صراع الإرادات ...الثورة الإسلامية الإيرانية تتوج إنجازاتها بحجز مقعدها بين الكبار ؟!"
هشام الهبيشان
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
هشام الهبيشان
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تزامنآ مع الوقت الذي يجلس فيه كبار المفاوضيين الايرانيين مع القوى الست الكبرى بالعالم على طاولة واحدة للتفاوض مع هذه القوى حول ملفهم النووي ،هناك اليوم ثمانية واربعين ساعة حاسمة ستقرر مصير هذا الملف وهذا الحق المشروع للجمهورية الإسلامية بامتلاك برنامج نووي سلمي متعدد الاغراض التنموية والاقتصادية وحتى العلاجية والطبية ، وعلى الجانب الأخر فجميع المؤشرات تؤكد قرب التوقيع النهائي على هذا الأتفاق ، وهذا بحد ذاته أنجاز يضاف لإنجازات الثورة الإسلامية الأيرانية ،التي أحتفل بذكراها السادسة والثلاثون الاخوة بالجمهورية الأسلامية الأيرانية قبل أشهر قليلة ،ومن يتابع مسار السياسة الخارجية والداخلية لإيران منذ ستة وثلاثين عامآ، أي منذ أن أضاء الشعب الإيراني شعلة ثورته وإسقاطه نظام الشاه الفاسد الذي رسخ تبعية الدولة الإيرانية للغرب لعقود طويلة، يدرك أن هذه الثورة منذ العام 1979 قد شكلت علامة فارقة في تاريخ الشعب الإيراني وأعادة تشكيل وبناء وعيه الذي ظل لعقود قابعآ تحت حكم جائر، إلى أن جاءت ثورة الراحل السيد الخميني لتخلصه من هذا النظام.
اليوم، وبعد مرور ستة وثلاثين عامآ، نلمس بوضوح مدى حكمة ومنهجية عمل الثورة الإسلامية الإيرانية ،والتي من خلالها قد استطاعت إيران أن تبني نفسها من جديد بعيدآ من التبعية للغرب، رغم العقوبات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي فرضها عليها الغرب في محاولة لإخضاعها،وها هي إيران اليوم تستعد لحجز موقعها بين الكبار.
فرغم ثقل حجم الضغوطات الغربية على طهران منذ ستة وثلاثين عامآ، إلا أن مسيرة البناء والإعمار والتعليم وتنمية القطاعات الزراعية والصناعية وتطويرها والبحث العلمي كانت مستمرة في كل أنحاء البلاد، فقد دارت عجلة الاقتصاد داخل الدولة في شكل متسارع لتحقق طفرة كبيرة في العقدين الأخيرين، رغم استمرار الإنفاق المالي كما هو،كما نمت نسبة المشاريع الغير نفطية في الدولة بنسبة تجاوزت 36 في المئة، وتوسعت مشاريع تطوير البنية التحتية في شكل كبير، وقد زادت نسبة الاستثمارات الإيرانية الداخلية والخارجية في قطاعات مختلفة.
ورغم أن الحرب الاقتصادية الأخيرة التي تشنها دول إقليمية وغربية «حرب النفط» والانخفاض المتلاحق في أسعار النفط، قد أضرت في شكل واضح ببعض القطاعات الاقتصادية والمالية الإيرانية، إلا أن المؤشرات الاقتصادية لعام 2015 تؤكد أن الدولة الإيرانية ومع قرب التوقيع على الاتفاق النووي ،قادرة على التكيف مع المتغيرات الجديدة، علما أن جميع المؤشرات تؤكد أن أسعار النفط ستبدأ بالتعافي مطلع تشرين ثاني من العام الحالي، ما يؤكد قدرة طهران على تجاوز هذه المرحلة بثبات.
سيآسيا وأمنيآ، يعلم جميع المتابعين أن إيران تعرضت منذ العام 1979، ولا تزال، لمجموعة مخططات ومشاريع خارجية تمثلت في حرب الخليج الأولى المباشرة عليها وتضررها في شكل شبه مباشر من تداعيات حرب الخليج الثانية، كما حاولت بعض هذه المخططات إثارة الفوضى في الداخل الإيراني من خلال تحريك بعض القوى المعارضة والتي ركب موجها الغرب حينها، وكانت هذه المخططات تستهدف ضرب الاستقرار والأمن لكن إيران نجحت بفضل حكمة السيد علي خامنئي وباقي المسؤولين في الدولة، في وأد هذه المخططات وإفشالها، وبأقل خسائر ممكنة، وفي الإطار نفسه، استطاعت أن ترسم إطارآ عادلا لمسار الإصلاح المستقبلي.
أما من الناحية العسكرية، فمن الواضح للجميع حجم القوة العسكرية التي يملكها الإيرانيون والتي ظهرت في شكل واضح موخرآ، بعد انطلاق مناورات عسكرية بحرية كبيرة حملت اسم «الرسول الأعظم 9»، بالإضافة إلى مناورات أخرى جرت أواخر العام الماضي في جنوب شرق البلاد وبحر عمان ومضيق هرمز حتى خليج عدن، تحت تسمية «محمد رسول الله»، والتي اختبر خلالها الجيش الإيراني أنواعا من الصواريخ والطائرات من دون طيار والتي شارك فيها الآلاف من الجنود، وامتدت على مساحة 2.2 مليون كلم مربع، وهي المرة الأولى التي يتم فيها إطلاق مناورات بهذا الحجم ، ما يثبت تطور القدرات العسكرية الإيرانية،وحجم الخبرة الحنكة التي يملكها القادة العسكريون الإيرانيون ،وخصوصآ خبرة وحنكة الحاج قاسم سليماني.
إقليميآ ودوليآ، يلاحظ المتابع لمسار الفوضى التي تعيشها دول الإقليم: سورية واليمن وليبيا والعراق، مدى الحكمة التي تتمتع بها القيادة الإيرانية التي استطاعت أن تنأى بنفسها، نوعآ ما، عن الانزلاق في فوضى الإقليم، من خلال اتباعها سياسة واضحة في التعاطي مع كل أزماته، كما كانت لها نظرة شمولية عقلانية لمسار الحلول، في خصوص ملفي البحرين واليمن، بالإضافة إلى دورها الفاعل في بناء وترتيب حلول لأزمات العراق وسورية، وبذلك استطاعت حكمة وسياسة وديبلوماسية الشيخ حسن روحاني وباقي الطاقم الديبلوماسي والسياسي الإيراني من بناء وتأطير دور بارز لهم على الساحة الأقليمية والدولية .
ومع حجم الإنجازات التي حققها الإيرانيون منذ عام 1979 في مختلف القطاعات، لا بد أن تبرز مجموعة من التحديات أمام الدولة الإيرانية، فقد احتفل الإيرانيون قبل أشهر قليلة بذكرى انتصار ثورتهم هذا العام وسط ظروف اقتصادية صعبة نوعآ ما عاشتها طهران ولا تزال، بسبب حصار اقتصادي مستمر منذ ثلاثة عقود ونصف، بالتزامن مع انطلاق حرب النفط، ، بالإضافة إلى مجموعة ظروف أخرى تعيشها المنطقة، كالصراع في سورية واليمن، وتهديدات الكيان الصهيوني وحلفائه العسكرية المتكررة، وعلاقات إيران مع بعض دول الإقليم العربي المتوترة في هذه الفترة،ولكن يبدوا واضحآ ان مجمل هذه التحديات سيبدأ قريبآ بالتلاشي مع قرب التوقيع على ملف أيران النووي،باستثناء خطر الكيان الصهيوني ،الذي سيبقى دائمآ هو الخطر على كل هذه الإمة بدون أستثناء.
ختامآ ،ان هذه التحديات المذكورة أعلاه والتي عايشها الإيرانيون، وما زالوا يعيشون تداعياتها منذ أن قرروا الخروج من تحت عباءة الغرب والتحرر وبناء ايران الجديدة، إيران التطور الصناعي والديمقراطية، إيران ذات القوة العسكرية والتكنولوجية الهائلة ومحور القوة في الإقليم، فطموحات الإيرانيين هذه واجهتها آلة الحلف الغربي -الصهيوني -الإقليمي وحاولت هدمها على مر السنوات وبوسائل عديدة، من العقوبات الاقتصادية إلى التهديدات الأمنية والعسكرية إلى محاولة إثارة الفوضى في الداخل الايراني، لكن بحكمة القيادة ووعي الشعب لخطورة ما يحاك له منذ انتصار الثورة الإسلامية، خرجت إيران الثورة الإسلامية منتصرة،وها هي اليوم تتوج أنجازاتها بحجز مقعدها بين كبار القوى العالمية .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat