعن الإمام الصادق(ع) انه قال:" إن الله تبارك وتعالى انزل في القران تبيان كل شيء حتى-والله- ما ترك شيئا يحتاج إليه العباد ،حتى لا يستطيع عبد أن يقول :لو كان هذا انزل في القران؟ إلا وقد أنزله الله فيه"(الكافي،ج1: 59).،ومما لاشك فيه إن المحاسبة والمال والاقتصاد هي من ضمن تلك الأشياء.
وعليه يمكن القول إن النظام المحاسبي الحكومي الإسلامي هو نظام متكامل من حيث وجود المقومات الأساسية لعمل هذا النظام والوسائل والأجهزة المنفذة له،ذلك انه نظام متفرع من مبادئ وأسس ومعايير المذهب الاقتصادي الإسلامي حيث يشتق الأخير من النظام الإسلامي العام ،لذلك نعتقد انه النظام الأصلح ليتم تطبيقه في المجتمع الإسلامي بما يحقق أهداف هذا المجتمع ،وما كان استخدام المحاسبة الأنجلو –أمريكية في الدول الإسلامية لأفضليتها أو مثاليتها ،و إنما كان ذلك لأسباب سياسية واقتصادية بحتة [44](Tahri,2004) ،فإذا ما أردنا تحقيق الأهداف والمصالح العليا للمجتمع الإسلامي وللدولة الإسلامية الحقة ووضع نظام محاسبي حكومي فعال يحقق تلك الأهداف، فان ذلك لا يكون إلا من خلال تطبيق الشريعة الإسلامية ،وفي جميع مجالات الحياة البشرية وفي مجال البحث الحالي يكون ذلك من خلال الالتزام بالنظام المحاسبي الحكومي الإسلامي ،والذي استعرضنا قبل قليل أهم المقومات والعناصر والأهداف التي يحتويها ،ويمكن القول إن معظم هذه الأهداف والمقومات والعناصر تنادي بها وتسعى إليها الأنظمة الحديثة والعصرية ،في حين إن الإسلام الحنيف جاء بها وطبقها قبل تلك الأنظمة بأكثر من ألف وأربعمائة سنة ، وهذا ما سنثبته بالتفصيل وبالأدلة والنصوص الشرعية في الفصل القادم إن شاء الله تعالى ،وبالأخص فيما يرتبط بموضوع بحثنا الحالي المتعلق بإثبات أصالة النظام المحاسبي الإسلامي ،و إثبات الجذور الإسلامية لمعظم المعايير والقواعد المحاسبية الحكومية المطبقة في وقتنا الحاضر.
المبحث الثالث
المذهب المحاسبي الحكومي الاسلامي
(الاطروحة الاسلامية الجديدة)
مقدمة:
لقد بينا في سابقا أن تاريخ المحاسبة الحكومية يعود إلى الصدر الأول للإسلام ،أي منذ عصر النبي صلى الله عليه وآله، حيث كان (ص) يباشر بنفسه أداء بعض المهام التي تقوم بها المحاسبة الحكومية في عصرنا الحاضر،من حيث تنظيم جباية الأموال العامة للدولة (تحصيل الإيرادات العامة) وتنظيم صرفها وفق المواضع المخصصة لها،والتي تطورت فيما بعد لتشمل تنظيما كاملا لكل المكونات المادية والبشرية لبيت المال الذي هو بمثابة وزارة المالية في عصرنا الحاضر ،من تعيين موظفين مؤهلين ومختصين ،وتوفير المستلزمات المادية الملائمة لهذه العملية كالسندات والسجلات والدفاتر الحسابية المتنوعة...الخ، وكان العمل الحسابي يتم وفق قواعد ومعايير إسلامية بحتة ،لذلك فان هذا المبحث سيخصص إن شاء الله لتأصيل فكرة المعايير المحاسبية الحكومية في النظام الاقتصادي الإسلامي ،من خلال التعرف على مفهومها و أحكامها و أساليبها في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وآراء الفقهاء الأعلام بشأنها، وسيتم ذلك على أساس مقارنة المعايير المحاسبية الحكومية المعاصرة مع ما يشابهها أو يوافقها من مفاهيم ومبادئ وأسس وأحكام في التشريع الإسلامي.
و لأجل عملية المقارنة تلك فقد تم اختيار مجموعة المعايير المحاسبية الحكومية التي تم استعراضها سابقا من هذا الكتاب وهي المعايير المحاسبية الحكومية الدولية الصادرة عن INTOSAI والمعايير المحاسبية الحكومية الأمريكية الصادرة عن GASB ،ومجلس المعايير المحاسبية والرقابية العراقية"المعايير الحكومية العراقية الحالية" وذلك يكون في المطلب الأول من هذا المبحث ،أما المطلب الثاني منه فيتضمن محاولة لاستنباط(اقتراح) وبناء اطروحة جديدة لمعايير محاسبية حكومية إسلامية .
المطلب الاول:آصالة النظام المحاسبي الحكومي في الاسلام
سيتم في هذا المطلب محاولة لتأصيل المعايير المحاسبية الحكومية المعاصرة على وفق النظام الاقتصادي الإسلامي، ويكون ذلك من خلال مقارنة تلك المعايير مع ما يناظرها أو يشابهها من مفاهيم ومبادئ وأسس و أحكام وقواعد تضمنتها الشريعة الإسلامية المقدسة، وقد تم اختيار المعايير المعاصرة الصادرة على مستوى ثلاث جهات معنية ،وهي معايير المحاسبة الحكومية المحلية(العراقية)،و معايير المحاسبة الحكومية الأمريكية الصادرة عن GASB، و معايير المحاسبة الحكومية الدولية الصادرة عن INTOSAI.
أولا: آصالة النظام المحاسبي الاسلامي لمعايير المحاسبة الحكومية الدولية.
ذكرنا سابقا، أن هناك هيئتين رئيسيتين دوليتين تعنيان بوضع المعايير المحاسبية الحكومية ،هما أل(IFAC) و أل(INTOSAI)،حيث إن الأولى قد طرحت عدد من مسودات العرض لمعايير مقترحة وفق خطة لإنجاز معايير محاسبية حكومية وذلك في عام 2001، أما الثانية فقد أصدرت أربعة بيانات أساسية تشكل إطارا عاما للمعايير المحاسبية الحكومية،وهي:
1. مستعملو التقارير المالية الحكومية .
2. أهداف التقارير المالية الحكومية.
3. الخصائص النوعية للتقارير المالية الحكومية .
تحقيق أهداف التقارير المالية الحكومية(الرقابة المالية والمحاسبية).
وسيقتصر المبحث الحالي على إثبات الجذور الإسلامية للمعايير المحاسبية الحكومية الصادرة عن أل(INTOSAI) فقط .
1) معيار مستعملو التقارير المالية الحكومية
إن التقارير المالية من أي نوع كان تكون غير كافية إن هي لم تستجب لاحتياجات مستعمليها ، ويتطلب الأمر عندئذ تحديد – قدر المستطاع- أهم الفئات أو الأطراف التي تستخدم تلك التقارير في عمليات اتخاذ القرارات الخاصة بهم، وتتعدد الفئات المستخدمة للمعلومات المحاسبية ، كما تختلف طرق استخدامها لهذه المعلومات ، فمنها من تستخدمها بصورة مباشرة، ومنها تستخدمها بصورة غير مباشرة،ومن الأمثلة على مستعملي المعلومات المحاسبية الملاك الحاليون والمحتملون والدائنون، والمحللون الماليون، والموظفون، والجهات الحكومية، ثم الجهات التي تهتم بالشؤون الاجتماعية وغيرها (مطر،2004: 337)،
وقد تم تحديد مستعملي التقارير المالية الحكومية والمعلومات التي يحتاجونها من قبل العديد من التنظيمات المهنية في مختلف أنحاء العالم، وقد ركز تقرير لجنة INTOSAI على أن التقارير المالية الحكومية لابد أن توفر معلومات عن المطابقة والأداء ، والتقارير المالية الخاصة بالدوائر والكشوف المالية ذات الأهداف العامة، أما مستعملي هذه التقارير فقد عرفهم التقرير بأنهم هم الأشخاص الذين لا ينتمون إلى الحكومة (السلطة التنفيذية) ويحتاجون إلى معلومات مالية عنها ، أو إلى معلومات مفهومة بطريقة واضحة وفي لغة عادية وغير تقنية، وأهم هؤلاء الأشخاص:ــ
· الساسة أعضاء السلطة التشريعية الذين تم انتخابهم لفترة نيابية في السلطة التشريعية ،أو باللجان التابعة للهيئة التشريعية أو بالهيئة ذاتها.
· المقرضون ويدخل ضمنهم الخبراء المحللون في شؤون الحكومة العاملون لدى المصارف التجارية وكذلك أخصائيو الأوراق المالية وشركات الائتمان وشركات تسعير السندات.
· علماء الاقتصاد.
· محللو السياسات وجماعات المصالح الخاصة.
· وسائل الإعلام.
مستعملو التقارير المالية الحكومية في التشريع الإسلامي
تركز الشريعة الإسلامية على أن كل ما يتعلق بالمعاوضات والمعاملات المالية ينبغي أن يتسم بالشفافية والوضوح التامين ، كما في قوله تعالى:" و لا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله" ( البقرة، 282) ، ويهدف الإفصاح هنا إلى بيان شرعية المعاملات وخلوها من حالات الغش أو الإخفاء أو التدليس، لأن الاعتماد على المعلومات المحاسبية - من قبل مستخدميها – في صياغة القرارات الاقتصادية يتوقف على صحة ومصداقية المعلومات التي يتحمل مسئوليتها معد التقارير المالية( العيساوي، 2003: 220).
فضلا عن ذلك ، فإن من أهداف التقارير المالية في الشريعة الإسلامية إظهار أو الإفصاح عن الثروة الخاضعة للزكاة ، ويتطلب ذلك التمييز بين عروض القنية( الأصول الثابتة) وعروض التجارة(الأصول المتداولة) والأرباح المتحققة وغير المتحققة ، وما يخضع منها لاحتساب الزكاة وما يخضع لتوزيع الأرباح ، وبالتالي فإن أهم الفئات المستفيدة من التقارير المالية عموما هم المستثمرون وأجهزة الدولة وواضعي السياسات والباحثون والإدارة ومستحقو الزكاة ، حيث يدخل مستحقو الزكاة في الاقتصاد الإسلامي طرفاً مستفيداً في عمليات الإفصاح فضلا عن بعض الأطراف(العيساوي، 2003: 221).
أما فيما يتعلق بتحديد نوعية مستعملي التقارير المالية الحكومية ، فالأمر لا يختلف كثيرا عن ما ذكر ، فمبدأ الإسلام واضح في هذا الشأن وهو توفير المعلومات الملائمة الكافية عن أنشطة الحكومة ، والتأكد من شرعية تلك الأنشطة وتوافقها مع أحكام الشريعة المقدسة ، وقياس مدى كفاءتها وفاعليتها في تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية الأساسية في المجتمع الإسلامي بشكل كلي.
وقد اهتم التشريع الإسلامي بمسألة تحديد نوعية مستعملي التقارير المالية عامة وركز على ضرورة توفير المعلومات الكافية والملائمة لهم المتسمة بالشفافية والوضوح التامين اللذان ينفيان الغموض والشك والريبة عن قارئ أو مستعمل تلك التقارير، ويمكن القول أن المستعملين الأساسيين للتقارير المالية الحكومية هم كل من له علاقة ومصلحة أو شأن بتلك التقارير سواء أكانت علاقة مباشرة أم غير مباشرة بها ،واللذين يمكن تحديدهم أساسا بأجهزة الدولة وعى رأسها السلطة التشريعية وإدارة الوحدات الحكومية والجمهور عامة.
2) معيار أهداف التقارير المالية الحكومية
طبقا لINTOSAI فان أهداف التقارير المالية الحكومية خمسة هي:
أ- إمداد المستعملين بما يحتاجونه من معلومات،ويتعلق ذلك بتوفير المعلومات الملائمة لاتخاذ القرارات الاقتصادية المختلفة لعدة فئات تستخدم التقارير المالية الحكومية ،وتتضمن تلك الفئات - كما ذكر سابقا - السلطة التشريعية والمقرضون والمحللون المصرفيون وعلماء الاقتصاد ومحللو السياسات وجماعات المصالح الخاصة ووسائل الإعلام(السعبري، 2000 :84).
ب- إدراك حجم أعمال الحكومات وطبيعة نشاطها ونطاقها ووضعها المالي،ويتم ذلك من خلال عدة إجراءات مثل تحديد طريقة تصنيف الموازنة التي تتماشى مع النظام المحاسبي الحكومي لان وظائف الموازنة والحسابات يعتبران من عناصر الإدارة المالية ،ومن تلك الإجراءات أيضا السماح بعمليات المراجعة الخارجية و إمكانية استخراج البيانات الضرورية للمراجعة الفعالة منها ووضع نظام للرقابة الفعالة على الأموال والعمليات و إدارة البرامج والمراجعة الداخلية وتقييم الأداء(الصائغ،1989: 21).
ج- كيفية تمويل الحكومة لنشاطاتها،ومن ذلك تحديد مصادر الإيرادات المالية العامة وكيفية تحصيلها وتنظيمها وطرق ومواضع تخصيصها وصرفها وتوزيعها ،وكذلك إظهار الأهداف والأغراض التي خصصت من اجلها الإيرادات و الاعتمادات المالية والمستويات الإدارية التي لها سلطة إنفاق الاعتمادات ،علاوة على تحديد طرق الرقابة على استخدام هذه الاعتمادات.
د- وهل أنجزت الحكومة ما خططت له.، حيث يرتبط ذلك بتقديم البيانات الأساسية اللازمة لأغراض التخطيط وعمل البرامج،واستخراج البيانات المالية اللازمة لأغراض التحليل الاقتصادي ،وكذلك إعادة تصنيف العمليات الحكومية والمساعدة في تطوير الحسابات القومية ،وتوفير البيانات اللازمة لتقويم الأداء والفاعلية.
ه- إظهار الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية للنشاطات الحكومية ،لقد أدى ظهور ما يسمى بالمحاسبة البيئية[45] والمحاسبة الاجتماعية[46]ونحوها إلى ضرورة التوسع في عرض المعلومات ،بحيث تشمل أهدافا تتضمن خدمة المجتمع والعمل على تقديم ما يحقق رفاهيته والمحاسبة البيئية هي المحاسبة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالبيئة ، فلكي نحافظ على البيئة فإننا بحاجة إلى رؤوس الأموال أو ما يسمى بالتكاليف البيئية ،وحسابها يدخل في تخصص المحاسبة البيئية كما إن حماية البيئة مسؤولية الشركات والمؤسسات كافة تجاه البيئة(السعد، 2005: 142) ،ويعني ذلك ضرورة الإفصاح عن الآثار الاجتماعية والسياسية والبيئية التي تتركها أنشطة الوحدات الاقتصادية على المجتمع وعلى البيئة عموما .وتعتبر المحاسبة عن المسؤولية الاجتماعية احدث مراحل التطور المحاسبي ،الذي نشأ نتيجة الازدياد المطرد في حجم وقدرات الوحدات الاقتصادية (الشيرازي،1990 :27 )، كما إن توسع نشاطاتها وتنوعها وتأثير نتائجها على مكونات عديدة في المجتمع والبيئة سبب آخر لهذا التطور، لذلك تولد اعتقاد بالحاجة الملحة والضرورية للإفصاح عن معلومات حماية البيئة ووجود أدلة مرشدة لإنجاز عمليات المقارنة ما بين الوحدات الاقتصادية من خلال استخدام مؤشرات الأداء البيئي إضافة إلى تمكين مستعملي التقارير من إدراك الجهود المبذولة من قبل الشركات في مجال الإدارة البيئية ومخاطرها(السعد،2005: 127).
وفي واقع الأمر إن هذا الاتجاه الحديث للمحاسبة الوضعية،ظهر في منتصف السبعينيات من القرن الماضي ،وذلك بعد إن أدرك الإنسان الغربي إن مجتمعه وبيئته و أرضه في خطر نتيجة التلوث والنفايات السامة والأضرار المادية والمعنوية الخطيرة التي تتركها أنشطة وبرامج الشركات والوحدات الاقتصادية على المجتمع بفئاته المتنوعة وعلى البيئة بمكوناتها المختلفة ،وانه إذا لم يتم الإفصاح عن مثل تلك الأنشطة والبرامج المضرة والمفسدة للبيئة وإيقافها ومنعها ،فان دمار وفناء البيئة والكرة الأرضية هو النتيجة والعاقبة الحتمية لا محالة . ونتيجة لذلك أصبح على المحاسب أن يلتزم بوجهة النظر الاجتماعية ،أي إن التقارير المحاسبية ينبغي أن تأخذ منهجا شموليا بحيث تغطي احتياجات كافة الفئات في المجتمع ،وهذا الأمر ينطبق على جميع الوحدات المحاسبية سواء أكانت حكومية أم غير حكومية .
ولم يلتفت الإنسان الغربي لهذا الأمر ولم يأخذه بالحسبان لأسباب أهمها المصلحة الفردية (الخاصة) والأنانية في تحقيق اكبر أرباح ممكنة ولو على حساب الآخرين أو على حساب البيئة وما تحتويه من كائنات حية ،وهذا كما مر بنا هو أساس فلسفة النظام الرأسمالي، وإذا تتبعنا مدى اهتمام الجهات المسئولة في الدول الغربية وأمريكا ودورها في وضع وصياغة معايير محاسبية تتعلق بالأداء البيئي للشركات والمؤسسات ،فإننا نلاحظ اهتماما متفاوتا يكاد ينعدم في بعض الدول ، ففي ألمانيا على سبيل المثال لا توجد متطلبات محاسبية محددة على البيئة باستثناء بعض المتطلبات المتعلقة بالالتزام بإعداد تقارير عن الأنشطة الاستثمارية والمسؤولية عن تسجيل المطلوبات المحتملة عن الخسائر المحتملة الناتجة عن قوانين حماية البيئة(السعد،2005: 127) ، وكذا الحال في ايرلندا وهنغاريا وإيطاليا والنمسا والبهاما وبلجيكا ،أما في الولايات المتحدة الأمريكية فإن المعايير المحاسبية فيها لم توضح بشكل محدد استخدامات المحاسبة البيئية باستثناء بعض القواعد لعدد من التقارير وتسجيل التكاليف والمتطلبات ذات العلاقة بالبيئة[47].
ويكون الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بالآثار الاجتماعية والسياسية والبيئية لأنشطة الوحدات الحكومية إلى جانب إظهار (الإفصاح) الآثار الاقتصادية والمالية لتلك الأنشطة ،ويكون ذلك إما عرضها ضمن القوائم والتقارير المالية أي إدماج المعلومات المالية والاجتماعية في تقرير واحد ، بحيث تصبح المعلومات الاجتماعية جزءا من المعلومات المالية التي توفرها نظام المحاسبة المالية ، أو إدراجها في تقارير منفصلة تعرض التكاليف والمنافع الاجتماعية فقط .
إن الأهداف السابقة الذكر التي لابد أن توفرها التقارير المالية الحكومية نجدها واضحة وجلية في النظام المالي الإسلامي ،وقد وضعها المشرع الإسلامي قبل أن يقترحها ويفكر بها واضعي المحاسبة التقليدية بعدة قرون من الزمان ،وهذا ما سنستعرضه بشيء من التفصيل مع التركيز على الهدف الأخير باعتباره من الاتجاهات الحديثة للتطور المحاسبي الوضعي.
أهداف التقارير المالية في التشريع الإسلامي
يقول الله تعالى في محكم كتابه المجيد :" لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها" (الكهف، 49)، كما يقول عز شانه :" ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين" (النحل،89)،إن الإسلام دين البشرية جمعاء ،الذي وضع لكل أمرا حكما ولكل مشكلة حلا ولكل ظاهرة تفسيرا ولكل مرضا علاجا ،فالشريعة الإسلامية تتميز بالشمول والسعة في تناولها مختلف أبعاد الحياة الإنسانية ،وتناول هذا الشمول السلوك الفردي والجماعي للإنسان سواء أكان في عبادته أم معاملاته أم مأكله ومشربه و ملبسه ومسكنه وكل أشكال سلوكه أم في علاقته مع الطبيعة أو أخيه الإنسان الآخر وسواء أكان في الحكم أم السياسة أم الاقتصاد أم الأسرة أم المجتمع إلى غير ذلك مما يعرفه الإنسان (الحكيم ،2003: 271).
علاوة على ذلك فالشريعة السمحاء تتميز بالمرونة بحيث تكون قادرة على الاستمرار ومواكبة الظروف المتطورة والمستجدات في الحياة الإنسانية الثابتة والحاجات المتغيرة أو المتحركة في حياة الإنسان حيث تم تغطيتها تشريعيا بمراعاة هذا التغيير في موضوعات الأحكام وربطها بعللها ومصالحها ،وتشخيص العناوين الثانوية (الاستثنائية الطارئة) وتقديمها ومنح الصلاحيات المطلوبة لولي الأمر (الدولة) في إطار القواعد العامة واتجاهات الحكم الإسلامي ومقاصده(الحكيم ،2003 :372).
ومن هنا فان للتقارير المالية في النظام المحاسبي الإسلامي أهدافا وغايات لا تقل شانا عن تلك التي حددتها ألINTOSAI في بيانها المذكور أعلاه ،وقد أوردنا في الفصل السابق أهداف النظام المحاسبي الحكومي الإسلامي وهي:
1. تنظيم عملية جباية الأموال الداخلة إلى بيت المال(الخزينة العامة للدولة)وتصنيفها .
2. حصر ما يستحق على الأفراد المكلفين للدولة من أنواع الأموال التي تتعلق بها العبادات المالية كالزكاة والخمس واحتسابها وتقديرها بصورة صحيحة.
3. تحديد نوعية الملكية للأموال الموجودة في الخزينة الوطنية وموارد تحصيلها ،كأن تكون أموال تتعلق بها الملكية العامة أو تتعلق بها ملكية الدولة ، وما يترتب على ذلك من استحقاقات والتزامات.
4. تحديد الفترات الزمنية التي يتم على أساسها جباية كل نوع من أنواع الأموال المختلفة الواردة إلى بيت المال ،وتحديد معدلات تقدير وتقييم هذه الأموال وأساليب تحصيلها وجمعها ،ومواضع صرفها.
5. قياس المصروفات وتوفير المعلومات حول أساليب ومواضع صرف الأموال.
6. المراقبة المستمرة لإيرادات بيت المال ونفقاته وضبطها والتصرف بها وفقا للشريعة الإسلامية،وكذلك محاسبة القائمين على أمور هذه الأموال.
7. تحقيق مفهوم إمكانية المحاسبة الاجتماعية أو ما يمكن تسميته بالمساءلة المحاسبية التي تبدأ من الرقابة الذاتية للنفس والشعور بالمسؤولية تجاه الله أولا ثم تجاه الناس.
8. توفير الإفصاح الكامل لجميع أنشطة الوحدات الحكومية التي لابد أن تتم وفق الشريعة الإسلامية ،بمعنى إن الأهداف السابقة تتعلق جميعها بقياس الأنشطة المشروعة من وجهة النظر الإسلامية،ومن ثم فان الأنشطة المحرمة (غير المشروعة) إسلاميا سواء أكانت أنشطة مالية كاحتساب الفوائد على القروض(الربا) أم غير مالية كالإضرار بالبيئة والمجتمع، فانه لابد من الكشف عنها واستبعادها.ويعني ذلك أن المحاسب مسئول عن التحقق من مشروعية كل ما يتعلق بأداء واجباته وخدماته الوظيفية والمهنية ، ويترتب على ذلك وجوب إلمام المحاسب بالأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية التي تتعلق بفقه المعاملات والمعاوضات المالية ، كما أن ذلك يتطلب وجود جهات يناط بها تأهيل المحاسب بالقدر الكافي له في فقه المعاملات المالية(جمعة، 2000: 386).
ويمكن القول إن الأهداف الستة الأولى هي الأهداف التقليدية المشتركة للتقارير المالية في أي نظام محاسبي ،مع الأخذ بنظر الاعتبار الاختلافات البيئية والسياسية والثقافية والاقتصادية لكل نظام . أما الهدفين الأخيرين فإنهما من خصوصيات النظام المالي الإسلامي فحسب ،فلم نجد نظاما وضعيا اهتم بمجال المحاسبة والرقابة الاجتماعية كما اهتم بها التشريع الإسلامي ،وسيمر بنا –إن شاء الله- كيفية معالجة التشريع الإسلامي لمسالة الرقابة.
أما فيما يتعلق بالإفصاح الكامل والشامل عن كل المعلومات المتعلقة بأنشطة الوحدات المحاسبية(الحكومية وغير الحكومية)،وبالأخص فيما يتعلق بالأنشطة المحرمة في الإسلام كالأنشطة الضارة بالبيئة أو المفسدة للمجتمع،فان ذلك يبين إن المجتمع والبيئة يعتبران من القضايا الكبرى والمهمة التي لم يهملها الإسلام ولم يغفل عن وضع الحلول الناجعة لمظاهرها السلبية وأمراضها العديدة.
لقد وضع الإسلام القواعد العامة واتجاهات الأحكام الشرعية المتعلقة بالبيئة وكيفية الحفاظ عليها وحمايتها وحرمة تلويثها أو الاعتداء عليها وعقوبة من يقوم بذلك ،وقد عد الإسلام تلويث البيئة نوع من الاعتداء الذي حرمه الإسلام ونهى عنه القران الكريم ،يقول الله تعالى :" وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " (المائدة،2)،فالعدوان حرام سواء أكان على البيئة أم الدماء أم الأعراض أم الأموال ،لان الاعتداء على البيئة عدوان على الطبيعة، لقد بين الإسلام أحكام البيئة سلبا و إيجابا ،وجوبا وحرمة،ندبا و كراهة ،تكليفا ووضعا ، وتضمنت مصادر التشريع الإسلامي العديد من المفاهيم والمبادئ والأحكام حول البيئة وكيفية حمايتها وإدامتها .
· القران الكريم
فمثلا في الجانب الإيجابي قال سبحانه :"قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدء الخلق " (العنكبوت ،20)،حيث إن المسافر هنا وهناك عندما يرى كيفية بدء الخلق في النباتات والحيوانات والإنسان فضلا عن الجبال الشاهقة والبحار المتلاطمة والأحجار والصخور بأنواعها وجماليتها ، فإنه سيكتشف أمورا كثيرة وكثيرة عند تجواله في البلاد، فالإنسان الناظر المتأمل يرى وحدة خالق البيئة ومنظم شؤونها ،كما سيكتشف رابطاتها وتفاعلاتها ومدى وثاقة تجانسها وتكاملها (الشيرازي،2000: 20)، أما في الجانب السلبي يقول سبحانه :"ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين " (الأعراف، 85)، فالإفساد مطلقا حرام في الشريعة الإسلامية لكن بعد الإصلاح يصبح اشد حرمة ،يقول الشيخ مغنية ( 1981: 340 )في تفسير هذه الآية:" إن الله جل وعلا أصلح هذه الأرض بما أودع فيها من كنوز لا تحصيها كثرة من الطيبات والمتع الروحية والمادية ،فمن مباهج الطبيعة إلى جمال المرأة ومن وفاء الأصدقاء إلى بر الأبناء ،ومن نشوة المعرفة والاطلاع إلى وشوشة الألحان والأنغام إلى ما لا نهاية ،أما الطيبات المادية فمن المأكول والملبوس فهناك الأشكال والألوان ..."الخ من النعم التي لا تعد ولا تحصى ،ولكن الإنسان بظلمه وطغيانه وفساده حول هذه الطيبات إلى مصائب وكوارث ،ويتابع الشيخ مغنية ( 1981: 340 )هذا الشأن بقوله:"...وأي شيء أكثر ظلما وكفرانا وأعظم فسادا وطغيانا من تحويل الطيبات من الرزق إلى قنابل النابالم تقتل الصغار وتشوه الكبار والى نفاثات السموم واللهب يحرق الأخضر واليابس ،أما القنابل الهيدروجينية فإنها لا تبقي ولا تذر ،لقد بدل الإنسان نعمة الله كفرا وحول نعيم أرضه إلى جحيم ،وربط مصير الإنسانية كلها بمصير القنابل الذرية والهيدروجينية ).
إن ظاهرة الظلم والتجاوز على حقوق الآخرين والعدوان عليهم تتحول وبسبب عدم الشعور بالمسؤولية تجاه الاستخلاف على الأرض وفقدان أو ضعف وجود العامل المسيطر على الإرادة والهوى إلى ظاهرة ظلم الإنسان لنفسه والى الكون والطبيعة الأمر الذي يستنزل الغضب الإلهي بحد ومستوى بحيث يتصور الإنسان إن الله تعالى قد ظلمه بما انزل عليه من عذاب وهلاك ، ولذا جاء التأكيد مرات عديدة في القران الكريم لمضمون قوله تعالى:" وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " (النحل ،118)،وقد ذكر القران الكريم عدة أبعاد لهذا الظلم ترتبط بالإنسان ذاته وعلاقته بالله تعالى وبالكون والطبيعة وأخيه الإنسان (الحكيم ، 2003: 195)، إن ذلك يبين حقيقة ما اعتبره الإسلام أساسا للمشكلة الاقتصادية ،فقد مر بنا إن سبب هذه المشكلة كما يراها الإسلام هو ظلم الإنسان وكفرانه للنعمة.
وهناك علاقة وثيقة بين الظلم والذنوب التي يرتكبها الإنسان والفساد في الأرض وتلويث البيئة ،يقول الله تعالى :" ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون " (الروم،41)، إن كل عمل مخالف يترك أثره في المجتمع كما يترك أثره في الأفراد عن طريق المجتمع أيضا ،ويسبب نوعا من الفساد في التنظيم الاجتماعي ، فالذنب والعمل غير الصحيح وتجاوز القانون مثلها كمثل الغذاء السيئ المسموم ،إذ يترك أثره غير المطلوب و السيئ في البدن شئنا أم أبينا (الشيرازي، 1413هـ : 501 )، وكل ما حرمه الله ونهى عنه فارتكابه جريمة وفساد في الأرض ،كالحرب والبغي والإسراف والخلاعة والفجور والخمر والميسر والاستخفاف بفرائض الله وعبادته وما إلى ذلك ،وإذا وصف سبحانه عصر الجاهلية بظهور الفساد برا وبحرا حيث لا أسلحة كيماوية ولا قنابل نووية ولا شركات للاستغلال والاحتكار ،فبأي شيء نصف عالم اليوم الذي يهدده الفناء والدمار الشامل في كل لحظة ، يهدده الفناء والهلاك لا بفعل الله ، ولا بكوارث طبيعية ، بل بفعل الناس الذين يملكون أبشع أسلحة الفناء والإهلاك ، ولا سبيل لأمن البشرية وصيانتها من ذا الخطر إلا أن تدمر هذه الأسلحة تدميرا كاملا(مغنية ،1981: 147 ).
· السنة النبوية
كما وردت روايات كثيرة عن أهل البيت (ع) تؤكد على ضرورة التوقي وحماية البيئة وعدم تلويثها والإضرار بها ،فعن الصادق(ع) قال:"نهى رسول الله (ص) أن يتغوط على شفير بئر ماء يستعذب منها أو نهر يستعذب أو تحت شجرة فيها ثمرتها " (التهذيب ج1: 353)، وقد أمر الشارع بجعل فاصلة بين البئر والبالوعة حتى لا تسري ما في البالوعة إلى البئر ،فقد سال الراوي الإمام الصادق(ع) : كم أدنى ما يكون بين البئر ؟ فقال (ع):" إن كان سهلا فسبع اذرع ،وان كان جبلا فخمسة اذرع" (الكافي ،ج3: 80 والبالوعة).وهناك روايات كثيرة في منزوحات البئر تنزح المنزوحات منها حتى ينتهي الماء كلا لبعض الوساخات أو تنزح منها دلاء كثيرة أو قليلة لبعض المنزوحات الأخرى حتى تذهب عنها آثار التلوث على حسب اختلاف الموارد والاختلاف وجوبا واستحبابا (الشيرازي،2000: 97)،والمتأمل لقول الإمام علي (ع) إلى عامله مالك الاشتر(رض):" وليكن نظرك في عمارة الأرض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج ،لان ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد واهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلا" (نهج البلاغة،ج3: 96) ،يلاحظ الارتباط الوثيق بين كلام أمير المؤمنين ومفهوم إدامة البيئة حيث يعتبر الأخير من المفاهيم الحديثة والمعاصرة المرتبطة بحماية البيئة وصيانتها والحفاظ عليها و إدامتها للأجيال القادمة.
ويتضح لنا من ذلك كله إن التشريع الإسلامي يحتوي على أحكام وقواعد ومعايير تتعلق بإظهار الآثار السياسية والاجتماعية والبيئية التي يتركها سلوك الإنسان سواء أكان سلوكا فرديا أم جماعيا ،وتتضمن هذه الأحكام والمعايير إجراءات وطرقا وأساليب ونظما تساعد في الحفاظ على استقرار المجتمع وحماية البيئة وصيانتهما من جميع الأضرار والأخطار المادية منها والمعنوية ، وألزم بالتخلص من الأعراض الناشئة من التلوث من خلال عدة أمور منها (الشيرازي، 2000: 82 ):
· ضبط الموازنة بين الصحة والاقتصاد ،فلا يجوز إهمال الجانب الصحي لصالح العامل الاقتصادي ،والاهتمام بالإنسان وجعله هدف والمحور في سياسة الحكومات .
· الانتقال من دليل التنمية البشرية –الذي يعتمد على مؤشرات :طول العمر والمعرفة والقدرة على التحكم في الموارد اللازمة للحياة الكريمة –إلى دليل الرفاهية الاقتصادية – الذي يعتمد على متوسط الاستهلاك والتدهور البيئي-،فيفترض في تقويم الأداء الاقتصادي ،التقويم بين التنمية والبيئة ،بمعنى ملاحظة حساب الموجودات البيئية – خامات طبيعية وموجودات مادية ونفايات ومواد ضارة – وتقدير الخسائر البيئية – تكاليف الخسائر والأضرار للمواد غير المتجددة والخسائر الناجمة عن تلوث الماء والهواء والأرض والضرر البيئي الطويل الأجل كتغيرات الدفء العالمي وتلف طبقة الأوزون وتكاليف الوقاية لتجنب الاستنزاف وتكاليف التخطيط والدراسات لحماية البيئة – وحساب استهلاك رأس المال الطبيعي – حساب النقص الحاصل في رأس المال الصناعي على شكل اهتلاكات – والاستثمار في مجال حماية البيئة – وجود مواد لم يؤخذ ثمنها بالحسبان عند حساب الأرباح والخسائر أو الدخول. والاعتماد على دليل الرفاهية يحتاج باستمرار إلى بيانات شاملة عن حالة التلوث وعن فعالية المجتمع في تحقيق أهدافه التواصلية كإشراك الناس في اتخاذ القرارات وما شابه .
· إيجاد توصيلات لنقل المياه الملوثة من أماكن تواجدها إلى المنخفضات .
· الإكثار من حملات التشجير التي لا تحتاج إلى سقي .
· الحفاظ على النظافة قدر الإمكان سواء أكانت نظافة البيت أم المدرسة أم المدينة .
وتستلزم هذه الأمور بالضرورة إيجاد نظام محاسبي متقن يكفل توفير المعلومات المتعلقة بتكاليف إيجاد النظم البيئية الكفيلة بحماية البيئة والمحافظة عليها بجانبيها الإيجابي كتشجير الطرق وتوصيل مياه الشرب الصحية إلى الناس ،والسلبي كالتخلص من النفايات والمواد الملوثة والسامة، وقد مر بنا تفسير الآية الكريمة " ولا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى اجله ذلكم اقسط عند الله و أقوم للشهادة" ، فهنا إشارة إلى ضرورة الإفصاح عن كل المعلومات المتعلقة بالآثار والنتائج التي تتركها المعاملة أو الحدث الاقتصادي على المتعاملين (المتعاقدين) خصوصا وعلى المجتمع والبيئة عموما، فالشارع المقدس لم يحدد كون هذه المعلومات أن تكون مالية فقط ،و إنما يتوجب عرض كل المعلومات سواء كانت صغيرة أم كبيرة ،وذلك يعني عرض حتى المعلومات المتعلقة بالآثار الاجتماعية والسياسية والبيئية ..الخ لتلك المعاملات ،ومن ثم يصبح من الأهداف الرئيسة للنظام المحاسبي الحكومي الإسلامي إظهار تلك الآثار وعرضها على ذوي العلاقة ،وقد تم تطبيق ذلك في الدولة الإسلامية من خلال نظام الحسبة المذكور سابقا ، فان من جملة مهامه مراقبة السوق ومنع المعاملات المالية المنكرة كالربا والبيوع الفاسدة والغش والتدليس وبخس الكيل والميزان وتحديد الأسعار ومنع الاحتكار والاستغلال ، فالحسبة وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وكذلك الأمر بالبديل الصالح شرعا عن الطالح المعمول به فعلا ، أي الأمر بما ينبغي بل يجب عمله طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية ،إذا ظهر انه غائب عن الممارسة والتطبيق والنهي عن التصرفات الخاطئة عند ظهورها فالحسبة عنوان إصلاح الأمة من داخلها (السامرائي، 1991: 187).
ويتبين لنا إن الإسلام الخالد قد تناول موضوع البيئة والمجتمع بجميع أبعاده ،وقبل أن تظهر مشاكله وعوائقه ،وسن القوانين والقواعد والمعايير المتعلقة بهذا الموضوع ووقف موقفا حازما وقويا أمام كل المشاريع والفعاليات التي قد تسبب التلوث والضرر للبيئة ،ووضع القوانين الخاصة بحماية البيئة ومكافحة جذور التلوث من أي مصدر كان ، يقول الله تعالى :" وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" ( المائدة،2).
3 )معيار الخصائص النوعية للمعلومات الواردة في التقارير المالية الحكومية
إن من الأهداف العامة للمحاسبة ،توفير معلومات مفيدة لغرض استعمالها في اتخاذ القرارات الاقتصادية الرشيدة ،ولكي تكون المعلومات مفيدة لابد من توافر مجموعة من الخصائص في هذه المعلومات .وتمثل هذه الخصائص ،أو ما تسمى بالخصائص النوعية معايير يمكن على أساسها الحكم على مدى تحقيق المعلومات المحاسبية لأهدافها ، كما يمكن استعمالها أساسا للمفاضلة بين الأساليب المحاسبية البديلة لغرض قياس بنود القوائم المالية أو الإفصاح عنها (العادلي وآخرون،1986: 74).
وقد حدد البيان الثالث لهيئة أل INTOSAI الخصائص النوعية الواجب توافرها في المعلومات الواردة بالتقارير المالية الحكومية ب : القابلية للفهم ،والملائمة ، و إمكانية الاعتماد عليها ، والأهمية النسبية ، والاستمرارية في تطبيق الأسس المحاسبية، والقابلية للمقارنة، والكلفة/المنفعة، وتغليب الجوهر على الشكل (السعبري،2000: 84 ).
أ- القابلية للفهم : تحدد خاصية القابلية للفهم نوعية المعلومات المقدمة في القوائم المالية ،التي لابد أن تتسم بإمكانية الفهم وعدم الغموض أو اللبس[48] ،وقد تم التأكيد على أهمية توفير الفهم والإدراك العام للبيانات المالية في التقارير المالية حتى يتمكن مستعمل المعلومات من اتخاذ قراراته بصورة رشيدة تؤدي إلى فائدته ومصلحته ،وتبدو أهمية هذه الخاصية بصورة اكبر بالنسبة للقارئ غير المتخصص (العادي) الذي لا يمتلك أي خبرة أو دراية بالأمور المحاسبية ،ولا يمتلك قدرة على الفهم والتفسير الملائم للمصطلحات والعبارات المستخدمة في التقارير المالية(نعمة،1996: 17). ونظرا لتعدد مستويات الإلمام بتفسير استخدام المعلومات من جانب مستخدمي القوائم المالية ،فلا يمكن التوقع أن تفيد المعلومات جميع فئات المستخدمين بنفس الدرجة ،لذا يستلزم الأمر في هذه الحالة السعي نحو تحسين مستوى إدراك القارئ وقدرته على استخدام المعلومات المالية حتى يمكن تعظيم الفائدة من استخدام المعلومات المحاسبية المفيدة(العادلي وآخرون، 1986: 79).
ب- الملائمة : تبين خاصية الملائمة قدرة المعلومات في التأثير على القرارات المتخذة من قبل مستعملي المعلومات (نعمة،1996: 16)، كما تمكنهم من تقييم الأحداث الماضية والحالية والمستقبلية ،أو تساعد في تأكيد أو تصحيح التوقعات السابقة(العيساوي،2003: 30)،وقبل تحديد ما إذا كانت معلومات معينة ملائمة أو غير ملائمة ،ينبغي تحديد أولا الغرض الذي ستستخدم فيه ،فقد تكون المعلومة ملائمة لمستخدم معين في غرض معين ،إلا أنها قد لا تكون بالضرورة ملائمة لغرض بديل أو لمستخدم بديل(مطر،2004: 341)، وهناك ثلاث خصائص يجب أن تتوفر في المعلومات لكي تكون ملائمة (العادلي و آخرون ، 1986: 75):
· أن تتميز بقدرة تنبؤية :أي أن تتميز المعلومات بقدرتها على مساعدة متخذ القرار أن يحسن احتمالات التوصل إلى تنبؤات صادقة عن نتائج الأحداث.
· إمكانية التحقق من التوقعات المستقبلية أو تصحيحها: وتعني أن تقارير الأنشطة الماضية تفيد في تخفيض حالات عدم التأكد وتصحيح التنبؤات المستقبلية.
· التوقيت الملائم: أي توفر المعلومات في الوقت المناسب ،للاستفادة منها في اتخاذ القرارات
ج- إمكانية الاعتماد على (الثقة ) المعلومات: وهي تعني إعطاء الثقة والضمان بان المعلومات المقدمة خالية من التحيز أو الخطأ ،أو أنها تمثل ما يجب تمثيله بصدق وموضوعية ، ولكي تتسم المعلومات بهذه الخاصية لابد من تحقق الآتي:
1) القابلية للتحقق: وهي تمثل إمكانية التحقق من صحة المعلومات، ولهذه الخاصية علاقة قوية بمشكلة القياس المحاسبي، كما أنها على صلة وثيقة بمبدأ الموضوعية(مطر، 2004: 324)، وتوصف الموضوعية عموما بأنها الخاصية التي تعكس إجماع خبراء متمرسين على نتائج قياس الأنشطة الاقتصادية ،أو الطريقة التي يتم الإفصاح بها عن تلك الأنشطة في القوائم المالية(نعمة ،1996: 16).
2) الحيادية: وهي تعني تجنب التحيز عن طريق قياس النتائج أو عرضها بطريقة لا تغلب مصالح فئة معينة من فئات مستخدمي القوائم المالية على غيرها من الفئات .
3) المصداقية(عدالة التمثيل): إن إمكانية الاعتماد على المعلومات ترتبط بمدى كونها تمثل بصدق طبيعة الأنشطة والعمليات الاقتصادية التي تقوم بها المنشاة، وصدق التمثيل يعني وجود درجة عالية من التطابق بين المعايير والظواهر المراد التقرير عنها ،ويتطلب صدق التمثيل الأمانة في القياس والابتعاد عن التحيز سواء أكان مقصودا أم ناتجا عن قلة الخبرة ،ولكن صدق التمثيل يبقى نسبيا وليس مطلقا(العيساوي، 2003: 31).
د- الأهمية النسبية: وهي تعتبر بمثابة المعيار الكمي الذي يحدد حجم أو كمية المعلومات المحاسبية واجبة الإفصاح (مطر،2004: 340) فهي تعني إن العمليات ذات الأثر الاقتصادي غير المهم أو غير الجوهري ،يمكن معالجتها بطريقة سهلة أو غير دقيقة وبصورة استثنائية ،وان لم تنسجم مع المبادئ المحاسبية المقبولة قبولا عاما. وتتشابه الأهمية مع خاصية الملائمة من حيث إن المعلومات التي لا ترتبط بأهداف الكشوفات المالية لا تعد مهمة وكذلك غير ملائمة لذا لا ينبغي الإفصاح عنها ،من جهة أخرى قد تكون المعلومات ذات أهمية عالية إلا انه لا يتم الإفصاح عنها ،فليس كل ما هو مهم يمكن الإفصاح عنه ،فكثير من الشركات تمتنع عن الإفصاح عن التكاليف التفصيلية والمعلومات الخاصة بها خشية استخدامها من المنافسين أو من قبل عامة الناس إلا إذا ألزمها قانون بالإفصاح عنها (العيساوي، 2003: 92). ولتحديد درجة الأهمية النسبية فان ذلك يتطلب تقديرا لاعتبارات كمية واعتبارات وصفية (العادلي و آخرون ،1986: 99) ، حيث تشير الاعتبارات الكمية إلى حجم البند ومدى أهميته النسبية إلى المجموعة التي ينظم إليها ،أو نسبة إلى عنصر آخر كنسبة الدخل غير العادي إلى الدخل الصافي ، أما الاعتبارات الوصفية فهي تشير إلى طبيعة البند ذاته ،فهناك بعض البنود التي يجب الإفصاح عنها حتى ولو كان حجمها النسبي غير هام نسبيا .
ه- الاستمرارية والتناسق في تطبيق الأسس المحاسبية: تعني الاستمرارية عموما إن المنشاة سوف تستمر في نشاطها لفترة زمنية طويلة نسبيا ما لم توجد أية أدلة عكس ذلك ،كالتصفية وإنهاء أنشطة الوحدة في المستقبل القريب ، والاستمرارية فرض يعتقد به المحاسب ويبني عليه نموذجه المحاسبي ويقيم عليها الكثير من المبادئ والإجراءات والقواعد المحاسبية (العيساوي،2003: 47)،لذا فان هذا الفرض يساعد على تبرير تطبيق تلك المبادئ و الأسس والقواعد المحاسبية كالمتعلق منها بتوزيع بعض البنود بين الفترات المختلفة كالاندثار وتخفيض الأصول غير الملموسة (العادلي و آخرون، 1986: 86)، فعند افتراض الديمومة للمشروع فان سياسة الاندثار والإطفاء تكون مبررة وملائمة ،حيث إن المركز المالي ما هو إلا قيم مرحلة للمستقبل لغرض الاستمرار بالنشاط وتوزيع تكلفة الأصل على سنوات الاستفادة والتمييز بين النفقات الرأسمالية والنفقات الإيرادية واعتبار المصروفات المدفوعة مقدما أصلاُ من الأصول على الرغم من أنها ليس لها قيمة بيعية في المستقبل عند التوقف عن النشاط (العيساوي،2003: 48).
و- القابلية للمقارنة: لاشك إن فائدة المعلومات المحاسبية سوف تزداد إذا أمكن إجراء مقارنات بين المنشاة ومنشاة أخرى بناء على تلك المعلومات ،وتسمى تلك الخاصية بإمكانية إجراء المقارنات ، ولكي تكون المعلومات المفصح عنها قابلة للمقارنة ، ينبغي توفر عنصرين أساسيين هما(مطر،2004: 325):
1) عنصر التوحيد،أي توحيد الأساليب والطرق المتبعة في إعداد البيانات المالية المنشورة،سواء أكان في مجال القياس أم في مجال الإفصاح،
2) عنصر الاتساق،وهو مكمل للعنصر السابق،ويعني ضرورة توفر التماثل في إتباع الأسس والمبادئ نفسها طوال الفترات المالية المتتالية ،وأيضا ذلك يشمل مجالات القياس والإفصاح.
ز- الكلفة / المنفعة: إن إنتاج المعلومات المحاسبية كأي سلعة اقتصادية لا يتم بدون تحمل تكلفة سواء أكان على مستوى الوحدة الاقتصادية أم على مستوى المجتمع ، ولتحقيق اقتصاديات الإنتاج(التكلفة / المنفعة) يفترض ألا تزيد تلك التكلفة –سواء أكانت المتعلقة بإنتاج السلعة أم توصيلها أم استخدامها من جانب القراء- عن المنافع التي تعود من استخدام تلك المعلومات ،والتي تتمثل أساسا في تحسين عمليات اتخاذ القرارات سواء على المستوى الفردي أو على مستوى السوق أو على مستوى المجتمع(العادلي و آخرون، 1986 : 104). وتقسم تكلفة المعلومات على جزأين رئيسيين هما(مطر،2004: 322):
1) تكاليف مباشرة ، تشمل نفقات جمع وتصنيف البيانات، ثم بعد ذلك نفقات تشغيلها وصولا إلى المعلومات .
2) تكاليف غير مباشرة، تتضمن نفقات نشر البيانات المالية ، وما يلحق بها عادة من إيضاحات.
إلا إن قياس وتحديد تكاليف إنتاج واستخدام المعلومات المالية والمنافع المترتبة عليها يعد من الأمور التي يصعب تطبيقها من الناحية العملية ،فاهم مشكلة تواجه اعتبارات التكلفة /المنفعة هي تكميم وقياس كل من المنافع والتكاليف ،وإذا كان بالإمكان قياس التكاليف فان المشكلة الأصعب تتمثل في قياس المنافع بسبب سعة الانتشار واختلاف درجات الاستفادة من المعلومات ،لذلك يقال عن قياس المنفعة بأنها مسالة ضبابية ومغلوطة لأنها غير واضحة وغير قابلة للقياس(العيساوي، 2003: 89)). وعليه فان موازنة التكلفة بالمنفعة هو اعتبار يضعه المحاسب بحسب أحكامه وتقديراته الشخصية ،لذا فانه يتميز بعدم الدقة لان المحاسب إن استطاع أن يقيس التكاليف فانه عاجز عن قياس المنافع ،وبسبب كل هذه الصعوبات ولاستمرارية المحاسبة فيعتقد بان منفعة المعلومات المحاسبية اكبر من كلفتها وإلا ما كان الإنسان قد استمر في تحمل أعباءها.
الخصائص النوعية للمعلومات الواردة بالتقارير المالية الحكومية في التشريع الإسلامي
وردت إشارات واضحة في التشريع الإسلامي تبين قواعد و أصول ومعايير الكتابة والتسجيل الخاصة بالمعاملات والمعاوضات والأحداث المالية والاقتصادية ،وبدءاً من عملية جمع البيانات وإدخالها وتسجيلها ،وانتهاءً بإنتاج المعلومات المفيدة الملائمة لاتخاذ القرارات الاقتصادية الرشيدة المختلفة .
وقد تطرقنا في الفصل السابق إلى المرحلة الأولى من عملية الكتابة والتسجيل المحاسبي المتمثلة بتدوين وتسجيل البيانات في الدفاتر والمستندات والسجلات المحاسبية في النظام المحاسبي الإسلامي، لذا سنقتصر هنا على بحث المرحلة الأخرى المتممة لتلك العملية أي ناتج العملية المحاسبية والمتمثلة بتوفير معلومات مفيدة لاتخاذ القرارات الاقتصادية ،وقد تحدثنا قبل قليل عن الخصائص النوعية للمعلومات التي حددتها لجنة INTOSAI الدولية لكي تكون هذه المعلومات مفيدة ،وهي ما سيتم بحثها الآن لإثبات إن تلك الخصائص لها جذور إسلامية وإنها أو ما يشابهها موجود في مصادر التشريع الإسلامي الأساسية .
أ) الملائمة
ذكرنا إن خاصية الملائمة تعني مدى قدرة المعلومات في التأثير على القرارات المتخذة من قبل مستخدمي المعلومات ،ولكي تكون المعلومات كذلك ،فإنها لابد أن تتسم بالقدرة على التنبؤ والتحقق من التوقعات المستقبلية وان تتوفر في الوقت المناسب وقبل اتخاذ القرار.
إن عملية اتخاذ القرارات تعني التفكير في اختيار التصرف المناسب لمشكلة ما ،والتفكير عملية عقلية تتعلق بتذكر الحقائق والمعلومات المناسبة والاستدلال بالأشياء والأحداث والصفات والعلاقات وغيرها التي تخدم عملية اختيار التصرف الصحيح (أبو العينين ، 2002: 63)، والاختيار يكون بين البدائل المتاحة أي المفاضلة بين هذه البدائل ،التي لا تتم بنجاح إلا بوجود معلومات مفيدة - ملائمة- لذلك ، يقول الله تعالى :" قالوا يا موسى أما أن تلقي و إما أن نكون نحن الملقين قال ألقوا" (الأعراف، 115- 116)، ويقول جل وعلا أيضا :" قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك و إني عليه لقوي أمين قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك" (النمل، 39- 40)فهنا إشارة لعملية اتخاذ القرار والتي أساسها اختيار أو تفضيل بديل على بديل آخر من بديلين أو أكثر . وقد وردت في القران الكريم والسنة النبوية المطهرة ،مفاهيم و أحكام وقواعد ومعايير حول جوانب وشروط عملية اتخاذ القرارات بما فيها توفير واستخدام معلومات ملائمة لهذه العملية.
· القران الكريم
إن قدرة المعلومات على التنبؤ بالمستقبل -من شروط المعلومات الملائمة- تعني أعمال العقل والتفكير في دراسة أحوال الماضي والحاضر لتوقع أو تصور أحوال المستقبل (أبو العينين ، 2002: 105)، يقول الله تعالى على لسان الخضر (ع) :" سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا " ( الكهف ، 78- 79)، تبين هاتان الآيتان المباركتان كيفية استخدام الحقائق والمعلومات المتاحة عن الحاضر والماضي لنتوقع أو نتنبأ ما سيكون عليه المستقبل ،فالخضر(ع) يوضح لموسى(ع) أسباب تصرفاته التي اعترض عليها موسى(ع) ،لقد استخدم الخضر(ع) المعلومات والحقائق المتاحة عن ذلك الملك وما كان يفعله في الماضي والحاضر من مهاجمته للسفن التي كانت تبحر في منطقته والاستيلاء عليها ،ليضع افتراضات عما يمكن أن يحدث في المستقبل وهذه الافتراضات هي (إن ذلك الملك إذا ما رأى تلك السفينة صالحة سوف يستولي عليها ويأخذها )، فاحدث بها الخضر (ع) عيبا حتى إذا رآها الملك لن يطمع بها ويتركها لأصحابها(أبو العينين، 2002: 106) ،وبالتالي لولا هذا التنبؤ الدقيق الذي اعتمد على معلومات ملائمة ومتوفرة عن الماضي والحاضر لخسر أصحاب السفينة سفينتهم ،ومن ذلك يتبن لنا إن قدرة المعلومات على التنبؤ بالمستقبل هي خاصية مهمة تتسم بها المعلومات الملائمة اللازمة لاتخاذ القرارات المختلفة بنجاح وبكفاءة،وقد اقرها الإسلام وبينها في القرآن الكريم.
فضلا عن ذلك، فان المعلومات الملائمة المفيدة لابد أن تمكن من التحقق من التوقعات المستقبلية أو تصححها ،وهذه الخاصية نجد لها أيضا جذورا في القران الكريم و أصالةً في الإسلام الحنيف ففي قصة يوسف (ع) ما يشير إلى أهمية التنبؤ بالمستقبل و إعداد العدة واخذ الاحتياطات الكافية والكفيلة بمواجهة المستقبل ،بما في ذلك توفير المعلومات القادرة على إتمام هذه العملية بكفاءة وفاعلية، يقول الله تعالى :" قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون" (يوسف، 47-48)،فالميزانية التقديرية والتي تسمى موازنة تخطيطية هي كما عرفنا عبارة عن ترجمة رقمية للخطط والأهداف الموضوعة والتوقعات المستقبلية،ومن أحد مميزات الموازنة الدقيقة هي إمكانية الاستفادة من المعلومات الواردة فيها للتحقق من التوقعات والتنبؤات المستقبلية أو تصححها ،فمن تعريفات الموازنة التقديرية هي "إنها عبارة عن قائمة تبين النتائج المتوقعة معبر عنها في شكل أرقام"(أبو العينين، 2002: 108) .
أما فيما يتعلق بالتوقيت المناسب لتوفير المعلومات -أحد شروط المعلومات الملائمة- فإننا نجد تأكيدا على الاهتمام بالوقت في التشريع الإسلامي وان التحسس بالزمن يجعل الإنسان دائما في حاجة إلى التخطيط إلى معلومات تتوفر في الوقت المناسب تساعد على هذا التخطيط واتخاذ القرارات في الوقت المناسب أيضا ، وقد مر بنا تفسير قوله تعالى :"هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون"،حيث إن من جملة الأمور والأحكام التي تناولتها هذه الآية المباركة توضيح أهمية الزمن في حياة الإنسان وتأثيره المباشر على الحساب- سواء أكان الحساب الدنيوي أم الحساب الأخروي -،والتي تدعو الإنسان إلى تحمل المسؤولية في الدنيا و إدراك حقيقة نفسه ،فالإنسان الذي يجمد فكره فلا يتحرك فانه لا ينتج شيئا سوى العبث وضياع الوقت ، ،وقد فصل الله لنا بيان حقيقة الزمان والتقدير لكي نتذكر ونعي واقع أنفسنا(المدرسي، 1406هـ.ق : 209 ).
· السنة النبوية المطهرة
ويقول أمير المؤمنين علي(ع) :" الساعات تنهب الأعمار " (غرر الحكم : 94) فهناك سباق بين الزمن والعمر فأيهما يسبق الآخر؟ ويقول أيضا :" ما أسرع الساعات في الأيام ،و أسرع الأيام في الشهور ،وأسرع الشهور في السنة ،و أسرع السنة في العمر"(نهج البلاغة ،ج2: )،إن قول الإمام (ع) ينقل لنا صورة مثيرة للزمن تجعل الفرد في عجلة من أمره في استثمار الوقت ،فأنفاس الإنسان محسوبة ومحدودة ،وكل شهيق وزفير سينقص من هذه الأعداد،وفوت الفرصة يبعث على الحسرة وتجر الندامة (الموسوي، 1998: 128) من ذلك قول الإمام علي (ع):" إضاعة الفرصة غصة" لان الفرصة إذا ذهبت لن تعود وإذا عادت فهي تعود بطيئة ،يقول أمير المؤمنين (ع):" الفرصة سريعة الفوت وبطيئة العود" فكان لابد من استثمارها والتعجيل بذلك والاستفادة منها قبل ضياعها أو فواتها ،وكما يقول الإمام (ع) :" إن الليل والنهار يأخذان منك فخذ منهما " فالإنسان في سباق دائم مع الزمن مع كل ساعة بل مع كل لحظة فكان لابد أن يغلب عليه(الموسوي، 1998 : 129).
من هذا يتبين أهمية الزمن والحساب في التشريع الإسلامي ،فالزمن له دور رئيس في كيفية احتساب الأموال وجبايتها وتنظيمها ،لان بعض الموارد المالية الرئيسة في الدولة الإسلامية يعتمد جبايتها على عنصر الزمن كالزكاة والخمس ،والإلمام بالحساب (المحاسبة) وعلاقته بالزمن سوف يفيد في قياس الأموال وبالتالي معرفة المقدار الواجب إخراجه من تلك الفريضتين الماليتين، ولا تتوقف أهمية الحساب والمحاسبة في التشريع الإسلامي على الحياة الدنيا ،و إنما يكون ذلك مقدمة لتحضير حساب الإنسان ومحاسبته يوم القيامة كما مر بنا.
ب)إمكانية الاعتماد على المعلومات (الوثوق بها)
حددت المحاسبة الوضعية ثلاثة شروط يجب توافرها في المعلومات حتى تتسم بالموثوقية و إمكانية الاعتماد عليها ،وهذه الشروط تتمثل بالقابلية للتحقق، وصدق التمثيل(المصداقية) ،والحيادية .
وفي واقع الأمر إن هذه الخصائص تعتبر من المبادئ الأساسية في الإسلام عامة ومن الركائز الأساسية للنظام الاقتصادي الإسلامي خاصة ذلك الاقتصاد الذي يتميز وينفرد عن الأنظمة الاقتصادية الأخرى ، من حيث كونه اقتصادا أخلاقيا في أهدافه وغاياته وكذلك أخلاقيا في وسائل وطرق تحقيق تلك الأهداف والغايات.وإتباع الحق والسير عليه والتقيد به وكذلك الصدق في التعامل والحديث سواء أكان مع النفس أم مع الآخرين أم مع الله ،هو من ضمن الأخلاق والصفات الحميدة التي انتهجها الإسلام الحنيف وسار عليها، بل اعتبرها الإسلام من مقاصد التشريع فقد جاء عن النبي(ص) قوله:" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وفي واقع الأمر إن الأخلاقيات التي يجب أن يلتزم بها المحاسب المسلم والتي يستمدها من أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية هي التي تحقق دقة وموثوقية المعلومات المحاسبية التي تحتويها القوائم المالية مما يضفي عليها المصداقية و إمكانية الاعتماد على المعلومات الواردة في هذه القوائم لاستخدامها في اتخاذ القرارات المختلفة. ،وفي القران الكريم شواهد كثيرة على ذلك منها قوله تعالى:
v " ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وانتم تعلمون" (البقرة،42)
v "كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه" (البقرة، 213)
v "يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وانتم تعلمون" (آل عمران،71)
v " قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن و الإثم والبغي بغير الحق " (الأعراف،33)
v " ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته" (الشورى، 24)
v "قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم" (المائدة، 119)
v "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" (التوبة ،119)
v "ليسأل الصادقين عن صدقهم" (الأحزاب،8)
v " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون" (النحل،9)
v " وأقسطوا إن الله يحب المقسطين" (الحجرات،9)
· القران الكريم
في الآية (282) من سورة البقرة المباركة نجد أحكاما وقواعد ومعايير واضحة حول الشروط المتعلقة بالمعلومات الواردة في المكاتبات والوثائق والعقود المبرمة بين المتعاقدين – خاصة العقود والمعاملات والمعاوضات المالية- وقد سبق عرض وبحث هذه الآية المباركة ،ونعيد بحثها هنا ولكن فيما يتعلق بخاصية الموثوقية (الاعتمادية) حصراً، يقول الله تعالى في هذه الآية الكريمة:" يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا ..."، فمن الأحكام الواردة في هذه الآية الأمر بكتابة الدين – المعاملة أو الحدث الماليين- والأجل في سند أو وثيقة أو كتاب معين، وذلك دفعا للضرر وحفظا للحقوق ، بمعنى انه يمكن الاعتماد على هذه الوثيقة واستخدامها حجةً ودليلاً على ثبوت الحق ، لان ذا الأجل يكون معرضا للنزاع والأوهام ،ولكن لا يمكن استخدام هذا السند حجةً يعتمد عليها إلا بتوفر شروط معينة ، وهذه الشروط كما حددتها الآية هي:-
أ) " وليكتب بينكم كاتب بالعدل" ،وهي تعني العدالة والاستقامة والنزاهة والإفصاح والعرض العادل للمعلومات بدءا من عملية جمع البيانات وتسجيلها وتصنيفها وتحليلها وانتهاءً بعرضها وتوصيلها إلى المستفيدين منها ،والعدل المطلوب هو العدل الممكن أي يراعى العدل قدر الإمكان ،وليس العدل المطلق التام(الفكيكي،2003 :213) ومفهوم الإفصاح(الإظهار) العادل في التشريع الإسلامي يقابل مفهوم العدل في المحاسبة الوضعية (جمعة،2000: 377).
ب) "ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله" ،وهي تعني الكتابة والتسجيل وعرض المعلومات وفق آلية معينة من حيث العلم بالأحكام وشؤون المعاملة التي لابد أن تتم وفق أحكام الله لتخلو الكتابة عن الوهم والتقصير ،بمعنى آخر أن تتوفر لها مصداقية معينة.فعلى المحاسب أن يؤدي واجباته وخدماته الوظيفية بأعلى مستوى منن الثقة والنزاهة والأمانة والصدق والاستقامة ،ومن ثم فهو مسئول عن عرض وتقديم المعلومات والأحكام والآراء المهنية بأمانة وصدق وشفافية كافية سواء أكان المضمون إيجابيا أم سلبيا(جمعة،2000: 385).
ت) " وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا" ،هنا تنبيه للكاتب(المحاسب) في أن يكتب المعلومات كاملة ولا ينقص من الحق شيئا ، و إنما نهى عن البخس والظلم لان الإنسان مجبول على دفع الضرر والطمع في جلب النفع إليه ،وقد أمر الله سبحانه هنا بلزوم التحفظ على أموال الناس وتنزيه النفس في ما بينها وبين الله تعالى عن الخيانة في الأمانة ويكون ذلك بالتقوى التي حرض القران عليها بأساليب مختلفة ،وتتمثل التقوى في مخافة الله في السر والعلن ويترتب عليها حماية الإنسان لنفسه مما يعود عليه من العواقب السيئة نتيجة لانحرافه عن الالتزام ،فالإسلام دين يقدر الأمانة حق قدرها ويجعلها تحكم جميع التصرفات مما يوجب على المحاسب وغيره ممن يتحملون المسؤولية الاتصاف بالكفاية والأهلية، وعلى المحاسب في جميع تصرفاته وسلوكياته أن يقصد بعمله هذا طاعة الله تعالى ولا يستهدف الرياء أو السمعة أو تلقي المدح من الآخرين ، وينتج عن مراعاة الإخلاص وحفظ الأمانة أن لا يخضع المحاسب للمؤثرات أو الضغوط الخارجية ، بل يقوم بعمله امتثالا للالتزام الديني وأداءً للواجب المهني(جمعة،2000: 381) وبعبارة أخرى يعني ذلك أن يكون الشخص المكلف بكتابة التقرير أو العقد حياديا وان يكتب الحق كاملا دون نقص أو تحيز لفئة أو لطرف على حساب طرف آخر.
· السنة النبوية المطهرة
وردت أحاديث وروايات كثيرة تبين فضل وضرورة اللجوء إلى الكتابة والكتاب[49]من حيث استخدامها حجةً وسنداُ قانونياً وشرعياً ،وكذلك من حيث الاستعانة بها لتذكر شيء معين أو الاعتماد عليها لاتخاذ قرار أو موقف معين أو تعلم شيء معين ...وما شاكلته، وقد ورد عن الإمام علي(ع) أحاديث عدة تدعو إلى ضرورة الاهتمام بالكتابة شكلا ومضمونا وخاصة فيما يتعلق بكتابة الحقوق المالية وتوثيقها فقد كتب الإمام علي(ع) إلى عماله:"ادقوا أقلامكم وقاربوا بين سطوركم واحذفوا عني فضولكم واقصدوا قصد المعاني وإياكم والإكثار فان أموال المسلمين لا تحتمل الإضرار"( وسائل الشيعة ،ج13 :404)،وقد ورد عن أبي عبدالله الصادق(ع) قوله:"من الله على الناس برهم وفاجرهم بالكتاب والحساب ولولا ذلك لتغالطوا"( وسائل الشيعة ،ج13 :404)،كما ورد عنه (ع) قوله:" القلب يتكل على الكتابة" وقوله(ع) :" اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا" وأيضا :" اكتب وبث علمك في إخوانك.." (الكافي، ج1: 52)،كما بينوا عليهم السلام شروط تلك الكتابة ونوعية وخواص المعلومات والبيانات الواردة في تلك الكتب والتقارير والرسائل من حيث التأكيد والتشديد على الالتزام بالمعايير الأخلاقية والمبادئ الأساسية للتشريع المقدس كالعدل والصدق وحفظ الأمانة وعدم الخيانة أو طلب التعاون على نصرة الباطل يقول الرسول (ص) : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " "( البخاري،3/ 115)(مسلم، 6/8) ويقول أيضا:" أد الأمانة إلى من ائتمنك" ( الطبراني في المعجمين الكبير والصغير، فيض القدير 1/223)،ويقول الإمام علي (ع) :"العدل رأس الإيمان وجماع الإحسان " و :" حسن العدل نظام البرية " وكذلك :" من أفضل الاختيار وأحسن الاستظهار أن تعدل في الحكم وتجريه في الخاصة والعامة على السواء" (غرر الحكم : 446).
ويتبين مما سبق إن الأركان الثلاثة لإمكانية الاعتماد على المعلومات واعتبارها معلومات مفيدة لاتخاذ القرارات الاقتصادية المختلفة ،- نقول إن هذه الأركان - موجودة في التشريع الإسلامي وقد اقرها وبينها بأحكام وقواعد ومعايير واضحة وصريحة في مصادره الأساسية.
ج)الاستمرارية
تتطلب خاصية الاستمرارية من المحاسب أن يقوم بعمليات قياس الأحداث الاقتصادية وعرض المعلومات ذات الصلة وذلك على أساس إن الوحدة الاقتصادية مستمرة في ممارسة نشاطها وان عملية إنهاء هذا النشاط أو التصفية لن تتم حتى في المستقبل القريب، وقد ذكرنا إن تطبيق مبدأ الاستمرارية يبرر تطبيق العديد من الممارسات المحاسبية كاحتساب الاندثار على الأصول الثابتة ونحوها.
ونجد في مصادر التشريع الإسلامي ما يؤيد فرض الاستمرارية، بل انه يعتبر من الأبعاد الأساسية لموضوع خلافة الإنسان على الأرض ،قال الله تعالى:" يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله.." تلك الخلافة التي تعني إدارة شؤون الأرض و إعمارها والتصرف فيها، و إدارة الإنسان لنفسه وللكون المحيط به ،كما تعني مسؤولية الإنسان عن سلوكه وعمله تجاه هذه الأمور (الحكيم ،2003: 16) .
فهي خلافة لله تعالى في الأرض في السلوك والعمل في علاقة الإنسان مع الله تعالى ومع أخيه الإنسان ومع نفسه ومع الطبيعة والكون المحيط به ،وهي خلافة أيضا في عمارة الأرض واستثمارها من إنبات الزرع و إخراج الثمار والمعادن وتفجير المياه وشق الأنهار وغير ذلك (الحكيم ،2003: 62)، ومن المنطقي إن تلك الأمور لا تتم بدون عمل و إنما لابد من بذل الجهد والسعي الحثيث المستمر كما إنها لا تتم بين عشية وضحاها و إنما تستغرق وقتا طويلا نسبيا لظهور نتائج هذا العمل.
من جهة أخرى فان الاستمرارية في الإسلام تمثل وسيلة لتحقيق هدف وغاية سامية إلا وهي طلب الكمال والحصول على الحياة الحقيقة في الدار الآخرة، فتكامل الإنسان وحصوله على رضا الباري عز وجل لا يتم إلا باستمرارية الإنسان على القيام بالعبادات و الطاعات وفعل الواجبات والخيرات، فالغاية من خلق الإنسان العبادة " وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون" (الذاريات، 56)وان يفعل ما يستوجب به رحمة الله فيرحمه " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية" ( البينة، 7) وهناك العديد من النصوص والروايات التي تدل على هذه الخاصية.
· القران الكريم
قال الله تعالى في كتابه المجيد :" هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور" (الملك،15) ، تشير الآية المباركة إلى أن الأرض ذلول ومطيعة ومسخرة لخدمة الإنسان في جميع المجالات،فقد خلق الله الأرض للإنسان وقدر فيها الأقوات والأرزاق وجعلها طوع إرادته تستجيب لحوائجهم ومصالحهم ،كما تشير الآية إلى ضرورة السعي المتواصل في الأرض لطلب الرزق والحصول عليه، وإلا فسيكون الحرمان نصيب القاعدين والمتخلفين عن السعي ،لقد أناط الله تبارك وتعالى الحصول على الرزق وقضاء حاجات الإنسان ومصالحه بالسعي والعمل المتواصل، فقد شاءت حكمته أن يربط المسببات بأسبابها ،والنتائج بمقدماتها ،ومن خرج على هذه السنة فقد تمرد على سنة الله و إرادته (مغنية، 1981م: 378 ) ،فالسعي المتواصل والمستمر في العمل وطلب الرزق هو من مقدمات الحصول على الرزق وتحقيق المصالح وبلوغ الأهداف التي لابد بالضرورة إن تأخذ وقتا طويلا نسبيا ،وهذا معنى الاستمرارية ، كما يقول سبحانه في آية أخرى :" هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" (هود ،61) ،أي أوجدكم من الأرض ،واستعمركم فيها من العمران أي جعلكم تعمرونها ،وقد استعمل القران الكريم كلمة الاستعمار لتدل على إحياء الأرض وتعميرها ،واصل الاستعمار و الإعمار في اللغة يعني تفويض عمارة الأرض لأي كان ،وطبيعي إن لازم ذلك أن يجعل الوسائل والأسباب في اختيار من يفوض إليه إعمار الأرض تحت تصرفه ،ويفسر الشيرازي قوله تعالى( 1413هـ: 538): "واستعمركم فيها" بأنها إشارة إلى إن الوسائل معدة فيها لكل شيء و إنما عليكم الإعمار بالعمل والسعي الحثيث المتواصل ،وان توجدوا الخيرات من مصادرها ، لا حظ لكم من دون العمل والسعي الحثيث المستمر ،وهذا يبين لنا مفهوم الاستمرارية في العمل صراحة ودون لبس أو غموض ،كما تستفاد هذه الحقيقة ضمنا وهي انه ينبغي من اجل الإعمار أن يعطي المجال لأمة معينة وأن تترك الأعمال بأيديها وتجعل الأسباب والوسائل تحت تصرفها.
· السنة النبوية المطهرة
من الروايات المروية عن أهل البيت (ع) الدالة على فرض الاستمرارية والسعي المتواصل المستمر هو قول الإمام الحسن بن علي(ع):" اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا " وهذا الحديث يروى أيضا عن الإمام موسى بن جعفر(ع) (من لا يحضره الفقيه،ج3: 157)،وفي هذا الحديث إشارة إلى عدم جواز ترك الدنيا ووجوب الاجتهاد والسعي الحثيث والعمل المتواصل لطلب الرزق والكسب وعدم القعود والكسل ، وقد مر بنا قول الإمام علي (ع) إلى واليه مالك الاشتر(ع) :" ليكن نظرك في عمارة الأرض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج لان ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ،ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد واهلك العباد" ،بمعنى إن العمارة و الإعمار من شروط إدامة واستمرارية الحصول على الخراج (الإيرادات العامة )،والعمارة لا تدرك إلا بالعمل المستمر المتواصل والسعي الحثيث .
ومن الشواهد على تطبيق خاصية الاستمرارية في النظام المالي الإسلامي وفي التقارير المالية الإسلامية هي تبويب المال حسب أغراضه والانتفاع منه إلى نقود (أثمان) وعروض،حيث يقصد بالنقود المعاملة (المبادلة)بها في جميع الأشياء لا الانتفاع ، أما العروض فينعكس فيها تأثير فرض الاستمرارية فتنقسم إلى عروض قنية (أصول ثابتة) وعروض تجارة (أصول متداولة) ويعتمد التقسيم على أساس النية من اقتناء الأصل ،فالأصول المقتناة بهدف الاستعمال واستمرارية نشاط المشروع هي عروض القنية كالمباني والآلات والمعدات والأثاث ( العيساوي، 2003: 184).
د)الأهمية النسبية
تشير هذه الخاصية في المحاسبة الوضعية إلى درجة أهمية بند معين أو مجموعة من البنود طبقا لملاءمتها لاحتياجات مستخدمي القوائم والتقارير المالية،فيعتبر البند من المعلومات مهم نسبيا إذا كان إهماله أو أخذه بالحسبان سوف يؤثر على أو يؤدي إلى تغيير في التقدير الذي يتوصل إليه الشخص العادي الذي يعتمد على المعلومات (العادلي وآخرون،1986: 99). بمعنى إن تقدير تلك الأهمية سوف يؤثر على القرارات المتخذة من قبل المعني بالأمر ،وبالتالي يتطلب ذلك وضع أو تحديد - تقدير- الأهمية النسبية للمعلومات بشكل دقيق .
ولا يختلف التشريع الإسلامي مع ما سبق في إن لهذه الخاصية تأثير كبير على القرارات المختلفة المتخذة سواء أكان على صعيد الفرد أم الجماعة أم الأمة ،إلا إن التشريع وفي إطار معالجاته لكل أمور وجوانب الحياة الإنسانية المختلفة يجعل تلك المعالجات عبارة عن تفاعل بين الحاجات المادية والمعنوية(الروحية) وبشكل متوازن ،بحيث نظم الشارع المقدس سلوكيات وتصرفات الإنسان وطريقة اتخاذه للقرارات فحدد مستوى الأهمية بمعايير وقواعد ليست مادية فحسب و إنما بقواعد ومعايير روحية معنوية وبنفس مستوى المعايير المادية ،والتي نجدها في مصادر التشريع.
خاصية الأهمية النسبية في القرآن الكريم
نعود إلى الآية الكريمة (282) من سورة البقرة المباركة حيث يقول تعالى :"... ولا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا.." وقوله تعالى :" ولا يبخس منه شيئا" ،ويفسر السبزواري(قده) هذه الآية بقوله ( 1404هـ: 499 ) :"السام هنا بمعنى الملالة ،فالآية تؤكد على التثبيت في الديون وحقوق الناس وعدم التهاون فيها فإنها مظنة النزاع والضياع والمعنى لا تملوا عن كتابة الدين صغيرا كان أو كبيرا ذاكرين اجله وشؤونه ،و إنما قدم الصغير للاهتمام به أي لا تكون القلة مانعة عن الكتابة ". إن ذلك يعني ضرورة تدوين كل المعلومات المتعلقة بالآثار والنتائج التي تتركها المعاملة أو الحدث الاقتصادي على المتعاملين (المتعاقدين) خصوصا وعلى المجتمع عموما، فالشارع المقدس لم يحدد كون هذه المعلومات أن تكون مالية فقط ،أو إنها ذات قيمة مالية كبيرة ،و إنما يتوجب عرض كل المعلومات سواء أكانت صغيرة أم كبيرة ،وذلك يعني عرض حتى المعلومات المتعلقة بالآثار الاجتماعية والسياسية والبيئية ..الخ لتلك المعاملات كما مر ،ومن ثم يصبح من الأهداف الرئيسة للنظام المحاسبي الحكومي الإسلامي إظهار تلك الآثار والإفصاح عنها وعرضها على ذوي العلاقة،وهذا الأمر أكدته لجنة INTOSAI في تقريرها الصادر عام 1995 ، حيث ورد فيه " إن من الخصائص النوعية للمعلومات الواردة في التقارير المالية الحكومية أن تكون تلك المعلومات أساسية وهي المعلومات التي يتوقع أن تؤثر على الأنشطة التي يقوم بها مستخدمي المعلومات ، وقد تتوفر هذه الصفة في أحد البنود نظرا إلى حجمه أو إلى طبيعته".
ويبين القران الكريم الغاية والهدف من الكتابة والتسجيل الشامل للمعلومات الذي يتناول كل الجوانب الموضوعية ذات الصلة بالمعاملات والمعاوضات المالية، وذلك بقوله تعالى:" ذلكم اقسط عند الله و أقوم للشهادة و أدنى ألا ترتابوا" ، فالتشريع الإسلامي يؤكد ويشدد تكرارا ومرارا على إن الهدف الأسمى والأول الذي يريد تحقيقه هو إقامة العدالة الاجتماعية والاستقرار الاجتماعي للمجتمع الإسلامي وللبشرية جمعاء وليس مجرد تحقيق أهداف دنيوية رخيصة ، من خلال إقامة البينة والحق ودفع المنازعات والخلافات التي قد تنشا بين الناس، ولهذا فإن عرض المعلومات الشاملة لبسط الشفافية والوضوح ودفع الشك والغموض والريبة
ويلاحظ تطبيق مفهوم الأهمية النسبية في النظام المالي الإسلامي من خلال تصنيف الديون بحسب طبيعة استخدامها ،فالديون لشراء أصول متداولة تعتبر خصما متداولا والديون لشراء أصول ثابتة تعد خصما ثابتا وهذا ما تتطلبه محاسبة الزكاة ،أما في المحاسبة الوضعية فان تصنيف الديون يكون على أساس مدة السداد وفي بعض الأحيان نلاحظ ديونا كبيرة و أمدها طويلا هي لتمويل المخزون السلعي(العيساوي،2003: 235).
ه)الكلفــة – المنفعــة
إن تقدير التكلفة وربطها بالعائد مطبق بشكل أكثر اتساعا في النظام المالي الإسلامي،ويعتبر متطلبا حيويا يجب العناية به قبل تقدير النفقة سواء كانت عامة أو خاصة ،وسواء أكانت التكلفة مالية أم اجتماعية(الابجي،1990: 1200)،وتحرص الشريعة الإسلامية على استخدام الموارد بالشكل الذي يحقق العدالة الاجتماعية ويستوجب الشكر على النعمة وعدم كفرانها ،وقد تحدثنا عن أسباب المشكلة الاقتصادية كما حددتها الشريعة المقدسة التي تتمثل بظلم الإنسان وكفرانه للنعمة، وتضمنت مصادر التشريع مفاهيما ومبادئا وأحكاما حول ه\ه الخاصية وكالآتي:
· القرآن الكريم
قال الله تعالى :"الله الذي خلق السماوات والأرض وانزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار واتاكم من كل ما سألتموه وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار" (إبراهيم ،33-34) ،إن محو الظلم يكون من خلال وضع نظام توزيع عادل للثروات وعدم الإسراف والتبذير ،أما شكر النعمة فيكون من خلال تجنيد طاقات الإنسان و الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية المتاحة فالإسلام يؤكد بالدرجة الأولى على أهمية الدور الذي يلعبه الإنسان بحاجاته ورغباته وسلوكه ومدى التأثير الذي يمكن أن يحدثه هذا الدور في تحجيم كل جانب من جوانب المشكلة الاقتصادية،ويشمل ذلك الموازنة بين التكلفة والمنفعة.
إلا إن الموازنة بين الكلفة والمنفعة في النظام الإسلامي تحكمها قيود أو محددات معينة ،وهي المحددات أو الخصائص الأساسية للاقتصاد الإسلامي وهي الحرية الاقتصادية المحدودة وربط المصالح الاجتماعية بالدوافع الذاتية،فحرية الفرد في الإسلام حرية محددة بضوابط ومعايير أخلاقية وضعها التشريع المقدس بحيث لا تتعدى حريته أو تتجاوز على حرية الآخرين، كما إن منفعة الفرد ومصلحته الذاتية ترتبط بالمصالح الاجتماعية العامة التي أوجد الإسلام فيما بينها - بأسلوبه الفريد المتميز في التعامل مع البشر على جميع مستوى العلاقات- توافقا وانسجاما وتآلفا ،والتوازن والموازنة في كل أمور الحياة هي من سمات الإسلام الأساسية،يقول الله تعالى:" ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون" (الذاريات ،49)، ويقول سبحانه أيضا:" ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين" (الأنبياء،47).
· السنة النبوية المطهرة
نجد الإمام علي (ع) في كتابه إلى مالك الاشتر(رض) يقول :"... فان العمران محتمل ما حملته" حيث ترتبط هذه القاعدة العلوية بإحدى قواعد التشريع المالي الحديث التي مفادها : (تتحرى الحصيلة الكبرى بالنفقة الصغرى)،ومعناه انه يجب على الحكومة إن تتجنب الأعمال التي تجشمها النفقات الفاحشة لقاء فوائد تافهة ،وان تتحرى منافع الجباية التي تدر عليها خيرا كثيرا بإنفاق قليل (الفكيكي،2003: 214)،وقال ابن خلدون في مقدمته(واعلم إن السلطان لا ينمي ماله ولا يدر موجوده إلا الجباية وإدرارها إنما يكون بالعدل في أهل الأموال والنظر لهم بذلك ،فبذلك تنبسط آمالهم وتنشرح صدورهم للأخذ في تثمير الأموال وتنميتها فتعظم منها جباية السلطان ،و أما غير ذلك من تجارة أو فلح فإنما هو مضرة عاجلة للرعايا وفساد للجباية ونقص للعمارة )[50] ، فالمنفعة وعلاقتها بالتكلفة في النظام المالي الإسلامي مقيدة بأحكام الشريعة الإسلامية ،والمنفعة المادية ليست المعيار الوحيد للمقارنة بالتكلفة بل هناك المنفعة المعنوية والأخلاقية ومراعاة ما تجيزه وما لا تجيزه الشريعة المقدسة ،إلا إن المعلومات المحاسبية تبقى منفعة غير قابلة للقياس ،وعندما تتعارض منفعة المعلومة المحاسبية مع ما هو محرم فان قياسها (حتى لو كان ممكنا) يصبح غير ذات أهمية لان زيادة المنفعة على التكلفة لا تبرر الاستفادة من المعلومة المحاسبية (العيساوي، 2003: 231).
الخصائص النوعية الأخرى للمعلومات
فيما يتعلق بقابلية المعلومات المحاسبية على إجراء المقارنات فهي من الأمور المنطقية التي يمكن التوصل إليها من قوله تعالى :" كما علمه الله" ،أي إن الكاتب(المحاسب) عليه أن يتقيد بإجراءات وأساليب معينة حددتها الشريعة المقدسة في تدوين وتسجيل هذه المعلومات ،ويعني ذلك ضمناً التقيد بمبدأ الاتساق (الثبات) الذي يمكن من خلاله إجراء المقارنات المنطقية.
مما سبق يتضح إن الخصائص النوعية للمعلومات المحاسبية الواردة في التقارير المالية الحكومية والتي حددتها لجنة INTOSAI موجودة في التشريع الإسلامي بمصادره الأساسية ،إلا إن التشريع المقدس لم يكتف بتناول الجوانب المادية والكمية لهذه المعلومات فحسب و إنما تناولها بنظرة شمولية بحيث امتدت نظرته ومعالجته لها لتشمل الجوانب الروحية والمعنوية والأخلاقية للمعلومات.
4) تحقيق أهداف التقارير المالية الحكومية
تناول هذا البيان ثلاثة مواضيع ضرورية لتحقيق أهداف التقارير المالية الحكومية وهي: تعريف الوحدة المسئولة، وتحديد الأسس المحاسبية، والتعاريف الخاصة بالأصول والخصوم والإيرادات والنفقات والتعرف عليها وقياسها ،كما حدد هذا البيان أربعة تقارير رئيسة لتحقيق هذه الأهداف وهي: تقرير المطابقة وتقرير الأداء والتقارير المالية الخاصة بالدوائر الحكومية والكشوف المالية العامة،وسنقتصر هنا على بحث موضوع المعايير الرقابية باعتبارها من الوسائل الأساسية اللازمة لتحقيق أهداف التقارير المالية الحكومية.
تتكون المعايير الرقابية للجنة INTOSAI من أربعة أجزاء هي[51]
1- المبادئ الأساسية
2- المعايير العامة
3- المعايير الميدانية
4- معايير إعداد التقارير
وفيما يلي استعراض سريع لهذه الأجزاء:
أولا: المبادئ الأساسية
وهي عبارة عن افتراضات أساسية ومنطلقات متسقة ومتطلبات ومبادئ منطقية تساعد كلها على تطوير المعايير الرقابية وتساعد المدققين في تكوين آرائهم وصياغة تقاريرهم خاصة في الحالات التي لا توجد فيها معايير محددة، وتنص المبادئ الرقابية الأساسية على :
1. إن الجهاز الأعلى للرقابة عليه أن يتابع تطبيق المعايير الرقابية INTOSAIفي جميع المسائل التي يتم تعريفها بأنها هامة .
2. يصدر الجهاز الأعلى للرقابة حكمه الخاص على المواقف المختلفة التي تطرأ خلال عملية الرقابة الحكومية .
3. إن زيادة الوعي العام الذي أدى إلى أن يكون الطلب على المساءلة العامة على الأفراد أو على الهيئات التي تدير الموارد العامة أصبح أكثر وضوحا بحيث ازدادت الحاجة إلى عملية المساءلة والى تشغيلها بصفة فعالة.
4. إن تطوير أنظمة ملائمة بخصوص المعلومات والمراقبة والتقييم وصياغة التقارير داخل الحكومة يسهل عملية المساءلة حيث تكون الإدارة مسئولة عن صحة وكفاية شكل التقارير المالية ومحتواها وعن غيرها من المعلومات.
5. إن سن القوانين يسهل تعاون الهيئات الخاضعة للرقابة في الحفاظ على كافة البيانات الملائمة الضرورية لإجراء تقييم شامل للأنشطة قيد الرقابة وفي توفير إمكانية الوصول إليها.
ويشمل النطاق الكامل للرقابة الحكومية رقابة الأداء والرقابة النظامية ، وتشمل الرقابة النظامية:
· شهادة المساءلة المالية للهيئات المسئولة ،ويتضمن ذلك فحص السندات المالية وتقييمها وإبداء الرأي بخصوص البيانات المالية .
· شهادة المساءلة المالية للإدارة الحكومية بكاملها.
· رقابة الأنظمة والمعاملات المالية بما في ذلك تقييم مطابقتها للقوانين واللوائح السارية .
· رقابة المراقبة الداخلية والوظائف الرقابية الداخلية.
· رقابة أمانة ولياقة القرارات الإدارية المأخوذة داخل الهيئة الخاضعة للرقابة.
· إعداد التقارير بشان أي مسائل أخرى تنجم عن عملية الرقابة أو تتعلق بها .
أما رقابة الأداء فهي تهتم برقابة الاقتصاد والكفاءة والفاعلية وتتضمن :
· رقابة اقتصاد الأنشطة الإدارية وفقا للمبادئ والممارسات الإدارية السليمة ورقابة السياسات الإدارية.
· رقابة كفاءة استخدام الموارد البشرية والمالية وغيرها ،بما في ذلك فحص أنظمة المعلومات وإجراءات الأداء وترتيبات الأشراف والإجراءات التي تتبعها الهيئات الخاضعة للرقابة لعلاج النقائص التي يتم التعرف عليها .
· رقابة فعالية الأداء فيما يتعلق بتحقيق أهداف الهيئة الخاضعة للرقابة ورقابة التأثير الفعلي للأنشطة مقارنة بالتأثير المقصود.
ثانيا: المعايير العامة في الرقابة الحكومية
وهي معايير تصف المؤهلات التي ينبغي أن تتوفر لدى المدقق أو المؤسسة الرقابية ،حتى يتسنى لهما تنفيذ المهام المتعلقة بالمعايير الميدانية والمعايير الخاصة بإعداد التقارير بطريقة كفء وفعالة ،وهي تتبنى عدة سياسات وإجراءات تتعلق ب:
1. انتداب الموظفين ذوي المؤهلات المناسبة.
2. تأهيل وتدريب موظفي الجهاز الأعلى للرقابة لتمكينهم من أداء مهامهم بصورة فعالة .
3. إعداد الكتيبات وغيرها من الأدلة والتعليمات المكتوبة المتعلقة بتنفيذ العمليات الرقابية.
4. تدعيم المهارات والخبرات المتوافرة داخل الجهاز الأعلى للرقابة .
5. مراجعة الكفاءة والفعالية المتعلقتين بالمعايير وبالإجراءات الداخلية للجهاز الأعلى للرقابة.
وتتضمن المعايير العامة بالنسبة إلى الأجهزة العليا للرقابة ما يلي:
v تبني سياسات وإجراءات لتطوير وتدريب الموظفين ليتمكنوا من أداء واجباتهم بصورة فعالة وان يحدد أسس ترقية المدققين وغيرهم من الموظفين.
v تبني سياسات وإجراءات لإعداد توجيهات وغيرها من الأدلة والتعليمات المكتوبة المتعلقة بتنفيذ العمليات الرقابية.
v تبني سياسات وإجراءات لمراجعة كفاءة المعايير وفعاليتها وكذلك الإجراءات الداخلية للجهاز الأعلى للرقابة.
v كما تتضمن معايير ذات أهمية أخلاقية كالاستقلالية وعدم تضارب المصالح وإبداء العناية اللازمة عند تخطيط الإثباتات وتحديدها وجمعها وتقييمها وفي إعداد التقارير بشان النتائج والاستنتاجات والتوصيات.
ثالثا: المعايير الميدانية في الرقابة الحكومية
تهدف المعايير الميدانية إلى تحديد المقاييس أو الإطار الشامل للخطوات والأفعال المتوازنة والمنظمة والهادفة التي ينبغي أن يتبعها المدقق،وتحدد هذه المعايير الإطار لتأدية العمل الرقابي و إدارته ،كما أن لها علاقة بالمعايير الرقابية العامة التي توضح المتطلبات الأساسية للقيام بالمهام التي تغطيها المعايير الميدانية، كما ترتبط هذه المعايير بمعايير صياغة التقارير والتي تغطي أوجه الاتصالات الخاصة بالرقابة،حيث تشكل نتائج تنفيذ المعايير الميدانية المصدر الأساسي لمحتويات التقرير أو الرأي. وتتضمن المعايير الميدانية سياسات وإجراءات تتعلق بالتخطيط للعملية الرقابية بصورة اقتصادية وفعالة ،والإشراف على عمل الموظفين الرقابيين في كل مستوى وفي كل مرحلة من مراحل العملية الرقابية،وكذلك دراسة وتقييم مصداقية المراقبة الداخلية عند تحديد مدى المراقبة ونطاقها ،ومطابقة تلك المعايير مع القوانين واللوائح المتبعة.
رابعا: معايير صياغة التقارير في الرقابة الحكومية
يهدف هذا المعيار إلى مساعدة المدقق على الحكم الحذر عند تكوين رأي أو إعداد تقرير وليس أن يحل محله، ويتضمن ذلك رأي المدقق وغيره من الملاحظات المتعلقة بمجموعة من البيانات المالية نتيجة لرقابة نظامية (مالية) وكذلك تقرير المدقق عند الانتهاء من رقابة الأداء.
هذا ملخص لما ورد في تقرير لجنة الأنتوساي حول المعايير التي تحكم العملية الرقابية ،ومما لاشك فيه إن الرقابة بأنشطتها واتجاهاتها المتنوعة ضرورة لابد منها في أي مجتمع إنساني ،لأنها تمثل القواعد والإجراءات التي تعتمد لضمان السيطرة على تصرفات وسلوكيات الأفراد،وبخاصة فيما يتعلق بالأنشطة الاقتصادية والمالية والإدارية التي ينجم عنها تبعات مالية.
وفي هذا السياق ،تخضع أنشطة الوحدات الحكومية الخدمية أيضا لأنشطة الرقابة المختلفة ،والرقابة بشكل عام عبارة عن "وسيلة يمكن بواسطتها التأكد من مدى تحقيق الأهداف بكفاية وفاعلية في الوقت المحدد لها وهي بذلك تستهدف قياس الجهد بالنسبة للأهداف المراد تحقيقها"(الجوهر،1999: 14)، فهي بذلك ضرورة لا غنى عنها لاستكمال ومتابعة إنجاز الأعمال بدقة وفاعلية ,كما تعد الرقابة على المال العام أحد الأنظمة الفرعية لنظام المحاسبة الحكومية، الذي يهتم بالرقابة على المال العام ، ومفهوم الرقابة على الأموال العامة يتعلق بالوظيفة التي تقوم بها وحدات حكومية أو غير حكومية من أجل تتبع المال العام وحراسته وحفظه، استنادا إلى مرجعية تشريعية،وتعتبر الرقابة وظيفة من وظائف المحاسبة الحكومية ،لا تكتمل الأخيرة إلا بوجود هذه الوظيفة(احمرو،2003: 219). ومع تطور الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية ظهرت ثلاثة اتجاهات للرقابة (خرابشة،1990: 1303):
الاتجاه الأول: يهتم بالجانب الوظيفي للرقابة ،وتمثل الرقابة هنا أداة للتحقق من تنفيذ الأهداف المقررة والتعليمات الصادرة والمبادئ المعتمدة ،فهي تكشف عن مدى الالتزام بالخطط الموضوعة و تقوم بمعالجة الأخطاء إن وجدت وتحاول تجنبها ،وتقسم الرقابة طبقا لذلك إلى:
أ- الرقابة المالية: وغرضها الحفاظ على الأموال العامة من السرقة والاختلاس وصيانتها من الهدر والضياع.
ب- الرقابة على الأداء : وغايتها التأكد من تحقيق الأهداف الموضوعة و عدم الانحراف عن معدلات الأداء المنصوص عليها في الخطة.
ت- الرقابة على الكفاية : وهدفها التعرف على فرص تحسين معدلات الأداء المرسومة وما يتبع ذلك من إدخال التعديلات في الخطة.
الاتجاه الثاني: يهتم بالرقابة من حيث كونها إجراءات تتعلق بمتابعة الأهداف ،وهي تتضمن الإجراءات الآتية:
أ- تقييم الكفاية
ب- مقارنة الكفاية الفعلية بأهداف الخطط والسياسات والمعايير الموضوعة
ج- تحليل الانحراف عن هذه الأهداف والسياسات والمعايير
د- اتخاذ الإجراء التصحيحي نتيجة للتحليل
ه- متابعة فاعلية الإجراء التصحيحي
و- مد عملية التخطيط بالحقائق لتحسين مستويات الأداء مستقبلا
وفيما يتعلق بالرقابة من خلال الموازنة فتكون كالآتي:
1. وضع الموازنة المقدرة
2. نشرها والتعريف بها
3. وضع معايير التنفيذ
4. المقارنة بين مستويات التنفيذ الموضوعة والمحققة
5. وضع التقارير الخاصة بذلك
6. القيام بالإجراءات التصحيحية
الاتجاه الثالث: فيهتم بالأجهزة التي تقوم بالرقابة والفحص والمتابعة وجمع المعلومات وتحليل النتائج ،وهذه الأجهزة تقوم بمجموعة من العمليات للتأكد من تحقيق الوحدات لأهدافها بكفاية ،مع إعطاء هذه الأجهزة سلطة التوجيه باتخاذ القرارات المناسبة.
الرقابة على الأموال العامة في التشريع الإسلامي
كما قلنا تمثل الرقابة في أي مجتمع إنساني ضرورة لا غنى عنها ،فبواسطة أنشطة الرقابة المتنوعة على المجتمع يدفع عدوان الناس بعضهم عن بعض ويدرأ عنهم المفاسد ويجلب لهم المنافع ،وتتأكد هذه الضرورة في التشريع الإسلامي ،وذلك لتضمنه مجموعة من الأحكام والقواعد الشرعية التي لا يتصور تنفيذها دون وجود جهة مسئولة ومشرفة عليها تأخذ بها وتعمل على تنفيذها .
فالقران الكريم ،يتضمن أحكام الحدود كقتل القاتل وقطع يد السارق ومعاقبة الذين يسعون فسادا- أي يخلون بأمن الدولة والمجتمع- وغيرها من العقوبات التي لا يتصور تطبيقها إلا بوجود دولة وحكم وجهة مشرفة ومتابعة لهذا الأمر ،،كما إن القران الكريم يتضمن أحكاما مالية تتعلق بالنفقة الواجبة بين الأقارب وبالميراث وتوزيعه وبالزكاة والخمس وطرق صرفهما ،ولا يتصور أن تكون هذه الأحكام ملزمة لمن تجب عليهم إلا إذا كان ثمة سلطة مجبرة تلزمهم جبرا إذا امتنعوا عن أداء ما عليهم من حقوق واجبة ،بل إن أحد مصارف الزكاة (العاملين عليها) وهم الذين يجمعونها والذين يتولون توزيعها ،والعامل في الاصطلاح الإسلامي هو الموظف في اصطلاحنا ،ولا يتصور وجود هؤلاء إلا في جهاز دولة قائمة تتخذ من القواعد المالية أساسا وتعمل على تطبيقها وتنفيذها (المبارك،1997 :20)،كما تضمن القران أحكاما وتوجيهات تتعلق بواجبات الحكام ومسئولي الدولة كقوله تعالى:" إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس إن تحكموا بالعدل"(النساء،58-59)،فهذه الآية المباركة تمثل أمرا إلهيا بضرورة توصيل جميع ما أتمن عليه المؤمنون من الله أو من الناس إلى أصحابها ،فضلا عن أحكام وقواعد تشريعية أخرى.
لهذا فان ولاية أمر الناس في النظام الإسلامي من أعظم الواجبات ،لأنه لا قيام للدين إلا بها ،وقد حرص الإسلام على تأكيد هذه الحقيقة(عبد الوهاب،1984 : 250)،فقد أكد الرسول الأكرم (ص) ضرورة تنظيم الجماعة أي جماعة بقوله(ص):" لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم" (مسند احمد،5:م)،ويقول (ص) أيضا:" إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا عليهم أحدهم" (أبو داود،6:م) ،ويعني ذلك انه إذا كان الإسلام يوجب بذلك إقامة الولاية أو السلطة في اقل الجماعات واقصر الاجتماعات ،كان هذا تأكيدا على وجوب ذلك فيما هو اكبر من الجماعات والاجتماعات وقد اقتضى قيام الدولة الإسلامية أن يكون لها تنظيمها الإداري وجهازها الإداري والمالي والمحاسبي الذي يضطلع بتنفيذ سياساتها العامة والقيام على تطبيق وتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية بين الناس ،والمحافظة على الشريعة الإسلامية في المجتمع الإسلامي(عبد الوهاب،1984: 250).
وعليه فان وجود سلطة مراقبة ومتابعة سياسات الدولة وخاصة المالية منها وما يتعلق بأموال الدولة وأموال المسلمين عامة هو أمر مؤكد ولازم لتحقيق أهداف النظام الإسلامي المتمثلة بإقامة العدل والقسط عامة ونشرهما في المجتمع الإسلامي ،واحد أدوات إقامة العدالة الاجتماعية المحافظة على أموال المسلمين من سوء التصرف وصيانتها وتنميتها وحفظ حقوق الناس ومتابعة ومراقبة تنفيذ الأحكام والقواعد المعنية بهذا الأمر.
وقد وردت العديد من التوجيهات المتعلقة بالرقابة في الإسلام، بل إن التشريع الإسلامي لم يضاهه ولم يجاره أي نظام وضعي ، فهو قد شدد على أهمية الرقابة وضرورتها ليس فيما يتعلق بتأدية العمل ظاهره وإنما تعداها لتشمل كل حركات و سكنات الإنسان ،وكل فعل أو قول أو حتى ولو مجرد خاطرة ،واعتبر أن كل عمل يكلف به الإنسان إنما هو أمانة في يده وعنقه مطالب أن يؤديها كما يجب ،وعليه أن يؤدي حقها (أبو العينين، 2002: 257)،ويعتقد أن الكثير من المفاهيم والأنواع والمبادئ المتعارف عليها حديثاً ،كان قد تم الأخذ بها من قبل أجهزة الرقابة المالية في الدولة الإسلامية عبر عصورها المختلفة، وأن أهم ما يميز أجهزة الرقابة المالية في الدولة الإسلامية هو أنها كانت بنظر الاعتبار – وبشكل كبير – العوامل السلوكية والنفسية والروحية التي توجد في دواخل الإنسان ، من خلال افتراض إدراك الفرد لرقابة الله
(عز وجل) وكذلك رقابته الذاتية لنفسه ، فضلا عن العوامل الأخرى التي غالباً ما تؤكد عليها الدراسات الحديثة في مجال الرقابة المالية(يحيى وأيوب،1427هـ)[52]. لذا نلاحظ أن الرقابة في الإسلام تتميز بتنوع تطبيقاتها واتجاهاتها ،فهي لم تقتصر على رقابة الدولة ،أو رقابة أجهزة الدولة ،وإنما شملت حتى رقابة الفرد لنفسه ،وقد أوضح القران الكريم والسنة النبوية المطهرة القواعد العامة التي وضعت أسس الرقابة ،ويمكننا أن نلاحظ الكثير من النصوص والروايات الواردة بهذا الشأن .
· القران الكريم
من الآيات التي تشير إلى الرقابة قول الله تعالى:" إن الله كان عليكم رقيبا" (النساء، 1) فهنا تنبيه رباني لكل الناس وحيثما وجدوا وأيا كانت الأعمال التي يعملونها ،بأن الله دائم الرقابة عليهم ،ولا تخفى عليه خافية من أمورهم وأنه سوف يجازيهم عليها ،فإذا ما وضع الإنسان هذه الآية نصب عينيه فلن يحتاج إلى مراقب من البشر عليه لأنه يعلم أن الله مطلع على عمله وأنه سبحانه لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، ويقول أيضا:" والله بما تعملون بصير" (آل عمران، 156)وأيضا :"ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" (ق، 18).
يقول الله تعالى:" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ،ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" (آل عمران، )104،كما يقول عز شانه :"كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " (آل عمران،110) .
إن في هذه الآيات المباركات دعوة إلى الحق ومكافحة الفساد ،فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما بمثابة غطاء وقائي اجتماعي لحماية الجماعة وصيانتها ،أما فقدانهما فانه يفسح المجال للعوامل المعادية للوحدة الاجتماعية بأن تنخرها من الداخل وتأتي على كل جذورها كما تفعل الأرضة ،ولهذا لابد من مراقبة مستمرة ورعاية دائمة لهذه الوحدة ولا يتم ذلك إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،كما إن هذا الأمر يعتبر من مسؤولية الأمة بما هي أمة حيث يجب عليها أن تقوم بمعالجة كل الاعوجاجات والانحرافات الاجتماعية وتضع حدا لها بالتعاون بين أفرادها وأعضائها كافة .
يقول الشيرازي(1413هـ.ق: 477 ): "إن وجود هذين النوعين من مكافحة الفساد والدعوة إلى الحق يعتبران بحق من أهم التعاليم التي تتوج القوانين الإسلامية ،كما ويكشف عن سياسة تقسيم الواجبات والوظائف وتوزيع الأدوار في الدولة الإسلامية ،وعن لزوم تأسيس (فريق المراقبة) للنظارة على الأوضاع الاجتماعية والمؤسسات المختلفة في النظام الإسلامي " .وقد مر بنا في الفصل السابق نظام الحسبة ودوره في النظام الإسلامي ،حيث كان يقوم بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المستوى الاجتماعي في البلاد الإسلامية ،ويسمى القائم بهذه المهمة"المحتسب" الذي يقوم وبالتعاون مع موظفي دائرته (دائرة أو جهاز الحسبة)بمكافحة كل فساد في المجتمع أو كل فساد وظلم في أجهزة الدولة إلى جانب ما يقوم به من تشجيع الناس على الخير والحث على المعروف.
· السنة النبوية
كما نلاحظ ورود أحاديث عديدة عن النبي الأكرم(ص) ،تحث على القيام بهاتين الفريضتين (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ،يقول النبي(ص):" من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسول الله وخليفة كتابه" ويقول :" لتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم سلطانا ظالما لا يجل كبيركم ولا يرحم صغيركم ،وتدعو خياركم فلا يستجاب لهم وتستنصرون فلا تنصرون ، وتستغيثون فلا تغاثون وتستغفرون فلا تغفرون"، وذلك لان ترك النظارة العامة على ما يجري في المجتمع يلازم خروج الأمر من قبضة الصالحين والإفساح للأشرار بان يتسلموا أزمة الأمور ومقدرات المجتمع ويحكموا فيه بأهوائهم ،فيقع ما يقع من الماسي وتصاب الجماعة بما ذكره الحديث المتقدم من المفاسد والتبعات، ويقول الإمام علي (ع):" وما أعمال البر كلها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثه في بحر لجي"، كما يقول الإمام الباقر(ع) :" إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض و تأمن المذاهب وتحل المكاسب وترد المظالم وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر ".
إن كل هذه التأكيدات إنما هو لكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الرقابة بمصطلحنا الحاضر) خير ضمان لإجراء وتنفيذ بقية الوظائف الفردية والاجتماعية ،و لأنهما بمثابة الروح لها ،فبتركهما تندرس كل الأحكام والقيم الأخلاقية وتفقد قيمتها وتجد طريقها إلى الاختفاء عن حياة المجتمع ،فالرقابة لها دور كبير في النظام الإسلامي عامة ،والنظام المالي الإسلامي خاصة ،من حيث المحافظة على تنظيم جباية الأموال وضمان صرفها وتوزيعها في مواضعها المخصصة لها وفق الأحكام الشرعية. ويرى الدكتور كاشف الغطاء أن نظام الرقابة المحاسبي في الإسلام له ثلاثة أركان أساسية هي[53]:ـ
1. النظام الرقابي الاجتماعي العام ، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يعتبر فرض من فروض الإسلام.
2. النظام الرقابي الحكومي، ويتمثل بنظام الحسبة الذي يقوده المحتسب المعين من قبل الحكومة الإسلامية ( سبق شرح نظام الحسبة في الفصل الثاني).
3. النظام الأخلاقي الإسلامي الذي يعتبر الأخلاق جزء من المنظومة العقائدية للفرد المسلم.
صور الرقابة في النظام المالي الإسلامي
1)الرقابة المالية والمحاسبية
يتمثل الغرض العام للرقابة المالية والمحاسبية في المحافظة على الأموال العامة من سوء التصرف ،أي إنها تستهدف ضمان سلامة التصرفات المالية والكشف الكامل عن الانحرافات ومدى مطابقة التصرفات المالية مع القوانين والقواعد النافذة،وقد عرفت الدولة الإسلامية الرقابة المالية والمحاسبية ،وتعرف الرقابة المالية والمحاسبية في التشريع الإسلامي بأنها" الرقابة على طرق الكسب والموارد المالية وطرق التصرف فيها أو إنفاقها ضمن إطار الشريعة الإسلامية"(السامرائي، 1991: 186)كما تعني الاطمئنان على صدق تنفيذ الأهداف الاقتصادية المرسومة من قبل الشارع من جانب سلطة أعلى لها هذا الحق ،وكذلك الإشراف والفحص والمراجعة للتأكد من حسن استخدام الأموال في الأغراض المخصصة لها ،ومتابعة الممارسات الخاطئة المرتبطة بالمال من أجل تقويمها وتصحيحها (السامرائي، 1991: 186)،وتدخل في ذلك كله مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي كانت تسمى "ولاية الحسبة" التي كانت تقوم مقام جهاز الرقابة في إدارة الاقتصاد الإسلامي كما مر بنا ،إذ يعتبر نظام الحسبة الأساس في الرقابة المالية والمحاسبية في الاقتصاد الإسلامي[54] ،حيث يعتبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو المحتسب الأول في الدولة الإسلامية الذي كان يطوف الأسواق ليطلع على أحوالها، وكذلك كان الخلفاء الراشدون وباقي الخلفاء المسلمين من بعده "فإذا ما شغلوا عنها بإدارة شؤون الأمة وتجهيز الجيوش أسندوها إلى من يثقون به من المسلمين، فضلا عن أن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده الخلفاء الراشدين والخلفاء المسلمين من بعدهم كل يقوم بنفسه باستيفاء الحساب على العمال (المحصلين) فيما بينهم على المستخرج (الإيرادات) ونفقات جباتها ، ويوضع في بيت المال صافي القيمة المحصلة لتوزيعها على المستحقين ويلاحظ أن مفهوم الرقابة المالية في الإسلام هو مفهوم شامل للرقابة بمفهومها العام، وعلى هذا الأساس يمكن القول أن الأنظمة الرقابية في الإسلام قد شهدت ممارسة العديد من أنواع الرقابة المالية التي تتشابه – إلى حد بعيد – الأنواع المتعارف عليها في الوقت الحاضر والتي يمكن تقسيمها إلى مجاميع رئيسية ثلاث هي :الرقابة المالية من حيث التوقيت ،و الرقابة لمالية من حيث الجهة التي تتولاها ، و الرقابة المالية من حيث طبيعتها (يحيى وأيوب،1427هـ)[55].
وهناك الكثير من الشواهد والمظاهر حول أنواع وأساليب هذا النوع من الرقابة التي تم تطبيقها حينه ،واهم هذه المظاهر الآتي:
أ. وضع قواعد خاصة لعملية جباية الأموال وكيفية التصرف بها ومحاسبة المسئولين في ضوء هذه القواعد (الجوهر،1999: 10) ، حيث يتم محاسبة عمال الجباية على ما قاموا بتحصيله من إيرادات عامة أنيط بهم تحصيلها،إذ يلزم أن يقدم عمال الخراج حساب بهذه الإيرادات على أن يقوم كاتب الديوان بمحاسبتهم على صحة ما قدموه (الابجي،1990: 1187) ،وكان النبي(ص) أول من وضع هذه القواعد فعدد إيرادات الدولة ووضع مقادير الزكاة والجزية وكيفية تحصيلها ، كما بين طرق الإنفاق العام و أحكامه وكان يبعث إلى الأقاليم بأمرائه وعماله على الصدقات ويوضح لهم طرق هذه القواعد والأحكام ،كما كان (ص) يحاسبهم على المستخرج (الإيرادات) والمنصرف منها وكيفية ذلك (الجوهر،1999: 10)،وهكذا كان يفعل الإمام علي(ع)حيث نراه يوصي من يستعمله على الصدقات (جباية الزكاة) بجملة من المواعظ والقواعد الخاصة بعمله ،حيث يقول :"انطلق على تقوى الله وحده لاشريك له ولا ترو عن مسلما ولا تجتازن عليه كارها ولا تأخذن منه اكثر من حق الله في ماله، ...، ولا تأخذن عودا ولا هرمة ولا مكسورة ولا مهلوسة ولا ذات عوار،ولا تامنن عليها إلا من تثق بدينه رافقا بمال المسلمين حتى يوصله إلى وليم فيقسمه بينهم ولا توكل بها إلا ناصحا شفيقا وأمينا حفيظا غير معنف ولا مجحف ولا ملغب ولا متعب ثم احدر إلينا ما اجتمع عندك نصيره حيث أمر الله به،..."(نهج البلاغة ،ج3 :23)،ونلاحظ من هذه الوصية إن الأمام (ع) قد حدد لعامله القواعد والإجراءات الخاصة بجباية الزكاة ،وفي هذا السياق أيضا ،يقول (ع)في عهده إلى مالك الاشتر(رض):" .. وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فان في صلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم ،ولا صلاح عن سواهم إلا بهم ،لان الناس كلهم عيال على الخراج و أهله.." (نهج البلاغة ،ج3: 96 ).إن لفظ تفقد بمعنى الإشراف وهو يتم أولا بالمراقبة لمعرفة ما يجري في أمر الخراج ،كما ويضع الإمام معيارا هو إن الخراج يجب أن يكون مناسبا بحيث يصلح أهله ،فإذا اختل هذا الميزان كانت النتيجة فساد حال الناس ،حينذاك لابد له من التدخل لإصلاح هذا الخلل ،وهذا هو معنى الإشراف والرقابة بالمنظور الإداري الحديث ،واحد طرق الإشراف والرقابة هو مساءلة الناس عن عمل الموظفين وسلوكهم ومدى قيامهم بأداء الواجب. بعث أمير المؤمنين (ع) برسالة إلى أحد ولاته يأمره فيها :" أما بعد فاستخلف على عملك واخرج طائفة من أصحابك حتى تمر بأرض السواد كورة بعد كورة فتسألهم عن عمالهم وتنظر في سيرتهم" (الموسوي، 1998: 133).
ب. إنشاء أجهزة متخصصة تتولى عملية الرقابة ، حيث يتم تخصيص جهاز رقابي للتفتيش على عمال الجباية ،فيتم إرسال مراقب للتفتيش عنهم ومعاقبتهم عند الإخلال بواجباتهم ،وقد ورد عن الرسول (ص) انه كان يرسل مفتشا يكشف عن أحوال هؤلاء العمال ومدى إتباعهم لأوامره عند جباية المال وإنفاقه(الابجي،1990: 1187)،يقول الإمام علي (ع) في عهده إلى الاشتر :"...ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم فان تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق في الرعية ،وتحفظ من الأعوان فان أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت العقوبة في بدنه ،و أخذته بما أصاب من عمله ،ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة"(نهج البلاغة،ج3: 96 )،ويمكن اعتبار العيون بمثابة جهاز للمحاسبة والمراقبة والتدقيق في وقتنا الحاضر. إن القول السابق للإمام (ع) يدل على صحة تشكيلات دوائر التفتيش والرقابة وحتى دوائر التحقيقات الجنائية التي تقوم الحكومات الحالية بتأسيسها كدائرة التفتيش الإداري والمالي والعدلي والعسكري و الطابو ودائرة ضباط الشرطة،حيث إن المراقبة السرية والعلنية على سيرة الموظفين وتصرفاتهم تدفعهم وتسوقهم إلى تصحيح سلوكهم واعوجاجهم والقيام بوظيفتهم وهي (الأمانة) خير قيام ،كما تساق الإبل من قبل حاديها وراعيها إلى السير في الأرض المستوية الصالحة ،وقد بين (ع) وجوب محاسبة الأعوان والموظفين عما يجترحونه من ارتكاب الخيانة في تصرفاتهم السيئة الشائنة ،وهذه التعليمات العالية السديدة التي مر على وضعها أكثر من أربعة عشر قرنا، نراها واضحة وملموسة في قانون انضباط موظفي الدولة (العراقي)لسنة(1936) في المادة السادسة منه(الفكيكي، 2003: 142).
ج. التأكيد على السمات الشخصية للأشخاص المسئولين في أعمال الرقابة ووضع نظام لمحاسبتهم بعد أن يتم عزلهم ،وقد مر بنا قول الإمام علي(ع) إلى واليه مالك الاشتر (رض) حول طريقة انتخاب الموظفين وفصلهم ،وخاصة عمال الخراج والصدقات (الإيرادات) حيث يقول (ع):"ثم انظر في أمور عمالك ،فاستعملهم اختبارا ولا تولهم محاباة وأثرة فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة ،وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة ،والقدم في الإسلام المتقدمة ،فإنهم أكرم أخلاقا واصح إعراضا واقل في المطامع إشرافا وابلغ في عواقب الأمور نظرا ، ثم أسبغ عليهم الأرزاق فان ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا أمانتك "(نهج البلاغة،ج3: 95 )، لقد لفت الإمام (ع) نظر مالك الأشتر (رض) إلى كيفية انتخاب(اختيار) موظفيه ،فقد أرشده إلى الطبقات التي ينتقي أشخاصهم من صفوتها ويرشحهم للمناصب اللائقة بهم بعد اختبارهم وان لا يوليهم محاباة لهم ولمن يشفع فيهم ولا أثرة ولا إنعاما عليهم ، ثم اشترط أن يختارهم من المجربين لان التجربة هي الأصل الأكبر لكفاءة الموظف في إتقان العمل و أداء الواجب الذي يعهد إليه وهي دليل علمه بالأعمال والولايات التي يتولاها ومقياس إطلاعه ومعرفته بقواعدها وشؤونها، وفضلا عن ذلك، فان الموظف المختار لابد أن يتصف بالحياء لان الحياء أساس المروءة(الفكيكي،2003: 135).
وقد تطورت وسائل الرقابة المالية في الدولة الإسلامية ،واستحدثت دواوين وأساليب أخرى للرقابة ،ففي عهد الدولة العباسية كان هناك مركزا إداريا متخصصا في التدقيق والرقابة المالية ،يقوم بمراقبة حسابات ديوان النفقات وتدقيقها وذلك ما عرف باسم "ديوان زمام النفقات" فهو كغيره من دواوين الأزمة كانت عليه مهمة الإشراف المباشر على ديوان النفقات ومراقبة الحسابات والعمل على تدقيقها ،لذلك فقد اعتبر منصب متولي الزمام أحيانا أهم من منصب متولي الديوان نفسه(الزهراني،1986: 111)،كما إن ديوان الجهبذ وهو أحد الدواوين التابعة لبيت المال كان يقوم عليه كتابا اختصوا بالحسابات والأمور المالية يطلق عليهم الجهابذة ،وتنحصر مهمة هؤلاء في القيام بتدقيق حسابات الوارد إلى بيت المال والمصروفات الفرعية التي لا تندرج ضمن الأموال الرئيسية مثل أموال الكسور والكفاية والوقاية والرواج وما يجري مجرى ذلك من توابع أصول الأموال(الفكيكي،2003: 114).
2)الرقابة الإدارية
من الطبيعي أن تكون ثمة رقابة على عمل الإدارة لضمان انضباطها وحسن سيرها ،وقد أدى تطور النظام الإداري في العصور الحديثة إلى إنشاء ما يسمى " التفتيش الإداري" وهو جهاز خاص ضمن الجهاز الإداري العام(شمس الدين، 1423 : 355)، ويقصد بالرقابة الإدارية قيام جهات الإدارة بمراجعة أعمالها ذاتيا لتصحيح ما قد يشوبها من أخطاء تتعلق بمخالفة المشروعية أو بعدم الملائمة من خلال سحبها أو إلغائها أو تعديلها أو استبدالها بأخرى تكون سليمة(عبد الوهاب، 1990: 245)، وهي تستهدف المحافظة على حسن سير الأعمال والمرافق العامة وضمان نزاهة وكفاءة العمال ،علاوة على حماية حقوق وحريات الأفراد من تجاوزات العمال للاختصاصات المنيطة بهم أو إساءتهم استعمالها.كما تهدف إلى الكشف عن الانحرافات أو الأخطاء وسوء التصرف والإهمال والإسراف وما إلى ذلك من أمور للعمل على تلافيها أو إزالتها ,والتعرف على المعوقات أو الصعوبات التي تواجه تنفيذ الخطط(أبو العينين،2002: 263).
وقد عرف النظام الإسلامي أسس الرقابة الإدارية ومنذ الصدر الأول للإسلام ،إلا إنها لم تتحقق دفعة واحدة و إنما ارتبط ذلك بالنمو والتطور الذي لحق بالنظام الإداري الإسلامي من حيث اتساعه وتشعب أعماله ،وعلى المستوى التطبيقي فقد أنشأ الإمام علي(ع) جهاز للتفتيش الإداري وأقر مبدأ العقوبة للمخالفين(شمس الدين، 1423 :355)، وقد اتخذت الرقابة الإدارية الصور الآتية:
أ. تخصيص فئة من أهل الصلاح والعفاف ليقوموا بالتفتيش على سيرة العمال وسلوكهم في معاملاتهم مع أفراد المجتمع ،فإذا ثبت مخالفتهم للسلوك الإداري القويم عوقبوا بالعقوبات الموجعة والنكال حتى لا يتعدوا ما أمروا به وما عهد إليهم به(الابجي،1990: 1190)، فمن المهام الرئيسة للإدارة فرض الرقابة الشديدة على الموظفين والنظر في أعمالهم ومدى قيامهم بالواجبات ، فان أهملوا ذلك وجب إقصاؤهم وتقديمهم للقضاء إن ارتكبوا ما ينافي العدل،وقد روي أن الخليفة عمر بن الخطاب قال: ( أرأيتم إن استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرنه بالعدل أفقضيت ما علي؟ قالوا نعم ،قال: لا حتى أنظر في عمله بما أمرته أعمل به أم لا)(البيهقي،ج8: 163) ويعتبر الإمام علي(ع) أول من وضع أسس الرقابة الإدارية في دور حكومته (القرشي،1966: 390) ،فقد مر بنا قبل قليل عهده لمالك الاشتر الذي يقول فيه :"ثم تفقد أعمالهم –أي الموظفين والعمال- وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم،..." ، )، والعيون هم الذين يقومون بأعمال الرقابة على الإدارات والوحدات وبيت المال ،ويتم تعيينهم من قبل الوالي ويكون ارتباطهم معه ،وهناك شروط يجب أن تتوفر فيهم (الموسوي،1998: 262):
· أن يكونوا من أهل الصدق حتى تكون تقاريرهم واقعية صادقة.
· أن يكونوا من أهل الوفاء حتى يكون هدفهم هو الإخلاص للدولة.
ب. وبعد تقديم التقارير، على الوالي أن يثبت بدقة في هذه التقارير ولا يسرع في الحكم على الأفراد.
ج. منع العمال من قبول الهدايا ونحوها ،إذ لا يجوز للعامل أن يأخذ رشوة أرباب الأموال ، ولا يقبل هداياهم فإن رسول الله(ص) قال:" هدايا العمال غلول" أي خيانة(أحمد علي، 1969: 380)،و يعد التهاون في ذلك مدخلا للرشوة والفساد كما يضع العمال في مواضع الشبهات ،وقد روي إن الرسول (ص) استعمل رجلا على الصدقات ،فلما حاسبه الرسول قال الرجل: هذا لكم وهذه هدية أهديت لي ،فقال له رسول الله(ص) :" ما بال العامل نبعثه فيقول :هذا لكم وهذا اهدي لي ،أفلا جلس في بيت أبيه وبيت أمه فينظر هل يهدى إليه أم لا؟ والذي نفس محمد بيده لا يأتي أحد منهم بشيء إلا جاء به على رقبته يوم القيامة " (الابجي، 1990: 1190), وقد بعث الإمام علي(ع) برسالة توبيخ إلى أحد عماله على البصرة وهو عثمان بن حنيف الأنصاري حيث بلغه إن الأخير قد دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها ،فكتب (ع) إليه" أما بعد يا ابن حنيف فقد بلغني إن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان وتنقل إليك الجفان ،وما ظننت انك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو، وغنيهم مدعو ،فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم فما اشتبه عليك علمه فالفظه وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه ،ألا وان لكل ملموم إماما يقتدي به ويستضيء بنور علمه ألا وان إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه ،ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد" (نهج البلاغة، ج3: 70).
د. توسع جهاز الحسبة ليتضمن أعمالا تتعلق بالرقابة الإدارية،فأصبح يقوم بمراقبة أوجه المرافق العامة وتوفير الموارد المالية اللازمة لها ومراقبة الحالة الاقتصادية ،وفرض الرقابة على التجار وذوي الصناعات لمنعهم من الاحتكار والتسعيرة المجحفة للبضائع ومنع الغش والربا ونحوها، يقول الإمام(ع) في عهده لمالك: ".. واعلم مع ذلك إن في كثير منهم –التجار وذوي الصناعات- ضيقا فاحشا وشحا قبيحا واحتكارا للمنافع وتحكما في البياعات وذلك باب مضرة للعامة وعيب على الولاة فامنع من الاحتكار فان رسول الله صلى الله عليه واله منع منه وليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل و أسعار لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع ،فمن قارف حكره بعد نهيك إياه فنكل به وعاقب في غير إسراف" (نهج البلاغة، ج3: 100)،ونلفت النظر إلى إن هذه الأعمال هي أحد صور تدخل ولي الأمر وإشرافه على الحياة الاقتصادية ،التي اقرها التشريع الإسلامي ،وطبقت في النظام الاقتصادي الإسلامي.
ه. قيام والي المظالم بكثير من المهام الإدارية مثل تقييم أداء العاملين على الشؤون المالية واستبدال الخائنين منهم ورد الأموال المغصوبة إلى أصحابها ،ومنع الجور والتعدي من الولاة ،كما ينظر في التظلمات التي ترد من العامة ويسترجع الحقوق لأصحابها (الابجي، 1990: 1191)،ويذكر أن عمر بن عبد العزيز عندما تولى خلافة المسلمين كان يشجع الناس على رفع تظلماتهم إليه ،مؤكدا لهم أن من له مظلمة فلا إذن له عليه ،وخطب في الناس فقال: (أيها الناس ، إني قد استعملت عليكم عمالا، لا أقول هم خياركم،فمن ظلمه عامل بمظلمة فلا إذن له علي)،كما قال: ( أيها الناس ألا لا سلامة لامرئ في خلاف السنة و طاعة لمخلوق في معصية الله ألا وإنكم تسمون الهارب من ظلم إمامه العاصي ، ألا وإن أولاهما بالمعصية الإمام الظالم)( عبد الوهاب،1984: 281). )، ويلاحظ أنه في عصور الدولة الإسلامية المختلفة كان هناك مجموعة من الدواوين المتخصصة بمهام الرقابة الإدارية ،كديوان الحسبة،وديوان النظر،وديوان الأزمة،وديوان الاستيفاء(يحيى وأيوب، 1427هـ)[56] .
وقد أخذت بمبدأ الرقابة الإدارية أغلب حكومات العالم وجعلته من أهم الأمور التي تعني بها الإدارة ،وقد أسماها الفقه الفرنسي باسم (الوصاية الإدارية)،وعلى الرقابة الإدارية أن لا تندفع وراء العواطف والأهواء ،وأن تراقب الله تعالى فيما ترفعه من التقارير بشأن الموظفين فتسجل ما تراه وما تتيقن به ،فلا تحاب ولا تظلم أحدا ،وعليها أن تسجل الواقع مشفوعا بروح الإخلاص والأمانة (القرشي،1966: 391)،وذلك ما يبينه قول الإمام (ع):"... وتحفظ من الأعوان فان أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت العقوبة في بدنه ،وأخذته بما أصاب من عمله ،ثم نصبته بمقام المذلة ووسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة".
3)الرقابة الذاتية
قامت الإدارة البيروقراطية على تحقيق هدف السيطرة من خلال المراقبة ،فكان أصحاب الشركات والمصانع بحاجة إلى أساليب للرقابة يستطيعون من خلالها ضبط الموظفين والعمال فاخترعوا أسلوب التسلسل الوظيفي المقيد بالأوامر والتعليمات والمقررات وقد حددت هذه القواعد الصارمة من حرية الموظفين ،وكان لها آثار وخيمة في موت الإبداعات وضياع الإمكانيات والأوقات ،وبالرغم من هذه الإجراءات لم تستطع الإدارة البيروقراطية من ضبط الأفراد بدليل تصاعد حالات الرشوة والاختلاسات والانحرافات الإدارية التي تشهدها الدوائر الرسمية خاصة في الدول النامية(الموسوي،1998: 274).وقد ظهر أخيرا نتيجة لذلك ما يسمى بالسبرنطيقية[57] ( نظام الضبط الذاتي) والرقابة الوقائية أي الرقابة التي تعني بالأخطاء قبل أن تقع ،فتوفر الجهد والمال اللازم لتصحيح الأخطاء كما تحمي المؤسسات من الفشل.
إلا إن الإسلام الخالد بمنهجه القويم أوجد هذا الأسلوب قبل هذا الوقت بأربعة عشر قرنا وهي الرقابة الذاتية هذا النوع من الرقابة الذي لا نجده إلا في ظل تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ،والذي يدور حول رقابة الإنسان على نفسه ومحاسبتها أولا بأول، وقبل أن تساءل وتحاسب، بما يؤدي إلى خلق الدافع الذاتي لدى الفرد بضرورة الالتزام بالمنهج السوي. وهذه الرقابة من أقوى الرقابات تأثيرا على المجتمع،حيث أثبتت التجربة الإسلامية إن الرقابة الذاتية انفع بكثير من الرقابة الخارجية التي تدفع بالموظف إلى دائرة الخوف فيفعل ما لا يجب فعله (الموسوي،1998: 275).
إن هذه الرقابة يمارسها الإنسان على نفسه في جميع أوقاته وفي جميع أماكن تواجده ،فالرقيب الأول الذي يراقبه في جميع سكناته وحركاته هو الله سبحانه وتعالى العالم بكل شيء والعارف بكل الأمور،وتنبع هذه الرقابة من التقوى والإيمان بالله الذي يعلم السر وأخفى ،وأنه سبحانه مطلع على كل حركات و سكنات الإنسان ولذلك نجد أن تعاليم وأحكام التشريع الإسلامي التي لا تضاهيها أي تعاليم لأي أنظمة وضعية تبعث في الإنسان الوازع الذاتي الذي هو أهم من أي وازع خارجي،فإذا ما وجدت الرقابة الذاتية هانت أمامها كافة أنواع الرقابة لأنها تمثل رقابة الضمير النابعة من خشية الله (أبو العينين،2002: 265) إن ذلك يعني أن يقوم المحاسب بما يجب عليه أو يطلب منه دون مراعاة رقابة الناس ورؤسائه عليه في تصرفاته وهذه رقابة ذاتية لا يختلف أثرها بين وقت وآخر وشخص وغيره سواء أكان قادرا على استيفاء حقوقه أم غير قادر، كما إن اعتقاد المحاسب أن الله تعالى رقيب على أعماله كلها وسوف يحاسبه يوم القيامة عن كل صغيرة وكبيرة فيتخذ الحيطة والحذر من ذلك بتجنب ما يستوجب العقاب وهذا ما يسمى بالمحاسبة الذاتية(جمعة، 2000: 383) . ،وعليه فهناك رقابة مالية ومحاسبية ذاتية ورقابة إدارية ذاتية ورقابة اقتصادية ذاتية وهكذا .
· القران الكريم
تناول القران الكريم الرقابة الذاتية التي يمارسها الإنسان على نفسه في كثير من الآيات المباركة ،نذكر منها:
· "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" (الزلزلة، 7-8).
· "ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون" ( آل عمران، 161).
· "بل الإنسان على نفسه بصيرة" ( القيامة، 14).
· "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" ( التوبة، 105).
· "يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه" (آل عمران، 30).
فعرف أهل البصائر إن الله لهم بالمرصاد وإنهم سيناقشون في الحساب ويطالبون بمثاقيل الذر من الخطرات واللحظات ،فينبغي أن يتحقق أن لا ينجي من هذه الأخطار إلا لزوم محاسبة النفس ومراقبة الحق ومطالبة النفس في الأنفاس والحركات بلزوم الطاعات ،فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف يوم القيامة حسابه ،وحضر عند السؤال جوابه وحسن منقلبه ومآبه ،ومن لم يحاسب نفسه وهون عليه أمر الآخرة واتبع نفسه شهواتها ولذات الدنيا ،دامت حسرته وطال في عرصات القيامة موقفه وقادته الشهوات واللذات إلى الخزي والمقت ، فلا ينجي من هذه الأهوال العظيمة إلا لزوم الطاعة والصبر عليها ،ومرابطة النفس على ما يرضي الرب لقوله تعالى :" يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون" (آل عمران، 200).
· السنة النبوية
كما أكدت السنة المطهرة على سلوك هذا المنهج ،وشددت على إن كل إنسان هو رقيب على نفسه،فقد أكدت على وجوب محاسبة النفس كل يوم وملاحظتها ومراقبتها وحمد الله على الحسنات وتدارك السيئات ،عن النبي(ص):" حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتجهزوا للعرض الأكبر" ( وسائل الشيعة، ج16: 59)، ويقول (ص):" لا يكون العبد مؤمنا حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه والسيد عبده" (المصدر السابق: 99)،ويقول الإمام علي(ع):" لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له"،ويقول :" رحم الله امرأًً راقب ربه وخاف ذنبه"( الموسوي، 1998: 274)،ويقول أيضا:" أنصف الناس من أنصف نفسه من غير حاكم عليه" ( غرر الحكم، 1366هـ. ش[58]. :236).
مراحل الرقابة في التشريع الإسلامي
يقول الله تعالى:" اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون "..." فلنسئلن الذين أرسل إليهم و لنسئلن المرسلين فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون" (الأعراف،3، 6-9)من هذه الآيات المباركات يمكن التوصل إلى خطوات أو مراحل الرقابة، التي يجب أن تتم حتى تتم وظيفة الرقابة بشكل صحيح وكامل ،ويمكن وضع هذه المراحل في أربعة نقاط أساسية (أبو العينين،2002: 343):
1. تحديد معايير للأداء(المعايير الرقابية): وهي المرحلة الأولى من مراحل الرقابة التي على أساسها يمكن تقييم الأداء الفعلي،ومن ثم التعرف على مدى تطابق ما تم إنجازه مع ما هو مرغوب إنجازه،والمعايير الرقابية عبارة عن مقاييس للأعمال تمثل في أساسها الأهداف المرغوب في تحقيقها مترجمة بصورة قابلة للقياس الكمي،يقول الله تعالى:" إنا كل شيء خلقناه بقدر" (القمر،49) ويقول عز شأنه:" قد جعل الله لكل شيء قدرا" (الطلاق،3) كما يقول سبحانه:" وخلق كل شيء فقدره تقديرا" (الفرقان،2)، فهذه الآيات تشير إلى أن الله سبحانه قد خلق كل شيء وقدره تقديرا دقيقا بنواميس تكفل له أداء مهمته بنظام ،كما إن قوله تعالى:" "ألا تطغوا في الميزان " (الرحمن، 8)، يمثل خطابا لبني الإنسان الذين يشكلون جزءا من هذا العالم العظيم ويلفت انتباههم إلى إنهم لا يستطيعون العيش بشكل طبيعي في هذا العالم إلا إذا كان له نظم وموازين ،ولذلك فلابد أن تكون للبشر نظم وموازين أيضا حتى يتلاءموا في العيش مع هذا الوجود الكبير الذي تحكمه النواميس والقوانين الإلهية ،خاصة إن هذا العالم لو زالت عنه القوانين التي تسيره فانه سوف يفنى ،ولذا فان حياتكم إذا فقدت النظم والموازين فإنكم ستتجهون إلى طريق الفناء لا محالة،ويؤكد رب العزة مرة أخرى على العدل والوزن حيث يقول سبحانه"و أقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان"(الرحمن،9).
2. قياس أو تقييم الأداء: تأتي هذه المرحلة بعد أن يتم تحديد المعايير الرقابية ،حيث يتم فيها قياس ما تم إنجازه من عمل فعلا ومقارنة هذا الإنجاز بالمعايير التي حددت في المرحلة الأولى ،ويمكن أن تتم عملية قياس الأداء بطريقتين ؛الأولى: عن طريق الملاحظة المباشرة ،والثانية من خلال التقارير سواء كانت شفوية أم مكتوبة،ويشير قوله تعالى :" ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة أتينا بها وكفى بنا حاسبين" (الأنبياء،47) إلى عملية قياس الأداء ،كما يبين قوله تعالى:" وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا" (الإسراء،13- 14) إلى قياس الأداء عن طريق التقارير المكتوبة.
3. تصحيح الانحرافات: بعد قياس النتائج ومقارنتها بالمعايير فإن نتيجة المقارنة قد تكشف وجود انحرافات ،فإذا ما كانت هذه الانحرافات سلبية وكبيرة ، ظهرت الحاجة إلى ضرورة الإسراع في تصحيح تلك الانحرافات ،لذا يعتقد أن هذه المرحلة هي الهدف الأساس للرقابة،إن دور التغذية العكسية يعتبر دورا مهما ومكملا للمراحل التي يمر بها النظام ،حيث أنها تعمل على تزويد المستفيدين من النظام بالمعلومات اللازمة في الحكم على مدى مساهمة هذا النظام بكافة عناصره في تحقيق الأهداف المرغوبة مثل الانحرافات الموجبة أو غير المرغوبة (الانحرافات السالبة) التي يمكن أن تحدث خلال عمل النظام،ومن ثم الكشف عن وجود الانحرافات وتحليلها وتفسيرها ومعالجتها، وقد حض التشريع المقدس على تصحيح الانحرافات أو الأخطاء سواء قبل وقوعها أو أثناء وقوعها،أم بعد وقوعها وفقا للحدود التي بينتها الشريعة المقدسة،بل إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (التدخل الإيجابي لتصحيح الأخطاء) يعتبر من الواجبات المكلف بها الفرد المسلم يقول الله تعالى:" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" (آل عمران،104) وأيضا :" والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" (الأعراف، 157).كما أكد الرسول(ص) على ضرورة تصحيح الانحرافات السالبة وهو ما يؤكده الحديث الشريف:"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده،فإن لم يستطع فبلسانه،فإن لم يستطه فبقلبه ،وذلك أضعف الإيمان"
4. إثابة المجد ومعاقبة المقصر : ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تبين ضرورة التفرقة بين المجد والمقصر لأجل مكافئة الناس على قدر أعمالهم بعد تقييمها حتى لا يتساوى المجد منهم مع المقصر،كما في قوله تعالى:" وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى " (النجم، 39-40) ،وقوله تعالى:" لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة" (النساء،95)، فهنا إشارة واضحة إلى ضرورة التفرقة بين المجد وغير المجد فلا يعقل أن يتساويا في الأجر أو المكافأة ، بل لابد من تمييز الأول عن الثاني حتى يزداد الأول اجتهادا ،وفي نفس الوقت يتخلص المقصر من تقصيره،ومن الآيات التي تشير إلى إثابة المحسن والمجتهد ومعاقبة المقصر قوله تعالى:" والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون" ( الأعراف، 8-9)،
وقد كانت معايير ومؤشرات قياس وتقييم الأداء في الدولة الإسلامية تعتمد بالدرجة الأساس على مدى الالتزام بما ورد في الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة فيما يتعلق بكافة المعاملات المالية، و من أهم المعايير والمؤشرات التي كان يعتمد عليها في تقييم أداء القائمين على أمور المسلمين بما يتعلق بالنواحي المالية الآتي(يحيى وأيوب،1427هـ)[59] :
· ينبغي تحصيل الأموال العامة وإنفاقها وفقاً لما منصوص عليه شرعاً ، كالأموال المتعلقة بالزكاة ، والخراج ، والجزية ، و الفيء ونحوها.
· ينبغي استثمار الموارد المتاحة خلال الفترة الزمنية المعينة، كاستغلال الأراضي الزراعية من قبل مالكيها، بحيث إذا لم يتم استغلالها خلال ثلاث سنوات فيجب مصادرتها إلى بيت مال المسلمين وإعطائها إلى من يمكنه استغلالها وبشكل سليم.
· عدم إلحاق الضرر بالمجتمع نتيجة ممارسة النشاطات الاقتصادية والمالية ، التزاما بالحديث الشريف "لا ضرر ولا ضرار" فان كان هناك ضرراً للمجتمع ناتجاً عن استغلال الموارد ، فيجب على الوالي معالجة وتوجيهه بما يمكن أن يحقق المنفعة للمجتمع والبيئة.
· ينبغي ترشيد النفقات والتحقق من عدم استخدام أموال المسلمين في غير الأوجه المنصوص عليها شرعاً دون محاباة أو طاعة لولي فيها من قبل القائمين عليها.
مما سبق نلاحظ أن هناك تكاملا وترابطا في العملية الرقابية في التشريع الإسلامي بين المستويات المختلفة وهي الفرد والجماعة والمجتمع مما يتيح الفرصة لتأكيد حسن سير العمل وتجنب الأخطاء قبل وقوعها وتصحيحها إن وقعت ومحاسبة المسئولين،وقد أعطى الإسلام للدولة دورا بارزا ومهما في مجال الرقابة وحفظ النظام وخصوصا فيما يتعلق بمراقبة الأنشطة الاقتصادية والمالية والمحاسبية.
يستخلص من محاولة تأصيل معايير المحاسبة الحكومية الدولية على وفق النظام الاقتصادي الإسلامي ، أن تلك المعايير لها ما يناظرها ويماثلها من مفاهيم ومبادئ وأسس وحتى أحكام وقواعد في التشريع الإسلامي.
فبالنسبة للمعايير المتعلقة بمستعملي التقارير المالية الحكومية ، فقد حرص النظام الإسلامي على توفير المعلومات الملائمة في التقارير المالية الحكومية للجهات ذات الشأن بالحكومة مع بسط الشفافية والوضوح التامين اللذان ينفيان الشك والغموض واللبس.
أما بالنسبة للمعايير المتعلقة بأهداف التقارير المالية الحكومية فقد حددت INTOSAI مجموعة من الأهداف التي ينبغي أن تحققها التقارير المالية الحكومية ، ووجدنا أن تلك الأهداف قد نادى بها التشريع الإسلامي قبل هذا الوقت بعدة قرون .
فقد لاحظنا أن من المسائل المستحدثة في عصرنا الحالي ما يعرف بالمحاسبة البيئية(والمحاسبة الاجتماعية) التي يقصد بها إظهار وعرض المعلومات المتعلقة بالأنشطة الاقتصادية التي تقوم بها الوحدة الاقتصادية وأثر تلك الأنشطة على البيئة والمجتمع، وهذا الأمر تناولته الشريعة المقدسة بشيء من التفصيل والتركيز، وتميز النظام الاقتصادي الإسلامي بوضع الأحكام والقواعد اللازمة لحماية البيئة والمجتمع .
ولكي تؤدي التقارير المالية عامة والحكومية خاصة وظيفتها في تحقيق الأهداف المطلوبة منها ، فإن المعلومات الواردة في هذه التقارير لابد أن تتصف بمجموعة من الخصائص النوعية ، كالقابلية على فهمها ومقارنتها بمعلومات مشابهة ، والملائمة وإمكانية الاعتماد عليها والوثوق بها عند اتخاذ القرارات ، وهذا ما حرص عليه التشريع الإسلامي وشدد على ضرورة توافر هذه الخصائص في كل الكتب المتعلقة بالمعاوضات والمعاملات المالية الحكومية وغير الحكومية.
ولضمان تطبيق تلك الأهداف فقد وضعت INTOSAI عدة طرق ووسائل للتأكد من ذلك ، ولم يغفل النظام الإسلامي هذا الأمر ، فقد وضع الطرق الناجعة الكفيلة بتحقيق أهدافه الاقتصادية والاجتماعية ، كاستخدام أساليب مختلفة للرقابة وتقييم الأداء مثل الرقابة المالية والمحاسبية والرقابة الإدارية والرقابة الشعبية والرقابة الذاتية التي تعتبر أهمها، ، وقد ناقشنا موضوع المحاسبة البيئية التي تعتبر من القضايا والمشاكل المعاصرة وقد تناولها التشريع الإسلامي وعالجها بجانبيها الإيجابي والسلبي .
ثانيا:آصالة النظام المحاسبي الاسلامي لمعايير المحاسبة الحكومية الامريكية.
سيتم في هذه الفقرة محاولة لتأصيل المعايير المحاسبية الحكومية الأمريكية على وفق النظام المحاسبي الإسلامي ،وتم اختيار المعايير الصادرة عن GASB لغرض تفحصها وتحليلها وبحث مدى أصالتها وإمكانية وجود أسس لها وجذور في التشريع الإسلامي .
1) معيار الأموال المخصصة(الاعتمادات المخصصة)
أوضح أل GASB في معياره الثاني إن النظم المحاسبية الحكومية يجب أن تصمم على أساس المال (Fund base) الذي عرف بأنه عبارة عن وحدة مالية ومحاسبية ،تحوي على مجموعة من الحسابات المتوازنة ذاتيا لتسجيل النقدية والموارد المالية الأخرى والالتزامات المرتبطة بها والرصيد المتبقي وما يطرأ على ذلك من تغييرات على أن يخصص هذا المال لإنجاز أنشطة محددة وتحقيق أهداف معينة طبقا لتشريعات أو قيود خاصة.
وقد اقر التشريع الإسلامي بقاعدة الأموال المخصصة قبل GASB بعدة قرون،فقد طبقت قاعدة التخصيص تطبيقا دقيقا لمعظم الإيرادات العامة للدولة كالزكاة والخمس والصدقات والنذور والكفارات ،فالقاعدة الأساسية لهذه الموارد هي تخصيصها لأنواع معينة من الأنشطة والمصارف لا ينبغي التجاوز عنها،وحددت تحديدا قاطعا وواضحا في القران الكريم.وقد ظهرت نظرية الأموال المخصصة في النشاط الحكومي لتفسير مفهوم الوحدة المحاسبية في بيت المال ،والذي كان يمثل في ذلك الوقت قلب النشاط المالي للدولة الإسلامية ،فيجتمع فيه سائر الإيرادات وتنفق منه نفقات الدولة كافة ،ومن خلاله يتم التخطيط لإعداد الموازنة(الابجي،1990: 1179).
التخصيص المالي في النظام الإسلامي
يمكن ملاحظة فكرة التخصيص المالي في النظام الإسلامي من مصادر التشريع الإسلامي وكآلاتي:-.
· القران الكريم
لقد حددت الآية الستون من سورة التوبة وبصورة قاطعة مواضع صرف موارد الزكاة ،يقول الله تعالى في هذه الآية المباركة:" إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم"، فقد دلت الآية على أن مصرف الزكاة يقسم على ثمانية أصناف هي(السيستاني، 2003: 243-245):
1. الفقراء، والمراد بالفقير من لا يملك مئونة سنته اللائقة بحاله لنفسه وعائلته لا بالفعل ولا بالقوة.
2. المساكين، والمسكين أسوأ حالا من الفقير كمن لا يملك قوته اليومي.
3. العاملون عليها،أي المكلفين بجبايتها وجمعها المعينون من قبل النبي (ص) أو الإمام (ع) أو الحاكم الشرعي أو نائبه.
4. المؤلفة قلوبهم ، وهم طائفة من الكفار يتمايلون إلى الإسلام أو يعاونون المسلمين بإعطائهم الزكاة ،أو يؤمن بذلك من شرهم وفتنتهم .
5. العبيد، فإنهم يعتقون من أموال الزكاة.
6. الغارمون، أي من كان عليه دين وعجز عن أدائه جاز أداء دينه من الزكاة .
7. سبيل الله، ويقصد به المصالح العامة للمسلمين ،كتعبيد الطرق وبناء الجسور والمستشفيات ،وملاجئ للفقراء والمساجد والمدارس الدينية ونشر الكتب الإسلامية المفيدة وغيرها.
8. ابن السبيل، وهو المسافر الذي نفدت نفقته أو تلفت راحلته ولا يتمكن معه من الرجوع إلى بلده وان كان غنيا فيه.
ويتضح من الآية الكريمة إن تخصيص موارد الزكاة يكون على موضعين رئيسين ، الأول يختص بتملك هذه الموارد ،والثاني يختص بصرف الموارد عليه، وعليه فان الموارد المالية للدولة الإسلامية تكون على نحوين (الآصفي،1973 :60):
· نفقات عامة تبذل على أشخاص حقيقيين يملكونها (التمليك)، وهي النفقات الشخصية التي تبذل لأشخاص من فئات معينة ومحددة ،هم الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم .
· نفقات عامة تصرف على جهات ومرافق اجتماعية تختص بها من دون أن تملكها (الصرف والاختصاص) ، فمصرف الزكاة لا يقتصر على الأشخاص بل يشمل الجهات العامة والمرافق الاجتماعية التي تخدم المصلحة العامة من الجهات المذكورة في الآية المباركة " وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله"، كالمال الذي يصرف من بيت المال في إقامة الجسور والسدود ومشاريع الري والمدارس والمستشفيات العامة وغير ذلك من المرافق والمؤسسات الاجتماعية.
أما فيما يتعلق بمصرف الخمس فقد خصصت موارده أيضا لتصرف في مواضع معينة كما جاء في آية الخمس وهي الآية 41 من سورة الأنفال :" واعلموا إنما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان" ، فالآية تدل على تشريع فريضة الخمس في الغنائم ،فهي تشتمل على الأمر بتخميس الغنائم،والغنيمة والغنم بضم الغين وتسكين النون إصابة الفائدة من جهة تجارة أو عمل أو حرب(الطباطبائي،1397هـ.ق :89)،وقد ذهب الفقهاء في رسائلهم العملية باب الخمس، إلى تقسيم الخمس إلى نصفين ، نصف للإمام (ع) خاصة ويسمى (سهم الإمام) ونصف للأيتام الفقراء من الهاشميين والمساكين و أبناء السبيل منهم ويسمى(سهم السادة) ،ويقصد بالهاشمي من ينتسب إلى هاشم جد النبي الأكرم(ص) من جهة الأب ، وينبغي تقديم الفاطميين على غيرهم (السيستاني، 2003: 266).
كما إن هذين النصفين يقسم كل واحد منهم على ثلاثة سهام وكالآتي:
1. سهم الإمام يقسم: أ)سهم منه لله ، ب) سهم منه للرسول، ج) سهم منه لولاة الأمر بعد الرسول(ذو القربى).
2. سهم السادة يقسم: أ)سهم لليتامى من بني هاشم، ب) سهم للمساكين منهم، ج) سهم لأبناء السبيل منهم.
إن السهام الثلاثة الأولى تعود إلى ولي الأمر وليس لعامة الناس ،وإنما هي من أموال الدولة الخاصة، ينفقها ولي الأمر على المصالح والمرافق الاجتماعية وحاجات الحكومة الخاصة بالشكل الذي يرتئيه الحاكم الشرعي الأعلى للدولة الإسلامية، أما السهام الثلاثة الأخرى فهي تعود لأشخاص الفقراء من بني هاشم حيث خصص لهم هذا الجزء من الخمس لعدم استحقاقهم شيئا من زكاة الآخرين - كما هو معروف شرعا- فجعل الله ذلك لهم عوضا عن الزكاة(الآصفي،173: 75-76).
أما فيما يتعلق بالكفارات فهي على أربعة أقسام (الإيرواني،2002 :525):
· كفارة مرتبة ، مثل كفارة القتل الخطأ والظهار فهي كفارة مرتبة ،فيجب فيها العتق ،وعلى تقدير العجز يجب صوم شهرين متتابعين ،وعلى تقدير العجز عن ذلك أيضا يجب إطعام ستين مسكينا.كما في قوله تعالى :" وما كان لمؤمن إن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ... فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله"( النساء، 92) "والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة ... فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ... فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا" ( المجادلة،3-4).
· كفارة مخيرة، مثل كفارة الإفطار في شهر رمضان أو مخالفة العهد فهي مخيرة بين الأمور الثلاثة المتقدمة.
· كفارة يجتمع فيها الترتيب والتخيير،مثل كفارة اليمين والنذر كما في قوله تعالى:" لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام"(المائدة،89).
· كفارة جمع ،مثل كفارة قتل المؤمن عمدا فهنا يلزم الجمع بين العتق والصوم شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا .
· السنة النبوية
هنالك الكثير من الروايات التي وردت عن النبي (ص) و أهل بيته حول تخصيص مصرف بعض الموارد المالية للدولة الإسلامية كالزكاة والخمس نكتفي منها بالأحاديث الآتية:
· عن ابن عباس قال : قال النبي(ص) لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن :" فان أجابوك فأعلمهم أن عليهم الصدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم" ( الأم للشافعي،ج2: 77).
· نقلا من تفسير النعماني بإسناده الآتي عن علي(ع) في بيان أسباب معايش الخلق قال:"وأما وجه الصدقات فإنما هي لأقوام ليس لهم في الإمارة نصيب ولا في العمارة حظ ولا في التجارة مال ولا في الإجارة معرفة وقدرة ففرض الله في أموال الأغنياء ما بقوتهم ويقوم به أودهم ، إلى إن قال ،ثم بين سبحانه لمن هذه الصدقات فقال( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ...) فأعلمنا إن رسول الله (ص) لم يضع شيئا من الفرائض ألا في مواضعها بأمر الله"(وسائل الشيعة،ج9: 213).
· محمد بن الحسن بإسناده عن سعد بن عبدالله... عن آبي عبدالله (ع) انه سأل عن قول الله عز وجل "واعلموا إنما غنمتم ..." فقال:" وأما خمس الرسول فلأقاربه وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه واليتامى يتامى أهل بيته فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم ،وأما المساكين وابن السبيل فقد عرفت أنا لا نأكل الصدقة ولا تحل لنا فهي للمساكين وأبناء السبيل "(وسائل الشيعة، ج9 : 511).
· عن ربعي بن عبدالله بن الجارود عن أبي عبدالله (ع) قال :" كان رسول الله (ص) إذا أتاه المغنم اخذ صفوه وكان ذلك له ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس الله عز وجل لنفسه ثم يقسم الأربعة أخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين و أبناء السبيل يعطي كل واحد منهم حقا وكذلك الإمام اخذ كما اخذ الرسول (ص)"( وسائل الشيعة، ج9 : 511).
· وفي كنز العمال ورد أنه "لا تحل الصدقة لغني إلا لثلاثة : في سبيل الله، أو ابن السبيل،أو جار فقير يتصدق عليه فيهدي لك أو يدعوك" (نقلا عن الخراساني، 1413: 101).
· قال الشافعي(رحمه الله):" 'إذا كان الزرعان وحصادهما معا في سنة واحدة فهما كالزرع الواحد ، وإن كان بذر أحدهما قبل السنة وحصاد الآخر متأخر عن السنة فهما زرعان لا يضمان ولا يضم زرع سنة إلى زرع سنة غيرها(الخراساني، 1413: 446).ويبين لنا هذا القول تخصيص موارد كل سنة وعدم دمجها .
وبذلك يتضح لنا إن الاقتصاد الإسلامي هو أول من وضع أساس نظرية الأموال المخصصة فقد حددت مصادر الشريعة الإسلامية موارد الدولة الإسلامية وكيفية صرفها وتوزيعها في مواضع مخصصة ومحددة لا ينبغي التجاوز في اغلبها.
2) معيار أنواع (تعدد)الأموال
طبقا لGASB فقد قسمت الأموال التي تسيطر عليها الحكومة إلى ثمانية أموال ،صنفت في ثلاثة مجاميع هي إجمالا-لقد ذكرت تفاصيلها سابقا-:
1. الأموال الحكومية وهي على خمسة أقسام:
أ- المال العام
ب- أموال الإيراد الخاص
ج- أموال المشاريع الرأسمالية
د- أموال خدمة الدين العام
ه- أموال التحسينات الخاصة
2. أموال الملكية وهي تنقسم على:
a. أموال المشاريع العامة
b. أموال الخدمة الداخلية
3. أموال الأمانة
وفي التشريع الإسلامي فان هنالك تقسيما للأموال حسب مصادرها ومواضع صرفها أيضا ،بحيث تعد لكل نوع من هذه الأموال سجلات وقوائم وموازنات مستقلة تختص بكل نوع منها، ويمكن أن تقسم الموارد المالية للدولة الإسلامية على خمسة أقسام(الآصفي،1973: 19)هي:
· الأموال التي ترد الحكومة عن طريق الضرائب
· الأموال التي ترد الحكومة عن طريق العقارات
· الأموال التي ترد الحكومة عن طريق قيامها بنشاطات اقتصادية
· الأموال التي ترد الحكومة عن طريق القروض
· الأموال التي ترد الحكومة عن طريق ولايتها العامة على المواطنين
وفيما يلي شرح مفصل لهذه الأموال،طبقا لمصادر التشريع الإسلامي.
