صفحة الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي

( صخب) الشباب بين قوسين
محمد جعفر الكيشوان الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لا ينكر احد منا نحن الأباء بأن لمرحلة الشباب خصوصياتها المميزة من حيث الميول للدعابة والمزح والمرح واللهو و( الصخب ). إنها مرحلة مفعمة بالحيوية والنشاط ولكنها بذات الوقت مرحلة التزود بالوقود وربط الأحزمة للإنطلاق بأمان إلى المستقبل. إن عدم ربط الأحزمة عند الأقلاع يؤدي إلى عواقب ربما تكون كارثية أحيانا بغياب وسائل الأنقاذ المرجوّة. إن التناقض الذي نعيشه نحن الآباء هو إننا نريد الحصول نتائج طيبة محمودة بمقدمات غير مدروسة للأسف الشديد. سنتوقف قليلا عند مراحل هذه الرحلة القصيرة وبعناوين ثانوية منفصلة وذلك تجنبا للأسلوب التقليدي الذي  يشبه التنظير والذ ي يورث الملل والكدر عند الشباب الذين يدور الحديث حولهم ، ولكي يغلب الطابع العملي على الطابع الأكاديمي البحت الذي يقدم لنا دراسات نظرية يكون في الغالب مصيرها رفوف المكتبات ولاتؤثر حتى في الغبار المتراكم عليها حينا من الدهر.

العالِمُ العامِل :

حدثني أستاذي حفظه الله عن تأثير العالِم العامل في نفوس الشباب وقصّ عليّ هذه القصة :

كان لأحد المصلين خلف ذلك العالم الجليل إبن شاب غير ملتزم ورأسه مليء بالأقكار السلبية ، وصراخه وطيشه يزعج الكثيرين ممن يمرون عليه بكرة وعشيا. كانت عادة ذلك العالم الورع أن يلتفت إلى المصلين خلفه ويصافحهم واحدا واحدا ويسأل عن أحوالهم قبل الأنصراف عنهم وكان يعلم بإحوال ذلك الشاب ويطلب من والده الذي يصلي في الصف الأول خلفه أن يأتي بإبنه إلى بيته ـ بيت العالم ـ ولكن الوالد كان يتحرج كثيرا من ذلك فقد أبلغ ولده الشاب عدة مرات رغبة ذلك العالم الجليل فكان يرفض ذلك ويقول : وماذا يريد مني هذا العالم ، لست مستعدا لأستماع المواعظ التي تزيدني هما بِهَم. في أحد الأيام ونتيجة إلحاح الوالد المتكرر، وافق الشاب على الذهاب مع أبيه فإستقبلهما العالم ورحب بهما ترحيبا كبيرا وأخذ يتحدث مع الشاب حول عمله في السوق ويمازحه ويذكر له من طرائف الحكمة مايذهب عنه الكدر والتعب ولم يتطرق العالم إلى المواعظ المباشرة التي كان ينتظرها الوالد بشوق كبير. إنتهى وقت الزيارة وإذا بالعالم يشايعهما إلى منتصف الطريق بعد أن ألحا عليه بالرجوع. في اليوم التالي جاء الرجل معاتبا ذلك العالم بعدم وعظ إبنه حتى بترغيبه بالصلاة ، فردّ عليه : إني قد وعظته وخاطبته بلغته ، كان رأسه معبأ بالأفكار السيئة فلا مجال للأفكار الأيجابية في رأسه دون إزاحة بعض ذلك السيء ، إن أول فكرة إيجابية غرستها هو أنني أزحت من رأسه فكرة أن العالِم إنسان يعتزل الحياة ولايعرف فاه معنى التبسم يوما. بعد يومين جاء الوالد شبه مهرول إلى العالِم : الحمد لله أن منّ الله بك علينا ، إبني أخذ يلح عليّ بزيارتك. تكررت الزيارات ، أحبَّ الشابُ العالِمَ فأخذ يسأله عن كيفية الصلاة وقضاء مافي الذمة. بإختصار شديد ، أصبح ذلك الشاب العاصي أحد العلماء الذين يُشار إليهم بالبنان.

