صفحة الكاتب : نزار حيدر

أُسُسُ الحَرْبِ النَّفْسِيَّةِ في الخِطابِ الزَّيْنَبِيِّ (٥) ما رَأَيْتُ الّا جَمِيلاً!
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

إِنَّ بذل المرء للجهدِ المطلوب من أجل إنجاز الواجب الذي شخَّصهُ بإيمانه ووعيهِ وبصيرتهِ في الزّمان والمَكان المُحَدَّدَين يمنحهُ طاقةً خلّاقةً في مواجهة تحدّيات الحاكم الظّالم وحربهِ النّفسية التي تعتمد التّضليل والخداع والغشّ والتّزوير، ولذلك عندما سأل الطّاغية عُبيد الله بن زياد العقيلة زينب عليها السلام: كَيْفَ رَأَيْتِ صُنْعَ اللَّهِ بِأَخِيكِ وَ أَهْلِ بَيْتِكِ؟ قَالَتْ {مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلًا، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ، وَ سَيَجْمَعُ اللَّهُ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُمْ فَتُحَاجُّ وَ تُخَاصَمُ، فَانْظُرْ لِمَنِ الْفَلْجُ يَوْمَئِذٍ ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ مَرْجَانَةَ}.
انّهُ الرّد الرّسالي المطلوب في مثل هذهِ المواقف، فعندما يسعى الظّالم لإِنزال الهزيمة النَّفسيّة بضحيّتهِ، ينبغي ان يأتي الردّ صاعقاً ليقلب عليه الطّاولة فاذا به يعكس جهدهُ لتنزل فِيهِ الهزيمة النّفسيّة الماحقة، وهذا ما كان في تلك اللحظة التّاريخيّة الفاصلة، فَلَو ان العقيلة (ع) تردّدت للحظة لانهزمَ الجمعُ نفسيّاً وانتصرَ عليهم الطّاغوت اعلاميّاً بعد ان كان قد (هزمهُم) عسكرياً في كربلاء في يَوْمِ عاشوراء!.
لقد استخدمت العقيلة (ع) اُسلوب الصَّعقة الإعلاميّة، او بعبارةٍ ادقّ، الصَّعقة النّفسيّة، للرد على اُسلوب الطّاغوت، عندما ردّت عليه بما لم يخطر على باله ابداً، ولذلك جاء ردُّ فعلهِ هذياناً لا معنى له، بسبب عنصر المفاجأة والمباغتة الذي وظّفتهُ عقيلة الهاشميّين عليها السّلام.
ولا يردُّ على الطّاغوت بهذا الجواب النّاري الصّاعق الا من تميّز بما يلي؛
أولاً؛ ان يكون واثقاً من نفسه، والثقة بالنّفس هي ناتج طبيعي من الثّقة بالله تعالى، وهذا ما تميّزت به عقيلة الهاشميين التي لم تشكُّ مقدار أنمُلة بالله تعالى وارادتهِ وحكمتهِ وأسمائهِ الحُسنى ولذلك لم تتردّد في الجواب الصّاعق الذي كان ينزل على رأس الطّاغوت، سواء في الكوفة او في الشّام، ليفتّت معنويّاتهُ ويُمزّق تظاهرهُ بالايمان بقضيّتهِ.
ثانياً؛ ان يكون واثقاً بصحَّة الفعل الذي انجزهُ وانّهُ بذل كل جهدهِ ﻻداءِ الواجب والمسؤولية الملقاة على عاتقهِ من دون ان يوفّر شيئا منها لتحقيق المُنجز، المسؤوليّة التي تحمّل أعباءها بكلّ ثقةٍ وجدارةٍ وايمانٍ ويقينٍ وقناعة وحرّيّة اختيار، فالذي يشكُّ في جهده او فيما اذا كان على صوابٍ عندما تصدّى للمسؤوليّةِ ام انّهُ استعجلَ الموقف مثلاً او اخطأَ التّقدير، لا يمكنهُ ان يردّ بهذا الجواب لانَّ الشكّ يأكل لسانهُ فيقطع حجَّتهُ.