أنواع الأموال العامة في القران والسنة النبوية
القسم الأول:الضرائب المالية
تعتبر الضرائب في أي دولة المصدر الأول و الرئيس للإيرادات العامة لها ،وهي تشكل موارد مالية ضخمة للدولة الإسلامية ،الأمر الذي يستدعي وجود نظام متقن للمحاسبة عن هذه الأموال من حيث تنظيم جبايتها وتحصيلها من المكلفين بها ومن ثم تنظيم صرفها وتوزيعها في الموارد المقررة لها شرعا.
وفضلا عن كون الضرائب المالية تشكل مبالغ مالية ضخمة لميزانية الدولة الإسلامية فإنها من جانب آخر أداة مهمة يستخدمها التشريع الإسلامي في مجال إعادة توزيع الثروات وتداولها بين أفراد المجتمع الإسلامي بما يحقق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للدولة الإسلامية ، يقول الله تعالى :" ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"( الحشر، 8)، فالتشريع الضريبي في الإسلام يؤدي دورا مزدوجا في حياة الأمة فهو من جانب يؤدي إلى توفير المال الكافي لحاجات الفئات الفقيرة في المجتمع و إدارة المرافق الاجتماعية ومن جانب آخر يهدف إلى القضاء على التورم المالي (التضخم المالي) في طبقات أخرى من المجتمع(الآصفي،1973: 22)، وتعتبر الزكاة والخمس والجزية أهم مصادر الضرائب المالية في الإسلام وقد تحدثنا عنها مفصلا في الفصل السابق باعتبارها أهم مصادر الأموال في النظام المالي الإسلامي.
وتنقسم الضرائب المالية في الإسلام على ثلاثة أقسام هي (الآصفي،1973 :24):
أولا:الضرائب المالية المحددة التي تتعلق بالثروات.
ثانيا:الضرائب المالية المحددة التي تتعلق برؤوس الأشخاص بغض النظر عن نوع الثروة وكمية الثروة التي يملكها أولئك.
ثالثا:الضرائب المالية غير المحددة.
أولا: الضرائب المالية المحددة التي تتعلق بالثروات
وهي تشكل القسم الأكبر والاهم من الضرائب المالية في النظام المالي الإسلامي ،وتتميز الثروات(الأموال) التي تتعلق بها هذه الضرائب بأنها من الثروات التي لا تنقطع حاجة الإنسان إليها والى تداولها مما يعني ضمان استمرارية تحصيلها في المجتمع الإسلامي، وقد بين القران الكريم بعض أنواع الأموال التي تتعلق بها هذه الضرائب كما في آية الخمس والأنفال ، كما بينت السنة النبوية المطهرة الأنواع الأخرى لهذه الثروات(الأموال) ،وقد استعرضنا في الفصل السابق اغلب هذه الأموال ،ونوردها هنا مرة أخرى للتأكيد على أهمية المبالغ التي توفرها هذه الضرائب ودورها الفعال في تحقيق العدالة الاجتماعية للمجتمع الإسلامي الأمر الذي يبرز دور المحاسبة الحكومية في المحاسبة عن هذه الأموال وحفظها وصيانتها خدمة لتحقيق هذا الهدف، هذا من جانب ، ومن جانب آخر نبرز دور التشريع الإسلامي في وضع وصياغة المعايير المحاسبية التي تضمن حفظ هذه الأموال الضخمة وتنظيمها والمحاسبة عنها ، فلم يكن ألGASB أول من نظم هذه الأموال وحدد مواردها ومصارفها ، وإنما سبقه في ذلك النظام الإسلامي قبل أكثر من 1400 عام مضت، آما أهم الثروات التي تتعلق بها الضرائب المالية المحددة في التشريع الإسلامي فهي:
1. الثروة النقدية وهي تتكون من الذهب والفضة المسكوكين بسكة المعاملة ،وتجب عليهما الزكاة بشرط النصاب ومرور حول (عام)كامل على تملكها، فعن الصادق(ع) انه قال:"الزكاة فريضة واجبة على كل مائتي درهم خمسة دراهم ،ولا تجب فيما دون ذلك من الفضة ولا تجب على مال زكاة حتى يحول عليه الحول من يوم ملكه صاحبه ولا يحل أإن تدفع الزكاة إلا إلى أهل الولاية والمعرفة وتجب على الذهب الزكاة إذا بلغ عشرين مثقال فيكون في نصف دينار"(بحار الأنوار،ج93: 39).
2. الثروة الحيوانية وتتكون من الإبل والبقر والغنم وتجب فيها الزكاة بعد بلوغها النصاب ومرور حول كامل ،لو كانت سائمة وغير عاملة ، أما المعلوفة والعاملة-ولو في بعض الحول- فلا يجب فيها شيء،عن الصادق(ع) انه قال:" تجب على الغنم الزكاة إذا بلغت أربعين شاة وتزيد واحدة فتكون فيها شاة ،إلى عشرين ومائة فإذا بلغت مائة وعشرين وتزيد واحدة فتكون فيها شاتان إلى مائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، ثم بعد ذلك يكون في كل مائة شاة شاة ، وتجب على البقر الزكاة إذا بلغت ثلاثين بقرة تبعية حولية ، فيكون فيها تبيع حولي إلى أن تبلغ أربعين بقرة ثم يكون فيها مسنة إلى ستين ثم يكون فيها مسنتان، إلى تسعين ثم يكون فيها ثلاثة تبايع ، ثم بعد ذلك في كل ثلاثين بقرة تبيع وفي كل أربعين مسنة ،وتجب على الإبل الزكاة إذا بلغت خمسة فتكون فيها شاة ، فإذا بلغت عشرة فشاتان ، فإذا بلغت خمسة عشر فثلاث شياه ، فإذا بلغت عشرين فأربع شياه ، فإذا بلغت خمس وعشرين فخمس شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون ،فإذا بلغت خمس وأربعون وزادت واحدة ففيها حقة ،فان بلغت ستين وزادت واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين ، فان زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين ، فإذا زادت واحدة على التسعين ففيها حقتان إلى مائة وعشرين، فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة ،ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلا أن يسال المصدق ويعد صغارها و كبارها"( بحار الأنوار،ج93 :49)، ويلاحظ من ذلك تحديد دقيق حتى لأنواع الأموال التي تتعلق بها الزكاة، فيشترط السوم في الأنعام المزكاة أما إذا كانت معلوفة ولو في بعض السنة لم تجب فيها الزكاة، كذلك يشترط أن لا تكون الأنعام المزكاة عوامل فلو استعملت في السقي أو الحرث أو الحمل أو نحو ذلك فلا يترك الاحتياط بإخراج زكاتها( السيستاني، 1423: 228).
3. الثروة النباتية وتتكون من الحنطة والشعير والتمر والزبيب وتجب فيها الزكاة بعد بلوغ النصاب ، لو تمت في ملك مالكها،عن الصادق (ع) انه قال:" تجب الزكاة على الحنطة والشعير والتمر والزبيب إذا بلغ خمسة أو ساق العشر إن كان سقي سيحا، وان كان سقي بالدوالي فعليه نصف العشر ، و الوسق ستون صاعا والصاع أربعة إمداد"( بحار الأنوار،ج93: 45)، ولا تتعلق الزكاة بما يؤكل ويصرف من ثمر النخل حال كونه بسرا(خلالا) أو رطبا وإن كان يبلغ مقدار النصاب لو بقي وصار تمرا(السيستاني،1423: 236)، كما إن مقدار الزكاة في الغلات يختلف باختلاف سقيها ،كأن يكون سقيها بالمطر أو بماء النهر أو بمص عروقها الماء من الأرض...الخ،وذلك كله يبين التحديد الدقيق لأنواع الأموال التي تتعلق بزكاة الغلات[1].
4. الثروة المعدنية والمعادن على ثلاثة أقسام : منها ما يقبل الانطباع كالذهب والفضة والنحاس والحديد ، ومنها لا يقبل الانطباع كالياقوت والزبرجد وغيرهما من الأحجار الكريمة ، ومنها ألما يع كالنفط و الزئبق ،ويجب فيها الخمس بعد إخراج المؤن،عن عمار بن مروان قال سمعت أبا عبدالله(ع) يقول:"فيما يخرج من المعادن والبحر والكنوز الخمس"( بحار الأنوار،ج93:189).
5. الثروة الحربية وهي كل ما يستولي عليها المسلمون في الحرب من أموال الكفار ، من أموال ثابتة وصالحة للنقل كالأسلحة والنقود وغير ذلك ويجب فيها الخمس إذا كانت الحرب والحيازة بإذن النبي أو الإمام –عليهما السلام- ، أما في الأراضي فالمفتوحة العامرة منها تبقى موقوفة لمصالح المسلمين على استمرار العصور ، دون أن يحق لأحد من المسلمين تملكها وغير العامرة منها ملك للإمام،عن أبي جعفر(ع) قال:" كل شيء قوتل عليه على شهادة إن لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله (ص) فان لنا خمسه ولا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقنا"(وسائل الشيعة،ج9 :487).
6. الثروة التجارية وهي كل ما يفضل للتاجر عن مئونة عياله سنة كاملة من أرباح التجارة ،ويتعلق بها الخمس ،ويميل بعض الفقهاء إلى اعتبار الزكاة فيها، عن محمد بن الحسن الأشعري قال كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (ع) اخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الضياع وكيف ذلك؟" فكتب بخط الخمس بعد المئونة"( وسائل الشيعة،ج9 : 500) .
7. الثروة الصناعية [60]وهي كل ما يفضل لذوي الصناعات من أرباح الصناعة بعد وضع المئونة ومرور سنة كاملة ، ويتعلق بها الخمس، عن العالم(ع) انه قال :"... وكل ما أفاده الناس فهو غنيمة ،لا فرق بين الكنوز والمعادن والغوص ومال الفيء الذي لم يختلف فيه ، وهو ما ادعى فيه الرخصة وهو ربح التجارة وغلة الصنعة وسائر الفوائد على المكاسب والصناعات والمواريث وغيرها"(بحار الأنوار،ج93: 189).
8. الثروة الزراعية وهي كل ما يفضل للزارع عن مئونة عياله سنة كاملة من أرباح الزراعة ،ويتعلق بها الخمس، سئل أبا الحسن الثالث(ع) عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرما يزكي فيأخذ منه العشر عشرة أكرار وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا وبقي في يده ستون كرا ما الذي يجب لك من ذلك وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيء؟فوقع (ع) يقول:" لي منه الخمس مما يفضل من مئونته"( وسائل الشيعة ،ج9 :500) .
9. الثروة الأرضية وهي الأراضي التي يشتريها المواطن الذمي من المواطن المسلم سواء كانت من الأراضي المفتوحة أو من الأراضي التي اسلم عليها أهلها ، ويجب فيها الخمس،عن أبي جعفر (ع) قال:" أيما ذمي اشترى من مسلم أرضا فان عليه الخمس"( وسائل الشيعة ،ج9 : 505).
10. الثروة المدخرة وهو المال المدخر في الأرض الذي يعثر عليه المسلم في دار الحرب أو في الوطن الإسلامي ، من غير أن يعرف مالكه الشرعي ، ويتعلق بها الخمس، قال رسول الله (ص) :"... وفي الركاز الخمس"(بحار الأنوار،ج93: 189).
11. ضريبة الأموال المختلطة المال المختلط يفرز منه المال الحرام ، ويرد إلى أصحابه الشرعيين إذا عرف قدره، ويفرز منه الخمس لحساب الدولة إذا لم يعرف قدره وصاحبه،عن الإمام علي(ع) انه أتاه رجل فقال إني كسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا وحراما ، وقد أردت التوبة لا ادري الحلال منه من الحرام ، وقد اختلط علي فقال (ع):" تصدق بخمس مالك ، فان الله قد رضي من الأشياء بالخمس وسائر المال لك حلال"( بحار الأنوار،ج93: 190) .
إن كثرة الموارد المالية السابقة الذكر وتنوعها واستقلالها عن بعضها البعض مع تعدد أوجه إنفاقها (مصارفها) يتعين إعداد موازنات مستقلة لكل نوع منها ،وذلك للوفاء باحتياجات المجتمع الإسلامي ،وعليه يجب إعداد موازنة مستقلة للزكاة وهو ما اتفق عليه معظم المعاصرين(الأبجي،1990: 1141)،ويعلل عبد السلام (1980: 333) ضرورة فصل أموال الزكاة واستقلالها ، بقوله: "إن نظام تجميع إيرادات الممول في وعاء واحد قد يكون له مزايا من حيث العدالة ووضوح صورة النتيجة المالية الصافية حين تمتص خسارة نوعية إيراد نوعية أخرى، إلا إن الأمر يختلف في الزكاة إذ يخضع كل نوع من الأموال مستقلا بنظامه لأن الوعاء فيها إيجابي باستمرار ، نظرا لأن الخاضع في حالة المال المنقول المملوك المكلف هو صافي تمازج الأصل والنتاج ، ولا يتصور نتاجا سالبا يلتهم أصله كله أو مصدره بالكامل" .
ويمكن بذلك توجيه موارد الزكاة لصرفها على المواضع الملحة والضرورية حيث تخضع الأخيرة للسياسة المالية للدولة الإسلامية وخدمة لتحقيق أهدافها المتمثلة أساساً بإحقاق الحق وتحقيق العدالة الاجتماعية الإسلامية،كما يمكن إعداد موازنة أخرى للإيرادات الخراجية وأخرى لإيرادات الأنفال ..الخ،وقد ذكر القاضي أبو يوسف في نصيحته لهارون الرشيد :" ومر باختيار رجل أمين ثقة عفيف ناصح مأمون عليك وعلى رعيتك فوله جمع الصدقات في البلدان،... و لا تولها عمال الخراج فإن مال الصدقة-أي الزكاة- لا ينبغي أن يدخل في مال الخراج" وهذه إشارة إلى إعداد ميزانية مستقلة للزكاة(أحمد علي، 1969: 380). ويذكر لنا المازندراني في كتابه "الزكاة" أنه كان يستخدم نظام دقيق لتصنيف الإيرادات والمصروفات في كل السجلات المحلية والمركزية، فلكل مصروف وإيراد تصنيف محدد حسبما حدد في الميزانيات المحلية والمركزية، لذا فإن مخرجات النظام المحاسبي يتم الإفصاح عنها بشكل دقيق ،يبين فيها جميع تفاصيل الإيراد والمصروف.(الحميد،1427هـ)[61].ونرى إن ذلك يعني تطبيق نظرية تعدد أنواع الأموال التي ينادي بها ألGASB .
ثانيا: الضرائب المالية المحددة التي تتعلق برؤوس الأشخاص
واهم هذه الضرائب هي:
· زكاة الفطرة : وهي تسمى أيضا بزكاة الأبدان ،وهي تجب بحلول شهر شوال على كل مكلف بالغ متمكن عن نفسه وعمن يعيله ،وهي صاع من القوت الذي يتناوله عادة من الحنطة والشعير والأرز والتمر أو غير ذلك.
· الجزية وهي مبلغ معين من المال توضع على الرؤوس ،وتسقط بالإسلام ، وذلك في قوله تعالى:" قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون"(التوبة،29)،وقد فرضت الجزية على الذميين في مقابل فرض الزكاة على المسلمين حتى يتكافأ الفريقان ،لان الذميين والمسلمين رعية لدولة واحدة ويتمتعون بحقوق واحدة ،وينتفعون بمرافق الدولة العامة بنسبة واحدة ،لذلك أوجب الله تعالى الجزية للمسلمين نظير قيامهم بالدفاع عن الذميين وحمايتهم في الأقاليم الإسلامية التي يقيمون فيها(حسن،1939: 274)، والمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة إن الجزية لا حد لها بل تقديرها إلى الإمام ،قال كلانتري نقلا عن الشيخ في المبسوط "ليس للجزية حد محدود ولا قدر مقدور بل يضعها الإمام على أراضيهم أو على رؤوسهم على قدر أحوالهم من الضعف والقوة (كلانتري،1416هـ:123)،وقد كان النبي(ص) يقدرها بحسب الأحوال وعلى مقتضى التراضي الذي كان يقع بين المسلمين و أعدائهم
· ضريبة الفداء وهي ضريبة مالية تضرب على الأسرى المحاربين ليطلق سراحهم بعد انتهاء فترة الحرب.
· الأضحية وهي تجب على كل حاج في منى ومكة وقد تتعدد الأضحية حسب ما يرتكبه الحاج من مخالفات في وقت الحج والإحرام.
ثالثا : الضرائب المالية غير المحددة
قد تقع بعض الظروف الطارئة والعاجلة للدولة الإسلامية والتي تستدعي وجود نفقات كثيرة قد لا تغطيها الواردات المالية الاعتيادية ،وذلك كما في حالة الأزمات والكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات أو في حالة وقوع الحرب، ففي هذه الحالات تلجئ الدولة الإسلامية إلى فرض ضرائب مالية جديدة في حدود حاجة البلاد وإمكانيات الأمة المادية (الآصفي،1973 :28)،وقد اقر التشريع الإسلامي هذا النوع من الضرائب ،ففي القرآن الكريم وردت عدة آيات توضح هذا الأمر،كما في قوله تعالى:"واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ..."(الأنفال،62) ، وقوله تعالى : "..وجاهدوا بأموالكم و أنفسكم ..." (التوبة، 41) ،وقوله تعالى :"... وكرهوا إن يجاهدوا بأموالهم و أنفسهم.." (التوبة،82).
وبالتأكيد فان تهيئة السلاح للقاء الأعداء والإعداد اللازم من العدة والعدد يحتاج إلى الكثير من الأموال والنفقات، وكلمة قوة وان قصدت لفظا إلا أنها ذات معنى واسع فهي لا تختص بأجهزة الحرب والأسلحة الحديثة لكل عصر فحسب بل تتسع لتشمل كل أنواع القوى والقدرات التي يكون لها اثر ما في الانتصار على الأعداء سواء من الناحية المادية والناحية المعنوية ،فالذين يرون إن السبيل الوحيد للانتصار على الأعداء هو كمية السلاح هم على خطأ كبير , فلا ينبغي الغفلة عن بقية القوى والقدرات الاقتصادية والثقافية والسياسية ،والتي تندرج تحت عنوان القوة ولها تأثير بالغ على الأعداء (الشيرازي، 1413هـ: 436).
علاوة على ذلك فان من الضرائب المالية الأخرى التي قد تفرض على المسلمين لحالات طارئة باب الصدقات ومساعدة الإخوان على قدر السعة ،ففي قوله تعالى :" و الذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم"(المعارج: 24 ) إشارة إلى وجود حقوق مالية يجب إخراجها غير الزكاة ،وان هذا الحق واجب مالي يتسم بالمرونة وقد ترك تعيينه إلى صاحب المال يخرجه حسب وقت ومقدار معلومين يشخصه صاحب المال نفسه(الحكيم، 2003 :428) فعن أبي عبدالله (ع) قال:" ..الحق المعلوم ليس من الزكاة هو الشيء تخرجه من مالك إن شئت كل جمعة وان شئت كل شهر ولكل ذي فضل فضله .. فالحق المعلوم غير الزكاة وهو شيء يفرضه الرجل على نفسه انه في ماله ونفسه ويجب له أن يفرضه على قدر طاقته وسعته" ( من لا يحضره الفقيه، ج2: 48) ، وفي قوله تعالى:" و آتوا حقه يوم حصاده" أيضا إشارة إلى وجود مثل تلك الحقوق المالية التي يستحب أدائها استحبابا مؤكدا ،فعن شعيب العقرقوفي قال سالت أبا عبدالله (ع) عن قوله "و آتوا ..." قال:" الضغث من السنبل والكف من التمر إذا خرص قال وسالت هل يستقيم إعطاؤه إذا ادخله قال لا هو اسخى لنفسه قبل أن يدخل بيته"( بحار الأنوار، ج93: 92).
القسم الثاني: إيرادات ممتلكات الدولة (الدومين العقاري)
وهي الإيرادات التي تدخل إلى خزينة الدولة عن طريق ممتلكاتها العقارية ، وقد ذكرنا سابقا في معرض الحديث عن الأراضي الخراجية وغيرها إن الملكية العامة في الإسلام هي على قسمين هما :
أ- ملكية الجماعة (الملكية العامة للمسلمين) وهي تشتمل على العقارات التي تملكها مجموعة الأمة حكاما ورعايا وهي تعتبر وقفا على المسلمين جميعا فهي ملك عام للمسلمين جميعا من وجد منهم ومن يوجد،ويجوز لهم الانتفاع بها واستثمارها بإشراف من الحاكم الإسلامي مقابل بدل مالي خاص تحدده الحكومة ولا يجوز تملك رقبة هذه العقارات ولا بيعها ولا شراؤها ، ويعود ربح هذه العقارات –التي أهمها أراضى الفتح الإسلامي – وواردها الذي تستلمه السلطة من المنتفعين بها إلى بيت المال الذي يصرف على حاجات المسلمين والمرافق الاجتماعية.
ب- ملكية الدولة ، وهي تشتمل على مجموعة العقارات التي تملكها السلطة الحاكمة أو الحاكم الشرعي بصفته حاكما على المسلمين ،وتعرف هذه العقارات في الفقه الإسلامي ب(الأنفال) وتشتمل على الثروات العقارية والطبيعية الرئيسية في الدولة(الآصفي ، 1973 : 34).
وكما في الضرائب المالية فان هنالك أنواعا من العقارات التي تمتلكها الدولة أو تملك الإشراف عليها والتي من أهمها:
1) الأراضي ،وهي تعتبر من الموارد المهمة للدولة الإسلامية وقد تحدثنا عن أهم أقسامها سابقا وهي:
· الأراضي التي استولى عليها المسلمون من بلاد الكفار من دون قتال، سواء كانت أراضى عامرة أو موات.
· أراضى الفتح الإسلامي العامرة ، وهي ملك للمسلمين يشرف عليها الإمام ويؤجرها أو يستثمرها ويصرف حاصلها على المسلمين .
· أراضى الفتح الإسلامي الموات(البائرة)، وهي ملك للإمام الممثل لجهاز الحكم يجعل عليها من يعمرها ويصرف طسقها (أجرتها) على المرافق العامة.
· أراضى دار الإسلام الموات،وهي ملك للإمام يصرف طسقها في شؤون الأمة والحكومة
· الأراضي الموقوفة ،حيث يتولى شأنها الإمام إذا لم يعين الواقف عليها أحدا.
ويحقق التشريع الإسلامي في مجال تمليك الأراضي أمرين رئيسين، فهو من ناحية يحد من توسع الملكيات الأرضية كما في حال الأراضي الموات حيث تكون ملك للحكومة ويتم توزيعها على الفلاحين والمنتفعين بإشراف من السلطة ، ومن ناحية أخرى فان حق السلطة في سحب ملكية أصحاب الأرض الذين أهملوا إحياء أراضيهم-كما أسلفنا- و إعادة الأراضي إلى من يمارس إحياؤها يضمن استمرار عملية الإحياء و الإعمار في الأراضي في بلاد الإسلام (الآصفي ، 1973: 38).
2) سواحل البحار،وهي ملك الدولة.
3) الغابات والأحراش، وهي تدخل ضمن ملكية الدولة ، و لا يحق للفرد استغلالها إلا بإذن الحاكم ،وضمن الشروط التي يحددها.
4) رؤوس الجبال والأودية ،وهي ملك الدولة.
5) صفايا الملوك وإقطاعياتهم ،وهي الأراضي الزراعية والإقطاعيات الكبيرة التي كان يملكها الملوك قبل أن يحكم الإسلام البلاد ،يقوم الإمام (الحكومة)بصرف ريعها على الرعايا المسلمين والمسالمين عن طريق بيت المال.
6) المعادن والمناجم ، وهي على ثلاثة أقسام :فلزات تقبل الصهر كالذهب والفضة والرصاص والنحاس والحديد ،ومائعة وشبه مائعة كالنفط والزئبق ،وجامدة كالأحجار الكريمة والفحم الحجري. وهذه المعادن تمد الصناعة بالمواد الأولية الخام ومن ثم فان استيلاء الدولة على المناجم يؤدي إلى إشراف الدولة على سير الإنتاج الصناعي بصورة عامة والتمكن من تكيفها بالشكل الذي يحقق العدالة الاجتماعية ، وفي الفقه الإسلامي فان ملكية كافة المناجم والمعادن هي للإمام (الحاكم الشرعي)( الآصفي ، 1973 : 40).
7) الأنهار والبحار ، وهي من الأنفال التي تعود ملكيتها للدولة ، وهي من الموارد المهمة التي تدر أموالا كبيرة على الدولة إضافة إلى إمكانية تأميم بعض المشاريع الحيوية عن طريقها مثل مشاريع الماء والكهرباء .
القسم الثالث: الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية التي تقوم بها الدولة(القطاع العام)
تقوم الدول –أيا كان نوع نظامها الاقتصادي- بممارسة الأنشطة الاقتصادية في السوق بعنوان القطاع العام لغرض الحصول على موارد مالية إضافية تستخدمها لتغطية نفقاتها المتنوعة فتقوم فلأجل ذلك بإنشاء المشاريع التجارية والصناعية والزراعية وغيرها.
والدولة الإسلامية في عهد النبي الأكرم (ص) أو الخلفاء الأوائل من بعده لم تكن بحاجة إلى موارد مالية كبيرة نظرا لمحدودية احتياجاتها الاقتصادية والمالية في ذلك الوقت ،إلا أنها لم تمنع من اللجوء إلى هذه المشاريع في حالة الحاجة و البحث عن موارد مالية جديدة،ونرى إن التشريع الإسلامي يحث على الأنشطة الاقتصادية التي توفر مستوى العيش الكريم اللائق بالفرد المسلم ،فمبدأ العمل وبذل الجهد في طلب الرزق من اجل تحقيق المستلزمات الاقتصادية للمعيشة ،وعدم جواز الاتكال على الآخرين في سد الاحتياجات المالية ،يعتبر من المبادئ العامة للنظام الإسلامي والذي يعد أيضا من الأعمال المقدسة اللازمة والمقربة إلى الله تعالى(الحكيم،2003: 438)، يقول الإمام الصادق(ع):" إصلاح المال من الإيمان" ( الكافي،ج3 :87)، وعن داود بن سرحان قال :"رأيت أبا عبدالله(ع) يكيل تمرا بيده فقلت جعلت فداك لو أمرت بعض ولدك أو بعض مواليك فيكفيك، فقال: " يا داود انه لا يصلح المرء المسلم إلا ثلاثة : التفقه في الدين ،والصبر على النائبة ،وحسن التقدير في المعيشة (الكافي ،ج4: 87).
وقد أكد التشريع الإسلامي على مجموعة من الأنشطة الاقتصادية المفيدة لتكون موضع اهتمام الدولة- والأفراد أيضا- وتركيزها عليها ،لتحقق عن طريقها أرباحا مادية معقولة لتغطية نفقاتها العامة ولتسيير أعمال الجهاز الحكومي أيضا، أما أهم هذه الأنشطة فهي:
1. النشاط التجاري، وردت الكثير من الروايات والنصوص التي تحث على هذا النشاط ، فقد ورد عن أهل البيت(ع) قولهم إن تسعة أعشار الرزق أو البركة في التجارة ،ويقول النبي(ص) :" التاجر الأمين الصدوق المسلم مع الشهداء يوم القيامة" (سنن ابن ماجة: 724)،عن الصادق(ع) قوله إن " التجارة تحفظ عقل الإنسان "، وقوله :" ترك التجارة ينقص العقل"، وعن أمير المؤمنين(ع)قوله:" تعرضوا للتجارة فان فيها غنى لكم عما في أيدي الناس"(وسائل الشيعة، ج11: 12)،إن هذا النشاط كان ولازال من أهم النشاطات الاجتماعية التي يحظى أصحابها بالاحترام والتقدير وكان يمارسه الإشراف من الناس، وذلك لما تمثله التجارة من دور رئيس في عملية التبادل الاقتصادي ،وفي تشخيص القيمة السوقية والتوازن في الأسعار في إطار قانون العرض والطلب وكذلك في تشجيع الإنتاج ومن ثم تساهم مساهمة أساسية في الحاجات المهمة الضرورية للمجتمع الإنساني (الحكيم، 2003: 450).
2. النشاط الزراعي، وتعتبر الزراعة والاستثمارات المتعلقة بها من الخطوط الاقتصادية الرئيسة للأمة ، حيث تكون المصدر الأول للغذاء كما إنها تعتبر مصدرا مهما لبعض المواد الأولية التي تدخل في كثير من الصناعات الأساسية أو التحويلية أو اليدوية ، ومما يزيد في أهمية النشاط الزراعي كون المال الناتج عنها طاهرا ونقيا وبعيد عن الشبهات والإشكاليات الشرعية (الحكيم، 2003: 454) ففي رواية عن أهل البيت (ع) :" خير الأعمال الحرث يزرعه فيأكل من البر والفاجر.."(وسائل الشيعة ،ج1: 193)، وبما إن الدولة تستولي على مساحات كبيرة وشاسعة من الأراضي العامرة والموات وتملك صفة الإشراف عليها ، فإنها والحالة هذه تملك إمكانيات نقدية وأرضية كبيرة تمكنها من إحياء قطع كبيرة من الأراضي لحسابها والقيام بممارسة النشاط الزراعي بصورة واسعة تتجاوز حدود طاقة الفرد وإحداث مزارع وحقول نموذجية وكبيرة تخضع للتطورات الزراعية الجديدة وتوفر لها موارد مالية كثيرة(الآصفي ، 1973: 44).
3. النشاط الصناعي ، إن ملكية الدولة لمصادر الثروة الطبيعية كالمعادن والغابات والأحراش ورؤوس الجبال والأراضي العامرة طبيعيا توفر لها كميات هائلة من المواد الخام الضرورية للصناعات وتمكنها من أن تدخل مشاريع الإنتاج والتصنيع عند اللزوم وأن تشرف على سير الصناعة في البلاد ، وهي بذلك تحقق أهدافا مهمة عدة منها الحصول على مصادر إضافية للدخل المادي ،ومنها تكييف وضع الإنتاج والتجارة في البلاد وتوفير فرص العمل وتعديل الأسعار والأجور بصورة عادلة بعيدة عن الأثرة والاحتكار والتحكم في الأسواق، ولكن يجب الإشارة إلى ملاحظة مهمة حول قيام الدولة بهذه الأنشطة ، فالدولة في المجتمع الإسلامي حينما تدخل الأسواق التجارية ليس باعتبارها ممثلة للسلطة العامة ،و إنما تدخل في الأنشطة التجارية والإنتاجية بالصفة الخاصة كما يدخل أي فرد آخر يملك إمكانيات مادية أوسع مما يملكه الآخرون ،وبالتالي لا يحق لها أن تتحكم بما تملك من قوة تنفيذية في أوضاع السوق كما لا يحق لها أن تلجئ الشركات الأهلية إلى الانسحاب عن السوق بشكل من الأشكال(الآصفي ، 1973 : 45).
القسم الرابع: القروض الحكومية
أجاز الفقهاء الاقتراض على بيت المال بشروط معينة ،لسد العجز في موارد بيت المال،وذلك في حالة عجز وقصور واردات الزكاة والجزية والخراج،وواردات الضرائب الأخرى، التي يفرضها الوالي المسلم مادام ذلك يتم بالعدل وعدم التعسف(عناية،2006: 40)،فقد تضطر الدولة في بعض الحالات إلى الحصول على موارد مالية إضافية لسد نفقاتها ،فتلجا إلى الاقتراض وسيلةً لتغطية الإنفاق العام والحقوق المالية المتعلقة بسيادة الدولة ، وذكرت الابجي نقلا عن الماوردي قوله انه إن اجتمع على بيت المال حقان ،وضاق عن كل واحد منهما ،جاز لولي الأمر –إذا خاف الفساد- أن يقترض على بيت المال ما يصرفه(الابجي، 1990: 1151)، فإذا لم تجد الحكومة من المال ما يفي بحاجتها فلها أن تطلب من أهالي البلاد القروض الحسنة بدون فوائد ،وإذا لم يف ذلك بحاجتها فلها أن تأمر المصارف بإقراضها بدون فوائد جزءا من ودائع الأفراد لديها ،وذلك كحقها في طلب الخدمة العسكرية الإجبارية من أهالي البلاد (الابجي، 1990: 1151).
القسم الخامس: الواردات المالية عن طريق الولاية العامة على المواطنين،
كالضرائب المالية التي يفرضها ولي الأمر على مختلف المرافق الحياتية ومنها العشور والمكوس التي تتقاضاها الدولة على التجارات الواردة والضرائب المفروضة على الصناعة والزراعة ،والضرائب التي تتقاضاها الدولة نتيجة المخالفات ، إضافة إلى واردات الهبات الشعبية لدولة أو الوصايا لها .
واردات أخرى (واردات الأوقاف العامة ونحوها)
لقد ذكرنا إن الأوقاف تتميز عن الموارد المالية الأخرى بأنها تخضع لشروط الواقف نفسه،ومن ثم يقوم بصرف أمواله بالطريقة التي يراها مناسبة ،فهنالك مرونة بالصرف وخصوصية في الفائدة،وهذا الأمر قد ساعد وبشكل كبير على دعم الإمكانات المالية والاقتصادية للدولة الإسلامية وتحسين أوضاعها (الحكيم،2003 : 403) ، ويمكن أن نرى مدى استجابة الأفراد لهذه العملية الإنسانية الإسلامية من خلال العدد الكبير من الأوقاف العامة والخاصة وانتشارها في عموم الدول الإسلامية كالمساجد والمدارس والحسينيات والمكتبات العامة والطرق العامة وغيرها، لذلك لا تدرج أموال الأوقاف ضمن الأموال المنفقة على سبل البر المخصصة أو المحددة ، وإنما تخضع كما قلنا أولا لشروط الواقف نفسه ، وترى الأبجي أنه لا يمكن ضم أموال الأوقاف ونحوها كالنذور والوصايا والهبات إلى موازنة الزكاة لأن الأخيرة مخصصة لمصارف تزيد عن المصارف التي خصصت لها الإيرادات غير العادية ، كما يجب ألا تضم موازنة هذه الإيرادات للموازنة العامة للدولة التي تتضمن أموال الأنفال-التي تختص بكافة نفقات الدولة الأخرى – لأن إدراج الإيرادات غير العادية فيها- كإيرادات الأوقاف- يؤدي إلى غبن لمصارف هذه الإيرادات مع مراعاة أن هذه المصارف حددت بالكتاب والسنة ولا مجال للاجتهاد في معظم مصارفها(الأبجي، 1990: 1147).
لذا يلزم فصل هذه الأموال المخصصة (وفقا لشروط وظروف الواقف) في موازنة مستقلة تضم كافة الإيرادات غير العادية ،وتنفق في المجالات التي يحددها الواقفون أنفسهم ،بحيث توزع أموال الأوقاف على مصارفها فقط ، وتذكر لنا الدجيلي(1976: 80): إنه كان يوجد في كل بيت مال ، أربعة محاسبين مستقلين كي يقوموا بمتطلبات العمل كل حسب اختصاصه،وحسب أنواع الأموال المجباة وهي: أخماس المعادن والركاز(الكنز)، وزكاة الزروع والحيوانات و عشور التجارة، وأموال الخراج والجزية والمكوس، واللقطة، وكان لكل ولاية ديوان خاص بها في بغداد يصرف شؤونها ويهيمن عليه، ويتألف من دائرتين 1) ديوان الأصل ووظيفته فرض الضرائب وإيداعها بيت المال، ومراقبتها ومعاقبة المسئولين عنها أو محاسبتهم إذا استلزم الأمر فهو يختص بالإدارة،2) ديوان الزمام(ديوان المال) ومهمته محاسبة كل ديوان والإشراف على الإدارة في الولايات. وهنا يتضح مرة أخرى أن النظام الإسلامي أول من وضع نظام لتحديد أنواع الأموال وتخصيص موازنات وسجلات خاصة بكل نوع منها.
هذا مجمل عن أنواع الأموال التي ترد خزينة الدولة ولها سلطة الإشراف والتصرف بها وإنفاقها على المواضع المخصصة لها،ونلاحظ من ذلك سعة الأموال الواردة للدولة الإسلامية وتنوعها ومرونتها بشكل لا تضيق عن مواكبة تطور نفقات الدولة واحتياجاتها ،ويمكن أن نلاحظ أن التخطيط لهذه الأموال وطريقة تنظيمها وجبايتها وصرفها يتميز بالعدالة الاجتماعية التي يريدها التشريع المقدس من فرض هذه الأموال ،ومن ثم توزيعها بصورة معينة ومحددة على طبقات الأمة بشكل عادل ،ونلاحظ أيضا انه لا يمكن التصرف بهذه الأموال جميعا في شؤون الدولة أو مصالح المسلمين ،بل إن الزكاة لها مصارف محددة لا يجوز أن تنفق في غير تلك المواضع ،والحال نفسه بالنسبة لموارد الخمس والأوقاف والنذور والكفارات ، مما يتطلب عملية فصل لأنواع الموارد المالية والنفقات المرتبطة بكل نوع منها واستقلالية كل نوع من تلك الأموال بمجموعة دفاتر ومستندات وسجلات محاسبية خاصة بها، وهذا يمثل مبدأ تعدد أنواع الأموال واستقلاليتها الذي ينادي به أل GASB.
3) معيار تخفيض (أو التحفظ في)عدد الأموال في الوحدة الحكومية
جاء في بيان ألGASB حول هذا المعيار " إن الوحدة الحكومية عليها أن تُنْشِأْ وتحافظ على الأموال المطلوبة قانونا ،وعليه لابد من الاحتفاظ بأقل عدد ممكن من الأموال والتي تكون من ضمن المتطلبات القانونية والإدارية "، ويعلل السعبري ذلك بقوله :"إن الإسراف في عدد الأموال يؤدي إلى التعقيد وعدم المرونة ،فضلا عن إضعاف كفاية الإدارة المالية"(السعبري، 2000: 70).
الإسراف والتقتير في القران الكريم والسنة النبوية المطهرة:
يحرص الإسلام على تنظيم وإدارة الأموال والممتلكات العامة وأموال المسلمين عامة، وفق قواعد وأحكام حددت بعضها الشريعة المقدسة ، وترك البعض الآخر لسلطة الحكومة الشرعية في التدخل والإشراف على الحياة الاقتصادية للمجتمع الإسلامي ، ووفق ما يراه الحاكم الشرعي مناسبا لتحقيق استقرار المجتمع وتقدمه وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وقد ورد عن النبي (ص) نهيه عن جملة من الأمور التي من بينها " ...وإضاعة المال"(بحار الأنوار، ج72: 304) ، كما قال(ص):" لا منع ولا إسراف ولا بخل ولا إتلاف" (مستدرك الوسائل ،ج15، 266)، ومن المعروف إن من بين الأمور التي تؤدي إلى إضاعة المال و إتلافه هي سوء إدارة تلك الأموال وعدم الكفاءة والفعالية في جبايتها وتنظيمها وتسجيلها ، ومن ثم صرفها في مواضعها المخصصة لها.
لذلك فقد حرص الإسلام على إيجاد كافة السبل والوسائل التي يمكن بواسطتها حفظ الأموال العامة وصيانتها عن طريق التنظيم الفعال والكفء لتلك الأموال ، ويمكن أن نرى ذلك واضحا من خلال تحديد أنواع الأموال التي تخضع لسيطرة الدولة ، إضافة إلى تحديد الجهات المسئولة عن إدارة تلك الأموال من حيث تنظيم جباية وتحصيل تلك الأموال وقياسها وتوزيعها وصرفها في مواضعها المخصصة لها.
فقد حدد النظام الإسلامي أولا أنواع الأموال التي تخضع لسيطرة الحكومة الشرعية ، ومن ثم حدد مواضع صرف معينة محدودة وفق قواعد إلزامية تشريعية لابد من التقيد بها ، وهو في ذلك كله فصل فصلا تاما بين تلك الأنواع من الأموال ، وقسمها إلى أنواع أساسية مستقلة بذاتها لا يمكن ضم بعضها إلى بعض أو خلطها معا، وأوكل إدارة تلك الأموال إلى جهات (مؤسسات ودوائر حكومية) معينة ، ويمكن أن نلاحظ أن هناك مؤسسات خاصة لإدارة أموال الزكاة ،وأخرى لإدارة الإيرادات الخراجية ، وثالثة لإدارة الأوقاف والكفارات والنذور ..الخ، وذلك لأجل ضمان استخدام الأموال بكفاءة وفاعلية تضمن حفظ هذه الأموال وصيانتها من الضياع أو الهدر أو الاختلاس، وكذلك ضمان توزيعها وصرفها في مواضعها المخصصة لها ،وقد ذكرنا في الفقرة السابقة إنه كان يوجد في كل بيت مال ، أربعة محاسبين مستقلين كي يقوموا بمتطلبات العمل كل حسب اختصاصه،وحسب أنواع الأموال المجباة ، كما كان لكل ولاية ديوان خاص بها في بغداد يصرف شؤونها ويهيمن عليه، ويتألف من دائرتين:
1) ديوان الأصل ووظيفته فرض الضرائب وإيداعها بيت المال، ومراقبتها ومعاقبة المسئولين عنها أو محاسبتهم إذا استلزم الأمر فهو يختص بالإدارة.
2) ديوان الزمام(ديوان المال) ومهمته محاسبة كل ديوان والإشراف على الإدارة في الولايات. وبهذا يتضح لنا أن مبدأ تخفيض عدد الأموال في الوحدة الحكومية موجود أيضا في النظام المحاسبي الإسلامي.
4) معيار محاسبة الموازنة العامة
ورد في هذا المعيار انه على كل وحدة حكومية إن تقوم بتهيئة شكل مناسب لجميع الخطط التي تظهر الإيرادات والنفقات المحتملة ،أي الخطط المالية وعلى هذا الأساس وضع مبدأ الموازنة وكالآتي:
· ينبغي على كل وحدة حكومية أن تعتمد على موازنة أو موازنات سنوية .
· ينبغي أن يوفر النظام المحاسبي الحكومي الأساس لرقابة ملائمة للموازنة.
· يجب أن تتضمن القوائم والجداول المالية بيانات مقارنة عن موازنات السنوات السابقة للأموال الحكومية ،حيث يتم اعتماد الموازنة على أساس هذه الأموال.
وقد ذكرت ألGASB في معيار سابق إن النظم المحاسبية الحكومية يجب أن تصمم على أساس المال الذي يعني إجمالا إن الوحدات الحكومية عليها الالتزام بإنفاق الأموال المخصصة لها وفي حدود الأنشطة أو الأهداف المحددة لها ،وهو يعني الالتزام بنظرية الأموال المخصصة ،التي تشير إلى إن القدرة الاتفاقية لهذه الوحدات تستمد من المبالغ المخصصة لها في الموازنة ،وعليها الالتزام بها من الناحية الكمية والنوعية ،أي لا يحق لها الصرف بأكثر مما مخصص ،وان يتم الصرف على المواضع المخصصة لها طبقا للتشريعات والتعليمات المالية،هذا من جهة ،ومن جهة أخرى جاء في معيار لاحق تحديد لأنواع الأموال التي تسيطر عليها الحكومة والتي تكون مجالا للتخصيص والصرف.
إن هذا يقودنا إلى انه لابد أن تكون هناك خطة ما تخصص فيها تلك المبالغ(الأموال) وطريقة تخصيصها ومن يقوم بذلك ،وكيف يتم الالتزام بها من قبل الوحدات الحكومية،إن تلك الخطة هي الموازنة العامة للدولة التي تعتبر الأداة التنفيذية الوحيدة لنظرية الأموال المخصصة(تخصيص الأموال) ،فتظهر فيها المبالغ المخصصة لكل دائرة ،وفيها تظهر أنواع المصروفات والإيرادات التي تتعامل بها الوحدات الحكومية، (فريح، 1990 : 19 )، فالموازنة عبارة عن "قائمة تضم التقديرات التفصيلية المعتمدة(المخصصة) لاستخدامات وموارد الدولة لسنة مالية مقبلة"( طرابزوني،1994: 119 )،فهي خطة مالية قصيرة الأجل (لسنة مالية) تحتوي على كلفة نشاطات الوحدات الحكومية خلال سنة مالية لاحقة، ومصادر تحويلها،وهي بذلك تعتبر وثيقة رسمية تحدد مستقبل النشاط المالي للحكومة(الحجاوي،2004: 159).
أهمية الموازنة العامة للدولة
لقد كانت النظرة التقليدية لعملية الموازنة على إنها أداة رئيسية لضمان الرقابة على استخدام الأموال العامة ،وكان هدفها الأول تتبع استخدام الاعتمادات المخصصة ،وقد اعتبر هذا المنهج كافيا حينما كانت الحكومة ذات أنشطة محدودة إلا إن التطورات الاجتماعية والسياسية وما تبعها من تطورات اقتصادية وكذلك أزمات ومشاكل اقتصادية متكررة ،أدى ذلك إلى تزايد وتنوع الأنشطة التي تضطلع الحكومة بأدائها ،من تخطيط الموارد وتخصيصها وتوزيعها وتحليل آثارها ونتائجها ونحوها، بحيث إن الموازنة التقليدية لم تعد قادرة على مواجهة احتياجات متخذي القرارات على مختلف المستويات الحكومية لتحقيق الإدارة الفعالة ،كما إنها لا تلبي تلبية كاملة متطلبات السلطة التشريعية لإعادة النظر في الأهداف المنجزة ومراجعتها ،وحتى أنها لا تعطي للشعب فكرة مكتملة عن الأغراض التي تنشدها الحكومة(دليل المحاسبة الحكومية،6 197 :23).
ونتيجة لذلك فقد أعيد توجيه عمليات الموازنة لتصبح أداة أكثر فعالية في الإدارة والاقتصاد،ولذلك لاقت نظم الموازنة الحكومية في السنوات الأخيرة عناية خاصة باعتبارها أداة رئيسية للإدارة ووسيلة فعالة لتخصيص الموارد المتاحة لتنفيذ البرامج والمشروعات التي تسعى الحكومات إلى تنفيذها ،ومع تزايد الشعور بان نظم الموازنة التقليدية لم تعد ملائمة لتلبية طموحات الدولة ،فقد اتجه نحو تطوير هذه النظم ،وتطورت على أساس ذلك المفاهيم والأساليب المستخدمة في إعداد الموازنة العامة بصورة ملحوظة ،فظهرت طرق عديدة لإعداد الموازنات ،مثل موازنة البرامج وموارنة الأداء ،والموازنة التخطيطية،وموازنة التخطيط والبرمجة والموازنة الصفرية،وأصبح مبدأ توافق أهداف الموازنة مع أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة ،من المبادئ الهامة لإعداد الموازنة،وبموجبه تعد الموازنة ترجمة وانعكاسا للأهداف التنموية للدولة،وبما يحقق الانسجام بين الموازنة والخطط التنموية(احمرو،2003: 66) فأصبحت الموازنة على أساس ذلك وسيلة يمكن عن طريقها استقراء اتجاهات الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وخططها المستقبلية ،فهي كالمرآة التي تجسد الآمال والنهضة الاقتصادية للدولة.
وتتضمن الموازنة العامة جانبين أساسيين ، أولهما تقدير النفقات على مستوى الحكومة المركزية للسنة المالية المقبلة، وثانيهما تقدير الإيرادات التي عن طريقها يتم تمويل تلك النفقات ،ويمثل الفرق بين مجموع النفقات ومجموع الإيرادات الفائض أو العجز في الموازنة، ويتم إعداد موازنات الوحدات الحكومية الذي يعتبر خطوة أساسية لإعداد الموازنة العامة ، ذلك أن الموازنة العامة ما هي إلا مجموع موازنات الوحدات الحكومية المركزية .
الموازنة في التشريع الإسلامي
إن التوازن والتوسط في جميع نواحي الحياة وجميع مجالاتها هو من السمات الأساسية للدين الإسلامي الحنيف ، فالإسلام يحرص دائما في أية حركة من حركاته وفي جوانب الحياة المختلفة على التوازن ،ويبتعد عن المغالاة للمحافظة على النظام من الاختلال وتجنيبه عيوب قد تصيب المبدأ وقواعده ،أو تصيب السلطة أو تصيب المجتمع لان اختلال المبدأ أو عدم توازنه يؤدي حتما إلى إنشاء قواعد مختلفة تبعا لذلك ،ومن ناحية أخرى فان حمل الناس على المغالاة والتشدد فوق ما يطيق أوسطهم يؤدي إلى الاختلال أيضا وعدم الموازنة،وبالتالي تنفيرهم قال الله تعالى:" لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"(البقرة،286)،ولان التشدد والمغالاة تفسد ضمير المجتمع وتجعله يعيش تحت وطأة العقد النفسية المدمرة، وبالتالي يصبح التوازن والموازنة في جميع الأمور المخرج الوحيد الذي يفتح أمام الإنسانية طريقا لبناء نظام اقتصادي واجتماعي بعيد عن الاختلال والاستغلال والقهر(العاني، 2003: 84).
إن أهمية التوازن في أي جانب من جوانب حياة الإنسان هي مسالة عظيمة وحيوية ،بحيث إننا حتى لو ألغينا المعنى المحدود والصغير لهذا التوازن والذي نعني به التوازن المادي (المقياس) فان العالم يصبح في حالة لا يحسد عليها من الفوضى والاضطراب في مجال التعامل ،فكيف بنا إذا ألغينا المفهوم الأوسع لهذه الكلمة حيث مما لاشك فيه إن الاضطراب والفوضى ستكون بصورة أوسع واشمل،وبالتالي فان وجود الميزان والتوازن سواء في نظم العالم اجمع أو المجتمع الإنساني أو الروابط الاجتماعية أو مجال العمل التجاري ،فإنها جميعا نعم من قبل الله سبحانه ويصبح التخطيط - من أساسيات الوصول إلى التوازن- مطلبا شرعيا باعتباره من قبيل إعداد العدة الذي أمرنا به الله بقوله تعالى:" واعدوا لهم ما استطعتم من قوة"( الأنفال، 60)، وهو أيضا من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو قوام المجتمع الإسلامي لقوله تعالى:" ولتكن منكم أمة ..." (آل عمران، 104) ، وهو في النهاية إذ يرسم خطط المستقبل لفترات متتالية وآجال متعاقبة إنما ينفذ ما أثر عن الإسلام (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ،واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا) ، ويقوم التخطيط على اعتبارات موضوعية قوامها الأرقام والإحصائيات ، فالتخطيط ليس تنبؤا بالغيب وإنما هو وسيلة لضبط الأهداف وتحديد وسائل تحقيقها في أقل فترة ممكنة وبأقل جهد أو تكلفة.
لقد بينا في الفصل السابق إن من المسؤوليات الأساسية الملقاة على عاتق الدولة في الاقتصاد الإسلامي تتمثل في إيجاد التوازن الاجتماعي للمجتمع ، ولا يعني التوازن الاجتماعي في الإسلام إلغاء التفاوت المطلق بين الأفراد في الثروة ،لان هناك حقيقتين لا يمكن تجاهلهما تؤديان بالضرورة إلى إيجاد مثل هذا التفاوت وهما:
1- الحقيقة التكوينية، وهي تفاوت الأفراد في خصائصهم ومؤهلاتهم النفسية والفكرية والجسدية بقطع النظر عن الظروف المحيطة بهم من معوقات ومحفزات ،وسبب هذا التفاوت هو تباين العوامل الطبيعية السيكولوجية التي تنبع منها الاختلافات الشخصية في مختلف الخصائص والصفات.
2- الحقيقة المذهبية القائلة إن العمل هو أساس الملكية وما لها من حقوق.
ونتيجة ذلك هو تفاوت الأفراد في الثروة ،وعليه فان التوازن الاجتماعي في الإسلام لا يعني توازنا في مستوى دخول الأفراد وثرواتهم بل هو توازن في مستوى المعيشة الذي يقضي على التناقضات الفادحة التي نراها في النظم الوضعية ،فنجد إن الإسلام يسعى لتحقيق نوع من التوازن الاجتماعي والاقتصادي يتيح لكل فرد في المجتمع مستوى لائق في المعيشة ،وقد اعتمد الإسلام على مجموعة من الوسائل والأدوات لتحقيق هذا الهدف ،وهي كما ذكرت سابقا :
· الضرائب الثابتة في التشريع وهي الخمس والزكاة بأصنافها ، فيرتفع بالفقير إلى مستوى المعيشة في عصره كما عند سائر الناس وبما يتناسب مع الحجم العام للثروة ومستوى الرقي والرفاهية المتعارفة.
· إيجاد القطاعات الإنتاجية والخدماتية العامة التي تؤمن إنفاقاً و تقديمات مناسبة، فالإسلام لم يكتف بالضرائب الثابتة التي شرعها لأجل التوازن بل حمل الدولة مسؤولية الإنفاق في القطاع العام لهذا الغرض،فعن الإمام موسى بن جعفر(ع):"إن على الوالي في حالة عدم كفاية الزكاة إن يمون الفقراء من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا"وتدل كلمة (من عنده) على إن غير الزكاة من موارد بيت المال يتسع لاستخدامه في سبيل إيجاد التوازن بإغناء الفقراء ورفع مستوى معيشتهم، كما يدلل هذا الحديث على قاعدة حكومية معاصرة مهمة وهي الالتزام بالإنفاق ولو لم تكف الموارد.
· التشريعات الإسلامية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية التي تساهم في إيجاد التوازن وحمايته ، مثل تحريم اكتناز النقود وإلغاء الفائدة والاستثمارات الرأسمالية للثروات الطبيعية التي تؤدي إلى القضاء على الاحتكار والإخلال بالتوازن الاجتماعي.
والموازنة العامة للدولة هي من ضمن هذه الأساليب التي تستخدمها الدولة في الوقت الحاضر في سياستها المالية لتحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية والتي أهمها تحقيق التوازن الاجتماعي والعدالة الاجتماعية،فأصبحت وسيلة لضمان تحقيق عدالة في العبء الضريبي،وبأقل أثر على الاقتصاد فضلا عن كونها وسيلة للسعي نحو تحقيق مساواة(توازن) المنافع الاجتماعية المتحققة من النفقات مع التكاليف الاجتماعية(احمرو،2003: 66) ، وتأكيدا لمبدأ التوازن وتمييزا عن الميزانية العمومية المتعارف عليها في النشاط التجاري، يطلق لفظ الموازنة بدلا من الميزانية على الخطة التي تتضمن تقديرات لموارد واستخدامات الدولة لسنة مالية مقبلة(طرابزوني،1994: 119)،فضلا عن إن مصطلح الموازنة العامة يستخدم للتعبير عن تقديرات الإيرادات والنفقات(الموارد والاستخدامات) للدولة، بدلا من مصطلح الميزانية التقديرية التي تستخدم في المحاسبة التجارية(الحجاوي،2004: 159).
لقد سبق التشريع الإسلامي النظم الوضعية في العلوم المالية والمحاسبية،فقد وضع القواعد والمعايير التي تنظم هذا الجانب الحيوي من الحياة اليومية للناس، وخاصة فيما يتعلق منها بالموازنة العامة للدولة،في حين لم تكن في الولايات المتحدة الأمريكية موازنة تنفيذية شاملة قبل عام 1920 م ، بل أن كل دائرة اعتادت على تقديم موازنتها لمجلس النواب الأمريكي مباشرة، ولم تكن سلطة لنقل المخصصات بين أوجه الإنفاق،وانحصر اهتمام الكونغرس على منع الدوائر من زيادة النفقات دون وجود تخصيصات ولم تكن طلبات الدوائر مترابطة ومتناسقة بينها ،وكل دائرة كانت تقسم نفقاتها بطريقة خاصة مختلفة عن غيرها (احمرو،2003: 69).
وقد جاءت في القران الكريم إشارات واضحة إلى الموازنة العامة للدولة وكيفية إدارتها تحديد أوجه الإيرادات والنفقات العامة ، يقول الله تعالى على لسان يوسف:"قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم" ( يوسف،55) ويرى مغنية( 1981: 330) إن الآية المباركة تشير إلى موضوع حيوي ومهم في حياة البشر وهو إن " المال عصب الأمة وحياتها فإذا لم يكن زمامه بيد الأكفاء علما وخلقا ،كان مصير الأمة إلى الهلاك والدمار حتى في سني الخصب والرخاء أما إذا كانت مقادير الأمة بيد الأكفاء الأمناء فإنهم يقودونها إلى خيرها وصلاحها دنيا و آخره" ، ويمكن القول إلى إن ذلك يدل ضمنا على إن الأكفاء لابد إن يقوموا باستخدام الوسائل والأدوات الكفيلة بحفظ المال وصيانته وتوزيعه على مستحقيه التي منها إعداد موازنة متقنة بالإيرادات والمصاريف المتوقعة . لقد كان يعلم يوسف إن جانبا كبيرا من الاضطراب الحاصل في ذلك المجتمع الكبير المليء بالظلم والجور يكمن في القضايا الاقتصادية ،لذلك فمن الأفضل له أن يسيطر على اقتصاديات مصر حتى يتمكن من مساعدة المستضعفين ،وان يخفف عنهم –قدر ما يستطيع- الآلام والمصاعب ويسترد حقوقهم من الظالمين ويقوم بترتيب الأوضاع المتردية في ذلك البلد المترامي الأطراف،ولذلك يقول"إني حفيظ عليم" أي احفظ المال من الإسراف والضياع ،واعلم المستحقين له من غيرهم واضع كل شيء في موضعه،وقد أشرنا سابقا إلى بعض الآيات المباركة التي تحدد الإيرادات العامة الرئيسة للدولة الإسلامية المتمثلة بالزكاة والخمس والصدقات الأخرى كما أشرنا إلى الآيات التي تحدد مواضع صرف هذه الإيرادات .
وعلى أساس ذلك يؤكد الكثير من الباحثين على إن ظهور الموازنة يعود إلى عهد النبي الأكرم(ص)(الابجي، 1990: 1131) ، حيث انه كان يكتب له كل ما يرد إليه من إيرادات ، وكان يجري تقديرا لها قبل ورودها ،ويتمثل ذلك في خرص(تخمين) الثمار وتقديرها ،وكتابة الصدقات والخمس، وكان يحتفظ بسجلات لكثير من أنواع النفقات التي يمكن تقديرها ،فقد انشأ(ص) ديوانا(سجلا) خاصا للصدقات يكتب فيه أموال الصدقات وكان الزبير وجهم بن الصلت كاتبيه على الصدقات ،أما حذيفة بن اليمان فكان يكتب له خرص النخل وان المغيرة بن شعبة والحصين بن النمير كانا يكتبان المداينات والمعاملات (الخياط، 1990: 934)،كما كان (ص) يحتفظ بسجلات لأسماء المسلمين وذرياتهم تدون كي توزع عليهم الاعطيات طبقا لها كما يعد العدة للنفقات غير المتوقعة فيوفر لها جزءا من الإيرادات العامة لمواجهتها عند حدوثها ومن ثم يمكن أن تعتبر أول موازنة إسلامية عرفها المسلمون قد ظهرت في عهد الرسول (ص) ،وبذلك تنتفي حجج من يعتقد إن الموازنة إنما بدأت في إنجلترا وفرنسا،ويثبت للتشريع الإسلامي فضل الريادة في إعداد الموازنة على العالم الغربي المتقدم (الابجي،1990: 1131).
ولا يقتصر إثبات أصالة وجود الموازنات في الإسلام على الجانب التاريخي فحسب ،و إنما هذه الأصالة نراها واضحة في قواعد ومعايير التشريع الإسلامي التي تتصف كما أسلفنا بالواقعية ،فهي ليست مجرد قواعد ومعايير نظرية بحتة ، و إنما هي ذات جانب واقعي تطبيقي أيضا ، فالموازنات موجودة في الإسلام ،وبجميع أنواعها المعروفة حاليا-تقريبا- وان إجراءات ومعايير إعدادها وتنفيذها، موجودة أيضا ضمن مصادر التشريع الإسلامي المعروفة.
أنواع الموازنات
قبل الخوض في أنواع الموازنات التي يمكن إيجادها ضمن تشريعات النظام الاقتصادي الإسلامي ، لابد من التذكير بملاحظة مهمة وهي نحن لسنا هنا بصدد التعرض لتفاصيل نشأت الموازنات أو مراحل تطورها والظروف التي رافقت ذلك وإنما ما يعنينا ويهمنا هو إثبات أصالة وجودها في التشريع الإسلامي ،و إمكانية استنباط معايير وقواعد من هذا التشريع الخالد ،يمكن استخدامها في إعداد الموازنات بأنواعها المعروفة ووفقا لظروف وشروط كل زمان ومكان.
ومن أنواع الموازنات الموجودة :
1) الموازنة التقليدية .
2) الموازنات الجارية والموازنات الاستثمارية.
3) الموازنة النقدية والموازنة العينية.
أولا: الموازنة التقليدية
بموجب الموازنة التقليدية يتم تحديد جميع وحدات الإنفاق الحكومي وفقا لفصول ، يتألف كل فصل منها من مجموعة من المواد، وذلك في قوائم تفصيلية تحتوي تقديرات لقيم بنود النفقات العامة،وتقديرات لقيم بنود الإيرادات العامة(الحجاوي،2004: 181).
إن هذه الموازنة تهتم بهيكل بنود الصرف ،بحيث يبين كل بند الهدف والغرض من الصرف ،ولذلك تدعى هذه الموازنة بموازنة البنود ،وتتسم هذه الموازنة بتفاصيل بنودها لاهتمامها الشديد بعنصر الضبط والتحكم في المصروفات ،وعليه تعتبر موازنة الدولة بهذا الشكل أداة لفرض الرقابة المالية والقانونية على الإنفاق الحكومي ،كما أنها تهتم بمشكلة ضبط التحكم في المصروفات ،ولذلك يبرز الدور المحاسبي في مراحل تنفيذ الموازنة(الابجي،1990: 1185).
أما أهم المقومات اللازمة لتطبيق موازنة البنود فهي:
1. تطبيق نظرية الأموال المخصصة ،بحيث يتم تخصيص اعتمادات محددة لمصروفات محددة.
2. خلق اعتمادات مالية تخصص لمصروفات معينة ،بحيث تلتزم الوحدات الحكومية بهذه الاعتمادات ولا تتجاوزها.
3. الالتزام بنظام محاسبي رقابي فعال على أوجه بنود الصرف .
ويمكن أن نلاحظ أن معايير وقواعد تطبيق الموازنة التقليدية (موازنة البنود) موجودة في التشريع الإسلامي وقبل أن تحددها المحاسبة الوضعية بأكثر من ألف وأربعمائة سنة وكالآتي:
v لقد اقر التشريع الإسلامي بمبدأ تخصيص الأموال ،وقد تم تطبيق قاعدة التخصيص تطبيقا دقيقا لبعض الإيرادات ،وقد ناقشنا ذلك سابقا خاصة فيما يتعلق بتخصيص أموال الزكاة والخمس والكفارات المالية.
v إن التشريع الإسلامي قد حدد كيفية خلق الاعتماد ثم تخصيصه في شكل قواعد أحكم إعدادها وتنظيمها بدقة ألزم بها القائمون على إعداد الموازنة مراعيا في ذلك مصلحة المجتمع الإسلامي وأهدافه، فقد حددت مصادر الشريعة الإسلامية موارد الدولة الإسلامية وكيفية صرفها وتوزيعها في مواضع مخصصة ومحددة لا ينبغي التجاوز في اغلبها.
v إن التشريع الإسلامي قد ركز بصورة كبيرة على موضوع الرقابة على جباية وصرف الأموال ،وشدد على أهميته وخطورته ونرى ذلك واضحا من خلال تنوع المجالات الرقابية المطبقة في النظام الإسلامي المتمثلة بالآتي:
أ- الرقابة المالية المحاسبية
ب- الرقابة الذاتية
ت- الرقابة الإدارية
ث- الرقابة الشعبية
ثانيا: الموازنات الجارية والموازنات الاستثمارية
نتيجة الأخذ بمبدأ التخطيط في كثير من الدول ،نشا ارتباط وثيق بين الموازنة وخطة التنمية ،بحيث تطور مفهوم الموازنة إلى مرحلة سنوية من مراحل تنفيذ الخطة ،ويعتمد تقسيم الموازنة العامة إلى موازنة جارية وموازنة استثمارية على تضمن الأولى الإيرادات والمصروفات الاعتيادية ،وتضمن الثانية على المصروفات المتعلقة بتنفيذ مشروعات التنمية التي تهدف إلى إنشاء أصول جديدة أو زيادة الطاقات الإنتاجية للأصول القائمة أو تحسين اقتصاديات تشغيل هذه الأصول، وعليه فإن:
الموازنة الجارية: تتضمن النفقات والإيرادات الجارية للوحدات الحكومية أي ما يتم تخصيصه من مبالغ لمواجهة النفقات اللازمة لقيام الوحدات بأداء المهام المكلفة بها ،وتسمى هذه بالموازنة الاعتيادية أي أنها تتضمن الإنفاق الاعتيادي ذو الطبيعة المتكررة(فريح، 1990: 21).
والموازنة الاستثمارية (موازنة الخطة السنوية): تتضمن ما يتم تخصيصه من مبالغ لتنفيذ المشاريع الاستثمارية كالطرق والجسور والمشاريع الصناعية والزراعية والخدمية المختلفة والتي تنتهي بإنشاء مشروع استثماري مستمر أو مشروع خدمي (إنشاء مستشفى ،إنشاء طرق ،جسور،مشاريع مختلفة)( فريح، 1990: 21).
أنواع الموازنات في النظام الإسلامي
وإذا لاحظنا أنواع الموازنات التي كانت مطبقة في الدولة الإسلامية وهي موجودة في النظام المالي الإسلامي فإننا نجد الآتي:
أ)الموازنة الجارية :
يرى بعض الباحثين إن الموازنة الجارية كانت مطبقة في الدولة الإسلامية(الابجي، 1990: 1184)، فقد ورد في عهد الإمام علي(ع) إلى مالك الاشتر(رض) قوله:"..وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله فاصرفه إلى من قبلك من ذوي العيال والمجاعة" حيث تعتبر الصدقات والأموال الزكوية المصدر الأول لتغطية رواتب موظفي الولاية وما زاد على ذلك يوزع على الفقراء والمساكين ،يقول أمير المؤمنين(ع):" الناس كلهم عيال على الخراج و أهله" والمقصود بالناس عامة الموظفين والمجاهدين الذين قال عنهم الإمام (ع) :" لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله من الخراج"( الموسوي ، 1998: 258)،وقد ذكر الزهراني في معرض حديثه عن أنواع النفقات في زمن الدولة العباسية انه كان هناك ديوانا خاصا بالنفقات يتألف من عدد كبير من المجالس وهي ما نسميها في الوقت الحاضر بالأقسام ،حيث يختص كل مجلس (قسم) بعمل خاص به ،ومن هذه المجالس مجلس الجاري ،ويسميه البعض بإدارة الرواتب الجارية الذي يختص بإعداد وضبط نفقات المرتزقة[62] وذلك بتنظيمهم بحسب الأعمال المسندة إليهم واثبات أوقات استحقاقهم لرواتبهم معتمدا في ذلك على سجلات أو جرائد يجري إعدادها لهذا الغرض(الزهراني،1986: 113).
وعليه، تطبق الموازنة الجارية على بعض أنواع الإيرادات والنفقات التي تتصف بالدورية أو التكرار ،فبعض أنواع الأموال التي تتعلق بها الزكاة والتي تجبى موسميا كزكاة الغلات أو سنويا كزكاة الفطرة ،وكذلك ضريبة الجزية وأنواع الأموال التي يتعلق الخمس بها إن مثل هذه الإيرادات هي إيرادات اعتيادية دورية يمكن تخصيصها لتصرف على نفقات اعتيادية دورية أيضا كأعطيات الجند وأرزاقهم ورواتب و أعطيات العمال، فضلا عن القائمون بالخدمات الاجتماعية العامة كالتعليم والتبشير والدعوة و الطبابة وحفظ الأمن الداخلي وحفظ الثغور والجهاد والإدارة وما شابه ذلك ورواتب العاملون على جباية الضرائب المالية والولاية عليها وتنظيم شؤونها وتسجيل حساباتها (الآصفي، 1973: 63).
ب)الموازنة الاستثمارية :
لقد ذكرنا سابقا إن التشريع الإسلامي يحث على الأنشطة الاقتصادية التي توفر مستوى العيش الكريم اللائق بالفرد المسلم ،فمبدأ العمل وبذل الجهد في طلب الرزق من اجل تحقيق المستلزمات الاقتصادية للمعيشة ،وعدم جواز الاتكال على الآخرين في سد الاحتياجات المالية ،يعتبر من المبادئ العامة للنظام الإسلامي والذي يعد أيضا من الأعمال المقدسة اللازمة والمقربة إلى الله تعالى(الحكيم،2003: 438)، يقول الإمام الصادق(ع):" إصلاح المال من الإيمان" ( الكافي،ج3 :87)،وهذا الأمر موجه إلى جميع فئات الشعب بما فيها الحكومة ،فتقوم الحكومة أيضا بإنشاء المشاريع الاستثمارية التي تهدف من خلالها إلى تقديم الخدمات العامة للمواطنين وفي الوقت نفسه تدر عليها مبالغ مالية معقولة تساعدها في تغطية نفقاتها المالية المتزايدة، وعلى الرغم من إن الدولة الإسلامية في عهد النبي الأكرم(ص) والخلفاء الأوائل لم تكن –بحكم الظروف الاقتصادية والمالية في ذلك الوقت – بحاجة إلى المزيد من الدخل المادي وحيث إن مواردها المالية كانت كافية لتغطية نفقاتها المالية ، إلا أنها –الدولة الإسلامية- لم تغلق على نفسها أبواب هذا المورد المشروع عندما تلجئها الظروف المادية إلى البحث عن موارد مالية جديدة ،أو أنها بحاجة إلى البناء والتشييد و الإعمار. فعلى سبيل المثال ،إن مصرف الزكاة كما حددته الآية المباركة لا يقتصر على الأشخاص بل يشمل الجهات العامة والمرافق الاجتماعية التي تخدم المصلحة العامة من الجهات المذكورة في الآية المباركة ،ويفسر الفقهاء قوله تعالى:"سبيل الله" كأحد مصارف الزكاة بأنه يعني الطريق الذي يؤدي إلى رضا الله تعالى ويشمل كافة المرافق الاجتماعية الخيرية (الآصفي، 1973: 72)،ومن المصالح العامة للمسلمين تعبيد الطرق وبناء الجسور والمستشفيات وملاجئ للفقراء والمساجد والمدارس الدينية ونشر الكتب الإسلامية المفيدة وغير ذلك مما يحتاج إليه المسلمون (السيستاني،2003: 245).
إن كل هذه المشاريع تحتاج إلى مبالغ تخصص لها من موازنة الدولة وفق خطة معدة مسبقا عن أنواع هذه المشاريع والمبالغ التي تحتاجها والفترة التي يستغرقها تشييد هذه المشاريع ...الخ، وبالضرورة فان ذلك يستلزم وجود موازنة خاصة بها ، أي إن الموازنة الاستثمارية موجودة في النظام المالي الإسلامي.ونلاحظ إن الموازنة الاستثمارية كانت مطبقة أيضا في الدولة الإسلامية،ففي عهد الإمام علي(ع) إلى مالك الاشتر إشارة واضحة إلى هذا الأمر حيث يقول (ع) :"..وليكن نظرك في عمارة الأرض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج لان ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ،ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد واهلك العباد" فعمارة الأرض ستضيف موارد مالية جديدة يمكن الاستفادة منها في مجال الرواتب والنفقات المتنوعة وتتم جميع هذه النفقات باستقلالية عن الأجهزة المركزية التي لها حصة من هذه الموارد بعد أن يتم استخراج المقادير الضرورية للولاية وبعث البقية للمركز ،ويقول أمير المؤمنين (ع):" وما فضل عن ذلك فاحمله إلينا لنقسمه فيمن قِبَلِنا"(الموسوي ،1998: 259)، لقد جعل الإمام (ع) الخراج (الإيرادات العامة للدولة) سبب كل إصلاح تريده الحكومة وهو أساس كل عمران وحضارة في الدنيا، وإن في إصلاحه وصلاح أهله صلاحا للرعية لأن الناس كلهم عيال على الخراج(الفكيكي، 2003: 208). كما ذكرت الدجيلي إن من ضمن نفقات بيت المال في عهد الدولة الأموية كانت تخصص مبالغ لصرفها على المنشات العامة ،حيث كان ينفق منها على بناء المدن والمساجد وحفر الأنهار وسد البثوق[1] وبناء التحصينات وما شابه ذلك ،وقد بلغت نفقة بناء مدينة بغداد 4833000 درهم ،وفي عام 160هـ اعلم والي البصرة الخليفة بضيق مسجدها والازدحام الشديد فيه ،فأمر له بمائة ألف درهم تنفق على توسيعه،كما كانت الأموال تنفق على بناء تحصينات و أسوار للمدن إذا دعت الحاجة لها،وكذلك تنفق الأموال لسد البثوق وتلافي أخطارها ،فقد صرف على سد بثق بالأهواز اضر بأرضها وزراعتها الكثير مائة ألف درهم(الدجيلي،1976 : 121-122)، كما ذكر الزهراني انه في زمن الدولة العباسية كان هناك مجلس خاص تابع لديوان النفقات السابق ذكره يسمى "مجلس البناء والمرمة" ويسميه البعض بإدارة المشاريع العمومية ،حيث يتولى مسؤولية التخطيط والتنفيذ والإنجاز الشامل للمباني المطلوبة من الخلافة أو الوزارة ،كما يتولى أعمال التعمير والترميم للمباني القائمة والإشراف على الخدمات المتصلة بذلك ،وذلك اعتمادا على قوائم وسجلات وخطط معدة مسبقا عن هذه المشاريع تتضمن معلومات تفصيلية عنها( الزهراني، 1986: 116) ،كما إن ديوان الخراج كان يرتبط بديوان النفقات من خلال قيام الأول بمسائل كثيرة مثل الإشراف على الأراضي والصرف على عمارة تلك الأراضي واستحداث مشاريع جديدة كتشييد القناطر والجسور والنواظم وإنشاء القنوات للري ،وتقديم المقترحات عن المشاريع واستقدام المهندسين والفعلة وتوفير المواد اللازمة للمشاريع ومتابعة العمل فيها وتظهير الأنهار العظام والقنوات والمجاري والمساقي (الزهراني، 1986: 121)،ويبين لنا الشكل رقم(5) الهيكل التنظيمي لديوان النفقات في زمن الدولة العباسية[63]:
الشكل رقم(5)
الهيكل التنظيمي لديوان النفقات في زمن الدولة العباسية
مجلس مجل مجلس مجلس مجلس مجلس مجلس مجلس
لجاري البناء والمرمة الإنزال الكراع الحوادث والتحرير الإنشاء النسخ بيت المال
ثالثا: الموازنة النقدية والموازنة العينية:
هنالك أنواعا أخرى للموازنة العامة للدولة في النظام المحاسبي الوضعي كالموازنة العينية والموازنة النقدية ،حيث يقصد بالموازنة العينية (خطة الوحدة في صورة عينية أي في صورة وحدات كمية أو فنية )حيث يكون الغرض من تصوير هذه الموازنة هو تحديد الاحتياجات العينية للوحدات حتى يمكن للخطة تدبيرها مقدما(الابجي،1990: 1182)،أما الموازنة النقدية فهي توضح جانبي المقبوضات والمدفوعات النقدية وتهدف لقياس الفائض أو العجز النقدي الذي يمكن أن يحدث عند تنفيذ خطة الموازنة(الابجي،1990: 1182).
ويمكن أن نلاحظ إن هذا النوع من الموازنات موجود في النظام المالي الإسلامي وكان مطبقا في الدولة الإسلامية:
أ)الموازنة العينية :
وتتمثل بعناصر الإيرادات التي كانت تحصل بصورة عينية ،كبعض أنواع الأموال التي تتعلق بها الزكاة مثل زكاة الأنعام وزكاة الغلات ،وقد مر بنا بعض الأحاديث الشريفة التي تبين كيفية استخراج مقدار الزكاة في أنواع الأنعام (الغنم والبقر والإبل) ،وكذلك في أنواع الغلات الأربعة (الحنطة والشعير والتمر والزبيب)،ويذكر الزهراني انه في عهد الدولة العباسية كان هناك ديوانا تابعا لديوان النفقات يسمى ديوان "الإهراء" الذي يتولى مهمة تسلم جميع الأموال العينية من الغلال كالقمح والشعير ،وكل أنواع الحبوب التي يحتاج إليها في العاصمة ،وهذه الأموال ترسل من الأقاليم إلى بيت المال في العاصمة(المركز) فيقوم ديوان الإهراء بالإشراف عليها والنظر فيها (الزهراني،1986: 134).
ب)الموازنة النقدية:
وتتمثل بعناصر الإيرادات التي كانت تحصل بصورة نقدية ،وهي واضحة أيضا في أنواع الأموال الأخرى التي تتعلق بها الزكاة كالإيرادات المستحصلة من أرباح التجارة وزكاة النقدين(الذهب والفضة) وإيرادات الأراضي الخراجية وبعض أنواع الكفارات والنذور والإيرادات الخمسية من أرباح المكاسب،وكان في الدولة العباسية ديوانا باسم ديوان الخزان تنحصر وظيفته في الإشراف على ما يرد إلى بيت المال في الحضرة (المركز) من أقاليم الدولة من صنوف الأموال النقدية أو العينية والأقمشة وغيرها من الملبوسات المتنوعة سواء كانت عسكرية أو مدنية(الزهراني،1986: 134).
قواعد إعداد الموازنة العامة
توجد في المحاسبة الوضعية قواعد معينة تنظم عملية إعداد ووضع وصياغة الموازنات ،وهي تتعلق بكيفية جباية الإيرادات وتقديرها واحتسابها وتوزيعها ،فضلا عن طرق تقدير المصروفات ،وهذه القواعد:
القاعدة السنوية: وهي تتعلق بتحديد فترة زمنية محددة لإعداد الموازنة ،وهي عادة تكون عن سنة مالية واحدة ،ويفضل أن تكون الفترة سنة واحدة لتغطية جميع العوامل الموسمية التي تؤثر على الإنفاق العام وعلى الموارد العامة ،فضلا عن دقة التقديرات الأمر الذي لن يتحقق لو كانت المدة طويلة نسبيا(الجعويني،1974: 310)، وهذا الأمر يساعد على تحقيق نظام رقابة فعال لجوانب صرف النفقات وتحصيل الإيرادات(الحجاوي،2004: 160)،وقد تحدث ظروف استثنائية تقتضي الخروج على قاعدة السنوية، كما في حالة الحروب التي قد تتطلب إعداد الموازنات لفترة تقل عن سنة(هلالي،2002: 62).
