صفحة الكاتب : ادريس هاني

حيرة العقل بين المعقول واللامعقول
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
شغل العقل والعقلانية الفكر العربي والإسلامي واستنزف الكثير من طاقاته قبل أن تداهمه الحداثة بانقلاباتها المعهودة في العقل والمعقول..تناقضات المعقول واللامعقول باتت سمة في الفكر المعياري للحداثة..ومن هنا إننا نعتقد أن طفرة الوعي بالعقل الحديث ليست مقطوعة من شجرة ميراث كبير من التراكم في تجارب العقل والمعقول..وليست القدرات العقلية المبذولة في القرن الوسيط تقلّ عن تلك التي بذلت في العصر الحديث ولا في أي العصور..القدرات العقلية للشيخ الرئيس ابن سينا تكاد تفوق عقول كبار الفلاسفة المعاصربن، ولكن العقل السائد هو الذي يحدّد خيارات العقل وأطره.. فكّر الفلاسفة المسلمون أيضا في العقل والمعقول..ومنهم من قال باتحادهما ومنهم من فرّق..وكان أن غلب على مفهوم العقل البعد القيمي والمعياري بخلاف ما آل إليه تعريف العقل بوصفه قوة تفكير مجردة..ابتلي علم الكلام الإسلامي بقضية الحسن والقبح العقليين، فقال بها البعض ونفاها البعض الآخر وفصّل آخرون..هل العقل يستقل بإدراك ذاتي للحسن والقبح أم يحتاج إلى مصدر آخر غير العقل كالوحي مثلا..وحسنا فعل ميرزا مهدي الأصفهاني حين ذهب في بعض مفاصيل حجيثه عن استقلال العقل بالإدراك الذاتي للقبح والحسن على أنّ الاختلاف هنا في الكم لا في النوع..الاختلاف هنا هو ذاته الذي يحيلنا إلى ديكارت الذي اعتبر العقل متساوي النسبة بين الخلائق وإنما يجري الاختلاف في طريقة استعماله..وقال بأن استقلال العقل ليس في الإدراك فقط لموضوعاته بل بإنتاج كل الأفكار من دون حاجة إلى مصدر آخر.. وهو ما سيكون مصدر خلاف كبير ليس فقط بين العقلانيين والتجريبيين بل أيضا خلافا بين العقلانيين فيما بينهم..على الأقل سنجد كانط يكرس أهمية تداخل العقل مع التجربة كمصدر للمعرفة..وما عدا ذلك من إدراك العقل للأشياء بالمعنى الديكارتي هو عند كانط غير مطلق، بل إن العقل لا يدرك النومينا والترنسندنتالي..إنّ كون العقل متساوي بين الناس حسب التعبير الديكارتي هو ليس كذلك عند لوك الذي يرفض وجود أفكار فطرية مسبقة في العقل..فالمعرفة حسب لوك تتم عبر التجربة والاختلاف حولها نابع من اختلاف التجارب..وهذا يجري في الحقيقة حتى على مفهوم الأطر الاجتماعية أو الباراديغمية التي يتحرك العقل من داخلها وهي التي تحدّد قوّة أدائه ونوعيته..ليست قروننا هي آخر القرون..وفي قرون آتية ستبدوا قروننا كأنّها ما قبل تاريخ معقول جديد وعقل متجدد..إنّ العودة إلى فكرة تعايش المعقول واللامعقول تتجلى أكثر في مسرح الحياة الاجتماعية..هناك محلّ التجارب والمعطيات والعلاقات المتجددة..هناك يلعب المعقول أحيانا أدوارا في صالح المعقول..العقل في نظري وعاء يستفيد من كلّ المعطيات والتجارب ويعيد تشكيل نفسه بحسبها.. حتى ما يبدو مبادئ فطرية هي تخضع لتركيب مستدام وتعمل في سرّية لاواعية لأنّ سيطرة الكائن على الظواهر والمعقولات المفترضة لا يمكن حسابها بالوعي..ذلك لأنّ اللاوعي وحده ـ كما ذهب فرويد ـ يحسب بدقّة..وهناك كمّا من اللامعقول يتسرب ويتعايش مثل الباكتيريا النافعة وغير النافعة في الأجسام..ولكن المعقول لا يعيش في حالة طهرانية نقية..إنّ قدر المعقول البشري أن يعانق اللاّمعقول..لأنّنا نلاحظ خلال هذه الجدلية أنّ الكثير من المعقول البشري يقدّم نفسه بوسائل لا معقولة..وكثير من اللامعقول يقدم نفسه بوسائل معقولة..وتلك هي حيرة العقل بين المعقول واللامعقول.. على هذا الأساس تعكس الوقائع والظواهر الإنسانية حالة مزدوجة دائما بين المعقول واللاّمعقول..حتى في أفتك الحروب قد تجد هذا الجدل حاضرا..حتى في الفعل الجرمي لا يوجد مجرم لا يبرر جرمه على أساس المعقول.. حتى في القناعات التواصلية لا يحصل هذا النقاء وذاك التجزيئ..ففي سوق المعتقدات تجد نفسك مضطرا للقبول بالسلعة كلها..معقولها ولامعقولها (فافهم)..ليست كل تفاصيلها مفتحصة بنحو واحد من الافتحاص..ولا مقنعة بنحو واحد من قوة الإقناع..ولكنها تصرف في سوق القناعة بقوة الأيديولوجيا التي تلعب دورا خطيرا في تنسيق المعقول واللامعقول..حتى في المجال العلمي فإنّ المعرفة لا تنهض على إبستيمولوجيا مستقيمة على طول الخط في مراقبة تفاصيل المسارات العلمية..هناك وجب الإلتزام برزمة الأدوات الباراديغمية وتمثّل الطاعة لسلطتها وهو ما سيظهر جليّا في الجدل الحاصل بين نظام الباراديغم الكوني ونظام الدحض الدائم البوبري في مجال العلوم..إنّها أزمة بنيوية تجعل الممارسة العقلية ليست واحدية الاتجاه صوب النقاء العقلي بل هي جاذبة للمعقول واللامعقول..والمواجهة هي إذن ليست بين المعقول واللامعقول، بل هي في الأصل مواجهة بين مستوى من المعقول واللامعقول ضد مستوى آخر من المعقول واللامعقول...هنا المعقول واللامعقول لا يتواجدان على نحو من الانفصال ، بل يوجدان على نحو من الاتحاد ضمن نسق معقد يستقوي فيه اللامعقول بالمعقول ليشكل منظومة موحدّة بعنوان الموقف العقلاني..لن تنتهي المعركة والصراع بين مراتب المعقول واللامعقول والتي سأصطلح عليها من الآن عبارة: نسق تواطؤ المعقول واللاّمعقول في الممارسة العقلية

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat

  

ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/12/22



كتابة تعليق لموضوع : حيرة العقل بين المعقول واللامعقول
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :



أحدث التعليقات كتابة :



  علّق محمد السعداوي الأسدي ديالى السعدية ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : رجال بني اسد ابطال وين ماكان

 
علّق شیخ الحق ، على دور ساطع الحصري في ترسيخ الطائفية (الفصل السادس) - للكاتب د . عبد الخالق حسين : فعلا عربان العراق ليسوا عربا هم بقايا الكورد الساسانين و العيلامين. فيجب ان يرجعوا إلى أصولهم و ينسلخوا من الهوية المزورة العروبية.

 
علّق الحسن لشهاب.المغرب.بني ملال. ، على ضعف المظلومين... يصنع الطغاة - للكاتب فلاح السعدي : جاء في عنوان المقال: ضعف المظلومين... يصنع الطغاة، بينما الحقيقة الشبه المطلقة، هو ان حب و تشبث النخب العربية بأموال الصناديق السوداء و بالمنافع الريعية و بخلود الزعامة السياسية و النقابية ،و حبهم لاستدامة المناصب الادارية العليا و حبهم في الولوح الى عالم النخبة ,,هو من يصنع الطغاة بامتياز؟؟؟ بالاضافة بالطبع الى رغبة الغرب المنافق في صناعة الطغاة من اجل ردع و قمع الشعوب المسلمة ،المتهمة بالارهاب و العنف الديني,, و حتى و ان قرر الغرب بعد فضيحة فساد البرلمان الاوروبي ،التخلي عن الطغاة و التمسك بالقانون ، فانه و للاسف الشديد ،،النخب لم تتخلى عن هذه الطغاة,

 
علّق بهاء حسن ، على هل هذا جزاء الحسين عليه السلام ؟ - للكاتب سامي جواد كاظم : ماهو مصدر القصة نحن نعلم ان بجدل هو قطع الخنصر المقدس، لكن القصة وضيافة الامام له ماهو مصدرها

 
علّق محمد ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : ما عید التقدمه؟ فحصت الانترنت و لم اظفر بشیء فیه

 
علّق ا. د. صالح كاظم عجيل علي ، على أساتذة النحوية في مدرسة النجف الاشرف* - للكاتب واثق زبيبة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الأخ الكريم استاذ واثق زبيبة المحترم هذا المقال هو جزء من أطروحة دكتوراه الموسومة بالدرس النحوي في الحوزة العلميّة في النجف الأشرف عام ٢٠٠٧ وكل الترجمات الموجود في المقال مأخوذة نصا بل حرفيا من صاحب الأطروحة فلا اعرف لماذا لم تذكر ذلك وتحيل الى كتب تراجم عامة مع ان البحث خاص باطروحة جامعية ارجو مراجعة الأطروحة مرة أخرى الباب الأول الفصل الأول من ص ١٥ الي ص ٢٥ فضلا عن المغالطات العلمية الواردة في المقال على سبيل المثال (مدرسة النجف النحوية!!!) تحياتي

 
علّق محمد ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : ما عید التقدمه؟ فحصت الانترنت و لم اظفر بشیء فیه

 
علّق سليمان علي صميدة ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : بارش بن حاسم احد صلحاء بني اسرائيل عاصر النبي موسى عليه السلام و حفظ تنبؤاته و منها : ( كل الدنيا سلام من جديد, وكل الدنيا دار الكخباد والمسـيح اراد ربه ان يعود) و الكاخباد كلمة عبرية المقصود بها القائم المهدي . الكثير من هذه التنبؤات مخبأة في دهاليز الفاتيكان .

 
علّق سليمان علي صميدة ، على الكخباد قادم يا أبناء الأفاعي - للكاتب سليمان علي صميدة : بارش بن حاسم احد صلحاء بني اسرائيل عاصر النبي موسى عليه السلام و حفظ تنبؤاته و منها : ( كل الدنيا سلام من جديد, وكل الدنيا دار الكخباد والمسـيح اراد ربه ان يعود) و الكاخباد كلمة عبرية المقصود بها القائم المهدي . الكثير من هذه التنبؤات مخبأة في دهاليز الفاتيكان .

 
علّق حسين ، على (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، هل صدق القرآن في ذلك؟ (1) مع الأب الأقدس القس مار يعقوب منسي. - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : السلام عليكم  حسب ما ورد من كلام الأخت إيزابيل بخصوص ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين)كلامها صحيح وسائرة على نهج الصراط المستقيم . اريد ان اجعل مدلولها على الاية الكريمةالمذكورة أعلاه بأسلوب القواعد وحسب قاعدتي ؛ [ ان الناس الذين مارسوا أفعال وأقوال شريرة ضد دين زمانهم واشركوا بالله الواحد الاحد فهم في خانة المغضوب عليهم ان ماتوا ، وان كانوا بعدهم أحياء ولم تأتي قيامتهم أثناء الموت فهم في خانة الضالين عسى ان يهتدوا إلى ربهم الرحمن قبل موتهم فإن ماتوا ولم يهتدوا فتنطبق عليهم صفة المغضوب عليهم وهذه القاعدة تنطبق على كل البشر والجن ( والملائكة أيضا اذا انحرفوا كما أنحرف أبليس فصار شيطانا . ) اقول ان سورة الحمد وهي ام الكتاب حقا قد لخصت للجميع مايريده الله العلي العظيم .

 
علّق س علي ، على انتخابات الرجال زمن الرعب في النجف الاشرف - للكاتب الشيخ عبد الحافظ البغدادي : سلام عليكم شيخنا الجليل ممكن ان احصل على طريقة للتواصل مع الشيخ المطور جزاكم الله الف خير كوني احد بناء الذين ذكرتهم جزاكم الله الف خير

 
علّق مروان السعداوي ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : عشيره السعداوي الاسديه متواجدة في ديالى وكركوك وكربلاء وبعض من اولاد عملنا في بغداد والموصل لاكن لايوجد اي تواصل واغلبنا مع عشائر ثانيه

 
علّق د. سندس اسماعيل محسن الخالصي ، على نطاق أرضية الحماية الاجتماعية في الإسلام - للكاتب مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات : مقالة مهمة ومفيدة بوركت اناملكم وشكراً لمدونة كتابات في الميزان

 
علّق حعفر البصري ، على كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي بحث مناقش / القسم الثالث - للكاتب حميد الشاكر : سلام عليكم لفض هذا الاشتباك بين كاتب المقال والمعلقين أنصح بمراجعة أحد البحوث العلمية في نقد منهج الدكتور على الوردي والباحث أحد المنتمين إلى عائلة الورد الكاظمية، اسم الكتاب علم الاجتماع بين الموضوعية والوضعية للدكتور سليم علي الوردي. وشكرا.

 
علّق محمد زنكي الاسدي الهويدر ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : عشيره السعداوي الأسديه أبطال .

الكتّاب :

صفحة الكاتب : الشيخ احمد صالح ال حيدر
صفحة الكاتب :
  الشيخ احمد صالح ال حيدر


للإطلاع على كافة الكتّاب إضغط هنا

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net