صفحة الكاتب : سيد صباح بهباني

لكم أيّها المساكين جهتين واعتباريين في الإصلاح!.
سيد صباح بهباني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم

(فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ) الذاريات/50.
 (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ )غافر/7.
 (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى) القيامة/36

أخي وأختي المتغافلين عن إصلاح أنفسكم..
 والمتغافل عن حقيقة الأمر !.
ولا تنسوا إن لكم أيّها المساكين جهتين واعتباريين في الإصلاح!. 

ونعم ما قيل: أن كنت تهوى القوم فاسلك طريقهم *فما وصلوا إلا بقطع العلائق

يقول صلى الله عليه وآله : رحم الله من عمل عملاً فأتقنه . كنز العمال :

وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله (بصائر الدرجات) – ص 375 .

 لكم أيّها المساكين جهتين واعتباريين في الإصلاح!. 

أحدهما من حيث نفسك وذاتك ، ومن حيث أنت أنت ، وإلى هذه الجهة غالب نظرك وملاحظتك ، وأنت من هذه الجهة فانٍ مضمحل زائل لا قدر لك ولا قيمة ولا اعتداد بك ، ولا مبالاة بك ولا احتفال ، بل لست شيئاً مذكوراً .
والجهة الثانية لك من حيث أنك متعلّق القدرة الإلهية ، ومظهر العظمة الربانية ، ومخلوق لهذا الخالق العظيم الشأن عزَّ وجل َّ، وبهذه الجهة صرت مرتبطاً بكل العالم من العرش إلى الثرى ، ومن السماء السابعة العليا إلى الأرض السابعة السفلى ، فضلاً عما بين المشرق والمغرب ، وجميع من في أقطار الأرض .

فإن أنت فعلت بنفسك خيراً أثّرت في جميع العالم خيراً ، وبالعكس  فإن أشكل عليك ذلك ، فإنّ لك مثالاً تحت العرش يعمل مثل ما تعمل ، فإن عملت قبيحاً ألقى الله على مثالك ستراً وغطاه ، لئلا تفتضح عند أهل العرش .

وإن عملت حسناً أظهره الله لهم وهو معنى قوله: يا من أظهر الجميل وستر القبيح على ما رواه شيخنا البهائي في مفتاحه عن الصادق (عليه السلام) أنه قال :
ما من مؤمن إلا وله مثال في العرش ، فإذا اشتغل بالركوع والسجود ونحوهما فعل مثاله مثل فعله ، فعند ذلك تراه الملائكة فيصلون ويستغفرون له ، وإذا اشتغل العبد بمعصية أرخى الله على مثاله ستراً لئلا تطلع الملائكة عليها . مفتاح الفلاح : 156

وكذلك لا شك أن أعمالك كل يوم ، وكل صباح ، وكل مساء ، تعرض على النبي صلى الله عليه وآله ، وعلى الأئمة (عليهم السلام) ، خصوصا صاحب العصر - عجّل الله فرجه - ولي الأمر .
فما كان منها حسنا سرّهم ، حتى قال أحدهم: والله لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أسرّ بالحاجة يقضيها المؤمن لأخيه من صاحب الحاجة . الكافي : 2/156

ولا شكّ أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأهل بيته أقطاب العالم وأركانه ، والعالم كله رعية ، من الملائكة وغيرهم ، فمن أدخل السرور على سلطان العالم فقد أثر في الرعية كلها سروراً ، تبعاً لسرور الملك والسلطان ، فيضجّ العالم بالدعاء لهذا العبد المحسن: سرّك الله كما سررتنا .

وإن أساء ..أساء النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته ، ولذا تجف الأشجار ، وتفسد الثمار ، وتقلّ الأمطار ، وتغلى الأسعار .

وقد بان لك أيها المسكين !.. تأثير طاعتك ومعصيتك في كل العالم ، فضلاً عن خصوص الملائكة الموكلين بك ، وفضلاً عما تقدمت الإشارة إليه من تأثير الطاعة والمعصية في الأعقاب ، وفي أعقاب الأعقاب ، ومن وصول النفع لكل المؤمنين ممن مضى وممن بقي ممن يقول :
اللهم !.. اغفر للمؤمنين والمؤمنات حتى ورد: أن جميع المؤمنين والمؤمنات يشفعون لمن يقول ذلك ويقولون: هذا الذي كان يستغفر لنا . الوسائل : 4/151
ورد في الأخبار: أنّ العالم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحار . الكافي : 1/34
وقال سبحانه: ( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ) غافر/7 .   .. ولا يخفى أنّ من يكون مجتهدا مشهوراً ينتفع بتقليده من في المشرق ومن في المغرب ، كما ينتفعون بكتبه ومصنفاته ، وسائر أنواع هدايته وإرشاداته في حياته وبعد وفاته .

فإذاً قد ظهر لك سريان تأثيرك في كلّ العالم من الجهة الثانية فيك ، وكونك متعلّق القدرة الإلهية ، ومظهر العظمة ، فكيف يسوغ أيها المسكين فلتك وتغافلك ، ملتفتاً إلى الجهة الأولى التي لست بها شيئاً مذكوراً!...
ولقد صدق مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)حيث يقول :
دواؤك فيك ولا تبصـر * وداؤك منك ولا تشـعر
أتحسب انك جرم صغير* وفيك انطوى العالم الأكبر
وأنت الكتاب المبين الذي * بآياته يظهر المضـمر
ديوان أمير المؤمنين (ع)/175
ولئن أهملت نفسك فما ربك بمهمل لك ، قال الله تعالى :
(أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى) القيامة/36

فتيقّظ أيها الغافل !.. والحظْ الجهة الثانية التي صرت بها إنسانا ً، وكذلك سمّاك ربك ، فإن كنت ترى نفسك من أهل الشقاوة ، وعن السعادة نائياً ، فاعلم أيها المسكين أنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب .

وأحذر أن تكون شيطاناً في صورة إنسان ، واعلم أنك إن اخترت لنفسك ذلك فقد أضعت توجّه العناية الإلهية إليك ، وأفسدت العالم كله بفسادك ، وكدّرت قلوب الأنبياء والمرسلين ، والملائكة المقربين ، وجميع أهل السموات والأرضيين ، وضجّت الأرض إلى الله من مشيك عليها ، والسماء من استظلالك بها .

وورد أن الأرض تضجّ إلى الله من بول الأغلـف أربعين صباحاً [ البحار : 101/110 ] .. وهو فعل مكروه من المكروهات فكيف بك؟ ..

وبالجملة يا مسكين أنت مبارز لله ، وجميع من هو ملك لله تعالى أعداء لك ، فأين تذهب عن ملكه (2) وجميع مخلوقاته تطلب الآذن منه بالانتقام منك ، فأنّى بمقاومتها كلها ، وأنت الضعيف الحقير ، ومن يؤويك وقد بارزته وحاربته ، فلا مفرّ لك منه إلا إليه { ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين } . الذاريات/50
وكلّ من خاف من أحد هرب منه إلا الخائف من الله فإنه يهرب إليه ، فإن أنت هربت إليه عزّ وجلّ فاستمع لما رواه الصادق (عليه السلام ) عن جده رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الله عزّ وجلّ أنه يقول :
لا أطلع على قلب عبدٍ ، فأعلم فيه حبّ الإخلاص لطاعتي ، وابتغاء وجهي ، إلا تولّيت تقويمه وسياسته . الجواهر السنية : 133

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) عن الله عزّ وجلّ قال :
إذا علمت أن الغالب على عبدي الاشتغال بي ، نقلت شهوته في مسألتي ومناجاتي ، فإذا كان عبدي كذلك فأراد أن يسهو حلت بينه وبين أن يسهو ، أولئك أوليائي حقاً ، أولئك الأبطال حقا ً، أولئك الذين إذا أردت أن أهلك أهل الأرض بعقوبة زويتها عنهم من أجل أولئك الأبطال . البحار : 90/162

انتهى هذا الحديث الشريف ، أنظر إليه كيف اشتمل آخره على أن الله كيف يدفع العقوبة والهلكة عن أهل الأرض بوجود أولئك الأولياء ، فنفس وجودهم صدقة عن العالم ، حيث كان باعثاً على حفظهم من الهلكة .