قاعدة الوحدة: وتعني أن يكون للدولة موازنة واحدة تحتوي على كافة النفقات والإيرادات كرقم واحد ،وليست الموازنة العامة للدولة مجزأة إلى موازنات مستقلة(طرابزوني،1994: 173)،ويعتقد إن الهدف من وراء ذلك وضوح عرض تقديرات الموازنة وتجنب الازدواج الحسابي الذي ينتج عن تعدد الموازنات ،إلا إن كثيرا ما تستدعي الظروف الخروج عن قاعدة الوحدة والأخذ بفكرة تعدد الموازنات كالموازنات غير العادية أو الملحقة أو المستقلة (الجعويني،1974: 309)ويلاحظ إن كثيرا من الدول بدأت تخرج عن قاعدة الوحدة في إعداد موازناتها نتيجة عوامل وظروف مختلفة وبذلك تعددت موازنة الدولة ،كأن يتم فصل موازنات الأقاليم والمناطق عن موازنة السلطة المركزية(طرابزوني،1994: 174)، كما أنشأت الدول مؤسسات عامة ذات استقلال مالي وإداري مما أوجد لها موازنات خاصة بها، وموازنات ملحقة ،وحسابات سلف وأمانات نقدية ولا تدخل ضمن حسابات الموازنة العامة(احمرو،2003: 68).
قاعدة العمومية:ويطلق عليها أحيانا قاعدة عدم التخصص أو الشيوع،وطبقا لذلك يجب ألا تخصص إيرادات مصلحة معينة للإنفاق على نشاطها ،أو إيرادات إقليم معين للصرف على الخدمات العامة في هذا الإقليم ،كما يجب ألا تخصص إيرادات معينة لمقابلة مصروفات معينة (الحجاوي،2004: 160)،و إنما يتم توجيه الموارد العامة للصرف منها حسب درجة الأهمية والأولوية ، إلا إن لهذه القاعدة استثناءات أيضا مثال على ذلك تحصيل رسوم أرضية جمارك للصرف منها على تحسين أوضاع الجمارك، أو تحصيل رسوم مغادرة من المطارات للصرف منها على تحسين أوضاع المطارات(طرابزوني،1994: 174).
قاعدة التوازن: كانت فكرة التوازن المالي المطلق هي السائدة في ظل النظام الاقتصادي الكلاسيكي ،وهي تقضي بضرورة تساوي حجم النفقات مع الإيرادات بدون فائض أو عجز ،فاختلال التوازن –بالفائض أو العجز- غير محبذ(احمرو،2003: 69). إلا إن ظهور الأزمات الاقتصادية المتكررة والكوارث والحروب، أدى إلى زيادة تدخل الدولة وإشرافها على النشاط الاقتصادي لتحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية وعليه فقد تغيرت فكرة التوازن المالي الكمي للموازنة إلى فكرة التوازن الاجتماعي والاقتصادي ،بمعنى ضرورة أن تسعى الموازنة إلى إحداث نوع من التوازن في الإنفاق لإشباع حاجات المجتمع وأهدافه الاجتماعية والاقتصادية بغض النظر عن نتيجة هذا التوازن ومدى تأثيره على التوازن المالي أي سواء أدى ذلك إلى فائض أو عجز في الميزانية ،وهذا ما نادى به الفكر الاقتصادي الكينزي في الثلاثينيات من القرن الماضي.
قواعد إعداد الموازنات في التشريع الإسلامي
يلاحظ إن اغلب القواعد والمعايير المتعلقة بإعداد وصياغة الموازنة العامة للدولة المعمول بها في الوقت الحاضر ،موجودة في النظام المالي الإسلامي وكانت تطبق في الدولة الإسلامية ،ويمكن توضيح ذلك كالآتي:
أ)قاعدة السنوية
لقد مر بنا تعدد وتنوع مصادر الإيرادات العامة في النظام المالي الإسلامي ،كما بينا خصوصية كل مصدر بحيث يكون من الأفضل إعداد موازنة خاصة لكل نوع منها ،فهناك إيرادات تجبى بشكل دوري أي بشكل منتظم كل فترة محددة قد تقدر بسنة مثل زكاة الفطرة والجزية والخراج والأضحية التي تجب على كل حاج ،والسنة قد تكون سنة هجرية هلالية(قمرية) أو سنة شمسية ،فالخراج على سبيل المثال إذا كان يجبى على أساس مساحة الأرض فانه معتبر بالسنة الهلالية ،أما إذا كان يجبى على أساس مساحة الزرع فانه معتبر بالسنة الشمسية ،وقد اعتمد نظام الجباية في أمصار الدولة الإسلامية على السنة الهلالية منذ أيام الفتوحات فيما يتصل بالصدقات والجوالي أما في القرى فقد ارتبطت ضريبة الجوالي بجباية ضرائب الأرض و الزروع التي تجبى عادة وفق السنة الشمسية(السامرائي،1990: 793)،وفي مثل هذه الحالات فان الموازنة تعد على أساس سنوي(سواء سنة هلالية أم شمسية) قال الشافعي :" وأحب أن يبعث الوالي المصدق فيوافي أهل الصدقة مع حلول الحول ، فيأخذ صدقاتهم ، وأحب ذلك في المحرم " (الخراساني، 1413: 443)ويسمى ذلك بالتشريع الإسلامي الأساس الحولي ،والحول كما هو معروف السنة ،وحال عليه الحول أي مضت عليه سنة.
كما إن هناك إيرادات ذات طبيعة موسمية مثل زكاة الغلات وخراج المقاسمة فان الموازنة في هذه الحالة تعد على أساس يتناسب مع فترات تحصيل تلك الإيرادات وهنا قد تقل الدورة المحاسبية عن سنة كما في قوله تعالى :" وآتوا حقه يوم حصاده" وذلك لغرض احتساب زكاة الغلات،قال أحمد بن حنبل : "ووقت وجوب الزكاة في الحب إذا اشتد وفي الثمرة إذا بدا صلاحها" (الخراساني، 1413: 463)وهناك أيضا إيرادات غير عادية مثل النذور والهبات والكفارات والتركات التي لا وارث لها ،فان الموازنة لهذه الإيرادات ترتبط بوقت الحصول عليها (الابجي،1990: 1133).
لقد طبقت قاعدة السنوية(الدورية) في مجال إعداد الحسابات الختامية للشركات والمنشآت الفردية لغرض حساب الزكاة كما طبقت في الدواوين الحكومية لمعرفة المركز المالي والفائض أو العجز في موازنة الدولة (العيساوي،2003: 187)، كما استخدم الحول (السنة) أساسا لتقدير الدخل والخراج للولايات الإسلامية كما مر.
أن مفهوم السنوية أو الدورية أو الحولية موجود في التشريع الإسلامي وقد عرف منذ بداية تأسيس الدولة الإسلامية ، الذي كان لازما لقياس وتحديد مقادير الزكاة واحتساب واردات بيت المال ونفقاته، في حين انه لم يظهر هذا المفهوم في المحاسبة الوضعية إلا عند ظهور الشركات المساهمة والتشريعات الضريبية(العيساوي،2003 : 190).
إلا إن قاعدة السنوية ليست قاعدة عامة في النظام المالي الإسلامي لتحديد فترة الموازنة ،و إنما القاعدة العامة لذلك تكون على أساس ربط الإنفاق العام بطبيعة الإيرادات وفترات تحصيلها (جبايتها)،وبذلك يظهر الفرق واضحا بين عملية تحديد فترة الموازنات في النظام المالي الوضعي وعملية تحديدها في النظام المالي الإسلامي ،حيث إن الأول يعتبر قاعدة السنوية هي الأساس في ذلك في حين إن الثاني يعتبرها قاعدة ثانوية،وبالرغم من ذلك فان النظام المالي الإسلامي قد أكد على أن لا تزيد تلك الفترة عن السنة،فالحد الأقصى الذي لا ينبغي أن تزيد عنه فترة الإنفاق هو السنة أو الحول ،وفي ذلك يقول الغزالي:"فلا يأخذن مالا كثيرا بل ما يتمم كفايته من وقت أخذه إلى سنة ،فهذا أقصى ما يرخص فيه ، من حيث إن السنة إذا تكررت ،تكررت أسباب الدخل"(الأبجي، 1990 :1134).
ب)قاعدة الوحدة
يتضح من القاعدة السابقة إن النظام المالي الإسلامي يطبق قاعدة تعدد الموازنات وليس الوحدة ،فتنوع الإيرادات وتعددها وخصوصيتها من جهة ،ومن جهة أخرى تحديد مواضع صرف بعض الإيرادات وتعدد مصارفها وتخصيصها ،كل ذلك يستلزم تعدد الموازنات.ويرى البعض ضرورة إعداد موازنة خاصة لكل نوع من أنواع الإيرادات كموازنة للزكاة وأخرى للخراج وثالثة للغنائم ،وهناك من يرى ضرورة إعداد ثلاث موازنات إحداها للزكاة والثانية للغنائم والفيء والثالثة لما عدا ذلك من الإيرادات كالخراج ولكل منها إيراداتها ومصارفها (الأبجي، 1990 :1135).
أما إعداد الموازنات على مستوى الأقاليم أو المناطق ،فقد كان في بادئ الأمر يتم تخصيص إيرادات كل منطقة للصرف منها على المنطقة نفسها ،فقد كانت القاعدة العامة في النظام المالي الإسلامي إن يخصص لكل مصر ما يجبى من المقاطعات التي فتحها مقاتلة ذلك المصر، وعلى ذلك فان الدخل الرئيسي للبصرة –مثلا- يأتي من خراج المقاطعات التي فتحها مقاتلة البصرة (العلي،1969: 131) ،وهكذا بالنسبة لبقية الأمصار.ولكن الدولة اضطرت في بعض الأحيان أن تدفع العطاء للمهاجرين والأنصار والمسلمين الأوائل حتى إذا لم يشتركوا بالفتوحات الإسلامية ،كما إن واردات بعض المقاطعات كانت لا تكفي لسد حاجة الولاية التي فتحتها ،لهذا يخصص لأهل (البصرة) واردات بعض المقاطعات التي فتحها الكوفيون وحدهم أو بالاشتراك مع البصريين (كنهاوند و اصفهان أو قسم من الأهواز وتستر )وهي من فتوح أهل الكوفة والبصرة معا(الزبيدي،1970: 222) .
فالأساس هو إنفاق الموارد المحصلة محليا على المناطق التي جبيت منها ،فان كانت الأموال محصلة من الزكاة وجب إنفاقها على الفقراء وسائر مصارف الزكاة محليا ،وان كانت أموالا عامة مثل الخراج كان إنفاقها للمصالح العامة محليا أيضا ، مما يستلزم ضرورة إعداد موازنات محلية لكل منطقة على حدة ولكل نوع من أنواع الإيراد(الابجي،1990: 1137).
فالنظام المالي الإسلامي يرى ضرورة تعدد الموازنات ،وهذا الأمر قد اخذ به النظام المالي الوضعي مؤخرا ،وبدأت تطبقه بعض الدول في الوقت الحاضر وبصور مختلفة منها (طرابزوني،1994: 173):
· تقسيم الموازنة على قطاعات نوعية (زراعة ،صناعة ،مواصلات، إسكان،الخ) ثم يعاد تقسيمها طبقا للمقومات الإدارية للدولة(حكومية ،هيئات عامة، مؤسسات اقتصادية).
· الفصل بين الموازنات الاستثمارية وموازنات التحويلات الرأسمالية.
· فصل موازنات الأقاليم والمناطق عن موازنة السلطة المركزية.
· إعداد موازنات لحالات طارئة تكون مستقلة وملحقة بالموازنة العامة للدولة.
ج) قاعدة العمومية
يتميز النظام الاقتصادي الإسلامي بالمرونة والتكيف طبقا للظروف المستجدة والأحوال المستحدثة ،ونرى ذلك واضحا في قاعدة العمومية ،فالنظام المالي الوضعي يؤمن بعدم اعتبار التخصص أو الشيوع قاعدة أساسية لتخصيص الإيرادات الخاصة بموازنة سنة معينة ،والخروج عن هذه القاعدة يعتبر استثناء كما ذكرنا ذلك سابقا ،في حين إن النظام المالي الإسلامي نراه مرنا من هذه الناحية ،فهو لكي يحقق أهدافه الاجتماعية والاقتصادية المتمثلة أساساً بتحقيق العدالة الاجتماعية ،قد اخذ بقاعدة العمومية وقاعدة التخصيص على حد سواء ،وقد تحدثنا عن موضوع تخصيص بعض أنواع الأموال وتعيين مواضع صرفها والأهداف التي يروم التشريع الإسلامي إلى تحقيقها من وراء ذلك، وخاصة فيما يتعلق بتخصيص موارد الزكاة والخمس والكفارات .
وفي الوقت نفسه، فقد اخذ الشارع المقدس بقاعدة العمومية ،ولكن لأنواع معينة من الإيرادات أهمها الأنفال التي تتميز بتعدد أنواعها، حيث تنفق هذه الإيرادات على المصالح العامة للأمة كافة ،كبناء المدارس والمستشفيات والجسور والقناطر وشق الطرق والأنهار ونحوها ،وعليه فكل الإيرادات المتمثلة بالأنفال وسائر الإيرادات التي تجبيها الدولة تنفق على كافة النفقات العامة دون تخصيص إيراد محدد لنفقة محددة(الابجي،1990: 1139).
د) قاعدة التوازن
يؤمن النظام الاقتصادي الإسلامي بما فيه النظام المالي والمحاسبي ،بضرورة تحقيق التوازن ولكن ليس التوازن المالي المطلق،و إنما التوازن الاجتماعي ،أي التوازن في مستوى المعيشة الذي يعني أن يكون المال موجودا لدى أفراد المجتمع ومتداولا بينهم إلى درجة تتيح لكل فرد العيش في المستوى العام (الصدر،1973 :626)،وبالتالي فان إعداد الموازنة العامة للدولة لابد أن يقوم على هذا الأساس أي التوازن الاجتماعي والاقتصادي.
ويمتاز النظام المالي الإسلامي –كما لاحظنا- بصلاحيته الواسعة لموازنة الموارد المالية للدولة بنفقاتها العامة،فنجد إن الدولة الإسلامية تنظم مواردها المالية في حدود نفقاتها ومصروفاتها ،وذلك لتحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية من خلال مسايرة الحاجات المادية في المجتمع وتسيير المرافق العامة من دون أن يقع عبئ هذه المرونة على كاهل الطبقة الفقيرة في المجتمع(الآصفي ،1973: 19)،وفي هذا السياق فقد كان النبي الأكرم(ص) يحرص على التوازن الاجتماعي والاقتصادي ،وهو ما سار عليه الخلفاء من بعده فنرى الإمام علي(ع) قد بادر وفور تسلمه زمام الأمور مباشرة إلى إلغاء طريقة توزيع المال التي اعتمدت فيما سبق ،فقد استبدل طريقة التمييز في العطاء بطريقة المساواة في التوزيع التي انتهجها رسول الله(ص) ،فألغى (ع) كل أشكال التمييز في توزيع المال على الناس ،مؤكدا إن التقوى والسابقية في الإسلام والجهاد والصحبة للرسول (ص) أمور لا تمنح أصحابها مراتب أو مميزات في الدنيا ،و إنما لتلك المزايا ثوابها عند الله في الآخرة ،أما في هذه الدنيا فان الناس سواسية في الحقوق المالية وأمام القضاء الإسلامي وفي الواجبات والتكاليف(البلاغ،2000: 532)ومن الطبيعي أن تؤدي هذه السياسة إلى حدوث عجز أو فائض ،إلا إن النظام المالي الإسلامي وبسبب صلاحيته الواسعة في موازنة الموارد المالية بالنفقات العامة قد نظم هذه الموارد في حدود النفقات والمصروفات العامة للدولة –كما أشرنا قبل قليل- وبالتالي قد عالج مسالة الفائض أو العجز من دون التأثير على المصالح العامة للمجتمع الإسلامي،وخاصة الطبقة الفقيرة في المجتمع ،وهذا الأمر قد اتضح من خلال استعراض واجبات ومسؤوليات الدولة في الاقتصاد الإسلامي في الفصل السابق.
ه) معيار توحيد التبويب والمصطلحات
ورد في هذا المعيار وجوب استخدام المصطلحات ذاتها في كل من الموازنة والنظام المحاسبي والتقارير المالية لكل مال وعلى الأخص الأموال الحكومية القابلة للإنفاق لكي تحقق شرط الإلزام القانوني ،فضلا عن تحقيق مزايا التجميع والمقارنة(Hay,1993,4) .
إن ما ورد في هذا المعيار من توحيد للمصطلحات المستخدمة هو بهدف ضمان الدقة في العمل المالي والمحاسبي للإدارات الحكومية ،وضمان توفير معلومات منطقية منصفة لخدمة الصالح العام ، وهذا الأمر لا يتنافى إطلاقا مع مبادئ الإسلام عموما ومبادئ و أهداف ومعايير النظام المالي والمحاسبي الإسلامي بل نجده متطابق تماما معه، فالتشريع الإسلامي تشريع يوافق العدل والمنطق السليم والإنصاف ويسعى إلى تحقيق المصلحة العامة دون تحيز لفئة دون أخرى ،وتوحيد المصطلحات المستخدمة بهدف الدقة في العمل و إتقانه هو أحد الجوانب المهمة للاقتصاد الإسلامي ،فهو مبني على العدل والمنطق والإنصاف والدقة في العمل.
ولكن لابد من لفت الانتباه إلى ملاحظة وهي ،إن لكل زمان ومكان مصطلحات ومسميات خاصة به ،فالمعروف إن النظام المحاسبي –وأي نظام اجتماعي- نظام يتأثر بالعوامل البيئية المحيطة به كالعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية ...الخ ،وبالتالي فان النظام المحاسبي ومكوناته في دولة أو مجتمع ما يتأثر بالعوامل البيئية لتلك الدولة ،لذلك فنحن لا نتوقع أن نجد المصطلحات والمسميات التي يستخدمها أل GASB ذاتها في الدولة الإسلامية لاختلاف العوامل البيئية بين المجتمعين ،إلا إن الغرض أو الهدف والغاية والمعنى لتلك المصطلحات والمسميات هي التي قد نجد نسبة لا باس بها من التوافق والتطابق،وقد كان هناك العديد من المصطلحات المحاسبية المستخدمة في عهد الدولة الإسلامية يتم تداولها واستخدامها بصورة عامة وموحدة في بيت المال والدواوين الأخرى المرتبطة مباشرة به كديوان الخراج وديوان النفقات وديوان الزمام ونحوها.
وقد عرضنا مجموعة من المصطلحات المحاسبية الإسلامية في الفصل السابق ونورد هنا مجموعة أخرى من هذه المصطلحات والتي كانت تستخدم في عهد الدولة العباسية وما يقابلها من مصطلحات في الوقت الحاضر(الزهراني، 1986: 459):
v الاطلاقات أوجه الصرف ،وهو يعبر عنه في الوقت الحاضر بأوامر الصرف.
v الجاري هو المعاش المستمر صرفه وجريانه على الدوام.
v الجهبذ كاتب برسم الاستخراج والقبض وكتابة الوصولات وعمل المخاريم والختمات وتوابعها.
v الحوادث هي النفقات الطارئة أو الحادثة ،وهي بعكس النفقات الثابتة ،وهو أحد مجالس ديوان النفقات.
v السفاتج يقصد بها إن يعطي رجل مالا لآخر ،وللأخذ مال في بلد المعطي فيوفيه إياه هناك فيستفيد أمن الطريق.
v الصك هو وسيلة من وسائل الائتمان ،وهذا المصطلح نفسه متداول في الوقت الحاضر وهو أمر خطي بدفع مقدار من المال إلى الشخص المسمى فيه ،وقد استعمل الصك في دفع الرواتب وخاصة رواتب الجيش.
v المياومة أي دفع الأرزاق أو تقدير النفقات باليوم الواحد.
v المشاهرة أي دفع الأرزاق أو تقدير النفقات بالشهر الواحد.
v المناومة أي دفع الأرزاق أو تقدير النفقات بالسنة الواحدة
v الهدايا مصطلح مرادف للجوائز والصلات والمنح.
v المعاش مصطلح مرادف لكلمة العطاء أو الرزق أو الراتب.
v الاسكدار كلمة فارسية ،أصلها "اذكرداري" أي من أين تمسك الدفاتر؟ وهو اسم مجلس من المجالس الإدارية في ديوان النفقات والخراج وبيت المال وديوان الجند.
v الخزينة كلمة عربية مرادفة لبيت المال ،وجمعها خزائن.
v التلميظ أن يطلق لطائفة من المرتزقين(موظفي الدولة) بعض أرزاقهم قبل موعد الاستحقاق.
6) معيار محاسبة الموجودات الثابتة
قبل البحث في موضوع معالجة الموجودات الثابتة محاسبيا في إطار النظام المحاسبي الحكومي الإسلامي،نؤكد على إن الغرض من هذا البحث ليس مناقشة التفاصيل المتعلقة بهذا الموضوع بقدر ما يهمنا إثبات أصالة وجود هذا الموضوع أو أسسه وجذوره في التشريع الإسلامي ، كما نؤكد على إن المواضيع التي تخضع للنقاش والبحث حول أصالتها تتعلق بالمعاملات المشروعة ،أما المعاملات غير المشروعة (المعاملات المحرمة) في الإسلام فهي خارج نطاق البحث ،ولن يتم التعرض لها .
حددت لجنة GASB في المعيار الخامس والسادس والسابع من البيان الصادر عنها –السابق الذكر- المعالجات المحاسبية المتعلقة بالموجودات الثابتة والالتزامات طويلة الأجل ،في إطار النظام المحاسبي الحكومي على مستوى الدولة،من حيث تصنيف تلك الأصول (أو الالتزامات) وتقويم الأصول الثابتة واحتساب الاندثارات عليها ،وفي حدود البحث الحالي سيقتصر على دراسة معالجة الموجودات الثابتة وتقويمها واحتساب الاندثار عليها على مستوى الوحدات الحكومية.
ويفترض أن تتضمن محاسبة الموجودات الثابتة بيانات خاصة بالتقييم والعمر الزمني لاستعمال الموجودات والتكلفة الاستبدالية ومتطلبات الجرد والتثبت من حيازة الموجودات الثابتة ،وما يتبع ذلك من محاسبة الاندثارات عليها.
تهتم المنشآت الاقتصادية في القطاع الخاص بأسلوب معالجة الموجودات الثابتة لديها وتقويمها واحتساب الاندثار عليها لأسباب عديدة لعل أهمها احتساب الأرباح ،فهي منشآت أنشأت أساسا لتحقيق الأرباح،وبالتالي لابد من عرض خلاصة سنوية لحسابات المنشاة تعكس بشكل واضح ومباشر قدر الإمكان كل العناصر والبنود المؤثرة في تحديد الربح أو الخسارة من مصروفات وإيرادات ،ومصروف اندثار الأصول الثابتة ذو تأثير معنوي على هذا التحديد فالاندثار في منشات القطاع الاقتصادي الخاص الهادف إلى تحقيق الأرباح هو أحد عناصر النفقات التي تتحملها الحسابات الختامية لأية سنة إنتاجية (الصائغ، 1981: 16)، علاوة على ذلك فان المنشات الاقتصادية الخاصة تحتاج إلى احتساب الاندثارات على أصولها الثابتة لغرض تحديد تكوين مخصص الاندثار المتراكم الذي تستخدمه المنشاة لغرض استبدال الأصل عند انتهاء عمره الإنتاجي(استهلاكه) ومن ثم تعويض رأس المال عن التآكل،مضافا إلى ذلك إن معالجة الأصول الثابتة وما يتبعها من محاسبة الاندثارات تتناسب مع تطبيق أساس الاستحقاق المحاسبي الذي تأخذ به وتطبق تلك المنشات.
إلا إن الأمر يختلف في الوحدات الحكومية الخدمية غير الهادفة إلى تحقيق الربح، وقد يكون أكثر تعقيدا وصعوبة ، فهذه المنشات لا تهدف من وجودها إلى تحقيق الأرباح ،وإنما تقديم خدمات عامة ،ومن ثم لا تحتاج إلى التفرقة بين المصروفات الإيرادية والمصروفات الرأسمالية لكي يتم تحديد حسابات النتيجة والمركز المالي[64]، وقد أدى ذلك إلى عدم الحاجة أيضا إلى محاسبة الاندثار للأسباب ذاتها ،فضلا عن ذلك فان محاولة تقييم الموجودات الثابتة في أية دولة هي عملية ضخمة ذات نتائج غير مجدية ،من حيث تباين هذه النتائج بين اللجان المختلفة المشرفة على هذا التقييم وتباين الوقت الذي يتم فيه التقييم واستحالة تقييم بعض الموجودات لأسباب متعددة منها قيمتها الحضارية أو الجوانب السرية (الصائغ، 1981: 23).
من جهة أخرى يعتبر تسجيل الموجودات الثابتة دفتريا وسيلة لتحقيق متطلبات الرقابة على حيازة هذه الموجودات واستخدامها للأغراض التي اقتنيت أو امتلكت من أجلها وعدم التصرف بها إلا في إطار ما يسمح به القانون أو الصيغة الشكلية التي يسمح بها لهذا التصرف سواء في حالة الإتلاف أو الإهداء وهو ما تحكمه القوانين والتشريعات والتعليمات الحكومية النافذة في أغلب الأحيان (الصائغ، 1981: 23)، وهذا ما أيده المعيار رقم 34 الذي أصدره ألGASB في عام 1999 والذي كان بعنوان Financial statements &Management's Discussion & Analysis for state & local Government ،فقد ورد في هذا المعيار دعوة إلى تكامل القوائم المالية والإعداد الموسع الشامل للتقارير الحكومية ،وتحسين إعداد تقارير المحاسبة الحكومية ،وقد ورد في هذا المعيار أن المعلومات والتقارير الخاصة بأصول البني التحتية (الأصول الثابتة كالجسور ) هي من الإجراءات المحققة لهذا الهدف ،وهي تعتبر معلومات وتقارير مهمة وأساسية لغرض تطبيق الرقابة المحاسبية على كل الأصول الحكومية واستخراج كلفة خدماتها،كما تضمن المعيار نموذجا ودليلا عمليا في كيفية وضع التكاليف التقديرية وإعداد التقارير العامة لأصول البني التحتية .
إن إصدار مثل هذا المعيار يدلل على أهمية وضرورة معالجة الأصول الثابتة والمحاسبة عنها وعن اندثاراتها على مستوى الوحدات الحكومية ،والذي يعمل على توفير معلومات مفيدة وملائمة لاتخاذ القرارات المختلفة من قبل مستخدمي القوائم والتقارير الحكومية بالرغم من الصعوبات والعوائق التي تعترض تطبيق ذلك ، من جانب آخر فإنه على الرغم من أهمية موجودات الدولة باعتبارها الثروة القومية إلا أنه يلاحظ انعدام استخدام الحسابات النظامية في التنظيم المحاسبي في العراق ، وفي دراسة سابقة أوصى سلوم(2004: 70): "باستخدام الحسابات النظامية بهدف الحصول على قيود دفترية في السجلات المحاسبية تقابل الموجودات التي دخلت في حيازة الوحدة وكذا الحال بالنسبة إلى حسابات التخصيصات فيما يتعلق باندثار الموجودات لتحقيق الرقابة عليها وعدم ضياعها بالتقادم".
ويتم تقييم الموجودات الثابتة في المحاسبة الوضعية باستخدام مبدأ التكلفة التاريخية ،الذي يعتبر من المبادئ المحاسبية الأساسية في هذه المحاسبة ،حيث يتم الالتزام به كأساس لتقويم الأصول (المتداولة والثابتة) ،ويقضي هذا المبدأ بأن التكلفة تمثل عادة أفضل مقياس محاسبي للسلع والخدمات التي استحوذت عليها المنشأة ،وهي تمثل مقياس للتكلفة الفعلية التي تحملتها المنشاة في الحصول على الموارد الإنتاجية وتهيئتها للاستعمال في الغرض الرئيسي لها (العادلي وآخرون، 1986: 89)، وهي تقاس بالثمن النقدي المعادل لتلك الموارد ،ويستند تفضيل التكلفة التاريخية في المحاسبة الوضعية إلى عدة مبررات أهمها إمكانية التحقق من التكلفة التاريخية مما يعكس درجة أكبر من الموضوعية وبالتالي الموثوقية وإمكانية الاعتماد على بيانات التكاليف التاريخية ،فضلا عن أن مبدأ التكلفة التاريخية يتوافق مع عدد من الفرضيات والمبادئ والمفاهيم المحاسبية الأخرى كمبدأ تحقق الإيرادات ومعيار الموضوعية وثبات وحدة النقد.
إلا أنه بالرغم من هذه المبررات ،فإن مبدأ التكلفة التاريخية قد تعرض لكثير من الانتقادات التي أثيرت حول صحة الاعتماد على هذا المبدأ كأساس لتقييم الأصول والخصوم وقياس الربح الدوري،وتزداد حدة هذه الانتقادات والاعتراضات خصوصا في حالة تغير مستويات الأسعار،فتطبيق مبدأ التكلفة التاريخية في حالة تغير مستوى الأسعار يؤدي إلى عدم سلامة واتساق القياس المحاسبي لأن يتم مقابلة المصروفات (بأسعار تاريخية) مع الإيرادات (بأسعار حالية) في حين يفترض محاسبيا استخدام أساس واحد في المقابلة ، أما اختلاف أسس القياس فإنه يؤدي إلى وجود خليط من الأرباح التشغيلية ومكاسب الاحتفاظ أو المضاربة ،كما أن تضخم رقم الأرباح يؤدي إلى زيادة في الضرائب وفي توزيعات الأرباح ،وبالتالي تفقد التكلفة التاريخية خاصية المحافظة على رأس المال بقوته التشغيلية ،وتصبح عملية المحافظة على رأس المال بعدد الوحدات النقدية كأرقام في السجلات معلومة بعيدة عن الواقع(العيساوي، 2003: 68)، علاوة على ذلك فإن التكلفة التاريخية لا تعترف بالموجودات غير الملموسة إلا عند حصول واقعة التبادل فشهرة المحل أو خبرات الإدارة أو المزايا الاحتكارية أو الموارد البشرية ونحوها لا تظهر في السجلات .
ونتيجة للانتقادات الموجهة إلى التكلفة التاريخية ظهرت دعوات إلى إيجاد بدائل عنها ،فظهرت التكلفة التاريخية المعدلة[65]، والكلفة الجارية والتكلفة الاستبدالية و التكلفة التاريخية المعدلة وغيرها ، ومما يعزز هذه الانتقادات ويؤيدها وجود الكثير من الاستثناءات في التطبيق المحاسبي التي خرجت عن مبدأ التكلفة التاريخية بسبب طبيعة الأصول المستثناة في التقويم مثل المخزون والاستثمارات المالية قصيرة الأجل وحسابات المدينين أو لغرض زيادة فاعلية كفاءة التقارير المالية علاوة على كونها رد فعل للانتقادات الموجهة إليها ،فحسابات المدينين تظهر في الميزانية مطروحا منها خصص الديون المشكوك في تحصيلها ،والمخزون يقوم بسعر التكلفة أو السوق أيهما أقل أو يقوم المخزون بسعر السوق عندما تكون هناك سوق مستقرة وشبه مؤكدة والإنتاج مضمون البيع ،والاستثمارات المالية تظهر في الميزانية مطروحا منها مخصص هبوط الأوراق المالية حيث يؤخذ بسعر السوق عندما يكون أقل من التكلفة(العيساوي، 2003 : 70).أما فيما يتعلق بمحاسبة الاندثار على الأصول الثابتة فهو يعتمد أساسا على تطبيق مبدأ التكلفة التاريخية. هذا فيما يتعلق بمعالجة الموجودات الثابتة في المحاسبة الحكومية الوضعية ،أما في المحاسبة الحكومية الإسلامية فإن الأمر مختلف وهو ما سيتم توضيحه بعد قليل.
محاسبة الموجودات الثابتة –للوحدات الحكومية- في التشريع الإسلامي
إن جميع المنشآت تقريبا وعلى اختلاف أنواعها لا تستطيع الاستغناء عن استخدام بعض الأصول ذات الآجال الطويلة نسبيا في عمليات إنتاج وتوزيع السلع والخدمات ،إلا أن شكل ومدى الاعتماد على تلك الأصول يختلف باختلاف طبيعة النشاط ،وتضم هذه الأصول المعمرة في مجموعة بعض البنود التي لها وجود مادي ملموس مثل العقارات والآلات والمعدات وهي ما يطلق عليها عادة لفظ الأصول الثابتة وهناك مجموعة أخرى تضم بنودا من الأصول التي لا يتوافر لها الوجود المادي الملموس كشهرة المحل وبراءات الاختراع والتي تسمى بالأصول غير الملموسة.
والمنشآت الحكومية الإسلامية كغيرها من المؤسسات تستخدم تلك الأصول لتأدية أعمالها والقيام بأنشطتها المتمثلة بتوفير الخدمات العامة ،فالنظام الإسلامي له هدف سام ليس النفع المادي بل استخدام المادة(بما فيها الآلات والمعدات و المكائن والعقارات والأراضي...الخ) وسيلة لإعمار الأرض وتهيئتها للعيش الإنساني وليس الاحتكار والسيطرة والاستئثار بالخيرات.
ويقسم النظام المحاسبي الإسلامي المال حسب أغراضه والانتفاع منه إلى نقود(أثمان) وعروض[66] (العيساوي، 2003: 183)،ويقصد بالنقود المعاملة بها (المبادلة) في جميع الأشياء لا الانتفاع ،أما العروض فتنقسم على أساس النية من اقتناء الأصل إلى عروض تجارة وعروض قنية ، حيث يقصد بعروض التجارة العروض المعدة للبيع وتراد لطلب الفضل والنماء وهي التي يطلق عليها في المحاسبة الوضعية بالأصول المتداولة (طرابزوني،1984: 115)، فالمراد من هذه الأصول النماء وطلب الفضل وهي التي فرض عليها المشرع الإسلامي الزكاة، لأن الزكاة تجب على الأموال النامية فعلا وقد كان النبي (ص) يأمر المسلمين بأن يخرجوا الصدقة مما يعدونه للبيع(الخياط،1990: 961)،وقال عمرو بن حماس عن أبيه: ( كنت أبيع الأدم (الجلد) والجعاب(الخفاف) فمر بنا الخليفة عمر بن الخطاب فقال: يا حماس أد زكاة مالك فقلت مالي إلا جعاب وأدم ،قال : قومها قيمة ثم أد زكاتها( رواه أحمد والدار قطني البيهقي) ،لذا كان لابد من تحديد الأموال الزكوية وتعيينها ومن ثم تقييمها ،حيث يتم تقييم هذا النوع من الأموال في التشريع الإسلامي على أساس القيمة الجارية وليس التكلفة التاريخية كما هو الحال في المحاسبة الوضعية، فيذكر الفقهاء فيما يتعلق بالأموال الزكوية" أنه في حال تعلق الزكاة بها يخرجها – أي المكلف – من مال آخر ويراعي في التقويم بقاؤها إلى أوان الحصاد أو الاجتناء مع حاجته في بقائها إلى صرف شيء من المال(التبريزي، 1382 هـ ش: 196)، فهنا إشارة واضحة على وجوب تقويم الأموال الزكوية وقت تعلق الزكاة بها مع الأخذ بالاعتبار الفترة الممتدة إلى أوان الحصاد أو الاجتناء،وهذا معناه التقيد بالسعر الجاري لها ،فالقيمة الجارية في النظام المحاسبي الإسلامي هي أساس الانتفاع وليست التكلفة التاريخية كما في المحاسبة الوضعية، كما أنه لا ربح إلا بعد سلامة واسترداد رأس المال والمحافظة عليه، لذا يستدعي ذلك تقويم عروض التجارة على أساس القيمة الجارية وتقويم عروض القنية بالقيمة الاستبدالية (طرابزوني،1984: 115).
أما عروض القنية فهي العروض غير المعدة للبيع والغرض من اقتنائها الاستعمال ويدخل في حكمها المباني والآلات والمعدات والأثاث ،وهي التي يطلق عليها في المحاسبة الوضعية بالأصول الثابتة (طرابزوني،1984: 115)، وقد حدد التشريع الإسلامي لعروض القنية(أي الأصول الثابتة وهي موضوع حديثنا) معالجات محاسبية خاصة بها من حيث تسجيلها وتقويمها واحتساب الاندثارات عليها،ويلاحظ أن التركيز على تقسيم الأموال إلى عروض تجارة وعروض قنية في التشريع الإسلامي ،وكذلك الاهتمام بمعالجة عروض القنية(الأصول الثابتة) وتقييمها واحتساب الاندثارات عليها له عدة مبررات أهمها:
· يتطلب أداء فريضة الزكاة من المكلفين بها ومن الجهات المسئولة عن جبايتها التمييز والإلمام بأنواع الأموال المتوفرة والتي تتعلق بها الزكاة ، كما يتطلب من الجهات المسئولة عن جباية الزكاة التمييز في أسلوب تقويم هذه الأموال.
· تتعلق الزكاة بالأموال النامية وهي ما تسمى بعروض التجارة أو الأصول المتداولة ولا زكاة على الأصول الثابتة (عروض القنية).
· تتعلق الزكاة بالأفراد والشركات ، أما المال العام فإنه لا يخضع للزكاة وإن أستثمر على شكل تجاري ، كذلك فإن العقارات والأراضي لا تخضع للزكاة.
· إن تقييم كفاءة وفاعلية أداء الوحدات الحكومية يتطلب توفير معلومات دقيقة عن مصاريفها وإيراداتها المختلفة ومواضع صرفها ومدى التزامها بأحكام التشريع الإسلامي.
تقويم الموجودات الثابتة في التشريع الإسلامي
إن مبدأ لا ربح إلا بعد سلامة واسترداد رأس المال والمحافظة عليه والذي ينتهجه النظام الإسلامي يستدعي تقويم عروض القنية (الأصول الثابتة) بالقيمة الاستبدالية[67] وليس بالتكلفة التاريخية كما في المحاسبة التقليدية ،بل يتم الالتزام بقيمة الإحلال (الاستبدال) أو سعر البيع الحالي لأغراض قياس نتائج الأعمال ،وبيان المركز المالي. وهذا رأي جمهور فقهاء المسلمين الذي يعتبر لا فضل (ربح) إلا إذا كان أصل المال(رأس المال) سليما استنادا إلى قول النبي(ص) : " مثل المؤمن مثل التاجر لا يسلم له ربح حتى يسلم رأسماله،كذلك المؤمن لا تسلم له نوافله حتى تسلم له عزائمه" فالتقويم بالقيمة الاستبدالية أو سعر البيع الحالي هو لغرض المحافظة على رأس المال من حيث قوته في استبدال العروض التي اقتنيت به وقدرته على الاسترباح والنمو(العيساوي،2003: 202).
إن تحقيق العدالة الاجتماعية والتوازن الاجتماعي يعتبران من الأهداف الرئيسة والجوهرية للنظام الإسلامي ، والالتزام بمبدأ القيمة الاستبدالية أساساً لتقييم الأصول الثابتة هو من وسائل تحقيق تلك الأهداف ، لأن التقويم بسعر التكلفة التاريخية الذي تطبقه المحاسبة الوضعية لا يحقق هدف المحافظة على رأس المال الحقيقي ، ولا يوفر معلومات صادقة أو معبرة عن المركز المالي في تاريخ الميزانية في ظل تغيرات الأسعار، في حين إن الكلفة الاستبدالية تعمل على المحافظة على رأس المال ، كما أنها تحقق الإفصاح الكامل والعادل لأنها تعرض معلومات صادقة تعبر عن الوضع المالي الحالي كما هو. وإذا تعلق الأمر بمسألة الموضوعية وإمكانية الوثوق (الاعتماد) بمعلومات القيمة الاستبدالية – حيث يوجه مؤيدو التكلفة التاريخية انتقادهم الأساسي ضد الكلفة الاستبدالية من حيث عدم موضوعية أو مصداقية المعلومات التي توفرها – فقد لاحظنا كيفية معالجة التشريع الإسلامي لهذه المسألة بالذات من خلال التشديد على ضرورة توفر مجموعة من الخصائص النوعية للمعلومات الواردة في التقارير المالية- بما فيها الحكومية - كالموضوعية و الاعتمادية والمصداقية والملائمة في هذه المعلومات بدليل قوله تعالى:" وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله" (البقرة،282)،وسنتعرض لهذا الموضوع بشيء من التفصيل في المبحث التالي إن شاء الله تعالى، كما أن قوله تعالى في نفس الآية :" واستشهدوا شهيدين من رجالكم ....واشهدوا إذا تبايعتم " ،يشترط وجود شهود تتوافر فيهم شروط معينة على المعاملات والمعاوضات المالية بمختلف أنواعها مما يعطي التأكيد والضمان-فضلا عن شروط كتابة المعاملات- على صحة المعاملات والعقود وتوافر الموضوعية والمصداقية في المعلومات الواردة فيها ، فمن تعريفات الموضوعية أنها خاصية تعكس إجماع خبراء متمرسين على نتائج قياس الأنشطة الاقتصادية ،أو الطريقة التي يتم الإفصاح بها عن تلك الأنشطة في القوائم المالية والشهود على العقد (المعاملة أو الحدث الماليين) يمكن اعتبارهم خبراء في هذا المجال.
فالموضوعية تبدأ بالقياس الذي يستهدف التعبير عن الواقع الفعلي السائد لقدر الحق أو الأصل أو الالتزام به في لحظة القياس ثم البحث عن الأدلة والقرائن الأكثر موضوعية (عدالة ونزاهة ومصداقية) لتأييد هذا القياس وصحته، ولا يشترط أن تكون أدلة تاريخية ثم اختيار أنسب دليل للقياس الصحيح،فالموضوعية هي موضوعية القياس وليس موضوعية الدليل ،لأن المطلوب من القياس تبيان الحق في ساعة القياس وليس تبيان الأرقام التاريخية كما هي (العيساوي،2003: 208).
استهلاك الأصول الثابتة في التشريع الإسلامي
وعليه فإن استهلاك الأصول الثابتة في النظام الإسلامي يتم على أساس القيمة الاستبدالية الجارية ،والفرق بين قيمة الخدمات غير المستنفذة في الأصول الثابتة على أساس قيمتها التاريخية وقيمتها الجارية تسمى فائدة(طرابزوني،1984: 115).
فعندما تكون للموجود(الأصل) قيمة استبدالية يتم تقدير نسبة صلاحية للموجود تتناقص بطول عمره الإنتاجي ، فيتم تحديد قيمته الجارية بضرب قيمته الاستبدالية في نسبة صلاحيته، فإذا كانت قيمته الاستبدالية الجديدة 12000 دينار ونسبة صلاحيته 80% ،فإن قيمته الجارية هي 9600 دينار(12000×80%) ويتم تعديل قيمة الأصل بموجب قيد يكون كالآتي:
××× من حـ/ الأصل الثابت
××× إلى حـ/ الفائدة(أرباح رأسمالية).
ويغلق حساب الفائدة بحساب الاحتياطات الرأسمالية
××× من حـ/ الفائدة
××× إلى حـ/ الاحتياطات الرأسمالية.
ويتم تعديل حساب الأصل بمقدار الاندثار المتراكم ،وعندما يكون هناك فرق بين القيمة الاستبدالية والقيمة في الميزانية(القيمة الجارية + متراكم الاندثارات) فيتم تكوين مخصص يسمى بمخصص احتياطي استبدال الأصول الثابتة. فإذا كانت قيمة الأصل الاستبدالية الجديدة 15000 دينار وقيمته الجارية 12000 دينار واندثاره المتراكم 2700 دينار فإن قيد الاحتياطي يكون بمبلغ 300 دينار(15000- {12000+2700}) كالآتي:
300 من حـ/توزيعات الأرباح
300 إلى حـ/ احتياطي استبدال الأصول الثابتة.
ويلاحظ في القيد السابق أنه تم استبعاد جزء من الأرباح كاحتياطي بمقابل استبدال الأصل الثابت(العيساوي، 2003: 205).
إن تقييم الموجودات الثابتة في الوحدات الحكومية الإسلامية واحتساب الاندثارات ومن ثم احتساب المصروفات المتعلقة بها،يكون ذلك لأجل مراقبة أنشطة تلك الوحدات وتقييم أدائها وكفاءتها وفعاليتها في تحقيق الأهداف المرجوة منها وفي حدود أحكام التشريع المقدس، مع توفير حماية كافية لأصول وحقوق الوحدة المحاسبية الحكومية التي تدخل ضمن الملكية العامة للمسلمين مع ضمان حقوق الأطراف المختلفة الأخرى .
نستخلص من خلال محاولة تأصيل المعايير المحاسبية الحكومية الصادرة من أل GASB على وفق النظام الاقتصادي الإسلامي، أن النظام المحاسبي الإسلامي قد عرف معظم هذه المعايير وهي موجودة على شكل مبادئ وأسس ومفاهيم في التشريع الإسلامي ، وبعضها موجود كأحكام وقواعد ومعايير حددتها الشريعة المقدسة وبينتها في مصادرها الأساسية،كالأحكام التشريعية المتعلقة بتحديد أنواع معينة من الواردات المالية العامة للدولة كالزكاة والخمس، فضلا عن الأحكام المتعلقة بتخصيص تلك الأموال.
فبالنسبة لمعيار الاعتمادات المخصصة فهو من المفاهيم الإسلامية الأساسية المتعلقة بتنظيم الأموال وحفظها وصيانتها ، وقد حددت الشريعة بعض الأحكام والقواعد الثابتة المتعلقة بتخصيص الأموال كالأحكام المرتبطة بإيرادات الزكاة فتوجد في الشريعة معايير وقواعد نظامية تحدد أولا مصادر هذه الإيرادات وثانيا: تحدد( تخصص) موارد صرفها وتوزيعها في مواضع محددة ومخصصة من قبل الشريعة.
وفيما يتعلق بمعيار تعدد الأموال الذي يفترض إنشاء وحدات محاسبية مستقلة بسجلاتها ودفاترها لكل نوع من أنواع الأموال التي تخضع لسيطرة الحكومة ، فقد بينا أن هذا الأمر موجود أيضا في التشريع الإسلامي ، وقد عرفته الدولة الإسلامية قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة، فهناك نظام متقن يفصل ويميز بين أنواع الأموال الواردة إلى بيت المال ، ويعين سجلات وقوائم وموازنات خاصة بكل نوع منها إذ وجدنا إنه يتم إعداد موازنة مستقلة بإيرادات الزكاة ، وموازنة أخرى لإيرادات الأراضي الخراجية ، وثالثة للإيرادات الأوقاف والكفارات والنذور والهبات ..الخ، وذلك يثبت عدم صحة الادعاء القائل بأن المحاسبة الوضعية هي التي أسست مبدأ تعدد الأموال بل إن النظام الإسلامي هو الذي أرسى دعائم هذا المبدأ قبل هذا الوقت بأكثر من أربعة عشر قرنا. أما بالنسبة لمعيار تخفيض عدد الأموال في الوحدة الحكومية ، الذي يراد من إحكام السيطرة على إدارة الأموال وتنظيمها بالشكل الأمثل ، وعد إهدار الأموال وتضييعها ، فإن هذا الأمر هو الآخر موجود في التشريع الإسلامي وطبق في النظام المالي الإسلامي ، من خلال تحديد أنواع الأموال التي تخضع لسيطرة الوحدات الحكومية ومصادر تلك الأموال ومواضع صرفها ، وبالتالي تحميل تلك الوحدات مسؤولية إدارة هذه الأموال وحفظها وصيانتها.
أما فيما يعلق بمحاسبة الموازنة، فالتشريع الإسلامي أو ل من أوجد القواعد والأحكام المتعلقة بتنظيم واردات ونفقات الدولة ، من حيث تحديد مصادر تلك الإيرادات وطرق إنفاقها وتوزيعها ، وكذلك تحديد السياسة والأهداف المراد تحقيقها من خلالها ، وقد عرفت أول موازنة في النظام المالي الإسلامي منذ بداية تأسيس الدولة الإسلامية. ومحاسبة الموجودات الثابتة قد طبقت أيضا في النظام المالي الإسلامي للمحاسبة عن الموجودات الثابتة (والمتداولة) التي تمتلكها أو تسيطر عليها الحكومة ، فقد وضعت قواعد ومعايير خاصة بتقييم هذه الموجودات وطرق احتساب الاندثارات عليها.
فضلا عن ذلك فقد تطرقت الفقرة السابقة إلى بعض المعايير التي وجدناها في النظام الاقتصادي الإسلامي إلا أنها غير موجودة في النظم المحاسبية الوضعية ، كاستخدام أكثر من قاعدة في مبدأ الدورية ، فعلى الرغم من اتفاق كل من النظام الإسلامي والنظام الوضعي على مسلمة الدورية في إعداد الموازنات إلا أن النظام الوضعي يرى أن القاعدة العامة للدورية هي السنة ، ومن ثم تعد الموازنات على أساس سنوي، في حين يرى النظام الاقتصادي الإسلامي إن فترة إعداد الموازنات يجب أن تتناسب مع طبيعة دورة الإيرادات وفتراتها الزمنية ، فقد تكون سنوية في حالات معينة ، وفي حالات أخرى تكون الفترة موسمية أي أقل من سنة، وبالتالي ضرورة ربط الإنفاق بطبيعة الإيرادات وفترات جبايتها كقاعدة أساسية في تحديد نطاق أو مدى الدورية.
كما نرى تميز الاقتصاد الإسلامي في استخدام القيمة الجارية والكلفة الاستبدالية أساسيين في تقييم الموجودات المتداولة والموجودات الثابتة على التوالي ومن ثم تحسب إندثارات الموجودات الثابتة على أساس قيمتها الاستبدالية وليس الكلفة التاريخية كما هو معمول به في المحاسبة الوضعية. وهو – أي النظام الإسلامي – قد عالج مشكلة التغير في الأسعار وما ينجم عنها من آثار تنعكس على صحة ودقة المعلومات الواردة في التقارير المالية.
أما المعايير الأخرى الصادرة عن أل GASB فسيتم بحثها في الفقرة اللاحقة لكونها تشترك مع معايير صادرة من جهات محلية ، وعليه ستكون الفقرة التالية متعلقة بدراسة معايير المحاسبة الحكومية المحلية ومدى تأصلها في النظام الاقتصادي الإسلامي.
ثالثا: آصالة النظام المحاسبي الاسلامي لمعايير المحاسبة الحكومية المحلية(العراقية).
سيتم التطرق في هذه الفقرة الى اثبات اصالة النظام المحاسبي الاسلامي لمجموعة من المعايير المحاسبية الحكومية المحلية(العراقية)،ونظرا لعدم وجود مصدر يتضمن لمعايير المحاسبة الحكومية المحلية العراقية بشكل واضح،فقد تم تجميع وصياغة معايير محاسبية حكومية محلية اعتمادا على عدد من الوثائق والنشرات الرسمية أهمها:
1.قانون اصول المحاسبات العامة ذو العدد 28 لسنة 1940 وتعديلاته.
2.قانون الموازنة العامة ذو العدد 107 لسنة 1985 وتعديلاته.
3.نشرات مجلس معايير المحاسبة العراقي.
فضلا عن الكتب الاتية:
1.المحاسبة الحكومية والادارة المالية العامة"حنا رزوقي الصائغ،ج1،ط5،1989".
2.محاضرات في المحاسبة الحكومية"حسابات الموازنة""د.ماهر موسى العبيدي،1985".
وتم اختيار المعايير المحاسبية الحكومية العراقية لغرض تفحصها وتحليلها وبحث مدى أصالتها وإمكانية وجود أسس لها وجذور في التشريع الإسلامي.
معايير المفاهيم والمصطلحات العامة الخاصة بالنشاط الحكومي الخدمي غير الهادف للربح
اقترح بعض الباحثين العراقيين إصدار بيان يتضمن المعايير الخاصة بالمفاهيم والمصطلحات العامة ،والمصطلحات الخاصة بالمركز المالي ،فضلا عن المفاهيم والمصطلحات الخاصة بنتائج العمليات وتقويم الأداء،واعتبر هذا البيان بمثابة الأساس العلمي الذي يتم الرجوع إليه عند إصدار معيار أو قانون أو تعليمات خاصة بالمحاسبة الحكومية، كما أنها تمثل دليلا يرشد الباحثين ومطبقي المحاسبة الحكومية بمضامين هذه المصطلحات، وفيما يلي استعراض سريع للمعايير المقترحة بهذا الشأن:
المفاهيم والمصطلحات العامة
وهي تتضمن:
· نطاق تطبيق المعايير المحاسبية الحكومية: حيث تطبق هذه المعايير من خلال النظام المحاسبي للوحدات الحكومية الخدمية غير الهادفة للربح ،والممولة مركزيا من خلال الموازنة الجارية أو الاستثمارية ،بشكل عام أو تزيد على 50% من نفقاتها التشغيلية.
· الوحدة الحكومية: وهي مؤسسة مسئولة تجاه الحكومة، أو السلطة التشريعية ،تملكها الدولة(إذا كانت تمول نشاطها بالكامل) أو تسيطر عليها (إذا كانت الحكومة تمول 50% فأكثر من نشاطها أو تملك سلطة تحديد السياسات المالية والتشغيلية لها أما عن طريق وضع التشريعات ،أو التعيين لغالبية كبار موظفي الإدارة أو أعضاء الهيئة الإدارية)( السعبري، 2000: 129).
· السياسات المحاسبية: وهي المبادئ والمعايير والأسس والأعراف والقواعد والتطبيقات المعتمدة من قبل الوحدة في إعداد القوائم المالية وتقديمها.
· التقارير المالية الحكومية ذات الغرض العام : تتكون هذه التقارير من ثلاثة مكونات أساسية هي: البيانات المالية ،والمعلومات المتعلقة بالمطابقة ،والمعلومات المتعلقة بالأداء ،وتصدر تطبيقا للمعايير المحاسبية الحكومية الخاصة بالقطاع الحكومي الخدمي غير الهادف للربح .
· التحقق: يعد الإيراد أو المصروف متحققا إذا توفر في كل منهما شرطان هما : القابلية على القياس ، والتهيئة للقبض أو الصرف.
المفاهيم والمصطلحات الخاصة بالمركز المالي
وهي تتضمن:
· الموجودات: وهي موارد مسيطر عليها من قبل الوحدة الحكومية ،نتيجة لأحداث ماضية،ويتوقع أن تتدفق منها منافع مالية مستقبلية للوحدة ،وتقسم حسب طبيعتها ووظيفتها على نوعين : أصول مالية تتكون من الاستثمارات والمخزون لغرض البيع ومديني الإيرادات ومدينين آخرين ،وأًصول مادية تتكون من المخزون لغرض الاستعمال ومعدات المصنع والأصول الأسسية (البني التحتية)والأصول الأخرى.
· المطلوبات: وهي مطالبات حالية على الوحدة الحكومية ظاهرة من أحداث ماضية ومن المتوقع أن ينتج عن تسديدها تدفقات خارجة من الوحدة على شكل موارد تتضمن منافع اقتصادية وهي: ديون مستحقة، الدائنون، ديون مستحقة للمستخدمين(التقاعد)، القروض، عقود الإيجار الرأسمالية، الإيرادات المستلمة نقدا ، العملة الوطنية، المطلوبات المحتملة،الالتزامات.
المفاهيم والمصطلحات الخاصة بنتائج العمليات وتقويم الأداء
وهي تتضمن:
1. النفقات : وهي النواقص في المنافع الاقتصادية خلال الفترة المحاسبية على شكل تدفقات خارجة من الأصول ،أو الزيادات بالالتزامات التي ينتج عنها نواقص في صافي الأصول المالية أو زيادات في صافي الالتزامات المالية ،وتتضمن كلفة السلع والخدمات والأصول المقتناة خلال الفترة المحاسبية للاستعمال من قبل الوحدة.
2. النفقات النقدية : الأموال المدفوعة خلال فترة حسابية معينة.
3. المصروفات: تكلفة السلع والخدمات المستهلكة خلال فترة محددة.
4. الفائض/العجز: الفرق بين الإيرادات والنفقات خلال فترة محاسبية معينة للوحدة المحاسبية ، أو الحكومة بشكل عام ، وحسب الأساس المحاسبي المستعمل.
5. الفائض/العجز المتراكم: تراكم الفوائض مطروح منه العجز منذ إنشاء الوحدة الحكومية أو الحكومة بشكل عام .
6. صافي الأصول: الفضلة المتبقية من أصول الوحدة بعد طرح كافة التزاماتها.
7. صافي الأصول المالية: الفضلة المتبقية من الأصول المالية للوحدة الحكومية بعد طرح كافة التزاماتها.
8. المدفوعات : وهي جميع التدفقات النقدية الخارجة من الوحدة الحكومية.
9. المقبوضات: وهي جميع التدفقات النقدية الداخلة إلى الوحدة الحكومية.
10. الإيرادات : على وفق أساس الاستحقاق هي الزيادات في المنافع الاقتصادية خلال الفترة المحاسبية بشكل تدفقات داخلة والتحسينات في الأصول أو النواقص في الالتزامات الناجمة عن زيادة صافي الأصول.
11. الفقرات غير الاعتيادية: الإيرادات أو النفقات /المصروفات غير الاعتيادية ،التدفقات النقدية غير الاعتيادية.
إن المفاهيم والمصطلحات السابقة تمثل أسسا ومعايير عامة يتم الاسترشاد بها لمهنة المحاسبة عموما والمحاسبة الحكومية خصوصا ،وقد تم اقتراحها لكي يتم الأخذ بها وتطبيقها محليا(في الدوائر الحكومية العراقية)،وهي لا تختلف كثيرا عن المفاهيم والمصطلحات العامة للمعايير المحاسبية الحكومية الدولية وكذلك الامريكية.
المفاهيم والمصطلحات العامة للمحاسبة (بما فيها المحاسبة الحكومية) في التشريع الإسلامي
بمتابعة مصادر التشريع الإسلامي فإننا نلاحظ التركيز والتأكيد المستمر في هذه المصادر على ضرورة وأهمية إيجاد تنظيم للحياة الاقتصادية للمجتمع الإسلامي بجميع جوانبها المالية والإدارية والمحاسبية والاجتماعية،وقد عرفت عملية التنظيم المالي والمحاسبي للشؤون المالية منذ بداية نشأت الدولة الإسلامية ،وبظهور بيت المال وتطوره بدءا من عهد النبي الأكرم(ص) والخلفاء من بعده ،وقد مرت بنا الجذور التاريخية للمحاسبة الحكومية في الإسلام ومراحل تطورها وأهم مقوماتها التي أهمها بيت المال الذي يعتبر في وقتنا الحاضر بمثابة وزارة المالية أو الخزينة الوطنية.
وفيما يتعلق بالجانب المحاسبي وما يرتبط به من مفاهيم وأحكام ومصطلحات فقد وردت عدة نصوص وروايات تشريعية تبين وتوضح مفاهيم وأحكام وقواعد الحسابات التي ينبغي إتباعها عند تنظيم العمل الحسابي والمالي ،سواء أكان ذلك على صعيد الأفراد أم على مستوى الدولة ككل ،وقد تطرقنا من خلال الفصل السابق إلى العديد من تلك المفاهيم والقواعد بدءا بتحديد مفهوم الاقتصاد الإسلامي ومبادئه وخصائصه ،ومرورا بمفهوم المال في الإسلام ووظيفته و مصادره وانتهاء بمفهوم المحاسبة في الإسلام وأهدافها ومقوماتها، ووصولا إلى القواعد والمعايير الفنية التطبيقية لها (خاصة الحكومية منها) ،وقد توصلنا إلى أن وجود تلك الكثرة من المفاهيم والأحكام المتعلقة بالشؤون المالية والمحاسبية في مصادر التشريع الإسلامي وكذلك الاهتمام والتشديد من قبل الشارع المقدس بضرورة تنظيم الأموال وطرق التصرف بها وصرفها ،إن ذلك يعني حتمية وجود نظام محاسبي إسلامي يتضمن إجراءات وقواعد ومعايير ملائمة لهذا العمل،ويمكن أن نوضح المفاهيم والقواعد والمعايير التي ترتبط بالمحاسبة وأهدافها وكيفية تنظيمها وعرضها كما وردت في مصادر التشريع الإسلامي وكالآتي:
· القرآن الكريم
بادئ ذي بدء لابد من تبيان مدى أهمية تعلم الكتابة والحساب وآدابهما في التشريع الإسلامي ،وذلك في أولى الآيات المباركة التي نزلت على نبينا محمد صلى الله عليه وآله من خلال قوله تعالى:"اقرأ باسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق* أقرا وربك الأكرم *الذي علم بالقلم*علم الإنسان ما لم يعلم"(العلق،1-5)،فقد ورد في تفسير هذه الآيات المباركة إن الله علم الناس الكتابة التي تتم بها أمور الدنيا والآخرة في مشارق الأرض ومغاربها (مستدرك الوسائل،1408هـ ، ج13 :258).
إن من أهم معالم التطور في الحياة البشرية ،هو ظهور الخط وما ثبته القلم على صحائف الأوراق والأحجار ،وقد أدى هذا الحدث إلى فصل عصر التاريخ عن عصر ما قبل التاريخ،فما يثبته القلم على صفحات الورق هو الذي يحدد طبيعة الانتصار أو الانتكاسة لمجتمع ما من المجتمعات الإنسانية ،وبالتالي فإن ما يسطره القلم يحدد مصير البشرية في مرحلة ما أو مكان ما(الشيرازي ، 1413هـ : 476 ) ولأهمية الكتابة وخطورة ما يسطره(يكتبه) القلم أقسم رب العزة بالقلم حيث يقول جل شأنه:" ن والقلم وما يسطرون" (القلم، 1) فالقسم لا يكون إلا بأمر عظيم ذي قيمة وشأن وهذا ما يمثله القلم الحافظ للعلوم المدون للأفكار الحارس لها وحلقة الاتصال الفكري بين العلماء والقناة الرابطة بين الماضي والحاضر والمستقبل ،كما أن القلم يربط بين البشر المتباعدين من الناحية الزمانية والمكانية.كما أن قوله تعالى:" علمه البيان" (الرحمن، 4) له دلالات مهمة وعظيمة الشأن حول أهمية التعلم والكتابة والخط والتدوين ووسائلها كالقلم والورق ونحوها،حيث يذكر المفسرون أن كلمة البيان لها معنى لغوي واسع فهي لا تشمل النطق والكلام فحسب ، بل تجمع الكتابة والخط أنواع الاستدلالات العقلية والمنطقية التي تبين المسائل المختلفة والمعقدة أيضا( الشيرازي ، 1413هـ : 336 ).
كما وردت عدة آيات شريفة تبين أهمية العمل الحسابي والمحاسبة خصوصا ،وتنظمه وتضع القواعد والمعايير اللازمة لأدائه على الوجه الذي يسعى إلى تحقيقه التشريع الإسلامي من النظام المحاسبي ألا وهو المساهمة في تحقيق أهداف النظام الإسلامي ككل والتي من أهمها تحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع الإسلامي ،فمن الآيات الكريمة التي وردت في هذا المجال قوله تعالى في الآية 5 من سورة يونس:"هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون"، وقوله تعالى في الآية 12 من سورة الإسراء:" وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا"، يبين الشيرازي (1413هـ.ق: 373)في تفسيره لهذه الآيات المباركة إن :"للعدد والحساب دور في حياة الإنسان، فكل عالم الوجود يدور حول محور العدد والحساب ،ولا نظام في هذا العالم بدون حساب،وطبيعي إن الإنسان الذي هو جزء من هذه المجموعة لا يستطيع العيش من دون حساب وكتاب ،لهذا السبب تعتبر الآيات القرآنية وجود الشمس والقمر أو الليل والنهار واحدة من نعم الله تعالى لأنها الأساس في تنظيم الحساب في حياة الإنسان ،إن شيوع الفوضى وفقدان الحياة للإنسان والنظم يؤدي إلى دمار الحياة وفنائها " .ويلاحظ إن الآيتين المباركتين تتحدثان عن فائدتين لنعمة الليل والنهار ،الأولى: ابتغاء فضل الله والتي تعني التكسب والعمل المفيد المستمر ،والثانية: معرفة عدد السنين والحساب ،وقد يكون الهدف من ذكر الاثنين إلى جنب بعضهما البعض يعود إلى إن (ابتغاء فضل الله ) لا يتم بدون الاستفادة من (الحساب والكتاب) ،وهذا المعنى في عصرنا الحاضر أصبح واضحا كالشمس ،فعالمنا اليوم هو عالم الأرقام والأعداد والإحصاء ،فإلى جانب كل مؤسسة ومنظمة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو عسكرية أو علمية أو ثقافية ،ثمة مؤسسة إحصائية ومحاسبية ،وهذا يبين ويدلل على إن القران الكريم صالح لكل زمان ومكان ،وهو لا يبلى بالزمان ،بل كلما مر عليه الزمان تجددت معانيه وبانت آفاقه. علاوة على ما سبق فإن من جملة الأهداف التي تحتويها هذه الآيات المباركة هو توضيح أهمية حركة الزمان وتأثيره المباشر على الحساب- سواء أكان الحساب الدنيوي أم الحساب الأخروي -،والتي تدعو الإنسان إلى تحمل المسؤولية في الدنيا و إدراك حقيقة نفسه ،فالإنسان الذي يجمد فكره فلا يتحرك فانه لا ينتج شيئا سوى العبث وضياع الوقت ،والله تعالى يقول في حديث قدسي:"يا بن آدم إنما أنت أيام فإذا مضى يوم فقد مضى بعضك"،فالذي يعرف إن للزمان قيمة ويحاسب نفسه على الساعات والدقائق يتقدم لأنه يعلم إن من كان مطيته الليل والنهار يسار به وان كان واقفا، فالأيام لها حسابها واليوم يختلف عن الغد وهذا يختلف عن الآخر ،وان كانت كلها لله ،وقد فصل الله لنا بيان حقيقة الزمان والتقدير لكي نتذكر ونعي واقع أنفسنا (المدرسي،1406هـ .ق : 209).
من هذا يتبين أهمية الزمن والحساب في التشريع الإسلامي ،فالزمن له دور رئيس في كيفية احتساب الأموال وجبايتها وتنظيمها ،لان بعض الموارد المالية الرئيسة في الدولة الإسلامية يعتمد جبايتها على عنصر الزمن كالزكاة والخمس ،والإلمام بالحساب (المحاسبة) وعلاقته بالزمن سوف يفيد في قياس الأموال وبالتالي معرفة المقدار الواجب إخراجه من تلك الفريضتين الماليتين، ولا تتوقف أهمية الحساب والمحاسبة في التشريع الإسلامي على الحياة الدنيا ،و إنما يكون ذلك مقدمة لتحضير حساب الإنسان ومحاسبته يوم القيامة ، فالله الذي دبر شؤون الليل والنهار والقمر والشمس وقدرهما بالسنين والحساب جعل للإنسان أيضا كتابا وحسابا فما من عمل يقوم به أو خطوة يخطوها أو فكرة تجول في ضميره إلا وتسجل في كتابه ويحاسب عليها يوم القيامة.
ويعتقد [68](ZAID 2003): أن النظم المحاسبية وإجراءات التسجيل التي تم تطبيقها في الدولة الإسلامية قد ابتدأت قبل ابتكار الأرقام العربية باعتبارها استجابة طبيعية لمتطلبات دينية ،خاصة فيما يتعلق بالزكاة التي تعتبر من الفرائض المالية المهمة ، التي فرضت على المسلمين في السنة الثانية للهجرة .
وعليه فإن المحاسبة في الإسلام تعد من المهن التي يجب شرعا توافرها والاهتمام بها ، باعتبارها من فروض الكفاية فهي -فضلا عن وظائفها الفنية- وسيلة لتحقيق واجب شرعي وهو إثبات وقياس وتوزيع الحقوق بين أصحابها بالعدل (جمعة،2000: 377).
ولأجل ذلك فقد وضع التشريع الإسلامي عددا من القواعد النظامية التي تنظم العمل المحاسبي والتي تتعلق بأصول المعاملات والمعاوضات المالية مثل البيع والشراء والدين والرهن وغيرها ، بما يحفظ المال عن الضياع ويرفع التنازع والاختلاف بين أفراد الإنسان ،ونرى هذا الأمر واضحا جليا في الآيتين الشريفتين (282-283) من سورة البقرة المباركة حيث يقول الله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى اجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فان كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع إن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ....ولا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى اجله ذلكم اقسط عند الله و أقوم للشهادة و أدنى ألا ترتابوا ... واشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد ...واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم *وان كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فان أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فانه آثم قلبه والله بما تعملون عليم"، لقد أكد سبحانه وتعالى في هاتين الآيتين على كثرة الاعتناء والاهتمام بحقوق الناس وبين فيهما أصول المعاملات وكيفية حفظ الأموال ونقلها من حال إلى حال ،وقد ورد فيهما ما يقرب من عشرين حكم، تحتوي على قواعد ومعايير وتعليمات دقيقة لتنظيم الروابط والعلاقات التجارية والاقتصادية والمالية والمحاسبية سواء أكان على مستوى علاقات الأفراد فيما بينهم أم على مستوى علاقاتهم المالية مع الدولة ، وذلك حتى تنمو رؤوس الأموال نموا طبيعيا دون أن تعتريها عوائق أو تنتابها خلافات ومنازعات .و نلاحظ أن القرآن الكريم يستعمل كلمة"دين" و لا يستعمل كلمة" قرض" ،وذلك لأن القرض هو تبادل شيئين متشابهين كالنقود أو البضاعة التي يقترضها المقترض ويستفيد منها ثم يعيد نقودا أو بضاعة إلى المقرض مثلا بمثل ، أما "الدَيْن" فيرى الشيرازي (1413 هـ: 254 )أنه أوسع معنى فهو يشمل جميع المعاملات التي فيها دين يبقى في ذمة المدين بما في ذلك القرض.
وذكر السبزواري(قده) (1404 هـ.ق : 499) في سياق تفسيره لهاتين الآيتين انه يمكن الاستفادة منهما في عدة أمور منها :
1. الدلالة على أهمية حقوق الناس ووجوب مراعاتها والتحفظ عليها ،وقد ذكر سبحانه أمور ثلاثة على تثبيتها :الكتابة والشهادة والرهن ،ولعل تأخير الرهن وتقييده بالسفر للإشارة إلى أنه لا ينبغي للمؤمن أن يرتهن من أخيه المؤمن ،فإن شرف الإيمان وعزه يحملانه على الوفاء بالعهد و أداء حق الناس .
2. قد ذكر سبحانه في الآية المباركة قواعد نظامية لا تختص بعصر دون آخر ولا ملة دون أخرى فهي صالحة في جميع الأعصار والشعوب ،يحفظ بها الأموال عن الضياع ويسلم الإنسان عن التشاجر والتنازع ويرتضيها العقل السليم ،ويوافق عليها الطبع المستقيم ،وقد نبه إليها القران الكريم قبل أن يصل الإنسان إلى المدنية الحاضرة ويقنن قوانين لتنظيم المعاملات وحفظ الأموال وتحسين النظام الاجتماعي الاقتصادي.
3. أمر سبحانه وتعالى في ما تقدم من الآيات المباركة -مضافا إلى ماورد من لزوم التحفظ على أموال الناس – تنزيه النفس في ما بينها وبين الله تعالى عن الخيانة في الأمانة وهي التقوى التي حرض القران عليها بأساليب مختلفة ،وهي الأصل في جميع التشريعات السماوية كما إنها روح العمل وقوام الدين والأصل في كل تشريع.
4. يستفاد من قوله تعالى "والله بما تعملون عليم" إنه لابد من علم اليقين بالعمل وسائر خصوصياته ،والاستيلاء على الجزاء ثوابا وعقابا ،وهذا هو الذي تطابقت عليه الكتب السماوية والعقل يحكم به حكما بتياً لا ارتياب فيه.
· السنة النبوية المطهرة
لقد ورد الكثير من الروايات والنصوص النبوية الشريفة التي تبين مدى حرص الإسلام واهتمامه بتعليم الكتابة والحساب وآدابهما لكافة المسلمين ،بما في ذلك إيجاد نظام مالي ومحاسبي فعال يحفظ حقوق الناس من الضياع ، فقد روي عن أمير المؤمنين علي(ع) انه قال لكاتبه عبيد الله بن أبي رافع :"الق دواتك واطل جلفة قلمك وأفرج بين السطور و قرمط بين الحروف فانه لك أجدر بصباحة الخط" (وسائل الشيعة، 1409هـ ،ج13 :404)،وكان يقول(ع):" الخط علامة فكل ما كان أبين كان أحسن"وقال في خطبة له:" من يشتري مني علما بدرهم ؟" أي يشتري صحيفة بدرهم يكتب فيها العلم ،فاشترى الحارث صحفا بدرهم ثم جاء بها عليا (ع) فكتب له علما كثيرا إن هذه الأحاديث تدل على الاهتمام الكبير الذي أولاه الإمام(ع) لرعاية أمر الكتابة في أروع صورة لوعي حضاري بأمر الكتابة وآدابها آنذاك.
وحول أهمية كتابة الحقوق (وخاصة المالية منها) وتوثيقها فقد كتب الإمام علي(ع) إلى عماله:"ادقوا أقلامكم وقاربوا بين سطوركم واحذفوا عني فضولكم واقصدوا قصد المعاني وإياكم والإكثار فان أموال المسلمين لا تحتمل الإضرار"( وسائل الشيعة ،1409هـ ،ج13 :404)،وقد ورد عن أبي عبدالله الصادق(ع) قوله:"من الله على الناس برهم وفاجرهم بالكتاب والحساب ولولا ذلك لتغالطوا"( وسائل الشيعة ،1409هـ ،ج13 :404)، وفي رواية لمحمد بن سنان عن توحيد المفضل عن الصادق(ع) انه قال:" تأمل يا مفضل ما انعم الله تقدست أسماؤه من هذا النطق ،الذي يعبر به عما في ضميره ...إلى إن قال وكذلك الكتابة التي بها تفيد أخبار الماضين للباقين وأخبار الباقين للآتين ،و بها تخلد الكتب في العلوم والآداب وغيرها ،و بها يحفظ الإنسان ذكر ما يجري بينه وبين غيره من المعاملات والحساب ،ولولاه لانقطع أخبار بعض الأزمنة عن بعض وأخبار الغائبين عن أوطانهم ودرست العلوم وضاعت الآداب وعظم ما يدخل على الناس من الخلل في أمورهم ومعاملاتهم وما يحتاجون إلى النظر فيه من أمر دينهم ،وما روي لهم مما لا يسعهم جهله، ولعلك تظن أنها مما يخلص إليه بالحيلة والفطنة وليست مما أعطيت الإنسان من خلقة وطباعة ...إلى إن قال فأصل ذلك فطرة الباري جل وعز وما تفضل به على خلقه فمن شكر أثيب ومن كفر فان الله غني عن العالمين"(مستدرك الوسائل،1408هـ ،ج 13 :258)،وغني عن الذكر القول إن المراد بالكتابة هو الفرض والثبوت(الإثبات) والتوثيق ،والكتاب في الأصل يطلق على المكتوب(السبزواري، 1404هـ.ق: 499).
ويعرف القلقشندى كتابة الأموال بأن المراد بها كل ما رجح من صناعة الكتابة إلى تحصيل المال وصرفه، وما يجري مجرى ذلك ككتابة بيت المال والخزائن السلطانية، وما يجبى إليها من أموال الخراج وما في معناه، وصرف ما يصرف منها من الجاري والنفقات وغير ذلك، وما في معنى ذلك ككتابة الجيوش ونحوها مما يتجر القول فيه إلى صنعة الحساب[69]
و يعتبر مطر(2004: 473) أن الآية (282) من سورة البقرة :" يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ، ولا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا " تطبيقا حرفيا لمبدأ التوثيق والتدوين في المحاسبة الإسلامية. ولعل الدواوين التي تبناها الخلفاء الراشدون ومن بعدهم كسجلات لإثبات المعاملات، كانت تطبيقا حيا لمبدأ التوثيق،فضلا عن ذلك فإن [70](ZAID 2003):يرى الآية الكريمة السابقة تتضمن أحكاما تحدد كل متطلبات كتابة الديون والمعاملات المالية.
و قد وجدت عدة كتب تناولت النظم الإسلامية وكيفية إدارتها وتنظيمها في الدولة الإسلامية آنذاك ، والتي تعرضت في جزء منها إلى النظام المالي والمحاسبي الذي كان مطبقا في حينها، ،وهذا يدل بشكل أو آخر على الاهتمام الذي أولاه الإسلام للأمور المالية والمحاسبية التي تدخل في مختلف جوانب الحياة البشرية ،ولعل أهم الكتب في هذا المجال هي(الخفاجي،1996: 157):ـ
· الخراج: لقاضي القضاة أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الذي كتبه استجابة لطلب الخليفة العباسي هارون الرشيد ليسير عليه العاملون في الخراج والصدقات ليصبح بذلك ورقة عمل رسمية للدولة في جهازها المالي.
· الخراج :ليحيى بن آدم ، الذي سار على ذات المنوال للكتاب الأول،وقد سلك فيه المؤلف منهجا فقهيا رتبه على مسائل مرموقة بأسلوب روائي قريب من منهج أهل الحديث في الرواية،فبين أقسام كل من الخراج والفيء والجزية والزكاة.
· الوزراء والكتاب: لأبي عبدالله محمد بن عبدوس الجهشياري،الذي كان يعمل حاجبا للوزير علي بن عيسى في وزارته الثانية للمقتدر العباسي ،وقد ابتدأ كتابه بأول من ابتدأ الكتابة وبنظم الدولة الساسانية ودواوينها ولباس موظفيها وواجبات العمال والوزراء وعقوباتهم.
· الخراج وصناعة الكتابة: لقدامه بن جعفر الذي تولى الكتابة لابن فرات في ديوان الزمام، وكان كاتبا لمعز الدولة البويهي،وقد خصص أربعة أبواب من أبواب كتابه التسعة للكتابة عن دواوين الدولة.
· تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء: لأبي الحسن الهلال الصابي، حيث كتب عن أخبار الوزارة والوزراء من وزارة علي بن محمد بن الفرات، ومن جاء بعده إلى وزارة علي بن عيسى الثانية.
· الأحكام السلطانية: لأبي الحسن علي بن محمد الماوردي، حيث كتب فيه عن الهيكل التنظيمي للدولة وصياغته مع توضيح ذلك الهيكل بشكل منطقي ومترابط في مستوياته الإدارية وهرمها ،مع تفصيل الاختصاصات والصلاحيات لمختلف تلك المستويات.
