صفحة الكاتب : د . عبد الخالق حسين

أردوغان يلعب بالنار
د . عبد الخالق حسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 إن إسقاط الطائرة الحربية الروسية من طراز سيخوي24، بصاروخ جو-جو من قبل طائرة تركية من طراز إف-16 في المجال الجوي السوري، صباح يوم 24 من الشهر الجاري، عملية خطيرة جداً تذكر بأزمة الصواريخ الكوبية  في أكتوبر 1962، في مواجهة ما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي المتحالف مع كوبا ضمن أحداث الحرب الباردة آنذاك.

لا شك أن هذا العمل الخطير لا يمكن أن يحصل إلا بموافقة الرئيس التركي أردوغان الذي اعتاد على خلق الأزمات لتحقيق مكاسب سياسية. فقبل الانتخابات الأخيرة خلق أزمة الإنفجارات الإرهابية في بلاده التي راح ضحيتها أكثر من 120 شخصاً أغلبهم من الكرد وأنصار السلام. فاتخذ هذه الجريمة ذريعة لتجديد الحرب على الأحزاب الكردية، وخاصة حزب العمال الكردستاني (PKK)، وإثارة مخاوف شعبه على الأمن، وبأنه هو الضامن الوحيد لأمن تركيا. ونجحت الخطة، وفاز حزب أردوغان (العدالة والتنمية) بالأغلبية المطلقة من المقاعد البرلمانية في تلك الانتخابات. وفي الانتخابات ما قبل الأخيرة، استخدم أردوغان الورقة الطائفية ضد العلويين الشيعة الذين يشكلون نحو 30% من الشعب التركي. والجدير بالذكر أن أردوغان ساهم مساهمة فعالة في خلق الأزمة السورية بالاشتراك مع السعودية وقطر والدول الخليجية الأخرى وبدعم أمريكي. وفتح حدود بلاده مع سوريا للدواعش الأجانب القادمين من مختلف أنحاء العالم للذهاب إلى سوريا لإسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد. والآن خلق أزمة خطيرة مع روسيا.

والسؤال هنا، هل يعقل أن يقوم أردوغان بالتحرش بدولة كبرى مثل روسيا، وفي هذا الوقت المتأزم، حيث التحرك الدولي ضد الإرهاب الداعشي بعد أيام من أحداث باريس المأساوية الدامية التي هزت الضمير العالمي، ووحدت كل العالم للتخلص من هذه الطاعون الوبيل؟

في الحقيقة لا يمكن أن يقوم أردوغان بهذه الفعلة الخطيرة ما لم يكن بدعم وتأييد وربما بأمر من أمريكا. وهاهو الرئيس الأمريكي باراك أوباما، يعتمد الازدواجية ازاء هذه الأزمة في تصريحاته الأخيرة، فمن جهة يتظاهر بالعقلانية، فيدعو الطرفين إلى التهدئة والتفاوض، وضبط النفس، وعدم التصعيد، ومن جهة أخرى يعلن دعمه لأردوغان بأنه يقف كتفاً إلى كتف معه في هذه الأزمة، ويبرر له الجريمة بأن لتركيا الحق في الدفاع عن أجوائها... وأنها أنذرت روسيا عشر مرات...الخ، بينما الحقائق تؤكد أن الطائرة الروسية تم إسقاطها في الأراضي السورية، إذ (أعلن طيار "سو- 24"، الذي بقي على قيد الحياة، [الذي تم إنقاذه من قبل الجيش السوري والجنود الروس]، أن المقاتلات التركية لم تحذر طاقم الطائرة الروسية بأنهم اخترقوا المجال الجوي.)(1).
والجدير بالذكر أن أردوغان الذي يتمسك بحرمة أجوائه من تجاوز المقاتلة الروسية حتى ولو لـ 17 ثانية، استمرت القوات التركية، الأرضية والجوية، بخرق السيادة العراقية أرضاً وجواً، خلال الثلاثين عاماً الماضية، ودون أي رادع أو واعز من أخلاق.
إن دفاع الرئيس أوباما عن سياسة أردوغان الاستفزازية، يتناقض مع أتفاق سابق بين روسيا وأمريكا، إذ (أشار لافروف في اتصاله مع كيري إلى أن هذا الحادث يعتبر انتهاكا سافرا للمذكرة الروسية الأمريكية المشتركة حول ضمان سلامة طلعات الطائرات العسكرية في سوريا، والتي أخذت الولايات المتحدة فيها على عاتقها المسؤولية عن التزام جميع دول التحالف الدولي الذي ترأسه واشنطن، بالقواعد المنصوص عليها في هذه الوثيقة)(2). وهذا دليل على أن ما قام به أردوغان، هو متفق عليه مع أمريكا وحلف الناتو، ولأغراض عديدة أهمها:
1- حرف الرأي العام العالمي عن جرائم داعش في باريس، وإشغاله بالأزمة الجديدة التي تنذر بحرب عالمية ثالثة، وصدام مسلح، وربما نووي بين روسيا وحلف الناتو، وبذلك ينشغلون عن مأساة باريس،
2- دعاية مجانية لداعش بأنها هي التي تسببت في هذه الأزمة الدولية الخطيرة،
3- كمحاولة لإجبار روسيا للتخفيف من ضرباتها على التنظيمات الإرهابية في سوريا، وربما إيقافها، وهذا دليل على أن تركيا تدافع عن داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية. فلو كانت تركياً صادقة في حربها على داعش، لوجب عليها تقديم الشكر لروسيا على دورها في هذه الحرب وتقديم التسهيلات لقواتها بدلاً من إسقاط الطائرة.
4- تصعيد الأزمة بين تركيا وروسيا يقدم دليلاً آخر على أن المنظمات الإرهابية (داعش، وجبهة النصرة، وأحرار الشام، وغيرها من العصابات الإرهابية)، هي من صنع السعودية وقطر وتركيا، وبأوامر ومباركة أمريكا. وقد أشرنا إلى هذا الموضوع في عدة مقالات سابقة (3)، كما وأكدها حتى مسؤولون أمريكيون أنفسهم. (تصريحات هيلاري كلنتون، وجو بايدن)، وأخيراً مجلة (الفورين بولسي) الأمريكية التي أكدت دور السعودية في الإرهاب وحتى عن دورها المباشر في أحداث باريس الأخيرة(4).
5- الغرض الآخر من إسقاط المقاتلة الروسية هو كبالون اختبار لمعرفة رد فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإحراجه أمام شعبه، رغم إطلاقه بعض التهديدات ضد تركيا، إلا إن خصومه يراهنون على أنه لا يستطيع عمل أي شيء ضد تركيا، وأن الأزمة سيتم نسيانها قريباً، و ستتكرر في المستقبل. ولكن التاريخ القريب يؤكد لنا أن الرئيس بوتين لاعب شطرنج جيد، وإستراتيجي محنك، يعرف كيف ينتقم من خصومه بالطريقة المناسبة، وفي الوقت الذي يختاره هو.

