صفحة الكاتب : هادي جلو مرعي

اللحظة الكافرة
هادي جلو مرعي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مثل بدايات الصيف,تكون لحظات الوداع القاسية لربيع يحمل الأحلام والأوهام ,وفيه تتفتح أزهار المشمش,وهذه الغيوم البيضاء الذاهبة الى جهة الشرق,برغم جمال منظرها ,وهي تملأ الأفق البعيد ,توحي بلحظة رحيل قاسية,وإيذان بقدوم صيف متطرف في لحظة كفر .

الرحيل عن الوطن تحت وطأة الخوف ومطاردة السلطة يثير الهلع في النفس ,فمامن أحد يرضيه أن يغادر بلاعودة ,أو بأمل مؤجل,وقد يموت في المنافي البعيدة,يصف أحد المثقفين العراقيين خروجه من بلده في سبعينيات القرن الماضي باللحظة الكافرة التي تقطع كل رجاء.

هذا ليس وصفا تراجيديا ,بل حقيقة معبرة عن ذات مكلومة ممتهنة من قوة خارجية لاقدرة تتوفر لصد نفوذها الجبار.أنظر في آخر صورة لحفل التخرج من الكلية ,تمعن في صورتك,في وجه الحبيبة,ستجد إنها صورة للحظة كافرة في حياتك تخفي تحت عباءة الإبتسامة الباهتة ملامح مرحلة قادمة تعصف بها ذكريات الحب والوله بالماضي القريب وبصور الأصدقاء وكل اللاتي أحببتهن ,وأنت تسابق السياب في حظه العاثر مع النسوان.

اللحظة الكافرة حين تودع وطنا نشأت فيه صغيرا وتعشقته,ثم تتركه مرغما,وهي كافرة حد الموت حين تغادر مساحة عشق لإمرأة لاتمنحك سوى الوعود, ثم تمضي عنك الى مكان آخر بإنتظار موعد جديد قد لايأتي,وحتى اللحظة التي تفكر فيها بحبيب لايبادلك الوله ,أو يرغمك على العذاب ,أويدفعك نحو دائرة الضياع.

في بلد آخر يمنحك الدفْ لأسابيع ,ثم تغادره يجذبك الوطن البعيد,وتتنازعك رغبتان,الأولى تصلك بالأرض,والأهل ,والثانية بهذا البلد الذي زرته ,ووجدت فيه روحا مفعمة بالحياة والتجدد,لاتجد مثلها في وطنك المبتلى بلحظات كفر ثقيلة,وهي لحظة كافرة حين تذرف دمعا على كتفي حبيب,لكنك تخفي دموعا لتهبها لمن تحب حين تلقاه عائدا.

لحظات الكفر عندي تتكرر مع تطاول الزمان ,وحراكه نحو الغد,وكل ماأفارقه أشعر إنه إنفصل عني في واحدة منها.والأوهام التي تطاردنا,وتنشر ثقافة الخلود في حضورنا الفان,تستغل لحظات كفر لتعبث بنا ,وتنزع عنا قدرة التحرر منها ,وكلنا أمل وشوق لتحقيق رغبات نكتشف في لحظة كفر إنها لاتتحقق,الذي يتحقق فقط هو فناؤنا ورحيل أوهامنا معه .

أغنياتنا التي نسرق منها شجنا جنوبيا يلهج بنزعة الى الحزن المتجدد ,الذي نأبى له أن ينكشف عنا,كلها جاءت في لحظات كافرة,وذهب ملحنوها ومغنوها ومستمعوها الأوائل, لكنها ,ولعظم كفرها,تعود وتختلق في اللاحق من الأجيال الرغبة فيها ,والشعور بأنها مساحة آمنة من شرور الحياة التي تسحبنا الى الهوة العميقة,واللجة الأبعد.

أنا أؤمن باللحظات الكافرة لأنها تجمعني بأناس عشقتهم.ولأن فيها إعلان حبي لك, وهروبك مني .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


هادي جلو مرعي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/06/12



كتابة تعليق لموضوع : اللحظة الكافرة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net