هستيريا الدعاية السعودية: الحوثيون وداعش وراء تفجير "القديح"!
عباس البغدادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
دشنت الحكومة السعودية مرحلة جديدة من استراتيجية "إدارة التوحش" للمنهج التكفيري الوهابي، وذلك بالتنسيق الدقيق والتخادم المنضبط والمدروس مع داعش والقاعدة ونظائرهما. وهذا التدشين جاء كضرورة أملتها حالياً حماقات ومغامرات السعودية ولعبها في النار منذ أن نفذت فصلاً دموياً وكارثياً من تلك الاستراتيجية في اليمن عبر "عاصفة الحزم"، حيث لم تبق متبنيات "إدارة التوحش" حكراً على داعش التي تتعبد بتطبيقها، وما استجد اليوم هو ان الراعي الأصلي للتنظيم الإرهابي أخذ يقتفي أثرها من غرفة العمليات في البلاط السعودي!
والمرحلة الجديدة المعنية تستدعي في نظر السعوديين حرق المراحل المفترضة، وتحقيق الحلم الوهابي، الرامي الى إخضاع المنطقة ومن ثم العالم الإسلامي لإرادة وهيمنة المشيخة الوهابية المتحالفة مع البلاط السعودي من عشرات السنين، والملتقية مع المشروع الصهيوأميركي في مفاصل كثيرة، حتى وان استدعى ذلك حرق منطقتنا بنيران الصراع الطائفي، وإشعال الحروب وإثارة الفتن، واستدعاء الجيوش الأجنبية لحرق أوطان برمتها، وهذا ما جرى ويجري في سوريا والعراق واليمن، بأدوات تمثلت في تنظيمات الإرهاب التكفيري التي عاثت في الأرض فساداً منذ عدة عقود!
كلما ارتطمت مؤامرات آل سعود بجدار الواقع واحترقت أحلام عقيدتهم في "إدارة التوحش" بذات النيران التي ينفخون فيها، نراهم يهربون الى الأمام، ويسدرون في اقتراف حماقات وجرائم مدمرة، لا يُفهم منها سوى انها تستهدف هدم المعبد على رؤوس الجميع، ولسان حالهم يصرخ "عليَّ وعلى أعدائي"! وكلما تلقى مشروعهم الكارثي صفعات وضربات موجعة في ساحات المواجهة الحقيقية يسعون الى "التعويض" عن ذلك بأن يزيدوا من جرعات إرهابهم، وفي ظنهم انها ترسخ من "مكانتهم في المعادلة الإقليمية"، وبالتالي يفرضون إرادتهم بمخالب الإرهاب والتوحش، وهذا ما يضعونه نصب أعينهم حالياً وهم يستميتون في تسجيل النقاط ضد "النفوذ الإيراني" في المنطقة، خصوصاً بعدما حصدت "عاصفة الحزم" خيبات فضحت بدورها عجرفة وصبيانية القرارات السعودية الأخيرة، التي تأخذ المنطقة بمقدراتها وشعوبها الى حافة الهاوية واللاعودة، ومن مظاهر هذه الصبيانية سعيهم اختيار أهداف سهلة لـ"توجيه الضربات" الى "العدو الإيراني"، حتى وان لجأوا الى التصويب باتجاه مواطنيهم من الطائفة الشيعية المظلومة (تعتبرهم السلطات السعودية امتداداً للنفوذ والخطر الإيرانيين)!
كشف التفجير الإرهابي الأخير في مسجد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في بلدة "القديح" بمحافظة القطيف شرقي السعودية عن ذلك التوجه الإجرامي المشار اليه، والذي خلّف 21 شهيداً من المصلين الشيعة، ونحو 200 جريح حالة بعضهم حرجة. جدير ذكره ان الشيعة يمثلون الغالبية العظمى من سكان محافظة القطيف، والتي تشهد حراكاً شعبياً يتعاظم بين حين وآخر، ويعاني عموم الشيعة من أهالي المنطقة الشرقية من السياسات الإجرامية والتعسفية للنظام السعودي منذ عشرات السنين.
لقد شكّل الحادث الإجرامي الذي نفذه انتحاري داعشي (تبنى تنظيم داعش العملية) أحد ردود الأفعال الصبيانية للسلطات السعودية جرّاء انتكاسة عدوانها الدموي ضد اليمن، وتلقي أداوتها من القاعدة وداعش ضربات موجعة في عدة محافظات يمنية، نظراً لما يشكله هؤلاء من ظهير ميداني لعملية "عاصفة الحزم". كما ان قطعان التنظيمين تديرها "قيادة العمليات" في الرياض وفق الكثير من المعطيات واعترافات بعض من تم أسرهم م الارهابيين، حيث أكدوا تلقيهم شحنات من الأسلحة والمعدات بشكل روتيني تلقيها عليهم طائرات التحالف السعودي.
ان جريمة القديح قد أماطت اللثام عن التواطؤ والتخادم المحموم بين التنظيمات الإرهابية الوهابية وعلى رأسهم داعش والقاعدة، وبين النظام السعودي، خصوصاً وان التسهيلات الرسمية المشبوهة قد صاحبت أجواء العملية، وأشارت بوضوح الى تورط رسمي في الحادث، ومن ذلك تباطؤ الجهات الأمنية في الوصول الى موقع التفجير، إضافة الى العرقلة المتعمدة في إخلاء الجرحى (بحجة مسح مكان الحادث والعثور على أدلة جنائية)، وما زاد في رصيد الشكوك هو انتشار مقطع فيديو يُظهر أحد ضباط الأمن الذين حضروا داخل المسجد، وهو يقف جنب أشلاء المجرم الانتحاري و"يترحّم" عليه، في خطوة تنم عن استهتار مقزز بمشاعر المنكوبين وذوي الضحايا، مما ألهب غضب هؤلاء، فقاموا بدورهم بتوجيه اللعنات الى الإرهابي، بينما كان الضابط يصرّ على "الترحّم" بوقاحة وصلف، ولم يكتفِ بذلك بل اشهر مسدسه مهدداً المستنكرين!
* * *
استكمالاً للعرض الإرهابي الدموي في تفجير القديح وتواطؤ "الأجهزة الأمنية" المفضوح مع داعش (المتبني الرسمي)، سعت الماكينة الدعائية السعودية وفي محاولة مفضوحة أخرى؛ بل وهزلية، في توجيه الاتهامات الى إيران وحزب الله اللبناني، بزعم انهما "نسّقا" مع داعش في التفجير الأخير..! نعم عزيزي القارئ، لا يوجد أي خطأ مطبعي في العبارة الأخيرة، فهذا الافتراء والتدبيج عممته وسائل الإعلام السعودية بأنواعها (كخطوة استباقية) للتغطية على دور النظام السعودي في العملية الإجرامية، والتي أراد منها "تسجيل النقاط" ضد الخصم الإيراني، بواقع ان ذات الماكينة الدعائية قد دأبت -من قبل- على تصوير الشيعة في العالم بأنهم امتداد لـ"النفوذ الإيراني الصفوي"، وأفتى مشايخ الوهابية والبلاط السعودي مراراً بإهدار دمهم، و"التبرك الى الله ونيل الجنان" بقتلهم! ولم تفطن الدوائر الأمنية التي تشرف على الماكينة الدعائية الى صعوبة "ابتلاع" تلك الفرية، وفي الأحرى النكتة، التي تفترض وجود ذلك التواطؤ بين ايران وحزب الله من جهة، وداعش من جهة أخرى! ثم لم يجيبوا على الاستفهام الملتهب، لماذا تتواطأ ايران وحزب الله لقتل الشيعة أنفسهم؟! ربما هناك من الحمقى من يظنون بأن الهدف هو "إحراج" الأخيرين للنظام السعودي، وإظهاره بمظهر النظام الضعيف، في وقت يحرص هو على فتل عضلاته في المنطقة! وببساطة يتهافت هذا الظن أمام إقدام النظام السعودي المأزوم (وجهازه الدعائي) على جمع الأضداد معاً!
وتوغلاً في افترائه واتهامه الوارد آنفاً، يرى النظام السعودي انه مضطر الى أن يسوق دليلاً يوثق زعمه واتهامه، لذلك عمد الى اختلاق صلة مزعومة، بأن "أدلة البحث الجنائي" قد بينت بأن انتحاري تفجير القديح قد فجّر نفسه بحزام ناسف مصنّع من مادة الـ RDX شديدة الانفجار، وان ذات المادة قد ضبطت الأجهزة الأمنية كمية منها قبل فترة عندما "أحبطت عملية تهريب فاشلة" من البحرين، ووُجدت دلائل على "تورط إيران وحزب الله اللبناني في العملية"! طبعاً الى هنا يمكن اعتبار الاتهام أو "التورط" المزعوم أتفه من أن يصدقه عاقل، اذ ان هذه "الصلة" المفبركة في توجيه الاتهام يمكن أن تطال جهات ودول كثيرة جداً، بفرض امتلاكها للمادة المتفجرة، ولا يوجد هنا في حيثيات الاتهام أي دليل عملي ملموس سوى ما يحتكره النظام السعودي في مخيلته التآمرية!