وبالجملة فهذا العالم مرتبط بعضه ببعض ، وهو بمنزلة الشخص الواحد إذا دخل ألم في عضو من أعضائه سرى إلى الكل ، فإذا نزل ذلك الألم عن ذلك العضو فقد أراح الكل من ذلك الألم .

وورد في الحديث أن العبد إذا حمد الله شمله ذلك الدعاء من كل المصلين ، لأن المصلين يقولون: ( سمع الله لمن حمده ). الوسائل : 4/2
فانظر إلى العبد كيف ارتبط بكل المصلين في العالم ، ودخل تحت دعائهم بكلمة واحدة .
كذلك من عمل عملاً بإتقان ، دخل تحت دعاء النبي صلى الله عليه وآله بقوله: رحم الله من عمل عملاً فأتقنه . كنز العمال : 9128

ولا ريب أنّ دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مستجابٌ ، ومن أدركته الرحمة من الله نجى من الهلكة .
ومن في هذا العصر يتمنون ويشتاقون أن يكونوا في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى تدركهم منه دعوة ، ويتخيلون أن هذا أمر قد فات ، ولا تدارك له ، وهو اشتباه ، فإنّ تعرضهم لدعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصوله إليهم ممكن في هذا العصر بأيسر وجه كالذي قلنا :
من عمل عملاً بإتقان ، فيدخل تحت دعاء النبي صلى الله عليه وآله بالرحمة .
ومن كان يصوم يوما من شعبان مثلاً ، فيدخل تحت دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقولـه: شعبان شـهري ، رحـم الله من أعـانني على شـهري . الوســائل : 10/492

وحاشا النبي صلى الله عليه وآله أن يحرم أهل هذا الوقت من بركات دعائه الشريف ، بل وقد وضع أدعية شريفة لأهل عناوين عامة ، فمن شاء أدخل نفسه تحت عنوان من تلك العناوين الشريفة ، فيشمله ذلك الدعاء المستجاب .

أنظر إلى نفسك يا أخي كيف عرّضك لرحمته بالدخول تحت هذه العناوين الشريفة ، التي هيأت لك لأن تدخل نفسك فيها ، وأنت بغفلتك وتغافلك تريد أن تدخل نفسك تحت عناوين خبيثة ، يتوجّه إليك كل من في العالم بالدعاء عليك .
فإنه من كدّر مؤمناً من المؤمنين كدّر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) لذلك ، ثم عليا (كرم الله وجهه وعليه السلام) ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم الأئمة (عليه السلام) ، ثم من في العالم كلّه ، فيضجّ عليـك العالم ضجة واحـدة: كـدّرك الله كما كدّرتنا . الكافي : 1/90 ..

فيا أخي !.. شأنك عظيم ، وخطرك جسيم ، وأنت بين حالتين في كل أطوارك وأحوالك : إما أن تُقبل على الله ، أو تعرض عنه فإن أقبلت عليه أقبل هو عليك ، وإن أعرضت عنه أعرض عنك ، وأعرض لأعراضه عنك كل شيء ، وأنت بينهما لا تنفك عنهما .
فيا من هو على المقبلين عليه مقبل ، وبالعطف عليهم عائد متفضّل ،اللهم ارزقنا  التوفيق لما يوجب دوام الإقبال عليك ، ودوام إقبالك علينا ، وحسن أدبنا بين يديك ، إنك أرحم الراحمين ، وصلى الله على محمد خير خلقه وآله الطيبين الطاهرين ..ويداً بيد للتعاون والتآخي لحياة أفضل والسعي ذباً وجداً لمساعدة الأيتام والأرامل والمحتاجين وفرض المحبة بيننا لحياة أفضل والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين.
المحب المربي السيد صباح بهبهاني
behbahani@t-online.de


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سيد صباح بهباني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/05/27



كتابة تعليق لموضوع : لكم أيّها المساكين جهتين واعتباريين في الإصلاح!.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net