أما بالنسبة للكتب والمؤلفات المختصة بالنظم المحاسبية ، فإن المازندراني يعتبر أول من وثق النظام المحاسبي الحكومي في المجتمع الإسلامي، وعلى الأخص في سلطة خان الثاني خلال الفترة من 1120 ـ 1350، فلقد ألَّفَ سنة 765هـ (1363م) ، كتابه المسمى "الرسالة الفلكية- كتاب الزكاة"، الذي مازال مخطوطة في مكتبة صوفيا "اسطنبول" وباللغة التركية، ولقد وصف المازندراني في كتابه تفاصيل الإجراءات المالية لجبي وصرف الزكاة ومكونات النظام المحاسبي بما في ذلك تحديد الأحداث المالية والسجلات الأساسية والفرعية وكذا التقارير المالية الفترية والسنوية، ويشير المازندراني في كتابه إلى أن هناك مصادر عدة استخدمها أساساً لكتابه، التي أهمها كتاب "مفاتيح العلوم" للخوارزمي،حيث أوضح الأخير في كتابه أنواع السجلات المذكورة في الدواوين والكتب المستخدمة لغرض تسجيل الحسابات ، كما أنه قام بوصف النظم المحاسبية التي كانت مطبقة خلال القرن الرابع الهجري ، كما حدد واجبات الكتاب وأسلوب عملهم في ذلك الزمان والمكان [71] ZAID 2003)). وحدد كتاب المازندراني سبع قواعد ومفاهيم كانت أساساً للنظام المحاسبي في الدولة الإيخائية تشمل قاعدة النظام المحاسبي والمعادلة المحاسبية والتصنيف والعرض المحاسبي والوحدة النقدية والدورية والإقفال السنوي والإفصاح في نهاية العام والتقارير الدورية والأساس النقدي للقياس وقواعد التسجيل (الحميد، 1427هـ)[1] ، كما حدد المازندراني سبع نظم محاسبية تم تطويرها وتطبيقها في الدولة الإسلامية وهي: محاسبة الإسطبلات،ومحاسبة الإنشاءات، ومحاسبة زراعة الرز، ومحاسبة المستودعات، ومحاسبة صك العملة، ومحاسبة تربية الأغنام، ومحاسبة الخزانة ، ويعتقد أن النظم المحاسبية التي تم تطويرها وتطبيقها في أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي ،خاصة دول الشرق الأوسط كانت على درجة من التقدم والتطور .
وقد بين [72](ZAID 2003): في دراسته لكتاب الرسالة الفلكية للمازندراني، أن من الأهداف التي كانت تسعى لتحقيقها النظم المحاسبية في الدولة الإسلامية هي ضمان المساءلة المحاسبية، وتسهيل عملية اتخاذ القرارات عموما، فضلا عن السماح بتقييم المشاريع المكتملة والجاهزة، وهو يؤكد على أن النظم المحاسبية التي كانت سائدة آنذاك كانت مصممة أساسا لخدمة أغراض حكومية.
مما سبق يتضح لنا إن التشريع الإسلامي قد أقر بوجوب وجود نظام محاسبي (حكومي) يحفظ حقوق الناس في المجتمع الإسلامي على جميع مستوى العلاقات سواء أكان ذلك في علاقات الأفراد فيما بينهم أم علاقاتهم المالية مع الدولة ،وأكد على ضرورة توثيق وتثبيت وعرض كل ما يتعلق بأصول المعاملات المالية ،ويمكن أن نستنتج أن أصول المعايير والقواعد والمفاهيم العامة للمحاسبة الحكومية المعاصرة موجودة بصورة واضحة جلية في التشريع الإسلامي وكالآتي:-
1) أكد التشريع الإسلامي على أهمية وجود نظام محاسبي يحفظ أموال الناس عن الضياع ويرفع التنازع والخصومات والاختلاف بينهم.
2) أكد التشريع الإسلامي على وجوب تثبيت وعرض كل ما يتعلق بالمعاملات المالية ،وهو ما يعبر عنه باصطلاحنا الحاضر (الإفصاح الكامل) ،وذلك في قوله تعالى :" ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا"(البقرة،282) حيث تشدد الآية على ضرورة التثبيت في الديون وجميع ما يتعلق بالحقوق المالية للناس وعدم التهاون فيها ،فإنها مظنة النزاع والضياع ،فهو يقول عز شانه لا تملوا عن كتابة الدين أو المعاملات المالية صغيرا كان الحق أم كبيرا ذاكرين أجل المعاملة وشؤونها أي كل ما يتعلق بها ،وإنما قدم الصغير للاهتمام به ، أي لا تكون القلة مانعة عن الكتابة ، كما يقول الله تعالى في نفس الآية المباركة " وليتق الله ربه و لا يبخس منه شيئا" والبخس هو النقص على سبيل الظلم ،وهنا تأكيد آخر على ضرورة توثيق المعاملة المالية بصورة كاملة ولا ينقص من الحق شيئا ،وقد أمر سبحانه بالتقوى للترهيب ،فان الله عليم بالأمور وقادر عليه وبيده عقابه ،ونهى عن البخس والظلم لان الإنسان مجبول على دفع الضرر والطمع في جلب النفع إليه. أما الهدف من الإفصاح الكامل ،فنحن إذا رجعنا إلى أهداف المحاسبة التقليدية (الوضعية وخاصة الرأسمالية) فان الهدف الرئيس للإفصاح هو تقديم المعلومات المحاسبية الملائمة لاتخاذ القرارات الاقتصادية وخاصة الاستثمارية منها وهو موجه إلى فئة أو فئتين أساسا وهما فئتي المستثمرين والمقرضين ، ولكن في الآونة الأخيرة تعالت الصيحات وكثرت الانتقادات حول هذا الانحياز الواضح في تغليب مصالح فئة معينة على مصالح فئات أخرى عديدة موجودة أيضا في نفس المجتمع، فظهرت المحاسبة الاجتماعية والمحاسبة البيئية ونحوها وهي التي تأخذ بالاعتبار توجيه أهداف التقارير المحاسبية لخدمة أطراف عديدة غير الفئتين المذكورتين ،إلا إن الجدال مازال مستمرا بين مؤيد ومعارض ،ولكن لننظر إلى الهدف الذي يريده الشارع المقدس من الإفصاح الكامل عن المعاملات والمعاوضات المالية وما يتعلق بها ،أي الإفصاح الكامل الإسلامي، وهذا ما تبينه الآية السابقة حيث يقول الله تعالى في تعليل الكتابة الكاملة :"ذلكم اقسط عند الله و أقوم للشهادة و أدنى ألا ترتابوا" فهو يحقق أهدافا سامية ثلاثة هي:
أ- تحقيق العدل والإنصاف (العدل الإلهي).
ب- حفظ الشهادة (الإثبات والتوثيق) و إقامتها على الوجه الصحيح.
ج- نفي الشك والريب وما قد يقع على الإنسان من غلط النسيان الذي قد يؤدي في المستقبل إلى نزاعات وخصومات واختلاف فيما بين الناس.
فالشارع المقدس قد اقر بوجوب الإفصاح الكامل عن كل ما يتعلق بالمعاملة المالية ألا إن ذلك لا يكون بهدف تغليب مصلحة فئة معينة –المستثمرون والمقرضون مثلا- على مصالح الآخرين في المجتمع كما في المحاسبة الوضعية، و إنما اخذ بالاعتبار مصالح جميع الأطراف ذات العلاقة سواء أكانوا أطرافا مباشرين أم غير مباشرين، وحتى هذه المصالح لم تقتصر على المصالح الدنيوية فحسب و إنما تعدتها لتشمل مصلحة الإنسان في رضا الله عنه في الآخرة أيضا.
3) إن جميع المعاملات المالية(من ضمنها الحكومية) لابد أن تتم وفق القانون الإلهي(التشريع الإسلامي ،أي القانون الإسلامي) ،وقد وضعت الشريعة الإسلامية شرطين رئيسين لابد من توافرهما في كتابة وتوثيق هذه المعاملات وفق الشريعة المقدسة هما :
· الكتابة بالعدل وذلك في قوله تعالى:" وليكتب بينكم كاتب بالعدل" وفيها بيان لكيفية الكتابة وشروطها ومن يتولاها ،والعدل هنا الاستقامة والاستواء في الدِين للدَين ، والأمر إرشادي لغرض بيان الحق ، وقدم الله تعالى صفة العدالة على غيرها لان بالعدل تقوم السماوات والأرض ولان غيرها مع فقدها لا ثمرة فيه.
· أن تكون الكتابة وتوثيق المعاملات وفق الأحكام التي بينها الله تعالى في كتابه المجيد وذلك في قوله تعالى :"و لا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله" ،أي العلم بالأحكام وشؤون المعاملة وما يعتبر فيها لتخلو الكتابة عن الوهم والتقصير لأنها حجة معتبرة، وهي سند بين المتعاملين لحفظ حقوقهم ،وما علمه الله اعم من أن يكون بواسطة أنبياؤه ورسله أو ما ارشد العقل إليه والنهي فيها للتنزيه والكراهة ،وهنا يؤكد التشريع المقدس على أن تثبيت المعاملات المالية وتوثيقها بالكتابة يعتبر من الواجبات الكفائية التي يتقوم نظام العالم بها(السبزواري، 1404هـ: 499).
4) أكد القرآن الكريم على دقة القياس – الذي يعتبر من الوظائف المحاسبية الأساسية – والمسؤولية عن عملية القياس ،حيث يقول تعالى:" وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان" (الرحمن، 9) فهنا تأكيد على ضرورة تحري العدالة في مسالة الوزن والقياس وتنبيه إلى بني البشر إلى أنهم لا يستطيعون العيش بشكل طبيعي في هذا العالم إلا إذا كان له نظم وموازين ومقاييس عادلة دقيقة،وأن هذا العالم لو زالت عنه القوانين والنظم والمقاييس التي تسيره فإنه سوف يفنى ،وكذا حياتكم إذا فقدت النظم والموازين والمقاييس فإنكم ستتجهون إلى طريق الفناء لا محالة. علاوة على ذلك فإن القياس العادل والصحيح له دور كبير في تنظيم الحياة والشؤون الدنيوية والأخروية للمسلمين فهو يدخل في صلب العبادات والمعاملات في التشريع الإسلامي وخاصة فيما يتعلق بالعبادات المالية كالزكاة والخمس، حيث تتطلبان هاتان العبادتان قياس الأموال التي تتعلق بالزكاة أو الخمس بدقة وتحديد المقدار الواجب إخراجه منهما .
5) كما اهتم الشارع المقدس بطرق توصيل المعلومات التي تحتويها المعاملات والعقود والتقارير المالية ووجوب عرضها وإظهارها بصورة كاملة وعادلة فوضع شروطا معينة للقائم بعملية كتابتها(المحاسب بلغة عصرنا الحالي) وشروطا أخرى للمادة المكتوبة في هذه التقارير ( أي خصائص نوعية للمعلومات الواردة فيها) فضلا عن كون العملية(إعداد وعرض التقارير المالية وتوصيلها) لابد أن تتأطر بالتقوى والعدل وخشية الله ،كل ذلك لضمان مصالح المسلمين وحفظ حقوقهم ودفعا للمنازعات والاختلافات التي قد تنشأ بسبب تلك المعاملات .
6) إن التطور والتطبيق المحاسبي في الدولة الإسلامية يعكس دور الدين الإسلامي ، بوصفه ديناً شاملاً للحياة المادية والمعنوية(الروحية) للإنسان.
7) وبهذا يتبين إن النظام المالي الإسلامي نظام يعنى بتنظيم موارد الدولة المالية ،وتوزيع هذا المال على المرافق العامة للحياة ومن ثم فهو يشتمل على جانبين ،الجانب الأول :الموارد المالية التي ترد الدولة ،الجانب الثاني: النفقات العامة والأشخاص التي تنفق الدولة عليها هذا المال.
وقد ذكرنا سابقا إن المحاسبة التي كانت سائدة في الدولة الإسلامية هي المحاسبة الحكومية، التي تهتم بكيفية الحصول على الأموال العامة وتسجيلها وتنظيمها ،وتخصيصها أي تحديد أوجه التصرف بها وتوزيعها على المرافق العامة في المجتمع الإسلامي .
2) معيار الأسس المحاسبية
يشير الأساس المحاسبي إلى (متى) يتم الاعتراف بالمعاملات والأحداث لأغراض التقارير المالية(Hay,1993,14)، وتطبق الدول أسسا محاسبية مختلفة وبدرجات متفاوتة ،حيث يعتمد تطبيق تلك الأسس على عدة عوامل أهمها: الأهداف التشغيلية للوحدة الحكومية ،والبيئة الاقتصادية والاجتماعية والقانونية التي تعمل فيها ،وعلى درجة ونوع المساءلة، وعلى أهداف التقارير المالية وعلى احتياجات مستخدمي البيانات والتقارير المالية(احمرو،2004: 138)، وهناك أربعة أسس محاسبية معتمدة هي :
· الأساس النقدي : الذي يعتمد على تحميل الحسابات الختامية لأية سنة مالية بالنفقات التي دفعت فعلا خلال تلك السنة ،والإيرادات التي قبضت فعلا خلالها بغض النظر عما إذا كانت هذه النفقات أو الإيرادات تعود إلى السنة المالية نفسها أو لسنة سابقة أو لاحقة.لذا فإن التقارير المعدة وفقا لهذا الأساس ستبلغ عن المال الذي تم قبضه وصرفه خلال الفترة فضلا عن الرصيد النقدي المتوفر في بداية هذه الفترة ونهايتها.
· أساس الاستحقاق الكامل: الذي يعتمد على تحميل الحسابات الختامية لأية سنة مالية بالمصروفات والإيرادات التي تحققت فعلا خلال تلك السنة بغض النظر عما إذا كانت هذه النفقات قد دفعت أم لم تدفع بعد والإيرادات قبضت فعلا أم لم تقبض بعد،لذا يتطلب هذا الأساس رسملة نفقات لاقتناء جميع الأصول الرأسمالية واستهلاكها كمنافع محتملة تستهلك،وبالتالي فهو يعترف بجميع الأصول والالتزامات ومصاريف وإيرادات الوحدة.
· أساس الاستحقاق المعدل : عرف IFAC PSC أساس الاستحقاق المعدل بأنه الأساس المحاسبي الذي يعترف بالمعاملات والأحداث عندما تتحقق بغض النظر عن ارتباطها بدفع أو استلام النقد ،وأن العناصر المعترف بها في ظل هذا الأساس هي الأصول المالية والالتزامات المالية ،وصافي الأصول المالية(أو صافي الالتزامات المالية)،والإيرادات والنفقات ،ويركز أساس الاستحقاق المعدل في القياس على كلفة السلع والخدمات المقتناة خلال الفترة بغض النظر عن فترة استهلاكها أو دفعها ،لذلك يطلق عليه أحيانا (محاسبة النفقات) وهي نقطة الخلاف الأساسية بينه وبين أساس الاستحقاق الكامل.
· الأساس النقدي المعدل (أساس الالتزام) : يعترف هذا الأساس بمدفوعات الفترة ،وهي تلك الأموال التي تنفق خلال فترة التقرير مضافا إليها التدفق النقدي في فترة محددة تالية لتاريخ التقرير مرتبطة بمعاملة أو حدث متحقق خلال فترة التقرير، وقد عرف IFACPSC الأساس النقدي المعدل بأنه الأساس المحاسبي الذي يعترف بالمعاملات أو الأحداث الأخرى عند استلام أو دفع النقد ، كما تبقى السجلات مفتوحة لفترة تتراوح بين الشهر أو الشهرين بعد نهاية السنة (فترة محددة)،وتعتبر المقبوضات والمدفوعات التي تحدث خلال هذه الفترة المحددة-التي تعود لفترة سابقة- مدفوعات أو مقبوضات لتلك الفترة السابقة كما أن التدفقات النقدية (مدفوعات و مقبوضات) في بداية فترة التقرير (التي تم التحاسب عليها في الفترة السابقة) تطرح من الفترة الجارية ،وأن القائمة المالية الأساسية هي قائمة التدفق النقدي.
إن لكل من الأسس السابقة مزاياها وعيوبها ،والاعتماد على أسلوب دون آخر يؤدي حتما إلى نقص في المعلومات اللازمة لاتخاذ بعض أنواع القرارات الإدارية والاقتصادية ،ولسنا هنا بصدد بيان تلك المزايا و العيوب أو أفضلية أسلوبٍ ما على آخر، بقدر ما يهمنا إثبات أصالة وجودها في النظام المالي الإسلامي ،وهل تم تطبيقها في الدولة الإسلامية؟
الأسس المحاسبية في التشريع الإسلامي
الأساس النقدي : يقول الله تعالى:" واشهدوا إذا تبايعتم " أي واستشهدوا في التبايع في التجارة الحاضرة والأمر إرشادي للتأكيد على شدة الحيطة في الأموال(السبزواري، 1404 هـ :499 ) ،وذلك يشمل كل أنواع المعاملات المالية ،سواء أكانت معاملات نقدية أم آجلة، لقد تم تطبيق الأساس النقدي في صدر الدولة الإسلامية ،فالإيرادات المجبية خلال العام يتم إنفاقها خلاله أيضا ،فقد كان الرسول الأكرم (ص) ينفق الإيرادات المحصلة في خلال ثلاثة أيام ويروى انه(ص) كان يقول لكاتبه حنظله بن الربيع :"الزمني واذكرني بكل شيء لثلاثة" فكان لا يأتي على مال ولا طعام ثلاثة أيام إلا اذكره فلا يبيت رسول الله (ص) وعنده شيء منه (الابجي،1990: 1133)، وعن علي بن ربيعة قال: " جاء ابن التياح إلى علي بن أبي طالب(ع) فقال : يا أمير المؤمنين ! امتلأ بيت المال من صفراء وبيضاء ،فقال علي(ع)" الله اكبر ،ثم قام متوكئا على يد ابن التياح فدخل بيت المال وهو يقول :
هذا جناي وخياره فيه وكل جان يده إلى فيه
ثم نودي في الناس فأعطى جميع ما في بيت المال وهو يقول:"يا بيضاء!ويا صفراء! غري غيري" حتى لم يبق فيه درهم ولا دينار ، ثم أمر بنضحه بالماء ،فصلى فيه ركعتين(ع)(البلاغ،2000: 542)، كما جاء في قوله(ع) إلى عامله أن "تقسم كل سنة ماورد اجتمع إليك من المال ولا تمسك منه شيئا". إن ذلك يدل بوضوح على إن إيرادات الفترة (السنة) يتم إنفاقها في نفس الفترة التي تم تحصيلها أي عند تسلم الإيرادات فعلا يتم إنفاقها وتوزيعها فعلا على مستحقيها دون تأخير ،وهذا هو الأساس النقدي.كما أشار الماوردي في (الأحكام السلطانية) إلى استخدام الأساس النقدي من خلال قوله: ((إن من أنواع المال المستحق على بيت المال ما كان مودعا في بيت المال فاستحقاقه معتبر بوجوده فإن كان المال موجودا فيه كان صرفه في جهته مستحقا وعدمه مسقط لاستحقاقه ))[73] .
أساس الاستحقاق
إن الاقتصار على استخدام الأساس النقدي في عهد النبي الأكرم(ص) والخلفاء الأوائل من بعده كان لبساطة الظروف الاقتصادية والمالية والاجتماعية في ذلك الوقت ،ومن ثم محدودية وبساطة المعاملات والأحداث المالية،إلا إن ذلك لا يعني انه لم يستخدم في الدولة الإسلامية ، أو انه لا توجد معايير وقواعد تشريعية تتعلق بتطبيق أساس الاستحقاق في النظام المالي الإسلامي ،بل هناك مبادئ وأسس و مفاهيم وأحكام في التشريع الإسلامي ذات صلة وثيقة (مباشرة أحيانا) بتطبيق أساس الاستحقاق المحاسبي ،ويمكن توضيح مواضع الملائمة و التطابق مع النظام المالي الإسلامي في النقاط الآتية:
· إذا رجعنا إلى فلسفة أساس الاستحقاق فهي لا تتعدى كونها الالتزام بما وقع من معاملات وأحداث مالية بين طرفين ،وبما تم الاتفاق عليه بينهما أي تنفيذ هذا الاتفاق والوفاء به ،وهذه الحقيقة نراها تتطابق تماما مع قوله تعالى :"أوفوا بالعقود"(المائدة،1) حيث تعتبر هذه الآية من الآيات التي تستدل بها جميع كتب الفقه في البحوث الخاصة بالحقوق الإسلامية ،وتستخلص منها قاعدة فقهية مهمة هي (أصالة اللزوم في العقود) ،أي وجوب الوفاء بما وقع عليه التراضي بين اثنين مع توافر الشروط التي اعتبرها الشرع من البلوغ والعقل في المتعاقدين وقابلية الشيء المعقود عليه للتملك وعدم استلزامه تحليل الحرام أو تحريم الحلال ،ويبين القرطبي ( 1405 هـ ،ج6 :32-33) في تفسيره للآية الكريمة السابقة "إن الله سبحانه قد أمر بالوفاء بالعقود وخاصة عقود الدين وهي ما عقده المرء على نفسه من بيع وشراء و إجارة و مناكحة وطلاق ومزارعة ومصالحة وتمليك وتخيير وعتق وتدبير وغير ذلك من الأمور ما كان ذلك غير خارج عن الشريعة،ويقول النبي (ص) "المؤمنون عند شروطهم" وقال (ص):" كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط" فبين أن الشرط أو العقد الذي يجب الوفاء به ما وافق كتاب الله أي دين الله .
· إن قضية الوفاء بالعهد والميثاق التي تطرحها الآية تعتبر واحدا من أهم مستلزمات الحياة الاجتماعية ،إذ بدونها لا يتم أي نوع من التعاون والتكافل الاجتماعي ،و إذا فقد نوع البشر هذه الخصلة فقدوا بذلك حياتهم الاجتماعية وآثارها أيضا ،ولهذا تؤكد مصادر التشريع الإسلامي بشكل لا مثيل له على فضيلة الوفاء بالعهود التي قد تكون من القضايا النوادر التي تمتاز بهذا النوع من السعة والشمولية ،لأن الوفاء لو انعدم بين أبناء المجتمع الواحد لظهرت الفوضى والاضطراب فيه وزالت الثقة العامة وزوال الثقة يعتبر من أكبر وأخطر الكوارث(الشيرازي، 1413هـ.ق: 507).
· إن أساس الاستحقاق يتعلق بالمعاملات الآجلة ،وكيفية تسجيلها والاعتراف بها ،وهذا الأمر قد وضحته الآية 282 من سورة البقرة ،التي تتضمن الكثير من الأحكام والمعايير النظامية –كما مر بنا- والتي لا تختص بعصر دون آخر ولا ملة دون أخرى ،فهي صالحة في جميع الأعصار والشعوب يحفظ بها الأموال عن الضياع ويسلم الإنسان عن التشاجر والتنازع ويرتضيها العقل السليم ويوافق عليها الطبع المستقيم ،وقد نبه إليها القران الكريم قبل إن يصل الإنسان إلى المدنية الحاضرة ويقنن قوانين لتنظيم المعاملات وحفظ الأموال وتحسين النظام الاجتماعي الاقتصادي ،فمن ضمن القواعد التي ذكرتها الآية المباركة ،هي إن هناك نوعين من المعاملات تقع بين الأفراد هي المعاملات الآجلة والمعاملات الحاضرة (الآنية) ,فبالنسبة للتعامل الآجل(بدين) شددت الآية على ضرورة تسجيل هذا النوع من المعاملات وتوثيقها بمستندات وسجلات خاصة حفظا للحقوق وصيانة للمال ودفعا للشك والريبة والمنازعات ،وقوله تعالى:"إلا إن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها " أي النوع الثاني من المعاملات وهي المعاملات الحاضرة ، أي إلا إن تكون المعاملة والتجارة نقدا ليس فيها دين –دفع وتسلم فعلي –وتتناقلون العوضين فيما بينكم فيأخذ كل واحد عوضا ماله من الآخر،ففي هذه الحالة لا بأس في ترك الكتابة فيها ،وبالرغم من ذلك فان الإشهاد والتوثيق أحوط ،فيقول عز شانه:" واشهدوا إذا تبايعتم " أي واستشهدوا في التبايع في التجارة الحاضرة والأمر إرشادي للتأكيد على شدة الحيطة في الأموال(السبزواري، 1404 هـ :499 ).
· وردت إشارات تدل على تطبيق أساس الاستحقاق جنبا إلى جنب الأساس النقدي في عهد الدولة الإسلامية ،فقد بين الماوردي في (الأحكام السلطانية) (إن المال المستحق على بيت المال نوعان : أولهما : ما كان مودعا في بيت المال فاستحقاقه معتبر بوجوده فإن كان المال موجودا فيه كان صرفه في جهته مستحقا وعدمه مسقط لاستحقاقه وهذا الأمر يتعلق بالأساس النقدي ،وثانيهما : أن يكون بيت المال مستحقا فهو على نوعين أحدهما أن يكون صرفه مستحقا على وجه البدل كأرزاق الجند وأثمان السلاح فاستحقاقه غير معتبر بالوجود وهو من الحقوق اللازمة مع الوجود و العدم ،والنوع الثاني أن يكون صرفه مستحقا على وجه المصلحة والإرفاق دون البدل فاستحقاقه معتبر بالوجود دون العدم فان كان موجودا في بيت المال وجب فيه وسقط فرضه عن المسلمين وان كان معدوما سقط وجوبه عن بيت المال وكان إن عم ضرره من فروض الكفاية على كافة المسلمين حتى يقوم منهم من فيه كفاية كالجهاد)[74]. كما ذكر في موضع آخر (ويدخل في بيت المال كل مال استحقه المسلمون ولم يتعين مالكه فهو من حقوق بيت المال سواء أكان داخلا في حرزه أم لم يدخل لأن بيت المال عبارة عن جهة وليس مكان وكل حق وجب صرفه في مصالح المسلمين فهو حق على بيت المال سواء أكان خارجا من حرزه أم لم يخرج لأن ما صار إلى عمال المسلمين أو خرج من أيديهم فحكم بيت المال جار عليه في دخله إليه وخرجه)[75].،و ذكرت الدجيلي (1976 : 155):إن بيت المال كان يقوم بوظائف دينية ومالية عدة ،وكان يقوم بمختلف أنواع العمليات المالية والمصرفية من أجل تسهيل عملية نقل الأموال من مكان لآخر دون التعرض لأخطار الطريق مثلا كاستخدام السفاتج أو صرف الأموال بواسطة الصكوك لتسهيل إجراء العمليات المالية ،وكان لازدهار حركة التجارة وكثرة الأموال وزيادة الرخاء والترف اثر في نشاط هذه العمليات كما إن حدوث بعض الأزمات المالية كان له الأثر على العمليات المالية ، وهذه العمليات من الطبيعي أن تتضمن إثبات إيرادات تخص السنة المعنية إلا انه لم يتم جبايتها أو إثبات مصروفات لم يتم إنفاقها أو طرح إيرادات تخص أعواما سابقة تمت جبايتها في السنة الحالية أو إضافة مصروفات تم دفعها في فترة سابقة وهي تخص السنة الحالية،وهو ما يمثل أساس الاستحقاق في المحاسبة عن الإيرادات والنفقات، وفيما يتعلق بالتنظيم المحاسبي في العراق فهناك توصية بضرورة إقرار المشرع العراقي باستخدام أساس الاستحقاق بصورة موسعة إلى جانب الأساس النقدي وخاصة للنفقات الاستثمارية ونفقات الفصل الرابع والخامس في الموازنة والمخصصة للصيانة والنفقات الرأسمالية(سلوم ، 2004: 70).
3)معايير التقارير والقوائم المالية
يمكن تقسيم معايير التقارير المالية الحكومية على قسمين رئيسين هما:
:أ) التقارير الخاصة بالوحدة الاقتصادية الحكومية:
حيث تهدف هذه التقارير إلى : تفسير نطاق نشاطات الوحدة الحكومية،وتفسير طبيعة نشاطات الوحدة الحكومية ،والإبلاغ عن نتائج نشاطات الوحدة الحكومية. أما محتويات هذه التقارير فتتضمن الآتي(IntosaI بتصرف):
· نظرة عامة على الوحدة الحكومية
· نبذة عن محتويات التقرير ومعالمه.
· البيانات المالية- قائمة المركز المالي.
· تقرير المطابقة للموازنة.
· تقرير الأداء.
· رأي المدقق.
ب)التقارير الحكومية العامة:
وهي تقارير تعد من قبل الوحدات الحكومية التي تتكون منها الحكومة والتي يطلب الإبلاغ عن نشاطها،وتعتبر مؤسسة ما مملوكة للحكومة إذا كانت الحكومة تملك أغلبية الأسهم الناخبة ،وتحتوي هذه التقارير على معلومات تتعلق بـالآتي :ـ نظرة عامة ،ملامح التقرير، البيانات المالية، تقرير المطابقة، تقرير الأداء، رأي المدقق.
التقارير والقوائم المالية في التشريع الإسلامي
لقد مر بنا في بيان أهداف التقارير المالية للنظام المحاسبي الحكومي ،إن التشريع الإسلامي قد أولى موضوع تسجيل المعاملات والمعاوضات المالية وتوثيقها أهمية وعناية كبيرة،وشدد على ضرورة الالتزام بتسجيل هذه المعاملات مهما كانت قيمتها صغيرة أم كبيرة "ولا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبير إلى أجله" ،ومن ثم عرضها والإفصاح عنها ،وذلك لحفظ الحقوق وصيانة الأموال ودفع الشك والريبة والمنازعات،و لأجل ذلك فقد اقر التشريع الإسلامي باستخدام الوسائل والأدوات اللازمة لتحقيق هذا الهدف ،كاستخدام المستندات والسجلات والقوائم والتقارير المالية ،وجاءت الآية 282 من سورة البقرة المباركة بالعديد من الأحكام والمعايير التشريعية الخاصة بالمعاملات والمعاوضات والأحداث المالية ،من ضمنها تسجيل وتوثيق المعاملات وعرضها والإفصاح عنها بصورة كاملة وعادلة " وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله " ومما يدل على أهمية هذا الأمر وخطورته فقد أمر سبحانه بالتقوى عند تسجيل وكتابة هذه المعاملات "فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا" وهذا الأمر الإلهي للترهيب فان الله عليم بالأمور وقادر عليه وبيده عقابه ،ومرة أخرى نرى إن التشريع الإسلامي دائما يربط كل الأمور الحياتية والجوانب الإنسانية المختلفة بالدين وبتعاليم السماء الخالدة.و يركز على طرق توصيل المعلومات(التقارير والقوائم المالية)ويهتم بطريقة إعدادها وتنظيمها وكذلك ضمان صحة المعلومات الواردة فيها لأجل تحقيق عدة أهداف عامة أهمها:
1. بيان شرعية المعاملات وخلوها من حالات الغش أو الإخفاء أو التدليس.فالتقارير المالية لابد أن تعرض أنشطة المشروع ومدى ملائمتها مع مبادئ الشريعة الإسلامية ،لكي يتم الكشف عن الأنشطة غير المشروعة واستبعادها.
2. تحديد الأموال والثروات الخاضعة للزكاة ،وهذا يتطلب كما لاحظنا التمييز بين عروض القنية(الأصول الثابتة) وعروض التجارة(الأصول المتداولة)،حيث لا زكاة على الأولى بينما تفرض الزكاة على الثانية.
3. تحقيق مفهوم إمكانية المحاسبة الاجتماعية أو ما يمكن تسميته بالمساءلة المحاسبية التي تبدأ من الرقابة الذاتية للنفس والشعور بالمسؤولية تجاه الله أولا ثم تجاه الناس.
فضلا عن ذلك فإن التقارير المالية الحكومية الإسلامية تهدف إلى:
· تحديد نوعية الملكية للأموال الموجودة في الخزينة الوطنية وموارد تحصيلها ،كأن تكون أموال تتعلق بها الملكية العامة أو تتعلق بها ملكية الدولة ، وما يترتب على ذلك من استحقاقات والتزامات.
· تحديد الفترات الزمنية التي يتم على أساسها جباية كل نوع من أنواع الأموال المختلفة الواردة إلى بيت المال ،وتحديد معدلات تقدير وتقييم هذه الأموال وأساليب تحصيلها وجمعها ،ومواضع صرفها.
· قياس المصروفات وتوفير المعلومات حول أساليب ومواضع صرف الأموال.
· المراقبة المستمرة لإيرادات بيت المال ونفقاته وضبطها والتصرف بها وفقا للشريعة الإسلامية،وكذلك محاسبة القائمين على أمور هذه الأموال.
ويذكر أن القراطيس(أوراق البردي) كانت تستورد إلى بغداد عاصمة الخلافة من مصر قبل توافر الورق وانتشار استعماله على نطاق واسع ،لكونها مواد أساسية في ضبط أعمال الديوان حيث تستعمل على شكل سجلات وأوراق العرائض والمؤامرات وختمات وتقارير لتسجيل مبالغ الاستخراج وتفريقه وكتابة البراءات سواء أكان في ديوان الخراج المركزي أم الدواوين الفرعية في الأقاليم أم من قبل الجباة خلال موسم الجباية(السامرائي،1990: 825).
ومع ازدياد الحاجة إلى الورق في أعمال الحسابات الخاصة بالجباية والتوسع فيها، ازداد الإنفاق على استيراد البردي من مصر وجرى تخزين كميات كبيرة منه لمواجهة احتمالات انقطاعه أو تعرض طرق تجارية إلى الأخطار ، فضلا عن أن أثمان أوراق البردي المستورد إلى العراق كانت غالية الثمن (السامرائي،1990: 825) . إن الاهتمام باستيراد الورق و إنفاق الأموال لغرض شراءه والحرص على توفيره بصورة مستمرة يوفر أحد الشواهد المهمة الدالة على اهتمام المسلمين والنظام الإسلامي بتنظيم سجلات ودفاتر وقوائم وتقارير عن المعاوضات والمعاملات المالية سواء أكانت تلك التي يجريها الأفراد فيما بينهم أم تلك التي يجرونها مع دوائر الدولة المختلفة آنذاك.
وقد استخدم المسلمون القوائم المالية التي ترفع بها الحسابات الدورية يومية أو شهرية أو سنوية سواء أكان ما يرفع منها من الولاة من عمال الدواوين أم ما يرفع إلى الخلفاء من قبل الولاة،حيث كان الاهتمام الأكبر حينذاك بالجوانب المالية الخاصة بإيرادات الدولة ومصاريفها مما يعني أن المحاسبة السائدة في ذلك الوقت هي المحاسبة الحكومية التي تهتم بكيفية الحصول على الأموال العامة ،وكذلك تحديد أوجه التصرف بها لعامة الشعب(يحيى،2004: 136).
وقد بين المازندراني في كتابه "الرسالة الفلكية- كتاب الزكاة" إنه كان يتم إعداد تقارير مالية متعددة، أهمها التقرير السنوي الذي يقدم للخان، وتعرض فيه تفاصيل الإيرادات والمصروفات.كما إن
جميع السجلات والتقارير كان يتم تقسيمها على جزأين نصفها للأرقام والنصف الآخر لشرح تفاصيل تلك الأرقام (الحميد،1427هـ)[76] ، وفي جميع المراحل التاريخية للدولة الإسلامية كان هناك اهتماماً كبيراً بضرورة إعداد التقارير المكتوبة وإيصالها إلى أولي الأمر ضمن الفترة الزمنية المعينة، سواء أكانت تلك الفترة قصيرة أم طويلة ، حيث يعتمد ذلك على نوع تلك التقارير ومناسبتها ، و كان التقرير النقدي لبيت المال يعد شهرياً والمركز المالي للدولة سنوياً ... وهكذا ، وكانت التقارير الدورية في الإسلام تأخذ طابعاً موحداً حسب نوع النشاط ، وكان محاسب بيت المال يقوم بحساب الإيرادات في فترات دورية حسب نوع الإيراد، كما كان يقوم بإعداد مجموعة من التقارير والقوائم المالية التي تعرض على المسئولين في فترات دورية باعتبار أن المحاسبة هي أداة الإدارة الأولى التي تساعدها في الرقابة على النشاط الاقتصادي ، وجميع هذه التقارير تبدأ بالبسملة ثم مقدمة يليها تفصيل العمل وفي الختام تظهر الجملة والحاصل الرصيد(يحيى وأيوب،1427هـ)[1] ،وقد ذكرنا مجموعة من التقارير والقوائم المالية في الفصل السابق، كان يتم إعدادها في عهد الدولة الإسلامية أهمها:
· الختمة، وهي خلاصة الحساب الشهري يرفعه الجهبذ باستخراج ما يصل إلى بيت المال من أبواب الأموال والحمل والنفقات والحاصل ، فهي عبارة عن تقرير مالي شهري يتم إعداده نهاية كل شهر ويحتوي على الإيرادات والمصروفات مبوبة وفق أنواعها مع الرصيد المتبقي في نهاية كل شهر،ويشبه هذا التقرير قائمة مصادر واستخدامات الأموال في وقتنا الحاضر.
· الختمة الجامعة ،وهي تقرير يعده المحاسب ويقدمه إلى المسئول الأعلى منه ،وهي تعمل كل سنة على نفس منوال السابقة.
· التوالي، وهو تقرير يعد عن كمية الغلات،أي المحاصيل الزراعية في كل موسم ،يبين فيه الوارد والصادر والرصيد حسب أنواعها عن كل فترة زراعية.
· عمل المبيع، وهو تقرير المبيعات ،يبين فيه كميتها وسعرها وقيمتها والرصيد بالكمية والقيمة في نهاية كل فترة محددة.
· عمل المبتاع،وهو تقرير المشتريات ،يبين فيه كميتها وسعرها وقيمتها والمصاريف الخاصة بها في نهاية كل فترة محددة.
· الارتفاع، وهي عبارة عن الموازنة العامة (المركز المالي المتوقع) لسنة هجرية قمرية مقبلة،يبين فيها الموجودات والمطلوبات والفرق بين الإيرادات والمصروفات معدة على أساس تقديري تخميني ،ثم يظهر في القسم الثاني منها النتائج الفعلية بعد انتهاء السنة وتفسير الفروق في الحسابات الختامية.
وقد كان في عهد الدولة العباسية مجلس تابع لديوان الخراج يسمى بمجلس الحساب ،مهمته ترتيب الأموال الواردة إلى الديوان وعمل قوائم الحسابات المتعلقة بكل صنف من الأصناف وهو يقوم على ضبط الناحية المالية(الزهراني،1986: 460).كما كانت تعد ميزانية كل فترة دورية عن مركز الدواوين في الولايات المختلفة ويتحقق في إعدادها التوازن بين المصروفات والإيرادات لكل ولاية إسلامية مع بيان الفائض في كل منها(يحيى،2004: 137).
ويظهر أن قوائم الواردات قد استندت إلى وثائق الحسابات الرسمية، وهي تعطي صورة تكاد تكون حقيقة عن مدى ثروة الدولة الإسلامية خلال فترات مختلفة من تاريخها،فضلا عن أنها توفر معلومات أساسية عن(الدجيلي، 1976: 89- 92):ـ
1. أنواع الأموال الواردة إلى عاصمة الخلافة، حيث تدرج قائمة اليعقوبي واردات الدولة في عهد معاوية ، وتبين أن هناك نوعين من الواردات ، الواردات النقدية والواردات العينية.
2. مجموع جباية الأموال، أي كمية الأموال الإجمالية ، مقيمة بالعملة السائدة آنذاك.
3. أسماء الأقاليم الواردة منها الأموال.
4. مقدار جباية الأموال في كل إقليم، وأساس تقييم الأموال فيه.
ويوضح الجدول الآتي بعض ماورد عن مقدار الجباية في عهد الدولة العباسية أيام المأمون وفق قائمة ابن خلدون[77].
جدول رقم(6 )
قائمة بالواردات الإجمالية في عهد الدولة العباسية
أسماء الأقاليم
مقدار الجباية بالدراهم
الأموال و الغلات
السواد
27800000
ومن الحلل النجرانية 200حلة ومن طين الختم 240 رطل
كسكر
11600000
كور دجلة
20800000
حلوان
4800000
الأهواز
25000000
وسكر 300000رطل
فارس
27000000
ومن ماء الورد 30000قارورة، ومن الزيت الأسود 20000رطل
كرمان
4200000
ومتاع يماني 500 ثوب وتمر 20000رطل
مكران
400000
السند وما يليه
11500000
وعود هندي150رطل
سجستان
4000000
و من الثياب المعينة 300 ثوب ومن الفانيد 20 رطل
خراسان
28000000
ومن تقر الفضة 2000نقرة و 4000برذون و1000رأس دقيق و20000ثوب متاع و30000رطل إهليلج
السواد
27800000
ومن الحلل النجرانية 200حلة ومن طين الختم 240 رطل
كسكر
11600000
كور دجلة
20800000
حلوان
4800000
الأهواز
25000000
وسكر 300000رطل
فارس
27000000
ومن ماء الورد 30000قارورة، ومن الزيت الأسود 20000رطل
كرمان
4200000
ومتاع يماني 500 ثوب وتمر 20000رطل
مكران
400000
السند وما يليه
11500000
وعود هندي150رطل
سجستان
4000000
و من الثياب المعينة 300 ثوب ومن الفانيد 20 رطل
خراسان
28000000
ومن تقر الفضة 2000نقرة و 4000برذون و1000رأس دقيق و20000ثوب متاع و30000رطل إهليلج
جرجان
12000000
1000شقة ابريسم
قومس
1500000
ومن نقر الفضة1000 نقرة
طبرستان والريان ودماوند
6300000
و600 قطعة من الفرش الطبري و200أكسية و500ثوب و300منديل و300جام
الري
12000000
و 20000رطل عسل
همدان
11300000
و 1000رطل رب الرمانين و12000رطل عسل
ماها البصرة والكوفة
10700000
ماسبذان والريان
4000000
شهر زور
6700000
الموصل وما يليها
24000000
و200000رطل عسل
أذربيجان
4000000
الجزيرة وما يليها من أعمال الفرات
13000000
و20من القسط المحفور و530 رطل من الرقم و10000رطل من المسايح السورماهي و10000رطل من الصونج و200بغل و30 مهر
برقة
1000000
إفريقية
13000000
و 120بساط
قنسرين
400000
و1000حمل زيت
دمشق
420000
الأردن
97000
فلسطين
310000
و 300000رطل زيت
مصر
2920000
اليمن
370000
سوى المتاع (لم يذكر)
الحجاز
300000
المجموع
390855000
درهم
ويمكن القول إن القائمة أعلاه تشبه إلى حد كبير القوائم المالية الموحدة المتعارف عليها في وقتنا الحاضر ، على سبيل المثال التقرير المالي السنوي الشامل الذي تعده الوحدات الحكومية الأمريكية وفقا لبيان GASB والمسمى اختصارا(CAFR )،وهو تقرير مالي حكومي سنوي يحتوي على قوائم مالية وجداول إحصائية تتعلق بأنشطة جميع الوحدات الحكومية على مستوى الدولة ككل( HAY & ENGSTROM,1993:5).
وأورد القلقشندى بعض نسخ التوقيعات والمراسيم للنظر وتولي الأمور والدواوين وبيوت المال ، وجاء في نسخة منها موجهة للقاضي شرف الدين محمد بن علاء الجوجري في مستهل رجب سنة 739هـ " ولتحقيق بيان حكمة ضبط الأصل والخصم والواصل والحاصل والمحضر والمخرج" وله أيضا:" فليضبط أصولها وفروعها ومفردها ومجموعها وليكفلها بأمانة تضم أطرافها ونزاهة تحلي أعطافها وكتابة تحضر جليها ودقيقها وليحرر واردها ومصروفها ، وليلاحظ جرائد حسابها" ، وله أيضا" فإن للدولة الشريفة من الأقلام ضابطا، ولها من الحساب نظاما أصبح عليها سياجا وحافظا يصون الأموال ، ويحرز المطلقات (النفقات) بعدا وقربا، فليباشر هذه الوظيفة ، وإذا أمسك دفاتره أظهر مآثره ، وإذا نسيت الجمل ، أبدى تذاكره ، والعمدة على شطبه في الحسابات الحاضرة ، فلا يخرج من عنده شيء بغير ثبوت"[78] .
4) معيار الصلاحيات المالية
وردت هذه القاعدة في قانون أصول المحاسبات –العراقي- ذي العدد 28 لسنة 1940 وتعديلات بموجب المواد (10، 26، 44)وقد أدخلت عدة تعديلات على مبالغ الصرف التي يسمح للموظف المسئول بصرفها ، وقد مر بنا تفاصيل هذه القاعدة.
إن موضوع الصلاحيات المالية يعتبر من أهم وأخطر المواضيع التي ينبغي أن ينتبه إليها الموظف المالي والإداري في إدارات الدولة المختلفة ،ويرى البعض انه من الأهمية بحيث يأتي بالدرجة الأولى وحتى قبل مرحلة تنظيم الحسابات (الصائغ،1989: 15)،وذلك للنتائج والآثار الخطيرة التي قد تنشا من هذه الصلاحيات المالية، فالخطأ في التصرفات المالية وتجاوز الصلاحيات ينشا عنها الكثير من المآخذ والمحاذير .
والصلاحيات المالية هي قرارات وتعليمات تشريعية تبين حدود آو مجال إبرام التعاقدات المالية والالتزام بها من جهة، ومن جهة أخرى تبين حدود الصرف ،وكما مر بنا فان اتجاه التشريعات المالية في إطار الصلاحيات المالية قد تعرض لكثير من التغيير خلال الفترات الماضية ،وذلك وفقا لتغير الأحوال الاقتصادية والسياسية للدولة.
الصلاحيات المالية في التشريع الإسلامي
يحرص التشريع الإسلامي على حفظ الأموال وصيانتها ،لا لأجل المال نفسه و إنما لتحقيق أهداف النظام الاقتصادي الإسلامي المتمثلة بتحقيق التوازن الاجتماعي ،فهناك علاقة قوية بين تحديد الصلاحيات المالية للموظفين المسئولين عن الصرف وتحقيق التوازن الاجتماعي،فالالتزام بالصلاحيات الممنوحة والمحددة من قبل الشارع المقدس يعني صرف هذه الأموال في المواضع المخصصة لها وذلك يعني السير خطوات في اتجاه تحقيق التوازن الاجتماعي ،من حيث عدم الإسراف وتبذير الأموال أو هدرها واختلاسها أو سوء استخدامها،يقول الإمام علي (ع) :" ألا وان إعطاء هذا المال في غير حقه تبذير وإسراف" (غرر الحكم، 1366 هـ.ش[79]:359)،إن أي خطا أو تجاوز في الالتزامات والصلاحيات المالية سواء أكان متعمدا أم غير متعمد فانه سيؤدي لا محالة إلى نتائج سلبية يمتد أثرها على المصلحة العامة للمجتمع بأسره. يقول الله تعالى:" إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها" (النساء،58)، والأمانة بمعنى القيام بما تقتضيه الوظيفة من أعباء ومهمات من إنجاز الأعمال المطلوبة على وجه الدقة والإتقان ،فإن الأعمال الموكولة إلى الموظف الإداري – كسائر الموظفين هي مصالح الناس التي أوكلتها الحكومة إليه ،فهي باعتبار أمانة للحكومة وباعتبار آخر أمانة للناس،ومقتضى الآية وجوب الأداء ولا يتحقق الأداء إلا بالعمل الكامل من حيث ساعات العمل والكيفية وبالإتقان(شمس الدين، 1421: 357). فالأموال والثروات والمناصب والمسؤوليات والمهام والرساميل الإنسانية والثقافات والتراث والمخلفات التاريخية كلها أمانات إلهية سلمت بأيدي أشخاص مختلفين في المجتمع والجميع مكلفون أن يحفظوا هذه الأمانات ويجتهدوا في تسليمها إلى أصحابها الأصليين ولا يخونوا فيها أبدا،لقد ورد تأكيد كبير على مسالة الأمانة في المصادر الإسلامية إلى درجة إننا قلما نجد مثله في مورد غيره من الأحكام والمسائل وذلك لأهمية هذه المسالة وخطورة النتائج المترتبة على عدم الالتزام بها(الشيرازي، 1413هـ: 250 )،يقول النبي(ص):" آية المنافق ثلاث :إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا ائتمن خان"،ويقول الإمام الصادق(ع):" لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده ،فان ذلك شيء اعتاده فلو تركه استوحش ،ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته"( الشيرازي، 1413هـ: 250)، وقد عبر الإمام علي(ع) عن المسؤولية الوظيفية بأنها أمانة ،وقال في خطابه لأحد عماله :" وإن عملك أمانة وليس لك بطعمة"(شمس الدين، 1421: 357).
لقد عني الإسلام بالصلاحيات والمسؤوليات عناية بالغة بهدف وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن الإسلام يؤكد على المحتويات الشخصية للإنسان وتكامل العناصر المختلفة فيه للعمل المنوط به، إضافة إلى ما يلم به كل شخص من علم ومعرفة بالأمر الذي يتم تكليفه به بحيث يكون صالحاً لأدائه من كافة الجوانب الشخصية والعلمية حيث يؤكد الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله "من ولي أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح منه للمسلمين فقد خان الله ورسوله"، وعلى هذا الأساس فقد استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم اثنين وأربعين كاتباً وقسم الأعمال بينهم وحدد اختصاصات لكل منهم ، فهنالك كتاب الوحي، وكتاب العهود ، وكتاب الأموال (المحاسبين) (يحيى وأيوب، 1427هـ)[80].
فضلا عن ذلك فقد كان هناك اهتماماً بالتقسيمات الإدارية للشؤون المالية في الدولة الإسلامية ، حيث كانت مالية الدولة الإسلامية مقسمة على ثلاثة أقسام لكل قسم أبواب للدخل وأخرى للصرف ولا يجوز الجمع بين قسم وآخر، ولا ينبغي أن يجمع مال الخراج إلى مال الصدقات والعشور ، كما لا يجوز أن يصرف إيراد أحد الأقسام في مصاريف الأخر ومن أهم الوظائف العامة التي كانت لها علاقة بالأموال ما يأتي: وكيل الإمام عن الشؤون المالية ، صاحب السوق (المحتسب) ، الوزان ، الكيال صاحب الجزية ، صاحب الأعشار ، مستوفي خراج الأرضين ، صاحب المساحة (خاص بالأراضي الزراعية) ، العامل على الزكاة ، العامل على الصدقات ، الخارص (مقدر المال بين طرفين) ، صاحب المواريث (ورث من لا وارث له) ، المستوفي (قابض المال لنقله إلى بيت المال) ، المشرف (مراجع حسابات المال) ، صاحب بيت المال (خازن النقدية) ، صاحب بيت المال (خازن الأنعام) ، صاحب بيت المال (خازن الثمار) ، صاحب مراعي الزكاة ، صاحب دار الضيافة (نشأ في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم) ، صاحب دور الفقراء (عائل من ليس لهم أهل – في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم) ، صاحب دور المارستان (دور علاج المرضى) ، صاحب الزوايا والتكايا (نشأت من دور الفقراء) (يحيى وأيوب، 1427هـ)[81].
وإذا أردنا أن نعرف طبيعة الصلاحيات المالية التي كانت مطبقة في عهد الدولة الإسلامية ،فإننا نلاحظ إن" نظام إدارة الأقطار الإسلامية نظام لامركزي كامل في شؤون الإدارة ترك للوالي حرية التصرف في شؤون الولاية يساعده رؤساء الدواوين المختلفة وهو مقيد بأحكام الشريعة وأوامر الخليفة ،فالولاية كانت سلطة محلية مستقلة فيها تشكيلات كاملة ،وبيت مال مستقل "(القرشي،1966: 389). ففي مقابل الصلاحيات الممنوحة للوالي يشرف الإمام إشرافا كاملا على ولاته ،يحاسبهم في كل صغيرة وكبيرة ،وهذا أمر طبيعي بل وضروري في النظام اللامركزي حيث يحصل الوالي على تفويض كامل ،فقد بعث الإمام علي(ع) إلى بعض عماله يقول:" أما بعد بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت ربك وعصيت إمامك ،وأخزيت أمانتك .. بلغني انك جردت الأرض فأخذت ما تحت قدميك أكلت ما تحت يديك ،فارفع إلي حسابك ،واعلم إن حساب الله أعظم من حساب الناس" (الموسوي،1998: 168)
وهذا يعني إن أمر الصلاحيات المالية التي هي أحد شؤون الإدارة تكون مقيدة بأحكام الشريعة وأوامر الخليفة(الإمام)،فنرى إن من أهم الأمور التي كان يعني بها الإمام (ع) المحافظة على أموال المسلمين وصرفها على صالحهم ،فلم يجز أن يستأثر رجال الحكم بأي شيء منها ،وكتب (ع) لزياد بن أبيه وهو خليفة لعامله عبدالله بن عباس وقد بلغه عنه شيء من الأثرة بأموال المسلمين فكتب إليه" و أني اقسم بالله قسما صادقا لئن بلغني انك خنت فيء المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا لأشدن عليك شدة تدعك قليل الوفر ثقيل الظهر ضئيل الأمر" ،كما أوصى عماله بالتجنب عن الإسراف وبالاقتصاد، فقد جاء في بعض كتبه إلى بعض عماله:" فدع الإسراف مقتصدا واذكر في اليوم إذا ،وامسك من المال بقدر ضرورتك وقدم الفضل ليوم حاجتك ، أترجو إن يعطيك الله اجر المتواضعين ،وأنت عنده من المتكبرين ،وتطمع وأنت متمرغ في النعيم تمنعه الضعيف والأرملة إن يوجب لك ثواب المتصدقين وإنما المرء مجزي بما أسلف وقادم على ما قدم" ،إن الإمام (ع) أهم ما يعنيه الاحتياط على أموال المسلمين وإنفاقها على مصالحهم ،وإعالة ضعيفهم و محرومهم ،وليس للجهاز الحاكم أن يصطفي منها أو ينفق أي شيء على مصالحه وتدعيم حكمه أو منصبه(القرشي،1966: 232-233)،كما انه (ع) حذر عماله الماليين من الخيانة ،و أوصاهم بحفظ الأمانة :" ومن استهان بالأمانة ورتع في الخيانة ،ولم ينزه نفسه ودينه عنها فقد احل بنفسه الذل و الخزي في الدنيا وهو في الآخرة أذل و أخزى" (الموسوي،1998: 171). ومما سبق نرى إن قاعدة الصلاحيات الإدارية والمالية كانت مطبقة في عهد الدولة الإسلامية ،فهي كانت تطبق وفقا لأحكام الشريعة وأوامر الإمام ولم تقتصر التعليمات المتعلقة بهذه الصلاحيات على تحديد مجالها فحسب بل اشتملت تلك الأحكام عقوبة من لا يلتزم بها دنيويا وأخرويا.
يستخلص من الفقرة السابقة المتعلقة بمحاولة تأصيل المعايير المحاسبية الحكومية المحلية على وفق النظام الاقتصادي الإسلامي ، أن تلك المعايير لها ما يؤيدها ويثبت وجودها مفاهيم ومبادئ وأسس ومعايير في التشريع الإسلامي.
فقد وردت عدة معايير محلية تحدد بعض المفاهيم والمصطلحات العامة المتعلقة بالوحدة المحاسبية الحكومية وأهمية العمل المحاسبي عامة والعمل المحاسبي الحكومي خاصة ، وما يرتبط بذلك من تحديد لطبيعة نشاط الوحدات الحكومية ونطاق عملها ونوعية المحاسبة فيها والتقارير المطلوبة منها.
و لاحظنا أن معظم المبادئ والمفاهيم المرتبطة بتلك المعايير موجودة في التشريع الإسلامي ، ابتداءً بتحديد أهمية الكتابة والزمن والعمل المحاسبي في تنظيم جوانب عديدة في حياة الإنسان خاصة فيما يرتبط بحفظ الحقوق المالية وصيانتها ، ومرورا باستخدام الوسائل والأساليب الكفيلة بحفظ هذه الحقوق وكيفية صيانتها والرقابة عليها، وذلك يؤكد اهتمام الشارع المقدس بإيجاد نظام محاسبي متقن يحفظ أموال الناس عامة عن الضياع، ويرفع التنازع والخصومات التي قد تنشأ بسبب تلك الأموال ، وهذا يعني وجود نظام محاسبي (أي هيكل وأسس ومقومات وقواعد وإجراءات ونحوها) في الإسلام يضمن تحقيق الأهداف المطلوبة منه في المجتمع الإسلامي.
وقد أقر التشريع الإسلامي بضرورة استخدام الكتب والتقارير (التحريرية) وسيلة فعالة في إيصال المعلومات اللازمة والمتعلقة بكل جوانب حياة الإنسان اليومية ، ويصبح الأمر لازما وحيويا فيما يرتبط بالجوانب المالية والاقتصادية منها حفظا للحقوق المالية وتحقيقا للمصالح العامة والأمن والاستقرار الاجتماعي بين الناس، وتبعا لذلك استخدمت أنواعا معينة من التقارير والقوائم المالية التي تعبر عن ظروف وأحداث ذلك العصر وتفي بمتطلبات واحتياجات قارئيها( مستخدميها) آنذاك.
ومن الأساليب والإجراءات الفعالة في حفظ الحقوق المالية وصيانتها التي تم تطبيقها في الدولة الإسلامية هي تحديد الصلاحيات والمسؤوليات المالية للموظفين والعاملين في بيت مال المسلمين والجهات التابعة له ، وبينا أن التشريع قد اعتبر هذا العمل بمثابة حفظ الأمانة وصيانتها وأن التفريط بها أو خيانتها هو من الكبائر والأعمال المحرمة في الإسلام.
من جهة أخرى وجدنا إن التشريع الإسلامي يبيح استخدام كل ما لا ينافي العقل والمنطق السليم اللازم لحفظ الحقوق المالية ووفقا لأحكام الشريعة السمحاء، فكل ما لا يخالف الأحكام والقواعد الشرعية يمكن استخدامه أساسا للقياس والعمل والتنظيم المحاسبي ، فقد استخدم الأساس النقدي منذ بداية تأسيس الدولة الإسلامية ، ومع تغير وتطور الظروف الاقتصادية للدولة الإسلامية ، واتساع رقعتها الجغرافية وكثرة وتنوع الأموال الواردة إليها ، نقول إن ذلك استدعى استخدام أسس أخرى أكثر ملائمة لهذه الظروف، فتم استخدام أساس الاستحقاق وأسس معدلة أخرى منه، إن ذلك يثبت أمرين في الوقت ذاته ، أولهما: إن معظم أسس القياس المحاسبي المعاصرة موجودة في النظام الاقتصادي الإسلامي وهي ذات جذور إسلامية ، وثانيهما : أن النظام الاقتصادي الإسلامي يتميز بالمرونة والاتساع بحيث يتكيف النظام المحاسبي وفقا لاحتياجات ومتطلبات العصر (ولكل زمان ومكان) ، وتبين لنا ذلك من خلال استخدام أسس متعددة للقياس وتبعا للتطور الاقتصادي الذي مرت به الدولة الإسلامية آنذاك.
وفي نهاية هذا المطلب نكون قد توصلنا من خلال الدراسة التحليلية للمعايير المحاسبية الحكومية المعاصرة المطبقة على المستوى الدولي،والأمريكي و المحلي(العراقي) إلى أن معظم هذه المعايير لها جذور إسلامية ولها ما يناظرها ويشابهها من مفاهيم ومبادئ وأسس في النظام الاقتصادي الإسلامي، بل إننا قد وجدنا أن بعضها موجود بصورة أحكام وقواعد شرعية محددة بشكل قاطع في التشريع الإسلامي.
وعليه يمكن القول إنه يمكن استخدام النظام الاقتصادي الإسلامي لبناء معايير محاسبية ملائمة للظروف والمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية لكل عصر وفي كل زمان ومكان ، كما يمكن القول إن النظام الاقتصادي الإسلامي نظام مستقل بذاته له أسسه ومبادئه وقواعده المتينة الراسخة المستمدة من المصادر الأساسية للتشريع الإسلامي المقدس ، وبالتالي عند بناء معيار معين فإنه يتعين الرجوع في ذلك إلى مفاهيم ومبادئ وأسس الاقتصاد الإسلامي باعتباره أحد المصادر العلمية الأساسية لبناء وصياغة مثل تلك المعايير ،والرجوع إلى التشريع الإسلامي في بناء وصياغة وتطبيق المعايير المحاسبية هو لأجل الاستفادة وتحقيقا للمصلحة العامة باعتبار التشريع المقدس مصدر علمي وعملي مهم وأساس عادل في هذا الاتجاه.
وسيكون المطلب التالي عبارة عن ملخصا لأهم المفاهيم والمبادئ والأسس الاقتصادية الإسلامية المستخلصة من المطلب الحالي مع محاولة لاستنباط معايير محاسبية حكومية إسلامية من هذه المفاهيم والمبادئ الإسلامية.
المطلب الثاني:بناء الاطروحة المحاسبية الحكومية وفق المذهب المحاسبي الاسلامي
في هذا المطلب ستجري محاولة لاستنباط وبناء اطروحة جديدة لمعايير محاسبية حكومية إسلامية ،وذلك وفق المبادئ والأسس والمفاهيم الخاصة بالنظام الاقتصادي الإسلامي ،واعتمادا على نتائج الدراسة التحليلية للمعايير التي تمت مناقشتها في المطلب السابق :
أولا: المعايير والقواعد الخاصة بالمفاهيم والمصطلحات العامة للنشاط الحكومي الخدمي غير الهادف للربح ونوعية المحاسبة والتقارير المطلوبة
أ)المفاهيم والمصطلحات العامة الخاصة بالمحاسبة الحكومية
1) المفاهيم والمبادئ والأسس الاقتصادية الإسلامية
إن من أهم المبادئ الإسلامية ذات العلاقة بتحديد المصطلحات والمفاهيم العامة للمحاسبة الحكومية والنشاط المحاسبي الحكومي الآتي:
· أهداف المحاسبة: للتعلم والكتابة والحساب أهمية كبيرة في النظام الإسلامي عامة والتي من خلالها تتم الأمور الحياتية المتنوعة للناس في مشارق الأرض ومغاربها ،ويقاس تطور الحياة البشرية بما يثبته القلم من أفكار ورؤى ومعتقدات وحقائق وقيم وأخلاق وسلوكيات،والقاعدة العامة في الكتابة (التسجيل أو التدوين)الآية الكريمة "وليكتب بينكم كاتب بالعدل" ، والنشاطات الاقتصادية وسيلة ضرورية لخدمة الإنسان وأداة مرغوب بها خاصة إذا ما التزمت بأحكام ومفاهيم ومبادئ الإسلام حيث تعتبر عندئذ عملا صالحا بل نوعا من العبادة،ويعتبر مبدأ التوثيق(أو التدوين) في النظام المحاسبي الإسلامي، تطبيقا حرفيا للآية282 من سورة البقرة المباركة:" يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين فاكتبوه..".
· نطاق تطبيق المعايير المحاسبية الحكومية: في الدولة الإسلامية جهات ودوائر تابعة لها لا تهدف إلى الربح وإنما تقوم – كغيرها من الحكومات- بتوفير وتقديم الخدمات العامة للمواطنين، كالدفاع الخارجي والأمن الداخلي والقضاء والتعليم والصحة والمواصلات ونحوها،وفي هذه المؤسسات الحكومية الخدمية يتم تطبيق معايير محاسبية خاصة بها.
· التوجيه التشريعي والسياسات المحاسبية: يتم إعداد القوائم والتقارير المالية الحكومية وتقديمها وفق القانون الإسلامي ،وطبقا للقاعدة" وليكتب بينكم كاتب بالعدل" أي وفقاً للقواعد والطرق التي تحددها الشريعة المقدسة.
· القيم والأخلاق المحاسبية : النظام المحاسبي برمته محدود بالحدود المسموح بها شرعا ، كما ورد في الآية المباركة" أحل الله البيع وحرّم الربا". والعمل من أجل الكسب مبدأ إسلامي أصيل ،وعليه أحل الله سبحانه التجارة وتقديم الخدمات النافعة وأحل عقود المضاربة والإجارة ،وكذلك المزارعة و المساقاة وتكوين شركات الأشخاص ونحوها.وتقتضي القيم الأخلاقية الإسلامية المحاسبية الالتزام بالعدل في تسجيل وعرض المعلومات.
· تحقق وقياس الإيرادات والمصروفات : تؤكد الشريعة على قياس العمليات والأحداث الاقتصادية بدقة ومسؤولية ،كما في قوله تعالى"وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان".
· مدى ارتباط المحاسبة الحكومية بالدين الإسلامي : الزكاة والخمس من العبادات المالية المفروضة على الفرد المسلم ،وللمحاسبة الحكومية دور كبير في تنظيمها ، وكذلك بالنسبة للأوقاف والنذور والكفارات المالية وشؤون الحج ونحوها التي تدخل في صميم العمل المحاسبي الحكومي.
2)المعايير المحاسبية الإسلامية المستنبطة
وعليه يمكن استنباط وبناء بعض المعايير المحاسبية الحكومية من المبادئ والمفاهيم الإسلامية السابقة الذكر وكالآتي:
المفاهيم والمصطلحات العامة للمحاسبة الحكومية
1. أهداف المحاسبة الحكومية الإسلامية في الدوائر الحكومية الخدمية غير الهادفة للربح:
أ. تقدير وتنظيم الأموال العامة من مصادرها المقررة شرعا.
ب. توفير البيانات والمعلومات اللازمة لرسم السياسات والتخطيط، واتخاذ القرارات، والمتابعة لأداء الوحدات الإدارية الحكومية لتقييم أدائها.
ج. تحقيق الرقابة على العمليات المحاسبية والمالية في الوحدات الإدارية الحكومية.
د. الإفصاح عن النتائج المالية والاقتصادية للأنشطة والبرامج التي تنفذها الوحدات الحكومية، من حيث الالتزام بنفقات هذه البرامج والأنشطة ،وإظهار حجم ما حققته من أنشطة .
ه. تقدير الإيرادات الفعلية والنفقات الفعلية ، ومقارنتها مع الإيرادات والنفقات المخططة في الموازنة العامة، للتعرف على أسباب الفروق بين الفعلي والمخطط، واتخاذ القرارات المناسبة لها.
2. نطاق تطبيق المعايير المحاسبية الحكومية: تطبق معايير خاصة(حكومية) في الدوائر الحكومية الخدمية ، التي(أي المعايير) تتعلق بتنظيم المعاملات والمعاوضات والعقود والالتزامات الاقتصادية والمالية الشرعية التي تقوم بها تلك الدوائر.
3. التوجيه التشريعي والسياسات المحاسبية :تخضع بنود المحاسبة الحكومية وفقرات القوائم والتقارير المالية الحكومية لأحكام التشريع (القانون) الإسلامي ، ويتم إعداد القوائم والتقارير المالية الحكومية وفق قواعد التشريع الإسلامي التي تتألف من :
أ. قواعد ثابتة لا تتغير محددة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
ب. قواعد متغيرة( متحركة) تخضع لسلطة وإشراف ولي الأمر( الحكومة الشرعية) يعينها وفق ظروف وشروط المرحلة (الزمان والمكان) ،والتي تكون مستندة إلى أحكام محددة أصلا في التشريع الإسلامي.
4. القيم والأخلاق المحاسبية: الالتزام بالأخلاق والقيم الإسلامية في عمل المحاسبة الحكومية التي أهمها:ـ
أ. إجراء المعاملات والمعاوضات المالية المختلفة الشرعية كالبيع وعقود المضاربة والإجارة والمزارعة و المساقاة ونحوها.
ب. منع المعاملات الربوية والاحتكارية والمشتملة على الغش والتدليس ونحوها.
ج. لا يتم البيع أو الشراء ولا يجري إلا إذا توافرت له شروطه وضوابطه الشرعية ، التي أهمها الملكية.
د. الالتزام بالعدل في عرض وتسجيل المعلومات ،ويقصد بالعدل توفر الدقة والأمانة في عرض وتسجيل المعلومات .
5. تحقق وقياس الإيرادات والمصروفات: تحميل الفترة المحاسبية (المالية) بنصيبها من الموارد المالية ونصيبها من النفقات، ويتطلب ذلك:
أ- المقابلة الدقيقة عند احتساب كل من الإيرادات المصروفات. وقياسها على أساس واحد لأغراض صحة المقارنة.
ب- استخدام القيمة الجارية كأساس في قياس كل من الإيرادات والمصروفات
ج- .ينبغي التأكد من مشروعية التكاليف والمصاريف المراد مقابلتها بالإيرادات، فلا يجوز احتساب الإيرادات و التكاليف غير الشرعية .
6. ارتباط المحاسبة الحكومية بالدين الإسلامي: ويتحقق ذلك من أمور:ـ
أ. تنظيم وجباية وصرف أنواعا معينة من الأموال العامة الأساسية للدولة الإسلامية وهي الزكاة والخمس التي تعتبر من العبادات المالية أيضا، وعليه فإن دور المحاسبة الحكومية يتعلق أساسا بـ :
· مساعدة المكلف على أداء العبادات المالية من خلال قياس الأموال المتعلقة بهذه الفرائض وتحديد نوعيتها ، وتقدير قيمتها وتنظيم عملية جبايتها وصرفها.
· تحقيق العدالة الاجتماعية لعموم المجتمع من خلال التوزيع العادل للثروة الذي لا يتم دون القياس والصرف والتوزيع الصحيح والعادل لها.
ب. تنظيم وجباية الإيرادات الخراجية ، وأنواع الإيرادات العامة الأخرى.
ج. فهرست وتنظيم المواريث.
ب) المفاهيم والمصطلحات الخاصة بالمركز المالي
1)المفاهيم والمبادئ والأسس الإسلامية الخاصة بالمركز المالي يقصد به الميزانية العمومية التي تبين الوضع المالي للوحدة في وقت معين، وهي تضم الموجودات والمطلوبات.
· الموجودات :المال وجميع الثروات في هذا الكون ملك لله سبحانه وتعالى والمال وسيلة لتحقيق غاية ،وما دور الإنسان وعلاقته بالمال سوى انه وصي على هذه الوديعة والأمانة بحكم استخلافه على الأرض من قبل الخالق الذي أمره باستغلال هذه الأمانة والانتفاع بها والتصرف فيها في الوجه الذي يرضي الله تعالى،وعليه تمتلك الدولة الإسلامية – كغيرها من الدول- مجموعة من الموجودات المالية والمادية(الملموسة وغير الملموسة) التي من خلالها تستطيع إدارة الحكم وتحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية.
· المطلوبات :تتحمل إدارة الدولة الإسلامية كأية حكومة التزامات عن معاملاتها وصفقاتها مع الغير لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية وسياسية.
2)المعايير المحاسبية الإسلامية المستنبطة
أ.الموجودات
1. تقسيم المال حسب الغرض من استعماله إلى:عروض القنية وعروض التجارة.
2. عروض القنية( موجودات ثابتة) وتشمل عوامل الإنتاج طويلة المدى وتكاليف المشروعات طويلة الأجل.
3. عروض التجارة(موجودات متداولة) وتشمل عناصر سلسلة التجارة من نقطة الشراء والإنفاق إلى تمام تحصيل قيمة المبيع بما في ذلك المصروفات والإيرادات المستحقة قصيرة الأجل.
4. تصنيف الموجودات في الميزانية إلى : أموال نقدية، عروض تجارة وعروض قنية أخرى
ب.المطلوبات
تصنيف المطلوبات في الميزانية إلى:
1. مطلوبات ثابتة وتشمل المطلوبات والالتزامات طويلة الأجل التي تجريها الوحدة كالمستحقات من المصروفات أو المقدمات من الإيرادات طويلة المدى والقروض طويلة الأجل.
2. مطلوبات متداولة وتشمل الديون قصيرة الأجل والمستحقات من المصروفات أو المقدمات من الإيرادات قصيرة المدى.
v يتم تقويم جميع عناصر الميزانية بتاريخ إعداد الميزانية، ويتم التقويم فرادي أي كل عنصر منها على حدة.
v نموذج مقترح للميزانية التي تعدها الوحدة الحكومية
(أسم الوحدة الحكومية)
(كل أنواع الأموال ومجموعة الحسابات المختلفة)
الميزانية العمومية 31/12/2013
الموجودات
المطلوبات
· أموال نقدية(الأصول السائلة والنقدية)
· عروض تجارة(الأصول المتداولة)
· عروض قنية(الأصول الثابتة)
· أخرى
· خصوم قصيرة الأجل(متداولة)
· خصوم طويلة الأجل(ثابتة)
المجموع
المجموع
ج) المفاهيم والمصطلحات الخاصة بنتائج العمليات وتقويم الأداء
1)المفاهيم والمبادئ والأسس الإسلامية
يتم تدوين وتوثيق الموارد المالية للدولة الإسلامية وتخصيصها لنفقات معينة ومحددة من قبل الشريعة الإسلامية، وأهم المبادئ المرتبطة بذلك هي:
· تعدد الأموال :الأموال العامة للدولة الإسلامية متعددة الأنواع والمصادر ولكل منها طريقة خاصة تصرف بها حددتها الشريعة ، كما إن لكل من هذه الأموال أهداف خاصة مستقلة تصب في مصلحة السياسة المالية والاقتصادية والاجتماعية للنظام الإسلامي، وأهم أنواع هذه الأموال الزكاة والخمس والإيرادات الخراجية وموارد الأوقاف العامة والنذور والكفارات المالية وغيرها.
· تخصيص المال يتم تخصيص (تحديد) مبالغ من الواردات المالية العامة لمصاريف محددة لا يمكن أن تتجاوزها الوحدات الحكومية إلا بحدود معينة بينتها الشريعة الإسلامية.
2)المعايير المحاسبية الإسلامية المستنبطة
v تعدد(أنواع) الأموال
ينبغي تحديد أنواع الأموال العامة الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، وتقديرها وتوزيعها حسب مواردها واستخداماتها ويتضمن ذلك:
· المحاسبة على جميع الأموال المستلمة والمدفوعة من قبل الوحدة الحكومية.
· إنشاء وحدات محاسبية مستقلة خاصة بكل نوع من أنواع تلك الأموال، تتضمن سجلات ودفاتر ومستندات محاسبية خاصة بكل نوع منها.
· تحديد معايير لتقدير وتوزيع تلك الأموال.
· إعداد موازنات خاصة بكل نوع منها (أو على الأقل إعداد موازنات مشتركة لبعض الأموال المتشابهة).
· تنقسم الأموال الواردة للحكومة الإسلامية(الخاضعة لملكيتها ولسيطرتها) إلى خمسة أقسام أساسية، وكما يبينها الجدول الآتي:
جدول رقم(8 )
أنواع الأموال العامة في الحكومة الشرعية
أنواع الأموال العامة
تعريفها
1) الأموال الواردة عن طريق الضرائب
أ) ضرائب مالية محددة(من حيث الكمية والمتعلق والوقت) وهي تنقسم إلى:
v ضرائب مالية تتعلق بالثروات
v ضرائب مالية تتعلق بالرؤوس (الأشخاص)
v تحتوي على مصادر الواردات المالية العامة المتعلقة بفريضتي الزكاة والخمس، وتشكل هذه الموارد الجانب الأكبر والأهم من الضرائب المالية في الإسلام، وتستخدم هذه الموارد في مواضع صرف محددة شرعا.
v تحتوي على مصادر الواردات المالية المتعلقة بفرض ضرائب على الأشخاص، بغض النظر عن نوع الثروة،وكميتها التي يملكها أولئك الأشخاص وتتضمن:ـ
أ. زكاة الفطرة
ب. ضريبة الفداء
ج. ضريبة الجزية
د. الأضحية
ب) ضرائب مالية غير محددة (من حيث الكمية والمتعلق والوقت)
v تتضمن ضرائب مالية طارئة (غير عادية) تفرض في حالات غير اعتيادية(كأوقات الحرب والكوارث الطبيعية مثلا)،فضلا عن بعض الحقوق الخاصة بالفقراء والضعفاء والمساكين والمحرومين غير الزكاة والخمس(والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)
2) الأموال الواردة عن طريق ممتلكات الدولة (الدومين العقاري)
v تتضمن الأموال الواردة إلى الدولة عن طريق :ـ
أ- العقارات المملوكة لمجموعة الأمة (الملكية العامة)
ب- العقارات المملوكة للحكومة(ملكية الدولة)،والتي تعرف فقهيا بـ(الأنفال) وتشمل:الأراضي، وسواحل البحار، والغابات والأحراش، ورؤوس الجبال والأودية ، وصفا يا الملوك و أقطاعاتهم ، والمعادن والمناجم، والأنهار والبحار.
ويستخدم ريع هذه الممتلكات لتغطية نفقات الدولة المختلفة ، وتأمين الخدمات العامة للمواطنين كالكهرباء والماء والمواصلات ونحوها.
3) الأموال الواردة عن طريق المشاريع الرأسمالية(الصناعية والزراعية والتجارية)
v تتضمن مصادر الأموال المتأتية من المشاريع الحكومية في مجال الصناعة والزراعة والتجارة، وتستخدم هذه الأموال لتغطية النفقات المالية الاستثمارية للدولة ، وتأمين حاجة الناس إلى المرافق العامة والتكافل الاجتماعي.
4) الأموال الواردة عن طريق القروض
v تتضمن مصادر الأموال المتأتية من لجوء الحكومة إلى الاقتراض الحسن من المواطنين، وتستخدم هذه الأموال لسد نفقات الدولة الأخرى.
5) الأموال الواردة عن طريق الولاية العامة على الأفراد
v تتضمن مصادر الأموال الواردة عن طريق:ـ
أ- الضرائب المالية التي تفرضها الحكومة على مختلف المرافق الحياتية وتشمل: العشور، والمكوس، وضرائب تفرض على الصناعة والزراعة.
ب- واردات الهبات الشعبية.
ج- واردات الأوقاف العامة والنذور والكفارات المالية.
د- واردات أخرى.
الجدول من إعداد الباحثان
v تخصيص الأموال
أ- يتم تخصيص بعض أنواع الأموال العامة للحكومة الشرعية لتوزيعها و صرفها في مجالاتها المحددة ، التي لا يمكن التجاوز عنها شرعا وذلك ينطبق على :أموال الزكاة،وأموال الخمس،وأموال الأوقاف والنذور والهبات والكفارات المالية.
ب- يتعلق عمل المحاسبة الحكومية بشأن أموال الزكاة بالتحديد العلمي لقيم الأموال الخاضعة للزكاة ، بعد تعيينها وضبطها تفصيلا وتنويعا، والحساب الصحيح لمقاديرها عينا ونقدا طبقا لمعدلاتها الشرعية .