 

تعليق :

إنطلق ذلك العالِم الجليل من مبدأ " كُلُكُم راعٍ وكُلكُم مسؤلٌ عن رعيته " ولم يكتف بإسداء النصح والمواعظ نظريا. بل ترجم أفكاره عمليا وهذه الترجمة يجب أن تكون إلى اللغة التي يفهمها المُخاطَب وتناسب عمره ومستواه وإلاّ تكون هواءً في شبك.

إنّ ذلك العالِم قد إلتزم بالأمر الآلهي : " وقٌل إعملوا فَسَيَرى اللهُ عمَلَكم ورسولُهُ والمؤمنون ".

إنّ منزلة العالِم هي منزلة الطبيب المداوي ، فالطبيب يدرس ويبحث ويسهر الليل الطويل من أجل مداواة المرضى وإدخال السرور على قلوبهم.

لقد قلتها منذ مايقرب من ثلاثين عاما وللأسف الشديد لازلت أقولها : أصبحنا أطباء مشخصين للعلّة بإمتياز ولكننا ولحد كتابة هذه الأسطر لم نكن ـ إلاّ مارحم ربي ـ أطباء معالجين بطبنا.

النظرة السائدة عند الشباب أن الالتزام يعني التصوف والأنعزال عن المجتمع وهذا مايقضي على روح الشباب ويعيق حركته النشطة ويجعله يعيش على الهامش. السبب في ذلك هو أن بعض الملتزمين قد ألقوا بعللهم على الدين من حيث يشعرون أو من لايشعرون. أحد الملتزمين قال لي ذات مرّة : السباحة حرام !

قلت : إتق الله يارجل ، كيف أفتيت بحرمتها وهي تعتبر أحيانا من المنجيات من الغرق ، ناهيك عن أنها رياضة بدنيّة تحرّك كثيرا من عضلات الظهر. آخر هالني مارأيت منه حيث بدأ يطهّر ( يشطف ) الرغيف تحت الماء  وحينما قلت له : " كلّ شيءٍ لك طاهر حتى تعلم بنجاسته ". ردّ عليّ قائلا : وأنا أعلم بنجاسته. الحديث هنا يذكرني بمقال للباحث في هذا الشأن السيد الجليل  والأخ الكريم  السيد سعيد العذاري حفظه الله حول تحريم حلق اللحى وترك الشباب ـ تحت موس الحلاّق ـ دون توجيه أو إرشاد. ثالثٌ رأيته يبحث عن الخضار التالفة في السوق ليشريها لعياله وهو ميسور الحال ، بررَ لي ذلك بالزهد ، ونسي أن الذي يفعله هو البخل وليس الزهد وتناسى أن التوسعة على العيال أفضل من الصدقة. ورابع زارني في العيد فقدّمت له بعض الحلوى وكنت قد قرأت عليها بعض الأدعية الشريفة عند ضريح الأمام الحسين عليه السلام في أول ليلة جمعة من شهر رمضان المنصرم وطلبت منه  صلوات الله عليه أن يجعل الله الشفاء فيها. قدمت له بعض تلك الحلوى وإذا به أخذ يتفحصها ويقرأ محتوياتها على الغلاف ليتأكد من خلوها من المواد الحافظة الحيوانية المحرمة. قلت له ، أنت تأكل من زاد مسلم كان صائما شهره ولم يشتهر بالفسوق والمعصية. ردّ عليّ : نعم ، نعم ، ولكن شيعتنا أهل الورع والأحتياط. وخامس وسادس وعاشر... .