ولقد كانت العقيلة عليها السلام واثقة جداً وعلى يقينٍ من انَّ ما فعلهُ اخيها سيد الشهداء السّبط عليه السلام والمواقف التي اتّخذها منذ لحظة رفضهِ البيعة للطّاغية يزيد وحتى استشهادهِ وكذلك ما تفعلهُ هي منذ لحظة استشهاد الحسين السّبط (ع) في عاشوراء في كربلاء مروراً بكلّ المواقف التي مرَّت بها، انّ كلّ ذلك صحيح وحكيمٌ بلا أدنى شكّ، ولذلك رأيناها كيف تضع يدَيها تحت جسد أَخيها الشّهيد المُرمّل والمحزوز الرّأس لترفعه قليلاً من على الارض رافعةً رأسها الى السّماء لتخاطب المولى الجليل بقولها {اللهمَّ إِنْ كان هذا يُرضيك فخُذْ حتّى تَرضى} وقولها عليها السلام {اللهمَّ تقبّل هذا القُربان من آل مُحَمَّدٍ}.
انَّ اليقين احد أهمّ الصّفات التي يلزم ان يتميّز بها صاحب الهدف الكبير والمقدّس والذي يتكامل مع الصّبر الذي يعني فيما يعني الاستقامة على الطّريق من دون الانحراف عنها ولأيِّ سببٍ كان، ولذلك وصف القرآن الكريم هذا المعنى بقولهِ عزَّ مَن قائل {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} وقولهِ تعالى {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وبالصبر واليقين تتحقق الاستقامة التي امرنا الله تعالى بها {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
ومن خلال الحوار الذي جرى بين الطّاغية ابْن زياد والعقيلة عليها السلام، نلحظ انّ الطّاغوت حاول تحطيم معنويّات العقيلة ومن يُرافقها من أَسرى أهل بيت النبوّة والإمامة، من خلال السّعي لتشكيكِها بمنطلقات عاشوراء ونتائجها وأهدافها، وكذلك من خلال استخدام أساليب التّضليل والخِداع عندما حاول ان يوظّف النصّ الدّيني ومعانيهِ السّامية وأجوائهِ الطّاهرة لشرعنة الجريمة النّكراء التي ارتكبها النظام الأموي الفاسد في عاشوراء بقتلهِ سيد شباب أهل الجنة (ع) وهو الأسلوب الذي طالما وظّفهُ رموز النّظام الأموي منذ اللحظة الاولى التي قرّر بها قتل السّبط الشهيد (ع) عندما أعلن قائد جيش البغي الأموي في كربلاء عمر بن سعد عن بدء المعركة بقوله (يا خَيلَ الله اركبي وبالجنّةِ أَبْشري) كيف؟ وهي مدعوّة بهذا النّداء الى قتلِ سيّد شباب أهل الجنة وحزّ راْسهِ الشّريف ورضّ جسدهِ الطّاهر بحوافرِ الخيل؟!.
انّهُ الأسلوب الأموي الذي يعتمد التّضليل لارتكاب الجريمة كما يفعل اليوم الارهابيّون المحميّون بنظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية وفقهاء التّكفير والبترودولار، انّهم يحزّون الرّقاب على وقع آيةٍ من القرآن الكريم، ويحرقونَ ضحاياهم على وقْعِ نصٍّ ديني مزعوم، ويغتصبونَ الحرائِر على وقعِ حديثٍ مكذوبٍ على رَسُولِ الله (ص) وكلُّ ذلك لخداعِ الرّاي العام وتضليل النّاس.
امّا العقيلة زينب عليها السلام فلقد جاء ردّها صاعقاً، لم يكتفِ بالرّد على خُزعبلات الطّاغوت وانّما نقلَ الحرب النّفسية في مرماه لتثير الشكّ والرّيبة في ذهنيّة الحضور في مجلسهِ الامر الذي أَثار الفوضى المعروفة والتي راح ضحيّتها عدد من الحضور الَّذِينَ أَمر الطّاغية بضربِ رقابهم خوفاً من ان يتركوا أثراً ما في المجتمع بعد ان تأثّروا بردِّ العقيلة الصّاعق، ليكتشفوا الحقيقة التي حاولَ ابْنُ زيادٍ اخفاءها عن الرّاي العام


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/11/22



كتابة تعليق لموضوع : أُسُسُ الحَرْبِ النَّفْسِيَّةِ في الخِطابِ الزَّيْنَبِيِّ (٥) ما رَأَيْتُ الّا جَمِيلاً!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net