صفحة الكاتب : عبد الزهره الطالقاني

((عين الزمان)) الغزو السياسي للقشلة
عبد الزهره الطالقاني


القشلة المبنى التراثي الجميل الذي اصبح مقصدا ثقافيا مهما .. نتيجة ما بُذلت من جهود حثيثة من قبل إدارة محافظة بغداد السابقة ووزارة السياحة والاثار بعد ان أُغلقت اكثر من ثلاثين عاما..
القشلة اليوم واحدة من أركان شارع الثقافة "المتنبي" .. وأصبحت جزءا مهما من المشهد الذي يستقطب آلالف الناس على مختلف مشاربهم ، ليقضوا ساعات فيه ، حيث يشكل مع مبنى المركز الثقافي البغدادي نسيجا تراثيا محببا ، يتناغم كليا مع طبيعته ووظيفته ، وينسجم مع الأجواء التي توفرها النشاطات المتعددة وعناوين الكتب المعروضة بشكل فوضوي .. كثيرون من رواد شارع المتنبي ياتون يوم الجمعة للفرجة ، واخرون ياتون حتى يلتقوا اصدقاءهم ومعارفهم من المثقفين والفنانين والادباء وأساتذة الجامعات ، ومجموعات أخرى دُعيت للزيارة من قبل من شاهد هذه الأجواء واعجب بها..
رواد المتنبي يزدادون كل جمعة.. وتكاد هذه المنطقة المحصورة بين شارع الرشيد وضفاف دجلة ان تشهد اكبر تجمع بشري في وقت واحد في العراق على اقل تقدير وربما في أماكن أخرى من العالم سوى التجمعات الدينية والسياسية.
وعلى ذكر السياسة فانها بدأت تزحف الى هذا المكان وتحاول ان تطغى على المشهد الثقافي .. فهناك معترضون ، واخرون متظاهرون ومجموعات تبث دعاية للأحزاب.. حتى انك تستطيع الحصول على عدد من الصحف مجانا مثل "طريق الشعب" و"الى امام" وهاتان الصحيفتان يصدرهما الحزب الشيوعي العراقي كما هو معلوم .. هذا الحزب الذي حاول منذ تاسيسه ان يستميل عقول وقلوب الفئات المتعلمة ، واشتغل في وسطها ، حتى اننا لا نستغرب ان نرى الممثل شيوعيا ، والمخرج شيوعيا ، والرسام شيوعيا ، والمغني شيوعيا ، والشاعر والاديب والكاتب .. ففي هذه البيئة حاول الشيوعيون ان ينشروا أفكارهم  ومبادئهم بعد ان جندوا العمال والفلاحين أوائل الخمسينيات من القرن الماضي .. اليوم حسب مايبدو هناك صحوة شيوعية جديدة .. وغزو جديد من قبل هذا الفكر للشارع الثقافي .. هذا ليس اعتراضا عليهم ، بل تصوير للمشهد .. فهم احرار في اختيار البيئة التي  يجدونها مناسبة لنشر أفكارهم بعد ان عانوا مثل كل العراقيين من القمع والمطاردة والملاحقة والسجون أيام النظام الدكتاتوري . كما انك تلاحظ أصوات ترتفع هنا ، وأخرى ترفع هناك للاعتراض على استمرار امين بغداد في منصبه ، او اعتراض على إجراءات رئيس جامعة بغداد .. وقد وصلت الاعتراضات الى حد قيام نقابة الصناعات الجلدية بتظاهرة من نوع اخر ، حيث استغلت هذا التجمع الكبير من الناس لتعرض نماذج من الصناعات الجلدية المحلية التي ينتجها القطاع الخاص ، وسط هذا الخضم وعمليات التسوق للوازم المدرسية والقرطاسية يحاصر المثقفون والقراء وطلبة الدراسات العليا ليفرض عليهم زادا لم يطلبوه ، ولم يقصدوه .. بل لا يرغبون فيه..
لقد تطورت الحركة الثقافية في شارع المتنبي بشكل مذهل خلال عام 2014 وتميزت بحركة ونشاط غير معهودين ،  وتفوقت كثير عن ما كانت عليه عام 2013 مع ان ذلك العام شهد نشاطات بغداد عاصمة للثقافة العربية ..
المهم في هذا الموضوع هو إزالة هذه المظاهر الشاذة عن شارع الثقافة .. ويمكن اختيار أماكن أخرى للتظاهرات والمناكفات والاعتراضات والدعايات الحزبية ..
اذا استمر هذا المشهد من شأنه ان يحول شارع المتنبي الى شارع سياسة ويسلبه وظيفته الاساسية كونه شارع ثقافة .. وليس ببعيد ان يستمر مشهد المنشوارت والمطالبات واللافتات مستقبلا ، واذا ما استمرت هذه الحالة فان المتنبي يُسرق .. ويصبح ساحة للصراع السياسي ، وهذا ما لا يقبل به احد .. من هنا لا بد من اتخاذ إجراءات مناسبة من وزارات ، الداخلية والثقافة والسياحة والاثار ومحافظة بغداد وامانة بغداد ، لوضع تعليمات وضوابط تدعو فيها رواد المتنبي بالابتعاد عن أجواء السياسة ، والعيش في أحضان الثقافة سويعات من نهار الجمعة ، الذي غالبا مايكون مشرقا بوجوههم ورواد مبنى القشلة والمركز الثقافي البغدادي.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الزهره الطالقاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/02/16



كتابة تعليق لموضوع : ((عين الزمان)) الغزو السياسي للقشلة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net