 

الآباء الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا :

المتشددون بغير الحق ، الذين يحملون أبناءهم على التمرد والمعصية من خلال إجبارهم على المستحبات التي لاطاقة لهم على عملها. في إحدى ليالي الشهر الفضيل أعاده الله على الجميع بالخير والبركة ، دعاني أحد الأصدقاء المحترمين لتناول الأفطار في بيته. إستجبت له وشكرته على دعوته الكريمة. بعد الأنتهاء من تناول الأفطار مباشرة توجه إلى أبنائه الصبية الصغار وطلب منهم المباشرة بعمل المستحبات الخاصة بتلك الليلة المباركة. قلت في نفسي أنا الذي بلغت من الكبر عتيا لاطاقة لي على عمل تلك المستحبات فكيف ياترى الحال مع هؤلاء الصبية ثم توجهت بالقول لهم : أسأل الله تعالى أن يقويكم على طاعته وعبادته ولكن الوالد العزيز ـ صديقي ـ نظر إليّ نظرة تدل على الأستفهام. بدأ كبيرهم بقراءة أحد الأدعية الشريفة الطويلة فأخذ بقية الصبية بالتثائب بعد أن إحمرت عيونهم من شدة مقاومتهم للنعاس. وبّخهم الأب وطلب منهم أن يغسلوا وجوههم ويستعيدوا نشاطهم. إنبرى له كبيرهم : رحماك ياوالدي ، دعهم يناموا قليلا قبل طلوع الفجر.

 

تعليق :

إنطلق هذا الوالد من مبدأ فرض الرأي بالأكراه ولهذا طلب منه الأبن  الأكبرالرحمة لأخوته الصغار.

غفل هذا الوالد العزيز عن الآية الكريمة : " لايكلفُ اللهُ نفساً إلاّ ماآتاها " و" إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ".

كان الأجدر لهذا الصديق العزيز أن يبين لأولاده فلسفة الدعاء وآثاره العجيبة في النفس ويقص عليهم قصص الأولياء والصالحين مما يشوقهم للدعاء والتضرع من تلقاء أنفسهم.

كان الأجدر لهذا الصديق العزيز أن يؤخر قليلا تلك المستحبات إلى مابعد إنصراف ضيفه الذي دعاه للإفطار وليس لأحياء تلك الليلة المباركة.

 

الآباء المتسامحون :

عكس أولئك المتشددون تماما. كذلك يحسبون انهم يحسنون صنعا. في ثاني ليلة جمعة من الشهر الفضيل الذي ودعناه قبل عدة أيام كنت في زيارة  لبعض المعارف. بعد الأنتهاء من من تناول الأفطار مباشرة توجه الوالد إلى التلفاز وأخذ يسأل أبناءه عن موعد المسلسلات التي أشعر بالخجل إن قلت إني لاأعرف إسمها وربما إتهمني البعض بالتحجر والتخلف إن قلت أني لم أشاهدها. إلتفتُ إليهم : هل عندكم علم بأن هذه الليلة هي من ليالي شهر رمضان المبارك ، شهر المغفرة والرحمة وأننا قد تناولنا الأفطار قبل قليل! قالوا بلى يارجل ولكن الله يقبل القليل ويعفو عن الكثير ثم واصلوا حديثهم معي : هل تريد منا أن نكون كالدراويش معقدين ، الشباب يجب أن يعيشوا حياتهم المليئة بالصخب والصراخ وإلاّ فإنهم سوف ينحرفوا في المستقبل ، سئمنا من المسلسلات الدينية الحزينة.!!

 

تعليق :

إنطلق هذا الوالد من مبدأ التسامح والتساهل المفرط ونسي بأن كلّ شيءٍ زاد عن حده إنقلب إلى ضده.

غفل هذا الوالد العزيز بان الصوم هو صوم الجوارح أيضا ولا قيمة للصوم إن  لم يروّض النفس ويحملها على الصبر ، والصبر صبران ، صبر على مانحب وصبر على مانكره.

