صفحة الكاتب : علي جابر الفتلاوي

العراق قبلة العاشقين
علي جابر الفتلاوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 هناك فرق بين العشق والحب، فالعشق أعلى درجة ومقاما من الحب، والعشق مقدمته الحب، ومنه عشق أهل العرفان والروحانيين لخالقهم، العشق يرتبط بالروح، والحب العذري أقل درجة وربما درجات من العشق، لكنه شريف وعفيف ويرتبط بالروح أيضا، لكن قوة الرابطة تختلف عن رابطة العشق، ويسمى عذريا نسبة إلى عشيرة بني عذرة، وقيل في الحب العذري الكثير من الشعرالعفيف الذي يعبّر عن المشاعر الصادقة، ويُعد قيس بن الملوح ومجنون ليلى وكثيّر عزة وجميل بثينة، من أشهر شعراء الحب العذري، ويتصف شعر الحب العذري بالعفة والعواطف الطاهرة والتضحية التي قد تصل إلى حد الموت، ويختلف عن الحب الآخر وهو الشهواني الذي هدفه الشهوات والرغبات، وهو مذموم لأن الغاية منه الرغبات والشهوات الجسدية بأية وسيلة تحققت شريفة كانت أو غير شريفة.
 بعد هذه المقدمة أستطيع القول أن العراق هو قبلة العاشقين، وربّ سائل يسأل وما علاقة العراق بالعشق؟ قناعتي أن أبناء الشعب العراقي يعشقون وطنهم العراق إلى حد الاستشهاد من أجله، العراقيون عاشقون للدين والوطن والشهادة، كيف لا يعشقون الشهادة وقدوة العاشقين للشهادة انطلقت ثورته من العراق من كربلاء المقدسة؟ كيف لا يندفع العراقيون للشهادة وإمامهم الذي يقتدون به الحسين ( ع ) هو قدوتهم في عشق الشهادة؟ وهو قدوتهم للثورة بوجه الظالمين، وقدوتهم في الثورة بوجه سلاطين الجور الذين يريدون سرقة الإسلام وتطويعه وتزييفه وتوظيفه لمصالحهم الدنيوية مثل سيدهم يزيد، الحسين ( ع ) قدوة العاشقين للشهادة لكل إنسان ثائر ضد الظلم بغض النظرعن الدين أو المذهب أو القومية، هو رمز الثورة، ورمز التضحية من أجل الحق ضد الباطل.
 إنّ أبناء العراق يعشقون وطنهم عشقا روحانيا، ويحبونه حبا عذريا، وهؤلاء تصل درجة تضحيتهم لمعشوقهم وحبيبهم العراق التضحية بالحياة من أجل أن يبقى العراق سالما معافى، رغم أننا نرى القلة من العراقيين المخيبين للآمال، إذ يحبون العراق حبا شهوانيا مصلحيا نفعيا، والوطن مبتلى بهؤلاء الذين يحبون بلدهم حبا مشبوها، فهم يتاجرون بالعراق ومصالحه من أجل مصالحهم وشهواتهم ورغباتهم الشخصية، لا تربطهم بوطنهم إلا المنفعة والمصلحة، والبعض من السياسيين من هذا الصنف، إضافة إلى الفاسدين والمتآمرين على مستقبل الوطن من المتعاونين مع أعدائه، هؤلاء لا يحبون العراق حبا صادقا، بل حبهم مصلحي رغائبي شهواني، حتى إذا سٌدّت بوجوههم أبواب الفساد والخيانة وتلبية الرغبات من مناصب وأموال باعوا العراق بأبخس الأثمان ورحلوا .
إذا استعرضنا الساحة العراقية اليوم نشعر بالاطمئنان لأن جميع أبناء الشعب العراقي عاشقون محبون لوطنهم العراق إلا نفرا قليلا، وهؤلاء النفر القليل قد شخصهم الشعب، لكنهم لا زالوا يفرضون وجودهم بوسائل كثيرة منها التضليل والكذب والضحك على الذقون، رغم هذا يشعر الشعب بالثقة والاطمئنان عندما يرى سياسيين آخرين وقادة عاشقين للعراق، وقد نزلوا إلى الميدان يجاهدون مضحّين بحياتهم من أجل أن يبقى الوطن سالما، مستلهمين صمودهم  ومبادءهم في التضحية من إمامهم الثائر عاشق الشهادة الحسين ( ع )، ويشعر الناس بالفرح عندما يروا شرائح كبيرة واسعة من الشعب العراقي وقد تطوعت في الحشد الشعبي دفاعا عن الوطن والدين والمقدسات وكرامة الشعب العراقي إقتداء بالحسين ( ع )، واستجابة لفتوى المرجعية في الجهاد الكفائي التي أصدرت فتواها استلهاما من ثورة الإمام الحسين ( ع ).
 ماذا نسمي هذه الجموع الكبيرة المضحية بحياتها من أجل العراق ؟
