صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تأملات في القران الكريم ح263 سورة الفرقان الشريفة
حيدر الحد راوي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً{32} 

تروي الآية الكريمة مقترحا اخرا للكفار (  وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ) , هلا انزل عليه القرآن دفعة واحدة كالكتب السماوية الاخرى , (  كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ) , كذلك انزل الله تعالى القرآن على دفعات , ولذلك الكثير من الفوائد , منها تثبيت القلوب وتيسير حفظه وفهمه , وهو اثبت واقر في قلوب المسلمين عما اذا نزل دفعة واحدة , (  وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ) , قرأناه عليك شيئا بعد شيء , مدة عشرون او ثلاثة وعشرون سنة , ليتسنى للجميع حفظه وفهمه .   

 

وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً{33} 

تستمر الآية الكريمة في نفس الموضوع (  وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ ) , حجة او شبهة بهدف ابطال نبوتك والقدح فيها , (  إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ ) , بالحق الثابت الدامغ لكل شبهاتهم وحججهم الباطلة , (  وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً ) , وايضا ما هو احسن وافضل بيانا .  

 

الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً{34} 

تقرر الآية الكريمة (  الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ ) , الكفار يساقون اليها , لكن ليس على اقدامهم , بل يدخلونها على وجوههم , (  أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً ) , أسوء الاماكن "جهنم" , (  وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) , على الطريق الاكثر اخطاء وانحرافا من غيره .   

(  عن النبي صلى الله عليه وآله انه سئل كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة قال ان الذي امشاه على رجليه قادر ان يمشيه على وجهه يوم القيامة ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" . 

  

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً{35}

تنتقل الآية الكريمة لتنقل صورة من خبر موسى وهارون عليهما السلام (  وَلَقَدْ ) , ( قَدْ ) للتحقيق واللام للتأكيد , (  آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ) , التوراة , (  وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً ) , معينا مؤازرا له في اداء مهام رسالته .   

 

فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً{36} 

تروي الآية الكريمة الامر الالهي لهما عليهما السلام (  فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ) , فرعون وقومه , (  فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً ) , كذب فرعون وقومه برسالتهما عليهما السلام , فاهلكهم جل وعلا هلاكا . 

 

وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً{37} 

تنتقل الآية الكريمة لتذكر شيئا موجزا عن خبر نوح "ع" وقومه (  وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ ) , المعلوم ان نوحا "ع" واحد , فلماذا جاءت كلمة ( الرسل ) جمعا ؟ , لذلك عدة اراء نذكر منها :  

1- لطول اقامته بينهم , ولكثرة ما دعا قومه الى نبذ الاصنام وعبادة الله تعالى , فكان "ع" بعمله هذا كعدة رسل مجتمعين , (  قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً{5} فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً{6} ) سورة نوح الشريفة . 

2- او لأن تكذيبه يعد تكذيبا لمن سبقه من الرسل , لاشتراكهم في مهام الرسالة . 

3- او ان يكون هناك رسلا اخرين في فترة وجوده "ع" , ادوا مهامهم الرسالية , لكن وافاهم الاجل قبله "ع" . 

4- او لعل بعض المؤمنين ممن آمن به "ع" كان يحملون على عاتقهم اداء الرسالة , فكانوا كالرسل لكن من قبل نوح "ع" , وليسوا مكلفين بالرسالة من الله تعالى بالوحي .   

أيا كان المقصود من مفردة ( الرسل ) الا ان قوم نوح "ع" كذبوهم جميعا , (  أَغْرَقْنَاهُمْ ) , اغرقهم الله تعالى بالطوفان , (  وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً ) , فكانوا علامة من علامات قدرته جل وعلا , وعبرة للناس جميعا منذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا , (  وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً ) , ولهم عذابا مؤلما في الاخرة , بالإضافة الى ما حلّ بهم في الدنيا .    

 

وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً{38} 

تعرج الآية الكريمة الى ذكر بعض الاقوام (  وَعَاداً وَثَمُودَ  ) , سمى النص المبارك تلك الاقوام بما كان يصطلح به , (  وَأَصْحَابَ الرَّسِّ ) , يختلف المفسرون في كينونتهم , فمما قيل عنهم انهم :

1- اسم بئر ونبيهم قيل شعيب وقيل غيره كانوا قعودا حولها "حول البئر" فانهارت بهم وبمنازلهم . 

2- هم اهل قرية من قرى ثمود، والرس الذي نسبوا إليه هو بئر في أذربيجان، وسمي هذا البئر بالرس لأنهم رسوا نبيهم فيه - أي أغرقوه فيه ودفنوه - وهم قوم نبي يقال له حنظلة بن صفوان كذبوه وقتلوه فأهلكهم الله , وكانوا عبّاداً لشجرة صنوبر غرسها يافث بن نوح تسمى شاهدرخت . 

3- هم قوم عبدوا الأصنام وطغوا في كفرهم وعصيانهم، وكانوا يبنون منازلهم حول بئر، فبينما هم حول البئر في منازلهم انهارت بهم وبديارهم، فخسف الله بهم فهلكوا جميعاً.

(  وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً ) , يؤكد النص المبارك على وجود اقوام كثيرة غيرهم , لم يذكرهم لكنه اشار الى وجودهم .      

 

وَكُلّاً ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلّاً تَبَّرْنَا تَتْبِيراً{39} 

تبين الآية الكريمة (  وَكُلّاً ) , كل امة من تلك الامم , (  ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ ) , حججا وبراهين لإقامة الحجة عليهم , ولم يهلكوا من دون سابق انذار , (  وَكُلّاً تَبَّرْنَا تَتْبِيراً ) , فتتناهم تفتيتا , كسرناهم تكسيرا , اهلكناهم هلاكا بعد تكذيبهم برسلهم وانبياؤهم .      

 

وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُوراً{40} 

تذكر الآية الكريمة (  وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ ) , أي قريش مروا في قوافلهم التجارية على مدن قوم لوط , واشهرها سدوم , (  أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا ) , تضمن النص المبارك سؤالا انكاريا او للتقرير على بعض الآراء , (  بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُوراً ) , لانهم كانوا كفارا لا يتوقعون النشور ولا يرجون الثواب ولا يخافون العقاب , لم يعتبروا ويتعظوا بهم , كلما مروا بتلك المدينة . 

 

وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً{41} 

تنقل الآية الكريمة صورة واضحة عما كان يتعرض له النبي الكريم محمد "ص واله" من كفار مكة (  وَإِذَا رَأَوْكَ ) , اذا شاهدوك , (  إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً ) , موضعا للسخرية , قائلين مشيرين لك بمزيد من الاستهزاء (  أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً ) , تهكما واستهزاء .   

 

إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً{42}

تستمر الآية الكريمة برواية كلام كفار مكة فيه "ص واله" (  إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا ) , قارب ان يصرفنا عن عبادة اصنامنا , بدعوته وكثرة حججه وبراهينه القاطعة , (  لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا ) , فلولا تمسكنا بها وثباتنا عليها , لتحولنا عنها , (  وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً ) , النص المبارك فيه وعيد , فأنه جل وعلا يمهل ولا يهمل , فحين يرون العذاب في الاخرة عيانا , سيدركون من كان الابعد عن الطريق المستقيم .  


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/02/26



كتابة تعليق لموضوع : تأملات في القران الكريم ح263 سورة الفرقان الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net