صفحة الكاتب : عبد الرضا الساعدي

الجهات الرقابية في الميزان
عبد الرضا الساعدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 في شهر شباط الماضي تناقلت وكالات الأنباء خبرا يفيد بتشكيل مجلس الوزراء للّجنة حكومية تتولى إعادة النظر في أمر سلطة الائتلاف الخاص بمهام المفتش العام ومدى انسجامه مع التشريعات النافذة ،بالإضافة إلى نطاق عمل مكاتب المفتشين العموميين في وزارات ومؤسسات الدولة . ولم يتسنّ لي الاطلاع على النتائج التي توصلت إليها اللجنة لاسيما بعد مرور خمسة أشهر على تشكيلها ،إلا أن استمرار العمل بقانون المفتشين العموميين أشار إلى بقاء الأمر على ما هو عليه ، لكن الغريب بالموضوع هو تكرار تلك الدعوة من قبل السيد رئيس مجلس الوزراء نفسه لإعادة تقييم مكاتب المفتشين العموميين كجزء من حزمته الإصلاحية التي لقيت مباركة من قبل متظاهري ساحة التحرير ، وللوصول إلى فهم واضح للأسباب التي جعلت الحكومة تشكّل مثل تلك اللجنة ،ربما يكون من الضروري أن نعود بالزمن قليلا إلى الخلف ، ففي أواخر عام 2014  أصدرت منظمة الشفافية الدولية ، وهي منظمة غير حكومية تتخذ من برلين مقرا لها، دليلا عاما لانتشار الفساد في جميع البلدان ،حيث أشارت المنظمة الدولية في تقريرها إلى أن العراق يحتل المركز السابع عالميا والثاني عربيا بعد السودان ليتصدر بذلك وللسنة الحادية عشر على التوالي قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم ..! وبالرغم من أن كارثة الفساد المالي والإداري المستشرية في العراق لم تكن وليدة التغيير السياسي عام 2003 ،إلا أن الانفتاح الدستوري على الحريات الإعلامية والسياسية سهّل كثيرا من عمليات الرصد لمؤشرات الفساد وتقييمها ،لكن الجديد والغريب في ظاهرة تفشي الفساد لعراق ما بعد 2003 هو علاقتها الطردية مع تعدد الجهات الرقابية التي أنشئت لمكافحتها ، تلك العلاقة تستحق الوقوف عندها طويلا في محاولة للبحث عن إجابة وافية وكافية لها . لقد تم تشكيل لجنة للنزاهة في مجلس النواب العراقي كأعلى سلطة رقابية في البلد، وتأسست كذلك هيئة حكومية مستقلة للنزاهة ، كما جرى تعديل قانون المفتشين العموميين عام 2011 بشكل يمنح المفتش العام درجة وكيل وزير مع صلاحيات أكثر لتقويته واستقلاله ،وقد تم منح جميع تلك الجهات الرقابية حوافز ومخصصات مالية إضافية لضمان نزاهة منسوبيها وبما تتلاءم مع خطورة الملفات التي يتعاملون معها ، وبما يمكّنهم من أداء واجباتهم في رفع مستويات المساءلة والنزاهة ومن ثم المساهمة في منع الفساد ومكافحته. جدير بالذكر أن تلك الحوافز والمخصصات المالية التي شرّعت في وقت سابق ،صارت اليوم عبئا ثقيلا على كاهل الموازنة العامة للبلد ،خصوصا بعد التدّني الكبير والمستمر بأسعار النفط في بورصة أوبك ، فضلا عن التحديات الأمنية التي تواجهها الدولة وحجم الإنفاق العسكري الكبير المخصص لمواجهتها..! أن المهام المشتركة والأهداف المتشابهة لجميع تلك الجهات الرقابية تقترب أيضا من الأهداف والمهام المناطة بمؤسسة رقابية عريقة أخرى ألا وهي ديوان الرقابة المالية ، فما الذي حققته كل تلك المؤسسات الرقابية ..؟ وهل تم الحد من تفاقم الفساد وتقليل مناسيبه ..؟ الجواب طبقا للتقارير الأممية قطعا لا ..فما السبب ؟ ! لعل الجواب يكون من خلال الاهتمام بنوع المؤسسة الرقابية لا بكمّها ، ذلك النوع الذي كان فاعلا جدا من خلال ديوان الرقابة المالية التي أثبتت الوقائع مهنية جهازه الوظيفي واستقلاله وحياديته ، وما فكرة أنشاء وتعدد المؤسسات التي تشاطره مهامه الرقابية إلا واحدة من الأسباب التي إن لم تكن جزءا من منظومة الفساد، فأن وجودها قد جاء معرقلا وليس له أثرا ايجابيا على أرض الواقع ، وقد أثبتت الوقائع بأن مكاتب المفتشين العموميين كثيراً ما حادت عن مهامها لتصبح عوناً لكبار الفاسدين والمفسدين في الدولة ،وما ملفات التحقيق القليلة التي تم انجازها إلا قطرة لا تكاد ترى في مستنقع الفساد . وبعبارة أكثر وضوحا ،فأن مسؤولية توّسع حلقات الفساد المالي والإداري تقع على عاتق كل المتصّدين للعمل بتلك الجهات الرقابية ، كونهم المسؤولين الحقيقيين عن واجب مكافحة الفساد والحد من تداعياته اللامحدودة .

>
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الرضا الساعدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/09/02



كتابة تعليق لموضوع : الجهات الرقابية في الميزان
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net