إنهم عشاق العراق عشاق الشهادة، لقد أثبت هؤلاء المقاتلون أن العراق هو قبلة العاشقين للشهادة، وجميع المقاتلين وأبناء الشعب في الساحات الأخرى، وجميع الداعمين لهم يعشقون وطنهم ويحبونه حبا صادقا ويضحون من أجله بدمائهم، وقد شاهدنا في الميدان أبناء الحشد الشعبي يقاتلون الإرهاب، ويستشهدون وهم لا يملكون راتبا لمعيشة عوائلهم، كيف نفسر موقف شهداء الحشد الشعبي؟ وكيف نفسر موقف أبناء العراق من القوات المسلحة من جميع الصنوف وهم صامدون في الميدان رغم المعوقات الكثيرة والكبيرة، التي تخلقها أمريكا وحلفاؤها دفاعا عن داعش؟
لقد عرف الجميع أن امريكا وأدواتها من الحكام في المنطقة، يريدون بقاء داعش على قيد الحياة لحين استكمال المشروع الامريكي ضد العراق وسوريا، لكن صمود أبناء العراق من الجيش وبقية صنوف القوات المسلحة، ودعم أبناء الحشد الشعبي أربك الخطط الأمريكية وجعلها تتخبط في سياستها، ماذا يمكن أن نسمي هؤلاء المضحين بحياتهم من أجل العراق؟  أنهم عشاق الوطن والشهادة، عاشقون لدينهم ومقدساتهم، إنهم متأسون بإمامهم الحسين ( ع ) قدوة العاشقين للشهادة الذي ضحى بنفسه وأهل بيته وأصحابه  الذين رفضوا أن يتركوه وحيدا ليلة المنازلة في العاشر من محرم، كي يبقى الاسلام الأصيل الذي جاء به محمد ( ص ) سالما من التزييف والتحريف، في ليلة المنازلة جمع الإمام الحسين ( ع ) من حضر معه للمشاركة في الثورة، فأعطاهم الإذن في الرحيل تحت جنح الظلام، لأن بني أمية يطلبوه ولا يطلبون غيره، العاشقون للشهادة من أصحاب الحسين ( ع )، رفضوا أن يتركوا إمامهم وحيدا، أجابه زهير بن القين بعد أن سمع نداء الإمام بالسماح لمن يريد أن يترك معسكر القتال: ((سمعنا يا ابن رسول الله مقالتك، ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها )) .
 وقال عاشق للشهادة آخرهو مسلم بن عوسجة: (( نحن نخلّي عنك ولما نُعذر إلى الله في أداء حقك ؟ أما والله لا أفارقك حتى أطعن في صدورهم برمحي وأضربهم بسيفي وأثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتى أموت معك ))، وقال عاشقون آخرون غير هذا الكلام، وكلهم أكدوا رغبتهم في الشهادة لأنهم عاشقون لها، فردّ قدوة العاشقين الإمام الحسين ( ع ) عليهم:
(( أما بعد فأني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعا )) .
 اليوم في العراق نرى الكثير من العاشقين للشهادة من أجل الدين والوطن، إذ جعلوا  العراق قبلة للعاشقين، والميدان في المنازلة مع داعش يشهد على ذلك، لكن للأسف نرى إلى جانب هؤلاء المضحين، عددا من أصحاب المسؤولية لايعشقون العراق، ولا يحبونه حبا عذريا عفيفا، بل حبهم شهواني يلهثون وراء رغباتهم الشخصية وغرائزهم بعيدا عن المعايير الوطنية الشريفة، فهم متواجدون ما دامت الظروف تستجيب لإشباع شهواتهم في كسب المال والفوز بالمنصب والجاه، فإن سُدّت الأبواب بوجوههم في هذا الاتجاه حملوا حقائبهم ورحلوا، لأن حبهم للعراق حبا شهوانيا، الشعب بعد أن عاش التجربة لم يعد غافلا عن هؤلاء النفعيين فقد كشفهم، وأصبح يفرّق بين هؤلاء وبين العاشقين الحقيقيين للعراق الذين يضحون بدمائهم في ساحات الجهاد ضد داعش الامريكية الصهيونية .
أخيرا ندعو ربّنا أن يحفظ العراق قبلة العاشقين، ويحفظ شعبه ويحفظ المضحين من أجله بالدم، وندعو الله تعالى أن يخلّص البلد من أصحاب المطامع والشهوات الذين لا يحبون العراق إلّا من أجل مصالحهم ومطامعهم .






 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي جابر الفتلاوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/10/30



كتابة تعليق لموضوع : العراق قبلة العاشقين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net