صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

بابيلون ح21
حيدر الحد راوي


انعطفت جيوش القائد خنكيل لتسلك طريقا يتوسط الميدان من جهة , وطريق الامدادات من جهة اخرى , فرق ثوار المدد تكاد تقترب من مفرق ايروس , توقفت لتخيم على مقربة من المفرق , قطعت عليهم جيوش القائد خنكيل الطريق . 
كان ينامي الحكيم يرسل الكثير من الرسائل طالبا المدد , وهو يلاحظ فرار الكثير من الثوار , يطالبهم بالصمود , ويطالبونه بالأمان .. وبالسلامة او تحسين ظروف المعركة بالمدد والسلاح , بينما هو كذلك , جاء احد الجنود مسرعا ليخبره ان جيشا جرارا قطع عليهم الطريق في مفرق ايروس , فسأله :
-    بقيادة من كان ذلك الجيش ؟ .
-    على رأسه القائد خنكيل .  
وجمّ ينامي الحكيم في مكانه , يسمع كلمات الثوار الهاربين :
-    الان سيقضى علينا ! .
-    حتى الهروب لم يعد مجديا ! .
-    قطعوا علينا كل الطرق ! .
لم يقو على الكلام او الرد , لكنه رمق الجبهات , وصرخ فيهم :
-    ارجعوا الى الميدان ... لا مناص لكم من الهرب ! .
في اليوم التالي , تحركت فرق الامداد , فوجئت بجيش القائد خنكيل امامها , اوقفت الزحف , حدقوا بذلك الجيش , وهو يحدق بهم من جانبه , استمر التحديق طويلا , لم يقطعه احد , كأن كلا منهما يستفز الاخر , تقدم القائد نانوص ليخطب بالثوار :
-    لا يستفزونكم ... لا يرعبونكم ... يبدو انهم اقوياء .. اشداء .. جبارين ... الا اننا الاقوى ! . 
في الجهة المقابلة , كان القائد خنكيل مشغولا بمحادثة الامبراطور :
-    ايها الخنكيل ... ماذا تنتظر ؟ ... اقضي عليهم ... هذه هي فرصتك ... بل فرصتنا ! .
-    ليس بعد ... سيدي الامبراطور المعظم ! .
-    متى اذا ؟ ! .
-    الا ترى انهم ينسلون هاربين من خلف حشودهم ! .
-    نعم ... اذا هجمت سيهرب المزيد .
-    هيبة جيشي تثير الذعر بينهم ... فليهرب من يهرب ... اما من بقي فقلوبهم خاوية .. خائرة ... راقب سيدي الامبراطور المعظم ! . 
رفع القائد خنكيل يده , امر جيشه بإصدار اصوات الاستعداد للقتال , استجاب على الفور , عمّ الضجيج الافاق , ارتجفت فرائص الثوار معه , فزعت جيادهم , تخلخلت صفوفهم , التفت نحو صورة الامبراطور قائلا :
-    أرأيت سيدي الامبراطور المعظم ! . 
انفجر الامبراطور بقهقهة غير معهودة قائلا :
-    كعادتك ... تريد ان تنهي اللقاء من غير قتال ... حسنا ... المهم عندي ان ننتصر ... لك مطلق الصلاحيات ! . 
استمر الموقف ساعات عدة , لم يتحرك احدهما لقتال الاخر , لاحظ القائد نانوص ان ثواره يهربون , اما الصفوف فقد فقدت تنظيمها وتراصفها , اقترب منه احد الضباط مستعلما :
-    سيدي ...
-    اعرف ما تريد ... دعهم يهربون ! .
-    لكن سيدي لو استمر الحال سيهرب المزيد ! .
-    لا اريد ان ادخل في حرب مع وحوش الخناكل بقلوب خائرة ... من خار قلبه فلينصرف ... وجود ذوي القلوب الخائرة سيثبط عزائم الاخرين .
-    حسنا ! .