صحيح أن أمريكا وحليفاتها عقدوا المؤتمرات الدولية، وأبدوا غضبهم على عصابات داعش، وتعهدوا بضربها، وخاصة بعد أحداث باريس، إلا إن الغرض الحقيقي من هذه المؤتمرات والتهديدات والتعهدات هو لامتصاص غضب شعوبهم وإزالة مخاوفها من الإرهاب، ولكن في نفس الوقت لا تريد القضاء النهائي على هذه التنظيمات الإرهابية، وإنما تريد احتوائها فقط، لأن لأمريكا أغراضاً أخرى من هذه العصابات الإرهابية، وهي استخدامها ضد أية حكومة في العالم تشق عصا الطاعة على أمريكا، ولها علاقة جيدة مع روسيا، ومن ثم ترحيل الإرهاب إلى روسيا نفسها، ولا ننسى تفجير طائرة السياح الروسية في سيناء بعد أن تم زرع قنبلة فيها في مطار شرم الشيخ.
لذلك جن جنون تركيا والغرب عندما تدخلت روسيا بقوتها الهائلة ضد الإرهاب في سوريا، وأثبتت قدراتها التكنولوجية ودقتها في ضرب الأهداف عن بعد بمئات الأميال من بوارجها الحربية في البحر الأسود، ضد مواقع الإرهاب في سوريا وبمنتهى الدقة، فحققت روسيا خلال أسابيع ما عجزت القوات الدولية بقيادة أمريكا تحقيقه لأكثر من عام. ومن هنا أثيرت مخاوف الدول الغربية من الدور الروسي في القضاء على داعش.

فما الذي يمكن لبوتين عمله ضد تركيا؟
حذر بوتين من أنه ستكون هناك "عواقب وخيمة" على العلاقة بين موسكو وأنقرة. وألغى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف زيارته إلى تركيا، التي كانت مقررة الأربعاء (25/11/2015). كما وجه لافروف الروس بعدم زيارة تركيا، وقال إن تهديد الإرهاب هناك ليس أقل من التهديد في مصر، حيث أدى انفجار قنبلة إلى سقوط طائرة روسية الشهر الماضي. فتوقف الملايين من الروس عن الذهاب إلى تركيا كسياح سنوياً، والتخلي عن عدد من المشاريع المشتركة الهامة وفقدان الشركات التركية مواقعها في سوق روسيا". هذه الاجراءات وغيرها لا بد وأن تضر بالاقتصاد التركي. كما وحرك بوتين عدة قطعات من البوارج الحربية إلى اللاذقية قرب تركيا وتهدد بضرب أهداف جوية.
خلاصة القول، أن أردوغان يلعب بالنار، و لا بد وأن يحترق بها، وإنه يجر المنطقة إلى حافة حرب دولية.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الخالق حسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/11/28



كتابة تعليق لموضوع : أردوغان يلعب بالنار
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net