صفحة الكاتب : احمد العبيدي

ثمن الحرب
احمد العبيدي

إن كان للحرب نتائج وأهداف يتوخاها مُشعِلوها، فإن ما تستوفيه من استحقاقات مادية وبشرية لا تتناسب بأي حال مع نتائجها وأهدافها مهما بلغت، وكلما تطورت وسائل الحرب اتسعت رقعة الاستحقاق وأمعنت في استيفاء المزيد منها، فالحرب العالمية الثانية راح ضحيتها أكثر من 70 مليون انسان على ما قيل، سوى ما دمرته من عشرات المدن تدميراً شبه كامل.
اما الحروب في العراق، فلا تغيب عن ذاكرة العراقيين صورُ حروبٍ متوالية شهدوها خلال أربعة عقود مضت من دمار ومظالم وأعزة فقدوهم، ومع ان الحروب السابقة لم تكن قليلة البأس، لكن آثار الحرب الاخيرة التي يشنها داعش على العراق هي الابلغ والاوجع والابقى في وجدان العراقيين وعلى كل شبر من أرضهم، إليكم بعض صورها :
1-    لا يستطيع أحد إنكار مدى الانشقاق الذي ولّدته هذه الحرب بين أبناء الشعب الواحد، فانتساب داعش للمدرسة السنية، حمّل سنة العراق، لا سيما في المدن المغتصبة، كل أوزارهم في نظر شركائهم في الارض من شيعة وإيزديين ومسيحيين وشبك، رغم ان كثيرين من أهالي هذه المدن أدركوا بعد وقت قصير خطأ ترحيبهم بظهور هذا الداء بين ظهرانيهم.
2-    ان صدور فتوى بالجهاد من مرجع أعلى للشيعة إثر ظهور داعش، واستجابة الآلاف منهم لنداء المرجع  وصدهم لداعش ودحره في اكثر من موقع، ورغم ان الفتوى لم تقصد حماية الشيعة وحدهم من هذا خطر الذي لا يستثني بلاؤه من العراقيين أحداً، إلا ان كثيراً من سنة العراق راحوا يحمّلون هؤلاء الملبّين استحقاقات ومظالم وآثار القتال الجاري في مناطقهم، ولا يخفى ما قد يخلفه ذلك من ضغائن وأحقاد وثارات بين الطائفتين الكبريين، قد لا تمحوها إلا سنين طوال.
3-    ان تعاطف او خضوع أهالي المناطق التي سيطر عليها داعش، وانخراط الكثير من أبنائهم في صفوف التنظيم ومشاركتهم في القتال معهم، أجبر قوات التحرير من حشد شعبي وجيش وشرطة على التعامل بريبة مع سكنة المناطق المحررة، يقابله توجس وقلق من الأهالي انفسهم، دفع الاكثر منهم للهجرة والتشرد وترك منازلهم خوفاً من الملاحقة، ما خلق هجرة واسعة النطاق حولت كثيراً من المناطق الى مدن أشباح، وترجح المؤشرات بقاء هذه الحالة مدة ليست بالقصيرة.
4-    إن انعدام شعور عناصر داعش بالمسؤولية تجاه اي شيء في العراق، وعدم مبالاتهم بالمال العام والخاص، جعلهم لا يتورعون عن تخريب الطرق الكثيرة بالعبوات وتفخيخ الدور الخاصة وتفجير البنايات العامة وإحراق المعامل والآليات ونسف الجسور الضخمة والاستراتيجية كأبسط إجراء يوقف ملاحقة قواتنا لهم، كجسر الزركة والخازر وجسر سامراء- تكريت وجسر العظيم وغيرها، خلف دماراً في العراق لا يستطيع تصوره إلا من شاهده بعينيه.
5-    أهم من ذلك كله، ما خلفته هذه الحرب من دمار اخلاقي وقيمي، فقد تسربت أخلاق داعش وطقوسها في الحرب والحكم حتى الى أعدائها ومن يجاهد لقتالها، من ذبح وتمثيل وعنف وتعذيب وقسوة، فأصبح البعض لا يتردد من نشر ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي تبجحاً واستهتاراً،  رغم وضوح حرمته وقبحه ولا انسانيته.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


احمد العبيدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/01/02



كتابة تعليق لموضوع : ثمن الحرب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net