-    أين الضابط حاشوش ؟ .
-    لقد هرب سيدي ! .
-    اذا فليلتحق به من شاء ! .
هرب المزيد من الثوار , لكن هروبهم لم يكن بمعنى الهروب , بل , التحقوا بالضابط حاشوش , الذي تظاهر بالهرب , ليجمع صفوف الهاربين , ثم يكر بهم اذا ما اشتبك الطرفان , هذه كانت خطة القائد نانوص , لم يخبر عنها احد , حتى رفاقه الضباط , لم يتقدم احدا للمبارزة كالعادة , بل بدأت سرايا جيش الخناكل بالحراك , سرايا تحل محل سرايا اخرى , بشكل منسق , تصدر منها اصواتا غير مألوفة , ثم تزحف نحو الامام , ببطء , كأنهم يريدون الطرف الاخر ان يلوذ بالفرار .
امر القائد نانوص سريتين بالتقدم ببطء ايضا , بحذر وترو , بينما هم كذلك , جاء ينامي الحكيم مسرعا , توسط ما بين الجمعين , امرا السريتين بالتراجع , ثم التفت الى جهة القائد خنكيل قائلا :
-    لم اعهدك تحب الدماء ! .
برز ليجيب :
-    ولا زلت ! .
-    سوف اتولى قيادة هذه الطرف من الثوار .
 اشار القائد القائد خنكيل الى جهة الضابط عساس ورفاقه وهم فرقة كبيرة وقوية , لازالوا  موالون للامبراطور , فهم ينامي الحكيم ذلك , ثم تقدم نحوه , حدق كلا منهما في الاخر , وايديهما على مقابض السيوف , لكنهم كانا صامتين , بلا حراك , ولا حتى رمش للجفون , كتمثالين , كأنهما ينتظران امرا ما , في غضون ذلك , استل ضابط الخناكل شطنوب سيفه , وضرب به الضابط الخنكلي عساس , كي يقضي على البقية الباقية من الموالين للإمبراطور , ثم رفع رأسه الى الاعلى صارخا :
-    هذا رأس عساس ! .
هاج جيش القائد خنكيل وماج , صارخين فيما بينهم , "خيانة" , اشتبك الضابط شطنوب الموالي للقائد خنكيل مع الموالين للامبراطور ممن كان تحت امرة الضابط عساس , التفت القائد خنكيل لينامي الحكيم قائلا :
-    الان ... اجلب الثوار واحيطوا برفاق عساس ! . 
جرد ينامي الحكيم سيفه , مشيرا الى القائد نانوص ان يطبق عليهم من الجهة الاخرى , مرت عدة ساعات , كان الاشتباك داميا كالعادة , انتهى لصالح القائد خنكيل ورفاقه , الذي امر جيشه بالتقدم برفقه فرق الثوار الى ميدان .
بعد ساعتين وصل الجميع , ليشتبكوا مع جيوش الامبراطورية من الجهة اليمنى , فرجحت كفة الثوار , الذين دبت فيهم العزيمة صارخين مستبشرين :
-    القائد خنكيل الطيب انضم الينا ! .
-    انه يقاتل معنا ! .
-    هناك ... هناك ... انظروا اليه كيف يضرب ! .
-    ما اعظمه من محارب ! .  
بينما فزعت جيوش الامبراطورية , اختلت موازين قواها , بدأت بالتراجع والانكسار امام مقاتلي جيش وحوش الخناكل , اطلقوا شارات ايقاف القتال , وانسحبوا تدريجيا الى الجبال , بل الى ما بعد الجبال , قرر القائد خنكيل ان يكف عن ملاحقتهم هناك , فرح الثوار بالنتيجة , تبادلوا التهاني فيما بينهم , ثم اسرعوا لإسعاف الجرحى وصيانة قاذفات اللهب , وتجميع ما تساقط من اسلحة الوحوش ليعيدوا توزيعها على بعضهم البعض .
جلس قادة الثوار لتداول الوضع الجديد واعداد الخطط الامثل للأيام المقبلة , كان القائد خنكيل صامتا طوال الاجتماع , يكتفي بالاستماع , فقاطع صمته ينامي الحكيم سائلا :     
-    صديقي القائد خنكيل ... لقد أبليت بلاء حسنا هذا اليوم ! .
-    الفضل لجنودي ! .
-    نعم ... ما تتوقع ان تكون ردة فعلهم التالية ؟ .
-    لن يردوا الا بعد ثلاثة ايام ... ثم سيطالبونكم بتسليمنا اليهم .
-    لن نسلم احدا .
-    حسنا يجب ان اذهب الان ! .
-    الى اين ؟ .
-    أنتظر مجيء بعض الاصدقاء ! .  
خرج القائد خنكيل محدقا نحو جهة الجبال , لاحظ راية بيضاء تخفق من بعيد , متوجه نحوهم , ظن الثوار انه هجوما ليليا , او لعلها فرقة استطلاع , فاستعدوا لها , لكن القائد خنكيل هدأهم , ثم انطلق صوب الراية , التقى بحاملها الضابط سندرون , الذي ترجل عن جوداه مؤديا التحية له , معلما اياه انه وجنوده تحت امرته , رحب بهم جميعا , واخبره ان هناك الكثير من الوحوش ينوون اللحاق به في هذه الليلة , فاعرب القائد خنكيل عن فرحه وارتياحه لسماع ذلك . 
لم يمر وقت طويل حتى بدأت افواج الوحوش بالتسرب عبر الوادي الضيق , بين الاشجار , ثم يكملون طريقهم نحو معسكر الثوار , حيث كان في استقبالهم بصحبة ينامي الحكيم وبعضا من قادة الثوار , اعربوا عن كرههم للإمبراطور وسياسته مع البلاد المستعمرة , مفضلين عليه ابن عمه القائد خنكيل , القائد الذي وصفوه بالطيب ! .  
مر يومان دونما مشاكل , سوى التوتر الذي يسود الفريقين , معسكر الوحوش الذي يعد العدة , والثوار في الجانب المقابل يستعدون لكل طارئ , بينما هم كذلك , تقدمت سرية من الوحوش , تتقدمها راية بيضاء , كأنهم يريدون التفاوض , وافق ينامي الحكيم على التفاوض , تكلم القائد زندكار رئيس مفاوضي الوحوش :
-    نريد ان تسلمونا الخونة ! .
-    لا نعرف من تقصد بقولك " الخونة " ... لابد وانك تريد بعضا من اصدقاءنا .. لكننا لا نسلم احدا من اصدقائنا .
-    القائد خنكيل ورفاقه .
-    قلت لك ... لن نسلم لكم احدا ! .
-    ان سلمتموهم لنا فسوف نعطيكم الاستقلال مئة بالمئة ! .
-    سنحقق الاستقلال لبلادنا بعزائم مواطنينا ... لا منحة من الامبراطور .
-    فكر جيدا ايها الحكيم ينامي ! .
-    فكرت جيدا ... ولا داعي لمزيد من التفكير ! .
-    ستندم ! .
-    لن نندم ... والا لكنا قد ندمنا قبل ذلك ! .     
انتفض القائد زندكار غاضبا , هام بالخروج , فاستوقفه القائد خنكيل قائلا :
-    ايها الزندكار ... لا تنس من انا ... سيلتحق بي نصف جيوش الامبراطورية ... انت تعرف من اكون وان الامبراطورية من حقي ! .
لم ينبس ببنت شفة , عدا زمجرة الغضب , ثم حاول الانصراف مع ضباطه العشرة , فلاحظ تخلف اربعة منهم , منحنيين قبالة القائد خنكيل , معلنين انضمامهم له , فرحب بهم .
*** يتبع
حيدر الحدراوي
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/10/04



كتابة تعليق لموضوع : بابيلون ح21
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net