صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (30) شكاوى سياسية وتحديات أمنية إسرائيلية
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

رغم مظاهر القوة والتفوق الإسرائيلية، وادعاءات السيطرة والهيمنة، وارتفاع أعداد الشهداء ومضاعفة أعداد الجرحى الفلسطينيين، وقلة عدد القتلى الإسرائيليين، الذين بلغ عددهم بعد مضي أكثر من شهر على بدء الانتفاضة، اثنا عشر قتيلاً دهساً وطعناً، وعدم خطورة أغلب المصابين منهم، الذين يغادرون المستشفيات بعد ساعاتٍ قليلة من دخولهم إليها، نتيجةً لإصابتهم المباشرة، أو بسبب الأزمات النفسية التي يتعرضون لها جراء اتساع نطاق عمليات الطعن والدهس، وتحولها إلى هاجسٍ يلاحقهم وكابوسٍ يداهمهم.

فضلاً عن عدم انتشار الأحداث إلى عمق المدن الإسرائيلية، سوى مناطق قليلة متفرقة لا تشكل حالةً أو ظاهرة، واقتصارها فقط على مناطق مغلقة في القدس وفي مدن الضفة الغربية، وخلف الأسلاك الشائكة في قطاع غزة، بما لا يشكل خطراً كبيراً على حياة الإسرائيليين، حيث تبدو حياتهم طبيعية في تل أبيب وبقية مدنهم وتجمعاتهم، ولا يشعر المواطنون بأن شرارة الأحداث قد تنتقل أو تصل إليهم، أو أن سكاكين الفلسطينيين قد تطالهم وتصيبهم، فلا يجدون أنفسهم مضطرين للالتفات إلى الخلف أو على الجانبين ليتقوا أي طعنةٍ أو هجومٍ مفاجئ.

إنها كلماتٌ إسرائيلية وتحليلاتٌ صهيونيةٌ، بأقلامٍ يهودية وأخرى مؤيدة لهم ومناصرة، إلا أنهم رغم محاولات تطمين النفس والمجتمع، وأوهامهم التي يعيشون عليها، وهذه الادعاءات التي يحرصون على ترويجها لإضعاف الفلسطينيين وإحباطهم، وإشعارهم بأن جهودهم تذهب هباءً، وأنها لا تحقق شيئاً، ولا تلحق بالإسرائيليين خسائر، وأنهم يفقدون حياتهم، ويتسببون في خراب بيوتهم ودمار منازلهم وتشتيت عائلاتهم، فمن الأفضل لهم حتى يحقنوا دماءهم ويحفظوا حياتهم، ويحافظوا على ما بقي بين أيديهم، أن يتراجعوا عن فعالياتهم، ويتوقفوا عن انتفاضتهم، ويمنعوا "المخربين" عن عملياتهم، الذين يورطونهم أكثر، ويجرونهم إلى مستنقعٍ أكبرٍ، لن يزيدهم إلا خسارة وندماً، وفقداً وألماً، وتيهاً أشد وفترة ضياعٍ أطول.

رغم ذلك فإن صوت القيادات الأمنية يعلو ويصخب، ويعلن العجز والضعف عن مواجهة العمليات الفردية الفلسطينية، التي يطلقون عليها اسم عمليات "الذئب الواحد أو المنفرد"، حيث أن أغلب العمليات التي نفذها شبانٌ وشاباتٌ فلسطينيون، قد كانت عمليات فردية غير منظمة، لا يتبع منفذوها إلى تنظيمات وأحزابٍ فلسطينية معينة، ولا يتلقوا منها تعليمات ولا مساعدات، وهو الأمر الذي يعقد مهمة الأمنيين الإسرائيليين، الذين يشكون من نقص المعلومات وقلة الدلائل والشبهات، فضلاً عن أن أغلب منفذي العمليات ليس لهم سجلاتٍ أمنية، ولا شواهد تدل على ميولهم ونزعاتهم الوطنية.

لهذا فإنهم يعجزون عن إحباط هذه العمليات وإفشالها قبل وقوعها، نظراً لعدم قدرتهم على اعتقال المشتبه فيهم، لقلة المعلومات أو انعدامها عنهم، حيث أنهم يعتبرون مجهولين بالنسبة إلى المجموعات والخلايا الأخرى، التي غالباً تساعد اعترافاتهم أثناء التحقيق والاعتقال المنظم على إحباط عملياتٍ قادمة، واعتقال خلايا نائمة، وإفشال مخططاتٍ قائمة، ولكن الحالة هنا باتت مختلفة وصعبة، نظراً لأن المنفذين يعملون وحدهم، ويقررون بأنفسهم، فلا يستأذنون ولا يشاورون، ولا يطلبون المساعدة والإسناد، ولا الرصد والتمويل، وهذا من شأنه أن يقلل من حجم المعلومات المتبادلة، التي من شأن امتلاك المخابرات لها، أن يحبط أو يتنبأ ببعضها.

أمام هذه المعضلة الحقيقية التي يعترف بها الإسرائيليون جميعاً، ويشكون منها بخوفٍ وقلقٍ، فإن حكومتهم ترفع صوتها عالياً، تطالب المجتمع الدولي أن يقف معها ويساندها، وأن يضغط على السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية لتتعاون معها، وتزيد من درجة التنسيق الأمني مع أجهزتها، وأن تدفعها لبذل المزيد من الجهد لإحباط أي عملية قبل وقوعها، فهي تستطيع أكثر من غيرها أن ترصد الغائبين وتتعرف على نوازعهم وميولهم، ولدى أجهزتها الأمنية من الأدوات والوسائل والسبل ما يمكنها من تحقيق إنجازاتٍ أكبر، وهي تؤكد للسلطة الفلسطينية أن أهدافهما مشتركة، ومخاوفهما واحدة، وعلى عواصم القرار الدولية أن تفهم ذلك وتدركه.

هذا ما عبر عنه بوضوح رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو الذي شكا الفلسطينيين إلى العالم، مدعياً أن جيشه يحمي القدس والمسجد الأقصى من وقوعه في أيدي المجموعات الإسلامية المتطرفة، ومنها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، الذي من الممكن أن تسيطر على القدس والمسجد الأقصى، وأن تعيث في الأرض الفساد، وتقتل الأقليات وتخرب الآثار، وقد تقوض السلطة الفلسطينية وتعتدي على رموزها، والشواهد التي يملكها العالم عن تنظيم داعش كبيرة وكثيرة، ولهذا فإنه يطالب قادة المجتمع الدولي أن يدعموا سياسته، وأن يؤيدوا إجراءات جيشه، ولا ينتقدوا ممارساته، وألا يصغوا إلى الشكاوى الفلسطينية والعربية، فجيشه -بزعمه-يقوم بالنيابة عن العالم بحماية الأماكن المقدسة، ويمنع سقوطها في أيدي المتطرفين والمتشددين الإسلاميين، ويحفظ حقوق أصحاب الديانات كلها في ممارسة حقوقهم وطقوسهم الدينية.

هذا بعض ما يحمله نتنياهو في زيارته إلى واشنطن، فهو يطمح أن يقنع الرئيس الأمريكي باراك أوباما وسادة البيت الأبيض بأن ما تشهده القدس والمناطق الفلسطينية ليست ثورة ولا انتفاضة، ولا هي محاولات لنيل الحقوق واستعادة المقدسات كما يدعون، إنما هي عملياتٌ إرهابية تخريبية، المقصود منها ترويع المواطنين وقتل السكان، وما السكين التي يستخدمونها في الطعن والقتل إلا امتداد لسلوكيات داعش وتصرفاتها، التي ينبذها العالم ويرفضها، ويخشى من انتشارها واتساع رقعتها، ويبدو أن باراك أوباما قد صدق حجة نتنياهو، وكذب الأدلة والصور، والشواهد والحقائق، فأعلن في استقباله لضيفه إدانته لعنف الفلسطينيين، وأكد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/11/11



كتابة تعليق لموضوع : الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (30) شكاوى سياسية وتحديات أمنية إسرائيلية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net