بسم الله الرحمن الرحيم
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً{55}
تنعطف الآية الكريمة لتبين مقررة :
1- ( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ ) : بعد ان بينت الآيات الكريمة السابقة جزءا من معالم قدرته جل وعلا , الا ان الانسان "الكافر" يتخذون آلهة من المخلوقات , ما لا يجلب النفع لهم , ولا حتى يضرهم او يدفع الضر عنهم .
2- ( وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً ) : يقرر النص المبارك ان الكافر يعين الشيطان بطاعته , او يظاهر الشيطان في عدواته لله تعالى وللمؤمنين .
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً{56}
الآية الكريمة تعين وظيفة الرسول الكريم محمد "ص واله" بوظيفتين :
1- ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً ) , مبشرا بالجنة وحسن العاقبة والثواب الجزيل للمؤمنين .
2- ( وَنَذِيراً ) : منذرا من جهنم وسوء العاقبة والعذاب الاليم للكفار .
قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً{57}
الآية الكريمة تخاطب الرسول الكريم محمد "ص واله" ( قُلْ ) , لهم , ( مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ) , لا اطلب اجرا مقابل دعوتي وادائي لمهام الرسالة والنبوة , ( إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ) , لكن من شاء منكم ان ينفق في اوجه الحق قربة الى الله تعالى فلستم بمجبرين على ذلك , لكنه خيرا لكم وازكى لأموالكم واطهر لنفوسكم .
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً{58}
يستمر خطاب الآية الكريمة للرسول الكريم محمد "ص واله" :
1- ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ) : اعتمد وتوكل على الحي الذي لا يموت في استكفاء الشرور والاستغناء عن الاجور .
2- ( وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ) : نزهه جل وعلا عن صفات النقصان وكل ما لا يليق به جل وعلا , مثنيا عليه بصفات الكمال والجلال , طلبا لمزيد النعم { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }إبراهيم7 .
( وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً ) , كفى به جل وعلا عالما مطلعا على ذنوب عباده , ما خفي منها وما اعلن , وهو جل وعلا يجازيهم بها , فلا عليك ان آمنوا او كفروا .
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً{59}
نستقرأ الآية الكريمة في ثلاثة موارد :
1- ( الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) : يؤكد النص المبارك ان الله تعالى خلق السموات والارض في ستة ايام , لا يعلم انها من ايام الدنيا او من ايام الاخرة , فلم تكن هناك شمس ولا ارض قد خلقا بعد .
2- ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) : عرش القدرة .
3- ( الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ) : تختلف الآراء حول ( خَبِيراً ) , فمنها :
أ) الخبير هو الله تعالى , وهو من الاسماء الحسنى .
ب) اذا كان سياق النص المبارك موجه للناس عامة , فأن الاكثر معرفة بالله تعالى هو الرسول الكريم محمد "ص واله" , فيكون هو المراد به .
ت) الخبير هو جبرائيل "ع" .
ث) من خبر الله تعالى في الرسل والكتب المتقدمة .
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً{60}
تبين الآية الكريمة ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ ) , لتساءل كفار مكة هذا عدة اراء منها :
1- ما كان كفار مكة يطلقون لفظة ( الرحمن ) على الله تعالى .
2- او انهم ظنوا ان الرحمن غير الله تعالى .
3- او ان سؤالهم كان فيه شيئا من الاستهزاء .
( أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا ) , أتريد منا ان نسجد لما تأمرنا بالسجود له طاعة لك , ( وَزَادَهُمْ نُفُوراً ) , بعدا عن الايمان .
تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً{61}
تتعلق الآية الكريمة بسابقتها الكريمة , السابقة امرت بالسجود للرحمن فاعرض وانكر الكفار ذلك , لذا جاءت بمزيد من المعرفة بالرحمن ( تَبَارَكَ ) , تعاظم , كثرت خيراته وبركاته , ( الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء ) , النص المبارك يرفع التفكر والتدبر الى السماء , لمعرفة كفار مكة ببعض احوالها وما ينفعهم في معرفة الطرق ومسير القوافل :
1- ( بُرُوجاً ) : البروج الاثني عشر .
2- ( وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً ) : الشمس , {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً }نوح16 .
3- ( وَقَمَراً مُّنِيراً ) : مضيئا , {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً }نوح16 .
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً{62}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة مضيفة ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً ) , يخلف كلا منهما الاخر , ( لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ ) , ما فاتك في احدهما , يمكنك قضاءه في الاخر , ( أَوْ أَرَادَ شُكُوراً ) , او لمن اراد ان يشكر نعمه جل وعلا فيهما .
( عن الصادق عليه السلام كل ما فاتك بالليل فأقضه بالنهار قال الله تبارك وتعالى وتلا هذه الآية ثم قال يعني ان يقضي الرجل ما فاته بالليل بالنهار وما فاته بالنهار بالليل ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً{63}
تنعطف الآية الكريمة لتسلط الضوء على عباد الرحمن مادحة ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ ) , نسبتهم للرحمن , لفرط ايمانهم , ثم ذكرت خصلتين من خصالهم :
1- ( الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ) : مشيهم الطبيعي من غير تكلف او تبختر .
( عن الصادق عليه السلام هو الرجل يمشي بسجيته التي جبل عليها لا يتكلف ولا يتبختر ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .
2- ( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً ) : يبين النص المبارك حالة من حالاتهم , عند تعرض الجاهلون لهم بما يكرهون , يجيبونهم بـ ( سَلَاماً ) :
أ) تسليما منكم ومتاركة لكم لا خير بيننا ولا شر . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .
ب) أي قولا يسلمون فيه من الإثم . "تفسير الجلالين للسيوطي" .
وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً{64}
تستمر الآية الكريمة في بيان حالة من حالاتهم السرية في علاقتهم مع الله تعالى ذكره ( وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ ) , تخصيص العبادة في البيتوتة كونها ابعد عن الرياء وارسخ في القلب , ( سُجَّداً وَقِيَاماً ) , كثرة السجود والقيام .
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً{65}
تستمر الآية الكريمة في بيان حالة اخرى من حالات عباد الرحمن , والتي يتبين فيها اشفاقهم من عذاب جهنم ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ) , اي ان دعاءهم لازم وثابت ومستمر , مع لحاظ ان دعاءهم يستهل بــ ( رَبَّنَا ) , وقد تقدم الحديث عن هذا المضمون , ( اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ) , اول مطلب لهم ان يمنّ عليهم الباري جل وعلا بالنجاة من جهنم , ( إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً ) , مبينين السبب وهو ان عذاب جهنم يلازم صاحبه , ولا يفارقه .
إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً{66}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة لتروي على لسان عباد الرحمن بيانا اخر لجهنم ( إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ) , ان جهنم شر مكانا للاستقرار والاقامة .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat