صفحة الكاتب : كاظم الحسيني الذبحاوي

تفسير قوله تعالى : (هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم الله في ظلل منَ الغَمام)
كاظم الحسيني الذبحاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

البحث اللغوي
(هل) أداة استفهام غايته الإنكار والتهكم .و(ينظرون) منَ الإنظار أي بمعنى الإمهال والإرجاء . قال تعالى في الآية 14من سورة الأعراف حكاية عن قول إبليس:( قال أَنظرني إلى يوم يُبعثون) أي أمهلني إلى ذلك اليوم .
مُفاد الآية
الآية في سياق آيات أُخر تأتي الإشارة إليها ،وقد وردت بألفاظٍ متقاربة أو غير متقاربة تتحدّث عن موضوع واحد سنعرفه من خلال الكلام عنها . لكنّ الذي يظهر من لهجة الآيات المذكورة أنّ فيها تهديداً ووعيداً ، ومن نبرة الصوت في بعض هذه الآيات يمكن أن يُتلمّس منها لهجة العتاب فضلاً عن الإنكار والتهكّم والتهديد ،وهو ليس بغريب . قال تعالى في الآية30 من سورة يس : ( يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلاّ كانوا به يستهزئون).كما لا يبعد أن تكون مادة الوعيد فيها حدثاً دنيوياً ؛ بل هو المتبادر من مجموع القرائن المتكاثرة التي سترد خلال الاسترسال في هذا الحديث .فمن تلكم القرائن ما جاء في الآية 158من سورة الأنعام:(هل ينظرون إلاّ أن تأتيَهم الملائكة أو يأتيَ ربّك أو يأتيَ بعضُ آياتِ ربّك يوم يأتيِ بعضُ آياتِ ربّك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبلُ أو كسبت في إيمانها خيراً قل انتظروا إنّا منتظرون)  .
أمّا معنى إتيان الله في الآية موضوعة السؤال ،فإن الذي ذكرتموه في جوابكم فلطيفٌ ، لكنّه عام يرجع إلى عقيدة نفي التجسيم عن الذات الإلهية ،وبحسب ظنّي أن الآية لم ترده على وجه الخصوص ؛وإنما أرادت شيئاً أخطر منه بنحو إرساء عقيدة ترتكز على قاعدة قرآنية مُفادها أنّ القرآن كتابٌ دنيوي وليس كتاب أخروي ؛ بمعنى أنه كتاب يُعمل به في دار التكليف حسب ، ذلك أن الآخرة دار جزاء ليس فيها عمل . ونلاحظ أن الأمويين أجهدوا أنفسهم وأجهزتهم لإشاعة أن مهمة هذا القرآن ،وصفُ الجنّة وما فيها ،ووصفُ النار وما فيها ،ويحكي قصص الأمم الماضية ،وفيه آيات الأحكام ، نأياً به عنِ الدخول في المسائل الدنيوية التي تمسُّ حاضر ومستقبل المسلمين. وللأسف فقد سرى هذا المفهوم الأموي في أذهان الكثير منَ المسلمين وهيمن عليها كموروث تفسيري أشغلهم بترهات أبعدتهم عن المعاني العلوية لكتاب الله ، الذي أضحى كتاباً خفيف الوزن وذلك لعمري من آثار إقصاء عدل الكتاب عن الساحة الإسلامية .قال تعالى في الآيتسن102,103من سورة يونس:(        فهل ينتظرون إلاّ مثلَ أيّامِ الذين خَلَوا من قبلهم قل فانتظروا إني معكم منَ المنتظرينثم نُنَجّي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقّاً علينا نُنجّ ِ المؤمنين ) فانك تلاحظ أن الذي حدث للأمم الخالية الذين عصوا رسلهم انما حدث في الدنيا لا في الآخرة ،وهنا يستقيم التهديد الظاهر من المقام . أمّا إذا فُهم منه إرادة العذاب الأخروي فنقول :1- إن العذاب في الآخرة هو بمنزلة الحصاد لما كان يقترفه الناس في الدنيا ، فإرادة هذا المعنى كونه العاقبة الأخيرة  إنما يحتاج إلى قرينة من المقام، ألا ترى إلى قوله تعالى في الآية 10 من سورة(المنافقون) التي يطفح منها القيد بإرادة العذاب(الأخير) ؟:( وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتيَ أحدَكُم الموتُ ) فإتيان أمر الله تقيّد بالموت حسب . 
إذن فالآية تؤشّر إلى حدث يقع في هذه الدنيا ،ومثل هذا المعنى متظافرٌ في القرآن كما جاء في قوله تعالى في الآية 52من سورة المائدة :( فترى الذين في قلوبهم مّرضٌ يُسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيُصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين) فحالة الندم المذكورة في الآية تعتريهم في الدنيا ، ولا تعارض بينها وبين الندم الذي يعتري العاصين في الآخرة .
بعد هذا يمكن تقدير محذوف في الآية يصدر منه الإتيان المذكور بنحو: (أمر) فيكون تقدير الكلام فيها : هل ينظرون أن يأتي أمر الله . وهو المعنى الذي قررته آية سورة الأنعام التي مرّت معنا عند قولها : يوم يأتي بعض آيات ربّك . فلو تمَّ هذا فالآية غير ناظرة إلى نفي الجسمية عن الذات الإلهية أو شيء من هذا القبيل ولا توجد مناسبة لهذا النفي ؛ إلاّ بنحو منَ التكلف . وقد ذكرنا سيّدنا السبزواري في المواهب أن المراد من الإتيان في هذا المورد هو التجلّي الأعظم . لكنني أرى –وبحسب ما قدمتُ- من أنّ الآية تؤشر إلى حدث أرضي يكون عقاباً على المعرضين ورحمة للمؤمنين الصابرين ،وهو المعنى الذي استفدته ممّا ذكره العيّاشي في تفسيره . قال :«عن جابر قال: قال أبو جعفر عليه السلام في قول الله تعالى: [ في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر] قال: ينزل في سبع قباب من نور لا يعلم في أيّها ،هو حين ينزل في ظهر الكوفة فهذا حين ينزل». وفيه : «عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال يا أبا حمزة كأني بقائم أهل بيتي قد علا فوق نجفكم ،فإذا علا فوق نجفكم نشر راية رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا نشرها انحطَّت عليه ملائكة بدر».
ودمتم في أمن وأمان وسعادة .  أخوكم: كاظم الحسيني الذبحاوي-العراق


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كاظم الحسيني الذبحاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/05/20



كتابة تعليق لموضوع : تفسير قوله تعالى : (هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم الله في ظلل منَ الغَمام)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net