صفحة الكاتب : احمد العبيدي

لا شجاعة مع الانتحار!
احمد العبيدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 تتيح لنا التجارب في أحيان كثيرة تغيير تصوراتنا بشأن عدد من المفاهيم، خلافاً لما كان راسخاً في أذهاننا عنها، ليس خروجا عن معانيها، بل عودة الى حقائقها المتفق عليها إنسانياً وعلمياً، إذ يقرر علماء الاخلاق بأن الخصلة الفاضلة لا تعدو كونها تصرفاً معتدلاً بين حالتي الإفراط والتفريط، فالسخاء (مثلا) نقطة وسط بين الاسراف والبخل، وهكذا الشجاعة، فإنها حالة معتدلة بين التهور والجبن، وقِس على ذلك ما سواهما..
ورغم وضوح معاني المفاهيم الاخلاقية وضوحاً وجدانياً، لكننا لا نزال نجد من يعمل على تحريف بعضها من خلال إطلاقها على أعمال وممارسات لا تنطبق عليها، بل وتعارضها أيضا.
فمفهوم الشجاعة تعرض مؤخراً لكثير من التحريف في المعنى والتطبيق، حتى بات اليوم يُطلق على من يتخذ الموتَ غايةً شخصية ترخص دونها أرواح الآخرين وممتلكاتهم، فيفجر أحدهم نفسه ويتشظى جسده في لحظة قد لا تستغرق غير جزء من ثانية، متوقعا انه سيحظى بما وعدَ اللهُ الشهداءَ من جنة ونعيم ورضوان .... وقد جذبت هذه الفكرة شذّاذ الآفاق الى العراق وغيره، ليفجروا أنفسهم وسط الاسواق والمساجد والتجمعات العامة، حتى تجاوز عددهم في العراق وحده أربعة آلاف انتحاري، تسببوا في موت عشرة أضعاف عددهم من المسلمين الابرياء والعزّل في أقل تقدير.
إنني ومن خلال الواقع الميداني للمعركة مع داعش، أدركت أن من الخطأ وصف عملية انتحارية باعتبارها فعلاً بشرياً بالشجاعة، بغض النظر عن المتبنيات الفكرية لفاعلها، لان الشجاعة انما تتجسد وتظهر من خلال المواجهة والصمود والثبات والتحدي والقدرة على البقاء والعمل على إحراز النصر والغلبة، وليس في هذا النوع من العمليات شيءٌ من ذلك.
فأن يضغط إنسانٌ على زرٍّ ويفجّر نفسه في طرفة عين، دون أن يواجه عدواً ولا يكابد مصاعب التقدم والثبات، فهو لا يستحق وصف الشجاع، لأنه اختار ميتة سريعة ليس معها إحساس بألم، ولا صبر في مواجهة.
ثم، هل يقبل عاقل ان يتخذ مقاتلٌ غاية غير النصر وغلبة العدو، يسترخص في سبيلها نفسه، إن أعطاه الله النصر فهو غاية ما تمناه وسعى إليه وبذل فيه جهده، كما عبر عنها الحق بقوله تعالى (وأخرى تحبونها نصر من الله)، وإن قتل دون ذلك فقد ربح (إحدى الحسنيين). أما ان يكون الموت غاية بحدّ ذاته، فيقتل الآلاف أنفسهم في عمليات انتحار شبه جماعية، فليس ذلك إلا إلقاء بالنفس في التهلكة (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، ولو ان النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كان قد دعا الى مثل ذلك، لما بقي على وجه الارض مسلم بعد كل هذه القرون، لكنه حين بُعث داعياً الى حياة طيبة كريمة، بقي هذا الدين وسيبقى الى ان يرث الله الارض ومن عليها..
(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا للهِ وللرسولِ إذا دعاكم لِما يُحييكم...)
(من عمِلَ صالحاً من ذكرٍ أو اُنثى وهو مؤمنٌ لنحيينّهُ حياةً طيبةً...)
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


احمد العبيدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/01/09



كتابة تعليق لموضوع : لا شجاعة مع الانتحار!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net