صفحة الكاتب : عبد الرضا الساعدي

أمطار ليست في صالح الشعراء !ِ
عبد الرضا الساعدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
في بعض  طقوس الماضي المتلاشية ،  كنا ننتظر المطر ونبتهج ونخرج في حضرته ، نتجول مستمتعين كأطفال يلهون بأراجيح هذا القطر السماوي الكريم،  لم نكن نشعر بالخوف والبؤس والخطر ، رغم أننا كشعب والبلد ، في آن معا ، لم نكن في أحسن حال أبدا ، سياسيا واقتصاديا وحتى أمنياً! لأن الفقر والشعور بالرقيب الأمني يداهمنا في كل مكان ، لا لشيء سوى أنه زمن مغلق ومحكوم بالخوف وبالممنوعات السلطوية الكثيرة .. ولهذا كان المطر يمثل فسحة لنا ، للحرية والبلل الرومانسي اللذيذ المطعم بالشجن ، لأننا كنا نحلم بيوم آخر ننجو فيه من قيود الذل والعبودية السابقة ، وننعم بالخلاص والانطلاق أو الهروب من ذاك الجحيم .. فكان المطر بحباته النازلة من رحمة السماء تمنحنا كل هذا الإحساس بالوهم والأمل والحلم.
كان يبدو لنا المطر بطعم آخر في ذاكرتنا الطرية ، وكنا نراقبه لحظة بلحظة كما لو أننا نراه لأول مرة ، نراقبه وهو ينقر بإيقاعات متباينة ، مرة تتصاعد وأخرى تهبط  ، سطوح أوراق الأشجار في الحدائق والسطوح المعدنية والخشبية للأبواب والمحال في الأسواق  والسيارات وحتى مظلات بعض المارة الذين يحتمون تحتها وهم ذاهبين إلى الدوائر أو المدارس أو للتنزه تحته أيضا ..ليشترك مع ذلك كله (نشيج المزاريب) المنهمرة من سطوح بيوتنا الواطئة في الغالب ، فنستذكر قصيدة ( أنشودة المطر ) للراحل بدر شاكر السياب ..ونعيش طقوسها الشعرية في دواخلنا مع الشاعر الذي لم يكن يظن في يوم من الأيام ، أن هذا المطر الذي تغنى بأسراره وشجونه يوما سيغير من هيأته يوما ويكون ذا إيقاع لا يتناسب وحال الشعراء اليوم ، الذين وجدوا أنفسهم يتعاملون مع كائن بملامح غريبة يداهم بيوتهم فجأة ويقتحم خلوتهم وهدوءهم وأجواءهم فيقلبها رأسا على عقب .. 
لكنه يبقى مطراً طيبا وكريما في النهاية ولا ذنب له فيما جرى ، إنما ذنبنا نحن الجميع الذين لم نراعِ مواسم قدومه ومزاجه المتقلب ،  كما لم نحسن استقباله والتعامل معه وأهملنا كثيرا متطلباته ومتغيراته على مر السنين .وحين نكون مستعدين لضيافته تماما في كل الأحوال والمتغيرات فلن يبخل علينا أبدا ، وستعود إيقاعات  ذلك المطر تتناغم مع بعضها ضمن هذا الكرنفال الرباني الجميل ، لنعود ثانية إلى أراجيح طفولتنا تلك وهي تردد أنشودة جديدة للمطر!.
 
abdalrda_rashed@yahoo.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الرضا الساعدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/11/04



كتابة تعليق لموضوع : أمطار ليست في صالح الشعراء !ِ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net