صفحة الكاتب : علي علي

الوعيد ويد الحديد.. ماالجديد؟
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 يحكى أن أرنبا مغرورا هدد الأسد في حفلة كانت قد أقيمت في الغابة، وقد اتسعت مجالس الجميع فيها بما يفسح المجال لرؤية بعضهم بعضا، وصادف أن كانت طاولة الأرانب على مقربة من ملك الغابة الذي تصدر الحفلة، ومافتئ رئيس الأرانب يرمي بعبارات الوعيد والترهيب بحق الأسد، زاهيا بنفسه وهو جالس بين رفاقه الأرانب، وراح بين حين وآخر يتطاول منتشيا، وهو يقول بنبرة لاتخلو من التكبر والاقتدار الكاذب: "اليوم اكو فد واحد راح ينكتل" ملمحا بهذا الى الأسد وهو يرمقه بنظرات شزرة، والأخير قطعا غني عن التعريف في قوته وجبروته، لكنه لم يشأ أن ينزل قدره العالي وسط الحيوانات الى مستوى الأرنب، لاسيما وقد كان من ضمن الحضور كوكبة من فصائل الحيوانات، في طليعتها النمر والفهد، اللذان دفعتهما غيرتهما على مكانة الأسد وكرامته، فأوشكا على تأديب الأرنب لما يبدر منه من قلة أدب لاتحتمل، لولا أن الأسد كان يصبر عليهما اندفاعهما هذا بذريعة أنه -الأرنب- لايستحق الاهتمام. إلا أن الغرور والطيش كانا يقودان الأرنب الى تكرار تهديده والغلو فيه بكل وقاحة، آخذا بالتمادي في تهجمه وإطلاقه عبارته التي لم يكن يجيد إلا التشدق بها، فصار صوته يعلو وهو يردد على مسمع الجميع مرة تلو المرة؛ "اليوم اكو فد واحد راح ينكتل".. والأسد رابض في مكانه لايأبه به وسط دهشة الحاضرين من صبره وتحمله إياه، في الوقت الذي بإمكانه أن يذهب بالأرنب الى حيث الهلاك بصفعة واحدة.
  وهكذا استمرت الحفلة ساعات وساعات، والأسد مستمر بالتحلي بالصبر والحلم والأناة، فيما الأرنب مستمر بعنجهيته الفارغة وتبجحه واستهتاره، ولم تنفع تنبيهات الحيوانات الصديقة له من مغبة الاستمرار في التعدي وعدم احترام هيبة الأسد ومكانته، الأمر الذي تكون عاقبته وخيمة فيما لو لم يرعوِ ويعود عن غيه الى حيث مكانته كأرنب لاأكثر. حتى جاءت اللحظة التي استنفد فيها الأسد صبره، وأفرغ كل مافي جعبته من كياسة وحلم، فما إن تفوه الأرنب بعبارته المعهودة ليلتها؛ "اليوم اكو فد واحد راح ينكتل" للمرة العشرين مستهزئا، حتى نهض الأسد نافضا عن كاهليه كل الـ "مستحاه" ولم يعد للعيب معنى في قاموسه، فأقبل على طاولة الأرانب بحنق وغيظ شديدين، ورفع قبضته وهوى بها على أم رأس رئيسهم..! ولم يكن بحاجة الى ضربة ثانية، فقد أودت الأولى بكل مايحمله الأرنب من غطرسة وغرور، فما كان منه إلا أن يلملم ما تبقى له من ماء وجهه، والتفت صوب طاولة جماعته الأرانب وقال؛ "موكلتلكم اليوم اكو فد واحد راح ينكتل"..!
  أرى في حكاية الأرنب وتصرفاته في تلك السهرة، شبها كبيرا بمن يسطرون عبارات التهديد تلو عبارات الوعيد في حاضر أيامنا، إذ لطالما سمعنا عن الضرب بيد من حديد، او بقبضة من فولاذ، ولم نرَ غير كفوف البلاستك شديد الميوعة، بل أن الضرب قد استحال الى تربيت على الأكتاف وتمسيد على الرؤوس. فلو استرجعنا خطابات قادتنا السياسيين والعسكريين وتصريحاتهم الرنانة ولاسيما رئيس وزرائنا العبادي، لوجدنا أيادي الحديد هي أول ما يلوحون بها ويتهددون باستخدامها بوجه المفسدين، ولكن..! من دون تنفيذ يثبت مصداقية وعيدهم، الأمر الذي جعل المواطن في دوامة شك من أمرهم فيما يخططون له ويسعون اليه، وأظنه -المواطن- معذورا لو ذهب في إخلاصهم وولائهم للبلاد مذاهب عدة، فالمبررات أمامه كثيرة لاتهامهم بالتواطؤ مع المفسدين بغية امتصاص زخم التظاهرات، او اشتراكهم معهم في مفردات الفساد، وإن لم تكن هذه او تلك، فضعف في القيادة او سوء إدارة او إهمال متعمد، وجميعها لا يرتضيها إنسان سوي، لاسيما لو تقلد منصبا رفيعا وحساسا كرئيس وزراء مثلا.
  ألمي وأسفي على صاحبنا رئيس الأرانب، فقد دفع ثمن قوته الكاذبة وقدراته الفارغة غاليا..!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/10/07



كتابة تعليق لموضوع : الوعيد ويد الحديد.. ماالجديد؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net