يمكن القول ببساطة، بأن محاولة السعوديين زج إيران وحزب الله في تفجير القديح يشكل دليلاً آخر على الصبيانية والرعونة التي أخذت تستحوذ على صنّاع القرار السعودي في عهد الملك سلمان، اذ كيف يتم توجيه اتهام بهذه الخطورة لمجرد الزعم بالعثور على مادة متفجرة قبل فترة (ضمن عملية تهريب فاشلة) شبيهة بتلك التي استخدمها الانتحاري في جريمة القديح؟! والأنكى ان داعش ونظائره من التنظيمات الإرهابية قد نفذوا المئات من العمليات الإجرامية في أكثر من بلد مستخدمين ذات المادة، فهل كانوا حينها في حاجة الى تهريبها من البحرين بواسطة إيران وحزب الله؟ وحسب تصريحات للأمن السعودي فان المادة يمكن تصنيعها محلياً بسهولة! ثم كيف يفسر لنا النظام السعودي وعبر ماكينته الدعائية تضاربه في تشويه الحقائق والوقائع؟ فمن جهة يملأ الدنيا زعيقاً بأن ايران وحزب الله يحرضان الشيعة في العالم ويتخذوهم امتداداً طبيعياً لنفوذهما، وفي ذات الوقت تسعى الدعاية السعودية السوداء (وبإسفاف واضح) الى توجيه الاتهام لهما بأنهما متواطئان مع داعش في تفجير دور العبادة الشيعية والفتك بالشيعة كالذي حصل في القديح!
يبدو أن وطأة الأحداث جعلت صانع القرار السعودي ينسى (وهو يكيل الاتهامات جزافاً الى إيران وحزب الله) بأن داعش جنين شيطاني ولد من رحم الحواضن الوهابية السعودية، وبات مدججاً بفتاوى الإبادة الموجهة ضد الشيعة، والمناوئين أيّاً كان دينهم أو مذهبهم أو عرقهم. كما ان أغلب انتحاريّيه من الوهابيين السعوديين.
يجهد نظام آل سعود اليوم وبأدواته الإرهابية الوهابية الى استبدال العداء الموجه للعدو الصهيوني في المنطقة (باعتباره بؤرة التوترات والمستفيد الأكبر مما تعانيه المنطقة من حروب الإرهاب) وتوجيهه الى "العدو الشيعي" المزعوم، لجعل الصراع في المنطقة طائفي بامتياز، بما يخدم ايضاً المشروع الصهيوأميركي من أوسع الأبواب! ومن عباءة هذا التوجه المقيت، انبرت أبواق إعلامية مؤخراً في القاهرة، تعتاش على البترودولار الخليجي، وفي حمأة نشاط محموم يتناغم بوضوح مع ماكينة الدعاية السعودية في تناول جريمة القديح، وأخذت تكرر مزاعم "تورط إيران وحزب الله مع داعش"، ولكن زادت تلك الأبواق العيار "حبتين"، اذ أضافت المقاتلين الحوثيين الى قائمة "المتورطين"! بل واعتبرتهم من أهم "المتورطين" في الجريمة المذكورة، بزعم ان الحوثيين يهدفون الى "إرباك الداخل السعودي" بأي ثمن (كذا..)! ويألّبوا الشيعة في السعودية ضد النظام! يا سبحان الله، حتى الافتراء أصبح صبيانياً كالسياسة السعودية التي تغذي هذه الأبواق المصرية المأجورة. فهل تأليب الشيعة بحاجة الى هذا "التحالف الإجرامي" الخرافي؟ ومن قال ان الشيعة في السعودية يذوبون عشقاً في نظامهم القمعي والتعسفي الذي يعاملهم كمواطنين من الدرجة العاشرة أو "فائض بشري"؟ ولو كان هذا "التحالف" قائماً فعلاً، فلماذا يستميتا تنظيما داعش والقاعدة في دحر الحوثيين في اليمن بتسهيل من السعوديين وحلفائهم في "عاصفة الحزم"؟!
باختصار، ان الهدف من إثارة هذا الافتراء السعودي من القاهرة (خصوصاً) لا يخلو من خبث مدروس، اذ يوحي للمصريين ويخاطبهم؛ بأنكم لم تؤجّروا جيشكم في "عاصفة الحزم"، وتخاطروا بطياريكم، وتهدروا سمعة جيشكم بتحويله الى جيش مرتزق جزافاً، أو لقاء مليارات من الدولارات السعودية والخليجية فقط، إنما من أجل ردع "تهديدات" الحوثيين التي تطال "الأمن القومي المصري والعربي"، فها هم الحوثيون (حسب هذا الافتراء السعودي الموجّه) يتحالفون مع داعش في القديح، ومن الممكن أن يصلوا مصر مع داعش الذي سبقهم ووصل اليكم منذ شهور، وذلك للعبث بأمن مصر والمصريين!
هكذا اذاً، نحن نشهد الآن موجة من هستيريا الدعاية السعودية السوداء، وتخبطاً مَرضياً في توزيع الاتهامات بعشوائية ومجانية ضد الخصوم، وهي أعراض تصيب من يفقد زمام الأمور ويُمنى بالهزائم والانتكاسات المتتابعة، فيحاول التعويض عبر تصعيد حمّى المزاعم والاتهامات ضد خصومه ومناوئيه، ويرميهم بما يقترفه هو، وما يتّصف به من طبائع الإجرام والتآمر وطغيان شهية الهيمنة بأي ثمن، على قاعدة "رَمَتْنِي بِدَائِهَا وانْسَلَّتْ"!
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
عباس البغدادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat