صفحة الكاتب : د . رائد جبار كاظم

الى الحكومة العراقية ( احذروا ميتة فاذوه ) (*)
د . رائد جبار كاظم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

من سعادة المرء ان يكون له ناصح ينصحه، ومرشد يرشده ويوجهه الى الطريق الصحيح والمسار السليم، ينبهه على اخطائه وعيوبه ليصلحها ويحسن حاله، ويبتعد عن كل عمل خطأ او خطر يؤدي بحياته وحياة من هم تحت رعياته، ويحاول ان يتقدم به نحو الامام ليخطي خطوات جادة وحقيقية، وان وجد مثل هكذا شخص ناصح ومرشد للغير فنحن بخير وسلام، وان غاب فنحن بشر وضلال وشدة وضياع، فالدين النصيحة، والخلق الحسن يقام على النصيحة، ورحم الله من اعان معسراً ويسر امراً لكل امرء يقع في شدة وضيق ومكروه.
والنصيحة انواع واشكال والوان، تتعدد بتعدد المناسبات والزمان والمكان، ومنها ما تكون مقدمة من فرد لآخر، ومنها فرد لأفراد، ومنها فرد لمجتمع، ومنها مجتمع لمجتمع، او دولة لدولة، او نصيحة دولة لمواطنيها ومن هم تحت حكمها...الخ من اشكال النصائح وانواعها.
ونحن اليوم نحتاج في بلدنا للكثير من النصائح والتوجيهات والارشادات الادارية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والحياتية للنهوض ببلدنا لنصل الى مستوى من الامن والامان والعيش بسلام كبقية الدول والشعوب الآخرى، بل نحتاج للنصيحة والتذكير والتوجيه السليم في كل لحظة وفي كل خطوة نخطوها، ووجود مثل ذلك امر صحي وسليم جداً، وغيابه وعدم الانصات له يعد كارثة تقع على اهلها وتنذرهم بالشر والسوء والخراب. فالنصيحة ثروة الامم، والانسان الناصح الحقيقي شخص نبيل يمتاز عن الآخرين بخلقه ومعرفته ومحبته لمن ينصححه او يقدم له المشورة، ويجب ان يقدم الشكر والامتنان لكل شخص يحرص على ان يكون ناصح امين، لشخص ما او جماعة ما او دولة ما، فالانسان السليم هو الذي يشعر بالآخرين ويعمل على ان يكون ضمنهم، في افراحهم واتراحهم، في فقرهم وغناهم، في صحتهم ومرضهم، فمسؤوليتنا تحتم علينا ان نكون كذلك وان نُقدم ونَقدم على عمل الخير والعمل الصالح والنافع، ودفع السوء والمكروه والضرروالخطر عن كل ما يحيق بنا وببلدنا واهلنا الشرفاء في هذا البلد المصاب بالكوارث والمحن والازمات منذ القدم والى يومنا هذا.
ان بلدنا يمر بازمات وويلات ومحن ومصائب كبيرة وخطيرة تظافرت عوامل واسباب متعددة على حدوث ذلك، والعامل الاكبر الذي نرصده في هذا الحال هو الضعف الاداري الكبير في ادارة ورعاية امور البلد من قبل الحكومة والسياسيين واعضاء البرلمان والقضاء والمسؤوليين في دوائر الدولة ومؤسساتها، وكل حكومة وبرلمان يأتي ليس بأحسن حال ممن سبقه، بل يزداد الامر سوءاً وتعقيداً ومصيبةً، وكأن الفساد المستشري في البلاد منذ سنين طوال هو رسالة يسلمها الخلف الى السلف والسابق الى اللاحق، فالفساد الاداري والسياسي والمالي والاقتصادي هو الشيء الموروث من كل دورة برلمانية او حكومية او قضائية، فلا خطوات اصلاح وتحسين وتغيير منذ تغيير النظام الحكومي الجديد منذ 2003 والى يومنا هذا، فلا خطط سياسية او ادارية او سكانية او اقتصادية او خدمية او امنية او ثقافية او تربوية او اجتماعية...الخ من مجالات الحياة الآخرى. لقد غاب كل شيء في ظل حضور العامل الاكبر وهو الفساد، الذي هو آفة كل شيء، لقد كان الفساد هو الموجه الاكبر والاخطر لكل العملية السياسية والادارية في الحكومة منذ قدومها والى يومنا هذا، في ظل سياسة وادارة المحاصصة والطائفية والمناطقية والعشائرية والحزبية والفئوية وكل انواع الفساد الذي ضيع وغيب وازال العامل الكبير في حياتنا ووجودنا الا وهو العامل الوطني وحب الوطن والدفاع عن الوطن، في ظل غياب دولة المواطنة والهوية الوطنية وثقافة الوطن والمواطن الواحد مهما تعددت الواننا واطيافنا واشكالنا، ان حضور ثقافة وتربية وسياسة الفساد اليوم وبقوة بدلاً عن ثقافة وتربية وسياسة  الاصلاح والاعمار والبناء في كافة مفاصل الدولة العراقية لهو نذير بكارثة مستقبلية كبرى للاطاحة بهذا البلد، نعيش بواكيرها الآن تحت ادارة سياسية وحكومية وتشريعية وقضائية سيئة جداً جداً مدمرة وفاسدة بامتياز.
اننا اليوم لسنا بفقر او عزلة او بخل في تقديم النصائح والارشادات والمشورات للدولة ومؤسساتها والسؤولين، بل يبذل جمع من المختصين في كل مجال من مجالات العلوم والفنون لتقديم ذلك وبوفرة وكثرة، ولكن دون انصات حكومي يذكر، والى الاخذ بذلك دون جزاءاً او شكُوراً، اننا نبغي تقدم دولتنا ورفاه شعبنا والاستفادة من ثرواتنا لتحقيق العيش السليم لشعبنا المظلوم على مر السنين والذي لم يذق حلاوة ثرواته وبركاة بلده وخيراته، وتنعم بها من يحكمه فقط طوال التاريخ، وجرت علينا خيراتنا وثرواتنا الويل والثبور، وعلى الحكام والمحتلين والسراق والفاسدين بالخير والحبور. 
 والاسئلة التي نطرحها هي : الى متى حكومتنا تستمر بالانصات الى نفسها ولا تنصت الى اصوات الآخرين، ممن يريد لها ولبلدنا واهلنا خيراً؟ الى متى تسير حكومتنا الفاسدة وراء اهوائها المضلة وحكمائها ومستشاريها العميان الذين لا يبصرون خيراً لبلدنا، ولا يقدمون الا الخير لانفسهم؟ الى متى وهم يصرون على اخطائهم الكارثية التي يرتكبونها يوماً بعد يوم وهم يظنون انهم يحسنون صنعاً؟ الى متى نسير دون قائد او موجه او مسؤول لا يفقه في سياسته وعمله شيئاً، ولا يملك خبرة او علماً وخبرة في مجال عمله؟ الى متى يبقى المسؤول معصب العينين وتدار اموره من قبل اشخاص ثانويين يعطى لهم زمام الامور وهو جاهل بمصير عمله واموره؟ الى متى وامورنا وشؤونا وقضايانا الداخلية تدار وفق مخططات وسياسات واستراتيجيات خارجية يفرض علينا تطبيقها دون اعتراض او نقاش؟ الى متى وعربتنا تسير الى حيث لا ندري، وقائدنا مسير من قبل جهات لا تريد بنا خيراً، وتعمل على سلب ونهب كل ثرواتنا وخيراتنا، وافراغ بلدنا من كل ثرواته وطاقاته وكفاءاته؟
لابد ان تكون هناك صحوة حقيقية وجادة وفاعلة من قبل المسؤولين والسياسيين والحكومة لانقاذ البلد من المخاطر والكوارث والمحن التي نمر بها ونعيشها والتي اثقلت ظهورنا واقضت مضاجعنا، ولابد ان تكون خطوات الاصلاح والتغيير اكبر واسرع وافضل وادراك حجم المعاناة التي يعيشها الوطن والمواطن على حدٍ سواء، ولا يكونوا هم في وادٍ والناس في وادٍ آخر، والا فمصيركم كمصير ( فاذوه ) الذي لم تنفع النصيحة والتذكير معه، ووقع الفأس في الرأس، ومات دون ان تدركه التوبة ورحمة الله وبركاته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) ورد ذكر المثل وقصته في رسالة ابن القارح، علي بن منصور بن طالب الحلبي الشاعر العباسي (ت421هـ)، والتي جاءت مع رسالة الغفران لابي العلاء المعري، وتقول القصة انه كان ببغداد رجل كبير الرأس، فيلي الاذنين، اسمه " فاذوه " رأسه مكشوف، لا يتورع عن ركوب مخزية وارتكاب سوء ومكروه وفاسد، قيل له : يافاذوه، ويلك تب الى الله. فيقول : يا قوم، لمَ تدخلون بيني وبين مولاي، وهو الذي يقبل التوبة عن عباده؟ فكان هكذا حاله دائماً، وكان يمشي ذات يوم في شوارع بغداد وهي ضاجة باهلها فاذا بجارة ناولت جارتها مهراساً (هاوناً) انسل من يدها على رأس " فاذوه " فهرس رأسه، وخلط كخلط الهريسة، مما اضاع توبته ولم يتدارك وضعه، ولذلك قيل في المثل احذروا ميتة فاذوه. ينظر: رسالة الغفران. ابو العلاء المعري. تحقيق: فوزي عطوي. مكتبة التحرير. بغداد. 1987. ص 44.                           
     
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . رائد جبار كاظم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/10/31



كتابة تعليق لموضوع : الى الحكومة العراقية ( احذروا ميتة فاذوه ) (*)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net