من قال أن الصخب يجب أن يرافق كلّ الشباب في كلّ مرحلة الشباب وما الدليل على ذلك. إني لست بمقام التحدي مطلقا. بل أتساءل عن أمر أجهله واقعا. أعرف عددا كبيرا من الشباب بأعمار مختلفة قد إجتازوا هذه المرحلة دون صخب وصراخ. بل كان إنتقالهم إلى المرحلة التي تليها هادئا سلسا. لم نسمع يوما بأن صخب الشباب قد أثر إيجابا في البيئة التي يعيشون فيها. لايفهم الشباب الأعزاء بأني أدعو إلى كتم أنفاسهم وأن يطأطأوا رؤسهم عند التحدث معهم ، ولكني أدعوهم إلى إستثمار هذه المرحلة المهمة من حياتهم والتزود من كل مفيد وصالح بما يخدمهم في المستقبل ، أما الشحنات الفائضة من الطاقة فيمكن علاجها بممارسة الرياضة البدنية والروحية. إن الله بسحانه وتعالى لم يحبب إلينا الحلال والجائز إلاّ لما فيه النفع لنا عاجلا أم آجلا وأنه تعالى لم يبّغض إلينا الحرام والمكروه إلاّ لما فيه الضرر والخسارة لنا عاجلا أم آجلا.

علينا نحن الآباء أن لانبرر عجزنا بأن للشباب حق الصراخ والصخب ونلقي بكل التناقضات على الدين واتباعه.

مَن قال بأن من علامات المؤمن العبوس وتقطيب الحاجبين وأنه حزين كئيب لايطيقه الآخرون. لاأعرف مؤمنا حقيقيا واحدا بهذه المواصفات. بل على العكس تماما فالطرائف التي يؤلفها ويرويها الملتزم لايقوى على الأتيان بها حتى حجا ، وأدلتنا حول ذلك كثيرة لاتحصى كما أن طلبة العلوم الدينية يتندرون بلطائف وطرائف لايمكن ذكرها هنا.

 

شاب من غير صخب :

أطلعني أحد الآباء على رسالة خطية بعثها له معلم إبنه غير المسلم جاء فيها:

" لو كان أولاد المسلمين مثل إبنك لأسلمت منذ زمن طويل ". حينما سألت ذلك الشاب ـ الطالب ـ عن كيفية سلوكه وتصرفه مع معلمه المحترم، قال لي :

كنت الوحيد الذي ألتزم الوقار والهدوء والسسكينة في حين أن بقية الطلاب يعيشون حالة من الصخب والصراخ.

 كنت لاأتحدث مع أستاذي إلاّ بأخذ الأذن منه ، في حين يتكلم بقية الطلاب بدون إستأذان وذلك لشعورهم بأنهم ليسوا صغارا لكي يساذنوا عند التحدث معه.

كنت إذا صادف أن جئت متأخرا بعض الوقت ، أقف خارج الصف طوال فترة الدرس ولا أحاول الدخول إلى الصف خشية مقاطعة أستاذي وتشتت أفكاره وقد صادفني عدة مرات على هذه الحال فأخذ هو يعتذرمني أن لم يكن ملتفتا لي وانا أقف في البرد خارج الصف.

 كنت أعترف له بخطأي ولم ألتمس لي عذرا سوى التقصير وطلب الصفح.

 كنت إذا تناولت معه الغداء في مطعم المدرسة لاأسبقه بالأبتداء بالأكل ولا بالأنتهاء منه.

كنت أحترم الوقت وأفي بالوعد.

كنت صبورا حين يجزع بقية الطلاب.

كنت أزاول الرياضة واللعب وأتفوق على الباقين في النشاط وخفة الحركة.

كنت أخفض من صوتي حين التكلم معه فبالكاد كان يسمعني وكان يطلب مني أن أرفع من صوتي قليلا.

كنت حين أراه متعبا أمازحه ببعض طرائف الحكمة  فتنشرح نفسه من جديد ويطلب مني المزيد.

كنت في نهاية كل سنة دراسية أعدّ كلمة أشكر فيها المعلمين والطباخين والحراس والمنظفين وسائقي حافلات المدرسة وسائر الطلاب وأرجو منهم المسامحة إن صدرت مني إساءة سهوا ولم أعتذر عنها في وقتها.