ج- يتم تحديد الأموال المتعلقة بالزكاة وفق الجدول رقم(9) ورقم(10) كالآتي:ـ
والجدول أدناه يتضمن الأركان الأساسية الأولى اللازمة لتحديد أموال الزكاة*(الجدول من إعداد الباحثان) :
الجدول رقم(9 )
الأركان الأساسية للزكاة
الأركان الأساسية للزكاة
البيان
أ) الأشخاص المكلفون بدفع الزكاة
يشترط في المكلف عدة أمور أهمها:ـ
· البلوغ
· العقل، فلا زكاة على مال المجنون
· الحرية
· الملكية، فلا تجب قبل تحقق الملكية
· تمام التمكن من التصرف، فلا تجب في المال الذي لايتمكن المالك من التصرف فيه كالمال المسروق والمحجور والمدفون في مكان منسي والمرهون والموقوف والمنذور التصدق فيه.
ب) أنواع (أجناس) الأموال المتعلقة بالزكاة
تجب في تسعة أشياء:ـ
1. الأنعام الثلاثة(الإبل والبقر والغنم).
2. الغلات الأربع(الحنطة والشعير والتمر والزبيب).
3. النقدين(الذهب والفضة).
ويستحب إخراجها من أربعة أنواع أخر:ـ
1. الحبوب مما يكال أو يوزن: كالأرز والحمص والماش والعدس ونحوها، والثمار كالتفاح والمشمش ونحوها دون الخضر والبقول.
2. مال التجارة.
3. الخيل الإناث دون الذكور ودون البغال والحمير.
4. الأملاك والعقارات التي يراد منها الإستنماء كالبساتين والدكان والخان ونحوها.
ج) وقت وجوب إخراج الزكاة
يكون وقت تعلق وجوب إخراج الزكاة كالآتي:ـ
1. فيما يعتبر فيه الحول(السنة) يكون حولانه بدخول الشهر الثاني عشر، وإنه يثبت الوجوب بذلك مع بلوغ النصاب، ووقت إخراج الزكاة هو وقت التعلق.
2. في الغلات التسمية أي بصدق أسماء الغلات ، بحيث يطلق عليه عرفا إنه حنطة أو شعير أو تمر أو زبيب، ولا وجوب قبل ذلك، أما وقت إخراج الزكاة، هو عند الحصاد و الجذاذ، أي بعد التصفية في الحنطة والشعير، وبعد الخرص و الصرم في النخل والكرم.
3. لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب.
أما وعاء الزكاة فيعرضه الجدول- الجدول من إعداد الباحثان- رقم ( 10)*:ـ
الجدول رقم(10 )
تحديد نصب (وعاء) الزكاة
أنواع الأموال
عدد الأنصبة
وعاء الزكاة
مقدار الزكاة
الأنعام الثلاثة: 1)الإبل: اثنا عشر نصابا
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
5
10
15
20
25
26
36
46
60
76
91
121فما زاد
شاة
شاتان
ثلاث شياه
أربع شياه
خمس شياه
بنت مخاض(الداخلة في السنة الثانية)
بنت لبون(الداخلة في السنة الثالثة)
حقة(الداخلة في السنة الرابعة)
جذعة (الداخلة في السنة الخامسة)
بنتا لبون
حقتان
في كل (50) حقة، وفي كل (40) بنت لبون.
2)البقر: نصابان
1
2
30
40
تبيع أو تبيعه(ما دخل في السنة الثانية)
مسنة(وهي الداخلة في السنة الثالثة)
3)الغنم :خمسة نصب
1
2
3
4
5
40
121
201
301
400فما زاد
شاة
شاتان
ثلاث شياه
أربع شياه
في كل(100) شاة
* ما بين النصابين في الجميع عفو، فلا يجب فيه غير ما وجب بالنصاب السابق.
زكاة النقدين:
4) الذهب: نصابان
1
2
عشرون دينارا =15مثقال صيرفي
أربعة دنانير = ثلاثة مثاقيل صيرفية
نصف دينار= ربع مثقال صيرفي وثمنه.
ربع الدينار= قيراطان.
5) الفضة: نصابان
1
2
200درهم= 105 مثقال صيرفي
40 درهم= 21مثقال صيرفي.
5دراهم= 625، 2 مثقال صيرفي
درهم واحد= نصف مثقال صيرفي وربع عشره.
الدينار: مثقال شرعي وهو يعادل ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي.
الدرهم: يعادل نصف المثقال الصيرفي وربع عشره.
زكاة الغلات لها نصاب واحد وهو ثلاثمائة صاع(خمسة أوسق)* ،وهذا يقارب فيما قيل(847كغم)، ويختلف مقدار الزكاة باختلاف صور سقيها وكالآتي:ـ
1. أن يكون سقيها بالمطر أو بماء النهر أو بمص عروقها الماء من الأرض ونحو ذلك، مما لا يحتاج السقي فيه إلى العلاج، ففي هذه الصورة يجب إخراج عشرها( 10%) زكاة.
2. أن يكون سقيها بالدلو والرشا، والدوالي والمضخات ونحو ذلك، ففي هذه الصورة يجب إخراج نصف العشر(5%).
3. أن يكون سقيها بالمطر أو نحوه تارة، وبالدلو أو نحوه تارة أخرى، ولكن كان الغالب إحداهما بحد يصدق عرفا إنه سقي به ولا يعتد بالآخر، ففي هذه الصورة يجري حكم الغالب.
4. أن يكون سقيها بالأمرين على نحو الاشتراك، بأن لا يزيد إحداهما على الآخر، أو كانت الزيادة على نحو لا يسقط بها الآخر عن الاعتبار، ففي هذه الصورة يجب إخراج ثلاثة أرباع العشر(5، 7%).
د.يتم تحديد الأموال المتعلقة بالخمس وفق الجدول* الآتي:ـ
جدول رقم(11)
كيفية تحديد الأموال المتعلقة بالخمس
أنواع الأموال المتعلقة بالخمس
وقت تعلق الخمس
نصاب الخمس
1) الغنائم:المأخوذة من الكفار من أهل الحرب قهرا بالمقاتلة معهم.
بعد إخراج المؤن التي أنفقت على الغنيمة بعد تحصيلها بحفظ وحمل ورعي ونحوها من الأموال المصروفة في سبيلها، وبعد استثناء صفايا الغنيمة كالمركب الفاره والسيف القاطع ونحوها ،فإنها ملك الدولة،وكذا قطائع الملوك فهي للدولة أيضا.
لا يعتبر وجوب الخمس في الغنائم بلوغ النصاب عشرين دينار،فيجب إخراج خمسه قليلا كان أو كثيرا.
2) المعادن: من الذهب والفضة والرصاص والصفر والحديد والياقوت والزبرجد والفيروزج والعقيق والزئبق والكبريت والنفط والقير والسبخ والزاج والزرنيخ والكحل والملح والجص والنورة وطين الغسل وحجر الرحى والمغرة(الطين الأحمر).
عند بلوغ النصاب(عشرين دينار) ،وبعد استثناء مئونة(مصاريف) الإخراج والتصفية ونحوها.
يشترط بلوغ ما أخرجه عشرين دينار،بعد استثناء مئونة الإخراج والتصفية،فلا يجب إذا كان المستخرج أقل منه.
3) الكنز:وهو المال المذخور في الأرض أو الجبل أو الجدار أو الشجر ،سواء كان من الذهب أو الفضة المسكوكين أو غير المسكوكين،أو غيرهما من الجواهر.
عند بلوغ النصاب(عشرين دينار) ،وبعد استخراج مئونة الإخراج.
الكنوز المتعددة لكل واحد حكم نفسه في بلوغ النصاب وعدمه،ونصاب الكنز عشرين دينارا.
الغوص:وهو إخراج الجواهر من البحر مثل اللؤلؤ والمرجان وغيرهما معدنيا كان أو نباتيا(غير السمك ونحوه من الحيوانات).
عند بلوغ النصاب(دينار واحد) وبعد إخراج المؤن.
عند بلوغ قيمته دينارا فصاعدا.
5) المال الحلال المخلوط بالحرام: وهو المال الذي لم يتميز ولم يعرف مقداره ولا صاحبه،فإنه يحل بإخراج خمسه.
عند الاشتباه بوجود مبلغ مال من الحرام،وفي حالة عدم تميز المال ولم يعرف مقداره ولا صاحبه.
خمس المبلغ
6) الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم
عند انتقال الأرض من المسلم إليه بالشراء،وهو يتعلق برقبة الأرض دون البناء والأشجار والنخيل إذا كانت فيه.
عدم النصاب في هذا الخمس(خمس مبلغ الشراء)
7) الفاضل عن مئونة** سنته: من أرباح التجارات ومن سائر التكسبات من الصناعات والزراعات والإيجارات، حتى الخياطة والكتابة والنجارة والصيد وحيازة المباحات، وأجرة العبادات الإستئجارية من الحج والصوم والصلاة والزيارات، وتعليم الأطفال،وغير ذلك من الأعمال التي لها أجرة، بل في مطلق الفائدة التي لم تحصل في الاكتساب كالهبة والهدية والجائزة والمال الموصي به ونحوه.
مبدأ السنة التي يكون الخمس بعد خروج مئونتها حال الشروع في الاكتساب فيمن شغله التكسب، وأما من لم يكن مكتسبا وحصل له فائدة اتفاقا فمن حين حصول الفائدة.
خمس الفائض
"الجدول من إعداد الباحثان"
د) معايير محاسبة الموجودات الثابتة وأصول البني التحتية
1)المفاهيم والمبادئ والأسس الاقتصادية الإسلامية
· تستخدم الوحدات الحكومية في الحكومة الإسلامية – كغيرها من الحكومات- الموارد الطبيعية وكل الإمكانات والمستلزمات التقنية المتاحة لتقديم الخدمات العامة للمواطنين.
· تمثل عروض القنية- بمصطلحنا الحاضر الأصول الثابتة- الأموال غير المعدة للبيع ويكون الغرض من اقتنائها الاستعمال ويدخل في حكمها المباني والآلات والمعدات و المكائن والأثاث ونحوها، وتحدد قيمتها كلى أساس كلفة استبدالها بالسوق.
· إن النقود في داخل الدولة إذا ما اعتبرت مقياسا وتعبيرا لقيم عند التبادل ، فإن انخفاض قيمتها أو ارتفاعها بين الماضي والحاضر يحدث ولا شك نوع من التضليل في تصور حقيقة الحسابات والقوائم المالية للمشروعات.
· توفير حماية كافية لأصول وحقوق الوحدة المحاسبية الحكومية التي تدخل ضمن الملكية العامة للمسلمين ،ولا ربح إلا بعد سلامة واسترداد رأس المال والمحافظة عليه، كل ذلك يتطلب استخدام الكلفة الاستبدالية كأساس صحيح يمكن الاعتماد عليه لتقييم الأصول الثابتة.
· القيمة الجارية هي أساس الانتفاع وليست التكلفة التاريخية.
· يتم تقييم الموجودات الثابتة في الوحدات الحكومية واحتساب الاندثارات عليها لأجل مراقبة أنشطة تلك الوحدات وتقييم أدائها وكفاءتها.
· يتطلب أداء بعض العبادات المالية التمييز بين أنواع الأموال المتاحة ، حيث إن تلك العبادات كالزكاة تفرض فقط على عروض التجارة (بمصطلحنا الحاضر الأصول المتداولة)، ولا زكاة على الموجودات الثابتة المقتناة لغرض الاستعمال.
2)المعايير الإسلامية المستنبطة
· تنظيم سجلات ودفاتر وقوائم خاصة بالموجودات الثابتة وأصول البني التحتية.
· عروض القنية(الأصول الثابتة) هي العروض غير المعدة للبيع والغرض من اقتنائها الاستعمال ،ولا يجب عليها زكاة لأنها مال غير معد للبيع بل للاستعمال.
· استخدام أسس التقييم السليمة الكفيلة بالتغلب على مشكلة التغير في الأسعار عند تقييم الموجودات،وعليه يفضل استخدام:
أ- الكلفة الاستبدالية كأساس لتقييم الموجودات الثابتة.
ب- استخدام القيمة الجارية كأساس لتقييم الأصول المتداولة.
· يتم احتساب الاندثار على الأصول الثابتة على أساس القيمة الاستبدالية الجارية، والفرق بين قيمة الخدمات غير المستنفذة في الأصول الثابتة على أساس قيمتها التاريخية وقيمتها الجارية تسمى فائدة.
ثانيا:معايير أسس القياس والإفصاح الحكومي
1) معايير أسس القياس المحاسبي
أ)المفاهيم والمبادئ والأسس الإسلامية
يمكن توضيح المبادئ والمفاهيم الإسلامية ذات العلاقة بالأسس المحاسبية كالآتي:
1. فلسفة وهدف القياس .:ـ
· الالتزام بالعقود من المبادئ الإسلامية التي تتطلب وجوب الوفاء بما وقع عليه التراضي بين طرفين مع مراعاة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بالعقد.
· تتعدد مصادر الأموال العامة في الحكومة الإسلامية من حيث طبيعتها وطرق جبايتها وكيفية قياسها وتوزيعها،وذلك يعني استخدام أسس قياس تتناسب مع كل نوع منها .
· الوفاء بالعهود والأمانات وتأجيل المطالبة بالحقوق من غير القادرين على الدفع.
2. الأساس النقدي :يتمثل الأساس النقدي بوجود المال إذ تتطلب بعض المعاملات والعقود إجرائها وتنفيذها آنيا كأن "تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم"، ويعني ذلك إتمام وتحقق المعاملة أو العقد بالاستلام والدفع الفوري(الآني) للنقود .
3. أساس الاستحقاق : تقوم الحكومة الإسلامية بإدارة العديد من المشاريع الاستثمارية الضخمة التي تمتد لعدد من السنوات ،الأمر الذي يعني تحقق بعض الإيرادات وتحصيل بعض الأموال التي تستحق للدولة إلا أنها لم تستلمها بعد، أو تحمل بعض الالتزامات ،ونشوء وتحقق بعض المصاريف والنفقات التي لم يتم دفعها بعد.
ب)المعايير المحاسبية الإسلامية المستنبطة
وعليه يمكن استنباط بعض المعايير المحاسبية الحكومية من المبادئ والمفاهيم الإسلامية السابقة الذكر وكالآتي:
1. فلسفة وهدف القياس: الالتزام بالعقود ويتطلب ذلك الوفاء بكافة شروطها،من حيث الزمان والمكان ،والأموال المدفوعة والمستلمة،والشهود والتوثيق،وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية.
2. الأساس النقدي : يعتمد على وجود المال في مكانه(بيت المال)، فإن كان المال موجودا في بيت المال لزم صرفه وتوزيعه على مستحقيه.
3. أساس الاستحقاق :
- يقسم المال على أساس الاستحقاق إلى نوعين:
· مال مستحق للإنفاق العسكري، بشكل عطاء للجند،ولشراء المعدات الحربية،والمستلزمات العسكرية الأخرى كالغذاء والملابس،وإيواء الأسرى ونحوها.
· مال مستحق للإنفاق المدني ، بشكل عطاء لموظفي الدولة وعمالها.
· مال مستحق لتقديم الخدمات العامة والإعانات والتكافل الاجتماعي،ولتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع
- يتم استخدام أساس الاستحقاق في تحديد وعاء الزكاة للأموال المتعلقة بالمكاسب الإيرادية*.
2)معايير الإفصاح الحكومي (التقارير المالية الحكومية)
أ)المفاهيم والمبادئ والأسس الاقتصادية الإسلامية
1. الإفصاح الحكومي: تهتم الشريعة بتوفير العرض الشامل والإفصاح الكافي للعمليات الاقتصادية الحكومية ، وتستخدم في ذلك مجموعة من التقارير والقوائم المالية.
2. مستخدمو التقارير المالية: تؤكد الشريعة على استخدام الكتب والتقارير والقوائم المالية الملائمة التي تساعد على تقديم معلومات مالية إلى جميع الفئات المعنية بالعمل المحاسبي الحكومي وبالشكل الذي تهدف إلى نفي الشك والريبة وما قد يقع على الإنسان من غلط النسيان الذي قد يؤدي إلى نزاعات وخصومات واختلاف بين الناس.
3. أهداف التقارير المالية الحكومية : تهدف التقارير المالية الحكومية في الحكومة الإسلامية إلى :ـ
أ. بيان شرعية المعاملات والمعاوضات التي تجريها الوحدات الحكومية ،والتأكد من خلوها من حالات الغش أو الإخفاء أو التدليس.
ب. بيان حدود ونطاق ومسؤولية وعمل الوحدات الحكومية غير الهادفة للربح .
ج. الإفصاح عن نتائج أعمال تلك الوحدات ونسبة إنجازها لأنشطتها المتنوعة
4. الخصائص النوعية للتقارير المالية الحكومية : يتم تحديد الخصائص النوعية للمعلومات الواردة في التقارير المالية الحكومية طبقا لمجموعة من القواعد والأحكام النظامية المتعلقة بكمية ومحتوى المعلومات الواردة في التقارير المالية الحكومية ،والتي تعني إظهار كل المعلومات المتعلقة ذات الصلة بالمعاملات والمعاوضات المالية التي تجريها الوحدات الحكومية السابقة الذكر، وكما ورد في الآيات المباركة: " وليكتب بينكم كاتب بالعدل"."أن يكتب كما علمه الله"،" ليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا"." ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله".
5. تحقيق أهداف التقارير المالية الحكومية : تشدد الشريعة على ضمان تحقيق أهداف النظام المحاسبي الحكومي وما يصدر عنه من تقارير وقوائم مالية، والتأكد من تنفيذ تلك الأهداف التي أهمها تحقيق العدالة الاجتماعية ، ويتطلب ذلك وسائل متنوعة لتحقيقها ، التي أهمها الوسائل والأساليب الرقابية.
ب)المعايير المحاسبية الإسلامية المستنبطة
عالجت المفاهيم والمبادئ والأحكام الاسلامية ابعادا متعددة لتنظيم الافصاح الشامل وبسط الشفافية والوضوح في التقارير المالية الحكومية ،وعليه يمكن اقتراح معايير محاسبية إسلامية حول الافصاح والشفافية في التقارير المالية الحكومية، اعتمادا على التشريع الإسلامي وذلك كالآتي:
1. الإفصاح الحكومي(التقارير المالية الحكومية) إعداد القوائم والتقارير المالية الحكومية التي تحتوي على :ـ
أ. معلومات وبيانات عن الموارد والمصروفات (النفقات) العامة للدولة.
ب. معلومات عن المعاملات والمبادلات التي تقوم بها الوحدات الحكومية مع بعضها البعض،ومع الوحدات الأخرى غير الحكومية.
ج. معلومات عن طبيعة نشاطات الوحدات الحكومية ونطاقها ونسبة إنجازها للأعمال.
د. يمكن تقديم قائمة مالية شاملة عن جميع أنواع الأموال التي تخضع لسيطرة(أو ملكية) الوحدة الحكومية،يوضح فيه المبالغ التقديرية والفعلية والعجز(أو الفائض) لكل نوع من هذه الأموال،ومن ثم يتم توحيد جميع القوائم على مستوى الوزارة والدولة ككل،ونقترح أن تكون القائمة كالآتي:ـ
اسم الوحدة الحكومية
قائمة موحدة بمبالغ كل أنواع الإيرادات ،والمصاريف ،والأرصدة المالية لها (التقديري والفعلي والفائض/العجز)
للسنة المالية المنتهية في 31/12/2013
البيان
إيرادات ضريبية
إيرادات عامة
إيرادات أخرى
التقديري الفعلي الفائض
(العجز)
التقديري الفعلي الفائض
(العجز)
التقديري الفعلي الفائض (العجز)
الإيرادات:
ضرائب(زكاة،خمس،فطرة،
أضحيات...الخ
تراخيص وإجازات
متنوعة
إجمالي الإيرادات
نفقات وديون (و مرهونات)
المتداولة
مصاريف حكومية عامة
الأمن العام
الطرق والجسور
أخرى
(إجمالي النفقات والديون)
مصادر تمويلية أخرى(الاستخدامات)
تحويلات تشغيلية خارجة
تحويلات تشغيلية لوحدات حكومية أساسية
إجمالي مصادر تمويلية أخرى
زيادة (أو نقص)الإيرادات عن النفقات والاستخدامات الأخرى
رصيد المال في أول المدة
رصيد المال في آخر المدة
القائمة من إعداد الباحثان.
2. مستخدمو التقارير المالية الحكومية توجه التقارير المالية الحكومية أساسا إلى الحكومة (السلطة التشريعية) ومتخذي القرارات كالمحللين ،وإدارة الوحدات الاقتصادية والاجتماعية، والجمهور.
3. أهداف التقارير المالية الحكومية
ينبغي أن تحقق التقارير المالية الحكومية الأهداف الآتية:
أ. تحديد نطاق عمل الوحدات الحكومية وواجباتها ومسؤولياتها وخاصة فيما يتعلق بحفظ وصيانة الأموال العامة.
ب. إمداد المستفيدين في القطاع العام والخاص بما يحتاجونه من معلومات ،تمكنهم من اتخاذ القرارات المناسبة.
ج. توفير الإفصاح الكافي عن حجم ونوعية أعمال الحكومة وطرق تمويلها وطبيعة أنشطتها ومدى مطابقتها لأحكام الشريعة .
د. إظهار الآثار الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للنشاطات الحكومية.
4. الخصائص النوعية للتقارير المالية الحكومية ينبغي أن تعد التقارير المالية الحكومية والمعلومات الواردة فيها على أساس توفر مجموعة من الخصائص الفنية والقيم الدينية والأخلاقية الإسلامية التي أهمها:
أ. العدالة والاستقامة والنزاهة.
ب. العلم بالأحكام الشرعية.
ج. الأمانة والمصداقية وإمكانية الاعتماد على المعلومات.
د. ملائمة المعلومات ومدى أهميتها وفائدتها النسبية للقارئ.
ه. أخذ الضمانات وإقرار الشهود اللازمين لإمكانية الاعتماد على التقارير المالية والوثوق بها في مجال اتخاذ القرارات المختلفة
5. تحقيق أهداف التقارير المالية الحكومية: إعداد وتقديم التقارير الرقابية الخاصة بتقويم أداء الوحدات ومقارنتها مع الأهداف والخطط والمعايير الموضوعة ،وتحديد انحرافاتها ،وتحليلها واتخاذ الإجراءات التصحيح لها وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية .
ثالثا:معايير محاسبة الموازنة العامة للدولة والرقابة على الأموال العامة
1) معايير محاسبة الموازنة العامة
أ)المفاهيم والمبادئ والأسس الإسلامية
· يعتمد التقدم البشري بالضرورة على نجاح التوافق والتناسق بين الجوانب الروحية والمادية للحياة ،والتوازن والتوسط في جميع نواحي الحياة بجميع مجالاتها من السمات الأساسية للدين الإسلامي الحنيف.
· لابد أن تكون هناك موازنة صحيحة بين احتياجات الجسد والروح، أي تحقيق المصالح الشخصية(الفردية) مع حماية رفاهية المجتمع،ويتطلب ذلك التوازن بين الحقوق والالتزامات وبين الفرد ونفسه وبين الفرد ونفسه وبين الفرد وخالقه وبين الفرد ومجتمعه، والتوازن بين الواردات والنفقات.
· يؤمن النظام الاقتصادي الإسلامي بما فيه النظام المالي والمحاسبي بضرورة تحقيق التوازن الاجتماعي ، أي التوازن في مستوى المعيشة، ومن ثم فإن استخدام الأموال العامة وقياسها وصرفها وتوزيعها لابد أن يكون باتجاه تحقيق ذلك.
· ضمان استخدام الأموال العامة في اتجاه تحقيق أهداف النظام الإسلامي المتمثلة أساسا بتحقيق التوازن الاجتماعي.
ب)المعايير المحاسبية الإسلامية المستنبطة
· إعداد الموازنة العامة للدولة لتحقيق أهداف النظام الاقتصادي الإسلامي المتمثلة أساسا بإقامة العدل وتحقيق التوازن الاجتماعي.
· على الوحدات الحكومية إعداد الموازنات الخاصة بها ،تتضمن تقديرا للواردات والنفقات لسنة مالية مقبلة.
· تنظيم الموارد المالية يكون في حدود نفقات ومصروفات الدولة ،وبغرض تحقيق أهدافها الاجتماعية والاقتصادية.
· تعد الموازنة على أساس كونها أحد الوسائل الرقابية على استخدام الأموال العامة ، وعلى أساس توفير معلومات يمكن مقارنتها مع موازنات سابقة لغرض اتخاذ القرارات المختلفة.
· تتكون الموازنة العامة في الحكومة الإسلامية من:ـ
1) الإيرادات :وتتضمن إيرادات الضرائب المالية الثابتة(المحددة) كالزكاة والخمس وغير الثابتة كالصدقات، وإيرادات ممتلكات الدولة، وإيرادات المشاريع الرأسمالية الحكومية، وإيرادات القروض، وإيرادات أخرى.
2) النفقات: تتعلق ببرنامج الموازنة الأساسي المرتبط بتخفيف التفاوت بين الثروات في المجتمع الإسلامي، والتي قد تكون بعض منها محدد سلفا شرعا، كمستحقي إيرادات الزكاة والخمس .،إضافة إلى النفقات ومواضع الصرف الأخرى التي تقوم بها الدولة من أجل توفير الخدمات العامة والتكافل الاجتماعي ،وتحقيق النمو والتنمية الاقتصادية.ويقترح أن تكون الموازنة الجارية والموازنة الاستثمارية وموازنة التمويل كالآتي:ـ
الموازنة الجارية
الإيرادات الجارية
النفقات الجارية
· الإيرادات الضريبية
1. ضرائب على الثروات(الزكاة والخمس)
2. ضرائب على الأشخاص
· الأوقاف العامة
· الهبات والنذور والكفارات
· إيرادات جارية أخرى عجز الموازنة الجارية
· رواتب(مكافآت) الفئات المحددة شرعا{رواتب مستحقي الزكاة،رواتب مستحقي الخمس}
· رواتب الجهاز العسكري
· رواتب الجهاز المدني
· نفقات جارية أخرى
· (أو) فائض الموازنة الجارية
المجموع
المجموع
الموازنة الاستثمارية
· فائض الموازنة الجارية
· الإيرادات الاستثمارية
· أو عجز الموازنة الجارية
· النفقات الرأسمالية :
1. تعبيد الطرق والجسور
2. بناء المستشفيات والمدارس وملاجئ للفقراء والمساكين
3. المشاريع الاستثمارية(بناء وتشييد المصانع والمعامل وتطوير الإنتاج الزراعي والصناعي والعمراني
ونحوها من المشاريع الاستثمارية )
إجمالي الموازنة العامة
إجمالي الموازنة العامة
موازنة التمويل
المصادر
الاستخدامات
· وفر الموازنة
· القروض الداخلية
· القروض الخارجية
· (أو) عجز الموازنة
· تسديد أقساط القروض
المجموع
المجموع
القوائم من إعداد الباحثان
3. يقترح إعداد موازنات مستقلة لواردات العبادات المالية الأساسية على مستوى الدولة، وذلك لضخامة وتنوع الأموال المتعلقة بها،ويمكن إعداد موازنتي الزكاة والخمس كالآتي:ـ
موازنة الزكاة
الإيرادات
الاستخدامات
1) إيرادات نقدية
أ) إيرادات(إلزامية) متحصله من زكاة النقدين ب) إيرادات(إلزامية) متحصله من زكاة الغلات
ج)إيرادات(اختيارية) متحصله من أرباح التجارة
2) إيرادات عينية(يمكن تقييمها بالسعر السائد في السوق)
توزع على ـ الفئات الثمانية في الآية(60) من سورة التوبة،ولا يشترط البسط(التوزيع) لجميع تلك الفئات في حالة عدم حاجتها لها
المجموع
المجموع
موازنة الخمس
الإيرادات
الاستخدامات
1) إيرادات الغنائم
2)إيرادات المعادن 3)إيرادات الكنوز
4)إيرادات الغوص
5)إيرادات المكاسب و أخرى
توزع على الفئات المذكورة في الآية(41) من سورة الأنفال
المجموع
· القوائم من إعداد الباحثان
2)معايير الرقابة على الأموال العامة
أ) المبادئ والأسس والمفاهيم الإسلامية الخاصة بالرقابة
1. تمثل الرقابة في أي مجتمع إنساني ضرورة لا غنى عنها لاستكمال ومتابعة إنجاز الأعمال بدقة وفاعلية ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( الرقابة بمصطلحنا الحاضر) يمثلان غطاء وقائي اجتماعي لحماية الجماعة وصيانتها ، وتعتبر الدعوة إلى الحق ومكافحة الفساد من أهم التعاليم التي تتوج القوانين الإسلامية.
2. تتأكد أهمية الرقابة والحاجة إليها في التشريع الإسلامي، وذلك لتضمنه مجموعة من الأحكام والقواعد الشرعية المتعلقة بجوانب حياتية متنوعة والتي لا يتصور تنفيذها دون وجود جهة مسئولة ومشرفة عليها تضمن تنفيذها وتطبيقها.
3. للرقابة دور كبير في النظام المالي الإسلامي من خلال المحافظة على تنظيم جباية الأموال وضمان صرفها وتوزيعها في مواضعها المخصصة لها .
4. ضرورة إيجاد العنصر البشري الإداري المناسب للقيام بأعمال الرقابة المطلوبة بجميع صورها ،والقادر بطبيعته على تحقيق مشروعية تصرفاته وعدم مخالفة قواعد الشريعة الإسلامية .
5. القيام بأعمال الرقابة ومتابعة إنجاز الأعمال ولإدارة الأموال ، وإعادة النظر في أعمال وتصرفات الموظفين للتحقق من مدى مشروعيتها أو ملائمتها لقواعد وأحكام الشريعة الإسلامية ومقتضياتها العادلة والمبادرة في حالة اكتشاف الأخطاء إلى تصحيحها من خلال إلغائها أو تعديلها أو استبدالها.
6. أساس المسؤولية والمساءلة في الإسلام " أن اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" وكذلك " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".
7. تحتاج عملية الرقابة إلى خطوات متدرجة لكي يتم تنفيذها بصورة سليمة وحتى يتم ضمان تحقيق الأهداف المرجوة منها.
ب) المعايير الإسلامية المستنبطة
أ. ترتكز الرقابة على الأموال العامة في النظام الإسلامي على المقومات الثلاث الآتية:ـ
1. النظام الرقابي الاجتماعي العام ،وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يعتبر فرض من فروض الإسلام.
2. النظام الرقابي الحكومي ،ويتمثل بنظام الحسبة الذي يقوده المحتسب ،المعين من قبل الحكومة الإسلامية.
3. النظام الأخلاقي الإسلامي، الذي يعتبر الأخلاق جزء من المنظومة العقائدية للفرد المسلم.
ب. تقوم الرقابة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) على أساس احترام وتطبيق الأحكام والقواعد الشرعية والأخلاق الإسلامية للمحافظة على حسن سير المرافق العامة، وحماية حقوق وحريات الأفراد.
ج. اختيار الموظفين والعاملين في الجهاز الرقابي وفق عدة قواعد أهمها الأمانة والعدالة ، والقوة الذهنية والعضلية، واختبار الصلاحية والكفاءة ، والعلم بالأحكام الشرعية.
د. استخدام وممارسة صور الرقابة التالية في متابعة سير عمل الوحدات الحكومية ومدى كفاءتها في إدارة الأموال العامة:ـ
1. الرقابة المالية والمحاسبية ورقابة الأداء والرقابة الإدارية.
2. استخدام منهج الرقابة الذاتية والتأكيد عليه كأسلوب فعال في تحقيق أهداف التقارير المالية الحكومية.
ه. التقيد بتنفيذ مراحل الرقابة الأساسية المتمثلة بـ :
1. تحديد معايير للأداء.
2. قياس أو تقييم الأداء.
3. تصحيح الانحرافات.
4. إثابة المجد ومعاقبة المسيء
المطلب الثالث :أهمية معايير المحاسبة الحكومية الاسلامية في الواقع العملي.
تضمن هذا المطلب طرح معايير المحاسبة الحكومية الإسلامية ، التي تم اقتراحها من قبل الباحثان في الأطروحة الجديدة، لمعرفة مدى توافق معايير المحاسبة الحكومية المعاصرة مع مفاهيم ومبادئ الاقتصاد الإسلامي ،ومدى إمكانية استنباط معايير من النظام الأخير، وهذا الأمر تم عرضه في المطلب السابق.
يدور محور الفقرة الحالية حول الخصائص التي تتصف بها المعايير المقترحة، والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها، والوظائف التي تقوم بها ، والأساليب أو الوسائل المستخدمة لتطبيقها، فضلا عن إمكانية استخدامها في معالجة المسائل المستحدثة في المحاسبة الحكومية.
أولا:تحليل أثر عامل الدين وعوامل أخرى على عملية صياغة معايير المحاسبة الحكومية
تضمنت هذه الفقرة مجموعة من العوامل التي يعتقد أنها تؤثر بصورة مباشرة (و/أو غير مباشرة)، على عملية إعداد وصياغة معايير المحاسبة الحكومية، وهذه العوامل هي : البيئة،والعرف والتقاليد، والدين، ودستور الدولة والتشريعات الحكومية،والنظام الاقتصادي والسياسي للدولة، والثقافة، فالدين متداخل في جميع جوانب الحياة الإنسانية ،وأن له الأثر المباشر والأول على جميع جوانب حياة الفرد المسلم ، وعلى جميع مستويات علاقاته، سواء أكانت علاقته مع أخيه الإنسان ،أم علاقته مع البيئة ، أم علاقته مع خالقه عز وجل. ومن البديهيات المسلم بها أن للدين أثره العملي في توجيه السلوك الفردي والاجتماعي، وفي تكييف النظم والمؤسسات ، وفي تحديد الفضائل والأخلاق والقيم.
وبما أن العامل الديني ذو أثر مهم(معنوي) على عملية صياغة معايير المحاسبة الحكومية ،فإنه ينبغي أخذ هذا العامل بالاعتبار ،إذا ما أردنا وضع معايير مناسبة ومتوافقة مع معتقدات المجتمع الإسلامي وثقافته وتقاليده، وبالتالي تستطيع أن تقوم هذه المعايير بوظيفتها بكفاءة وفاعلية ، وتحقق الهدف المنشود منها.
والتشريع الإسلامي يتضمن تشريعا كاملا ،ونظاما شاملا لا يختص ببيئة معينة، ولا بزمن محدد وإنما يصلح لجميع الأماكن والأزمان، ولم يغفل المشرع الإسلامي ما تؤثره النظم والتشريعات في بناء المجتمع الجديد والدولة الجديدة، فأعطى للنظم مكانها الأول من بين تشريعاته، فجاءت نظمه جديدة على مسرح الحياة، لم تترك شاردة ولا واردة إلا ووصفت لها حلا، وهذا ما سنبينه في القسم الثاني من الاستبيان، والذي سيقتصر على بحث ما يخص بحثنا الحالي، معايير المحاسبة الحكومية المعاصرة، ومدى تأصلها في النظام الاقتصادي الإسلامي، ومدى مرونة الأخير في استيعاب التطورات والتغيرات الحضارية في كل زمان ومكان.
ثانيا:خصائص معايير المحاسبة الحكومية الإسلامية المقترحة
غني عن الذكر ، أن النظام المحاسبي جزء من النظام الاقتصادي في أي دولة، ومن ثم فإن خصائص الأول ينبغي أن تبنى أو تعتمد على (أو تتكيف على وفق) خصائص الثاني،وقد عرفنا - بينا ذلك سابقا- أن النظام الاقتصادي الإسلامي يتسم بخاصيتين أساسيتين هما ، الواقعية والأخلاقية ، حيث تعني الأولى الانسجام مع واقع الإنسانية بطبيعتها ونوازعها وخصائصها العامة، فضلا عن ضمان تحقيق الغايات والأهداف ضمانا واقعيا ماديا ملموسا، أما الثانية فتعني التعبير عن قيم عملية ضرورية التحقيق من ناحية خلقية، إلى جانب الاهتمام بالجانب الروحي والمادي للإنسان بصورة متوازنة،وإن المعايير الاسلامية تتميز بخصائص النظام الأم(الاقتصاد الإسلامي) ، فإنها تعني أيضا أن الإسلام لا يقتصر في تشريعاته على تنظيم الوجه الخارجي للمجتمع فحسب، بل ينفذ إلى أعماقه الروحية والفكرية ، ليوفق بين المحتوى الداخلي وما يرسمه من خطط اقتصادية واجتماعية، فضلا عن أنه يمزج أسلوب تحقيق الغايات والأهداف بالعامل النفسي والدافع الذاتي المنسجم مع تلك الغايات ومفاهيمها، وهذا الأمر يمثل عامل قوة على المستوى الاقتصادي والمالي خاصة في عصرنا الحالي ،لأهمية العامل النفسي والسلوك المالي والاقتصادي للفرد والجماعة في حصول الأزمات ، ومواجهتها في الاقتصاديات المعاصرة، وهذه النتيجة تؤكد ما تم التوصل إليه في دراسة IWAN & GAFFIKIN 2002) ): حيث يرى الكاتبان أن المحاسبة التي هي جزء من النظام الاقتصادي يمكن أن ينظر لها على أنها أحد الوسائل المهمة لإظهار –عكس- الحقيقة أو الواقعية في المجتمع، وبما أن الواقعية تؤسس وتبنى اعتمادا على القيم الأخلاقية فإن المحاسبة لابد أن تستند كذلك على الأخلاق ، وإلا فإن الواقعية سوف تظهر بصورة مغلوطة ، وبالتالي ستضلل من له مصلحة بها، ويعلل الكاتبان قولهما بأن الأخلاق تظهر وتميز بصورة واضحة بين الخطأ والصواب ، وبين الجيد والسيئ، وبين العدل والظلم ، لذا أصبح من الأهمية بمكان وجود الأخلاق في المحاسبة لما لها من آثار مهمة وفعلية على حياة الأفراد في المجتمع، وبالتالي فإن الأخلاق لابد أن تؤطر بصورة تامة التطبيقات المحاسبية، وهذا ما تطالب به الشريعة الاسلامية المقدسة .
ثالثا: الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها المعايير المقترحة
من الأهداف الأساسية للنظام المحاسبي الحكومي(الذي هو جزء من النظام الاقتصادي الإسلامي) تحقيق العدالة الاجتماعية ، أن تحقيق العدالة الاجتماعية ،ينبغي أن يعتمد على أهداف وغايات قابلة للتحقق من ناحية واقعية وكذا أخلاقية ،فهناك علاقة ارتباط قوية فيما بين أمكانية تحقق العدالة الاجتماعية بالاعتماد على أهداف وغايات واقعية وأخلاقية، وهذه الحقيقة ليست بشهادة المفكرين الإسلاميين فحسب، بل حتى أولئك الذين يعارضون الاقتصاد الإسلامي فإنهم يقرون بأن المعايير والقيم والأهداف الاقتصادية (بما فيها المحاسبية) الإسلامية تؤدي إلى رفع الكفاءة الاقتصادية - التي تساهم بطريقة ما في تحقيق العدالة الاجتماعية-(خرابشة، 1990: 1325).
وهذه النتيجة تؤكد حرص النظام الإسلامي على تطبيق العدالة الاجتماعية وسعيه الحثيث لتحقيقها،ليس بصورة تجريدية نظرية فحسب ، بل لتحقيقها وتطبيقها بصورة عملية فعلية،لذا نجد أن التشريع المقدس قد حدد أسلوبين أساسيين لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية هما، الضمان الاجتماعي والتوازن الاجتماعي ،وهذا ما سيتم مناقشته في الفقرة التالية.
رابعا: الوظائف التي يمكن أن تساهم المعايير المقترحة في أدائها
للمحاسبة الحكومية الإسلامية وظائفها وأدواتها الخاصة التي تتعلق بتحقيق التوازن الاجتماعي، وتوفير الضمان الاجتماعي، فبالنسبة لتحقيق التوازن الاجتماعي،فقد عرفنا أن الحكومة الإسلامية الشرعية تعتمد على وسائل معينة لتحقيقه،هي الضرائب الثابتة (الزكاة والخمس) ،وإصدار التشريعات الإسلامية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية ، التي تساهم في إيجاد التوازن وحمايته، فضلا عن إيجاد القطاعات الإنتاجية والخدماتية العامة التي تؤمن إنفاقا مناسبا، ويتجلى دور المحاسبة الحكومية في الوسيلتين الأوليتين، حيث يتعلق عملها بتقدير وتنظيم وجباية الضرائب العامة،وتنظيم عملية توزيعها وصرفها على الفئات والجهات المخصصة لها، كما إن الموازنات العامة التي تصدر وفق قانون تقره الدولة ، لها الدور الفعال في تحقيق التوازن الاجتماعي، وذلك لا يتعلق فقط بتحديد ورسم تلك الموازنات، بل يتعداه ليتضمن مراحل إعدادها وتنفيذها ومتابعتها ،وتحديد مصادر تمويلها،ومواضع توزيعها وصرفها ونحوها، وهذه الوظائف تدخل في صميم عمل المحاسبة الحكومية.
أما بالنسبة للضمان الاجتماعي الذي يعد من مسؤوليات الدولة الإسلامية، وهو ضمان معيشة أفراد المجتمع بصورة كافية، فإن وظيفة المحاسبة الحكومية في ذا المجال تتمثل في تنظيم وتحديد الأموال العامة التي يتم استخدامها مصدر أساس لتوفير الضمان الاجتماعي، كالزكاة والخمس فضلا عن الأموال والملكيات العامة للدولة، ويمكن استخدام المعايير المقترحة وبدرجة كبيرة في تحقيق التوازن الاجتماعي ،وتوفير الضمان الاجتماعي، مما يعني إمكانية تطبيقها في الواقع العملي، فضلا عن صلاحية النظام الاقتصادي-الذي تم الاعتماد عليه في استنباط هذه المعايير- لاستخدامه مصدر علمي أساس ومهم في بناء معايير محاسبية حكومية ملائمة لحاجات المجتمع.
خامسا: المساهمة في حفظ الأموال العامة
يسعى النظام المحاسبي الحكومي - علاوة على أهداف أخرى- إلى المحافظة على الأموال العامة وصيانتها ،فيمكن استخدام المعايير المقترحة في تحقيق هذا الهدف وانها ذات جدوى ويمكن تطبيقها فعلا في الواقع العملي.
سادسا: أساليب التقويم المحاسبي المستخدمة ضمن المعايير المقترحة
تضمنت المعايير المقترحة أساليب معينة لتقويم الموجودات المتداولة والثابتة وفقا لأحكام التشريع الإسلامي، حيث ركز الأخير على ضرورة استخدام أسلوب القيمة الجارية لتقويم الموجودات المتداولة، والكلفة الاستبدالية لتقويم الموجودات الثابتة، أما فيما يتعلق بالكلفة التاريخية ،فإنه قد يلجأ إلى استخدامها في حالات معينة محددة، فتضمنت الفقرة الحالية عرض أربع أسس تستخدم في التقويم المحاسبي، هي الكلفة التاريخية ، والتكلفة التاريخية المعدلة، والقيمة الجارية، والكلفة الاستبدالية.
ان أسلوب القيمة الجارية تتوافق مع مفاهيم ومبادئ التشريع الإسلامي،لانها من بين أساليب التقويم التي يمكن أن توفر الإفصاح الكافي والملائم، وكذلك التكلفة التاريخية ولكن بصورة اقل لان النظام التقليدي للقياس المحاسبي والمبني على مدخل التكاليف التاريخية تنعكس آثاره على مخرجات هذا النظام فيقلل من ملاءمتها لاتخاذ القرارات خصوصا في الفترات التي ترتفع فيها معدلات التضخم الاقتصادي (مطر، 2004: 151) ،إن ذلك يؤكد أهمية استخدام القيمة الجارية أساساً في التقييم المحاسبي،لغرض توفير الإفصاح الكافي والملائم،حيث يعتقد أن أساس القيمة الجارية يتفوق على أساس التكلفة التاريخية (المعدلة) من حيث ملاءمته لقياس الكفاءة ،فضلا عن تفوقه على الأسلوب الأخير من حيث اعتباره وسيلة للمحافظة على رأس المال الحقيقي ، وأداة لتقدير التدفقات النقدية المستقبلية (مطر،2004: 172)،فضلا عن مدى تأثيرها على جودة التقارير المالية (الحكومية) في عرض معلومات ملائمة ومفيدة لجميع الفئات المستخدمة لها،وهذا الأمر أخذه الشارع المقدس بالاعتبار.
سابعا: نوعية المعلومات التي يمكن توفيرها باستخدام المعايير المقترحة
تضمنت هذه الفقرة بعض الأهداف المهمة التي تسعى المعايير المقترحة إلى تحقيقها،والتي هي في الواقع أهداف النظام الاقتصادي الإسلامي، والتي يمكن تحقيقها عن طريق التقارير المالية الحكومية(الإفصاح الحكومي)، وتتعلق هذه الأهداف بتوفير معلومات ملائمة عن إمكانية تحقيق المساءلة الاجتماعية ، وتوفير معلومات عن التكاليف والإيرادات البيئية، وكذا عن الآثار الاجتماعية والبيئية لأنشطة الحكومة ،والأمور الثلاثة من القضايا المستحدثة في المحاسبة المعاصرة، والتي ما زالت محل جدل ونقاش ولم تتضح الرؤى الحقيقة لها بعد ،حيث يعود تاريخ ظهور المحاسبة الاجتماعية في الفكر المحاسبي الوضعي مع بداية العقد السابع من القرن العشرين، ومعظم الدراسات عنها اتخذ الطابع الوصفي الذي انصب على المفاهيم الأساسية دون الولوج في عمق مشاكل التطبيق(مطر،2004: 415)مع ذلك نرى اهتماما واضحا بهذه القضايا من قبل التشريع الإسلامي ،وتشددا في ضرورة عرض كل المعلومات ،وبدون أي إخفاء أو تجاهل وبشفافية ووضوح تام ،والأمر يصبح لازما إذا ما تعلق الأمر بالحفاظ على البيئة وصيانتها ،فقد حرم تلويثها أو الإضرار بها ،وشدد على ضرورة اتخاذ الوسائل الكفيلة بحمايتها وديمومتها ، ويعتقد أن من مزايا تطبيق نظام المحاسبة الاجتماعية والبيئية توفير معلومات مهمة يمكن استخدامها على المستوى القومي لغرض وضع الخطط التنموية ، وكذلك تحسين الأسس والأساليب المتبعة في قياس الناتج الإجمالي وكذلك معدلات النمو المحققة فيه (مطر، 2004: 419) ،لقد بين الإسلام أحكام البيئة سلبا وإيجابا، وجوبا وحرمة، ندبا وكراهة، تكليفا ووضعا، لذا فإن من الأهداف التي يسعى النظام المحاسبي الإسلامي إلى تحقيقها، هي توفير معلومات عن الآثار الاجتماعية والبيئية لأنشطة الحكومة ،فضلا عن تحقيق إمكانية المحاسبة الاجتماعية .
ثامنا: أنواع الموازنات العامة
تضمنت هذه الفقرة تقسيمات ثلاث معروفة للموازنات العامة ،هي الموازنة الجارية والاستثمارية،والموازنة النقدية والعينية،وموازنة البرامج والأداء،والأخيرة من الأنواع الحديثة للموازنات، وقد بينا سابقا أن التشريع الإسلامي يتضمن مفاهيم ومبادئ وقواعد تتعلق بإعداد مثل هذه الموازنات ، خاصة فيما يتعلق بالموازنات الجارية والاستثمارية، والموازنات النقدية والعينية، التي كانت مطبقة فعلا في الدولة الإسلامية ، والأمر ينطبق كذلك حتى على موازنة البرامج والأداء، فعلى الرغم من حداثة تاريخ ظهورها، إلا أننا نجد مفاهيم ومبادئ إسلامية معينة تتوافق مع مقومات إعداد هذه الموازنات،وتؤكد تجارب بعض الدول المطبقة لها كالولايات المتحدة ، فقد أثبتت فاعلية أسلوب موازنة البرامج والأداء ، وأنه قد يكون الأسلوب الأمثل للتطبيق.
من جهة أخرى فإن أسلوب الموازنات النقدية والعينية ، قد يكون أحيانا أكثر فائدة في الرقابة على الأموال والتخطيط، خاصة إذا عرفنا إن من بين مصادر الأموال العامة في التشريع الإسلامي ما يتم جبايته عينا وليس نقدا، كما في الأموال المتعلقة بزكاة الأنعام.
تاسعا:مقومات إعداد الموازنات الحديثة
تضمنت هذه الفقرة التركيز على نوعين من تلك الموازنات،هما الموازنة الصفرية وموازنة البرامج والأداء،وإمكانية تطبيق الأساليب الحديثة في الموازنات باستخدام المعايير المقترحة، المستنبطة وفق النظام الاقتصادي الإسلامي ،واستخدام الأنواع الحديثة يكون لازما لمقابلة الاحتياجات المتعددة والمتنوعة والمتزايدة للوحدات الإدارية الحكومية، والتي قد لا تستطيع الأساليب التقليدية كموازنة البنود من مواكبتها،، وهذا الأمر يقره التشريع المقدس ويدعو إليه.
فإذا ما تتبعنا مدى وجود مقومات إعداد موازنة البرامج والأداء - على سبيل المثال- في التشريع الإسلامي ، فإننا نجد أن الركيزة الأولى لهذه الموازنة تتمثل في تحديد الأهداف والأغراض(البرامج) التي سيتم استخدام الأموال لأجلها ،وهذا الأمر واضح وموجود في قواعد التشريع المقدس، فالمال وكل ما يتعلق بجبايته وتنظيمه وصرفه وتوزيعه يكون وسيلة(غرض) لتحقيق أهداف معينة حددتها الشريعة السمحاء، وبالتالي فليس الهدف من المحاسبة عن المال في الإسلام وتنظيمه ومراقبة صرفه وتوزيعه لأجل المال نفسه وإنما لمعرفة مدى التقدم في تحقيق الأهداف والغايات المنشودة، وقد مر بنا قول الإمام علي(ع) إلى مالك الأشتر(رض) :" وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله فإن في إصلاحه وصلاحهم صلاحا لمن سواهم،ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم، لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله"(نهج البلاغة،ج3: 100)،فالإسلام يركز على تحقيق الهدف ونسبة إنجاز العمل الذي وظف (استخدم) المال لأجله، أما بالنسبة للركيزة الثانية ،فإن التشريع الإسلامي قد حدد جانبي الإيرادات والمصروفات ، حيث يتضمن الجانب الأول إيرادات الضرائب المالية الثابتة(المحددة) كالزكاة والخمس وغير الثابتة كالصدقات، وإيرادات ممتلكات الدولة، وإيرادات المشاريع الرأسمالية الحكومية، وإيرادات القروض، وإيرادات أخرى، أما النفقات فتتعلق ببرنامج الموازنة الأساسي المرتبط بتخفيف التفاوت بين الثروات في المجتمع الإسلامي، والتي قد تكون بعض منها محدد سلفا شرعا، كمستحقي إيرادات الزكاة والخمس ،فضلا عن النفقات ومواضع الصرف الأخرى التي تقوم بها الدولة من أجل توفير الخدمات العامة والتكافل الاجتماعي ،وتحقيق النمو والتنمية الاقتصادية، وهذا يبين وبوضوح مرونة النظام الاقتصادي الإسلامي واستيعابه كل التطورات الحضارية في كل الأماكن والأزمان ، أما بالنسبة لتقدير التكلفة وربطها بالعائد فهذا الأمر مطبق بشكل أكثر اتساعا في النظام المالي الإسلامي، ويعتبر متطلبا حيويا يجب العناية به قبل تقدير النفقة سواء أكانت عامة أم خاصة، وسواء أكانت التكلفة مالية أم اجتماعية(الأبجي، 1990: 1200)، ومن هنا جاء قول الإمام علي:" فإن العمران محتمل ما حملته" أي أنه يجب على الحكومة أن تتجنب الأعمال التي تكلفها النفقات الضخمة لقاء منافع قليلة، وأن تتحرى منافع الجباية التي تدر عليها خيرا كثيرا بإنفاق قليل( الفكيكي، 2003: 214).
عاشرا:المقومات الأساسية للرقابة على الأموال العامة على وفق المعايير المقترحة
تم اقتراح ثلاثة مقومات أساسية للنظام الرقابي الإسلامي،هي النظام الرقابي الاجتماعي العام، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنظام الرقابي الحكومي، ويتمثل بنظام الحسبة الذي يقوده المحتسب المعين من قبل الحكومة الإسلامية.والنظام الأخلاقي الإسلامي، الذي يعتبر الأخلاق جزء من المنظومة العقائدية للفرد المسلم.
أن النظام الاقتصادي الإسلامي، نظام شامل يحتوي على قاعدة واسعة من المفاهيم والمبادئ والأسس اللازمة لبناء جميع أنواع النظم المتعلقة بحياة الإنسان وفي جميع المجالات الاجتماعية منها والاقتصادية والسياسية والتربوية ...الخ. وهو ما يرتبط بمفهوم الرقابة على الأموال العامة الذي يتعلق بالوظيفة التي تقوم بها وحدات حكومية أو غير حكومية من أجل تتبع المال العام وحراسته وحفظه، استنادا إلى مرجعية تشريعية،وتعتبر الرقابة وظيفة من وظائف المحاسبة الحكومية ،لا تكتمل الأخيرة إلا بوجود هذه الوظيفة(احمرو،2003: 219).
الحادي عشر: اقتراح صور متعددة للرقابة على الأموال العامة
لاشك في أن للرقابة المالية والمحاسبية دور كبير في حفظ الأموال العامة من السرقة والاختلاس،وصيانتها من الهدر والتلف،إلا أنه قد ثبت أن الاعتماد على هذا الأسلوب دون غيره قد لا يحقق الفائدة المرجوة منه،خاصة بعد ظهور الدراسات والبحوث المتعلقة بدراسة السلوك الإنساني والشخصية الإنسانية وأثرها في إنجاح النظام الرقابي وتحقيق الأهداف المرجوة منه، فأصبح لزاما الاستعانة بأساليب أو أنواع أخرى للرقابة فضلا عن الأسلوب المذكور،لذا أصبح المبدأ السلوكي من المبادئ العلمية التي أخذت تهتم بها الدراسات الحديثة المتعلقة بمجالات الرقابة المالية، وقد ذكرنا سابقا إن الإسلام بتشريعاته الخالدة، قد أوجد هذا النوع من الرقابة قبل الوقت الحاضر بأكثر من أربعة عشر قرنا، من خلال مبدأ الرقابة الذاتية التي تبنى على أساس تدعيم فكرة الرقابة الإلهية المستمرة لأفعال العباد لدى الأفراد، والقائمة على أساس العقاب والثواب، فضلا عن رقابة الذات وكيفية توجيهها نحو الخير وكل ما يرضي الله تعالى، وعليه تضمنت المعايير المقترحة صورا متعددة للرقابة على الأموال العامة، كما ان شمولية واتساع النظام الاقتصادي الإسلامي ،لاحتوائه على مفاهيم ومبادئ وأسس يمكن استخدامها قاعدة لمعالجة جميع مشاكل الحياة المعاصرة، و الرقابة على الأموال العامة من ضمنها ،وخير إثبات على ذلك ما يتعلق بمعالجة السلوك الإنساني وكيفية متابعته ومراقبته، وتوجيهه لإنجاح نظم الرقابة على الأموال العامة وتحقيق الهدف المنشود منها، وهذه من الحالات العديدة والعديدة التي تناولها التشريع الإسلامي بالعرض والتحليل،وقدم لها العلاج الناجع، فتعتبر الرقابة الذاتية التي يشدد عليها التشريع الإسلامي ،من أقوى الرقابات تأثيرا على المجتمع،حيث أثبتت التجربة الإسلامية إن الرقابة الذاتية انفع بكثير من الرقابة الخارجية التي تدفع بالموظف إلى دائرة الخوف فيفعل ما لا يجب فعله (الموسوي،1998: 275). كما إن اعتقاد المحاسب أن الله تعالى رقيب على أعماله كلها وسوف يحاسبه يوم القيامة عن كل صغيرة وكبيرة فيتخذ الحيطة والحذر من ذلك بتجنب ما يستوجب العقاب وهذا ما يسمى بالمحاسبة الذاتية(جمعة، 2000: 383).
من جهة أخرى تؤكد النتائج السابقة أن المعايير المقترحة التي استندت على مفاهيم الشارع المقدس في موضوع الرقابة ، يمكن اعتبارها ذات جدوى وفائدة ،ويمكن تطبيقها في الواقع العملي المعاصر.
خلاصة نتائج الاطروحة الجديدة للبحث
أولا: يدور محور النتائج المشار إليها حول ماهية الخصائص التي تتصف بها معايير المحاسبة الحكومية الإسلامية المقترحة في هذا البحث، وكذا الأهداف التي تسعى لتحقيقها والوظائف التي تقوم بها، فضلا عن أساليب القياس والتقويم والإفصاح المحاسبي التي تتضمنها هذه المعايير، وبالرجوع إلى نتائج التحليل السابقة - المشار إليها- يستخلص عدة أمور:ـ
1. أثبتت النتائج أن معايير المحاسبة الحكومية الإسلامية المقترحة ، والمستنبطة وفق مفاهيم ومبادئ النظام الاقتصادي الإسلامي(أو التشريع الإسلامي عموما)، تتصف بالخصائص الأساسية المميزة للاقتصاد الإسلامي ،وهما الواقعية (في الغاية والوسيلة) والأخلاقية (في الغاية والطريقة) ، فهذه المعايير تعتمد على آلية معينة للتنفيذ، تتميز بالشمولية والتوازن في استهداف الجانب الروحي والمادي للإنسان ،بحيث تتناسب مع متطلباته واحتياجاته الدينية والدنيوية معا وعلى حد سواء، كما تقوم على مبادئ وأسس محددة ، وتعتمد على طرق وأساليب معينة للقياس والتقويم المحاسبي ، تنسجم وتتوافق مع تلك الخصائص، وذاك لغرض المساهمة في تحقيق العدالة الاجتماعية ، وحفظ الأموال العامة وصيانتها، كما أنها تساهم في توفير الضمان الاجتماعي والتوازن الاجتماعي، من خلال وظائف معينة تقوم بها، أهمها إعداد وتنفيذ الموازنات العامة للدولة الملائمة لتنفيذ الخطط والأهداف الاقتصادية والاجتماعية للدولة وللمجتمع وللفرد على حد سواء، فضلا عن السيطرة والتنظيم الشامل لجميع أنواع الأموال العامة للدولة ، من حيث تقديرها وتسجيلها وجبايتها ، وتوزيعها وصرفها .
2. بما أن المعايير المقترحة تتصف بخصائص النظام الاقتصادي الإسلامي ، وتقوم على مفاهيمه ومبادئه وأسسه ، فهي إذن ضمن الإطار العام للاقتصاد الإسلامي، ويعني ذلك التأصيل الإسلامي لمعظم معايير المحاسبة الحكومية المعاصرة، وحيث أثبتنا توافق الأخيرة مع مفاهيم ومبادئ الاقتصاد الإسلامي.
3. إن إثبات اتصاف المعايير المقترحة بالخصائص والمبادئ والمفاهيم المشار إليها، يؤكد على أهمية تلك المعايير وفائدتها في التطبيق العملي.
4. بالنتيجة النهائية ، يتبين لنا بصورة قاطعة أن الاقتصاد الإسلامي - الذي تم الاستناد إليه في صياغة المعايير المقترحة- يملك قاعدة واسعة من المفاهيم والمبادئ والأسس والقواعد المتطورة والمتقدمة ، التي يمكن استخدامها مصدراً علمياً فعالاً لبناء ووضع معايير محاسبية حكومية إسلامية ، تكون متوافقة مع حاجات ومتطلبات المجتمع الإسلامي، علاوة على ذلك فإن تلك النتيجة تثبت أن النظام الاقتصادي الإسلامي ، نظام أصيل في مفاهيمه ومبادئه وأسسه وأحكامه.
ثانيا: يدور محور النتائج المشار إليها حول بعض القضايا المحاسبية موضع النقاش والمستحدثة، كالنقاش حول أسس التقويم الملائمة خاصة في حالة التغير المستمر للأسعار، واستخدام أساليب حديثة للموازنات العامة , وبعض هذه المواضيع قد تم إدخالها في ضمن المعايير المقترحة ، وكان الغرض من هذه الأسئلة هو بهدف معرفة مدى نجاح وفاعلية المعايير المقترحة في معالجة تلك القضايا ،فضلا عن مدى تكيفها مع واقع الحياة المعاصرة، وبالرجوع إلى نتائج التحليل المشار إليها، يستخلص عدة أمور:ــ
1. إن بعض القضايا الجدلية المعاصرة ، كاستخدام الأساس المناسب للتقويم ، يعالجها التشريع الإسلامي بصورة نظامية ووفق شروط وحالات معينة،فقد لاحظنا التأكيد الإسلامي على استخدام القيمة الجارية وبصورة إلزامية خاصة في حالة تقويم الموجودات المتداولة لغرض احتساب الزكاة، ويعتبرها من مستلزمات تحقيق العدالة الاجتماعية ، لما ينتج عن استخدام هذا الأسلوب من دقة وأمانة ووضوح في المعلومات الناتجة .
2. إن مقومات إعداد الموازنات العامة وفق الأساليب الحديثة كالموازنات الصفرية وموازنة البرامج والأداء، لها وجود وأساس في التشريع الإسلامي-الذي تم الاعتماد عليه في صياغة المعايير المقترحة- ، وعليه يمكن تطبيق تلك الأساليب وفق النظام الاقتصادي الإسلامي.
3. إن استخدام التقارير المالية الحكومية لأغراض معينة كالمساءلة الاجتماعية ،وتحديد التكاليف والإيرادات البيئية، وتتبع آثار أنشطة الوحدات الحكومية التي تتركها على البيئة والمجتمع، يعتبر ذلك من الأمور المستحدثة في الوقت الحاضر، في حين أن التشريع الإسلامي قد نبه إليه وتناولها بالعرض والتحليل قبل أكثر من أربعة عشر قرنا.
4. وإجمالا فإن الاقتصاد الإسلامي ، نظام يتميز بالمرونة والاتساع ليستوعب كل التغيرات والتطورات الحضارية لكل زمان ومكان.
المراجع و المصادر للباب الاول
أولا: المصادر
1. القرآن الكريم
2. نهج البلاغة (مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام)،شرح الشيخ محمد عبده ،4 أجزاء،المكتبة الأهلية- بيروت.
ثانيا: تفاسير القرآن
1. الأصفهاني، العلامة الراغب( 1425هـ.ق)ط4. " مفردات ألفاظ القرآن الكريم"، تحقيق صفوان عدنان داوودي، دار القلم ، دمشق ، سوريا.
2. السبزواري،السيد عبد الأعلى الموسوي(1404 هـ.ق)." مواهب الرحمن في تفسير القرآن"، مطبعة الآداب، النجف الأشرف.
3. الشيرازي، ناصر مكارم( 1413 هـ.ق). "الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل" ، مؤسسة البعثة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.
4. الطباطبائي، السيد محمد حسين(1397هـ.ق).ط3،" الميزان في تفسير القرآن"، دار الكتب الإسلامية ، طهران ، إيران.
5. القرطبي، أبو عبدالله محمد بن أحمد الأنصاري(1405هـ). " الجامع لأحكام القرآن- تفسير القرطبي" ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
6. المدرسي، السيد محمد تقي(1406هـ.ق)." من هدي القرآن"، دار الهدى.
7. مغنية، محمد جواد( 1981م). "تفسير الكاشف"، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان.
ثالثا: مصادر الحديث والأحكام الفقهية
1. البخاري، الإمام أبي عبدالله محمد بن إبراهيم ابن المغيرة بن بردزبة الجعفي(1981م). " صحيح البخاري"، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.
2. البروجردي،الشيخ مرتضى(1426هـ)."المستند في شرح العروة الوثقى،تقرير الأبحاث للأستاذ الأعظم سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي(قده)/كتاب الزكاة"ج23وج24،ط2،مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي(قده)،إيران،قم.
1. البروجردي،الشيخ مرتضى(1426هـ)."المستند في شرح العروة الوثقى،تقرير الأبحاث للأستاذ الأعظم سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي(قده)/كتاب الخمس"ج25،ط2،مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي(قده)،إيران،قم.
2. التبريزي، آية الله الميرزا جواد( 1382هـ.ش)ط4. " المسائل المنتخبة- العبادات والمعاملات"، مطبعة سلمان الفارسي، قم ، إيران.
3. الترمذي، الحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة( بدون تاريخ). "سنن الترمذي"، تحقيق وتصحيح عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت.
4. التميمي، عبد الواحد بن محمد( 1366هـ.ش)." غرر الحكم"، مكتب الإعلام الإسلامي، إيران.
5. الثقفي، إبراهيم بن محمد( 1410هـ.ش). " الغارات"، دار الكتاب، قم، إيران.
6. الجزائري، السيد عبدالله(بدون تاريخ)."شرح التحفة السنية - للفيض الكاشاني"،نسخة خطية - ميكروفيلم.
7. السجستاني، الحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث( بدون تاريخ). "سنن أبي داود"، تحقيق وتعليق سعيد محمد اللحام، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت، لبنان.
8. الخوئي، السيد أبو القاسم الموسوي(1411هـ)." مصباح الفقاهة"، تقرير أبحاث سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي(قده)، ط1،الدار العلمية- مكتبة الداوري ،قم، إيران.
9. السيستاني، آية الله الإمام السيد علي الحسيني ( 1423هـ.ق). " المسائل المنتخبة- العبادات والمعاملات" ، دار الهدى، بيروت، لبنان.
10. الشافعي،الإمام أبي عبدالله محمد بن إدريس( 1983م)ط2. " الأم" ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ،لبنان.
11. الصدوق، (1413هـ.ق)." من لا يحضره الفقيه"، مؤسسة النشر الإسلامي، قم ، إيران.
12. الطوسي،(1365هـ.ش)." تهذيب الأحكام"، دار الكتب الإسلامية، طهران، إيران.
13. العاملي، محمد بن الحسن الحر(1409هـ.ق)."وسائل الشيعة"، مؤسسة آل البيت، قم ، إيران.
14. الكليني، ثقة الإسلام( 1365هـ.ش)."الكافي"، دار الكتب الإسلامية، طهران، إيران.
15. المجلسي، العلامة (1404هـ.ق)." بحار الأنوار"، مؤسسة الوفاء، بيروت،لبنان.
16. النوري، المحدث( 1408هـ.ق)." مستدرك الوسائل"، مؤسسة آل البيت، قم، إيران.
17. النيسابوري، الإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج ابن مسلم القشيري( بدون تاريخ). " صحيح مسلم- الجامع الصحيح"، دار الفكر، بيروت، لبنان.
18. الكركي والاردبيلي،الخراجيات،1413هـ،مؤسسة النشر الاسلامي،قم المقدسة.
رابعا: الوثائق والنشرات الرسمية
1. القانون ذو العدد 28 لسنة 1948 وتعديلاته، وزارة المالية، دائرة المحاسبة.
2. القانون ذو العدد 107 لسنة 1985 وتعديلاته.
3. المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة(الأنتوساي)، تقرير لجنة الأنتوساي عن الرقابة، المعايير الرقابية،القاهرة، مصر، 1995.
4. المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة(الأنتوساي)، لجنة معايير المحاسبة،إطار المعايير المحاسبية، 1995.
5. المنظمة العربية للعلوم الإدارية، دليل المحاسبة الحكومية، تعريب سليمان علي الدين، 1976.
6. المنظمة العربية للعلوم الإدارية،النظام المحاسبي الحكومي الموحد للدول العربية، 1980.
خامسا: الكتب
1. أبو العينين، د. أحمد حلمي( 2002م)." أصول الإدارة من القرآن والسنة"، دار ومكتبة الهلال، دبي.
2. آل هاشم و أبو غزالة، د.ضياء داود ،طلال توفيق(1992م)." المحاسبة الدولية"،كتاب مقرر للمتقدمين لامتحانات المجمع العربي للمحاسبين القانونيين، من منشورات المجمع العربي للمحاسبين القانونيين.
3. أحمد علي، د.إبراهيم فؤاد( 1969م)." الموارد المالية في الإسلام"، دار الشرق العربي، القاهرة ، مصر.
4. أحمرو، د.إسماعيل حسين(2003م)." المحاسبة الحكومية، من التقليد إلى الحداثة"،دار المسيرة للنشر والتوزيع،عمان، الأردن.
5. الآصفي، الشيخ محمد مهدي(1973م)ط3." النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام"،دار الغدير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.
6. الأمين و باشا ، د.عبد الوهاب ،د. زكريا عبد الحميد (1983م)ج2."مبادئ الاقتصاد -الاقتصاد الكلي"، الكويت.
7. الإيرواني، الشيخ باقر(1423هـ. ق)ط1ج1و2."دروس تمهيدية في تفسير آيات الأحكام"، دار الفقه للطباعة والنشر،إيران.
8. بحر العلوم، عز الدين السيد علي (1989م)ط2." الإنفاق في سبيل الله"، دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.
9. تسخيري، محمد علي (2003م)ط1." خمسون درسا في الاقتصاد الإسلامي"، المشرق للثقافة والنشر، طهران، إيران.
10. الجعويني، د.أحمد حافظ ( 1974م)ط2." اقتصاديات المالية العامة- دراسة في الاقتصاد العالم"، .
11. جمعة، د.أحمد حلمي ( 2003م)." المدخل الحديث لتدقيق الحسابات"، جامعة الزيتونة الأردنية، عمان، الأردن.
12. جمعية المعارف الإسلامية الثقافية(بدون تاريخ)." دروس في الاقتصاد الإسلامي"، إيران.
13. الجوهر، د.كريمة علي كاظم (1999م)ط2."الرقابة المالية"، المكتبة الوطنية، بغداد ، العراق.
14. الحجاوي، الأستاذ حسام أبو علي(2004)," الأصول العلمية والعملية في المحاسبة الحكومية"، دار الحامد للنشر والتوزيع، عمان ، الأردن.
15. الحسب، د. فاضل عباس ( 1984م)." الماوردي في نظرية الإدارة الإسلامية العامة"، المنظمة العربية للعلوم الإدارية، عمان، الأردن.
16. حسن وحسن، د. حسن إبراهيم ، علي إبراهيم ( 1939م)ط1." النظم الإسلامية"، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، مصر.
17. الحسون و القيسي، عادل محمد، خالد ياسين ( 1991م)ط1ج1." النظم المحاسبية"، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، العراق.
18. الحكيم، آية الله السيد محمد باقر(قده) (2003م)ط1ج1." دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة"، دار الحكمة، ،قم إيران.
19. الخراساني، محمد واعظ زاده ( 1413 هـ.ق)ط1." نصوص الاقتصاد الإسلامي- كتابا وسنة وفقها"، مراجعة وتصحيح صفاء الدين البصري، مجمع البحوث الإسلامية، مشهد، إيران.
20. الدجيلي، خولة شاكر (1976م)." بيت المال- نشأته وتطوره من القرن الأول حتى القرن الرابع الهجري"، مطبعة وزارة الأوقاف، بغداد ، العراق.
21. .دهمش، د. نعيم (1981م)." النظريات والأسس المحاسبية وتطبيقاتها في المحاسبة الحكومية"، المنظمة العربية للعلوم الإدارية، عمان، الأردن.
22. داود، رزاق مخور(1425هـ)ط1." المرجعية الدينية والعمل السياسي", مركز الإمام الكاظم(ع)، البصرة ، العراق.
23. رشيد، جواد خليل (1975م)ط2." المحاسبة الحكومية بين الجوانب النظرية والتطبيق العملي"، بغداد، العراق.
24. الزبيدي، د. محمد حسين (1970م)." الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الكوفة في القرن الأول الهجري"، بغداد، العراق.
25. الزهراني ، د. ضيف الله يحيى ( 1986م). " النفقات و إدارتها في الدولة العباسية"، مكتبة الطالب الجامعي.
26. السبزواري، السيد علي ( 2003م)ج1." الخُمـس"، مطبعة الديواني، بغداد العراق.
27. سرايا ومحمد، د. محمد السيد، د. سمير كامل(2000)." المحاسبة في الوحدات الحكومية والمحاسبة القومية"، دار الجامعة الجديدة للنشر والتوزيع، الإسكندرية، مصر.
28. سند،الشيخ محمد ( 2003م)." ملكية الدولة"، بقلم السيد جعفر الحكيم والشيخ أحمد الماحوزي، دار الغدير للطباعة والنشر والتجليد، قم، إيران.
29. الشرباصي، د. أحمد ( 1977م)ط1 ج3." يسألونك في الدين والحياة"، دار الجيل، بيروت، لبنان.
30. الشيرازي، د. عباس مهدي (1990م)." النظرية المحاسبية"، ذات السلاسل للطباعة والنشر، الكويت.
31. الشيرازي، السيد محمد الحسيني ( 2000م )." الفقه- البيئة"، مؤسسة الوعي الإسلامي، بيروت، لبنان.
32. الصائغ، حنا رزوقي (1976م)." المحاسبة الحكومية والإدارة المالية العامة"، بغداد ، العراق.
33. الصائغ، حنا رزوقي ( 1981م)." المحاسبة الحكومية والإدارة المالية العامة"، بغداد، العراق.
34. الصائغ، حنا رزوقي ( 1989م)." المحاسبة الحكومية والإدارة المالية العامة"،مطبعة الزمان، بغداد، العراق.
35. الصدر، آية الله السيد محمد باقر(قده) ( 1973م)ط4." اقتصـادنا"، دار الفكر للنشر، بيروت، لبنان.
36. طرابزوني، د. أحمد محيي الدين رشاد ( 1994م)ط2." قواعد وأصول المحاسبة الحكومية"، مؤسسة مها، جدة، السعودية.
37. العادلي والعظمة، د. يوسف عوض،د. محمد أحمد ( 1986م) م1." المحاسبة المالية"، منشورات ذات السلاسل، الكويت.
38. العبيدي، د. ماهر موسى(1991)." مبادئ الرقابة المالية"، دار الكتب، مطبعة المعارف، جامعة بغداد، العراق.
39. عفيفي، محمد الصادق (1980م)ج2."المجتمع الإسلامي وفلسفته المالية والاقتصادية"، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر.
40. العلي،صالح أحمد ( 1969م)ط2." التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة"، بغداد، العراق.
41. علي الدين، سليمان ( 1974م)." الملامح الرئيسية للمحاسبة الحكومية"، المنظمة العربية للعلوم الإدارية، عمان، الأردن.
42. عناية، د. غازي حسين(2006)." النظام الضريبي في الفكر المالي الإسلامي", مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، مصر.
43. فريح، عبيد محل ( 1990م)." محاضرات في المحاسبة الحكومية"، دار الحكمة، بغداد، العراق.
44. الفكيكي، توفيق ( 2003م)ط1." الراعي والرعية"، المكتبة الحيدرية، قم، إيران.
45. القرشي، باقر شريف ( 1966م)ط1." نظام الحكم والإدارة في الإسلام" ، النجف الأشرف، العراق.
46. كام، فيرنون (2000م)." النظرية المحاسبية"، ترجمة د. رياض جاسم العبد الله، دار الكتب للطباعة والنشر ، الموصل، العراق،.
47. كلانتري، علي أكبر(1416هـ.ق)ط1." الجزية وأحكامها في الفقه الإسلامي"، مؤسسة النشر الإسلامي،قم،إيران.
48. مؤسسة البلاغ، لجنة التأليف (2000م)ط2ج1." سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وأهل بيته(عليهم السلام)"، مؤسسة الهدى الدولية، إيران.
49. مطر، أ.د. محمد(2004م.)ط1." التأصيل النظري للممارسات المهنية المحاسبية في مجال القياس والعرض والإفصاح"، دار وائل للنشر والتوزيع ، عمان، الأردن.
50. الموسوي، د. محسن باقر ( 1998م)ط1." الإدارة والنظام الإداري عند الإمام علي عليه السلام"، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، بيروت، لبنان.
51. النواوي، عبد الخالق(1973م)ط2." النظام المالي في الإسلام"، منشورات المكتبة العصرية، صيدا، لبنان.
52. هلالي، د. محمد جمال(2002م)."المحاسبة الحكومية"، دار صفاء للنشر والتوزيع،عمان، الأردن.
53. اليوزبكي، د. توفيق سلطان( 1988م)ط3." دراسات في النظم العربية الإسلامية"،المكتبة الوطنية، بغداد، العراق.
سادسا: البحوث والمقالات
1. الأبجي، د. كوثر عبد الفتاح ( 1990م)." الموازنة في الفكر المالي الإسلامي - دراسة تحليلية معاصرة"،الإدارة المالية في الإسلام ، مؤسسة آل البيت ، عمان ، الأردن،ج3،ص ص : 1129- 1218.
2. حكيمي، محمد رضا ( 1421هـ.ق)."العدالة الاقتصادية والاجتماعية في الإسلام"،ترجمة خليل العصامي، تنقيح د. صادق حقيقت،مدخل إلى الفكر السياسي في الإسلام- مجموعة مقالات، مكتب الدراسات الثقافية الدولية ، مؤسسة الهدى للنشر والتوزيع،إيران، ص ص: 309- 321.
3. خرابشة و عدينات، د. عبد، د. محمد ( 1990م)." دور الدولة في الرقابة على النشاط الاقتصادي والحياة الاقتصادية"، الإدارة المالية في الإسلام ، مؤسسة آل البيت ، عمان ، الأردن،ج3،ص ص: 1301- 1333.
4. الخياط، عبد العزيز(1990م)." الزكاة"، الإدارة المالية في الإسلام ، مؤسسة آل البيت ، عمان ، الأردن،ج3،ص ص: 925- 1012.
5. السامرائي، د. حسام الدين(1990م)." مجالات الضرائب على الأرض والإنتاج الزراعي"، الإدارة المالية في الإسلام ، مؤسسة آل البيت ، عمان ، الأردن،ج3،ص ص:767- 845.
6. السعد، د. فاطمة جاسم ( 2005م)." مراجعة لقوانين وأنظمة المحاسبة البيئية الدولية"،العلوم الاقتصادية،كلية الإدارة والاقتصاد،جامعة البصرة،العراق ، العدد(16)،ص ص:125- 142.
7. سلوم، أ. حسن عبد الكريم( 2004م)." تحليل وتقييم النظام المحاسبي الحكومي في العراق- دراسة ميدانية"،الإدارة والاقتصاد، كلية الإدارة والاقتصاد، الجامعة المستنصرية،العراق، العدد(53)،ص ص: 51- 75.
8. سليمان، د. سامي رمضان( 1990م)." مجالات فرض ضرائب جديدة من منطلق إسلامي"، الإدارة المالية في الإسلام ، مؤسسة آل البيت ، عمان ، الأردن،ج3،ص ص: 1013- 1054.
9. شمس الدين، محمد مهدي( 1421هـ.ق)." النظام الإداري في الحكومة الإسلامية"، ترجمة خليل العصامي، تنقيح د. صادق حقيقت،مدخل إلى الفكر السياسي في الإسلام- مجموعة مقالات، مكتب الدراسات الثقافية الدولية ، مؤسسة الهدى للنشر والتوزيع،إيران،ص ص: 349- 374.
