تهافت "كلام وجيه" في موضوع لعن الواثق
نبيل محمد حسن الكرخي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بسم الله الرحمن الرحيم
بغداد هي المدينة الوحيدة في العالم التي يتم فيها تسليط اجواء ثقافة معادية لغالبية سكانها !
هذه الحقيقة المؤلمة تدفعنا للتساؤل عن اسباب تسليط تلك الثقافة المعادية لغالبية سكانها واسباب قبول سكانها تلك المهانة والذلّة وهم يتظاهرون بانهم اتباع ابي الاحرار الامام الحسين (عليه السلام) !!
فمن المعلوم ان خلفاء بني العباس لهم تاريخ مرير في الجريمة والطغيان وهو موجه تجاه الائمة الاطهار (عليهم السلام) بصورة رئيسية حيث قتلوا ستة منهم (صلوات الله عليهم) ، وكذلك تفننوا في قتل العلويين بأبشع الطرق ، وغصبوا الخلافة من اهلها وعاثوا في الارض الفساد من مجون وخمور وغناء وموبقات. بل وامتد شرهم الى اهل السنة ايضاً فصبوا عليهم الظلم والاضطهاد ، فتارة يقتل ابو جعفر المنصور امام اهل السنة ابو حنيفة بعد ان يسجنه ، وتارة يسلط المامون والمعتصم والواثق القتل والاضطهاد على اهل السنة وائمتهم فيما يسمى بمحنة خلق القرآن حيث سجنوا ائمتهم وعلمائهم ووجهائهم ومنعوهم من المجاهرة بعقيدتهم. ومع ذلك حينما تأسس النظام الملكي تمكنت التيارات القومية من ان تسلط ثقافتها القومية على الشعب العراقي فقامت بإطلاق اسماء الخلفاء العباسيين البغيضة على عدة مناطق وشوارع وساحات ومدارس في بغداد من اجل ابراز الجانب القومي والسخرية من الثقافة الاسلامية الشيعية والسنية ! فكان من نتيجة ذلك وجود : حي المنصور وحي الامين وحي المأمون وشارع الرشيد وساحة الواثق وغيرها من الاسماء البغيضة. فكان ذلك الجو العدائي الرهيب الذي تم تسليطه على الشعب من قبل القوميين في عهد الملكية وفي عهد القوميين الجمهوريين (الاخوان عارف) والبعثيون سيئوا الصيت.
ولكن ان يصار الى تقبل هذا الواقع المرير في عهد يفترض به انه عهد الحريات والديمقراطية حيث رأي الشعب وثقافته هي التي يجب ان تسود ومع ذلك يتمسك البعض بهذا الواقع الشاذ ويدافع عنه تحت ذرائع شتى ، فذلك هو الامر الذي لم يحدث في اي بلاد في الارض عدا بغداد !
ومن المؤسف ان برنامج "كلام وجيه" قد مارس الانبطاح الذي كان يسخر منه ويتهم الآخرين به ، ولم نكن نتمنى له هذا الامر ، فنجده وقد دعا في برنامجه يوم الاثنين 23 تشرين الثاني 2015 أمانة بغداد الى مسح عبارة (لعن الواثق) المكتوبة في لافتة موضوعة في ساحة الواثق ببغداد ! فالبرنامج المذكور قد اقترف بذلك اخطاء عديدة اهمها:
1. ان دعوته الى منع اللعن العلني للواثق (لعنه الله) قد تؤدي الى الاستخفاف بالمظالم التاريخية التي سلطها ذلك الطاغية على الامام علي الهادي (عليه السلام) حين فرض عليه استمرار الاقامة الاجبارية في سامراء ، بل وقد تؤدي الى تغييب تلك المظالم التاريخية المذكورة بحق الائمة الاطهار (عليهم السلام).
2. انه بذلك اوحى لاصحاب القرار بأحقية وصحة سياسة تسليط اجواء ثقافية معادية للشيعة وصحة منعهم حقهم في العيش في اجواء ثقافية مقبولة ومتلائمة مع موروثهم الثقافي والديني.
3. انه بدعوته الى منع اللعن العلني للواثق (لعنه الله) فإنما يقف الى جانب الظالم ضد المظلوم والى جانب الطاغية ضد الضحية !
4. انه بدعوته الى منع اللعن العلني للواثق (لعنه الله) فإنما يعطي الاولوية للفكر القومي على الفكر الاسلامي حيث ان الواثق هو رمز قومي يراد له البقاء في رمزيته البغيضة.
5. انه بدعوته الى منع اللعن العلني للواثق (لعنه الله) فإنما اضفى قدسية على الواثق جاعلاً منه رمزاً سنّياً مع ان الواثق (لعنه الله) في عهد حكمه كان احد اعداء اهل السنة من خلال اضطهاده علماء اهل السنة بذريعة امتناعهم عن القول بخلق القرآن !
6. انه بدعوته تلك انما يقع في تناقض وسم بعض السياسيين الشيعة بالانبطاح امام الاخرين فيما هو يؤسس لنوع آخر من الانبطاح وهو الانبطاح امام الموروث القومي الطاغوتي على حساب الموروث الديني.
7. انه بدعوته تلك انما يؤسس لثقافة منع لعن الظالمين والطواغيت بذريعة الوحدة الوطنية ، وهو نفس ما يمكن ان يتذرع به الآخرون مستقبلاً في منع لعن صدام وزبانيته (لعنهم الله).
8. انه يبين عدم فهمه لمفهوم اللعن ويساويه بالسب !! مع ان الفارق بينهما كبير ، فاللعن هو دعاء للطرد من رحمة الله ، فنحن حينما نلعن الواثق فإنما ندعو الله سبحانه لطرد الواثق الطاغية المجرم من رحمته سبحانه.
9. انه بدعوته تلك يعطي المشروعية للفكر القومية في تسمية بقية المسميات البغيضة كالمنصور والرشيد والامين والمأمون والمعتصم ، ويعطي المشروعية للحفاظ على ذلك الموروث القومي البغيض واعتباره موروثاً مقدساً لا يجوز المساس به !!
وبدورها اسرعت امانة بغداد بالاستجابة الى دعوة برنامج "كلام وجيه" فمسحت عبارة اللعن المذكورة خلال اقل من 12 ساعة ، حيث لم يحلَّ ضحى اليوم التالي الا والعبارة ممسوحة فعلاً !! فلو كان في هذا المسح للعبارة خير للشيعة فهل كانوا سيفعلونه بهذه السرعة !!
ان دعوة برنامج "كلام وجيه" لعدم المساس بالطواغيت العباسيين تظهر سخافتها من خلال مقاربة بسيطة تتعلق بفكرة تسليط جو ثقافي مبني على الفكر الوهابي في فرنسا على سبيل المثال !!! فهل يكون مقبولاً ان يتم تسليط جو ثقافي في باريس على الفرنسيين بحيث يكون معادياً لهم ، مثلا ان يُطلق اسم بعض الارهابيين التكفيريين على بعض احياء باريس او شوارعها !! فلماذا اذن تقبلون بتمجيد اعداء الشيعة في بلاد الشيعة ؟!!
فما اتعس هذا التهافت الذي يعيشه الشيعة في بلادهم التي يدافعون عنها ويضحون من اجلها !!؟؟