صفحة الكاتب : علي جابر الفتلاوي

الاهزوجة الشعبية جزء من ستراتيجية النصر في المعركة
علي جابر الفتلاوي

الاهزوجة الشعبية ( الهوسة ) لون من ألوان الشعر الشعبي العراقي، تظهر ( الهوسة ) في المواقف الشعبية الجماهيرية، كمناسبات الفرح والحزن والمواقف الشعبية الدينية والعشائرية والوطنية، الاهزوجة هي رفيقة التجمعات الشعبية لأي غرض كان هذا التجمع، وموضوعاتها المديح أو الهجاء أو التشجيع والتحفيز والحث على القتال والصبر على المصائب .

يبرز دور وأهمية الاهزوجة أيام العدوان أو الثورات الشعبية، إذ يكون لها دور في إشعال العواطف والتحشيد الجماهيري، الأهزوجة لها تأريخ وحاضر ومستقبل، في أيام ثورة العشرين كان للاهزوجة دور في تشجيع العشائر على الثورة ضد الغزاة الانكليز، لكن للأسف الثورة ضد الانكليز وُظِفت لخدمة السلطان العثماني، إذ البعض من رجال الدين وشيوخ العشائر عدّوا ثورة العشرين نصرة للاسلام، لأنهم ظنوا أنّ السلطان العثماني الجائر والمتلبس بالدين حاكما إسلاميا ونصرته نصرة للدين، وهذه مغالطة كبيرة وقع فيها الشيعة أصحاب القلوب الطيبة والذين ينخدعون بأي نداء باسم الدين، في حين أن العثمانيين لا يختلفون في شيء عن الانكليز بل ربما هم أكثر ظلما وجورا من الانكليز، والحاكم العثماني المتغطرس لا يختلف في منهجه عن الحاكم الأموي والعباسي الذي يحكم باسم الدين ظلما، وفي تقديري هذا أول مطب وقع فيه الشيعة في العصر الحديث، وكان البداية الذي أضاع فيه الشيعة حقوقهم ومستقبلهم السياسي في العراق رغم أنهم الأكثرية، ليس هذا فقط بل أفتى بعض رجال الشيعة بحرمة التعامل مع الانكليز، وأكثر من هذا أصدر البعض فتاوي تحرّم الدخول في المدارس التي فُتِحت في عهد الانكليز هذا السلوك أضاع مستقبل الشيعة السياسي .

في تقديري إن الطبقة العامة غالبا ما تندفع للنداءات باسم الدين من دون تدقيق وتمحيص، وهنا يبرز دور علماء الدين الواعين ليتدخلوا في توجيه الجماهير نحو الطريق السليم، ولتشخيص أدعياء الدين عن غيرهم، يجب التدقيق: هل مدعي الدين هو فعلا ينتمي إلى الإسلام الأصيل الذي ينشد العدالة والمساواة والحرية ونبذ الظلم أم يتخذ من الدين غطاء لتحقيق الأغراض الشخصية والطائفية والقبلية ؟

في تقديري لا فرق بين إسلام العثمانيين أو إسلام العباسيين والأمويين، إنهم سلاطين وليسوا حكاما إسلاميين، يجب التفريق بين من يحكم حكما إسلاميا وبين من يحكم باسم الإسلام، الحكام السلاطين الذين يتخذون من الإسلام ستارا لانحرافهم وظلمهم فيخدعون الجماهير بالشكليات والمظاهر الدينية المزيفة، لأن هدفهم هو الدنيا وليس الآخرة، هؤلاء أساءوا إلى الإسلام أكثر مما قدموا له، خدعوا الجماهير وزيفوا الدين الأصيل دين المحبة والبناء والنزاهة ومحاربة الفساد والظلم بكل صوره، لكن للأسف تنخدع الجماهير بالصور والشكليات بعيدا عن المبادئ، والغالبية من الجماهير تنخدع بالحاكم الذي يبني جامعا فخما، أو الذي يقيم الولائم باسم الدين أو يهتم بالرسوم والمظاهر والشكليات الدينية، للأسف تواطأ المؤرخ مع الحاكم الظالم لتزييف الدين الحقيقي الذي يريده الله تعالى وجاء به محمد ( ص ) رحمة للإنسانية، إسلام العدالة والحرية والمساواة واحترام الانسان، فاستلمت الأجيال اللاحقة إسلام السلاطين المدعوم بفتاوى وعاظ السلاطين على أنه هو الإسلام الأصيل، وكفّروا من يدعي باسلام محمد وعلي والصحابة النجباء .

 لقد أوهم الحاكم الظالم مع جوقة وعاظ السلاطين الأجيال بإسلامهم المنحرف والمزيف الذي توارثوه  منذ استشهاد الإمام علي ( ع ) حتى يومنا هذا، فتوارثت الأجيال إسلام السلاطين، إسلام الظلم والقتل والذبح وسلب حقوق الجماهير، وتشكلت خلال هذه العقود من السنين طبقة وعاظ السلاطين التي تصدّر الفتاوى حسب رغبة السلطان الجائر، والمؤرخين الذين زيفوا التأريخ، واليوم نجني نتائج السير في إسلام السلاطين، ذبح وسفك لدماء الأبرياء واعتداء على الشرف والأوطان باسم الإسلام، وتبّنى الحكام العرب هذا الإسلام لأنه موظف لخدمتهم، واستقبلته الدول المعادية للإسلام بترحاب، وشجعت على انتشاره من أجل تشويه دين الله الأصيل الذي جاء به محمد ( ص ) رحمة للإنسانية، إضافة إلى ذلك أن إسلام السلاطين يخدم الأهداف الأمريكية والصهيونية، إذ أنتج الإرهاب بكل صوره وانتماءاته واشاع المحور المعادي للإسلام الأصيل على أن هذا هو الإسلام، قتل ونهب واعتداء وتحجر، أما إسلام محمد(ص) فقد بقي منزويا عن الحياة محصورا في عقول وصدور شرائح من المجتمع الإسلامي بعيدا عن السلطان الجائر، وحمل لواء الإسلام الأصيل من بعد وفاة رسول الإنسانية ( ص ) الأئمة الأطهار ( ع ) مع ثلة نقية من الصحابة الأجلاء، وبقي متداولا جماهيريا في حدود معينة من خلال تواجد الأئمة الأطهار، ومن بعدهم الصحابة والعلماء الصالحون الواعون السائرون على سيرتهم ونهجهم الإسلامي النقي غير الملوث بإسلام السلاطين.

 أرى اندفاع العشائر في ثورة العشرين هو نتيجة لفتوى صدرت من أحد العلماء لمقاتلة المحتل الكافر، لكنها وظفت لنصرة السلطان العثماني كونه مسلما والقادم الإنكليزي كافر، رغم أن إسلام السلطان العثماني لا يختلف عن إسلام الحاكم الأموي أو العباسي في الظلم وتزييف الدين، وثقافتنا الإسلامية غير الملوثة تقول : 

( حاكم كافر عادل خير من حاكم مسلم جائر ) لأن العدل صفة إنسانية عامة لا تحتكر لدين أو طائفة أو قومية، وفي تقديري أن هذا الموقف أضاع الكثير من حقوق المسلمين الشيعة رغم أنهم يشكلون الأكثرية ويفترض أن يستلموا هم الحكم من الإنكليز، عليه  أدعو لمراجعة صفحات التأريخ بعقولنا لا بعواطفنا، وعلى القادة أن يتخذوا الموقف المناسب لمصلحة الجماهير بعيدا عن العواطف والفرضيات غير الواقعية .

 في ثورة العشرين كان للإهزوجة دور كبير في التحشيد الجماهيري والحث على القتال ضد الإنكليز، وأشهر  إهزوجة شعبية في ثورة العشرين ( الطوب أحسن لو مكَواري )، وجميع الأهازيج كانت تحث على الثورة ضد المحتل الإنكليزي، لقد عاشت الإهزوجة مع الجماهير في جميع مفاصل الحياة العراقية تقريبا، وبرزت الأهزوجة من جديد بعد فتوى الجهاد الكفائي من المرجعية الرشيدة، تلك الفتوى التي جاءت في الوقت المناسب للحفاظ على العراق وشعبه من هجوم معسكر التكفير باسم داعش المدعومة دوليا وإقليميا، حرّكت الفتوى الجماهير واندفعت باتجاه تشكيل الحشد الشعبي للدفاع عن العراق والمقدسات، لقد رافقت الإهزوجة الشعبية تشكيلات الحشد الشعبي في جميع مراحله لتعبر عن نبض الشارع العراقي، وساهمت الإهزوجة الشعبية في خلق الحماس الجماهيري والإندفاع أكثر باتجاه تحقيق الهدف، إذ خلقت الفتوى التي دعمتها الأهازيج الشعبية الحماس للتطوع والقتال إلى جانب الجيش العراقي البطل وبقية التشكيلات المقاتلة .

نرى بمجرد إصدار فتوى الجهاد الكفائي من السيد المرجع علي السيستاني حفظه الله تعالى، استقبلت الجماهير الفتوى بالترحاب واندفعت للتطوع باعداد كبيرة، ورافق حملة التطوع الجماهيرية الأهازيج الشعبية التي تمجد الفتوى وتحث على التطوع والقتال، من الأهازيج في هذه المناسبة أهزوجة الشاعر قاسم المندلاوي وهو يخاطب السيد السيستاني: 

قائد هالحشد إنت وتظل نبراس 

كَالولة وحرزنه وتاج فوك الراس 

يالعندك شجاعة من الوفي العباس 

بس آمرنه انزيح أمريكا 

ونفس الشاعر وهو يحث ( يُشيّم ) الجماهير في إهزوجة أخرى: 

مِن نادى علي السيستاني حيّهم ها 

طبّ لينه العدو وينه اللي يتلكاه 

كلمن عنده غِيره بها لوطن ناداه 

إبشر مولاي إحنا جنودك 

أما الشاعر محمد أبو رغيف فقد خاطب السيد السيستاني بعد فتوى الجهاد الكفائي :

إبشر علي السيستاني كلنه جنود هبينه

ما يسوة العمر بالذل والله ونرفض سنينه 

متحزمين يازمرة بني سفيان حزام الواعد سكينة 

اليوم انكل السيد كلنه جنود وعد عيناك 

وفي إهزوجة أخرى يخاطب الحشد الشعبي في الميدان بعد أن أثبتوا شجاعة وبطولة وجدارة :

ولد حامي الحمية اليوم بالميدان 

خلّوا هالزلم تلبس لبس نسوان 

وردّوهه الكاع المغصوبة 

وتذاع غالبا هذه الأهازيج في التجمعات الجماهيرية، ويتبعها حراك الجماهير ويكون أشبه بالدائرة مع رفع الأيدي والسلاح إن كان الموقف يتطلب حمل السلاح، وتبقى الجماهير تهزج حتى يبلغ الحماس والاندفاع ذروته، فترفع المعنويات إلى الحد الأقصى وهذا هو المطلوب، عليه تُعد الأهزوجة خاصة في العراق جزءا من ستراتيجية النصر في المعركة، ولها تأريخ يثبت هذا الطرح خاصة في ثورة العشرين .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي جابر الفتلاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/09/06



كتابة تعليق لموضوع : الاهزوجة الشعبية جزء من ستراتيجية النصر في المعركة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net