صفحة الكاتب : سلمان عبد الاعلى

نحن وإتخاذ القرار
سلمان عبد الاعلى

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يعتمد نجاح الإنسان في حياته على مدى نجاحه في إتخاذ القرارات الصائبة، فكلما كانت قراراته صائبة وصحيحة كلما كانت حياته ناجحة بصورة أكثر والعكس بالعكس، لأن حياة الإنسان ما هي إلا سلسلة من الأحداث والمواقف التي يتعرض لها ويحتاج لإتخاذ القرارات المناسبة بشأنها، وهذا الأمر يتعلق بكل مفصل من مفاصل الحياة التي يستطيع الإنسان أن يتحكم فيها أو يؤثر عليها.
 وهذا ما يجعل الكثير منا يندم على بعض قراراته التي لم تكن موفقة، والتي أحدثت نتائج سلبية لم يرتضيها، وهذا أيضاً ما يجعل البعض منا يقف موقف الحيرة، لا يدري ماذا يصنع عندما يتطلب منه الأمر أن يتخذ بعض القرارات الهامة والمصيرية، وذلك لأنه يخشى نتائج هذه القرارات وعواقبها في المستقبل.
ومن المعروف أنه كلما كانت القرارت مهمة، كلما كانت نتائجها مهمة وخطرة، ولا يقتصر هذا الأمر على القرارات المتعلقة بالأفراد، بل يتعلق أيضاً بالقرارات المختصة بمصير الجماعات، ولهذا تكون القرارات التي يتخذها الشخص المسؤول عن الجماعة –عادة- أصعب وأهم وأخطر من القرارات المتعلقة بشخص، ولكن للأسف أن بعضهم يكون مسئولاً عن مصير جماعة (أسرة، قبيلة، إدارة، وزارة، دولة... ) وهو شخص لا يجيد إتخاذ القرارات الصحيحة.
ما هو المقصود من إتخاذ القرار؟
المقصود من إتخاذ القرار هو: "إختيار بديل من عدة بدائل متاحة في سبيل تحقيق هدف معين". ولهذا إذا لم يكن أمام الإنسان إلا خيار واحد، فلا يعد ذلك بأنه قد قام بإتخاذ القرار، لأنه سيكون مجبر عليه وغير مخير، وحرية الإختيار من الأركان الأساسية لعملية إتخاذ القرار، حيث أن للقرار ثلاث أركان أساسية لا بد من توفرها وهي:
·       وجود البدائل: فعندما يكون هناك بديل واحد أو طريق واحد لا بد من سلوكه، فنحن نكون مجبرين على ذلك ولا قرار هنا.
·       حرية الإختيار: إن وجود البدائل لوحده لا يكفي، بل لا بد من وجود حرية في اختيار أي منها، وإذا لم توجد هذه الحرية فنكون مجبرين على بديل معين، وأيضاً لن يكون هناك قرار.
·       وجود الهدف: إن وراء كل قرار هدف نسعى لتحقيقه وإن عدم وجود الهدف يجعل القرارات عملاً عبثياً.
وإذا لم يكتمل وجود هذه الأركان الثلاثة، فلا وجود لقرار أصلاً، ومن هنا لا يصح أن نسمي من يجبر على أمر معين بأنه قد إتخذ قراراً بشأنه، كإجبار الحاكم للمحكومين على بعض الأمور، أو إجبار الأب للأبن أو الزوج للزوجه أو ما شابه ذلك.
الفرق بين عملية صنع القرار وإتخاذ القرار:
لا بد من التمييز بين مصطلحين وهما: صنع القرار وإتخاذ القرار، لأنهما ليسا مصطلحين مترادفين كما يظن البعض، ومن الضروري التمييز بينهما حتى نتعرف على المشاكل التي تواجهنا في هذا الشأن، فالكثير من مشاكلنا تكمن في عملية صنع القرار أكثر من عملية إتخاذ القرار، ومن هنا لا بد لنا أن نتعرف على الفرق بينهما حتى يمكننا أن نحدد موطن الخلل بدقة.
ويمكننا أن نميز بين كلا المصطلحين في التالي:
§       صناعة القرار: هي "مجمل الإجراءات المرتبطة بتشخيص المشكلة أو الموقف وجمع البيانات وتطوير بدائل ومن ثم تقييمها والتوصية بأفضل البدائل".
§       عملية اتخاذ القرار: هي "العملية التي تنصب على تقييم البدائل واختيار أفضلها وتنفيذه وتقييمه".
فلا بد إذاً من صناعة للقرار قبل أن نقوم بإتخاذ القرار، ويمكن إعتبار عملية إتخاذ القرار مرحلة تالية لصناعة القرار، وكثيراً ما نخفق في إتخاذ القرارات الصائبة، نتيجة لإخفاقنا في صنع القرارات الصحيحة، وهذا ما سوف يتضح فيما سيأتي.
عملية صنع واتخاذ القرار
مقصودنا بهذه العملية هي: مجمل الأنشطة التي تنصب على تقييم البدائل واختيار أفضلها وتنفيذه وتقييمه، وهي تمر بمراحل متعددة، ونحن نواجه الكثير من المشاكل في هذه المراحل أو في بعضها على الأقل، وسوف نركز على بعض هذه المراحل التي نواجه فيها بعض المشاكل التي تكون عقبة تحول بيننا وبين إتخاذ القرارات الصحيحة.
§       مشكلتنا مع (تحديد المشكلة):
أول مرحلة من مراحل عملية صنع القرار هو تحديد المشكلة التي سوف يتخذ القرار بشأنها، ونعني بالمشكلة هنا"أي موقف يستلزم إتخاذ القرار" وكثيراً ما يخفق الإنسان في قراراته بسبب عدم تحديده الدقيق للمشكلة الفعلية التي يريد أن يقدم الحلول لها، فالكثير من المشاكل التي نعاني منها تتصف بالغموض وبعدم الوضوح مما يجعلها صعبة التحديد.
ولهذا ينبغي علينا أن نبذل الجهود الكافية لتحديد المشكلة قبل أن نقوم بإتخاذ القرار المناسب لها، ويمكننا الإجابة على الأسئلة التالية حتى نتمكن تحديد المشكلة، والأسئلة هي: (ما هي المشكلة؟ كيف نشأت؟ ما هي أسبابها؟ متى تحدث؟ ولماذا تحدث؟ وما هي المشاكل المترتبة على عدم حلها؟). والإجابة على هذه الأسئلة تساعدنا على التعرف على جوانب المشكلة وظروفها وأطرافها وأبعادها مما يساعدنا في التوصل لقرارات صحيحة وصائبة.
والأمر الآخر، والذي يجب أن يراعي عند إتخاذ القرار، هو أن يحدد الوقت المتاح لعملية اتخاذ القرار، أي أن يكون اتخاذ القرار في الوقت المناسب وقبل فوات الأوان، فهذا العنصر مهم جداً، فالقرار الصحيح هو الذي يأتي في الوقت الصحيح، لأن تأجيل إتخاذ القرار أحياناً يضاعف المشكلة ويعقدها أكثر، والتسرع في إتخاذ القرار يكون أحياناً على حساب الدقة، فلهذا ينبغي أن يُراعى هذا الأمر ((أي الوقت))، وهو يختلف باختلاف المشكلة، فهناك من المشاكل من يتطلب وقتاً طويلاً، وهناك من يتطلب وقت قصيراً بل وقصيراً جداً في بعض الحالات.
§       مشكلتنا مع (تحديد البدائل أو الحلول الممكنة):
بعد تحديدنا للمشكلة التي نريد أن نعالجها، ينبغي لنا أن نضع البدائل المتاحة والممكنة التي يمكننا أن نختار أحدها لحل المشكلة، وبمعنى آخر نختار أدقها أفضلها، والمشكلة في هذه المرحلة أن الكثير من الناس لا يتعامل مع البدائل بواقعية، حيث أنه يضع أحلاماً وخيالات أكثر من وضعه لحلول وبدائل ممكنة وصحيحة، أو أنه أحياناً يضع نفسه وكأن ليس أمامه إلا خيار واحد، وهذا الأمر كثيراً ما يكون غير واقعياً، لأن غالبية المشاكل التي نتعرض لها عادةً ما يكون لها أكثر من حل. صحيح قد يكون صانع القرار جاهلاً بهذه الحلول، ولكنه يستطيع أن يعتمد على معلومات الآخرين وخبراتهم لمعرفة البدائل الممكنة لحل مشكلته.
§       مشكلتنا مع (تقييم البدائل والإختيار من بينها):
     إختيار أفضل البدائل ليس من خلال الخيالات والأحلام والأوهام كما قلنا، بل يعتمد على الواقع، حيث يراعي في ذلك الإمكانات والقدرات المتاحة، من خلال فحص نقاط القوة والضعف لكل بديل مطروح، وليس من خلال الميل النفسي والعاطفي، وهنا يجب تجنب إختيار البدائل التي تكون غير ممكنة التطبيق، ولكن الكثير يفتقد لهذا الأمر، ولا يفرق بين ما يمكن تطبيقه؟ وما يتمنى تطبيقه؟ 
§       مشكلتنا مع (تنفيذ القرار):
في الكثير من الأحيان تكون المشكلة التي تواجهنا ليس في إتخاذ القرار المناسب، ولكن في تنفيذ القرار المتخذ، فالتنفيذ مهم جداً بعد عملية إتخاذ القرار، فما الفائدة من إتعاب النفس في صناعة وإتخاذ القرارات الصحيحة، ومن ثم نتركها ولا ننفذها أو ننفذها ولكن ليس بالشكل الصحيح والمطلوب، فنجاح القرار لا يقتصر فقط على نوعيته وكيفية، بل يعتمد إعتماداً كبيراً على فعاليته في التطبيق، والكثير منا يكون بارعاً في التنظير وفي إتخاذ القرارات، ولكنه في التنفيذ أقل ما يمكن أن يقال حوله بأنه فاشل.
§       مشكلتنا مع (متابعة ومراقبة القرار):
بعد إختيار القرار الصحيح وتنفيذه، ينبغي أن لا يهمل، بل يجب المتابعة والمراقبة على تنفيذه، وذلك للتعرف على مواطن الخلل والقصور فيه، لكي يتم تعديله إذا أمكن أو إتخاذ قرارات أخرى جديدة، غير أن الكثير منا لا يملك نفساً طويلاً، فهو قد يبدأ متحمساً، ولكنه يبدأ بالفتور شيئاً فشيئاً إلى أن ينتهي الأمر به إلى الكسل.
كلمة الختام:
     إننا في مجتمعاتنا نعاني من مشاكل وإخفاقات كثيرة وكبيرة جداً في عملية إتخاذ القرار، فالبعض لا يتجرأ على إتخاذ القرار حتى ولو كان قراراً صغيراً وليس بذلك المستوى من الخطورة، والبعض الآخر يتهور ويتسرع ولا يبالي باتخاذ القرار مما يجعله يتخذ قرارات خاطئة، وبعضهم لا يتردد ولا يتسرع ولكنه لا يستطيع إتخاذ القرار الصائب، وهذا يحصل عند القيام بإتخاذ القرارات المتعلقة بالأفراد أنفسهم وبالقرارات المتعلقة بالجماعات، لذا ينبغي أن نبذل الجهود لإتخاذات القرارات الصحيحة، لأن إتخاذ القرار الصحيح والصائب هو مفتاح الوصول للنجاح في هذه الحياة.
ملاحظة هامة:((تم الإستفادة في كتابة هذا الموضوع ببعض الأطروحات الموجودة في العلوم الإدارية وبالخصوص كتاب الإدارة والأعمال للدكتور صالح العامري والدكتور طاهر الغالبي)).
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سلمان عبد الاعلى
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/06/17



كتابة تعليق لموضوع : نحن وإتخاذ القرار
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net