صفحة الكاتب : زيدون النبهاني

إبن \"التفكه\"
زيدون النبهاني

 إنقضت ساعات وأنا أنتظر دوري، في ذاك الطابور الطويل من المتطوعين، كنت مشوش الذهن، كل لحظة تمر تحمل معها فكرة جديدة، بين الخوف والتحدي عشت تلك اللحظات، التي كنت أترقب فيها من ينادي بأسمي، كي أصعد في حافلة لا أعرف بالضبط إلى أين تتجه.
كان الخوف يحاول أن يصرعني، فبالأمس سقطت أجزاء كبيرة من العراق، وسمعت أيضاً عن مجازر وحشية يقوم بها داعش، في قريتي البعيدة في مدينة العمارة، تداول (الشياب) في المقهى حديثاً عن قطع الرؤوس، وكيف يضعها داعش على أجساد الشهداء، كنت أتذكر المأسي التي أسمعها وأتذكر معها.. أنين والدتي المريضة بالجلطة.
وبينما كنت غارقاً بالذكريات السلبية، وأذا بنقاش حاد يدخل بقوة إلى عالم خيالي، كانت الحدة تصفع أذان كل الموجودين في مطار المثنى، حين طلب الضابط من ثلاث أخوة أن يتطوع منهم واحد، ويعود الأثنين الأخرين لرعاية عوائلهم، أتذكر ذاك الموقف بشدة.. عندما رفضوا جميعاً العودة، كلام الأخ الصغير لا زال يرن في أذني.. سيدي ماذا سأخبر أهلي وكل أصدقائي؟ أتريدني أن أقول لهم عدت لأني جبان؟!
هنا أنتفضت على شيطاني، مجرد الأحساس بذلة الرجوع الى قريتي كاد يقتلني، وسريعاً بدأت ذاكرتي تأخذني الى منعطفات أخرى.. أحاديث والدي عن بطولات سطرها حينما كان جندياً في حرب ال1973، وإن لم أكن مقتنعاً بالكم الهائل من الروايات التي حرص على سردها، لكني وجدت من خيانة المسؤول مشتركاً بين ما حصل هنا وهناك.
بعد شكوكٍ ساورتني بعدم وجود إسمي في قائمة الملتحقين اليوم، سمعتهم ينادون.. بشار خضير تفاك، وصلني الصوت سريعاً لكنه أصبح بطيئاً عند سماعي تفاك، إسم جدي الذي أختاره له أبوه من (التفكه)، أيعقل إني أبن (التفكه) وأخاف؟!
صعدت الحافلة.. وجدت أكثر من العدد الطبيعي المخصص للركوب، قدرت الموجودين بأكثر من سبعون رجلاً.. أو لأكون دقيقاً سبعون شخصاً، فبينهم شباب لم تظهر عندهم ملامح الرجولة بعد.
ما إن سار السائق بنا، حتى صرخ أحد المتطوعين.. الموت لداعش وليعيش الحسين.
كلنا تفاعلنا، كأننا فريق واحد نشأ سوية، صحنا معاً مرات ومرات.. وفي كل مرة تعلو أصواتنا، أعتقد إن السبب كان.. حماستنا التي إزدادت بصورة عجيبة، قبل قليل كنا مرهقين، قلقين، متعبين من الوقوف، أما الأن فنحن متجهين صوب سامراء، نصد هجوم البرابرة و نحمي أهلها.
ما إن وصلنا حدود سامراء، حتى رأى أحدنا منارة مرقد الإمامين العسكريين ع، كان كالمبشر حين نادانا، إنظروا إنه الإمام.. ذاك الإمام..
أحسسنا بالسكينة.. خصوصاً عند إنقطاع النقاش الدائر بين الجالسين حول ما يجري في العراق.. كان نقاشهم مطاطي كلما ذكر أحدهم فكرة جديدة.. ذهبوا بها بعيداً وحللوها وفسروها وخرجوا بمعطيات، لا تشبه سابقتها. تأكدت حينها أني لست الوحيد الذي يتابع الأخبار، وكلنا بتنا سياسيون.
في مقرٍ قريب من الضريح المقدس، حط بنا الرحال، وأصبح الأمر جدياً بحق، رحب بنا بعض من وصلوا قبلنا، كانت يدي تقبض على السلاح كأنها تحاول إبتلاعه، فعلى طول الطريق شاهدنا الوجع الذي مر به أهلنا في تلك المناطق، أذكر إني لم ألحظ وقتها من تكلم بلغة طائفية، كان هم جميع من في حافلتتا وهي واحدة من ثلاث وعشرون حافلة في الموكب، كان همنا الإنتصار للفتوى، تلك الفتوى التي أصدرها مرجعنا المفدى ولم نفقه حينها المغزى، لكننا ذهبنا، تطوعنا، ونذرنا أنفسنا للشهادة.
كانت ليلتنا الإولى هناك، ليلة الحكاوي والقصص المأساوية، حدثنا الأهالي عن وحشية العدو، وأطرق رأسه في الأرض فادي (المسيحي) حينما سرد لنا قصة تهجيره ومقتل شقيقه في الموصل، في حياتي بكيت كثيراً، أتذكر مرة بكيت لإن أخي (عصام) الذي يكبرني بعامين.. كسر لعبتي، وبكيت مرات أخرى فرحاً وألماً وحزنا، لكن هذه المرة لم أعرف معنى دموعي، لم أوفق لصياغة وصف لها، إنها دموع مختلفة تصاحبها غصة وصعوبة في التنفس، أرهقني التفكير بمعناها.. قد تكون بسبب كثافة دخان السكائر الذي ينفخه الجنود بغضب!
بأول إطلاقة من رشاشتي الكلاشنكوف القديمة، أحسست بالأنتصار.. كنت واثقاً هذه المرة إني فاهم لأصل الفتوى، حجم الدمار والتخريب والوحشية التي يملكها العدو، أكد لي رجاحة ثقتي بالمرجع الأعلى، كنت أضغط الزناد بفخر، وأتنقل بين (المواضع) غير مبالي بالقادم، فأنا أراها.. مبتسمة تفتح ذراعيها، متشوقة للقاء طالبيها، جنة عرضها السماء والأرض، بين الفتوى والجنة وقصص والدي وأصوات إطلاقات الرصاص، غمرني الشعور بالتحرك للأمام..
أنتبهت لأجد جميع أخوتي في السرية أمامي، نعم لقد تقدمنا وتراجع المرتزقة، ورفعنا العلم العراقي إعلاناً بتأمين محيط سامراء


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


زيدون النبهاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/04/20



كتابة تعليق لموضوع : إبن \"التفكه\"
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net