 

تعليق :

إنها ليست مثالية عالية أو أمرا خارقا للعادة أو من حسن الطالع والحظ كما يسميه بعض الآباء المتساهلون جدا.

 إنها بكل بساطة وإيجاز : " مَن شبَ على شيء شاب عليه ".

 إنها البيئة السليمة اتي ترعرع فيها ذلك الطالب المسلم.

 إنها الأسرة الكريمة الرائعة العامرة بذكر الله  تعالى أنى ذهبت وعاشت.

 شاب كهذا هو سفير فخريّ للإسلام وللأنسانية السمحاء.

إن الرسالة التي بعثها ذلك المعلم المحترم إلى والد ذلك الشاب الرائع ليست عجيبة أبدأ . بل العجب كل العجب لو لم يبعث ذلك المعلم المحترم بتلك الرسالة.

 

الآباء المتحيرون :

الذين لاينتمون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. من مصادفات الحج أيضا أن إلتقيت بالمسجد الحرام أحد الآباء وقد طلب مني أن أدعو لأولاده بالهداية والرشاد وقال لي : هذه ثاني مرّة أحج بها البيت الحرام ، فقد قدمت في السنة الماضية لحج الصرورة ـ الحج الواجب ـ وفي هذه السنة جئت لأطلب من الله تعالى الهداية لأولادي فهم بحاجة إلى الدعاء.قلت له : كم ساعة في اليوم تجلس مع الأولاد ياحاج. ظن أني أمازحه ، تبسم وقال : ربما تقصد كم دقيقة في اليوم ، أنا لست عاطلا عن العمل ، أنا رجل أعمال وليس لدي متسع من الوقت حتى بالأختلاء مع أهلي. قلت له : كان الأولى أن يأتي الأولاد للحج  ليدعوا لك بالهداية والرشاد.

 

تعليق :

إن هذا الوالد الكريم ليس لديه أي برنامج واضح ويظن أن الرفاهية لوحدها والشبع حد التخمة يعصمان أولاده من الأنحراف والتمرد وأن العصيان والعقوق هو من نصيب أولاد الفقراء والمساكين فقط.

 إن هذا الوالد الكريم يتمنى  أن يتربى أولاده بالدعاء والمعجزات ، وقد نسي أن الله تعالى أبى أن تجري الأمور إلاّ بأسبابها.

نسي هذا الوالد الكريم بأن الدعاء يجب أن يكون ملازما للعمل.

 

تعليق أخير :

هذه وغيرها الكثير من المقلات وكذلك الدراسات والأبحاث المطولة سوف لن تأتي أكلها إن لم تُطبَق عمليا كما كان يفعل ذلك العالم العامل. إن الشعور بالأبوة يجب أن يكون عاما يشمل كلّ الأولاد. السائد عندنا عكس ذلك وهوأني أحاول كل جهدي تربية أولادي فقط كي يمتازوا على الآخرين الذين لست مسؤلا عنهم. مبدأ يحمل مفردات الأنانية مهما حاولنا إخفائها وإظهار عكسها.

سوف لن أخسر من مقامي في المجتمع شيئا لو إعترفت بعجزي وطلبت المساعدة من ذوي الأختصاص والسير الحسنة وتزودت من زادهم.

مّن منا نحن الآباء يتقبل أن ينصحه صديقه المخلص ويشخص له مواطن الضعف في أسلوبه التربوي. قليلون وللأسف الكبير.

لسنا بحاجة إلى إنشاء جمعيات وهيئات ومراكز تضم أعضاءً كثيرين من كلا الجنسين ويصدروا النشرات الشهرية المليئة بالنصائح والحِكم. إن ذلك يكلف الكثير ولا يعطي حتى القليل. نحن بحاجة إلى مَن يعتني بالشباب حقا ، أن يهمه أمرهم ويؤرقه مصيرهم.

 نحن بحاجة  إلى جمعيات ومراكز تضم كوادرا قد نذروا أنفسهم لخدمة الأنسان أينما وجد إقتداءً برسل الرحمة والهداية والصلاح وأئمة الحق الميامين.

كلنا نردد الحديث الشريف قبل نومنا : " مّن بات ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم " .

أمور المسلمين لاتعني فقط كتابة المقالات وتأليف الكتب التي قد نتبجح بها أحيانا من حيث لانشعر.

 أمور المسلمين ليست فقط حضور الندوات والمؤتمرات والتزاحم فيما بيننا لنظهر في الصف الأول عن إلتقاط الصور وقد إرتدينا أربطة العنق الجميلة بكل ألوانها وتطيبنا بالعطور الفرنسية الفواحة.

الأهتمام بأمور المسلمين هو أن نهجر قصور الصخور ونعيش في جبل النور. إنها ترجمة لقلب ذاب في حب الله ليجد أن منصب سفير أو وزير لايليق به أبدا. بل إن ذلك يقلل من شأنه ـ الرفيع العالي ـ وهو أنه عبدا مُخْلَصا لله تعالى.

أمور المسلمين هي أن نبكي حين يقدّم لنا الطعام الفاخر ، نبكي على حال الفقراء والمعدمين ..

 الأهتمام بأمور المسلمين ليس بأن نقول كلما سمعنا بنائبة حلت بهم : كان الله في عونهم ، فرّج الله عنهم. بالمناسبة حتى دعاءنا للأسف الشديد فاقد لشروط الأستجابة لأنه غالبا مايكون بدون إخلاص وإلاّ ماالسبب في عدم إستجابته من المولى عزوجل. لقد قال سبحانه وتعالى :" أدعوني أستجب لكم " أمرنا بالدعاء ووعدنا بالأستجابة ولكننا ننظر إلى الدعاء بإعتباره حيلة الضعفاء ووسيلة المعدمين الذين لامقام لهم في المجتمع إلى درجة إننا لانعتني بهم ولانوقرهم ولانتقرب بهم زلفة إلى الله تعالى. وقد تحدثنا في وقت سابق عن إدبار قلب العبد الفقير حين الدعاء.

سألتني أستاذتي في الجامعة يوما ـ والتي أسلمت فيما بعد ـ : لماذا يزدهر الشعر في العراق. فأجبتها : لأزدهار المعاناة. من جملة تلك المعاناة هو إدبارنا عن الدعاء أو حين الدعاء.

نحن بحاجة إلى مراجعة عامة شاملة لكل سلوكياتنا داخل الأسرة وخارجها ونبذ الموروث السيء ومن جملة ذلك الموروث مراقبة سقطات الآخرين وإهمال النفس وعدم الأشتغال بإصلاحها.

ومن جملة ذلك الموروث السيء كتابة العبد الفقير لهذه الأسطر وإهمال نفسه وعدم الأشتغال بإصلاح حاله. لذا فإن كان يُشم من كلامي رائحة الوعظ فأنا ـ العبد الفقيرـ أولى به من غيري. فلو كنت عاملا لما كتبت هذا ، ولو كنت واعيا لألتفت إلى نفسي لتوعيتها ، لكنها الفغلة أيها السادة ، فلقد إعتاد العبد الفقير على التستر على سقطاته وزلاته ليظهر من خلال النور وكأنه ذاك الملاك الطاهر وقد نسي أنه غارق حتى أذنيه بالجهل وعدم المعرفة. يدعو لأصلاح المجتمع وغفل عن إصلاح نفسه. إنه فعلا موروث سيء سوف لن نتخلص ونتحرر منه إلاّ بإعترافنا بتقصيرنا ـ أعني نفسي ـ أما صيغة الجمع هذه فهي أنا ومن هم على شاكلتي من المهملين.

كتابة المقالات وتأليف الكتب حول تربية الأولاد وسلوك الشباب وذكر الحقوق والواجبات أمر حسن ولكنه لايساوي شيئا إن لم تكن هناك برامج عمليّة مدروسة لتطبيق مانكتبه ونؤمن به ، مَثل ذلك مِثل الذي يريد تعلم قيادة السيارة ، فبدون ممارسة السياقة والأكتفاء بدراسة طرق القيادة سوف لن يتوفق لقيادة السيارة بأمان عدة أمتار. أحد أصدقائي الأعزاء يقضي يومه  في التأليف والكتابة ولكنه هو شخصيا يعاني من صعوبات بالغة عند محاولته ترجمة مايكتبه عمليا. في إحدى المرات إتصل بي يطلب المساعدة من العبد الفقير. لقد إتصل ليشرح لي كيف ان الأمور قد ساءت كثيرا حتى مع أهله بسبب الكتابة والتأليف. إنه صادر الوقت المخصص لعائلته بالكامل وإنزوى في غرفته تحيط به المصادر والأوراق من كل مكان ولا يجرا أحد من الأقتراب منه وإلقاء التحية عليه لأنه يريد أن يؤلف كتابا سوف ينتفع  الآخرون به. قلت له : ياسيدي أنت أول غير المنتفعين مما تكتب ، ليس من الواجب أن تكتب وتؤلف إن لم يكن لديك الوقت الكافي. إنك تسرق وقتا ليس لك. إنك تشبه الذي يأكل مال غيره غصبا. إن الله جلّ جلاله لم يقل : وقل أكتبوا فسيرى الله كتاباتكم ورسوله والمؤمنون. بل قال سبحانه وتعالى : " وقل إعملوا فسيرى اللهُ عملكم ورسوله والمؤمنون ". إن الله قد حثنا في كثير من الآيات على العمل ، وإذا كان القول بأن الكتابة بما ينفع الناس هي أيضا من العمل الصالح فإنها تبقى من العمل وليست العمل كلّه.

الذي أريد أن أخلص إليه هو أننا أهملنا الشباب مرّة أخرى وبالأمس قد تحدثنا عن الأرث السيء الذي ورثناه ممن سبقنا. هل ياترى ستأتي الأجيال بعدنا لتقول ذات المقولة وتعتبرنا من الأرث السيء الذي سيرثوه. أرجو أن لايكون ذلك كذلك ، وهذا الرجاء لايمكن تحقيقه بكتابة هذه الأسطر المتواضعة. إنه يتطلب تأملا جادا ووقفة مسؤلة للخروج بنتائج  علميةعملية بنّاءة تأخذ بأيدي الشباب إلى بر الأمان بدل تركهم يعيشون حالة الصخب والصراخ وهدر تلك الطاقة الجبارة الكامنة فيهم. إن من مصادر التزود بالوقود هو الأحتفاظ به وعدم هدره. يجب أن ننظر إلى المؤشر الدال على أن خزان الوقود ممتليء قبل الأنطلاق لأنه في حال أي نقص فيه سوف لن يكون بمقدورنا قطع مسافة طويلة تلك التي نحتاجها في رحلة الأنطلاق إلى المستقبل. قبل ربط أحزمة الأمان يجب أن يجلس الراكب مستويا تماما لكي يتجنب المخاطر الناتجة من الجلوس مسترخيا. الجلوس مستويا لايعني الخمول والأنزواء ولا يعني عدم ممارسة الشباب حقوقهم الخاصة بمرحلتهم كما أن هذه المرحلة لاتعني فقط مرحلة الصراخ والصخب. وللحديث تتمة إن شاء الله تعالى..

 

أسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه الخير والصلاح وأن يحفظ الشباب وذويهم من كل سوء ومكروه ويجنبنا وإياكم كل مانحذر ومايهمنا ومالانهتم به من أمر الدنيا والآخرة.

 

 

دعواتنا وخالص محبتنا لمركز النور المتألق ولجناب الحاج السيد الوجيه أحمد الصائغ زاد الله في شرفه وأيده بنصره وللأخوة الكرام الأفاضل العاملين في هذا المركز المنبر.

 

 

محمد جعفر الكيشوان الموسوي

 

 

 


محمد جعفر الكيشوان الموسوي

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جعفر الكيشوان الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/09/20



كتابة تعليق لموضوع : ( صخب) الشباب بين قوسين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net