صفحة الكاتب : صالح الطائي

التاريخ وحقائق عن نوم علي (عليه السلام) في فراش النبي (صلى الله عليه وآله)
صالح الطائي

بمناسبة السنة الهجرية الجديدة، هل ممكن أن نؤسس لثقافة قبول الاختلاف ونتخلص من احتكار الفكر، لكي نخرج من قوقعة الفوضى؟!

كل من يبتلى بالتعامل مع التاريخ الإسلامي يجد فيه من العجائب والغرائب ما يشيب الطفل من قبل الفطام. ولا أدري إن كان سوء حظي أو حسنه قد ربطني بعلاقة زواج نصراني مع التاريخ، فعدت لا أملك منه فكاكا، ولا ألقى منه سوى عنتا وتعبا. والأكثر نكاية أن بعض ما ينشر على صفحات الانترنيت جاء متمما لفعل كتب التاريخ بما يثيره في النفس من قرف، ومنه أني قرأت في عدد كبير من المواقع السلفية أن نوم علي (ع) في فراش النبي (ص) ليلة الهجرة؛ الذي نزل فيه قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ}، خال من الكرامات والشجاعة والبطولة والفروسية، لأسباب منها:
* ـ أن النبي هو الذي طلب منه أن ينام مكانه، وعلى المسلم أن يطيع أمر النبي على كل حال، ولأن عليا كان مسلما ما كان منه إلا أن يطيع النبي، فهو مأمورا لا متطوعا.
* ـ روي أنه (صلى الله عليه وآله) قال له: "إنه لن يخلص إليك شيء تكرهه" وهذا تأمين يقين. وعلى هذا الأساس كان علي يعلم يقينا أنه لن يقتل ولن يصيبه مكروه، فاطمئن، وليس لأنه شجاع لا يخاف الموت.
* ـ أن أمر ببساطة كان مهيئا لأن يقوم به أدنى المسلمين منزلة، فما العجب من ذلك إنْ قام به علي أو غيره؟.
* ـ أن عليا كان حينها غرا لا يحسن تقدير مخاطر الأمور وإلا ربما كان قد اعتذر لو كان أكثر رشدا.!

بهذه الأقوال الفارغة وغيرها؛ التي اعتمدوا في تخريجها على أقوال من سبقهم مثل ابن تيمية، أراد السلفيون سلب هذه الكرامة من علي، ولكنهم واقعا، سلبوا الكرامة من أنفسهم؛ وهم لا يعلمون لسبب بسيط، وهو أن قولهم هذا، يثبت صدق إيمان علي (ع) وتفرده في طاعة النبي، والتصديق بما يقول ويعد ويأمر دونا عن جميع الصحابة، ومجرد يقين علي أن المشركين لن يلحقوا به أذاً أو مكروها لأن النبي وعده بذلك؛ هو تمام اليقين، وقد تفرد به علي دونا عنهم بمجموعهم، وإليكم الدليل من غزوة الخندق التي وقعت سنة خمس من الهجرة، أي بعد نوم الإمام في فراش النبي بخمس سنوات، حيث تعرض المسلمون في هذه الغزوة إلى نوع من الرعب الشديد الذي زلزل كيانهم، خوفا من الموت بالرغم من وجود النبي بينهم، فنزل بحقهم؛ باتفاق المفسرين، قوله تعالى من سورة الأحزاب الآية 10: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وقد زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا} وهو وصف دقيق لحال المسلمين كلهم، كبارا وصغارا بدون استثناء إلا لمن يأتي بدليل!.
السؤال: هل كان قلب علي قد تزلزل مثلهم؟ هل زاغ بصره، وبلغ قلبه حنجرته من الخوف مثلهم، أم أن لديه دليلا يثبت براءته؟ هذا ما سنعرفه من خلال تكملة الحديث عن هذه الغزوة.

جاء عن غزوة الخندق في الجزء الثالث من سيرة ابن هشام ج3/ص209ـ 210 قوله: "إن كوفيا سأل حذيفة بن اليمان، فأجابه: "يا ابن أخي والله لقد رأيتنا مع رسول الله بالخندق، فصلى هويا [أي قسطا] من الليل، ثم التفت إلينا، فقال: "من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم، ثم يرجع ـ يشرط له رسول الله الرجعة ـ أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة؟"[أي ويعده بالجنة] فما قام رجل من القوم [جميع المهاجرين وجميع الأنصار، وكل المسلمين صغارا وكبارا] من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد". ويدعي ابن هشام في تمام الخبر أن النبي (ص) طلب حذيفة بن اليمان، وأمره أن يذهب إليهم، فذهب وعاد سالما ولكن بحال يرثى لها.!
ابن الأثير هو الآخر ذكر القصة في الجزء الثاني، ص 496 ـ 497 من البداية والنهاية، عن حذيفة مع اختلاف كبير، وفيها، قال النبي (ص): "ألا رجل يأتيني بخبر القوم،  يكون معي يوم القيامة؟ فلم يجبه أحد، ثم الثانية، ثم الثالثة مثله[أي كرر الطلب عليهم مرتين أخرتين]. ثم بعد ذلك، قال لحذيفة: "يا حذيفة قم، فأتنا بخبر القوم". يقول حذيفة: فلم أجد بدا إذ دعاني باسمي أن أقوم.
في هذه الرواية يصف حذيفة حاله في الطريق، بأنه في طريق الذهاب، كان كمن يمشي في حَمّام، [أي يتعرق ويشعر بالسخونة من شدة الخوف].! ثم لما عاد سالما أصابته رعشة، وصفها بقوله: "فأصابني البرد حين رجعت وجعلت أقرقف[أي أرعد من الخوف]".! وهذا من شدة الارتباك، وقال: فألبسني رسول الله من فضل عباءة كانت عليه، يصلي فيها، فلم أبرح نائما حتى الصبح".!
أما الحاكم فأورد الخبر عن حذيفة وفيه شرحا أوفى، حيث قال حذيفة: "استقبلنا رسول الله رجلا رجلا [أي كان يطلب من كل رجل منا] حتى أتى عليّ وأنا جاث على ركبتي، فقال: من هذا حذيفة؟، فتقاصرت للأرض، فقلت: بلى يا رسول الله، كراهية أن أقوم، فقال: إنه كائن في القوم خبر، فأتني بخبر القوم، قال: وأنا من أشد الناس فزعا وأشدهم قرا، فخرجت، فقال رسول الله: "اللهم أحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته" وهذا (تأمين يقين) مؤكد، سمعه حذيفة ومعه المسلمون كلهم، على خلاف ما ورد في حديث المبيت من أن النبي قال لعلي: "إنه لن يخلص إليك شيء تكرهه" الذي لم يسمعه منه أحد، فلماذا أخذ به علي، ونام في عين الخطر يوم الهجرة وحيدا فريدا ولكنه قرير العين، ولم يأخذ به المسلمون الآخرون يوم الخندق وهم ضمن جيش كبير، لدرجة أن الخوف بلغ من حذيفة مبلغه؛ كما وصفه هو.؟
أعود وأسأل: هل كان علي خائفا مثلهم؟
إن من المؤكد أن حالة الخوف عمت المسلمين كلهم إلا رسول الله وعلي بن أبي طالب، وهذا أمر  تشهد له الوقائع، ومنها واقعة عبور عمرو بن عبد ود العامري الخندق، والجبن والرعب الذي أصاب المسلمين كلهم لدرجة أن النبي طلب من المسلمين الخروج إلى مقاتلة عمرو، فلم يتزحزح أحد؛ إلا علي؛ الذي طلب الإذن فمنعه النبي، وكرر النبي الطلب ثانية وثالثة، وكلهم ممتنعون يرتعدون خوفا وفرقا وفي كل مرة كان علي وحده ينهض ويطلب من النبي أن يسمح له بالخروج، وحينها إذن له، فخرج، وقتل عمرو، وعاد؛ وهم على حالهم من الخوف.! فلو كان علي مثلهم خائفا ما كان ليخرج بل ما كان له ليطلب من النبي أن يأذن له بالخروج مع كل طلب للنبي.!

وعن تكرار طلب النبي منهم الخروج، ورفضهم إجابة طلبه في كل مرة، وعن خروج حذيفة مضطرا،  صاغ بعضهم رواية، جمعت الأمرين كلاهما ولكن لا لحذيفة بل للزبير بن العوام الذي سنجد أن الفعل البطولي لعلي يوم أحد ينسب إليه أيضا، والحديث أخرجه البخاري عن جابر الأنصاري، قال: قال رسول الله يوم الأحزاب: "من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا، ثم قال: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا، ثم قال: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا، ثم قال: إن لكل نبي حواريا وإن حواريي الزبير".! إذ لو كان هذا صحيحا لكان من المفروض أن يرسله النبي مثلما أرسل عليا يوم أحد بعد امتناع الآخرين، بدل أن يمتدحه، ثم يتركه ويذهب نحو صحابي آخر كان خائفا مرعوبا.!

إن خوف المسلمين من الموت كان قد وقع في غزوة أخرى سبقت الخندق وتحديدا في غزوة أحد؛ التي وقع فيها ما يشبه واقعه حذيفة، لكن التاريخ توقف ولم ينقل عن بطلها أنه جبن أو خاف أو تقاصر إلى الأرض أو شعر كأنه في حَمّام أو أخذته القشعريرة والبرد، فالنبي حينما أراد معرفة وجهة جيش قريش بعد انسحابهم من ارض معركة أحد، طلب متطوعا يأتيه بخبرهم، وكرر القول، فلم يتطوع أحد إلا علي، فبعث خلفهم عليا، ولم يقل له كما ينقل ابن هشام في السيرة ج3/ص87 سوى: "اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون،  وما يريدون، فإن كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون المدينة ". أي أنه لم يعده بالجنة، ولم يعده أنه لن يصيبه أذى، ولم يؤمنه يقينا، ومع ذلك، خرج علي، وعاد كما هو لا يبدو عليه أثر تعرق أو برد، ولم يذكر التاريخ أنه نام وقتا طويلا.!

ولأن هذه البطولة الفريدة تفضح جبن تلك، جاء البخاري بحديث في الصفحة 722 برقم 4077،  نسب هذا الفعل إلى عدد كبير من المسلمين، والحديث عن أم المؤمنين عائشة، أنها قالت لعروة بن الزبير: يا ابن أختي كان أبواك الزبير وأبو بكر لما أصاب رسول الله يوم احد، وانصرف عنه المشركون، خاف أن يرجعوا، قال:من يذهب في إثرهم، فانتدب من بينهم سبعين رجلا، كان فيهم أبو بكر والزبير".
وألطف وأجمل ما في هذه الرواية أنها أشارت إلى أن هذا الفعل الكبير الذي قام به علي لوحده، يحتاج إلى سبعين رجلا في الأقل وقد كلف النبي عليا وحده للقيام به لأنه يعرف مقدار شجاعته.!
وفي العودة إلى ربّاط الحديث، أقول: المفروض بالمسلمين كل المسلمين ولاسيما من هو حريص منهم على عقيدته أن ينظر إلى عمل علي بن أبي طالب يوم الهجرة على أنه أحد أعظم الأعمال البطولية التي يجب أن  يفخر بها كل مسلم على وجه الأرض بدل أن يجهد نفسه لتكذيبه أو تكذيب الرواية لمجرد أن فيها كرامة لعلي بن أبي طالب.!



 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/10/14



كتابة تعليق لموضوع : التاريخ وحقائق عن نوم علي (عليه السلام) في فراش النبي (صلى الله عليه وآله)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net