10. العاني، أ.د. صلاح نعمان( 2002م)." نحو تأشير ملامح التوازن في الفكر الاقتصادي الإسلامي وأهدافه"، المأمون الجامعة، ، العراق، العدد(9)، ص ص: 81- 100.
11. يحيى، زياد هاشم(2004م)."التأصيل العلمي للنظام المحاسبي في الدولة الإسلامية"، بحوث مستقبلية، كلية الحدباء الجامعة،العراق،العدد( 9)،ص ص : 121- 141.
سابعا: أوراق المؤتمرات والندوات
1. السامرائي، د. فاروق( 1991م)." الرقابة على القطاعين العام والخاص من منظور إسلامي"، ورقة عمل مقدمة إلى ندوة التنمية من منظور إسلامي للفترة من(9- 12 تموز/ 1991)،عمان، الأردن.
2. السامرائي،د. كمال(1987م)." مدخل إلى موضوع الحسبة في الإسلام". ورقة عمل مقدمة إلى ندوة حول الحسبة (1987)،مركز إحياء التراث العلمي العربي، بغداد، العراق.
3. طرابزوني،د. محيي الدين رشاد( 1984م)." النظام المالي الإسلامي"، ورقة عمل مقدمة إلى ندوة النظم الإسلامية للفترة من ( 11- 13 تشرين الثاني/ 1984)، مكتب التربية العربي لدول الخليج،أبو ظبي،الإمارات العربية المتحدة.
4. عبد السلام، د. محمد سعيد(1980م)." دور الفكر المالي والمحاسبي في تطبيق الزكاة"، بحث مقدم إلى المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي (1980)،المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز،المملكة العربية السعودية.
5. عبد الوهاب، د. محمد طاهر( 1984م)." الرقابة الإدارية في النظام الإداري الإسلامي"، ورقة عمل مقدمة إلى ندوة النظم الإسلامية للفترة من ( 11- 13 تشرين الثاني/ 1984)، مكتب التربية العربي لدول الخليج،أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة.
6. الفنجري، د.محمد شوقي( 1980م)." المذهب الاقتصادي في الإسلام- الاقتصاد الإسلامي"، بحث مقدم إلى المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي (1980)،المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز،المملكة العربية السعودية.
8. Ibrahim , Shahul Hameed Bin Hji. Mohamed.' Islamic Accounting - Accounting for the new millennium', Asia Pacific conference 1- Accounting in the new millennium, October 10-12,2001, Kota Bharu.
ثامنا: الرسائل الجامعية
1. الخفاجي، محمود شاكر عبود، منهج النظم الإسلامية بين المؤرخين والفقهاء، رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس معهد التاريخ العربي والتراث العلمي للدراسات العليا، بغداد، العراق 1996م.
2. السعبري، إبراهيم عبد موسى ، المعايير المحاسبية الحكومية- دراسة نظرية وتطبيقية في إحدى الدوائر المطبقة للنظام المحاسبي الحكومي (المؤسسات البلدية في محافظة النجف)، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى - جامعة بغداد ،العراق 2000م.
3. العيساوي، عوض خلف دلف ، الفرضيات والمبادئ والمحددات للإطار الفكري المحاسبي المعاصر في ميزان الشريعة الإسلامية، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى- الجامعة المستنصرية،العراق2003 م.
4. مرشد، عبد العزيز بن محمد، نظام الحسبة في الإسلام- دراسة مقارنة، رسالة ماجستير مقدمة إلى- جامعة محمد بن سعود الإسلامية، المملكة العربية السعودية، 1992م.
5. نعمة، أمل عبد الحسين ، الإفصاح المحاسبي ودوره في اتخاذ القرارات الاستثمارية0 الشركات العراقية كدراسة حالة، رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة البصرة ، العراق 1996م.
تاسعا: الكتب الأجنبية
1. Davidson , Sidney," Handbook Of Modern Accounting", McGraw- Hill, Inc. U.S.A., 1970.
2. Hay & Engstrom, Leon Echo and John H. Engstrom ,"Essentials Of Accounting For Governmental And Not-For Profit Organizations",3rd ed. U.S.A, 1993.
3. Sell & Hay, Mike Sell and Leon E. Hay, "Governmental Accounting", 6th ed. , Congress Catalogue, 1967.
عاشرا: النشرات الأجنبية
1. World Bank Institute, " Intergovernmental Fiscal Relations & Local Management Program- Appendix A : Twelve Accounting Principles", 2005.
أحد عشر: الدوريات الأجنبية
1. Bloom, Robert & Naciri , M.A., " Accounting Standards Setting and Culture: A Comparative Analysis Of the United States, Canada, England, West Germany, Australia, New Zealand, Sweden, Japan, and Switzerland", The International Journal Of Accounting, No. 24,1989:70- 97.
2. Klansy, Edward m. &Williams, James M.," Government Reporting Faces an Overhaul- statement no. 34 require a retooling of the reporting process", Journal Of Accountancy, January 2000.
3. Perera, M.H.B," Towards a Framework to Analyze the Impact of Culture on Accounting ",The International Journal Of Accounting, No. 24,1989:42- 56.
اثني عشر :أوراق مسحوبة من الإنترنت
1. الحميد، د. عبد الرحمن إبراهيم (2006)." توثيق المعاملات المالية في الإسلام", الصحيفة الاقتصادية الإلكترونية، العدد4721، 14/9/2006.
2. يحيى وأيوب،د. زياد هاشم، لقمان محمد(1427هـ)." الرقابة المالية في الإسلام", www.minshawi.com.
1. Ibrahim , Shahul Hameed Bin Hji. Mohamed," from Conventional Accounting To Islamic Accounting- Review of the Development
9. Western Accounting Theory and Its Implications for and Differences of Islamic Accounting", 2002.http// www. iiu. edu.my/ iaw/shahuls
2. Ibrahim , Shahul Hameed Bin Hji. Mohamed," the need for fundamental research in Islamic accounting", 2004. http// www. iiu. edu.my
3. Iwan, Triyuwoneo & Gaffikin, M.," Shari Ate Accounting: An Ethical Constructions Of Accounting Knowledge" 2002. http// www. iiu. edu.my
4. Luder, Klaus," Research in Comparative Governmental Accounting over the last Decade – Achievements and Problems" ,paper to be presented at the 7th CIGAR conference in Valencia on 14 and 15 June , 2001.
5. Rahman , Shadia," Islamic Accounting Standards" ,2002.http:// islamic- accounting
6. Sulaiman ,Maliah ," The Influence of Riba and Zakat on Islamic Accounting", International Islamic University Malaysia, Indonesian Management and Accounting Research, 2004. http// www. iiu. edu.my
7. Tahri, Mohamed r.," The Basic Principles Of Islamic Economy And Their Effects On Accounting Standards-Setting", 2004. http:// islamic- finance. net
8. ZAID, OMAR ABDULLAH ' Accounting Procedures And Recording Procedures In The Early Islamic State', 2003. http// www. iiu edu.my
الباب الثاني
محاسبة الميراث في المذهب المحاسبي الاسلامي
المبحث الاول: مفهوم الإرث في التشريع الإسلامي
المبحث الثاني: أهمية موضوع الإرث في النظام الاقتصادي الإسلامي
المبحث الثالث: توظيف المحاسبة في تطبيق أحكام الشريعة الخاصة بالإرث(الاطروحة الجديدة للبحث)
مقدمة
تميزت الشريعة الإسلامية بابتكار أنظمة مالية لم يسبق لها أن طبقت من قبل، بل وجعلتها فرضاً دينيا أي عبادة كفرض الزكاة والخمس، أو وسيلة لتطبيق أحكام شرعية كموضوع الميراث، فامتازت هذه الأنظمة بمزج روحي ومادي، ولكل من هذه النظم أسلوبه الرياضي والمحاسبي الخاص به، فنرى أن التحديد والقياس والعرض والإفصاح عن الزكاة يحكمه مجموعة من الأسس (القواعد) المستنبطة من مصادر الشريعة الإسلامية أو من مصادر الفكر المحاسبي السائد حتى كانت لا تتعارض معها،التي أهمها قاعدة السنوية (الحولية )،وقاعدة استقلال السنوات المالية،و قاعدة النماء حقيقة أو تقديرا،وقاعدة الزكاة على الإيراد الصافي أو الإجمالي حسب نوع النشاط،و قاعدة تبعية وضم الأموال و قاعدة التقويم على أساس سعر الاستبدال الحالي (القيمة السوقية).
لقد أعطى الإسلام الميراث اهتمامًا كبيرًا، وعمل على تحديد الورثة، أو من لهم الحق في تركة الميت، ليبطل بذلك ما كان يفعله العرب في الجاهلية قبل الإسلام من توريث الرجال دون النساء، والكبار دون الصغار، فجاء الإسلام ليبطل ذلك لما فيه من ظلم وجور، وحدد لكل مستحق في التركة حقه، فقال سبحانه: "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعًا فريضة من الله إن الله كان عليمًا حكيمًا"[النساء: 11].
لقد انفردت المحاسبة الإسلامية بمحاسبات خاصة بها، كمحاسبة الزكاة والخمس ومحاسبة الخراج ومحاسبة الأوقاف ومحاسبة المواريث، حيث ستكون الأخيرة موضوع بحثنا الحالي.
إن محاسبة المواريث من المواضيع التي تبين بصورة واضحة التمازج الروحي والمادي، أي التمازج بين التشريع الإسلامي والتطبيق المحاسبي ، حيث نعتقد إن دور المحاسبة في هذا المجال دور مهم وفعال في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بحسابات الإرث وكيفية قياس الأموال المورثة و تقويمها ومن ثم تقسيمها،وتتسم هذه العملية بكونها تحتاج إلى نظام محاسبي بالغ الدقة والتعقيد، بما يضمن التطبيق الصحيح لأحكام الإرث وحفظ الحقوق المالية للأفراد والمجتمعات.
إن قوانين الإرث في الإسلام من الأحكام الإسلامية الدقيقة والمعقدة حيث خصّص المشرع الإسلامي نسباً متوازنة تكفل عدالة توزيع التركة بشكل يمنع أنواع النزاعات التي عادة ما تحصل بعد وفاة المورّث، والتي تعج بها مجتمعات الشرق والغرب.
لذا فان من أهم أهداف البحث الحالي التركيز على دور المحاسبة المعاصرة في النظام الاقتصادي الإسلامي،بخاصة في مجال تطبيق الأحكام الشرعية المتعلقة بالميراث، وفهم وظيفة المحاسبة المعاصرة باعتبارها محاسبة لخدمة العملاء،فهل تستطيع حقا أن تلبي احتياجات العملاء المتعددة والمختلفة، بخاصة عملائها من الورثة؟
ولغرض توضيح الدور الفعال للمحاسبة في تطبيق أحكام الميراث، سوف نتطرق في البحث للمحاور الآتية:
المبحث الاول: مفهوم الإرث في التشريع الإسلامي
المبحث الثاني: أهمية موضوع الإرث في النظام الاقتصادي الإسلامي
المبحث الثالث: توظيف المحاسبة في تطبيق أحكام الشريعة الخاصة بالإرث
المبحث الأول: مفهوم الإرث في التشريع الإسلامي
أ) تعريف الإرث
الإرث لغة يعني بقية الشيء،والميراث الأمر القديم توارثه الآخر عن الأول، وورّاثة صار إليه ماله بعد موته (المعجم الوجيز، 2005: 11)،.أما معنى الإرث اصطلاحا فهو استحقاق إنسان بموت آخر بنسب أو سبب شيئاً بالأصالة، فالإرث هو نفس الاستحقاق الناتج عن موت إنسان بينه وبين الوارث نسب شرعي أو سبب كذلك، بحيث لا يعتبر فيه شيء آخر كالايصاء، فإن الوصية هي استحقاق إنسان شيئا ما عند موت آخر قد يكون بينهما نسب أو سبب أو لا يكون،لا بمجرد الموت وإنما بسبب أمر آخر هو الإيصاء إليه(المبارك،1417: 13)، والموروث يطلق على المال وكذا على المورث(الحلي،1405: 501).
ب) الفرائض
وهو جمع فريضة مأخوذ من الفرض وهو القطع والتقدير، والفريضة النصيب الذي قدره الشارع للوارث، وتطلق الفرائض على علم الميراث،قال الله تعالى "نصيبا مفروضا" النساء/7، ويقال فرض الثوب قطعها،وليس من الفرض بمعنى الإلزام والإيجاب كما في قوله تعالى"إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد"[ القصص/ 85 ] ،والفريضة في العرف الشرعي هي السهام التي قدرها الله سبحانه في كتابه، كنصيب البنت والبنتين والأم والزوج والزوجة وغيرهما(المبارك،1417: 14). ويطلق مصطلح الفرائض على جميع الميراث ،ولكن إذا أريد بها خصوص السهام الستة المفروضة في كتاب الله تعالى فهي اخص من الميراث، أما التركة، هي ما يتركه الميت من الأموال مطلقًا، مثل الذهب، والنقود، والأراضي والعمارات، ،والوصية شرعا بمعنى العهد إلى الغير ،وهذا الأمر قد يتعلق بتمليك شخص شيئا من ماله،وقد يرجع إلى تسليط في التصرف،وقد يتعلق بفعل آخر كفك ملك بتحرير أو وقف،وقد يرجع إلى أمر يتعلق بنفس الموصي كأمر تجهيزه ودفنه،وقد يتعلق بغير ذلك(الأنصاري، 1415هـ: 23)،والوصية أمر يعرض عند فعله وهي ليست من الأمور اللازمة للميت،فهي متعلقة بفعل العبد فقد يوصي وقد يترك،وليس الأمر في الميراث كذلك،والوصية لا تختص بحالة الموت،لأن لها أحكاما ترجع إلى الحياة ، كالرجوع عنها والزيادة على الثلث،وموت الموصي قبل الموت ونحوها(الإحسائي،2002 ،ج3: 491).
وأصحاب الفرائض: هم الأشخاص الذين جعل الشارع لهم قدرًا معلومًا من التركة وهم اثنا عشر: ثمان من الإناث، وهن الزوجة، والبنت، وبنت الابن، والأخت الشقيقة، والأخت لأب، والأخت لأم، والأم، والجدة الصحيحة. وأربعة من الذكور: هم: الأب، والجد الصحيح، والزوج، والأخ لأم.
ج) موجبات (أسباب) الإرث
أسباب الإرث
موجبات الإرث على نوعين: نسب وسبب.
النسب: وهو الاتصال بالولادة بانتهاء أحدهما إلى الآخر،أما بلا واسطة كالأب والابن، أو بواسطة واحدة كالجد والحفيد، أو بأكثر من واسطة كابن الابن، أو بانتهائهما إلى ثالث بلا واسطة كالإخوة أو بواسطة كأبناء الإخوة، أو بأكثر من واسطة كأبناء الأعمام(المبارك،1417: 14)، وعليه فالنسب له ثلاث طبقات(مراتب) (المرجع الديني السيد السيستاني،1427: 315):
الطبقة الأولى: الأبوان المتصلان دون الأجداد والجدات، والأولاد وان نزلوا ذكورا وإناثا.
الطبقة الثانية: الأجداد والجدات وان علوا، والإخوة والأخوات وأولادهم وان نزلوا.
الطبقة الثالثة: الأعمام والأخوال وان علوا.
السبب : وهو الاتصال بغير الولادة مما يوجب الإرث كالزوجية والولاء،وسمي سببا في مقابل النسب (المبارك،1417: 18) والسبب قسمان (المرجع الديني السيد السيستاني،1427 :316 )
1) الزوجية:وتشتمل على الزوج والزوجة، ويرثان مع مراتب النسب الثلاث المتقدمة، ومع مراتب الولاء التالية.
2) الولاء وفيه ثلاث طبقات: ولاء العتق[82]، وولاء ضامن الجريرة[83]، وولاء الإمامة[84].
د) أقسام الوارث
ينقسم الوارث بحسب نوعية الإرث على خمسة أقسام (السيد الخوئي،2003: 349):
1. من يرث بالفرض لا غير دائما، وهو الزوجة فان لها الربع مع عدم الولد والثمن معه ولا يرد[85] عليها أبدا.
2. من يرث بالفرض دائما وربما يرث معه بالرد كالأم فان لها السدس مع الولد والثلث مع عدمه إذا لم يكن حاجب وربما يرد عليها زائدا على الفرض.
3. من يرث بالفرض تارة، وبالقرابة أخرى كالأب فانه يرث بالفرض مع وجود الولد وبالقرابة مع عدمه.
4. من لا يرث إلا بالقرابة كالابن والإخوة للأبوين أو للأب والجد والأعمام والأخوال.
5. من لا يرث بالفرض ولا بالقرابة بل يرث بالولاء كالمعتق وضامن الجريرة، والإمام.
ويعرض الشكل أدناه ملخصا بهذه الأقسام
هـ) أنواع الفروض ( السهام)
الفرض هو السهم المقدر في الكتاب المجيد وهو ستة أنواع(الخوئي،1424هـ: 350)،النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس ، أما أصحاب هذه الفروض فهم كما يعرضهم الجدول أدناه:
أنواع الفروض
أصحاب الفروض
النصف
وهو للبنت الواحدة والأخت للأبوين أو للأب فقط إذا لم يكن معها أخ، وللزوج مع عدم الولد للزوج وإن نزل.
الربع
وهو للزوج مع الولد للزوجة وإن نزل، وللزوجة مع عدم الولد للزوج وإن نزل، فإن كانت واحدة اختصت به وإلا فهو لهن بالسوية.
الثمن
وهو للزوجة مع الولد للزوج وإن نزل فإن كانت واحدة اختصت به، وإلا فهو لهن بالسوية.
الثلثان
وهو للبنتين فصاعدا مع عدم الابن المساوي وللأختين فصاعدا للأبوين أو للأب فقط مع عدم الأخ.
الثلث
وهو سهم الأم مع عدم الولد وإن نزل وعدم الأخوة، وللأخ والأخت من الأم مع التعدد.
السدس
وهو سهم كل واحد من الأبوين مع الولد وإن نزل وللأم مع الأخوة للأبوين، وللأخ الواحد من الأم والأخت الواحدة منها.
المبحث الثاني: أهمية موضوع الإرث في النظام الاقتصادي الإسلامي
علم المواريث، أو كما يسمى علم الفرائض من العلوم المهمة في التشريع الإسلامي وله مكانته العالية ومرتبته الرفيعة، ويقصد به، الأحكام والقواعد والمعايير التي يعرف بها نصيب كل مستحق في التركة. فهوأيضا من المواضيع المهمة نسبياً للبشر، فالمال محبوب بالنسبة لهم، تهفو إليه نفوسهم وترنو إليه أبصارهم وقد وصف الله ذلك في نفوس البشر حيث قال :"وتحبون المال حباً جما" وقال :"المال والبنون زينة الحياة الدنيا"، لذا يكون التفصيل والدقة في مسائل الإرث وسيلة لوقف زحف الطامعين ،وضمان لأخذ حق المستضعفين وحقن الدماء ودفع النزاعات والخصومات،وذلك من خلال معرفة أن أحكام الإرث وما يتعلق بتوزيعه هي من عند الله تعالى، فلا يطمع أحد في مال أخيه أو أخته أو مال أبيه أو ابنه ، فلكل منهم حقه ونصيبه الذي قرره الحكيم العليم ، فيرضى عن ذلك قلبا وسلوكا،فإذا لم يرض عن ذلك قلبا ألزم بقبوله سلوكا من قبل الشرع والقانون.
و تظهر أهمية موضوع الإرث من عدة أبعاد أهمها :
أولا: إنه نظام رباني ، تجلى في تكفل الله تعالى بتحديد الورثة وأنصبتهم وشروط استحقاقهم لها .
ثانيا:أن أحكام الإرث ترتبط مباشرة بحياة الأفراد والمجتمعات ، فمعظم فئات المجتمع - سواء أكانوا أفراداً(رجالا أم نساء أم أطفالا) أم جماعات أم مؤسسات أم حتى دولة – تكون عرضة للتعامل مع تلك الأحكام ،فهو نظام شامل وعادل تجلى في كون الإرث مخصص لأهل الميت و قرابته كيفما كانوا، كما أنه نظام عادل لا يحرم الوارث من ارثه بسبب جنسه , فهو للمرأة كما للطفل كما للرجل وقد وضعه الشارع المقدس لغرض الحفاظ على الحقوق المالية لتلك الفئات وحمايتها من الطامعين واستغلالهم، وضبط الثروة للفرد والمجتمع وتقسيمها تقسيما عادلا، يتلاءم وطبيعة الحياة الإنسانية بما لهم من خصوصيات واحتياجات،فهو نظام متوازن يحترم خصائص المجتمع بكافة طبقاته.
لقد كانت الشعوب الأخرى بما فيها العرب في الجاهلية يستعبدون الضعفاء من النساء والولدان ويستغلونهم استغلالا سيئا يتسم بالظلم والتعسف ويحرمونهم حقوقهم المشروعة فلا يجعلون لهم شيئا من ميراث آبائهم أو أقاربهم ولا يعطونهم حق التصرف في أنفسهم وأموالهم ،فالقوي هو الوارث والمسيطر(المبارك،1417: 5)، وكان التوارث في الجاهلية يقوم على أساس الحلف والمعاهدة، وأقروا على ذلك في صدر الإسلام،وهو ما يدل عليه قوله تعالى:" والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم"، ثم نسخ ذلك إلى التوارث بالهجرة والأخوة كما في الحديث، ثم نسخ بالرحم والقرابة وناسخه قوله تعالى:" وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله" ( الإحسائي،2002،ج3: 491).
لقد ألغى الإسلام كل النظم الاستبدادية، وسن أحكام الإرث ليضمن للضعيف حقه ويحفظ له كرامته ويساوي بينه وبين القوي، وبين الكبير والصغير، وبين الرجل والمرأة، فلكل واحد منهم نصيبا مفروضا وحقا محددا في كتاب الله المجيد.
وثالثا: إن أحكام الإرث من العلوم التي ورد عن النبي(ص) الحث على تعلمها وتعليمها لأهميتها والحاجة إليها في حياة الأفراد، فقد ورد عن النبي (ص)قوله:" تعلموا الفرائض" ( الإحسائي ج3: 491) ، كما جاء في السنن الكبرى للبيهقي (ج6: 209) في باب الحث على تعليم الفرائض قول النبي(ص):" تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنها نصف العلم،وهو ينسى وهو أول شيء ينتزع من أمتي"، فهذا الحديث فيه حث عظيم على تعلم هذا العلم وذلك لعدة أسباب منها (الإحسائي،2002،ج3: 491) : إن النبي (ص)أمر بتعليمه وتعلمه، وهو دليل على اشتمال المأمور به على المصلحة،كما أنه عليه السلام اخبر بأنه ينسى وفيه تخويف على ترك العلم به،لأنه يجوز ارتفاعه عند إرادة تعلمه فلا يجد طالبه السبيل إلى ذلك،فالمقتضى المبادرة والمسارعة في تعلمه قبل أن يفوت بالنسيان فيقع الندم والحسرة في عدم تعلمه، فضلا عن ذلك فإن النبي(ص) جعله نصف العلم مع قلة حجمه وسهولة تناوله، ويدل ذلك على أن الإرث علم له أصول وقواعد ، وأنه من العلوم التي ينبغي تعلمها وتعليمها للناس، ويتبين ذلك من خلال ما يحتاج إلى العلم في مجال الفرائض وهي ستة أشياء(القمي،1379هـ.ش.: 389):
1. ما به يستحق الميراث،
2. ما به يمنع،
3. مقادير سهام الوارث،
4. ترتبهم في الاستحقاق،
5. تفصيل أحكامهم مع الانفراد والاجتماع
6. كيفية القسمة عليهم
فضلا عن ذلك، فإن أحكام الميراث عامة شاملة لجميع الطبقات، ولا يخلو فرد من الناس غالبا من عروض هذه الحالات والأحكام عليه، بل قد يتكرر بالنسبة إليهم مرارا(المبارك، 1417: 7).
ورابعا:فمن المعروف أن تركة من لا وارث له تعود ملكيتها إلى الحكومة الشرعية، فهي أحد موارد الأنفال ولذا فهي تعتبر أحد الموارد المالية للدولة الإسلامية (سند، 2003: 116).
وخامسا: أن التوارث المادي يعتبر من الأساليب والطرق التي وضعها الشارع المقدس لتفتيت الثروات ، وتداولها وعدم حصرها في فئة معينة دون غيرها، ويرى الشيخ القرشي[86]:" أن الإسلام بذلك يحسم الرأسمالية الفردية، ولا يبق ظلا للثراء العريض عند شخص، وذلك بتوزيعه للثروة على الوارث، فإن كانت واسعة فتقسم على ورثتهم من بعدهم، وبذلك تتلاشى الرأسمالية الفردية مهما كانت سعتها". فالتوارث يعمل على تسهيل تداول الأموال بتفتيت الثروات ومنع تكدسها لدى فئة محدودة من خلال توسيع قاعدة المستفيدين منها وذلك بهدف وقاية الاقتصاد الإسلامي من التضخم المالي، وضمان مستوى المعيشة الملائم للفرد ،وتحقيق العدالة الاجتماعية في إعطاء كل ذي حق حقه وبمساعدة فئات مختلفة بالمجتمع بتوزيع التركات على ذوي القرابة ومنع ظلم أصحاب الإرث أو تفضيل احدهم على الآخر،
ويظهر من ذلك كله، أهمية موضوع الإرث في الاقتصاد فهو يشكل ثروة وموردا لا يستهان به ، ويتطلب ذلك ضرورة تنظيم الأموال المورثة وتقويمها والمحاسبة عليها باستخدام نظام محاسبي يتلاءم ومتطلبات أحكام الإرث.
المبحث الثالث: توظيف المحاسبة في تطبيق أحكام الشريعة الخاصة بالإرث(الاطروحة الجديدة)
أصبحت المحاسبة اليوم تحتل موقعا مهما في عملية توفير المعلومات ذات الطبيعة الاجتما- اقتصادية، حيث إن نظم المعلومات المحاسبية تعالج الكثير من الأدلة الميدانية للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية البشرية فضلا عن تنظيمها.
وقد مرت بيئة المحاسبة بتغيرات ضخمة خلال العقود الأربعة السابقة، وبمعدل تغير متسارع، ويلاحظ أن الكثير من القواعد والإجراءات المحاسبية المعمول بها الآن لم تكن متحققة أو موجودة قبل خمسين سنة مضت، ومنذ منتصف السبعينيات ، أو في نهايتها من القرن الماضي والمحاسبة قد تحركت بعيدا عن دورها التقليدي المتمثل أساسا بمسك الدفاتر والأعمال المرتبطة بها كإعداد الموازنات والحسابات الختامية، واتجهت بصورة أكبر نحو أساس وظيفي ديناميكي يركز على دورها الاجتماعي.
إن التطورات المتسارعة والهامة التي يعيشها العالم في مجال الاقتصاد والتي دفعت ثورة التكنولوجيا والمعلومات والاتصالات الهائلة إلى مدى بعيد أملت علينا تحديات صعبة لابد من التصدي لها لاستيعاب تلك المتغيرات والتفاعل معها كي لا نكون غرباء عن هذا العالم, إذ أصبح علم المحاسبة أحد العلوم المالية التي لابد من تفاعله مع ما يحدث وسوف يحدث ،فالمحاسبة لم تعد قاصرة على تدوين وتبويب وعرض المعلومات المالية التي حدثت في الماضي فقط, بل أصبحت أداة اقتصادية تقرأ الواقع على ضوء المستجدات الحاضرة وتستشرف آفاق المستقبل، وفي هذه الفقرة نبين دور المحاسبة في تطبيق الأحكام الشرعية للإرث ،من حيث كونها-أي المحاسبة- نظاما للمعلومات،وكذلك من حيث كونها أداة أو أسلوبا فنيا تستخدم تطبيق الأحكام الشرعية للإرث.
أ) المحاسبة نظام للمعلومات
يعتقد أن النظرية المحاسبية تعتمد على القوى الاقتصادية والاجتماعية المهيمنة التي تعمل في ضمنها المحاسبة، ويلاحظ ذلك من التغير البيئي الذي نقل تركيز المصالح بعيدا عن نظرية الدخل باتجاه نظرية القرار((Glautier&Underdown,1974:25، فأصبحت المحاسبة نتيجة لذلك دالة قياس وتوصيل لعملية اتخاذ القرار. وقد أشارت جمعية المحاسبة الأمريكية عام 1975 لهذا التغير عندما قدمت تعريفا معاصرا للمحاسبة على أنها نظام لتوفير المعلومات التي يمكن أن تكون ذات فائدة في اتخاذ القرارات الاقتصادية والتي إذا تم توفيرها على هذا النحو سوف تحقق مزيدا من الرفاهية الاجتماعية لذا كان من الضروري تنظيم المواقف الاجتماعية المتغيرة مع تطورات تكنولوجيا المعلومات والطرق النوعية والعلوم السلوكية،لتؤثر جميعها بصورة فعالة ومهمة على البيئة التي تعمل بها المحاسبة اليوم،كما أصبح من الضروري الاهتمام باستخدام أساليب وأدوات القياس المحاسبي ليس للأداء الاقتصادي فحسب ،بل أيضا للأداء الاجتماعي (النقيب،2004: 256) وذلك لخدمة المجتمع بكافة مؤسساته وطبقاته وطوائفه وأفراده من اجل حمايته من تلوث البيئة ومكافحة الأخطار الاجتماعية التي منها ما يرتبط بموضوعنا الحالي ،فمثلا -في أغلب الأحيان في العرف الاجتماعي- تمنع البنت المتزوجة من حقها في الإرث وذلك بالطبع يوجد الحقد والكراهية وعدم تحقيق العدالة الاجتماعية . أيضا للإداء الاجتماعي وذلك ليم
إن تلك التغيرات قد أدت جميعها إلى خلق الحاجة لإعادة تقييم المحاسبة بما يناسب دورها الجديد، فظهرت محاسبة التكاليف والمحاسبة الإدارية ،والمحاسبة الزراعية والمحاسبة الدولية ومحاسبة البترول،....، و انسجاما مع هدف المحاسبة المعاصر في كونها أداة لخدمة المجتمع والتي لها علاقة غير مباشرة بنشاط الوحدة الاقتصادية ظهرت محاسبة المسؤولية الاجتماعية ومحاسبة البيئة ومحاسبة الموارد البشرية ومحاسبة العولمة والخصخصة والمحاسبة السلوكية ومحاسبة الإنتاجية ومحاسبة خدمة العملاء (النقيب،2004: 256) و أيضا محاسبة الزكاة ومحاسبة الأوقاف ومحاسبة المواريث.
لذا يمكن القول إن محاسبة المواريث من المواضيع ذات البعد الاجتما-اقتصادي لكونها ترتبط بتنظيم المال المورث وتوزيعه بين الفئات المستحقة له، بما يضمن إعطاء كل ذي حق حقه،وتجنب النزاعات والخصومات أو هضم الحقوق المالية ،التي تنتج بسبب عدم توزيع المال المورث وفقا للأحكام الشرعية التي جاء بها الإسلام الحنيف. وقد تكون محاسبة المواريث من المواضيع الحديثة نسبيا في الفكر المالي والمحاسبي ،إلا أنه من المواضيع القديمة ،والتي سبق البحث بها من قبل الفقهاء وعلماء الدين،أما الإحاطة بجوانب الموضوع كافة وإرساء قواعده المتكاملة ،بخاصة بما يتعلق بالجانب المحاسبي منه فما يزال بحاجة إلى مزيد من الدراسة ،نظرا لأهمية موضوع الإرث واستقلال أحكامه وورودها بصورة صريحة وواضحة في كتاب الله العزيز.
ويراد بمحاسبة المواريث ، المحاسبة المتعلقة باحتساب الميراث وكيفية تحديد حصص الورثة وتقويمها وتقسيمها وفق السهام المقررة لهم في الكتاب المجيد فهي تهدف إلى تطبيق أحكام شرعية صريحة وواضحة ،كما في محاسبة الزكاة-على سبيل المثال- التي يراد بها أداء فريضة تعبدية ومالية في الوقت نفسه.
وعليه يمكن القول إن محاسبة المواريث نظام محاسبي متخصص يوفر معلومات مالية ذات طبيعة خاصة توجه وتقدم أساسا إلى نوع خاص من المستخدمين لتلك المعلومات ألا وهم الورثة.
كما يمكن القول أن أحكام الميراث المتعلقة بكيفية توزيع المال وتقسيمه بين الورثة من الأساليب المهمة التي أقرها التشريع الإسلامي لأجل وقاية الاقتصاد الإسلامي من التضخم المالي ،ولأجل تفتيت الثروات وعدم تركيزها في فئة معينة من المجتمع ، ولا يخفى على المطلع على تلك الأحكام مدى تعقد مسائل الإرث وتشعبها وتشتتها.
من جانب آخر،فإننا نشهد تطورات وتعقيدات عدة في قطاعات الحياة المختلفة التي نعيشها اليوم،فضلا عن استحداث صور عديدة للمال،ومصدر الميراث لا يخلو أن يكون من اثنين الكسب والعمل،وتطور الحياة قد استحدثت معه ألوان في صور المال وفي ظروف كسبه،وبخاصة في عصرنا الحالي عصر الانترنت والاتصالات الالكترونية والتجارة الالكترونية،فحتى المعلومات أصبحت لها قيمة وهي سلعة تباع وتشترى، وهنا يظهر دور المحاسبة المعاصر كنظام للمعلومات تقدم خدماتها للعملاء ولعدة جهات، فيقوم هذا النظام بقياس[87] مختلف الأموال المقتناة والمكتسبة للوحدة المحاسبية،.وتقويمها والإفصاح عنها، والجدير بالذكر القول إن إدارة الجودة الشاملة التي تعد من الأساليب الإدارية الحديثة تركز على خدمة العملاء بجميع فئاتهم أو مسمياتهم ويعد هذا المنهج الأكثر شيوعا في التطبيق لتحقيق التحسينات المستمرة في إدارة الأعمال والتي تتجسد في التركيز على خدمة العملاء القدامى والجدد، ومن هؤلاء العملاء الورثة الذين هم بحاجة إلى خدمة مميزة من حيث تزويدهم بمعلومات ملائمة ترتبط بالمال المورث لهم.
إذن يكون دور المحاسبة في مجال الميراث متعلقا باجتهاد أهل الخبرة بالأمور الفنية المتعلقة بالميراث،وهي التنظيم الأمثل لمسائل الميراث في جوانب الحياة المختلفة من كيفية قياس الأموال المورثة وتقويمها وتقسيمها وفق الحصص المقررة في الكتاب العزيز،وكذلك إبداء الرأي الفني المحاسبي حول الألوان والأشكال المستحدثة في صور المال.
ب) المحاسبة أداة لتطبيق الأحكام الشرعية للإرث
للمحاسبة علاقة وثيقة بالقوانين والتعليمات المالية الصادرة في دولة ما ،فهناك ارتباط كبير وقوي فيما بينهما ،بحيث تأخذ العلاقة بين المحاسبة والقانون أكثر من اتجاه، وذلك منذ بداية تأسيس الوحدة الاقتصادية وبداية ممارستها لأعمالها وتطبيقها النظام المحاسبي الملائم ،والتعامل معها على أساس كونها وحدة قانونية يحكمها نظام داخلي وقانون أساسي ينظم شؤونها وممارسة أعمالها وأنشطتها ،فضلا عن تطبيق اللوائح والنظم المالية والإدارية (النقيب،2006: 233)، وتتضح العلاقة بصورة اكبر في المحاسبة الحكومية التي تقوم أهدافها ومبادئها واجرءاتها ومعاييرها على التوافق والتطابق التام مع القوانين والتعليمات المالية الصادرة في الدولة، لذا ينبغي على المحاسب أثناء تطبيقه لمراحل الدورة المحاسبية أن يكون ملما بالكثير من الجوانب القانونية ،التي أهمها قانون التجارة وقانون الشركات وتوزيع الأرباح والضرائب ،وقوانين مزاولة المهنة وتنظيمها ،والنظام المحاسبي الموحد ،والنظام المحاسبي الحكومي....الخ،إن إلمام المحاسب بهذه القوانين والتعليمات يضمن اتخاذ الإجراءات المحاسبية والقانونية الصحيحة ،ومن ثم نضمن أو نحاول قدر الإمكان تجنب حالات الغش والتلاعب ،وهضم الحقوق أو تضييعها،التي قد تحصل بسبب عدم التطبيق الصحيح لتلك القوانين والتشريعات .
من هذه المقدمة البسيطة، يمكن أن نلاحظ أن للمحاسبة دور مهم وفعال في التطبيق الصحيح لأحكام الإرث ، التي هي أيضا عبارة عن قوانين سماوية تكون ملزمة للأفراد والمجتمعات التي تختص بها ،وهي المجتمعات الإسلامية، فهناك حالات مختلفة يظهر فيها دور المحاسبة واضحا وجليا في التطبيق الصحيح والدقيق لأحكام الإرث، من خلال تقسيم الإرث ،وتقويم المال المورث، وكيفية تقسيمه ،فضلا عن تحديد أنواع الأموال المورثة المنقولة وغير المنقولة وما يرتبط بكل نوع منها ،من شروط ومتطلبات وإجراءات لتوريثه، ويمكن توضيح ذلك كالآتي:-
1) وظيفة المحاسبة في تقسيم الإرث وتوزيعه
يمكن تصور دور المحاسبة في هذا المجال من خلال الحالات المختلفة المرتبطة بتأسيس الشركة التضامنية (شركة الأشخاص)وحلها وتصفيتها،فعند تأسيس الشركة هناك متطلبات وإجراءات معينة تحدد وتطبق، كالإجراءات التحضيرية لعقد الاتفاقية بين الشركاء من حيث تحديد حصة كل شريك من أموال الشركة ،وتحديد المبلغ الأصلي الذي يشارك به الشريك، وتحديد نسبة الأرباح التي يحصل عليها، والمخصصات الممنوحة له، والامتيازات...الخ،ويظهر دور "محاسبة المواريث" جليا في حالة موت أحد الشركاء،الذي يعتبر من الأسباب الرئيسية لحل الشركة وتصفيتها[88] ،وذلك يعني بيع موجودات الشركة وتحصيل ديونها وتسديد التزاماتها المترتبة عليها تمهيدا لوضع الصافي بين أيدي الشركاء لتوزيعه بينهم بحسب النسب المتفق عليها ،وتبدأ عملية التصفية بتعيين مصفي يقوم بجميع أعمال التصفية،ويتم تعيينه من قبل الشركاء ،ومن أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها المصفي أن يكون على قدر من المعرفة المحاسبية وبالطرق المتعارف عليها بكيفية التصفية(المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني،السعودية )[89].
فضلا عن ذلك فإن الوصية التي تقدم على الميراث ،تعتبر عقدا لا إشكال ولا خلاف على ذلك ،فهي عقدا في الجملة بين الموصي والموصى إليه، حيث يتعلق الغرض بخصوص الموصي إليه(الأنصاري،1415: 25)، ويتضمن ذلك الالتزام بما جاء فيعقد الوصية قانونا،وتنفيذ ما جاء به ،والذي يتعلق في جزء كبير منه في كيفية تقسيم المال المورث أو تسليمه إلى الموصى إليه.ويذكر الشيخ الأنصاري(قده)(1415: 197):"إن التركة لا تنتقل إلى ورثة الميت مع اشتغال ذمته بدين يحيط بها،فلا خلاف في إن التركة لا تدخل في ملك الورثة ولا الغرماء بل تبقى موقوفة على قضاء الدين"، وذلك أشبه ما يكون بتصفية الشركة التضامنية.
إن شركات الأشخاص عادة ما يكون مؤسسوها من عائلة واحدة ، أو على الأقل تربطهم صلات رحم وقربى، أو صداقة ومعرفة، فنتصور الحالة عندما يموت أحد الشركاء وله ورثة في نفس الشركة، وتتطور الحالة وتتعقد إذا كان هؤلاء الورثة من طبقات مختلفة، وبخاصة إذا كانوا من ذوي الطبقة الثالثة، فالحالة هذه تتطلب أولا تصفية أموال الشركة وتحديد حصة الشريك المتوفى منها، وتسليمها إلى ورثته، فإذا كان من ضمن الشركاء وريث أو أكثر للشريك المتوفى ، فينبغي تعيين حصصهم وتقويمها وتسليمها إليهم ، وهذه الإجراءات من ضمن عمل محاسب الشركة أو من يعين كمصفي للشركة، ويعتمد المحاسب أو مصفي الشركة في هذه الحالة على التقسيم الشرعي المقنن من المحكمة[90] أو الحاكم الشرعي[91].
ولكن يجدر التنويه إلى أن هناك اختلافات جوهرية فيما بين أحكام الإرث وقانون شركة التضامن، أهمها أن الإرث يتعلق بتطبيق أحكام شرعية خاصة بالمسلمين ، تتمثل في صورة تصرف مالي وتتسم بالدوام والصواب ، ولا تتبدل أحكام الله فيها بتبدل الظروف الزمانية والمكانية، وتسعى إلى تحقيق أهداف ثابتة روحية ومادية، في حين شركة التضامن كيان مالي يخضع لقوانين وضعية قد تصيب وقد تخطئ ،ولا تتسم بالدوام والاستمرار،فهي من فكر البشر تتبدل أحكامه بتبدل الظروف الزمانية والمكانية،وتتحقق به أساسا أهداف مادية بحتة،لذا فإن الفكر في الإرث يتأثر بداية بالأحكام الجوهرية الثابتة للعقيدة والمعاملات ، فيصطبغ بها ويكون دوره إزاءها مجرد التأمل والدراسة والفهم والاستنباط كما أمرنا الخالق الحكيم، ويبين الجدول أدناه مقارنة فيما بين أحكام الإرث وقانون شركات الأشخاص:
مقارنة بين أحكام الإرث وقانون(متطلبات) شركات الأشخاص
المجال
أحكام الإرث
قانون شركات الأشخاص
التأسيس(سبب التكوين)
نسب وسبب
وعقد كالوصية
عقد ( اتفاق)بين طرفين أو أكثر،وقد يوجد بسبب إرث ضامن الجريرة
الأهداف
تحقيق أهداف ثابتة روحية ومادية أهمها تقسيم الأموال المورثة تقسيما عادلا يضمن إعطاء كل ذي حق حقه
تحقيق أهداف مادية
كيفية تحديد الحقوق والحصص
تحديد نصيب الورثة من المال المورث وفق سهام(حصص) محددة في الكتاب العزيز وهي ستة:النصف والربع والثمن والثلث والثلثان والسدس
تحديد حصص الشركاء وفق الاتفاق فيما بينهم في عقد تأسيس الشركة
المخصصات والامتيازات
ثابتة ومحددة بحسب نوعية الإرث وطبقاته الثلاثة
تحدد وتتبدل بحسب الاتفاق بين الشركاء
ماهيتها ومصدرها
أحكام شرعية ثابتة ومستمرة لكل زمان ومكان
قوانين وضعية متبدلة ومتغيرة وغير ثابتة
يتضح من ذلك أن دور الفكر المحاسبي في الإرث يكون في تنظيم الأساليب ،وتخطيط المسالك الموصلة إلى تطبيق أحكام الإرث في ظل مبادئ مالية ومحاسبية معاصرة لا تتعارض مع أحكام الإسلام، و من واجب المحاسب المسلم متابعة إبراز جميع جوانب المعرفة للمحاسبة الإسلامية،نظرا لحاجة مجتمع الأعمال الإسلامي لمرجع محاسبي يتفق مع شريعة الله ،ويكون عونا لهم على أداء أعمالهم دون مخالفات شرعية.
ويمكن القول، إن دور المحاسبة في تطبيق أحكام الإرث يتمثل في الأمور الآتية:-
أ- التنظيم العلمي الأمثل لأحكام الإرث ، عند تطبيق تلك الأحكام بالاعتماد على المبادئ والمفاهيم والقواعد والإجراءات المحاسبية. والتنظيم المحاسبي (Accounting Regulation ) محاولة لوضع إطار عام للممارسات المحاسبية وذلك بتنظيم هذه الممارسات ووضع ضوابط وحلول للمشاكل التي قد تواجه التطبيق العملي لها.كما يخدم هذا التنظيم ، في إيجاد دليل عمل و مرجعية مقبولة ومعتمدة بين المحاسبين والأطراف ذات العلاقة تعزز من موضوعية المخرجات المحاسبية وتوجد اتساق عام في الممارسات المحاسبية داخل الدولة.
ب- متابعة المسائل المستحدثة في صور المال المورث، ومدى خضوعها وتطابقها مع أحكام الميراث بخاصة.
ج- تأكيد أصالة المسلمين الفكرية وشخصيتهم التشريعية المستقلة المتميزة ، حيث إن موضوع الميراث وما يرتبط به من أحكام تشريعية، من المواضيع الفريدة التي تميز بها التشريع الإسلامي دون غيره من الشرائع السماوية الأخرى، فضلا عن التأكيد على إن الاقتصاد الإسلامي ،نظام قابل للتطبيق في كل عصر ،يعالج فيه مشاكل الإنسان في الحياة العامة بجميع أصنافها وألوانها.
2) وظيفة المحاسبة في كيفية تقويم المال فيما ترث الزوجة منه:
من الحالات التي نعتقد بالدور الفعال للمحاسبة في تطبيقها،هي عملية قياس تقويم المال فيما ترث الزوجة منه، من حيث حصر وتحديد نوعية الأموال التي يمكن أن ترثها الزوجة وقياسها وتقويمها ، وتسليمها(أي تقسيمها وتوزيعها) لها.
لقد جاء في تقرير برنامج (خطة العمل العالمية للنصف الثاني من عقد الأمم المتحدة للمرأة العالمية عام 1980) أن المرأة تمثل 50% من سكان العالم الراشدين وثلث قوة العمل الرسمية وهي تعمل تقريباً ثلثي ساعات العمل ولا تتلقى إلا عشر الدخل العالمي، وتمتلك أقل من واحد بالمائة من الممتلكات في العالم)، بينما مقدار أو نسبة ما تملكه المرأة المسلمة عن طريق الإرث يمثل 33ر33 بالمائة، ويبين ذلك عظمة الإسلام ،وحكمة الخالق عز شأنه وعدله في وضعه لأحكام الإرث الشاملة لجميع طبقات المجتمع دون تمييز،فالمرأة لها نصيب معلوم في الإرث كأخيها الرجل ،وذلك على الرغم من أن الرجل من واجبه الإنفاق على من في حوزته من النساء، وكذلك مطالب بتوفير مسكن للزوجية وتجهيزه، ومطالب بدفع المهر للزوجة، ومطالب بالإنفاق عليها، وعلى الأولاد، وهذا كله يستغرق جانبًا من ماله قد يفوق بكثير ذلك النصف الذي فضل به على الأنثى، فمال الرجل عرضة للنقصان، ومال المرأة موضع للزيادة لأنها ليست ملزمة بشيء من ذلك.
وارث الزوجة يتعلق بنصيبها من المال المنقول فحسب-سواء أكان عينا أم قيمة-، كالسفن والحيوانات والآلات ونحوها، ولا ترث من الأرض لا عينا ولا قيمة، أما ما تحتويه الأرض من بناء وأشجار وآلات وغيرها ففيه تفصيل ، يتطلب فرز الأموال الموروثة ، وتحديد أنواعها(المنقول وغير المقول) فلكل منها أحكاما خاصة به.
فبالنسبة للأحكام المتعلقة بالأرض، فالزوجة ليس لها نصيب في الأرض، أي لا ترث الأرض في كل الأحوال لا قيمة ولا عينا، ولكن قد توجد مباني مشيدة على هذه الأرض، أو أشجار وزروع مغروسة(مثمرة أم غير مثمرة) ، أو آلات ومعدات ومكائن، فهنا ترث الزوجة نصيها من قيمة المباني المشيدة ،والأشجار المغروسة،والآلات، ويكون الحكم في هذه الحالة هو أن تأخذ الزوجة نصيبها من قيمة تلك الأشياء مالا وليس عينا وعليها أن تقبل بذلك،وفي رأينا يظهر الدور المحاسبي في هذا المجال من خلال الآتي
أولا) تحديد نوع الأموال المنقولة وغير المنقولة الموجودة على الأرض وحصرها، ثم قياسها وتقويمها
حيث يتم اعتماد القيمة العادلة أساسا للتقويم ، فقد ذكر المرجع الديني السيد السيستاني (دام ظله)(2006: 351):" إن طريقة التقويم فيما ترث الزوجة من قيمته- أي تأخذ حصتها نقدا- هي ما تعارف عليه المقومين في تقويم مثل الدار والبستان عند البيع من تقويم البناء أو الشجر بما هو هو"، أي كما هو موجود بهيئته الحالية على تلك الأرض غير منقوض أو مقطوع، وعلى أساس القيمة العادلة للبناء أو الشجر يتم استنباط(تعيين) قيمة ما ترثه الزوجة من تلك الأموال.
و تحدد القيمة العادلة ليوم الدفع، أي تاريخ أو موعد دفع قيمة تلك الأموال، لا يوم الموت، سواء أكانت تلك القيمة قد ازدادت أم نقصت عن يوم الوفاة، فالعبرة بيوم الدفع، فلو زادت قيمة البناء-مثلا- على قيمته حين الموت ترث منها،ولو نقصت نقص من نصيبها(السيستاني:2006: 353).
والقيمة العادلة معيار محاسبي جديد ينظر بشكل رئيسي في الكلفة التاريخية في الميزانية العامة التي تعبر عن الحقائق الاقتصادية القائمة ومدى تمكين مستخدمي البيانات المالية من تقويم الوضع المالي ونتائج الأعمال والتدفقات النقدية وهي تمثل القيمة التي يمكن بموجبها تبادل أصل أو تسوية التزام بين أطراف كل منهم لديه الرغبة في التبادل وعلى بينة من الحقائق و يتعاملان بإرادة حرة .
ويؤكد التشريع الإسلامي على استخدام القيمة السوقية (أو القيمة العادلة) في اغلب المعاملات المالية، كما هو الحال في تقويم الأموال الزكوية والخمسية،فضلا عن الأموال المورثة.، فالفكر المحاسبي الإسلامي يقوم على تقويم العروض في نهاية الحول لأغراض حساب زكاة المال على قاعدة سعر الاستبدال الحالي, يُروى عن جابر بن زيد أنه قال في عَرْض يراد به التجارة: (قَوِّمْهُ بنحو من ثمنه يوم حَلَّتْ الزكاة ثم أخرج زكاته), ويعني هذا القول بأنه يجب تقويم العروض لأغراض زكاة المال على أساس الأسعار يوم حلول زكاة المال, كما أيد هذا المبدأ جمهور الفقهاء.., وعن ميمون بن مهران قال: (إذا حلت عليك الزكاة فانظر ما كان عندك من نقد أو عروض للبيع فقومه قيمة النقد وما كان من دين في ملاءة فاحسبه ثم اطرح منه ما كان عليك من الدين ثم زك ما بقي).
ويذكر ملوك(2007) نقلا عن السيد نعيم سابا الخوري رئيس الاتحاد العام للمحاسبين القانونيين والمراجعين العرب ورئيس جمعية المحاسبين القانونيين الأردنية في محاضرة للأخير عن" القيمة العادلة والإبلاغ المالي" قوله :"أن الهدف الأول للبيانات المالية هو تقديم معلومات مفيدة ومناسبة للأطياف العديدة في المجتمع والتي تعتمد على البيانات المالية في اتخاذ قراراتها الاقتصادية, ولما كان يفترض في البيانات المالية أن تعبر بصدق عن الوضع المالي ونتائج الأعمال والتدفقات النقدية بشكل يمكن من خلالها محاسبة الإدارة عن الأموال الموكولة إليها واتخاذ القرارات المناسبة, فأنه والحالة هذه لابد من إظهار الموجودات والمطلوبات بالقيمة العادلة لأنها أكثر نفعاً لمستخدمي البيانات المالية من الكلفة التاريخية, ويختص هذا النوع المحاسبي بالأدوات المالية والاستثمارات العقارية والموجودات الزراعية فضلا عن المطلوبات التأمينية.
ثانيا) تحديد أنواع الأموال التي يمكن للزوجة أن ترث من عينها أو قيمتها:
يمكن للزوجة أن ترث من الأموال المنقولة قيمة أو عينا، ويتطلب ذلك من المحاسب تحديد أنواع الأموال المنقولة المورثة وتقويمها، الذي يكون على أساس القيمة العادلة أيضا، كما يتطلب من المحاسب تحديد أنواع معينة من الأموال غير المنقولة التي قد يطلب من الزوجة أن تأخذ حصتها منها قيمة وليس عينا، وفي ذلك تفصيل وكالآتي:-
1. بالنسبة للقنوات والعيون والآبار، تكون حصة الزوجة من هذه الأموال فقط ما تحتويه من آلات، وهنا يمكن إجبارها على أخذ حصتها قيمة لا عيناً.
2. بالنسبة للماء الموجود في تلك القنوات والعيون والآبار، يمكن للزوجة أن تأخذ حصتها عينا ولا تجبر على أخذ قيمته.
3. في حالة عدم اكتمال حفر أو بناء تلك القنوات والعيون والآبار، فهنا ترث الزوجة حصتها قيمة لا عينا.
4. لو لم يرغب الوارث في دفع القيمة للزوجة عن الشجر والبناء على سبيل المثال،فدفع لها حصتها عينا-العين نفسها- ،كانت شريكة فيها كسائر الورثة ولا يجوز لها المطالبة بالقيمة، ويتطلب ذلك التدخل المحاسبي من حيث تحديد تلك الأموال وحصرها كما ونوعا وقيمة، ودفع حصة الزوجة منها(الربع أو الثمن) مع الأخذ بالاعتبار وجود الورثة الآخرين.
5. في حالة التأخر في دفع قيمة إرث الزوجة مما ترث من قيمته دون عينه- كالمباني والأشجار ونحوها- فحصل له زيادة عينية، كما لو كان فسيلا مغروساُ فنما وصار شجراً، أو شجرة مزروعة فأثمرت في فترة التأخير، فحصة الزوجة في هذه الحالة طبقا لرأي السيد السيستاني (دام ظله)(2006: 350): تبقى كما هي مقومة بالقيمة السوقية(أو العادلة) للتاريخ الأصلي ليوم الدفع ، ولا تأخذ شيئا من الزيادة العينية الحاصلة خلال فترة التأخير.
6. في حالة تعرض بعض الأموال الموجودة على الأرض للهدم كالأبنية، أو تعرضت للكسر والقلع كالأشجار قبل حصول الوفاة- قبل تاريخ الموت- ، وبقيت على حالتها تلك إلى حين الموت، ففي هذه الحالة لا تجبر الزوجة على أخذ حصتها من الأموال المذكورة نقداً، ويجوز لها المطالبة بأخذ حصتها عينا كالمال المنقول. أما إذا كان البناء معرضا للهدم والشجر معرضا للكسر، إلا أنه لم ينهدم ولم ينكسر بعد إلى حين تاريخ الوفاة، فهنا تجبر الزوجة على أخذ نصيبها منه نقدا.
7. فيما يخص إرث الزوجة المتعلق بالزرع، فالزوجة تستحق من ثمره عيناً أو قيمة، فتأخذ حصتها من عين ثمرة النخل والشجر والزرع الموجودة حال موت الزوج، ولا تجبر على قبول حصتها قيمة، ويتطلب ذلك استخدام الأساليب المحاسبية الملائمة لتخمين تلك الزروع وتقدير كميتها وتقويم أسعارها وفقا لأنواعها ومدى جودتها.وأساس القياس يكون أيضا باستخدام القيمة العادلة للمنتج الزراعي ،وقد ورد في معيار المحاسبة المصري الخاص بالزراعة استخدام القيمة العادلة أساسا لتقويم المنتج الزراعي فقد ذكر المعيار ما نصه :"يقاس المنتج الزراعي المحصود من أصل حيوي عند نقطة الحصاد بالقيمة العادلة ناقصاً تكاليف نقطة البيع المقدرة، ويعتبر هذا القياس هو التكلفة في تاريخ تطبيق معيار المحاسبة المصري رقم (2) " المخزون" أو أي معيار آخر مطبق"(معيار المحاسبة المصري رقم 35/زراعة).
ويلخص الجدول في أدناه الأحكام المختلفة المتعلقة بالأموال التي يمكن للزوجة أن ترثها:
أنواع الأموال
استلام الإرث(عينا أم نقدا)
أساس التقويم
تاريخ التقويم
الأرض
لا ترث من الأرض لا عينا ولا قيمة
-
-
غير المنقولة: كالقنوات والآبار والعيون والمباني
ترثها قيمة وليس عيناً
القيمة العادلة
وقت الدفع
المنقولة: كالآلات والمكائن والحيوانات[92] ونحوها
ترثها عينا أو قيمة
القيمة العادلة
وقت الدفع
الماء الموجود في القنوات والآبار والعيون
ترثه عيناً ولا تجبر على أخذ قيمته
-
-
ثمار النخيل والشجر والزرع
ترثه عينا ولا تجبرعلى قبول قيمته
القيمة العادلة
وقت الخرص
خلاصة الباب
تناول هذا الباب موضوعا ،نعتقد بكونه من المواضيع ذات السمة الاجتما اقتصادية في المحاسبة ،وهو محاسبة الميراث في المذهب المحاسبي الاسلامي ، فالمعروف إن الإرث والميراث من المواضيع التي ترتبط مباشرة بحياة الأفراد والمجتمعات، ويكاد لا يخلو بيت في المجتمع ولا فئة فيه دون أن تتأثر بأحكامه سواء أكان التأثر بطريقة مباشرة أم غير مباشرة، كما إن الأموال المورثة تشكل موردا ماليا واقتصاديا ،فضلا عن ذلك فان في تطبيق أحكام الإرث بالصورة الشرعية تحقيقا لأهداف روحية ومادية سامية أهمها تحقيق العدالة الاجتماعية و إعطاء كل ذي حق حقه،ودفع التنازعات والخصومات والأحقاد التي قد تنشا بسبب عدم التوزيع العادل لتلك الأموال.
وقد أوضحنا أن الإرث يمكن اعتباره علما ذا قواعد وأصول ينبغي تعلمها وتعليمها وفق الحديث الشريف للنبي (ص) في باب الحث على تعليم الفرائض قوله:" تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنها نصف العلم،وهو ينسى وهو أول شيء ينتزع من أمتي"، فهذا الحديث فيه حث عظيم على تعلم هذا العلم ،وإنه علم له أصول وقواعد ، ويتبين ذلك من خلال ما يحتاج إلى العلم في مجال الفرائض ،التي أهمها: تحديد الأموال المورثة، و موانع الإرث، و مقادير سهام الوارث،وكيفية ترتيب استحقاق الورثة في الإرث، وتفصيل أحكامهم مع الانفراد والاجتماع ،وكيفية القسمة عليهم.
إذن يمكن الاستنتاج إن للمحاسبة علاقة ودورا مهما وفعالا في تطبيق أحكام الإرث باعتبارها نظام يقدم المعلومات المفيدة والملائمة لاتخاذ قرارا ت اقتصادية واجتماعية عدة ،وكذلك باعتبارها نظام فني يتضمن مجموعة إجراءات وأساليب وأدوات لقياس الأموال والإفصاح عنها ، وغني عن القول بان النظام المحاسبي يعتبر العصب الرئيس لنظام المعلومات المغذي لكل القرارات الاقتصادية كتقويم أصول والتزامات الشركات .
وفي ظل تنظيم محاسبي متكامل داخل الدولة يمكن ضمان الحصول على معلومات محاسبية تتميز بالدقة والموضوعية والقابلية للمقارنة وبالتالي الاعتماد عليها في ترشيد أي قرار.
وفيما يتعلق بالإرث بخاصة فان دور المحاسبة يتمثل بالاتي:
· التنظيم العلمي الأمثل لأحكام الإرث ، عند تطبيق تلك الأحكام بالاعتماد على المبادئ والمفاهيم والقواعد والإجراءات المحاسبية. ويمكن القول إن ذلك يبين بوضوح أهمية إيجاد التنظيم المحاسبي الملائم للمجتمع الإسلامي والذي يعزز من ثقة المعلومات المحاسبية ويحمي المصالح العامة للمواطنين.
· متابعة المسائل المستحدثة في صور المال المورث، ومدى خضوعها وتطابقها مع أحكام الميراث بخاصة.
· تأكيد أصالة المسلمين الفكرية وشخصيتهم التشريعية المستقلة المتميزة ، حيث إن موضوع الميراث وما يرتبط به من أحكام تشريعية، من المواضيع الفريدة التي تميز بها التشريع الإسلامي دون غيره من الشرائع السماوية الأخرى، فضلا عن التأكيد على إن الاقتصاد الإسلامي ،نظام قابل للتطبيق في كل عصر ،يعالج فيه مشاكل الإنسان في الحياة العامة بجميع أصنافها وألوانها.
ويمكن تلخيص دور المحاسبة في تطبيق متطلبات وأحكام الإرث، وما يرتبط به من قسمة المال المورث وقياسه وتقويمه وتوزيعه بالجدول الآتي:
متطلبات وأحكام وقواعد علم الميراث
دور المحاسبة في التطبيق
ما به يستحق الميراث
تحديد الورثة المستحقين للميراث وفق أسبابه :النسب والسبب(علاقتهم ودرجة القربى بالمتوفى)
ما به يمنع
تعيين المحددات الشرعية في حالة وجودها المانعة من حصول أحد الورثة على إرثه(الكفر والقتل والرق)
مقادير سهام الوارث
تقسيم حصص الورثة وفق السهام المقررة لهم في الكتاب العزيز وهي ستة(النصف والربع والثلث والثلثان والثمن والسدس)
ترتبهم في الاستحقاق
تنظيم وترتيب الورثة بحسب نوعية الإرث، يتطلب ذلك تقسيمهم وفق الأنواع الخمسة للوارث، ومن ثم يكون تحديد تقديم وتأخير الورثة وفق طبقاتهم ونوعية الإرث
تفصيل أحكامهم مع الانفراد والاجتماع
فرز وتحليل كل حالة ميراث على حدة،لمعرفة أنواع وأحوال الطبقات الوارثة في حالة وجودها منفردة ، أو مجتمعة مع طبقات أخرى، وتحديد مدى استحقاقهم للميراث من عدمه
كيفية القسمة عليهم
تعيين النصيب المستحق لكل وارث من التركة، بحسب ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله يتطلب ذلك كالآتي :
· حصر الأموال المورثة، وتحديدها بنوعيها المنقولة وغير المنقولة،
· وقياسها وتقويمها
· واستخدام النسب والمعدلات الحسابية والمحاسبية الملائمة لتقسيم المال المورث بين الورثة وفق الحصص المقررة لكل فئة أو طبقة
· وتقسيم الميراث وتوزيعه
المراجع والمصادر للباب الثاني
1) القرآن الكريم
2) المعجم الوجيز، 2005، مجمع اللغة العربية، مصر.
3) الإحسائي،ابن أبي جمهور عوالي اللئالئ ج3 ، برنامج المعجم الفقهي الكومبيوتري، الإصدار الثالث، 2002.
4) الأنصاري،الشيخ مرتضى(1415هـ)" الوصايا والمواريث" لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم،مطبعة باقري،ط1،قم،إيران.
5) الحسني، د. صادق (2006) ،"المحاسبة في شركات الأشخاص"، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، مصر.
6) الحلي، يحيى بن سعيد(1405هـ)"الجامع للشرائع"، تحقيق وتخريج جمع من الفضلاء، مؤسسة سيد الشهداء العلمية، قم ، إيران.
7) الخوئي ،السيد أبو القاسم الموسوي(2003 ) "منهاج الصالحين المعاملات"، فتاوى مرجع المسلمين زعيم الحوزة العلمية السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي،مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، قم إيران.
8) سند،الشيخ محمد (2003 ) ،"ملكية الدولة"، بقلم السيد جعفر الحكيم والشيخ أحمد الماحوزي، دار الغدير للطباعة والنشر والتجليد،قم ،إيران.
9) السنن الكبرى للبيهقي ج6: برنامج المعجم الفقهي الكومبيوتري، الإصدار الثالث، 2002.
10) السيستاني، المرجع الديني السيد علي الحسيني(1427) "منهاج الصالحين/ المعاملات "ج3، فتاوى سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني(دام ظله) ، دار المؤرخ العربي، بيروت، لبنان.
11) القمي، الشيخ علي بن محمد بن محمد السبزواري(1379هـ.ش.)" جامع الخلاف والوفاق بين الإمامية وبين أئمة الحجاز والعراق"، تحقيق الشيخ حسين الحسني البيرجندي،ط1، مطبعة باسدار إسلام،قم، إيران
12) المبارك،علي (1417هـ)، "الميراث أصوله ومسائله،ج1،ط1، المطبعة العلمية، البحرين.
13) النقيب، د.كمال عبد العزيز(2004 )، " نظرية المحاسبة"،ط1، دار وائل للنشر، عمان، الأردن.
14) Glautier&Underdown(1974),"Accounting in a Changing Environment", Pitman Publishing U.S.A .
15)مقالات متنوعة ومتعددة عن موضوع الميراث تم سحبها من الانترنت كالآتي:
· الميراث بين الرجل والمرأة في الإسلام، شبكة التربية الإسلامية الشاملة
· نظام الإرث في الإسلام: مقاصده -أركانه-شروطه-موانعه, شبكة التربية الإسلامية الشاملة
· معاملات إسلامية،شبكة موسوعة الأسرة المسلمة .
· نظام الإرث في الإسلام، موسوعة الأسرة المسلمة.
· قواعد (أسس) محاسبة الزكاة وصرفها،www.al-islam.com
· مرشد ملوك ( 30/7/2007) (لأن المحاسبة التقليدية لم تعد تقدم جواباً شافياً ... ( القيمة العادلة) ذراع طويل لتعميق الشفافية).صحيفة الثورة، مؤسسة الوحدة للطباعة والنشر، سوريا.
· معيار المحاسبة المصري رقم (35) الخاص بالزراعة.
· محاسبة شركات الأشخاص، المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، الإدارة العامة لتصميم وتطوير المناهج، المملكة العربية السعودية.
تم بحمد الله
الباب الثالث
محاسبة الاوقاف في المذهب المحاسبي الاسلامي
المبحث الأول: الوقف في التشريع الاسلامي
المبحث الثاني: محاسبة الاوقاف
المبحث الثالث: تطوير نظام محاسبة الأوقاف(الاطروحة الجديدة للبحث)
مقدمة:
الوقف من المؤسسات التي لعبت دوراً مميزا في تاريخ الحضارة الإسلامية،حيث يعتبر الوقف احد الخطوط الاقتصادية المهمة في النظرية الإسلامية التي تساهم مساهمة أساسية في توزيع الثروة وعدم تراكمها من جهة ، وتنظيم المصروفات العامة وتوجيهها نحو تحقيق المصالح العامة من جهة أخرى، كما إن موارد الأوقاف تمثل مصدرا مهما من مصادر الإنفاق العام في الدولة ورعاية الفقراء والضعفاء.
لقد كان نظام الوقف هو الممول الرئيس لمرافق التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية،ومنشآت الدفاع والأمن ومؤسسات الفكر والثقافة،ولعل الشاهد على ذلك العديد من المؤسسات والمرافق الشامخة التي نشأت تحت كنف نظام الوقف
إن الإسلام كان سباقا في تنظيم فضيلة البر والإحسان بشكل متكامل فريد ما بين الإحسان الفردي والإحسان المؤسسي، وبين الفرض والتطوع، وبأساليب وآليات متنوعة مثل الزكاة والخمس والصدقات التطوعية الأخرى فضلا عن الوقف موضوع بحثنا الحالي.
فقد تميز التشريع الإسلامي فيما يتعلق بالأوقاف بوضع الأحكام والقواعد والأساليب المنظمة لعملية الوقف وبشكل تفصيلي إلى درجة التوسع في أهداف الوقف وأنواعه ودوره الاجتماعي.
لذا نعتقد من الضروري في وقتنا المعاصر أن يكون هناك تفعيل لهذه الآليات في العالم الإسلامي بخاصة في ظل العولمة وما تنطوي عليه من تقليص لدور الدولة وانتشار نظام رأسمالية السوق الحرة الذي ثبت فشله في تحقيق العدالة الاجتماعية، الأمر الذي يلقي العبء الأكبر على المنظمات غير الحكومية للقيام بدورها في الرعاية الاجتماعية، بخاصة من خلال نظام الوقف الذي يقوم على التبرع بمال في صورة تكوين رأسمالي ثابت يولد منافع و إيرادات تستخدم وتصرف في وجوه الخير والإحسان، فضلا على وجود نظام محاسبي ومالي سليم ينظم عملية الوقف بمراحلها المختلفة .
وعليه فان موضوع الباب الحالي يحاول تسليط الأضواء على أهمية الوقف في التشريع الإسلامي ودوره في الاقتصاد الإسلامي وتحقيق العدالة الاجتماعية من جهة، ومن جهة أخرى أهمية تنظيم الأموال الموقوفة ووضع نظام محاسبي ملائم ينظم ويدير هذه الفضيلة المهمة في المجتمع الإسلامي ،وبالاستناد إلى المصادر الأساسية في التشريع الإسلامي، ولتحقيق موضوع البحث وأهدافه سيتضمن الباب المباحث الآتية:
المبحث الأول: الوقف في التشريع الاسلامي
المبحث الثاني: محاسبة الاوقاف
المبحث الثالث: تطوير نظام محاسبة الأوقاف(الاطروحة الجديدة للبحث)
المبحث الاول: الوقف في التشريع الإسلامي
سنتناول في هذا المبحث الوقف في التشريع الإسلامي واهم الأحكام الشرعية المتصلة به، فضلا عن أهمية الوقف في المجتمع وأنواعه.
أولا: التأصيل الشرعي للوقف
الوقف لغة الحبس ومعنى الحبس المنع من التصرف بالبيع والهبة ونحوهما [93]، الحُبُسُ جمع الحَبِيس يقع على كل شيء وقفه صاحبه وقفاً محرّماً لا يورث ولا يباع من أَرض ونخل وكرم ومُسْتَغَلٍّ يُحَبَّسُ أَصله وقفاً مؤبداً وتُسَبَّلُ ثمرته[94]، أي يترك أصله ويجعل ثمره في سبيل الخير.
أما معنى الوقف فقهيا فهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة[95] ،فالوقف يقوم على التصدق بمال[96] قابل للبقاء والاستمرار والاستفادة بمنافعه[97] المتولدة دوريا في وجه من وجوه البر أو الخير.إذن فالوقف صدقة جارية مستمرة العوائد على الجهة الموقوف عليها[98].
لقد وردت نصوص عدة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة تحث على الإحسان والإنفاق سواء أكان الإحسان الفردي أم الإحسان المؤسسي، و الإحسان الفرضي أم التطوعي وبأساليب وآليات متنوعة كالزكاة والخمس والوقف والصدقات الأخرى،فمن الآيات الشريفة التي تفيد بعموم الإنفاق قوله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض"[99] ،وقوله تعالى:"لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون"[100]، ومن الحديث الشريف قول الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم:" إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له"[101] والصدقة الجارية محمولة على الوقف عند العلماء كما ذكرنا قبل قليل.
وقد روي عن الإمام الرضا(ع) أن رسول الله (ص) قد وقف الحيطان السبعة وهي :"الدلال"و "العواف" و " الحسنى" و "الصافية" و " ما لأم إبراهيم" و " المنبت" و " برقة"[102]، وقد وقف أمير المؤمنين علي عليه السلام ماله في وصية كتبها بشأن ذلك بعد انصرافه من صفين فقال(ع):"... ويشترط على الذي يجعله إليه أن يترك المال على أصوله ،وينفق من ثمره حيث أمر به وهدي له..."[103]، كما روي عن الإمام الباقر إن فاطمة عليها السلام قد أوقفت أموالها وجعلت الإمام علي وصيا عليها.
والأموال التي تصلح للوقف عند الفقهاء فهي العين التي يمكن الانتفاع بها مدة معتدا بها مع بقائها، فلا يصح وقف الأطعمة والخضر والفواكه ونحوها مما لا نفع فيه إلا بإتلاف عينه ولا وقف الورد والريحان ونحوهما للشم مما لا يبقى إلا لفترة قصيرة[104]، ومن الأمثلة على تلك الأموال الأصول الثابتة سواء أكان للإنسان دخل في إيجادها كالآلات والمكائن والمباني، أم ذات مصدر طبيعي كالأراضي والأشجار ، فالأرض أصل وله غلة (زرع) والشجر أصل وله غلة(الثمار)، وشرعا (لا يتحقق الوقف بمجرد النية بل لابد من إنشائه بلفظ ، ك"وقفت" و"حبست"ونحوهما من الألفاظ الدالة عليه ولو بمعونة القرائن)[105].
لذا فإن لفظتي الوقف أو الحبس تعبران عن المعنى ذاته وهو التصدق بمال قابل للبقاء والاستمرار والاستفادة بمنافعه المتولدة دورياً في وجه من وجوه البر والخير،مع التأكيد على إن الدافع الأساس للوقف هو من أجل التقرب إلى الله تعالى وطلب رضاه. ويشمل الوقف (الأصول الثابتة) كالعقارات والمزارع وغيرها، ويشمل (الأصول المنقولة) كالنقود والأسهم وغيرها.
ويختلف الوقف عن الصدقة في أن الصدقة ينتهي عطاؤها بإنفاقها، أما الوقف فيستمر العين المحبوس في الإنفاق في أوجه الخير حتى بعد الوفاة .
وهناك مصطلحات أخرى مشابهة للوقف مستخدمة بخاصة في الدول الغربية مثل: ( endowment ) إذ يقصد به التبرع من فرد أو مؤسسة بالأموال أو الممتلكات أو أي مصدر دائم للدخل الذي يستخدم لصالح جمعية خيرية أو كلية أو مستشفى أو أي مؤسسة أخرى ،و(trust, foundation) وهي كلها تدور حول معنى الخير والإحسان بشكل عام ، إلا إن مصطلح endowment ومعناه اللغوي (الوقف) هو الأقرب في معناه إلى مفهوم الوقف الإسلامي [106]، إذ يبقى اختلاف رئيس بين المفهوم الغربي والمفهوم الإسلامي للوقف ، حيث إن الأخير يهدف أساساً إلى التقرب إلى الله تعالى .
ثانيا: أهمية الوقف وأنواعه
لاشك في أن للوقف أهميته ودوره الفعال في تقوية نسيج المجتمع الإسلامي لكونه يجسد عمقا إنسانيا كبيرا وتجليا جميلا لإرادة الخير في نفسية المسلم،بحيث يمكن – من خلال الوقف – أن تندمج النفس الإنسانية بالمجتمع وتتحرر من آفة حب التملك والأنانية ، وذلك بسد حاجات الآخرين وإغاثتهم وإخراجهم من ضيق الحوج إلى سعة الاكتفاء المادي والمعنوي، وهو بذلك يجسد مبدأ التكافل الاجتماعي الذي يسعى التشريع الإسلامي إلى ترسيخه في المجتمع وتفعيله.
من جانب آخر،تعتبر الأوقاف من الأركان الاقتصادية المهمة في الاقتصاد الإسلامي،والتي تساهم مساهمة فعالة في توزيع الثروة وعدم تراكمها فضلا عن تنظيم عملية صرف الأموال وتوجيهها نحو خدمة المصالح العامة[107].
إذ يمكن أن يعبر الوقف عن استثمار للأموال في شكل أصول رأسمالية إنتاجية، تنتج المنافع والخيرات والإيرادات التي تستهلك في المستقبل سواء أكان هذا الاستهلاك جماعيا كوقف المساجد والمدارس، أم استهلاكا فردياً كتلك التي توزع على الفقراء والمساكين أو على الذرية،وهو بذلك يوفر نماذج فاعلة من صيغ التأمين الاجتماعي كما في الوقف الذري مثلا ،فالادخار الوقفي للأفراد الذين يرغبون في تأمين ذريتهم من بعدهم يحقق أحسن أنواع التأمين على الحياة لصالح الذرية، وهي وثيقة تأمين ليس لجيل واحد بل للأجيال المتعاقبة.
إن إنشاء وقف إسلامي هو أشبه ما يكون بإنشاء مؤسسة اقتصادية ذات وجود دائم فهو عملية تتضمن الاستثمار للمستقبل والبناء للثروة الإنتاجية من اجل الأجيال القادمة لتوزيع خيراتها في المستقبل على شكل منافع وخدمات أو إيرادات وعوائد[108]
ووفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، فإن الوقف من الأمور التي يلتزم بها المسلمون، والحكومة الإسلامية تمنح فيه الصلاحيات للواقف أن يضع شروطه الخاصة، ويوجه الصرف فيه بالطريقة المناسبة التي يراها[109].
وقد ميزت الشريعة الإسلامية بين ثلاثة أنواع من الوقف بحسب الأغراض التي أنشأ من أجلها :
· الوقف الديني، وهو لتخصيص الأموال لأهداف العبادة بمعناها الخاص مثل أماكن الصلاة والعبادة كالمساجد والكنائس والمعابد، وهذا النوع من الوقف معروف وموجود لدى جميع الحضارات في العالم.
· الوقف الخيري، وهو ما يخصص من أموال منقولة وغير منقولة لوجوه الخير والبر المتنوعة كبناء المستشفيات والمدارس وإنشاء ورعاية المراكز الثقافية والاجتماعية والتعليمية في المجتمع.
· الوقف الذري(الخاص)،وهو ما يخصص من أموال يعين أولاد الواقف وذريته على زيادة دخولهم وإيراداتهم المستقبلية.
ويمكن أن نجد ضمن كل من الأنواع الثلاثة السابقة مجموعتين من الأموال الوقفية:
1. الأموال الوقفية التي تستعمل بنفسها في غرض الوقف، كالمسجد بمبناه ومفروشاته، والمستشفى بعقاره وتجهيزاته، والمسكن المخصص للذرية بما فيه من أثاث.
2. الأموال الاستثمارية التي تخصص عوائدها أو إيراداتها أو ثمراتها لتنفق على الغرض الوقفي.
وعليه فإن للوقف مجالات كثيرة ومتعددة منها :
· الوقف بإنشاء المساجد ورعايتها والقيام بشؤونها وتزويدها بالمصاحف.
· الوقف على الجهاد في سبيل الله.
· الوقف على توزيع الكسوة للفقراء والأرامل والمحتاجين.
· الوقف على المكتبات العامة كإنشائها وإيقاف الكتب الشرعية بها.
· إنشاء المدارس العلمية التي تكفل مجانية التعليم لأبناء المسلمين.
· حفر الآبار وإجراء الماء.
· الأوقاف على الدعاة والوعاظ.
· الوقف على نشر دعوة التوحيد وتبليغ الإسلام؛ وذلك بطبع الكتب والأشرطة وتوزيعها.
· إقامة مراكز للمهتدين الجدد.
· بناء مراكز الأيتام ورعايتهم والعناية بهم.
· الوقف على تطوير البحوث المفيدة والنافعة.
· الوقف على جماعات تحفيظ القرآن الكريم التي نفع الله بها أبناء المسلمين.
· الوقف على مدارس تحفيظ القرآن النسائية.
· الأوقاف على الدعوة على شبكة المعلومات (الإنترنت).
و كانت أوائل الوقفيات في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته رضي الله عنهم وكانت تشمل المساجد والمزارع وغيرها.، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو ل من قام بالوقف كما لاحظنا في الحديث المروي عن الإمام الرضا(ع).
وفي العصر الأموي،كثرت الأوقاف نظراً لاتساع الفتوحات الإسلامية التي بلغت مشارف الصين شرقاً، وحدود فرنسا غرباً وأنشئت إدارة خاصة للإشراف على الأوقاف، وخضعت إدارة الأوقاف لإشراف السلطة القضائية مباشرة، وكانت مستقلة عن السلطة التنفيذية،وفي العصر العباسي ازداد التوسع في إنشاء الأوقاف، وكان يتولى ديوانها من يطلق عليه( صدر الوقف )، وشملت مصارف ريع الوقف الأوقاف الحضارية المدنية كالمستشفيات والمكتبات ودور الترجمة ومعاهد التعليم وغيرها،و في عصر المماليك اتسعت الأوقاف وكثرت كثرة ملحوظة واتسع نطاقها وأنشئت ثلاثة دواوين للإدارة والإشراف على الأوقاف هي :
1. ديوان لأحباس المساجد.
2. ديوان لأحباس الحرمين الشريفين وجهات البر المختلفة.
3. ديوان للأوقاف الأهلية.
ويبين الشكل أدناه الهيكل التنظيمي لديوان الأوقاف في عصر المماليك:
الناظر
رئيس الديوان
المتولي المشارف
المستوفي(المعين)
الأمين النائب الكاتب الجهبذ الضامن العامل الماسح الدليل النا الخازن الحاشر الحائز
و في العصر العثماني اعتنى سلاطين العثمانيين بالأوقاف بدرجة ملحوظة وخاصة عند نساء بني عثمان، وتوسعت مصارف ريع الوقف لتشمل كليات الطب والخدمات الطبية لمستشفيات قائمة، مواكبة للتطور والتقدم العلمي في العصور الحديثة.[110]
وقد ظهرت مسميات لوظائف مرتبطة بتنظيم وإدارة الأوقاف الإسلامية ،مثل الناظر وهو الشخص الذي كان يتولى رئاسة ديوان الأحباس(الأوقاف)،والمتولي وهو الشخص الذي يلي الناظر في السلم الوظيفي ،والمستوفي وهو في مصطلحنا المعاصر بمعنى مراجع أو مدقق خارجي.
أما في العصر الحاضر،فقد أولت كثير من الدول الإسلامية اهتماماً بالأوقاف في مجالات شتى، كما أنشأت كثير منها وزارات خاصة بالأوقاف أو إدارات خاصة تعنى بشؤونها وأمورها .
المبحث الثاني: محاسبة الأوقاف
في المبحث الحالي ،سيتم التطرق إلى تاريخ محاسبة الأوقاف وتطورها في الدولة الإسلامية، والتعرف على أهم المشكلات المتعلقة بإدارة وتنظيم الأوقاف، ومن ثم نحاول تقديم نموذج لمحاسبة الأوقاف في العراق.
أولا: محاسبة الأوقاف في الدولة الإسلامية
إن البر والإحسان بالعموم موجود منذ القدم ، وقد عرفته الحضارات والأديان على تعددها وتنوعها، وذكر قبل قليل ، إن التأسيس العلمي والعملي للوقف في الإسلام كان في عهد القائد الأول للدولة الإسلامية النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقد وردت نصوص عديدة في الكتاب والسنة المطهرة تدل على مشروعية الوقف، ذكرنا بعضها -في أولا من المبحث الأول – قبل قليل، ووقف النبي الأكرم صلى الله عليه وآله للحيطان السبعة ما هو إلا تطبيق فعلي لتلك النصوص الشريفة، فكان صلى الله عليه وآله المتولي الأول لإدارة الوقف في الإسلام، وتلي النبي المسلمون في وقف بعض من أموالهم .
وكانت إدارة الأوقاف مسندة إلى من يعينه الواقف سواء أكان هو نفسه أو شخصا آخر يعينه الواقف وبحسب شروط الأخير،ولم تكن هناك رقابة على هذا الشخص من قبل الدولة، وبداية كان يطلق عليه متولي الوقف، ثم ظهر مصطلح ناظر الوقف ، فالأصل في إدارة الأوقاف أنها تكون للنظّار والمتولين الذي يعينهم الواقفون، وإلا فإن ولاية الأوقاف تكون للقاضي بحكم الولاية العامة،لذا لم يكن في صدر الدولة الإسلامية ديوان للأوقاف أو للأحباس وإنما ظهر ذلك في العقد الثاني من القرن الثاني للهجرة حيث قامت الدولة بالتدخل والإشراف على الأوقاف عن طريق القضاء[111] .
ويمكن أن نلاحظ إن موضوع الوقف من الأمور البارزة والمهمة في عموم الحياة الاجتماعية والنظام الاقتصادي للدولة الإسلامية،وقد تناولت هذا الموضوع الرسائل الواردة عن الإمام المهدي(عج) في غيبته الصغرى المعروفة "بالتوقيع"، ففيما ورد في احد تلك الرسائل الشريفة ومن ضمن عدة فقرات كان آخرها:" ....وأما ما سألت عنه من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة ويسلمها من قيِم يقوم بها ويعمرها ويؤدي من دخلها وخراجها ومئونتها ،ويجعل ما يبقى من الدخل لناحيتنا،فان ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيما عليها، إنما لا يجوز ذلك لغيره..."[112]
أما أسلوب محاسبة الأوقاف ،فكانت تتم كل فترة محددة وكان يتم إعداد الحسابات عن إيرادات الوقف المختلفة سواء أكان يتم تحصيلها شهريا أم سنويا أم بصورة موسمية،وبالنسبة لمراجعة وتدقيق الحسابات فكان يتم ذلك لإجمالي الإيرادات الوقفية ولجميع أنواعها ،ثم يلي ذلك مراجعة وتدقيق توزيع الإيرادات على مستحقيها وفقا لشروط الواقف ووفقا للمستندات الموثقة والمؤيدة بالشهود[113] .
ثانيا: الإطار العام لمحاسبة الأوقاف
يهتم البحث الحالي بمناقشة قضية محاسبية مهمة تتعلق بموضوع الأوقاف من حيث المحاسبة والمساءلة عن الأموال الوقفية والمتولين لتلك الأموال .
يثار الجدل غالبا في موضوع الأوقاف بالخصوص فيما يتعلق بالأوقاف الاستثمارية،وكيفية إدارتها وتنظيمها والمحاسبة والمساءلة عنها، وقد حدد قحف ثلاثة نماذج يمكن تمييزها في إدارة الأوقاف الاستثمارية في الدول الإسلامية وهي[114]: الإدارة الحكومية المباشرة، والإدارة الذرية المستقلة من قبل نظار الوقف ومتوليه، والإدارة الذرية تحت إشراف القضاء ، كما إن هناك أسلوبين حديثين في إدارة الأموال حددهما قحف بالتجربة السودانية والتجربة الكويتية[115]. وأيا كان الأسلوب المستخدم في إدارة الأوقاف ، فإن نجاح هذا التنظيم أو ذاك إنما يعتمد على قدرته على تحقيق الأهداف المنيطة به. ولذا يتطلب الأمر تعريف أهداف إدارة الأموال الوقفية وتحديد بصورة واضحة لا لبس فيه ، حتى يمكن التوصل إلى النموذج الإداري الأنسب الذي يمكن من خلاله التوفيق بين هذه الأهداف والعمل على تحقيقها واقعا ملموسا. ولنجاح الأوقاف وبالذات تلك التي لها طابع استثماري ينبغي أن تتوخى الهيئة العامة للأوقاف الأهداف التالية[116]:
- حماية أصول الأوقاف بالصيانة والإدارة الحصيفة للمخاطر.
- رفع الكفاءة الإنتاجية لأموال الأوقاف بتحقيق أعلى إيراد ممكن مع ضغط النفقات لأدنى حد.
- ترتيب منهج الإدارة وصياغة العقود بطريقة تكفل تخفيض المخاطر الأخلاقية المتعلقة بالفساد وإساءة استخدام السلطة أو الأمانة إلى أدنى حد ممكن.
- الالتزام بشروط الواقفين سواء تعلق الأمر بنوع أو غرض الاستثمار أو حدوده المكانية، فضلا عن منهج الإدارة وطريقة اختيار المديرين أو النظار.
-ـ حسن توزيع إيرادات الأوقاف على أغراضها المحددة لها سواء جاءت بنص الواقف إن عرفت أو من خلال الاجتهاد الفقهي.
-ـ تقديم نموذج ناجح للمجتمع لجذب واقفين إضافيين من خلال القدوة الحسنة، حيث يلمس الناس الفوائد الكبيرة التي تشجعهم على وقف أموال جديدة.
ومن ملاحظة الممارسات المحاسبية للأوقاف والإدارة الحالية لها تظهر عدم وجود نظام محاسبي سليم ينظم عملية الوقف بمراحلها المختلفة ،وهذه الظاهرة موجودة ليس على المستوى المحلي فحسب بل نجدها بعامة في أغلب الدول الإسلامية، و يمكن تعليل هذا الأمر بعدة أسباب أهمها عدم وجود إجراءات وقواعد محاسبية موجهة لإدارة الأوقاف بالذات، كذلك عدم وجود قاعدة بيانات مكتملة توفر البيانات اللازمة للمحاسبة والمساءلة عن الأوقاف بكل أبعادها ومتغيراتها، وأيضاً عدم ملائمة تطبيقات المحاسبة التقليدية لتطبيقات المحاسبة الإسلامية التي تنطوي تحتها محاسبة الأوقاف، فضلا عن ذلك ،هو ما ذكر قبل قليل من استخدام أساليب إدارية غير سليمة غالبا لإدارة الأوقاف.
لذا نرى أن هناك حاجة ملحة لوضع إطار عام يتضمن كل أبعاد ومتغيرات هذا المجال المهم والخطير في المحاسبة في الدول الإسلامية بخاصة، وفي دول العالم بعامة باعتبار إن موضوع الأوقاف لا يختص بالدول الإسلامية فحسب بل هو ظاهرة عالمية.
إن ما يتميز به الوقف عن غيره من الأموال انه يخضع لشروط خاصة يضعها الواقف نفسه،وشرعا لايجوز صرف الأموال الوقفية إلا في المجال والغرض الذي يعينها الواقف لتلك الأموال ، وهذا يثير تساؤل حول أمكانية وضع إطار عام يحكم هذه العملية بالرغم من تعدد تلك الشروط وتنوعها وتباينها؟
و ما يثار في مسألة المحاسبة عن الأوقاف الهدف(أو مجموعة الأهداف) الذي يفترض تحقيقه من هذا النظام ،وإجمالا قد نلاحظ اتفاقا حول تلك الأهداف وأهداف المحاسبة التقليدية من حيث تقديم معلومات مالية مفيدة والإفصاح عنها وتوصيلها لأصحاب المصلحة في اتخاذ القرارات ،ولكن تفصيلا نجد اختلافات واضحة في كيفية تحقيق هذه الأهداف، كما إن هناك هدف رئيسي ومميز للواقف وهو هدف البر والاحسان ،فكيف يمكن تمثيل هذا الهدف وترجمته في التقارير المالية وهذا يدخل ضمن تبيان شكل ومحتوى المعلومات المالية الواردة في تلك التقارير .
بداية لمن توجه إليه محاسبة الوقف من هم أصحاب المصلحة أو ذوي العلاقة بالحصول على معلومات للمحاسبة والمساءلة عن الأوقاف؟ أي من هم مستعملي التقارير المالية لنظام محاسبة الأوقاف؟ وهنا تظهر بعض الاختلافات عن المحاسبة التقليدية فالأخيرة توجه قوائمها المالية أساسا إلى حملة الأسهم والدائنين وتتجاهل علاقة أصحاب المصلحة الآخرين بالمنظمة، في حين نرى ظهور فئة أخرى غير تلك الفئات ذات مصلحة مباشرة بالوقف تحتاج إلى معلومات مفيدة لاتخاذ قراراتها، وهم الواقفين أنفسهم باعتبارهم الفئة الرئيسية ذات المصلحة ومستعملي التقارير المالية التي توصلها محاسبة الوقف، ويتطلب ذلك إعداد المعلومات وتوصيلها بالطريقة التي تكون فيها المعلومات الواردة في التقارير الوقفية مفيدة للواقف، من حيث خصائص تلك المعلومات و نوعيتها، والملائمة والموثوقية من الخصائص الرئيسية للمعلومات حتى تعتبر مفيدة في عملية اتخاذ القرارات،وذات صلة بأحد أو أكثر من قرارات مستخدمي هذه المعلومات .فضلا عن كونها خالية من التحيز ،ولكن هل تكفي تلك الخصائص لكي تكون ملائمة لاتخاذ القرارات من قبل الواقف؟ ويرى قحف[117] ان الكثير من مشكلات الإدارة التقليدية والحكومية يعود إلى فقدان الربط بين مصلحة ناظر الوقف ومصلحة الوقف نفسه.وفي واقع الأمر هناك حاجة ملحة إلى تبيان أهداف الشريعة من الوقف وأهداف الواقف وشروطه ، بحيث تكون التقارير المالية ممثلة بصدق عن تلك الأمور و قادرة على خدمة مختلف الجهات المعنية ،وتقديم صورة حقيقية وعادلة من الإبلاغ عن الشؤون الوقفية،وبالتالي لا يمكن الاقتصار على المعلومات المالية فحسب بل يتطلب الأمر الكشف عن معلومات غير مالية لكي تكون تلك التقارير كافية لتلبية مصالح الأطراف ذات العلاقة ، مع الأخذ بنظر الاعتبار التكاليف الإضافية المترتبة على نشر معلومات إضافية ذات نوعية وأهمية نسبية ومقارنتها بالعائد من نشر تلك المعلومات ، وهنا يثار تساؤل حول المقصود من العائد ،مع التذكير بان الوقف مؤسسة لا تهدف إلى تحقيق الربح.
وهناك جدل آخر يثار حول مسالة القياس والتقويم ،فالقياس في مجال المحاسبة عملية ذات مغزى تتركز في تعيين المبالغ النقدية الكمية لأشياء أو أحداث ذات الصلة بالمنظمة، والجدل يدور حول أداة القياس والتقويم فهل يتم الاستمرار بتثبيت المعاملات على أسس تاريخية أي باستخدام التكلفة التاريخية؟ أم لابد من إدراج التكلفة الحالية ضمن الأدوات الرئيسية للقياس؟ وهذا النقاش والاختلاف على استخدام أي من الطريقتين موجود حتى في ضمن المحاسبة التقليدية، في حين نرى انه في المحاسبة الإسلامية بل في العديد من الآيات الشريفة في القران الكريم ما يؤكد على قياس الأصول أو الخصوم وفقا لقيمتها الحالية لا قيمتها التاريخية كما في محاسبة الزكاة، ويعتقد إن محاسبة التكاليف الحالية(الجارية) تعبر عن القيمة الحقيقية للوقت وأهميته في تاريخ إعداد الميزانية العمومية[118]،لذا من الضروري تقييم الموجودات الوقفية وفقا لكلفتها الجارية كما في محاسبة الزكاة ، ويعتقد إن ذلك يمهد لاستخدام القيمة العادلة واعتمادها كأساس لقياس الموجودات وتقويمها ،وبالأثر تقديم نتيجة معتمدة وموثقة للوضع الحقيقي للثروة،وهذا ما تراه SHANE في تحول التركيز الآن نحو منظور الثروة ،الذي يكون أكثر ملائمة للوقف،بدلا من التركيز على منظور الربح أو الخسارة[119] ، و تقودنا هذه النقطة إلى مسالة الشفافية ،فالإفصاح والشفافية من المبادئ المحاسبية المهمة ،التي تتعلق بضرورة الكشف والإبلاغ عن كل المعلومات المالية ذات الصلة بالمؤسسة الاقتصادية، ويرى بعض الكتاب أن الإفصاح والشفافية تؤديان إلى تحقيق أربعة أهداف مهمة للمؤسسة الإسلامية(كما في الوقف) وهي[120]: تجنب الربا و دفع الزكاة و تعزيز المساءلة الاجتماعية و توفير الإفصاح الكامل في التقارير المالية.
ونعتقد فيما يتعلق بالمؤسسة الوقفية ،فان الإفصاح والشفافية تحققان أهداف فئة جديدة ومتميزة من مستعملي التقارير المالية وهم الواقفين ، كما إن الإفصاح الوقفي يتطلب الكشف عن نوع آخر من المعلومات وهي المعلومات غير المالية كما أسلفنا ،والتي تكون ذات فائدة للواقف في عملية اتخاذ القرارات،وأيضا استخدام طرق أخرى لتقييم الأصول غير الكلفة التاريخية كالقيمة العادلة . وبالنتيجة فان ذلك قد يساهم في تحقيق هدف المحاسبة الأول المتمثل بتقديم معلومات مالية تصف أداء الإدارة خلال فترة معينة ووفق معايير معينة التي من ضمنها تحقيق الشفافية والمساءلة ، فيصبح هدف محاسبة الأوقاف توفير المعلومات التي تبين إن متولي الأوقاف يقومون بواجباتهم وفقا لمبادئ الشريعة وأيضا وفقا لشروط الواقف .
وعليه يمكن القول أيضاً إن الإفصاح الوقفي يمهد لتطبيق المساءلة – مساءلة متولي الأوقاف، والمساءلة تعتبر من المفاهيم الإسلامية الهامة والتي شدد عليها المشرع الإسلامي، والتي تعني بعامة الوسيلة التي يمكن من خلالها تقدير الفروض التي استند عليها النظام أو البرنامج وهي مصدر للمعلومات اللازمة لفهم العاملين في تنفيذ الخطة ومدى كفايتهم وأمانتهم وهي أساس توجيه العاملين كما تعتبر عنصر مرشد في النقد وتدارك الانحراف.فهي ممارسة يمكن من خلالها بناء نهج يعتمد على المراقبة والمحاسبة والمشاركة المدنية بحيث تمكن المواطن العادي أو منظمات المجتمع المدني من المشاركة بصورة مباشرة أو غير مباشرة من الرقابة على السلطة ومحاسبتها لضمان فعالية وكفاءة تقديم الخدمات والاستغلال الأفضل للموارد.وفيما يتعلق الأمر بمحاسبة الأوقاف ،فيعتقد إن الإشكال الأهم يرتبط بتحديد الأسلوب الأفضل لمحاسبة مديري (متولي) الأوقاف والقدرة على مساءلتهم عن إدارتهم للأوقاف والمهام الموكلة إليهم بما يؤدي إلى حماية الأموال الوقفية بخاصة والأموال العمومية بعامة والحد من الانتهاكات التي قد تحدث نتيجة لتصرفات تتم بطرق غير شرعية.
ثالثا: النظام المحاسبي للأوقاف (المجموعة الدفترية والسجلات المحاسبية)
لاعتماد نظام للمحاسبة على الأموال الوقفية ،يمكن ملاحظة ثلاثة أساليب للمحاسبة على الأموال الوقفية ،أولها أن تكون الحكومة هي التي تتولى مباشرة تنظيم العمل المحاسبي عن الأموال الوقفية من خلال إحدى الوزارات أو الهيئات ،وبالتالي يتم تطبيق النظام المحاسبي الحكومي لإدارة وتنظيم الأموال الوقفية والمحاسبة عنها،فتستخدم الدفاتر والسجلات المحاسبية ذاتها المستخدمة في الدوائر الحكومية وهذا الأسلوب هو الغالب في معظم الدول الإسلامية بخاصة فيما يتعلق بالأوقاف العمومية ، فهي خاضعة دائما لمراقبة الدولة وإداراتها ،والدولة تصدر القوانين والتعليمات التي تنظم عمل تلك الوزارات أو الهيئات ، فعلى سبيل المثال لا الحصر في الأردن نصت المادة 11 من قانون الأوقاف على أن تنظم وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية حساباتها وسجلاتها طبقا لقواعد المحاسبة التجارية الحديثة، أو طبقا للأصول المتبعة في وزارة المالية وتكون سجلاتها وقيودها خاضعة للتدقيق من قبل هيئة محاسبة قانونية معترف بها يعتمدها مجلس الأوقاف.، كما نصت المادة 14 من القانون على اعتبار أموال الأوقاف وحقوقها كأموال الخزينة العامة وتحصل وفق قانون تحصيل الأموال الأميرية.وقد يصل الأمر وفقا لهذا الأسلوب أن تمنع الحكومة تولية أي ناظر على الوقف غير الإدارة الرسمية ،حيث تمارس الإدارة الحكومية دورها حسب النظم الرسمية في إدارة الأموال العامة والمحاسبة عنها،كما هو الحال في سوريا [121].
ووفقا لهذا الأسلوب يتكون النظام المحاسبي من مجموعتين من الحسابات[122]، المجموعة الأولى تخصص للمحاسبة عن رأس مال الوقف، مع مراعاة شروط الواقف من حيث المحافظة على رأس مال الوقف وإثباته في السجلات المحاسبية واثبات النقص الذي يطرأ عليه بسبب الاستخدام(الإهلاك) مع المحافظة على إدامته وصيانته.،و تخصص المجموعة الثانية من السجلات للمحاسبة عن الإيرادات المتولدة عن رأس مال الوقف ،التي يعتمد في تحديدها على قواعد ومعايير المحاسبة الحكومية التي تتبع في إعداد الموازنة العامة للدولة.
ويرى قحف إن اعتماد نظام الإدارة الحكومية المباشرة للوقف والمحاسبة عنه يخالف الأصول الفقهية والأسس الإدارية ،فضلا عن دور الحكومة في الترخيص بإنشاء الوقف من عدمه،ويستغرب من أن تحصل الحكومات على ضرائب ورسوم رسمية على بعض عمليات الأموال الوقفية[123].ويتفق تمام مع قحف في إن الإدارة الحكومية المباشرة لا تلائم الوقف، إذ إن الأصل أن تكون النظارة على الأوقاف للواقف أو من يعينه[124]، ويرى إن إطلاق أيدي الحكومات في إدارة الأوقاف قد أدى إلى إحجام المسلمين عن وقف أموالهم، حيث تولد لديهم إحساس بأن الأوقاف يتم تأميمها واستخدامها في غير الأغراض التي حددها الواقف.فضلا عن ذلك ،نعتقد بان المحاسبة الحكومية المباشرة للوقف قد تنقل مساوئ النظام المحاسبي الحكومي إلى الأوقاف،والذي يعاني بالأصل من عدة مشاكل محاسبية ورقابية كعدم توافر العناصر الأساسية للرقابة الداخلية، التي من شأنها تقويم أداء العاملين والموازنات التخطيطية والمؤشرات المالية وغير المالية للأداء، ومؤشرات رضا العميل. كما تبين غياب نظام المعلومات والتوصيل؛ فلا يوجد قسم للمراجعة الداخلية أو لجنة للمراجعة أو قسم للرقابة الشرعية، فضلاً عن عدم الاهتمام بالعنصر البشري من حيث الاختبار أو التدريب أو التأهيل.
والأسلوب الثاني للنظام المحاسبي للأوقاف فانه يعتمد على أن تكون المحاسبة عن أموال الأوقاف مسئولية الواقفين أنفسهم،حيث يقومون بتعيين نظار الوقف ومتوليه،ويمكن أن نجد هذا الأسلوب مستخدما في الكثير من الدول الإسلامية بخاصة فيما يتعلق بالأوقاف الذرية،حيث يمكن إدارة الأوقاف من قبل النظار والمتولين، فعلى سبيل المثال ينص القانون الجزائري على أن يتولى النظار إدارة الأموال الوقفية ،ويترك للواقف مسئولية تعيين ناظر للوقف وتحديد تعويضاته وكيفية استبداله وخلافته[125]. ويكاد هذا الأسلوب أن يكون سائدا في الدول الغربية حيث تعبر المؤسسة الوقفية عن الشكل التنظيمي للمؤسسات الخيرية على إطلاقها[126] ،كمؤسسة الوقف الأمريكية American Endowment foundation, ومؤسسة الترست العالمية World Trust Foundation وغيرها . ويرى قحف إن أسلوب إدارة المؤسسات الاقتصادية Economic Corporationهو الأسلوب الأفضل في إدارة الأوقاف بخاصة الأوقاف الاستثمارية،حيث يكون هناك نوع من الربط بين مصلحة ناظر الوقف ومصلحة الوقف نفسه[127] .ولتأسيس مثل هذه المؤسسات يفترض لاشين إن مراحل تأسيسها وإنشائها تمر بذات المراحل التي يمر بها تأسيس شركة مساهمة من دراسة جدوى اقتصادية وتحديد احتياجات السوق من السلع أو الخدمات التي يروم الواقفون توفيرها ،إلى تحديد رأس مال الشركة وطرحه للاكتتاب مرورا بالإجراءات القانونية المتعلقة بإصدار التراخيص ومزاولة أعمال الشركة[128]،ويفترض إن هذه الإجراءات يتم إثباتها دفتريا في السجلات المالية للشركة،والخطوة التالية تكون بتحديد المجموعة المستندية التي تقيد بها المعاملات المالية للشركة حيث يتم إعداد دليل لها يوضح انتقال المستند من قسم لآخر حتى يتم إثباته وحفظه، وإعداد الدليل المحاسبي ومجموعة الدفاتر والسجلات المحاسبية اللازمة لتثبيت جميع معاملات المؤسسة.
وهناك أسلوب ثالث لإدارة وتنظيم الأوقاف كان موجودا في الفترات الماضية في البلدان الإسلامية وهو إدارة الأوقاف تحت إشراف القضاء ،حيث يقوم نظار الوقف ومتوليه بإدارته وتنظيمه ولكن بإشراف قضائي، ويؤخذ على هذا الأسلوب افتقار القضاة إلى الخبرات اللازمة في الإدارة والتنظيم المحاسبي والرقابي[129]، وقد لا يكون هذا الأسلوب منتشرا أو حتى موجودا في عصرنا الحالي.
رابعاً: محاسبة الأوقاف في العراق
كشفت دراسات أولية بوضوح أن اتجاه حركة الوقف السابقة في العراق كانت تسير بطريقة معاكسة تماماً للأطر الشرعية للوقف والمواصفات الاجتماعية والقانونية فالتجاوز والغصب ومصادرة الوقف إضافة إلى إهمال شروط الواقفين والعبور عليها بصورة تكاد تكون عامة في مجمل محافظات العراق ومدنه هي السمات الأساسية لسياسة الوقف الرسمية وإدارة شؤونه[130].
فكانت أولى ممارسات المهتمين بالوقف بعد عملية التحول والتغيير هو دراسة الواقع السابق الموروث ومقارنته مع واقع الوقف في الدول الإسلامية لتحديد مسارات مشتركة يمكن من خلالها ولو بعد حين أن يلتحق كيان الوقف في العراق الجديد بمضمار مثيلاته في الدول الإسلامية ولو الفقيرة منها. فاتبعوا الأسس الموضوعية في اعادة هيكلية ادارة الوقف واستحداث مؤسسات ودوائر جديدة وفقاً لمتطلبات المرحلة والتغيرات الاجتماعية والحضارية التي طرأت على الواقع العراقي والدولي.
و تنظم الأوقاف في العراق وتدار من قبل عدة دواوين وفقا لتابعية الأوقاف،بحيث يختص كل ديوان بإدارة وتنظيم الأوقاف التابعة للمذهب أو الطائفة فهناك ديوان للوقف السني وآخر للوقف الشيعي وثالث للوقف المسيحي وهكذا لبقية الطوائف. ويتكون الديوان من عدة تشكيلات فعلى سبيل المثال يتكون ديوان الوقف الشيعي من التشكيلات الآتية:
· المجلس الأعلى للديوان: و يتألف من رئيس الديوان والمستشارين والمدراء العامين وبعض الخبراء والعلماء، ومهمته رسم السياسة العامة لنشاطات الديوان بجميع دوائره ومعالجة المشكلات وإعطاء التوجيهات اللازمة لتطوير العمل وفق نظام خاص.
· الدائرة القانونية:ويشرف عليها المستشار الإداري والمالي ويديرها موظف بدرجة مدير عام ومهمتها متابعة وانجاز القضايا القانونية المتعلقة بالوقف والواقفين وحل المنازعات وإجراء المرافعات القانونية وتتألف من الاقسام التالية :1.قسم الدعاوى 2. قسم الاستشارات 3. قسم التوثيق والعقود.
· الدائرة الإدارية والمالية ويشرف على هذه الدائرة مباشرة المستشار الإداري والمالي ويديرها موظف بدرجة مدير عام ومهمتها إدارة شؤون الديوان في الجوانب التنظيمية والمالية وفقاً للنظام المحاسبي الحكومي وتتألف من الأقسام التالية:
ü قسم الإفراد
ü قسم التدقيق
ü قسم الحسابات
ü قسم الخدمات الإدارية
ü قسم المخازن والمشتريات.
· الدائرة الهندسية:ويشرف عليها مباشرة المستشار الإداري والمالي ويديرها موظف بدرجة مدير عام ومهمتها تصميم وتنفيذ ومتابعة المشاريع الهندسية والتطويرية والحضرية وتتألف من الأقسام التالية :1. قسم الصيانة 2.قسم المساحة 3.قسم المشاريع.4. قسم الدراسات والتصاميم
· دائرة العلاقات العامة والإعلام الإسلامي ويشرف عليها المستشار الثقافي والديني ويديرها موظف بدرجة مدير عام ومهمتها توسيع وتعميق دائرة علاقات الديوان مع دوائر الدولة الأخرى والمراكز الدينية والثقافية والاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام وتتألف من الأقسام التالية :1.قسم العلاقات العامة 2. قسم الإعلام الإسلامي3.قسم الترجمة.
· دائرة التعليم الديني ويشرف عليها المستشار الثقافي والديني ويديرها موظف بدرجة مدير عام، ومهمتها إدارة شؤون المدارس الدينية وتحديد مناهجها ورعاية المكتبات والمعاهد ودار القران الكريم وتتألف من الأقسام التالية :1. قسم المدارس والدورات الدينية 2.قسم المكتبات3.قسم المناهج 4.قسم التعليم العام 5.قسم التعليم النسوي.
· دائرة التخطيط والمتابعة ويشرف عليها المستشار المالي والإداري ويديرها موظف بدرجة مدير عام ومهمتها إعداد الخطط السنوية الموحدة لجميع دوائر الديوان وإعداد خطط المشاريع الاستثمارية والتنسيق مع وزارة التخطيط والجهات ذات العلاقة من اجل تطوير حركة ونشاط الديوان وإعداد النشرات الإحصائية والبيانات التوثيقية وتتألف من الأقسام التالية:1.قسم التخطيط2.قسم الإحصاء3.قسم التطوير والتدريب4.قسم الحاسوب.
· دائرة الأمانة العامة لإدارة واستثمار أموال الوقف ويشرف عليها المستشار المالي والإداري ويديرها موظف بدرجة مدير عام وتتولى هذه الدائرة مهام تطوير واستثمار أموال الوقف الشيعي وممتلكاته ومتابعة شؤون المتولين والواقفين.وتتألف من الأقسام التالية :1.قسم الأملاك الموقوفة 2.قسم الأراضي الزراعة3. قسم الاستثمار.
· دائرة المؤسسات الإسلامية والخيرية تعنى هذه الدائرة بشؤون المساجد والحسينيات والعتبات المقدسة والمراقد المطهرة والمقامات وجميع المشاهد الدينية من ناحية أعمارها وتأثيثها وإدارتها وشؤون العاملين فيها وتطويرها. وكذلك تعنى بالمؤسسات الخيرية التي تساهم في إعانة المتعففين. وتتألف من الأقسام التالية:1. قسم المساجد والحسينيات 2. قسم الحجج و التوليات3. قسم الأفراد 4. قسم العتبات المقدسة.
المبحث الثالث تطوير نظام محاسبة الأوقاف(الاطروحة الجديدة للبحث)
يتبن لنا مما سبق أن محاولات إعادة تنظيم الأوقاف في العقدين الأخيرين في أغلب الدول الإسلامية جاءت بمستوى يقل عما يتطلبه تحقيق الأهداف التي كان ينبغي لإدارة الأوقاف الوصول إليها، فلم تتضمن هذه المحاولات في حقيقتها أكثر من تغيير أو تعديل في شكل الإدارة الحكومية دون نقلة نوعية إدارية تقدم أنموذجا جديدا يناسب طبيعة الأوقاف الإسلامية باعتبارها جزءاً من القطاع الاقتصادي الثالث الذي يرتبط أساسا بتنظيمات المجتمع المدني وليس بالأجهزة الحكومية.
وينطبق هذا الكلام أيضا على الأوقاف في العراق ،فهي ليست بافضل حالا من مثيلاتها في الدول الاسلامية الاخرى ،بل قد تكون الأسوأ،فهي تخضع لإدارات حكومية مركزية ،وتنظيم العمل المحاسبي فيها يتم باستخدام نظم المحاسبة الحكومية والمالية.ويمكن القول بان ذلك يعتبر من أهم المشكلات التي تواجه الأوقاف في الوقت الراهن،حيث إن استخدام نظم محاسبية خليط من النظام المحاسبي الموحد والمحاسبة الحكومية، أمر لا يلاءم الوقف، وكذلك من ضمن تلك المشاكل ،ضياع معظم أموال الوقف والاعتداء عليها نتيجة لكثرة القوانين والتشريعات وتشعبها، ومن المشكلات المهمة الإدارة الحكومية المركزية، إذ إن الأصل أن تكون النظارة على الأوقاف للواقف أو من يعينه. ومنها عدم توافر العناصر الأساسية للرقابة الداخلية، التي من شأنها تقويم أداء العاملين والموازنات التخطيطية والمؤشرات المالية وغير المالية للأداء، ومؤشرات رضا العميل(الواقف). كما تبين غياب نظام المعلومات والتوصيل؛ فلا يوجد قسم للمراجعة الداخلية أو لجنة للمراجعة أو قسم للرقابة الشرعية، فضلاً عن عدم الاهتمام بالعنصر البشري من حيث الاختبار أو التدريب أو التأهيل. ويعتقد إن نقل الإشراف على الأوقاف من الإدارة الحكومية المباشرة إلى هيئة عامة مستقلة، يرجى أن يكون أكثر كفاءة من الناحية الإدارية والاقتصادية، وخاصة من حيث الدور الذي يمكن أن تؤديه الأموال الوقفية في التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات الإسلامية إذا ما أحسنت إدارتها وأتقن فن استثمارها بشكل مؤسسي وأخضعت لرقابة ومراجعة نظامية كافية.
ولأجل النهوض بالوقف وتطوير المؤسسات الوقفية ينبغي الاستعانة بنظم الإدارة الحديثة، والإسلام لا يمنع ذلك؛ بما يؤدي إلى الحفاظ على أموال الوقف، وضمان استمراره، ووصول العائد إلى مستحقيه، وضمان جودة الخدمة. ومن هذه الأساليب استخدام نظم محاسبية متطورة وأسس لا تتعارض مع الفقه الإسلامي؛ لما للوقف من طبيعة خاصة.
إن نظرة تحليلية شاملة للمؤسسات الوقفية تبين إن لها خصائص فريدة ومميزة تنفرد بها عن بقية المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، فهي إن صح القول تعتبر من المؤسسات الدينية-الاجتماعية- الاقتصادية في ذات الوقت، فمن الجانب الديني والاجتماعي يمثل الوقف والأموال الوقفية احد أنواع الصدقات والعبادات التي يتقرب بها الإنسان إلى خالقه وهو أيضا من الأعمال التي تقوي أواصر الرحمة والقربى بين الإنسان وأخيه الإنسان.،وأحد الصور المهمة للتكافل الاجتماعي.
ومن الجانب الاقتصادي ينظر للوقف الإسلامي كمؤسسة اقتصادية ذات وجود دائم ،وعملية تتضمن الاستثمار للمستقبل والبناء للثروة الإنتاجية من اجل الأجيال القادمة لتوزع خيراتها في المستقبل على شكل منافع وخدمات أو إيرادات وعوائد،وموارد الأوقاف تعتبر مصدرا مهما من مصادر الإنفاق في الدولة لرعاية الفقراء والضعفاء.والدلائل واضحة على الدور الاجتماعي والاقتصادي للوقف فقد أسهم نظام الوقف بوضوح تام في التقدم العلمي والتكنولوجي وفي توفير الخدمات الأساسية من صحة وإسكان وعلاج ونقل وإقامة العديد من الصناعات المختلفة.
إن ذلك يعطي للمؤسسات الوقفية أهمية بالغة دينيا واجتماعيا ، تحددها بمجموعة من الخصائص التي تميزها عن الأعمال التي تتم في القطاعات الاقتصادية الأخرى ، ومن هذه الخصائص:
· الوقف صدقة جارية.
· شرعا يخضع الوقف لشروط يضعها الواقف نفسه، مما يسترعي احترام شروط الواقفين والالتزام بإنفاذها.
· يعتبر من أوجه البر والإحسان والخير.
· المؤسسات الوقفية غير هادفة للربح.
· وجود شبكة من العلاقات تربط بين أهداف الشريعة من الوقف وأهداف الواقف وشروطه ، مما يعني خضوع المؤسسات الوقفية إلى أحكام شرعية ومتطلبات اقتصادية ومحاسبية خاصة، أي إدارة لأموال الموقوفة بطريقة فنية وبأسس تجارية شرعية.
· أصحاب المصلحة في الوقف،الواقفون أنفسهم وهم بحاجة إلى تأكيد وضمان حول أوقافهم ، ويتطلب ذلك توفير معلومات ملائمة من خلال تقارير مالية تقدم صورة حقيقية وعادلة من الإبلاغ عن مختلف الأمور المتعلقة بالوقف.
· يستدعي حماية الأموال الوقفية وجود نظام فعال للمحاسبة والمساءلة،يكون قادرا على مساءلة متولي الأوقاف ومحاسبتهم عن إدارتهم للأوقاف والمهام الموكلة إليهم.
· وجود مصطلحات ومفاهيم متعددة ومتنوعة للوقف ، ينبغي التمييز بينها شرعيا ومحاسبيا،وذلك يستدعي تبويب الحسابات الوقفية تبويبا يتفق مع طبيعة تلك الأموال والغرض من وقفها ،بحيث يمكن تجميع البيانات والمعلومات بصورة تلقائية بما يخدم التخطيط والمتابعة وتقييم الأداء.
· يعتبر الوقف قطاعا اقتصاديا ثالثا موازيا للقطاعين العام والخاص .
· التوازن بين المنفعة الدينية والاجتماعية للوقف من جهة ، والمنفعة الاقتصادية من جهة أخرى.
من ذلك ينبغي أن يكون للوقف نظاما محاسبيا يتميز به بحيث يكون قادرا على تحديد وتنظيم وإدارة الأركان الأساسية للوقف كالواقف(العميل) ومتولي الوقف (ناظر الوقف) والأموال الوقفية ، فضلا عن تضمنه لأسس محاسبية تشتمل على الوحدة المحاسبية وهي المال الوقفي، والشخصية الاعتبارية للوقف، والاستمرارية؛ فالوقف يقوم على التأبيد؛ فهو لا يباع ولا يورث ولا يوهب. كما تشتمل على الفترة المالية بناءً على الاستمرارية، حيث يستلزم ذلك تقسيم حياة الوقف إلى فترات مالية، والقياس العيني والنقدي لمعاملات الوقف، والمقابلة بين الإيرادات والمصروفات لتحديد الفائض، وكذلك الإفصاح لبيان معاملات الوقف في صورة قوائم مالية. ويمكن أن يتكون نظام المحاسبة الوقفي من عنصرين: الأول هو المستندات والدورات المستندية (مدخلات العملية المحاسبية) وتشمل الدورات المستندية للموارد والإيرادات والنفقات والمصاريف والتسويات،أما العنصر الآخر فهو المجموعة الدفترية للوقف (وعاء تشغيل العملية المحاسبية) وتشمل دفاتر اليومية لإثبات عمليات الوقف ومن أهمها دفاتر الموارد، والإيرادات، والمصروفات، والتسويات بالإضافة إلى اليومية المركزية، ودفاتر الأستاذ ومن أهمها دفاتر أستاذ الأعيان، والأستاذ العام.
كما يشتمل التنظيم المحاسبي للوقف على دليل حسابات الوقف وهو قائمة بأسماء الحسابات المستخدمة في النظام المحاسبي والرموز المستخدمة لإشارة إلى هذه الحسابات؛ والقوائم والتقارير المالية (مخرجات النظام المحاسبي)، ومن أهمها قائمة إيرادات ومصروفات الوقف، وحساب مصارف الوقف، وقائمة أنشطة الوقف، وقائمة المركز المالي.
ويتضح من ذلك إن المؤسسات الوقفية من النظم المحاسبية المتخصصة، التي تستلزم وضع واعتماد نظام محاسبي متخصص لإدارة وتنظيم الأموال الوقفية،وذكرنا أن هناك ثلاثة أساليب للمحاسبة عن الأموال الوقفية،فإما أن تكون الحكومة هي التي تتولى الإشراف والتنظيم المباشر على العمل المحاسبي الوقفي،وإما أن تكون المحاسبة من مسؤولية الواقفين أنفسهم،أو أن تكون محاسبة الأموال الوقفية تحت إشراف القضاء، وقد أوضحنا أيضا أن هناك عدة مشاكل محاسبية في الأساليب الثلاثة ، لاسيما الأسلوب الأول فالنظام المحاسبي الحكومي يعاني أصلا من بعض المشاكل المحاسبية بخاصة فيما يتعلق بالرقابة وتقييم الأداء.
وذلك يعزز القول بحاجة المؤسسات الوقفية إلى نظام محاسبي متخصص بها ،يراعي الخصائص السابقة الذكر،ينهض بواقع الوقف إداريا ومحاسبيا، وفي هذا السياق يمكن الاستعانة بالأساليب والتقنيات الإدارية والمحاسبية الحديثة وتطبيقها في المؤسسات الوقفية، كمفهوم حوكمت الشركات corporate governance ومحاسبة المسؤولية responsibility accounting .
لقد تبين إن الإشكال الأهم يرتبط بتحديد الأسلوب الأفضل لمحاسبة مديري (متولي) الأوقاف والقدرة على مساءلتهم عن إدارتهم للأوقاف والمهام الموكلة إليهم ،ونعتقد بأنه يمكن التغلب على هذا الإشكال إداريا ومحاسبيا بالاستناد على مفهوم حوكمت الشركات ،فمن خلال إحكام العلاقة التعاقدية بين الواقف ومتولي الوقف فانه يمكن إيجاد وتنظيم التطبيقات الإدارية والمحاسبية السليمة للقائمين على تولي (إدارة) المؤسسة الوقفية[131]، بما يحافظ على حقوق كلا الطرفين(الواقف ومتولي الوقف) ، فضلا عن الحرص على الإفصاح والشفافية وتأكيد مسؤولية متولي الوقف.
وهذا ما تفترضه وتؤكد عليه محاسبة المسؤولية أيضا،وهي إن الأفراد (متولي الوقف) يجب أن يكونوا مستعدين للمحاسبة والمساءلة accountable عن أدائهم، فضلا عن أداء مرؤوسيهم. إن محاسبة المسؤولية تتطلب ضرورة ربط المعايير بالمسؤوليات كي يمكن أداء تقارير المحاسبة وتقييم الأداء لهذه المسؤوليات كل على حدة بحيث توضح إلى أي مدى أدى رجل الإدارة (متولي الوقف) مسؤولياته وواجباته[132](هيتجر وماتولتش،2004: 456).
إن مفهوم محاسبة المسؤولية يمكن إن يمثل مدخلا حديثا لتطوير النظام المحاسبي للأوقاف والتقارير الرقابية للنظام،وينصب التطوير على إعادة صياغة النظام المحاسبي ونظام التقارير للربط المباشر بالهيكل الإداري للمؤسسة الوقفية، والهدف من الربط تبويب وتجميع وتحليل عناصر التكاليف والإيرادات لكل مركز مسؤولية على حدة،ويتم ذلك على الأساس المعياري كخطة أو موازنة لكل مركز مسؤولية وعلى الأساس الفعلي أيضا لممارسة الرقابة على التنفيذ ،بالمقارنة بين المخطط والمنفذ، بهدف تحديد حجم الانحرافات وتشخيص أسبابها والتقرير عنها تمهيدا لاتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة لاستبعاد مثل هذه الانحرافات مستقبلا[133] (كحالة وحنان، 2009: 414).
وبالنظر لخصوصية المؤسسات الوقفية من حيث طبيعة النشاط الذي تقوم به وطبيعة الأموال الوقفية ،وطبيعة المسئولين عن تلك الأموال(متولي الوقف)،وأيضا طبيعة الواقفين أنفسهم وضرورة الالتزام وتنفيذ الشروط التي يضعونها ، بالنظر لذلك كله، فانه يمكن القول بان نظام محاسبة المسؤولية قد يكون الأنسب لمحاسبة الأوقاف والمؤسسات الوقفية بأنواعها ، فيمكن تحديد مراكز للمسؤولية حسب نوع الوقف (خيريا أم استثماريا، عاما أم خاصا) إلى مراكز كلفة أو ربحية أو إيراد أو استثمار ، ومن ثم تحديد المسؤوليات و السلطات
في كل مركز ويتبع ذلك تحديد معايير الأداء وتصميم نظام للتقارير الرقابية.
إن تقسيم المؤسسة الوقفية إلى مراكز مسؤولية أو حتى اعتبارها مركزا للمسؤولية ،يلقي على عاتق مدراء هذه المراكز(متولي أو ناظري الوقف) مسؤوليات معينة ومحددة يكونون محاسبون ومساءلون عن الالتزام بها،وبذلك يمكن متابعة الأنشطة التي يقومون بها وتقويم أدائهم والقدرة على مساءلتهم عن إدارتهم للأوقاف والمهام الموكلة إليهم ، بما يؤدي إلى ضمان حقوق الواقفين وحماية الأموال الوقفية ،والحد من الانتهاكات التي قد تحدث نتيجة لتصرفات تتم بطرق غير شرعية.
خلاصة الباب:
أجمعت الدراسات التي تناولت الوقف اجتماعيا واقتصاديا قديما وحديثا على أهميته ودوره في تقوية نسيج المجتمع الإسلامي لكونه يجسد عمقا إنسانيا كبيرا وتجليا جميلا لإرادة الخير في نفسية المسلم. فالوقف وسيلة فاعلة تحقق للنفس الإنسانية اندماجا حميما بالمجتمع تظهر آثاره الإيجابية في التحرر من حب التملك وذلك بسد حاجات الآخرين وإغاثتهم وإخراجهم من ضيق الحوج إلى سعة الاكتفاء المادي والمعنوي.
ولا يخفى على أحد ما أسهم به الوقف الإسلامي في بناء صرح الحضارة الإسلامية حينما كان موردا تمويليا وتنمويا من الدرجة الأولى. ولأن تاريخ المسلمين عرف تقلبات كثيرة ودولتهم لم يستقم أمرها على ما كانت عليه أيام أوجها وازدهارها، فإن الوقف فيها قد عرف هو الآخر ضمورا ملحوظا وخاصة في الأزمنة الحديثة، مما ترتب عنه بروز مشكلات كثيرة حفت هذا القطاع المهم من كل جانب، وتصدر ذلك مشكلة انحسار فقه الوقف بنائيا ووظيفيا بالإضافة إلى مشكلات هيكلية وإدارية ومحاسبية تتعلق بمؤسسة الوقف ذاتها وكيفية تسييرها من طرف القائمين عليها. فابتداء من القوانين المنظمة للأحباس مرورا بطرق الانتفاع بالموقوفات ووصولا إلى وظيفة الناظر على الأوقاف تطالعنا مشكلات كثيرة ومتنوعة تثقل كاهل هذه المؤسسة وتحول بينها وبين مهمتها التنموية،بالإضافة إلى قضية أخرى هامة وهي علاقة الدولة بالوقف فقد أدى إطلاق أيدي الحكومات في إدارة الأوقاف إلى إحجام المسلمين عن وقف أموالهم، حيث تولد لديهم إحساس بأن الأوقاف يتم تأميمها واستخدامها في غير الأغراض التي حددها الواقف. والقاعدة أن شرط الواقف كنص الشارع لا يجوز مخالفته إلا إذا خالف نصاً شرعياً.
ولكي يعود الوقف إلى سابق عهده في خدمة المسلمين والقضاء على الفقر والبطالة يجب على الدول الإسلامية اتخاذ عدة إجراءات أهمها تنظيم الوقف بعيداً عن سلطة الحكومات نظراً لما ظهر من فشل الإدارة الحكومية في مجال قطاع الأعمال، واعتبار الأوقاف أموالاً خاصة تدار بطريقة معينة. كما يجب إعادة النظر في القوانين والتشريعات التي تعوق الوقف، وتنظيمها في ضوء آراء الفقهاء، ووضع نصوص صارمة للحفاظ على أموال الوقف. كما يجب القيام بحملات توعية في كافة وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء للتوعية بأهمية الوقف وحث المسلمين على الاشتراك في وقفيات خيرية أو وقف جزء من ممتلكاتهم. وضرورة وجود لجان مراجعة لمراقبة قرارات مجلس إدارة الأوقاف. ومن أهم أساليب إدارة الوقف ضرورة وجود هيئة رقابة شرعية لتحقيق الاطمئنان على سلامة المعاملات المالية للوقف من الناحية الشرعية، وتحقيق الالتزام بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، والتأكد من التزام العاملين في مجال الوقف بالأحكام الفقهية للوقف وطمأنة الأطراف المعنية – الواقف والموقوف عليهم - بأن حقوقهم مصونة.
ولأجل تطوير واقع المؤسسات الوقفية ينبغي الاستعانة بنظم الإدارة الحديثة، والإسلام لا يمنع ذلك ، بما يؤدي إلى الحفاظ على أموال الوقف، وضمان استمراره، ووصول العائد إلى مستحقيه، وضمان جودة الخدمة. ومن هذه الأساليب استخدام نظم محاسبية متطورة وأسس لا تتعارض مع الفقه الإسلامي؛ لما للوقف من طبيعة خاصة فالنظام المحاسبي الفعال للوقف يمكن أن يساهم إلى حد كبير في تقويم الأداء بصورة دقيقة ،وذلك يضمن استمرار نجاح الوقف، و يمكن من المحافظة على الأداء المتميز وتطويره، والتعرف على الأداء الضعيف ومعرفة أسبابه ومعالجتها ،وفي هذا المجال يمكن الاستعانة بمفهوم حوكمة الشركات ومحاسبة المسؤولية؛ فيعتبر كل شخص أو مجموعة من الأشخاص مسئولين عن تحقيق أهداف معينة، واستخدام الموازنات في التخطيط ؛ والمؤشرات غير المالية مثل تعدد وتنوع الأعيان الموقوفة ونمو عدد الأوقاف وما إلى ذلك؛ وكذلك قياس الأثر وهو مقدار المنافع التي يقدمها الوقف للمجتمع وكذلك استخدام تكنولوجيا المعلومات والحواسب في إدارة الوقف.
والحمد لله رب العالمين ومنه التوفيق والسداد...
المصادر والمراجع للباب الثالث:
1. القران الكريم
2. نهج البلاغة، مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي (ع)،ج3، ص:22، المكتبة الأهلية،بيروت.
3. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، موقع الإسلامhttp://www.al-islam.com
4. لسان العرب،ابن منظور، برنامج المحدث المجاني، المكتبة الشاملة الإصدار الثامن.
5. مشارق الشموس ،المحقق الخوانساري،ج5.
الكتب والبحوث والمقالات:
1. الإمام السيستاني منهاج الصالحين-المعاملات، ،دار المؤرخ العربي،بيروت لبنان 2006.
2. أبو العطا ، نرمين ،"حوكمة الشركات سبيل التقدم مع القاء الضوء على التجربة المصرية"، مركز المشاريع الدولية الخاصة، غرفة التجارة الامريكية،واشنطن،مصر 2004.
3. تمام ، أحمد،" هيمنة الحكومات أهم أسباب تردي دور الوقف الإسلامي"، باحث اقتصادي،2009.
4. الحكيم، آية الله السيد محمد باقر (قده)،"دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة"، ج1 ،1424هـ.
5. ديوان الوقف الشيعي ،"دور الوقف في مرحلة التحول والتغيير"، ،العراق،2010.
6. الصحيفة الاقتصادية الالكترونية www.aleqt.com/2010/05/15/article_393064.html
7. عمر ،د.محمد عبدالحليم،" نظام الوقف الإسلامي والنظم المشابهة في العالم الغربي"، بحث مقدم إلى المؤتمر الثاني للأوقاف ،مكة المكرمة.
8. قحف، د. منذر،"الأساليب الحديثة في إدارة الأوقاف"،1997. ( monzer.kahf.com/.../al-asaleeb_al-hadeetha_fi_idarat_al-awqaf)
9. قحف، د. منذر ،"الوقف في المجتمع الإسلامي المعاصر"، www.kantakji.com .
10. كحالة و حنان، جبرائيل ورضوان،" المحاسبة الإدارية مدخل محاسبة المسؤولية وتقييم الأداء"، 2009،دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان الأردن.
11. لاشين، د. محمود،"نموذج مقترح لمحاسبة الوقف الجماعي"، بحث مقدم إلى المؤتمر الثاني للأوقاف، مكة المكرمة.
12. هيتجر و ماتولتش،" المحاسبة الإدارية"،2004، ترجمة احمد حامد حجاج ،دار المريخ للنشر، الرياض السعودية.
13. ويكيبيديا الموسوعة الحرة، بحث عن كلمة وقف- ت.طور الوقف على مر العصور الإسلامية ar.wikipedia.org/wiki
14. Accounting framework in relation to waqf accounting and accountability, by "Anna Shane"2008
.
[1] اقتباس غير مباشرمع الاضافة والحذف (صياغة جديدة)لهذا المطلب، من كتاب دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الاسلامية،ج1،ص3ص10،الشيخ المنتظري.
[2] اقتباس غير مباشر (صياغة جديدة)لهذا المطلب، من كتاب (managerial accounting,2005) لـ kieso واخرون.
[3] مسحوبة من الانترنيت
[4] أصبح نافذ المفعول في بداية عام 2006.
[5] تقوم نظرية الملكية المشتركة(أصحاب المشروع) على أساس أن المشروع عبارة عن مجموعة من الشركاء، الذين يتفقون على القيام بعمل مشترك لتحقيق غرض معين، لذلك يعتبر أصحاب هذه النظرية ،أن شخصية المشروع هي في الحقيقة شخصية الأفراد مالكي المشروع(الحجاوي،2004: 26)، أما نظرية الشخصية المعنوية فهي تعتبر المنشأة وحدة محاسبية ولها شخصية معنوية مستقلة وذمة مالية منفصلة(هلالي:2002: 51)، وأهم ما يفرق هذه النظرية عن النظرية السابقة هو أنها تعطي الأولوية لقائمة الدخل على حساب الميزانية العمومية ، في حين تعطي النظرية السابقة موقفا معاكسا أي تعطي الأولوية للميزانية العمومية على حساب قائمة الدخل(مطر، 2004: 87).
[6] يمكن تخيل مكونات الإطار الفكري المحاسبي على شكل هرم متدرج المستويات ، يتكون من عدة مستويات تبدأ من قمته المستوى الأول بالأهداف العامة للمحاسبة ، ثم المستوى الثاني ويضم المفاهيم الأساسية للمحاسبة، ثم المستوى الثالث ويضم قواعد إجرائية ، ثم المستوى الرابع ويشمل على الطرائق المحاسبية التفصيلية لقياس بنود القوائم المالية والإفصاح عنها ، والتي تمثل المعايير والقواعد المحاسبية.
[7] المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة(INTOSAI)، لجنة معايير المحاسبة،إطار المعايير المحاسبية، 1995
* Reference: World Bank Institute, " Intergovernmental Fiscal Relations & Local Management Program- Appendix A : Twelve Accounting Principles", 2005.
[8] (نقلا عن العبيدي،1991: 39).
[9] نظرا لعدم وجود مصدر يتضمن لمعايير المحاسبة الحكومية المحلية العراقية بشكل واضح ، فقد تم تجميع وصياغة معايير محاسبية حكومية محلية اعتمادا على عدد من الوثائق والنشرات الرسمية أهمها:(قانون اصول المحاسبات العامة ذو العدد 28 لسنة 1940 وتعديلاته،قانون الموازنة العامة ذو العدد 107 لسنة 1987 وتعديلاته،نشرات مجلس معايير المحاسبة العراقي،
www.d-raqaba-miq.2007).
[10] مسحوبة من الإنترنت.
[11] نقلا عن (Ibrahim,2004) ، مسحوبة من الإنترنت.
[12] ورد في دستور العراق الجديد(الصادر عام 2006م) ،مواد تؤكد على إتباع مبدأ اللامركزية في إدارة الأقاليم والمحافظات، فقد ورد في المادة(117)/أولا:" لسلطات الأقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية،وفقا لأحكام الدستور،باستثناء ما ورد فيه من اختصاصات حصرية للسلطات الاتحادية"، ونصت المادة(118)/ثانيا:" تمنح المحافظات التي لم تنتظم في إقليم الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة ، بما يمكنها من إدارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، وينظم ذلك بقانون".
[13] يعتقد أن المحاسبة التقليدية نفسها تعاني من مشاكل حقيقية وخطيرة ،فقد وجهت لها انتقادات لاذعة لكونها سببا في العديد من الأزمات والمشاكل المعاصرة ، من حيث خلق النزاعات الاجتماعية ،والتسبب بالبطالة والبطالة المقنعة، وعزلة أو سرية ملكية الدولة، وتلف البيئة الحيوية،واختلاق الفضائح المالية وخلق استثمارات خادعة وتدمير البيئة وخلق نزاعات شخصية داخل المنظمات( Ibrahim,2001)/ مسحوبة من الانترنت
[14] مسحوبة من الانترنت.
[15] نقلا عن (PERERA, 1989,48).
[16] مقابلة شخصية أجراهما الباحثان مع آية الله الشيخ محمد اسحق الفياض(دام ظله) /النجف الأشرف 12/شعبان/1426هـ.
[17] الاجتهاد –كما عرفه الفقهاء في بحوثهم ورسائلهم العملية-هو عبارة عن استنباط الحكم الشرعي من مداركه المقررة.
[18] يقصد به التزاحم بين وجوب إجراء الحكم وحرمة ترتب المفاسد المنظورة ، كأن على ولي الأمر أن يوفر أفضل حل ممكن بحيث يتم تطبيق الحكم الشرعي مع تلافي النتائج السلبية.
[19] مقابلة شخصية أجراهما الباحثان مع آية الله الشيخ محمد اسحق الفياض/النجف الأشرف 12 /شعبان/1426هـ.
[20][20][20] جاء في المحيط والصحاح والعروس في مادة مال،وكذلك في مستند العروة الوثقى للمحقق السيد الخوئي.
[21] نقلا عن (الخراساني، 1413هـ: 413).
[22] مسحوبة من الانترنت ،وقمنا بترجمة النص"الباحثان".
[23] نقلا عن ( أحمد علي، 1969: 269).
[24] قسم الفقهاء الأموال المزكاة إلى قسمين ظاهرة وباطنه ، فالظاهرة ما لا يمكن إخفاؤه كالزروع والثمار والمواشي والمعادن وما يمر به على العاشر،والباطنة ما يمكن إخفاؤه كالذهب والفضة والركاز وعروض التجارة ،وقالوا إن للإمام حق تحصيل زكاة الأموال الظاهرة وأما الباطنة فهي موكولة إلى أصحابها يخرجون زكاتها ومع ذلك جوزوا دفعها إلى الإمام(أحمد علي، 1969 : 370).
[25] نقلا عن (أحمد علي ، 1969 : 380).
[26] لمزيد من التفاصيل راجع كتاب الخراجيات،تأليف"المحققان الكركي والاردبيلي".
[27] يمثل الخمس والزكاة ضريبتان من الضرائب الإسلامية المفروضة شرعا، والضريبة هي وظيفة مفروضة من قبل الحاكم أو الدولة على الأفراد لجهة من الجهات ( السبزواري، 2003: 19).
[28] يقصد به التقويم الهجري الشمسي .
[29] مسحوبة من الإنترنت.
[30] مسحوبة من الإنترنت.
[31] مسحوبة من الإنترنت.
[32] مقابلة شخصية أجراهما الباحثان مع سماحة آية الله الشيخ محمد اسحق الفياض(دام ظله) 12/شعبان/1426هـ.
[34] عند المدرسة الامامية الحقة يرون قول وفعل وتقرير المعصوم(ع)اهو المصدر الثاني للمسلمين،فقول الامام (المعصوم)وفعله وتقريره هو قول النبي(ص)،فهو اشمل واوسع من قول الجمهور،وهو الاصح والادق،بحسب الروايات المأثورة والادلة العقلية.
[35] مقابلة شخصية أجراهما الباحثان مع سماحة الشيخ آية الله محمد اسحق الفياض(دام ظله) 12/شعبان/1426هـ.
[36] مع تحفظنا على هذه المصطلحات والمسميات(الباحثان).
[37] مسحوبة من الانترنت.
[38] نقلا عن(الحسب،1984: 63).
[39] نقلا عن( الحسب،1984 :63).
[40] نقلا عن (الحسب، 1984: 55).
[41] مسحوبة من الانترنت.
[42] نقلا عن ( الزهراني،1986: 133).
[43] مسحوبة من الانترنت.
[44] مسحوبة من الانترنت.
[45] تمثل محاسبة البيئية القدرة على تحديد القيم النقدية للعوائد والتكاليف الناتجة عن جهود الإدارة البيئية والقدرة على تطبيق الأدوات المالية التقليدية في اتخاذ القرارات البيئية ودراسة أثرها على الميزانيات.
[46] المحاسبة الاجتماعية عبارة عن مجموعة أنشطة تختص بقياس وتحليل الأداء الاجتماعي لوحدة محاسبية معينة، وتوصيل المعلومات اللازمة للفئات والطوائف المختصة ،وذلك بغرض مساعدتهم في عملية التقييم واتخاذ القرارات.
[47] يمكن التعرف على تفاصيل أكثر عن تلك المعايير بالرجوع إلى مقالة " مراجعة لأنظمة وقوانين المحاسبة البيئية" ل فاطمة السعد، مجلة العلوم الاقتصادية،العدد16ك1 ، 2005: 125-142.
[48] تتأثر القابلية للفهم بأمرين ، أولهما : مهارة وخبرة من يعد المعلومات، وثانيهما : مهارة وخبرة من سيستخدمها(مطر، 2004 : 322).
[49] يقصد به المعنى العام لجميع أنواع الكتب كالتقارير والقوائم والرسائل والبحوث والدراسات وغيرها.
[50] نقلا عن (الفكيكي، 2003 : 214).
[51] تقرير لجنة INTOSAI ،1995.
[52] مسحوبة من الانترنت.
[53] من تعليقات العلامة الدكتور عباس كاشف الغطاء على بعض الاسئلة الموجهة اليه .
[54] من تعليقات العلامة الدكتور عباس كاشف الغطاء على بعض الاسئلة الموجهة اليه.
[55] مسحوبة من الانترنت.
[56] مسحوبة من الانترنت.
[57] السبرنتك منهج يدرس عمل أنظمة مكيفة، وآليات الضبط التلقائي(الذاتي) ، ونماذج السبرنتك تمكن من تأطير عمل نظام الإدارة سواء أكان ومن وجهة نظر استقرار(أي رقابة بواسطة التغذية العكسية للعمل الجيد للنظام)، أو من وجهة نظر ديناميكية، أي رقابة تطور النظام( مجموعة محاضرات في الرقابة لطلبة الدكتوراه في المحاسبة الفصل الدراسي الثاني2002/ 2003، كلية الإدارة والاقتصاد، جامعة البصرة).
[58] يقصد به التقويم الهجري الشمسي.
[59] مسحوبة من الانترنت.
[60] سنتكلم لاحقا بتفصيل أكثر عن تحديد وتقدير أنواع الأموال المتعلقة بزكاة الغلات.
[61] مسحوبة من الانترنت.
[62] أصناف العمال والموظفين وأصحاب الحرف في الدولة العباسية آنذاك كأصحاب النوبة والقراء وأصحاب الأخبار والمؤذنين وأصحاب الصيد والصناع والفراشين والطباخين والحراس وعسكر الخليفة وغيرهم.
[63] نقلا عن الزهراني، 1986: 113.
[64] على الرغم إن الموازنة في كثير من دول العالم اتجهت نحو التفريق في هيكلها المحاسبي بين المصروفات الرأسمالية والمصروفات الإيرادية لأغراض تتعلق بمتطلبات التخطيط المالي ولخدمة الحسابات القومية ، وتأمين متطلبات السيطرة على حيازة هذه الموجودات ،ومن ثم استخدامها للغرض الذي اقتنين من أجله(الصائغ، 1976: 271).
[65] يطلق البعض على هذا المدخل "مدخل وحدة النقد ثابتة القيمة"، حيث يتم على أساسه تعديل وحدة القياس المستخدمة وهي وحدة النقد بمعامل تعديل معين يتغير بتغير معدل التضخم ،وذلك بقصد تثبيت قيمتها الشرائية كخطوة لإلغاء تحيز القياس الذي تتضمنه البيانات المحاسبية المعدة حسب مدخل التكلفة التاريخية ،أما الأداة المستخدمة في تعديل هذه البيانات فهي الأرقام القياسية للتغيرات في المستوى العام للأسعار (مطر، 2004: 157).
[66] العرض بفتح العين وسكون الراء خلاف الدنانير والدراهم التي هي قيم الأشياء ، وبفتح العين ما كان عارضا لك من مال قل أو كثر(الخراساني، 1413: 420).، وكذا قول الراغب الأصفهاني: معنى عرض السلعة أي بدلها وعوضها(الأصفهاني، 1425: 560).
[67] تمثل تكلفة الاستبدال التكلفة النقدية أو السعر النقدي المعادل الذي كانت سوف تتحمله المنشأة لو قامت بشراء الأصل حاليا(العادلي وآخرون، 1986: 134).
[68] مسحوبة من الانترنت.
[69] نقلا عن (طرابزوني، 1994: 125).
[70] مسحوبة من الانترنت.
[71] مسحوبة من الانترنت.
[72] مسحوبة من الانترنت.
[73] نقلا عن الحسب،1984: 62
[74] نقلا عن الحسب،1984: 62
[75] نقلا عن العيساوي،2003: 130.
[76] مسحوبة من الانترنت.
[77] نقلا عن حسن وحسن ،1939: 291- 293.
[78] نقلا عن طرابزوني،1994: 125.
[79] يقصد به التقويم الهجري الشمسي.
[80] مسحوبة من الانترنت.
[81] مسحوبة من الانترنت.
* تم إعداد الجدول رقم(9) بالاعتماد على المصدر الآتي:ـ المستند في شرح العروة الوثقى، تقرير الأبحاث الأستاذ الأعظم سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي/ كتاب الزكاة ، ج23، 2005م./
تأليف سماحة آية الله الشهيد الشيخ مرتضى البروجردي.
* تم إعداد الجدول رقم(10) بالاعتماد على المصادر الآتية: المستند في شرح العروة الوثقى، تقرير الأبحاث الأستاذ الأعظم سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي/ كتاب الزكاة ، ج23، 2005م./ تأليف سماحة آية الله الشهيد الشيخ مرتضى البروجردي.، المسائل المنتخبة (العبادات والمعاملات) باب الزكاة، فتاوى المرجع الديني آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني، ط10،1423هـ.
* تحسب قيمة نصاب الغلات(خمسة أوسق/أو 300صاع) كالآتي:ـ
= الوسق(الواحد) يعادل (60) صاع، (5) أوسق = 300صاع،الصاع(الواحد)=(9)أرطال عراقية،الرطل (الواحد) = 130درهم،كل(10)دراهم=(5)مثاقيل صيرفية وربع المثقال،(130)درهم= (68)وربع مثقال صيرفي ،(9)أرطال عراقية =(68)وربع مضروبة في(9)=(614) وربع مثقال للصاع الواحد،(5)أوسق أو(300)صاع= (614)وربع مضروبة في (300)= 184275 مثقال صيرفي، وهذا الحد هو الأساس في التطبيق على سائر الأوزان من:ـ(المن الشاهي=( 1280) مثقال، المن التبريزي=(640)مثقال في اصطلاح و(1000)مثقال في اصطلاح آخر (العطًاري)،حقة النجف=(933)وثلث مثقال، حقة الاسلامبول=(280)مثقال .(المصدر: ـ المستند في شرح العروة الوثقى، تقرير الأبحاث الأستاذ الأعظم سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي/ كتاب الزكاة ،ج23: 316 ، 2005م./ تأليف سماحة آية الله الشهيد =الشيخ مرتضى البروجردي.وإذا أردنا أن نعرف مقدار الرطل العراقي مقدرا بالغم فيكون كالآتي: الصاع= 997، 2 كغم أي تقريبا ثلاثة كغم ، وبما إن الصاع=(9) أرطال عراقية ، إذن الرطل = (الصاع/ 9)=(3000/9) = ( 33، 333)غم..
* تم إعداد الجدول رقم(11 )بالاعتماد على المصدر: المستند في شرح العروة الوثقى، تقرير الأبحاث الأستاذ الأعظم سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي/ كتاب الخمس ، ج25 ، 2005م./ تأليف سماحة آية الله الشهيد الشيخ مرتضى البروجردي.
** * المئونة: المراد منها مضافا إلى ما يصرف في تحصيل الربح، ما يحتاج إليه الشخص المكلف لنفسه وعياله في معاشه،بحسب شأنه اللائق بحاله في العادة من المأكل والملبس والمسكن،وما يحتاج إليه لصدقاته وزياراته وهداياه وجوائزه وأضيافه،والحقوق اللازمة له بنذر أو بكفارة أو أداء دين أو أرش جناية أو غرامة ما أتلفه عمدا أو خطأً(البروجردي، 2005، ج25/كتاب الخمس: 252).
* ذكرنا سابقا إن إخراج زكاة الأموال المتعلقة بالمكاسب يعتبر أمرا مستحبا شرعا.
هو ولاية تحصل للمعتق على عبده بسبب عتقه له،،وهو غير موجود في العصر الحاضر.[82]
هو ولاء يحصل بين شخصين بسبب عقد يتوافقان عليه بصيغة،يقول فيها المضمون:"عاقدتك على أن تنصرني وتدفع عني وتعقل عني وترثني).[83]
ولاء الإمام وهو آخر المراتب لأن الإمام وارث من لا وارث له.[84]
المتبقي من الإرث بعد تقويمه لا يرد إلى الزوجة، فحصتها ثابتة وهي إما الربع مع عدم الولد والثمن مع الولد.[85]
ردا على استفتاء وجه لسماحته من قبل الباحثان، ربيع الثاني1429هـ.[86]
تأخذ عملية القياس المحاسبي صيغاً مختلفة لقياس الموارد والأموال المقتناة والمكتسبة،فضلا عن اتخاذ صيغا مختلفة لعرضها والتعبير عنها،التي منها العرض الوصفي،والعرض الإنشائي والعرض التحليلي والعرض الكمي والعرض القياسي والعرض القيمي، واستخدام أحد هذه الصيغ يعتمد أساسا على طبيعة المعلومة المراد قياسها من جانب ،وطلب المستخدم لتلك المعلومات من جانب آخر(النقيب،2004: 324)[87]
يترتب على موت أحد الشركاء انقضاء الشركة، فلا يحق لورثة الشريك المتوفى أن يحلوا محله، ولا يصح أن يتفق الشركاء على استمرار الشركة في هذه الحالة، وينبغي تحديد حصة الشريك المتوفى وسدادها (الحسني، 2006: 361).[88]
مسحوبة من الانترنت.[89]
المحكمة ذات القرارات المزدوجة(الشرعية والوضعية).[90]
الإمام المعصوم (ع) أو نائبه الفقيه الجامع للشرائط الشرعية.[91]
ورد في معيار المحاسبة المصري رقم (35) الخاص بالزراعة والذي ينطبق على البنود المرتبطة بالنشاط الزراعي: كالأصول الحيوية .
والإنتاج الزراعي عند نقطة الحصاد ،ورد في هذا المعيار إن القيمة العادلة لأصل تعتمد على موقعه وحالته الراهنة، وبالتالي فعلى سبيل المثال ، القيمة العادلة للقطيع في المزرعة هو سعر القطيع بالسوق المعنى ناقصاً تكاليف الانتقالات والتكاليف الأخرى للوصول بهذا القطيع إلى هذه السوق [92]
[93] المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، موقع الإسلامhttp://www.al-islam.com
[94] لسان العرب،ابن منظور، برنامج المحدث المجاني، المكتبة الشاملة الإصدار الثامن.
[95] منهاج الصالحين-المعاملات،الإمام السيستاني: 402.
[96] المال : كل عين لها قيمة ولا يختص بالنقود.
[97] المراد من المنفعة أعم من المنفعة العينية مثل الثمر واللبن ونحوهما والمنفعلة الفعلية مثل الركوب والحرث والسكنى وغيرها(منهاج الصالحين-المعاملات،الإمام السيستاني:403).
[98] أي حبس العين والتصدق بالمنفعة الدائمة.
[99] سورة البقرة/267
[100] سورة آل عمران/92
[101] مشارق الشموس ،المحقق الخوانساري،ج5،ص:290
[102] دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة، آية الله السيد محمد باقر الحكيم(قده) ص:401، .
[103] نهج البلاغة،مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي (ع)،ج3، ص:22.
[104] منهاج الصالحين-المعاملات،الإمام السيستاني، 1427هـ : 402)
[105] منهاج الصالحين-المعاملات،الإمام السيستاني، 1427هـ : 391)
[106] نظام الوقف الإسلامي والنظم المشابهة في العالم الغربي،د.محمد عبدالحليم عمر.
[107] دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة، آية الله السيد محمد باقر الحكيم(قده)ج1، ص:401، 1424هـ.
[108] الوقف في المجتمع الإسلامي المعاصر،د.منذر قحف، www.kantakji.com
[109] دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة، آية الله السيد محمد باقر الحكيم(قده)ج1، ص:400، 1424هـ.
[110] ويكيبيديا الموسوعة الحرة، بحث عن كلمة وقف- تطور الوقف على مر العصور الإسلاميةar.wikipedia.org/wiki
[111] "نموذج مقترح لمحاسبة الوقف الجماعي"،د. محمود لاشين .
[112] نقلا عن دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة،آية الله السيد محمد باقر الحكيم(قده)ج1، ص:402، 1424هـ.
[113] "نموذج مقترح لمحاسبة الوقف الجماعي"،د. محمود لاشين.
[114] monzer.kahf.com/.../al-asaleeb_al-hadeetha_fi_idarat_al-awqaf.pdf
[115] تتضمن التجربة السودانية لإدارة الأوقاف استخدام نموذج تنظيمي مبتكر يعمل أساسا على اتجاهين ،اتجاه أول نحو استدعاء واستدراج أوقاف جديدة تدخل ضمن قنوات معينة مرسومة مسبقاً واتجاه ثان نحو استثمار وتنمية الأموال الوقفية الموجودة والتي تمنحها الدولة لهيئة الأوقاف.، اما التجربة الكويتية فهي تعمل على محورين أولهما استثمار وتنمية الأوقاف الموجودة وتوزيع غلاتها،وثانيهما الدعوة إلى إقامة أوقاف جديدة من خلال تعريف الواقفين المتوقعين بالحاجات الاجتماعية والتنموية التي قد يرغبون بإقامة أوقاف لرعايتها وتلبيتها.( monzer.kahf.com/.../al-asaleeb_al-hadeetha_fi_idarat_al-awqaf).
[116] www.aleqt.com/2010/05/15/article_393064.html الصحيفة الاقتصادية الالكترونية
[117] monzer.kahf.com/.../al-asaleeb_al-hadeetha_fi_idarat_al-awqaf
[118] Accounting framework in relation to waqf accounting and accountability, by "Anna Shane"2008
[119] Accounting framework in relation to waqf accounting and accountability, by "Anna Shane"2008
[120] Accounting framework in relation to waqf accounting and accountability, by "Anna Shane"2008
[121] الأساليب الحديثة في إدارة الأوقاف،د.منذر قحف،1997.
[122] نموذج مقترح لمحاسبة الوقف الجماعي،د. محمود لا شين.
[123] الأساليب الحديثة في إدارة الأوقاف،د.منذر قحف،1997
[124]هيمنة الحكومات أهم أسباب تردي دور الوقف الإسلامي، الباحث الاقتصادي أحمد تمّام،2009.
[125] الأساليب الحديثة في إدارة الأوقاف،د.منذر قحف،1997.
[126] لمزيد من التفاصيل عن النظم الغربية للوقف ،يراجع "نظام الوقف الإسلامي والنظم المشابهة في العالم الغربي" ،د. محمد عبدالحليم عمر،جامعة الأزهر.
[127] عمليا استطاعت المؤسسات الاقتصادية تحقيق النجاح والتطور ،لما يتمتع به التنظيم الإداري لهذه المؤسسات من قدرة على الربط بين منفعة المديرين من جهة ومنفعة المالكين من جهة أخرى وان يقيم نظاما ناجحا للرقابة على الإدارة إلى درجة معقولة ومقبولة إنسانيا." الأساليب الحديثة في إدارة الأوقاف"، د. منذر قحف.
[128] نموذج مقترح لمحاسبة الوقف الجماعي،د. محمود لا شين.
[129] الأساليب الحديثة في إدارة الأوقاف"،د.منذر قحف.
[130] دور الوقف في مرحلة التحول والتغيير،ديوان الوقف الشيعي،العراق،2010.
[131] هذا ما يفترضه مفهوم حوكمت الشركات ، فمن المبادئ الأساسية لهذا المفهوم الحفاظ على حقوق حملة الأسهم والحرص على الإفصاح والشفافية وتأكيد مسؤولية مجلس الإدارة ،مع التأكيد على مسؤوليات العهدة بالأمانة fiduciary responsibility ( حوكمة الشركات ،نرمين ابو العطا، شبكة المعلومات الدولية ).
[132] المحاسبة الادارية ،هيتجر وماتولتش،2004: 456.
[133] المحاسبة الادارية ،كحالة وحنان، 2009:
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat