صفحة الكاتب : صالح الطائي

النكاح يوحدنا، مسألة فقهية
صالح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

المسلمون اليوم خمسة مذاهب كبيرة، ومجموعة فرق أكبر، كل منها، يدعي أنه يمثل روح الإسلام؛ وهو الفرقة الناجية وحده، وغيره هالك لا محال، ولو عدنا إلى أصول فقه هذه الفرقة التي يدعون أن التعبد بها؛ هو ما يميزهم وينجيهم، سنجدها تشترك مع أصول فقه باقي الفرق والمذاهب بكثير من الجوانب والأحكام، بما لا يميز واحدة عن أخرى إلا قليلا، وهذا يعني أنه لا يجوز لأحد أن يعد نفسه الناجي الأوحد، وغيره هلكى، ويعني أكثر أن هذه المذاهب والفرق يجب أن تتوحد من حيث الكلية وتحتفظ كل منها بخصوصيتها من حيث الجزئية، فما هي إلا فروعا لنهر كبير، أو أنهار تنبع من بحر اسمه الإسلام، بعضها صغير ضيق والآخر كبير واسع، ولكنها جميعها تحمل نفس الماء من حيث التركيبة واللون والطعم والرائحة، باستثناء ما أضافوه هم إليه من مستحدثات!.

المشكلة التي واجهتنا، كانت قصور الفهم عن إدراك هذه الحقيقة، لأن الفقهاء والعلماء، ركزُّوا على الخصوصية كثيرا، وتجاهلوا العمومية، فخلقوا منافسة بعضها كان غير شريف؛ بين الأتباع، تسببت في تحجر كل مجموعة في حدود بيئتها، والتهيب من مجرد النظر في البيئات الأخرى، لدرجة أنها كانت ولا زالت تظنها أحيانا عدوة لها.

ومع أن هناك عشرات البنى التي يمكن اتخاذها مقياسا للاشتراك النبعي أو الأصولي إلا أن الصدفة، وضعتني أمام مفردة (الجنس) لتكون شاهد موضوعي، ربما لأن الجنس أخذ حيزا كبيرا في حياة الفقهاء وأتباعهم عبر التاريخ، وقد يكون التفريع في مسألة (جهاد المناكحة) آخر ما قيل عنه وفيه.!

وما دعاني إلى دخول هذا المعترك، مع علمي أن هناك متصيدون بالماء العكر، ينتظرون الفرصة لينطلقوا معلنين عن أنفسهم، أني كنت أتصفح كتاب (الفقه على المذاهب الأربعة) لعبد الرحمن الجزري، فعثرت في الصفحتين96 و97 من الجزء الخامس، كتاب الحدود على حكم شرعي، اختلف بشأنه الفقهاء، فكان لكل منهم رأيا، يصل أحيانا إلى حد التعارض مع باقي الآراء، دون أن تطبق بحقه القاعدة الفقهية التي تقول: (يسقط الحديثان بالتعارض)، فذكرني ذلك بما كنت قد قرأته بالأمس في كتاب (رحمة الأمة في اختلاف الأئمة) لمحمد بن عبد الرحمن الدمشقي العثماني الشافعي(من علماء القرن الثامن الهجري)؛ الذي ذكر الكثير من مواطن الخلاف في فروع الأحكام بين الفقهاء، ليقول من خلال ذلك: إن اختلاف العلماء من أهم الأشياء، وذلك أمر لازم في حق المجتهد والحاكم، ليأخذ كل شخص بما سوغه له إمامه، حتى لا يخرج عن إجماع الأمة الذي يكفر من يخالفه. ثم أورد مثالا على اختلاف العلماء في الأمر الواحد، وهو موضوع جنسي يخص (مس الفرج).

فقال عن مس الشخص فرجه بيده: واتفقوا على أن من مس فرجه بعضو من أعضائه غير يده لا ينتقض وضوءه، لكنهم اختلفوا فيمن مس ذكره بيده.

فقال أبو حنيفة: لا ينتقض وضوؤه مطلقا على أي وجه كان.

وقال الشافعي: ينتقض بالمس بباطن كفه دون ظاهره من غير حائل سواء كان بشهوة أو بغيرها.

وقال احمد بن حنبل: ينتقض بباطن كفه وبظاهره

وقال مالك: إن مسه بشهوة انتقض وإلا فلا.

ثم أورد بعد ذلك أقوال الفقهاء فيما يخص مسألة مس الشخص فرج غيره، فقال:

 

قال الشافعي واحمد: ينتقض وضوء الماس صغيرا كان الممسوس أو كبيرا، حيا أو ميتا.

وقال مالك: لا ينتقض بمس الصغير.

وقال أبو حنيفة: لا ينتقض بحال.

هذا بالنسبة للماس، أما الممسوس نفسه، هل ينتقض وضوؤه أم لا؟ فقال في ذلك:

 

قال مالك: ينتقض.

وقال أبو حنيفة والشافعي واحمد لا ينتقض. 

واتفق الثلاثة على انه لا يجب الوضوء من مس الشاب الأمرد ولو بشهوة، وقال مالك بإيجابه، وفيه وجه في مذهب الشافعي

 

أما الجزري الذي دعاني إلى فتح هذا الباب، بعد أن وضعه أمامي، فقد كان يتكلم عن موضوع جنسي من نوع آخر له علاقة بالتجارة والإيجار والاستئجار، أورده تحت عنوان: (استئجار المرأة للزنا)، وقال:

 

الحنفية، قالوا: إذا استأجر الرجل امرأة للزنا فقبلت، ووطئها، فلا يقام الحد عليهما، ويعزران بما يرى الإمام، لما روي أن امرأة طلبت من راعي غنم في الصحراء أن يسقيها لبنا، فأبى أن يعطيها اللبن حتى تمكنه من نفسها، ونظرا لضرورتها وحاجتها إلى الطعام قبلت المرأة. ووطئها، ثم رفع الأمر إلى سيدنا عمر بن الخطاب(رض)، فدرأ الحد عنهما، وقال: ذلك مهرها، وعد هذا استئجارا لها. لأن الإجارة تمليك المنافع، ومنفعة البضع من المنافع.

المالكية والشافعية والحنابلة، قالوا: يقام الحد عليهما، ولا يصير الاستئجار شبهة تدرأ الحد عنهما،لأن حد الإجارة لا يستباح به الفرج شرعا، وعرفا، فصار كما لو استأجرها للطبخ ونحوه من الأعمال، ثم زنا بها، فإنه يقام عليه الحد.!

وقد دعاني حب الاستطلاع للدخول إلى فضاء الفقه الشيعي، لاستطلع رأيهم في هذه المسألة بالذات، نظرا لأهميتها، ولأثبت من خلال ذلك مسألة النبعية والأصولية والمصدر التي تحدثتُ عنها سابقا، بما يثبت اشتراك المذاهب في الأصل؛ رغم أنف أبي دجانة وغيره، فتابعت الموضوع في كتاب (فقه الحدود والتعزيرات) للسيد عبد الكريم الموسوى الأردبلي، وهو من علماء الشيعة،  فوجدته يقول في الجزء الأول صفحة 155 عن عدم سقوط الحد لشبهة الاستئجار؛ عين ما قالوه، وفيه: "لا يصير الاستئجار شبهة تدرأ الحد، ولا تأثير لعقد الإجارة على المنافع في إباحة الوطء، فكان كالمعدوم"، فهو كما قال الشهيد الثاني: "ضابط الشبهة المسقطة للحد توهم الفاعل أو المفعول به أن ذلك الفعل سائغ له، لا مجرد وقوع الخلاف فيه مع اعتقاده تحريمه". فدلوني بربكم على وجه الخلاف بين المذهب الشيعي وباقي المذاهب والفرق؛ يا من تكفرون الشيعة، وتخرجونهم من الإسلام، وتفرقون كلمة الأمة!.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/09/08



كتابة تعليق لموضوع : النكاح يوحدنا، مسألة فقهية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net