تصريحات القادة السنة في العراق تتوالى عن ترحيبهم بالتعاون مع واشنطن، وكانوا رفضوا قبل سنوات الإنسحاب المتسارع الذي أقره الرئيس باراك أوباما عادين ذلك تكريسا للهيمنة الإيرانية والمجموعات الشيعية السياسية والعسكرية، وطلبوا بقاء تلك القوات لتحدث نوعا من التوازن، معولين على العلاقة السلبية بين طهران وواشنطن مايعني إن الأخيرة لن تتيح للشيعة والإيرانيين التقدم كثيرا على حساب المصالح السنية في هذا البلد.
ليس سرا، أو هو إتهام عندما يشخص تقارب سني مع تركيا والسعودية وقطر، وإنزياح شيعي بإتجاه إيران مع وجود بعض الرفض هنا وهناك، والدعوة الى السيادة، وتغليب مصلحة الوطن على العلاقة مع الخارج مهما كانت الفوائد التي يتم جنيها من ذلك التعاون، لكن ماحصل مثل نوعا من حرب إستنزاف حقيقية على الأرض، فحتى اللحظة لم ينجح الفرقاء بإقناع الشعب العراقي ليقتنعوا بذلك التوجه، ففي الغالب تبحث الدول عن مصالحها الخاصة أولا، ثم تفكر بمصالح الحلفاء، فكيف إذا كان الحليف مجموعات ضعيفة لاتمتلك القوة سوى على مساحة ضيقة.
رفض القادة السنة الطريقة التي تدير فيها الحكومة الملفين الأمني والسياسي وإنعكاسات ذلك على شؤون الإقتصاد والعلاقات بين المكونات والشعور بتهميش متزايد من قبل مكون على حساب آخر،وبقيت العملية السياسية تراوح في مكانها، ولم يحدث تطور حقيقي على الأرض في جميع القطاعات المتصلة بحياة الناس والخدمات المقدمة لهم، وكان هناك نزاع وخلاف يدفع ثمنه المواطن العادي، وكان من نتائج الخلاف ضياع مدن وفساد وهجرة ونزوح غير مسبوق، وكل يلقي باللائمة على الآخر في خلق تلك الأزمات القاتلة.
يتخذ الطرفان السني والشيعي مواقف وقرارت متناقضة تبعا لعلاقاتهما الخارجية ونوع التبعية الفقهية والعقائدية، ففي الوقت الذي وقف الشيعة فيه مع الحكومة السورية، كان السنة مع المعارضة، وحين ضربت السعودية اليمن رفض الشيعة وأيد السنة، وحين دخلت القوات الروسية الى سوريا رفض السنة ورحب الشيعة، وحين قررت واشنطن إرسال المزيد من الجنود والمعدات الى العراق رفض الشيعة ورحب السنة.
الحرس الوطني يلح عليه السنة، ويرفضه الشيعة، بينما لم يتردد القادة السنة في إنتقاد سلوك الحشد الشعبي ووصفه بالمليشيا وإتهامه بإرتكاب جرائم ضد الإنسانية،ويتصاعد الخلاف داخل البرلمان حول تشريع قانون الحرس الذي يعتقد الشيعة إنه بداية لتقسيم العراق، وإنه معادل نوع للحشد الشعبي،في حين يجد فيه السنة مشروعا للخلاص بعد اليأس من فكرة التعايش بين المكونات، وهو مايثير المزيد من القلق لجهة تعطيل المشروع الوطني وتحويله عن الوجهة والمسار الذي يحتاج العراق كثيرا للمضي فيه، والتخلص من تبعات المرحلة الماضية بكل ويلاتها ومواجعها وتركاتها الثقيلة والمؤذية والصادمة، وهي آثار من المستبعد التعافي منها على المدى القريب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat