صفحة الكاتب : كاظم الحسيني الذبحاوي

التعايش السلمي في القرآن والطائفية
كاظم الحسيني الذبحاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قال تعالى في الآية الثامنة من سورة الممتحنة : ( لا ينهاكم اللهُ عن الذين لم يـُقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أنْ تبروهم وتقسطوا إليهم إنّ اللهَ يحبُّ المقسطين ) بحسب ما نتبناه من منهج فإنّ الخطاب في هذه الآية المباركة يتوجه إلى الذين آمنوا بدءً من الآية الأولى من هذه السورة العظيمة  التي تقول : (يا أيـُّها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءَكم من الحق يخرجون الرسولَ وإياكم أنْ تؤمنوا بالله ربِّكم إنْ كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرُّون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضلَّ سواءَ السبيل) .ذلك أن مصطلح (الذين آمنوا) أينما يرد في القرآن مطلقاً غير مقيّدٍ إنما يراد منه مطلق المسلمين ، أما إذا جاء مقيّداً فإنه يُتمسك بالقيد الظاهر في الآية .
أمرٌ من الله سبحانه يتوجه إلى جميع المسلمين في جميع عصورهم بالتعايش السلمي مع بقية الطوائف والجماعات بالبـِرّ والقسط لهم بضابطة قررتها الآية (لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم) .والدين في المقام يتسع ليشمل العقائد فضلاً عن الأحكام والتشريعات ، ذلك أن لفظ الدين في القرآن مقيد بقرائن المقام غير مطلق ، فثمة أكثر من معنى لهذه اللفظة .
لكنّ الملفت للنظر هو أن الآية لم تخصص جماعة بعينها ، كأن يكونوا يهوداً أو نصارى أو صابئة أو مجوس أو مسلمين ؛بل المهم أنهم لم يقاتلوا المسلمين بالدين ولم يخرجوهم من ديارهم بالتهجير والإبعاد والإجلاء ،كما نراه يحصل في بقاع يقطنها مسلمون هنا وهناك .فمثل هؤلاء لم ينه اللهُ المسلمين أن يبروهم ويقسطوا إليهم جزاءً لحسن سمتهم وجودة صنيعهم بالمسلمين الذين يجاورونهم وهم ضعفاء اقتصادياً وعسكرياً ،كما يتوقع من لحن القول في هذه الآية ؛وإلاّ لم تقع المقاتلة في الدين والإخراج من الديار لو كان المسلمين أقوياء  ،ولم يبق ثمة داع لهذا الخطاب من الأساس .
إذن القرآن يحث المسلمين على التعايش السلمي مع بقية الأقوام بصرف النظر عن عقائدهم التي يعتقدون بها ،ومن هنا قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه لمالك الأشتر في عهده المشهور : الناس صنفان إما أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق .
ولكننا لو عطفنا النظر إلى الآية اللاحقة لهذه ،وهي الآية التاسعة من السورة نجدها تقرر حكماً متمماً لهذا الحكم الإلهي بقولها : ( إنما ينهكم عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أنْ تولوهم ومَن يتولهم فأولئك همُ الظالمون) كذلك فإننا نجد أن هذه الآية لم تذكر عقيدة العدو أيضاً ، كأن يكون يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً أو صابئياً أو حتى مسلماً ، ذلك أن البعض من المسلمين أهل القبلة يعمدون إلى  مقاتلة المسلمين الذين يخالفونهم بالرأي مكفّرين لهم ، ويهجرونهم من ديارهم ،ويتآمروا مع غير المسلمين على تهجيرهم ،وذلك بسلوك طريق التكفير لهم حتى يسوغ لهم فعل ما تذكره الآية !
المقاتلة في الدين والتهجير من الديار يحصل من مسلمين ضد مسلمين يخالفونهم في العقيدة التي يعتقدون بصوابها ،أو يحصل من غير المسلمين ،فإذا كان المقصودون هم غير المسلمين فالأمر ليس فيه غموضاً يستدعي البيان لأنه يقع من باب الأولى،ولكن ما بالك إذا كان الفاعل لهذين الفعلين من المسلمين ؟ فهولاء لا يجوز اتخاذهم أولياء بمعنى إعطاء الولاية لهم بجعلهم ولاة للأمر على المسلمين وإن كانوا من أهل القبلة !
والخلاصة : إنّ الضابطة التي تشيع ثقافة التعايش السلمي بين مختلف أهل الأديان ،تلكم الثقافة التي أرساها القرآن العظيم تتمحور حول مسألتين أساسيتين هما :
المسألة الأولى : نبذ العنف والقتال الذي يوقعه مسلمون وغير مسلمين على المسلمين بدعاوى متنوعة .
المسألة الثانية : أمن المسلمين في ديارهم وذلك بعدم تعرّضهم إلى التهجير القسري الذي قد يقوم به مسلمون أو غير مسلمين .
أمّا الطائفية فإنني لم أفهم ما هو المقصود منها ومَن الذي جاء بها ؟  فإذا كان المقصود بها الشيعة حينما يقولون عن أنفسهم أنهم شيعة ،فذاك أمرٌ يبعث على العجب ،والآخرون يتحدثون عن أنفسهم أنهم سنة بكل حرية وتودد ولا يقول أحدٌ عنهم أنهم طائفيون !
 ثمَّ أنّ القرآن العظيم يرسي دعائم الطائفية في العديد من السور أذكر منها : البقرة ـ الأعراف ـ النورـ العنكبوت ـ الذاريات ـ الفاتحة ،ثم غيرها أيضاً في تفصيل ذكرناه في موضع غير هذا . ثمّ أن الله تعالى جعل الناس غير متكافئين في الإمكانات والاستعدادات والقابليات ،فالوحدة التي يتحدثون عنها تخالف فطرة الناس التي فطرهم الله عليها . قال تعالى في الآيتين 1118، 119 من سورة هود : ( ولو شاء ربـُّك لجعل الناس أمّة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلاّ مَن رحم ربّك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربّك لأملأنَّ جهنم من الجـِنّة والناس أجمعين) .
والخلاصة : إنّ الاختلاف الحاصل عند الناس فيما يتعلق بالعقائد التي يتبنونها ،والثقافات التي يتخذونها لا توجب الشحناء والتباغض ؛بل توجب التعايش والتآلف .
 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كاظم الحسيني الذبحاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/05/19



كتابة تعليق لموضوع : التعايش السلمي في القرآن والطائفية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net